117 من حديث: (أقبل رجل إلى نبي الله فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى..)

 
10/321- وعن عبداللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قَالَ: أَقْبلَ رجُلٌ إِلى نَبِيِّ اللَّه ﷺ فَقَالَ: أُبايِعُكَ عَلَى الهِجرةِ وَالجِهَادِ أَبْتَغِي الأَجرَ مِنَ اللَّه تعالى، قال: فهَلْ لكَ مِنْ والِدَيْكَ أَحدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نعمْ، بَلْ كِلاهُما، قَالَ: فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّه تَعَالَى؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: فَارْجِعْ إِلى والِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُما متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ لهُما: جاءَ رجلٌ فاسْتَأْذَنه في الجِهَادِ فقَالَ: أَحيٌّ والِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ففِيهِما فَجاهِدْ.
11/322- وعنه ، عن النَّبيِّ ﷺ قال: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالمُكافِئ، وَلكِنَّ الواصِلَ الَّذي إِذا قطعتْ رَحِمُهُ وصلَهَا رواه البخاري.
12/323- وعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّه، وَمَن قَطَعَني قَطَعَهُ اللَّه متفقٌ عليه.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث كالتي قبلها في الحثِّ على برِّ الوالدين، فبرُّهما من أهم الواجبات، ومن أفضل القربات، ولهذا يقول الله جلَّ وعلا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وقال : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، وقال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، فبرّهما والإحسان إليهما من أهم القربات، ومن أعظم الواجبات.
هذا رجلٌ قال: يا رسول الله، يعني يستأذن في الجهاد، فقال: أَحَيٌّ وَالِدَاك؟ قال: نعم، قال: ارجع إليهما فأحسن صُحبتَهما، وفي اللفظ الآخر: ففيهما فجاهد، فبرّهما والإحسان إليهما مُقدَّمٌ على الجهاد، ولهذا في الحديث الصحيح يقول ﷺ لما سُئِل: أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أيّ؟ قال: بِرّ الوالدين، قلت: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فبرّ الوالدين من أهم الواجبات، وذلك بالإحسان إليهما، والرفق بهما، والسمع والطاعة لهما في المعروف، والإنفاق عليهما عند الحاجة، وإكرام صديقهما، وإنفاذ وصيتهما من بعدهما، فكل هذا من برِّهما.
ويقول ﷺ: ليس الواصِلُ بالمُكافئ يعني: ليس الواصل بالحقيقة والكمال بالمكافئ، ولكن الواصل –يعني: الكامل- الذي إذا قطعت رحمه وصلها، فكونه يصلهم ويصلونه هذا وصل، لكن أفضل منه وأعظم الذي يصلهم مع قطيعتهم، يُحسِن إليهم ويُسيئون إليه، هذا هو الواصل على الكمال، ولهذا تقدَّم في الحديث أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إنَّ لي قرابةً أصلهم ويقطعوني، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: إن كنتَ كما قلتَ لكأنَّما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ على ذلك.
هذا إنسانٌ يصلهم ويقطعونه، ويحلم عليهم ويجهلون عليه، ويجتهد في كلِّ ما ينفعهم، ويُقابلونه بالإساءة، قال النبيُّ ﷺ: كأنما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ على ذلك.
فالمؤمن يصل أرحامَه ويجتهد ويبشر بالخير، وأعظم ذلك وأهمّه برّ الوالدين وإن أساءا، وإن قطعاكَ أحسن إليهما، قال تعالى في حقِّ الوالِدَيْن الكافِرَيْن: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15] ولو كانا كافِرَين، لا بدّ من الصبر، والإحسان إليهما، ودعوتهما إذا كانا كافرين أو عاصِيَين، تدعوهما إلى الله بالحلم والرفق، والكلام الطيب، والأسلوب الحسن، يقول ﷺ: ليس الواصلُ بالمُكافئ، ولكن الواصلَ الذي إذا قطعت رَحِمُه وصلها، هذا الواصل الكامل الذي جاهد نفسه حتى وصل رحمَه مع القطيعة.

وفي حديث عائشة: تقوم الرحمُ بالعرش وتقول: مَن وصلني وصله الله، ومَن قطعني قطعه الله، وتقدم قوله ﷺ: لما خلق الله الرَّحِمَ قامت فقالت: هذا مقام العائِذ بك من القطيعة، قال لها: ألا ترضين أن أصلَ مَن وصلك، وأن أقطع مَن قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لكِ، وفي الحديث الآخر: مَن وصلها وصلته، ومَن قطعها بَتَتُّه -نسأل الله العافية.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: سؤال من امرأةٍ تقول: ركبتُ لولبًا، وكانت أيام الدورة ستة أيام، ولا يزال الدم مستمرًّا، وتركت الصلاة مدة خمسة أيام بعد الأيام الأولى، فهي في خلال خمسة أيام لم تُصلِّ، هل تُعيد الصلاة خمسة أيام؟ وهل عليها إثم؟
ج: هو الأحوط، لها أن تُعيد ما زاد على الدورة، الرسول لما اشتكت إليه النساء أمر مَن اشتكت إليه الدّماء أن تغتسل عند تمام الدورة.
س: رجل يقضي أوقاتًا في ركوب الخيل، هل هذا من العبادات؟
ج: المسابقة للتعلم ما فيها بأس: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [الأنفال:60]، إذا كان قصده التعلم ليتمرن على الجهاد وقصده خير فلا بأس، أمَّا إذا كان قصده مزاحًا ولعبًا فهذا مباح من باب المباحات.
س: إذا كان الشخص يريد الجهادَ فهل يستأذن والديه؟
ج: يستأذنهما، قال: ارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك وإلا فبرّهما، إلا إذا كان الجهاد واجبًا، مثل: حصر البلادَ عدوٌّ، أو كان بين الصَّفَّين، أو استنفره الإمامُ؛ فلا إذن، ففي هذه المواضع الثلاثة يجب عليه القتال ولا يستأذن.
س: يقول سائلٌ: والدتي تُقيم وحدها في مدينةٍ بعيدةٍ عن الرياض، وسوف أقضي عيد الأضحى معها إن شاء الله تعالى أنا وزوجتي وابنتي، فهل يكفي أضحية واحدة عني وعن أهلي وعن والدتي، أم لا بدّ أن يكون لكلٍّ منا أضحية؟ علمًا بأني قادر على شراء أي عددٍ.
ج: إذا كانت أمك في بيتٍ لحالها تُسنّ لها أضحية وحدها، وأنت تُضحي عن نفسك وأهل بيتك، فما دامت أمك مستقلةً في بيتٍ لها فالأفضل لها أن تُضحي إذا قدرت، وأنت تُضحي وأهل بيتك، وإذا انتقلتَ إليها وذبحتَ الضَّحيةَ عندها حصل خيرٌ إن شاء الله.
س: إذا صار عنده خدمٌ هل يُشركهم في أضحيته؟
ج: ما هو بلازم، أهل بيته: زوجته وأولاده.
س: الخدم ما يدخلون؟
ج: لا، هذا من باب الإحسان إليهم، فهم أُجَرَاء.