116 من حديث: ( أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي..)

 
7/318- وعن أبي هريرة : أَنَّ رجلًا قَالَ: يَا رَسُول اللَّه، إِنَّ لِي قَرابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُوني، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِم وَيُسِيئُونَ إِليَّ، وأَحْلُمُ عنهُمْ وَيَجْهَلُونَ علَيَّ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ، وَلا يَزَالُ معكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلكَ رواه مسلم.
8/319- وعن أَنسٍ : أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: مَنْ أَحبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزقِهِ، ويُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ متفقٌ عَلَيهِ.
9/320- وعنه قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَة أَكْثَر الأَنصار بِالمَدينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحبّ أَمْوَالِهِ بَيْرَحَاء، وكَانتْ مُسْتَقْبِلَة المَسْجِد، وكَان رسولُ اللَّه ﷺ يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَب مِنْ ماءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَلمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيةُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] قَامَ أَبُو طَلْحة إِلَى رسولِ اللَّه ﷺ فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّه، إِنَّ اللَّه تَبَارَك وتَعَالَى يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وَإِنَّ أَحبّ مَالِي إِليَّ بيرحَاء، وإِنَّهَا صَدقَةٌ للَّهِ تَعَالَى، أَرجُو بِرَّهَا وذُخْرَهَا عِنْد اللَّه تَعَالَى، فَضَعْهَا يَا رَسُول اللَّه حيثُ أَراكَ اللَّه، فقال رسولُ اللَّه ﷺ: بَخٍ، ذلِكَ مالٌ رابحٌ، ذلِكَ مالٌ رابحٌ، وقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلتَ، وإِنِّي أَرى أَنْ تَجْعَلَهَا في الأَقْرَبِين، فَقَالَ أَبُو طَلْحة: أَفعلُ يَا رَسُول اللَّه، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحة في أَقارِبِهِ وبَنِي عمِّهِ. متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث تدل على شرعية صلة الرحم والترغيب فيها، وأنه يُستحب للمؤمن أن يصل أرحامَه، وأن يحذر القطيعة، كما قال الله جلَّ وعلا مُحذِّرًا من القطيعة: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22- 23]، وأثنى على الذين يصلون ما أمر الله به أن يُوصَل.
فالواجب على كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ صلة الرحم بما يسَّر الله من مالٍ، وكلامٍ طيبٍ، وغير هذا من وجوه الخير، وفي هذا يقول ﷺ: مَن أحبَّ أن يُبْسَط له في رزقه، وأن يُنْسَأ له في أثره –يعني: في أجله- فَلْيَصِل رحمه، فحثّ على صلة الرحم.
وقال رجلٌ: يا رسول الله، إنَّ لي قرابةً أصلهم ويقطعونني، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فماذا تأمُرني؟ قال: لئن كنتَ كما قلتَ لكأنَّما تُسِفُّهُم المَلَّ، المَلّ يعني: الرَّماد الحامي، ولا يزال معك من الله ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ على ذلك.
فهذا الرجل كان يصل أرحامَه ويقطعونه، ويحلم عنهم ويجهلون عليه، ويُحسِن إليهم ويُسيئون إليه، ومع هذا صبر، فقال له النبيُّ ﷺ: كأنَّما تُسِفُّهم المَلَّ أي: الرماد، من إحسانك إليهم، وكراهتهم للمعروف، وإنكارهم للمعروف، ولا يزال معك من الله ظَهِيرٌ عليهم، فالله مُعِينٌ للواصلين، مُوفِّقٌ لهم إذا صدقوا في ذلك وأخلصوا لله جل وعلا.
وفي الحديث الآخر: يقول ﷺ: ليس الواصِلُ بالمُكافِئ، ولكن الواصلَ الذي إذا قطعت رَحِمُه وصلها، هذا الواصل الكامل الذي إذا قطعت رَحِمُه وصلها، والقطيعة شأنها قبيحٌ، وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: لا يدخل الجنةَ قاطعُ رحمٍ.
فيُشرع للمؤمن -بل يجب على المؤمن- أن يصل أرحامه، ويجتهد في ذلك، وأن يصبر حتى يلقى ربَّه، فسوف يجد الخيرَ العظيم عند الله جلَّ وعلا، والفضل الكبير بصلته وإحسانه إلى قرابته، وسوف تكون له العاقبة الحميدة.
وفي هذا قصة أبي طلحة لما سمع قول الله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] يعني: كمال البر لا يناله المؤمن حتى يُنْفِق مما أحبَّ، والمال محبوبٌ للإنسان، قال تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20]، قال: يا رسول الله، إني سمعتُ الله يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وإن أحبَّ أموالي إليَّ بيرحاء، وهي نخلٌ في مستقبل المسجد لأبي طلحة، كان النبيُّ ﷺ يدخل هذا النَّخْل ويشرب من ماءٍ فيه طيب، قال أبو طلحة: وإنَّها صدقةٌ لله، أرجو بِرَّها وذُخرَها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال النبيُّ ﷺ: بَخٍ، بَخٍ، ذلك مالٌ رابحٌ، يعني: رابح لصاحبه، ناجح في الدنيا والآخرة، وفي اللفظ الآخر: مالٌ رائحٌ يعني: زائل، أو يروح عليك ثوابه وأجره، وقد سمعتُ ما قلتَ، وإنِّي أرى أن تضعها في الأقربين يعني: تُوزّعها بين أقاربك، فوزَّعها أبو طلحة بين أقاربه كما قال له النبيُّ ﷺ.
فهذا فيه الدلالة على فضل صلة الرحم: إخوة، وأبناء، وأعمام، وأخوال، وبني عم، وبني أخ، وأشباههم من الأقارب، فكلهم صلتهم فيها الخير العظيم بما يسَّر الله: من كلامٍ طيبٍ، من مشورةٍ، من نصيحةٍ، من مالٍ، من شفاعةٍ لهم في خيرٍ، إلى غير هذا من وجوه الخير، ومن ذلك المال ومُواساتهم به.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: لو اتَّفق مجموعةٌ من الأقارب على أن يكون اجتماعُهم شهريًّا فهل في ذلك شيء؟
ج: لا، ما فيه شيء، جزاهم الله خيرًا.
س: بعض الناس يقول: هذه بدعة؟
ج: لا، ما فيه شيء.
س: ما المُعتبر في صلة الرحم؟
ج: بما تيسَّر، ليس هناك شيءٌ محدودٌ، حتى ولو بالكلام الطيب إذا لم يكن عنده مالٌ، فالكلام الطيب يكفي، والذي عنده مال وهم محتاجون يصلهم بالمال.
س: بالنسبة للمُراسلة والمكاتبة؟
ج: المراسلة من صلة الرحم إذا كانوا لا يستحقون الهجر.
س: إذا كان الرحمُ غير مسلمين؟
ج: ولو لم يكونوا مسلمين، يقول النبيُّ ﷺ لأسماء لما جاءت أمّها تطلب الرّفد وهي كافرة: صليها، وكان عمر يصل أقاربَه في مكة بعد الصلح وهو في المدينة، والله جلَّ وعلا يقول في كتابه الكريم: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8]، فإذا لم يكن بيننا وبينهم حربٌ فلا بأس أن نصلهم؛ لأنَّ فيه تأليفًا ودعوةً إلى الخير، إذا وصلهم وأحسن إليهم بالمال أو بالمكاتبة يدعوهم إلى الله، فهذا فيه تأليف ودعوة إلى الخير.
س: إذا كان أقاربه مثلًا عندهم دشّ فهل له أن يزورهم ثم ينصرف؟
ج: يزورهم وينصحهم عن الدش وغير الدش من المنكرات، وإذا أبوا وأصرُّوا على الباطل وأعلنوه استحقّوا الهجر.
س: من غير هجرٍ يزورهم قبلُ؟
ج: لا، ينصحهم.
س: هل للمُجْنِب أن يقرأ كتبَ العلم؟
ج: نعم، ما عدا القرآن، يقرأ كتب التفسير والحديث والفقه.
س: هل مُواصلة المُكافئ تُعتبر من صلة الرحم؟
ج: نعم، مكافأةٌ وصلة رحمٍ جميعًا.
س: زيادة العمر هل هي حقيقيَّة: مَن أحبَّ أن يُنْسَأ له في أثره؟
ج: نعم، يكون هذا، تكون الزيادة بالبركة، وتكون الزيادة بالسنين، قد تكون مُعلَّقةً، فقد يكتب اللهُ لإنسانٍ مئة سنةٍ على صلة رحمه، والآخر كتب له ثمانين على صلة رحمه، والثالث كتب له ستين على صلة رحمه، قَدَرٌ مُعلَّقٌ على هذه الأسباب.
س: رجلٌ ما صلَّى السّنن الرواتب قبل الظهر، فصلاهم بعد الظهر، فيقول: هل ..؟
ج: يُصليها بعد الظهر، كان النبيُّ ﷺ إذا لم يُصلها قبلُ صلَّاها بعد، يُصلي راتبة الظهر التي قبلها والتي بعدها.
س: يوجد عندنا ظاهرة من نهي النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة خلف النائم؟
ج: ما أتذكر شيئًا، كان يُصلي وعائشة بين يديه في الليل إذا تهجد.
س: إذا أخرج الإنسانُ وهو صائم القلسَ عمدًا هل يُفطر به؟
ج: نعم، النبي ﷺ قال: مَن ذرعه القَيْءُ فلا قضاءَ عليه، ومَن استقاء فعليه القضاء بنصِّ الحديث.
س: ناس سافروا وأدركتهم صلاةُ الجمعة، هل يُصلونها ظهرًا قصرًا؟
ج: في البَرّ؟
س: نعم في البَرّ.
ج: لا، يُصلون ظهرًا فقط، ما عليهم جمعة.
س: ما يقصرون الظّهر؟
ج: بلى، يُصلون الظهر ثنتين، ما عليهم إلا ظهر، الجمعة في حقِّ المقيمين المُستوطنين.
س: يعني: يقصرون الظهر؟
ج: نعم، الظهر في حقِّهم في السفر؛ لأنَّ المسافر ليس عليه جمعة، لكن لو مرُّوا على قريةٍ أو بلدٍ وصلّوا مع الناس جمعةً أجزأتهم عن الظهر.