114 من: (باب بر الوالدين وصلة الأرحام)

 
40- باب برِّ الوالدين وصلة الأرحام
قال الله تَعَالَى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36].
وَقالَ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ [النساء:1]، وَقالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [الرعد:21]، وَقالَ تَعَالَى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [العنكبوت:8]، وَقالَ تَعَالَى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ۝ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23- 24]، وَقالَ تَعَالَى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14].
1/312- عن أبي عبدالرحمن عبداللَّه بن مسعودٍ قَالَ: سأَلتُ النبيَّ ﷺ: أَيُّ الْعملِ أَحبُّ إِلَى اللَّهِ تَعالى؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قلتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: الجِهَادُ في سبِيل اللَّهِ متفقٌ عَلَيهِ.
2/313- وعن أبي هريرةَ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: لا يَجْزِي ولَدٌ والِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مملُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ رواه مسلم.
3/314- وعنه أيضًا : أَن رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَومِ الآخِر فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ فلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ متفقٌ عليه.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث مع الآيات الكريمة كلها تتعلق ببرِّ الوالدين وصلة الرحم، والواجب على كل مؤمنٍ وعلى كل مؤمنةٍ بِرُّ الوالدين وصلة الرحم، كما أمر الله بذلك، وأمر به رسولُه عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وقال جلَّ وعلا: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، وقال سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ [النساء:36] الآية.
فالواجب على كل مؤمنٍ وعلى كل مؤمنةٍ أن يتَّقي ربَّه في والديه وفي أرحامه، وأن يصل الجميع؛ طاعةً لله ورسوله، وحذرًا من غضب الله.
وقال ابنُ مسعودٍ : قلتُ: يا رسول الله، أيُّ العمل أفضل؟ وفي لفظٍ: أحبُّ إلى الله؟ قال: الصلاةُ على وقتها، فكونه يُصلِّي الصلاةَ على وقتها مع المسلمين هذا أحبُّ العمل إلى الله بعد التوحيد والإيمان بالرسول ﷺ، فأحبُّ الأعمال إلى الله بعد الشَّهادتين العناية بالصلاة، والمحافظة عليها، وأداؤها في الوقت في جماعةٍ، قلتُ: ثم أي؟ قال: بِرُّ الوالدين، قال: قلتُ: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فجعل بِرَّ الوالدين يَلِي الصلاةَ، وقبل الجهاد؛ لعظم حقِّهما.
وجاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله، ائذن لي في الجهاد؟ قال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد، وفي اللفظ آخر: ارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك وإلا فبِرّهما.
فبِرّ الوالدين له شأنٌ عظيمٌ، ومنزلةٌ كبيرةٌ، فالواجب على كل مؤمنٍ أن يحرص على بِرِّ والديه والإحسان إليهما، والحذر من عقوقهما.

وهكذا من أهم المهمات: صلة الرحم والإحسان إلى الأقارب، يقول ﷺ: مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيُكْرِمْ جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكْرِمْ ضيفَه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيَصِلْ رَحِمَه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو لِيَصْمُتْ، فالمؤمن إمَّا أن يحفظ لسانَه، وإمَّا أن يقول خيرًا، ومن الواجبات أن: يصل الرحم، ويُكرم الضيف، ويُكرم الجار.
ويقول ﷺ: لا يجزي ولدٌ والدَه إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه، إذا وجد أباه أو أمه مملوكين فاشتراهما فأعتقهما فهذا من أعظم برّهما.
وبكل حالٍ، فالواجب على كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ العناية بالوالدين، والسمع والطاعة لهما بالمعروف، وعدم رفع الصوت عليهما، والحرص على الإحسان إليهما، وعلى كفِّ الأذى عنهما، يقول ﷺ لما خطب الناس: ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، كرَّرها ثلاثًا، ثم قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان مُتَّكِئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فبين أنَّ عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ويلي الشرك.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: كيف يدعو الرجلُ والديه؟
ج: يا أبتي، يا أماه، يا أبا عبدالله، يا أبا فلان، يا أبتاه، يا أماه، يا أم عبدالله، يا أم محمد.
س: أبواه عاصيان ويريد دعوتهما للهداية؟
ج: يقول: اتَّقِ الله، افعل كذا، دعْ عنك كذا، وينصح: يا أبتِ إن هذا لا يجوز، مثلما قال إبراهيمُ، فينصح والديه: يا أبتِ افعل كذا، يا أبتِ دَعْ عنك كذا، يا أبتِ حافظ على الصَّلوات، فالصلاة عمود الدين، يا أبتِ احذر الدخان، احذر المُسْكِر، احذر الإسبال، فكلّ هذه محرَّمات، وما أشبه ذلك.
س: يزعل؟
ج: ولو زعل، لكن بالعبارات الحسنة وباللّطف، قُلْ لهما قولًا لينًا.
س: هل صلة الرحم تكون من طريق الأم ومن طريق الأب؟
ج: نعم، الأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات، سواء من طريق الأم، أو من طريق الأب، كلهم رحم.
س: كذلك المرأة مثلًا إذا كانت مع زوجٍ، والزوج من غير الأقارب، فهل لها أن تصل رحمَها؟
ج: رحمها هي وأقاربها هي من جهة أمِّها وأبيها؟
س: نعم.
ج: فأقارب زوجها صاروا أجانب، ما هم برحمٍ لها.
س: مثلًا: أخوالها وأعمامها وهكذا، فالزوج مثلًا يرفض؟
ج: تصلهم من مالها لا من مال الزوج إلا بإذنه، من مالها هي.
س: أقصد زيارتهم؟
ج: أو زيارتهم إلا بإذنه كذلك.
س: بإذنه؟
ج: نعم.
س: طيب، لو رفض الزوج ما عليه حرج؟
ج: إذا كان يرى المصلحة فلا بأس، والأحسن أن يُعينها على الخير، لكن إذا كان يخشى من زيارتها شرًّا فلا بأس أن يمنعها.
تقدم سؤال بعض الإخوان عن حديث: زيِّنوا القرآنَ بأصواتكم، والحديث المذكور بعد المراجعة ثبت أنه صحيح: رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، بإسنادٍ صحيحٍ عن البراء بن عازب: أنَّ النبي ﷺ قال: زيِّنوا القرآنَ بأصواتكم، فتحسين الصوت بالقرآن من أسباب الخشوع والتَّدبر، ومن أسباب الرغبة في سماع القرآن، ومن أسباب حُسن الفهم عن الله .
س: الرجل إذا دعا والديه لترك بعض المعاصي ولم يستجيبا هل له أن ينزل من البيت ويتركهما؟
ج: لا، يرفق بهما، الله قال في حقِّ الكافِرَيْن: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، حتى الكافِرَيْن يرفق بهما، ويعتني بهما.
س: ما الأفضل: طلب العلم، أو الجهاد في سبيل الله؟
ج : طلب العلم من الجهاد في سبيل الله، فيطلب العلم أولًا ثم يجاهد، فعليه أن يتفقَّه في الدِّين أولًا، إلا إذا تعيَّن الجهادُ وصار فرضَ عينٍ، وذلك إذا هجم العدو أو حضر الصَّفَّيْن، فعليه أن يُجاهد، وما دام في سعةٍ فعليه التَّفقه في الدين والتَّعلم حتى يعرف كيف يجاهد.
س: معنى تزيين القرآن؟
ج: يعني: تحسين الصوت وعدم العجلة.