322 من: (باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان)

 
181- باب الأمر بتعهّد القرآن والتَّحذير من تعريضه للنسيان
1/1002- عَنْ أَبي مُوسَى ، عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: تَعاهَدُوا هَذَا الْقُرآنَ، فَوَالَّذي نَفْسُ مُحمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِها متفقٌ عَلَيْهِ.
2/1003- وعنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عنهما: أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّمَا مَثَلُ صاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الإِبِلِ المُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَد عَلَيْها أَمْسَكَهَا، وإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ متفقٌ عَلَيْهِ.

182- باب استحباب تحسين الصَّوت بالقرآن، وطلب القراءة من حَسَن الصوت والاستماع لها
1/1004- عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سمِعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقول: مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ متفقٌ عَلَيْهِ.
2/1005- وعن أَبي موسى الأشْعَرِيِّ : أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ لهُ: لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي روايةٍ لمسلمٍ: أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ لهُ: لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ البارحَةَ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالعناية بالقرآن، وأن المؤمن ينبغي له أن تكون له عناية بتعاهد القرآن، حتى لا يتفلَّت عليه، فحافظ القرآن قد أعطاه الله نعمةً عظيمةً، فالمشروع له أن يتعاهد هذه النعمة بالإكثار من القراءة والتلاوة ليلًا ونهارًا، حتى تستقرَّ هذه النعمة، وحتى لا يتفَلَّت عليه.
وقد شبَّه النبيُّ ﷺ ذلك بالإبل المُعَقَّلة، إن تعاهدها صاحبُها استقرَّتْ، وإن أهملها تفلَّتت عليه، ولهذا قال: تعاهدوا هذا القرآن، فوالَّذي نفسي بيده لهُو أشدُّ تَفَصِّيًا من الإبل في عُقُلِها، فهذا يدل على أنه ينبغي للمؤمن أن تكون عنده عناية وحرص واجتهاد في تلاوة القرآن الكريم وتعاهده، والحرص على بقائه في حفظه وفي قلبه، حتى لا يتفلَّت عليه.
وفي الحديث الثالث الدلالة على تحسين الصوت بالقراءة، فإنَّ تحسين الصوت والتَّلذذ بالقراءة من أسباب تأثر القلب، وتأثر المستمع، وحصول الفهم النافع، فالإنسان يعتني بتحسين صوته في القرآن الكريم، وإخراج الحروف من مخارجها، وإعطائها حقّها؛ حتى يفهم مراد الله، وحتى يُفيد مَن يسمع قراءته، ولهذا يقول ﷺ: ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ -وفي لفظٍ: ما أَذِنَ الله لنبيٍّ- كأذنه لنبيٍّ حسن الصَّوت بالقرآن يتغنَّى به يجهر به، وأَذِنَ: يعني استمع، كأذنه لنبيٍّ حسن الصوت بالقرآن يتغنَّى به، يجهر به، وهذا شيء يليق بالله: استماعه، وكلامه، وسائر صفاته، كلها تليق به، لا يُشابه الخلق في استماعهم، ولا في صفاتهم، كما قال عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل:74].
فقوله: ما أَذِنَ الله لشيءٍ يعني: استمع، كأذنه كاستماعه، وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يستمع قراءة القُرَّاء، ويعلم أحوالهم، ولا تخفى عليه خافيةٌ جلَّ وعلا، وأنه يُحب من عباده تحسين أصواتهم بالقراءة والتَّغنِّي بالقرآن، يعني: تحسين الصوت حتى يتلذذ به القارئُ والمستمعُ، وهذا من أسباب فهمه وتعقُّله، ومن أسباب العمل به، أمَّا إذا قرأ قراءةً لا يتأمّلها ولا يعتني بها فقَلَّ أن يتأثر به.
وهكذا حديث أبي موسى: مرَّ النبيُّ ﷺ بأبي موسى وهو يقرأ القرآنَ، فاستمع له، فقال: لقد أُوتِي هذا مِزْمَارًا من مزامير آل داود يعني: صوتًا حسنًا، فمَزاميرهم: أصواتهم العظيمة في القرآن، فلما أُبلغ أبو موسى قال : "لو علمتُ أنَّك تستمع لحَبَّرْتُه لك تَحْبِيرًا" يعني: زدتُ في تحسين الصوت.
فالمقصود من هذا كله أنه ينبغي للقارئ أن يحتسب الأجر، وأن يعتني، ولا تكون قراءته عاديةً لا يُبالي بها ولا يهتم، بل تكون له عناية بالقراءة وتحسين الصوت والتَّدبر والتَّعقُّل والتَّفهم حتى ينفع نفسَه وينفع مَن يستمع له، وحتى تكون هذه القراءة من أسباب رسوخ القرآن في قلبه، واستقراره وعدم تفلُّته.
وفَّق الله الجميع.