29 من قوله: ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ..)

شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185]
يَمْدَحُ تَعَالَى شَهْرَ الصِّيَامِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الشُّهُورِ بِأَنِ اخْتَارَهُ مِنْ بَيْنِهِنَّ لإنزال القرآن العظيم، وَكَمَا اخْتَصَّهُ بِذَلِكَ قَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِأَنَّهُ الشَّهْرُ الذِي كَانَتِ الْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ تَنْزِلُ فِيهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا عمران أبو العوام عن قتادة، عن أبي المليح، عن وائلة يَعْنِي ابْنَ الْأَسْقَعِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عبداللَّهِ وَفِيهِ: أَنَّ الزبور أنزل لثنتي عشرة خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَمَانِي عَشْرَةَ، وَالْبَاقِي كما تقدم، رواه ابن مردويه.
وأما الصُّحُفُ وَالتَّوْرَاةُ وَالزَّبُورُ وَالْإِنْجِيلُ، فَنَزَلَ كُلٌّ مِنْهَا عَلَى النَّبِيِّ الذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّمَا نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [الْقَدْرِ:1] وَقَالَ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [الدخان:3].
الشيخ: وهذا... فإنه أنزل في رمضان وهو سيد الشهور... فهذا كله من الفضائل والخصائص التي خص الله بها كتابه العظيم وهو القرآن العظيم وهو أفضل الكتب وأصدقها وأعظمها وأكملها ويدل على أشرف نبي وأكمل نبي محمد عليه الصلاة والسلام وأشرف ليلة، ولهذا كان من اعتصم به واستقام عليه فله السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، ومن حاد عنه هلك.
ثم نزل بعده مُفَرَّقًا بِحَسْبِ الْوَقَائِعِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، هَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا قَالَ إِسْرَائِيلُ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ، عن مقسم، عن ابن عباس: أنه سأل عَطِيَّةُ بْنُ الْأَسْوَدِ فَقَالَ: وَقَعَ فِي قَلْبِي الشك، قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] وَقَوْلُهُ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [الدخان:3] وَقَوْلُهُ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [الْقَدْرِ:1] وَقَدْ أُنْزِلَ فِي شَوَّالَ، وَفِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَفِي ذِي الْحِجَّةِ، وَفِي الْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ وَشَهْرِ رَبِيعٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ أُنْزِلَ فِي رَمَضَانَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَفِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى مَوَاقِعِ النُّجُومِ تَرْتِيلًا فِي الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ، ورَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَهَذَا لَفْظُهُ.
وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَجُعِلَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ، ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي عِشْرِينَ سَنَةً لِجَوَابِ كَلَامِ النَّاسِ، وَفِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ في ليلة القدر إلى هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَكَانَ اللَّهُ يُحْدِثُ لَنَبِيِّهِ مَا يَشَاءُ وَلَا يَجِيءُ الْمُشْرِكُونَ بِمَثَلٍ يُخَاصِمُونَ بِهِ إِلَّا جَاءَهُمُ اللَّهُ بِجَوَابِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان:32].
الشيخ:... أنه أنزل جملة واحدة إلى بيت العزة ثم نزل منجمًا، وكان إنزاله من بيت العزة في ليلة القدر في رمضان، وهي أشرف الليالي.
وقول آخر: أنه أنزل أوله في ليلة القدر في رمضان، ثم بقيته نزل منجمًا على حسب الوقائع والحاجة في مكة وفي المدينة فأنزل في بقية الشهور وفي مكة وفي المدينة وفي الأسفار وكان من آخر ما نزل قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] وكان ذلك يوم جمعة في يوم عرفة في حجة الوداع...
س: القرآن أنزل مرة واحدة إلى بيت العزة؟
الشيخ: نعم، هذا معنى كلام ابن عباس لكن ما رواه عن النبي ﷺ يحتمل أنه اجتهد فيه ويحتمل أنه قاله توقيفًا، ومعلوم أنه نزل في أوقات متعددة في أماكن متعددة فإن... كما قال ابن عباس أنه جل وعلا تكلم به وأنزله جملة واحدة، ثم نزل منجمًا بأمره سبحانه على يد جبرائيل.
والقول الثاني إنه أنزل أوله اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] في ليلة القدر ثم أنزل منجمًا على حسب الوقائع والحاجة، فصدق عليه أنه أنزل... لأن أول أنزله... والباقي أنزل على حسب الحاجة، وأما قول ابن عباس فمعناه أنه كله أنزل في ليلة القدر كان ذلك في... بيت العزة ثم نزل منجمًا بأمر الله على يد رسوله جبرائيل عليه الصلاة والسلام.
س: تكلم به مرة ثانية لما نزل منجمًا؟
الشيخ: ما هو لازم.
وَقَوْلُهُ: هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ هَذَا مَدْحٌ لِلْقُرْآنِ الذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ هَدًى لِقُلُوبِ الْعِبَادِ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ وَبَيِّناتٍ أي دلائل وَحُجَجٌ بَيِّنَةٌ وَاضِحَةٌ جَلِيَّةٌ لِمَنْ فَهِمَهَا وَتَدَبَّرَهَا دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْهُدَى الْمُنَافِي لِلضَّلَالِ، وَالرُّشْدِ الْمُخَالَفِ لِلْغَيِّ، وَمُفَرِّقًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ إِلَّا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَلَا يُقَالُ رَمَضَانُ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَسَعِيدٍ هُوَ الْمُقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَا تَقُولُوا رَمَضَانَ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ- قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ.
(قُلْتُ) أَبُو مَعْشَرٍ هُوَ نَجِيحُ بْنُ عبدالرحمن المدني إمام الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ، وَلَكِنْ فِيهِ ضَعْفٌ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ عَنْهُ فَجَعَلَهُ مَرْفُوعًا عَنْ أَبِي هريرة، وقد أنكره عليه الحافظ ابن عَدِيٍّ، وَهُوَ جَدِيرٌ بِالْإِنْكَارِ، فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ، وَقَدْ وَهِمَ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدِ انْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لِهَذَا فَقَالَ: بَابٌ يُقَالُ رَمَضَانُ وَسَاقَ أَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.

الشيخ: وهذا هو الصواب فيقال رمضان ويقال شهر رمضان، وليس رمضان من أسماء الله، هذه الرواية التي ذكرت أنه من أسماء الله ضعيفة، فيقال رمضان ويقال شهر رمضان، وفي هذا قوله ﷺ: لا تقدموا رمضان بصوم ولا يومين في الصحيحين، ومثل قوله ﷺ في الحديث الآخر في هلال رمضان ﷺ، فالحاصل أن رمضان اسم الشهر نفسه وليس اسم من أسماء الله، ولكنه اسم الشهر فيقال شهر رمضان.
وَقَوْلُهُ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ هَذَا إِيجَابُ حَتْمٍ عَلَى مَنْ شَهِدَ اسْتِهْلَالَ الشَّهْرِ، أَيْ كَانَ مُقِيمًا فِي الْبَلَدِ حِينَ دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي بَدَنِهِ أَنْ يَصُومَ لَا مَحَالَةَ، وَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْإِبَاحَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لِمَنْ كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.الشيخ: تقدم أنه شرع الصوم على أطوار:
الطور الأول: التخيير فمن شاء صام ومن شاء أفطر والصوم أفضل، ومن أفطر أطعم عن كل يوم مسكينًا...
والطور الثاني: الإلزام برمضان والصوم بنسخ الإفطار والتخيير وأن من أدركه رمضان وهو صحيح مقيم وجب عليه الصيام واستقرت الشريعة على هذا على الصوم لمن كان صحيحًا مقيمًا.
والطور الثالث: أنه كان إذا نام بعد المغرب بعد غروب الشمس أو بعد صلاة العتمة حرم عليه الأكل والشرب، ثم نسخ هذا لما فيه من المشقة العظيمة وجعل الله الليل كله محل إفطار قال جل وعلا: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] فصار الصيام في البياض في النهار والليل كله إفطار نام أو لم ينم، وهذا من توسعة الله ورحمته .
 وَلَمَّا حَتَّمَ الصِّيَامَ أَعَادَ ذِكْرَ الرخصة للمريض وللمسافر أن يفطر بِشَرْطِ الْقَضَاءِ، فَقَالَ: وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مَعْنَاهُ: وَمَنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ فِي بَدَنِهِ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصِّيَامُ مَعَهُ أَوْ يُؤْذِيهِ، أَوْ كَانَ على سفر، أي في حالة السفر، فله أن يفطر، فإذا أفطر فعليه عدة مَا أَفْطَرَهُ فِي السَّفَرِ مِنَ الْأَيَّامِ، وَلِهَذَا قَالَ: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ أَيْ إِنَّمَا رَخَّصَ لَكُمْ فِي الفطر في حال المرض والسفر مَعَ تَحَتُّمِهِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ تَيْسِيرًا عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةً بِكُمْ.س: من أفطر في السفر ثم وصل إلى بلده هل يمسك؟
الشيخ: فيه خلاف والصواب أنه يمسك لأنه زال العذر.
س: يمسك وجوبًا؟
الشيخ: وجوبًا نعم.
وَهَاهُنَا مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ
[إِحْدَاهَا] أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ، فَلَيْسَ لَهُ الْإِفْطَارُ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِقَوْلِهِ تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَإِنَّمَا يُبَاحُ الْإِفْطَارُ لِمُسَافِرٍ اسْتَهَلَّ الشَّهْرَ وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ غَرِيبٌ، نَقَلَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ الْمُحَلَّى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ، وَفِيمَا حَكَاهُ عَنْهُمْ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَتِ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ خَرَجَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِغَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالْفِطْرِ، أَخْرَجَهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ.
الشيخ:... الإفطار يختص بمن استهل الشهر وهو في السفر قول ضعيف مرجوح، وفي نقله عن بعض الصحابة والسلف نظر فيما نقله أبو محمد ابن حزم نظر مثل ما قال المؤلف، والصواب أن المسافر يفطر مطلقًا سواء كان استهل الشهر وهو بالسفر أو سفر في أثنائه لعموم قول جل وعلا: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] فهذا يشمل من سافر في أول الشهر ومن سافر في أثناء الشهر، وقد خرج ﷺ في رمضان في عام الفتح في أثناء رمضان وأفطر في السفر عليه الصلاة والسلام.
س: والأفضل؟
الشيخ: الفطر أفضل.
س: وإن كان مسافرًا بالسيارة؟
الشيخ: إن كان بالسيارة مطلقًا، لكن إذا كان الصوم أرفق به وأحب أن يصوم فلا بأس، أما الطائرة ففيها تفصيل إذا كانت الطائرة تذهب إلى بلد وهو يقيم فيها والمدة يسيرة فالصوم أولى له. أما إذا كان يذهب إلى بلد لا يقيم فيها أو المسافة طويلة فهذا لا شك أن الفطر أفضل، كأن مثلاً يذهب إلى جدة ولا يقيم إلا يوم أو يومين ثم يسافر إلى جهة أخرى فهو مسافر على كل حال.
س: لماذا عليه وجوب الإمساك عند وصوله إلى بلده؟
الشيخ: لأنه صار من أهل الصوم فزال عذره.
[الثَّانِيَةُ] ذَهَبَ آخَرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ إِلَى وُجُوبِ الْإِفْطَارِ فِي السَّفَرِ لِقَوْلِهِ تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
وَالصَّحِيحُ: قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِيرِ وَلَيْسَ بِحَتْمٍ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ: فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، فَلَوْ كَانَ الْإِفْطَارُ هُوَ الْوَاجِبُ لَأُنْكِرَ عَلَيْهِمُ الصِّيَامَ، بَلِ الَّذِي ثَبَتَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ صَائِمًا لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ من شدة الحر وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَعبداللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ.
الشيخ: وهذا يدل على جواز الصوم في السفر ولو كان في الحر، فالنبي فعل هذا ليبين لهم الجواز والفطر أفضل ولاسيما مع شدة الحر ويتأكد الفطر لقوله ﷺ: ليس من البر الصوم في السفر يعني ليس من البر الكامل الصوم في السفر فالسنة للمؤمن أن يقبل رخصة ربه وأن يأخذ بالأيسر يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [البقرة:185] وإذا اشتد الحر أفطر بكل حال تأكد الفطر وإن كان الوقت باردًا فالأمر فيه سعة وهو مخير إن شاء أفطر وإن شاء صام، والفطر أفضل لقبول الرخصة.
[الثَّالِثَةُ] قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ: الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْطَارِ لِفِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الْإِفْطَارُ أَفْضَلُ أَخْذًا بِالرُّخْصَةِ وَلِمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ: مَنْ أَفْطَرَ فَحَسَنٌ، وَمَنْ صَامَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ التِي رَخَّصَ لَكُمْ.الشيخ: ليس من البر الصوم في السفر وهو أبلغ مما ذكره المؤلف أي ليس من البر الكامل.
 وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُمَا سَوَاءٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كَثِيرُ الصِّيَامِ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقِيلَ: إِنْ شَقَّ الصِّيَامُ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ لَيْسَ مِنَ الْبَرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ أَخْرَجَاهُ، فَأَمَّا إِنْ رَغِبَ عَنِ السُّنَّةِ وَرَأَى أَنَّ الْفِطْرَ مَكْرُوهٌ إِلَيْهِ، فَهَذَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْإِفْطَارُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الصِّيَامُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِمَا جَاءَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا: مَنْ لَمْ يَقْبَلْ رُخْصَةَ اللَّهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ جِبَالِ عَرَفَةَ.الشيخ: في صحته نظر، ولو صح المراد به إذا اعتقد عدم قبولها.
الطالب: رواه أحمد في المسند عن ابن عمر بإسناد صحيح، ورواه أيضاً من حديث عقبة بن عامر الجهني وإسناده صحيح ولم أجده من حديث جابر.
الشيخ: محل نظر.
[الرَّابِعَةُ] الْقَضَاءُ هَلْ يَجِبُ مُتَتَابِعًا أَوْ يَجُوزُ فِيهِ التَّفْرِيقُ فِيهِ قَوْلَانِ:
[أَحَدُهُمَا] أَنَّهُ يَجِبُ التَّتَابُعُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ.
[وَالثَّانِي] لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ بَلْ إِنَّ شَاءَ فَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَعَلَيْهِ ثَبَتَتِ الدَّلَائِلُ لِأَنَّ التَّتَابُعَ إِنَّمَا وَجَبَ فِي الشَّهْرِ لِضَرُورَةِ أَدَائِهِ فِي الشَّهْرِ، فَأَمَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ رَمَضَانَ، فَالْمُرَادُ صِيَامُ أَيَّامٍ عِدَّةَ مَا أَفْطَرَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.
الشيخ: في القضاء ليس مثل الأداء يلزم التتابع، هذا هو قول الجمهور وهو الصواب أنه يلزمه القضاء ولكن لا يلزمه التتابع لأن الله قال: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] ولم يقل متتابعة فدل ذلك على التوسعة في القضاء وأنه إذا تابع فلا بأس، وإن فرق فلا بأس، وإن كانت المتابعة أفضل عند جمع من أهل العلم لكن ليس بواجب.
 ثم قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ هِلَالٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ الْأَعْرَابِيِّ الذِي سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا غَاضِرَةُ بْنُ عُرْوَةَ الْفُقَيْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عُرْوَةَ، قَالَ: كُنَّا نَنْتَظِرُ النَّبِيَّ ﷺ فَخَرَجَ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ، فَصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ: عَلَيْنَا حَرَجٌ فِي كَذَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إن دِينَ اللَّهِ فِي يُسْرٍ - ثَلَاثًا يَقُولُهَا- وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ أبي تميم عَنْ عَاصِمِ بْنِ هِلَالٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَسَكِّنُوا ولا تنفروا أخرجاه في الصحيحين وفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِمُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى حين بعثهما إلى اليمن بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا وَفِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ أَنَّ رسول الله ﷺ قال: بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ.
الشيخ: وهذا هو المطلوب من الدعاة إلى الله والموجهين إلى الخير أن يجتهدوا في التيسير والتسهيل والتأليف وعدم التنفير وكما جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها "أنه عليه الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثمًا" والله يقول: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [البقرة:185] فالدعاة إلى الله ينبغي لهم أن يعتنوا بالتيسير والتسهيل والرفق والحكمة وعدم العنف؛ لأن ذلك أقرب إلى قبول الحق..... وإلى التقيد به.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا عبداللَّهِ بْنُ إسحاق بن إبراهيم حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَنَا عبدالْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، حدثنا أبو مسعود الحريري عَنْ عبداللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فَتَرَاءَاهُ بِبَصَرِهِ سَاعَةً، فَقَالَ أَتُرَاهُ يُصَلِّي صَادِقًا؟ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا تُسْمِعْهُ فَتُهْلِكَهُ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْيُسْرَ وَلَمْ يَرِدْ بِهِمُ الْعُسْرُ .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ أَيْ إِنَّمَا أَرْخَصَ لَكُمْ فِي الْإِفْطَارِ لِلْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْأَعْذَارِ لِإِرَادَتِهِ بِكُمُ الْيُسْرَ وَإِنَّمَا أَمَرَكُمْ بِالْقَضَاءِ لِتُكْمِلُوا عِدَّةَ شَهْرِكُمْ.
وَقَوْلُهُ: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ أَيْ وَلِتَذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ انْقِضَاءِ عِبَادَتِكُمْ، كَمَا قَالَ تعالى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة:200] وقال: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10] وقال: وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ. وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ [ق:39-40] وَلِهَذَا جَاءَتِ السُّنَّةُ بِاسْتِحْبَابِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ، وَلِهَذَا أَخَذَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَشْرُوعِيَّةَ التَّكْبِيرِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ حَتَّى ذَهَبَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيُّ الظَّاهِرِيُّ إِلَى وُجُوبِهِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ. وَفِي مُقَابَلَتِهِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ التَّكْبِيرُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ، وَالْبَاقُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي تَفَاصِيلِ بَعْضِ الْفُرُوعِ بَيْنَهُمْ،
الشيخ: هذا ليس من باب الأمر.. اللام لام التعليل وليست لام الأمر، يعني وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ يعني شرع لكم ما شرع من الصيام وقضاء ما أفطرتم في حال المرض والسفر لانتهاء العدة وليس المقصود الأمر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة فيما شرع الله أراد بذلك إكمال العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون.
ولهذا ذهب الجمهور إلى استحباب التكبير من غروب الشمس إلى انتهاء خطبة العيد في عيد الفطر، وفي عيد النحر يستحب التكبير والذكر من أول الشهر إلى مساء أيام التشريق ثلاثة عشر يومًا شكرًا لله على نعمته وعلى فضله وعلى إحسانه .
 وَقَوْلُهُ: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَيْ إِذَا قُمْتُمْ بِمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ مِنْ طَاعَتِهِ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَتَرْكِ مَحَارِمِهِ وَحِفْظِ حُدُودِهِ فَلَعَلَّكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الشَّاكِرِينَ بذلك.
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي بَرْزَةَ السختياني عَنِ الصُّلْبِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ أعرابيا قال يا رسول الله ﷺ، أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ، أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟ فَسَكَتَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون إذا أمرتهم أن يدعوني فدعوني استجبت.
الطالب: يا شيخ يقول في لسان الميزان: الصلب بن حكيم مجهول وذكر له هذا الحديث، والراجح فيه الصلت بن حكيم راجع ما كتب الشيخ أحمد شاكر على ابن جرير.
الشيخ: يراجع.
ورواه ابن جرير عن محمد بن حميد الرازي، عن جرير به، وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ جَرِيرٍ بِهِ.
وَقَالَ عبدالرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ سَأَلَ أصحاب رسول الله ﷺ أَيْنَ رَبُّنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ : وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ الْآيَةَ.
س: الإسناد الأخير؟
الشيخ: مرسل، وظاهره الاتصال لأن الحسن أدرك جماعة من الصحابة.
ومعنى الآية واضحة وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] فالآثار هذه كالشرح للآية.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ لَمَّا نَزَلَتْ وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غَافِرٍ:60] قَالَ النَّاسُ: لو نعلم أي ساعة فَنَزَلَتْ: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عبدالْوَهَّابِ بْنُ عبدالْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في غزوة، فَجَعَلْنَا لَا نَصْعَدُ شَرَفًا وَلَا نَعْلُو شَرَفًا وَلَا نَهْبِطُ وَادِيًا، إِلَّا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا بِالتَّكْبِيرِ، قَالَ: فَدَنَا مِنَّا، فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، إِنَّ الذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ، يَا عبداللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالْلَّهِ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ وَاسْمُهُ عبدالرَّحْمَنِ بْنُ علي عَنْهُ بِنَحْوِهِ.
الشيخ: عبدالرحمن بن علي، وهذا حديث عظيم بين لهم ﷺ أن الذي يدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدهم من عنق راحلته وإن كان فوق العرش فوق السماء السابعة فوق العرش جل وعلا، لكنه باطلاعه عليهم وبعلمهم به واطلاعه على قلوبهم وسماعه لأصواتهم هو أقرب إليهم من كل شيء .
فينبغي عند دعائه الخشوع والإذلال والتعظيم والاستحضار بأنه يسمع دعاءهم ويعلم حاجاتهم ويعلم إخلاصهم وصدقهم وضد ذلك، فليكن الدعاء عن إخلاص وعن صدق وعن خشوع وعن هيبة وعن تعظيم وعن رغبة بما عند الله ، وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ
فهذا حديث أبي موسى الذي رواه الشيخان ورواه غيرهما أنهم رفعوا أصواتهم بالتكبير وإن كان مشروعًا في كل شرف والتسبيح في كل واد، لكنهم كأنهم بالغوا في الرفع فقال: يا أيها الناس، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا؛ إنما تدعون سميعًا وبصيرًا، وفي رواية سميعًا قريبًا أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، يعني ارفقوا في أنفسكم ولا تبالغوا في الرفع ثم قال لأبي موسى: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! هذه كلمة عظيمة كنز من كنوز الجنة لأن فيها التجرد من حولك وقوتك إلا لله والاعتراف بأنك ضعيف وليس لك طول ولا حول ولا قوة في شيء إلا بربك ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله وتقدم في الحديث الصحيح يقول ﷺ: من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله..... ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته هكذا جاء في الصحيح فهذا يدل على عظم شأن هذه الكلمة وأنه ينبغي اعتيادها والاستكثار منها وهي جاءت في التسبيح: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، كما تقدم في درس البخاري ورواه بإسناد الجيد العلي العظيم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، أو تبدأ بقول الحمد لله، أو بلا إله إلا الله فلا بأس بذلك يعني تقدم بعضها على بعض فمن قال لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله أو قال لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله، كله طيب لكن أغلب الروايات التسبيح أولاً وتنزيه الرب ثم الثناء، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وفي حديث: أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر خرجه مسلم في الصحيح، والحديث الآخر أن أعرابيًا قال: يا رسول الله، علمني كلامًا....ربي، قال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم قال: هذا لربي فمالي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني أخرجه مسلم.
فالحاصل أن هذه الكلمات العظيمة ينبغي للمؤمن أن يعتادها وأن يكثر منها أينما كان ولاسيما في الأوقات التي تناسب أيضاً إذا استيقظ من نومه في ليل أو نهار لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وفي البخاري: يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هكذا في بقية أوقاته يكثر من ذلك.
س: يقول: أن الجهر بالذكر بعد الصلاة إنما هو لمجرد التعليم انتهى؟
الشيخ: هذا غلط، لأن الناس يحتاجون إلى التعليم دائمًا، فالصحابة يحتاجون إلى التعليم، والذين بعدهم أحوج وأحوج، ثم أيضاً أحوج له التذكير قد ينسى الإنسان قد يغفل فإذا سمع أخاه يذكر الله ذكر الله، والناس بعد الصحابة أحوج وأحوج إلى التذكير والتعليم إذا كان الصحابة يحتاجون فالذين بعدهم أحوج وأحوج.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أيضا: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أنبأنا عبدالله، أَنْبَأَنَا عبدالرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ عَنْ كَرِيمَةَ بنت ابن الخشخاش الْمُزَنِيَّةِ، قَالَتْ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يقول: قال الله تعالى أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ.
الشيخ: قال عليه شيء؟
الطالب: إسماعيل بن عبيدالله هو ابن أبي المهاجر المخزومي مولاهم الدمشقي أبو عبدالحميد ثقة من الرابعة مات سنة إحدى وثلاثين وله سبعين سنة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وهو مؤدب ولد عبدالملك.
روى أبو حاتم أن الأوزاعي قال: كان مأمونًا على ما حدث، وكان سعيد بن عبدالعزيز إذا حدث عنه قال: كان ثقة صدوقًا، وقال المفضل الغلابي: هو ممن يرضى به في الحديث، وقال العجلي والفسوي ومعاوية بن صالح والدارقطني: ثقة، وقال..... عمال عمر بن عبدالعزيز ثم ولي إسماعيل بن عبدالله مولى ابن عبيد الله مولى بني مخزوم البربر فقدم سنة 100 فأسمع عامة البربر في ولايته وكان حسن السيرة.
وقوله عن كريمة بنت ابن الخشخاش بمعجمات كلها هذا خطأه وصوابه حسحاس بمهملات كلها وهي كريمة بنت الحسحاس المزنية ثقة من الثالثة أخرج لها البخاري في خلق أفعال العباد وهكذا بالمهملات ضبطها في الخلاصة.
قال في التهذيب: حدثنا أبو هريرة ونحن في بيت أم الدرداء أنه سمع رسول الله ﷺ يأثر عن ربه أنه قال: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه.
وعني إسماعيل بن عبيدالله بن أبي المهاجر ورواه إسماعيل أيضاً عن أم الدرداء عن أبي هريرة وكلاهما صحيح.
قلت "قول الحافظ" علق البخاري حديثها عن أبي هريرة في كتاب التوحيد وهو أحد الأحاديث المرفوعة التي لم يوصلها في الجامع ذكرها ابن حبان في الثقات انتهى.
الشيخ: علي بن إسحاق؟
الطالب: علي بن إسحاق... مولاهم أبو الحسن المروزي الداركاني أصله من ترمذ ثقة من العاشرة مات سنة ثلاث عشرة أخرج له الترمذي وعبدالله هو ابن المبارك.
الشيخ: عندك شيء على هذا؟ مقبل؟ على بنت ابن الخشخاش؟
الطالب: نعم صوابه الحسحاس بالمهملات، قال: حديث أبي هريرة أخرج... عن أبي صالح عن أبي هريرة وليس فيه: وتحركت بي شفتاه، أما على طريق... بنت ابن الحسحاس بالمهملات مجهولة كما في الميزان، لكن قال الحافظ في تهذيب التهذيب ورواه إسماعيل أيضاً عن أم الدرداء عن أبي هريرة وكلاهما صحيح والله أعلم.
الشيخ: كريمة من أين نقلته؟
الطالب: من تقريب التهذيب.
الشيخ: أيش يقول؟
الطالب: كريمة بنت الحسحاس المزنية ثقة من الثالثة أخرج لها البخاري في خلق أفعال العباد. وقال في الخلاصة: وضبطها بالمهملات أيضاً.
الشيخ: وهذا كله يعطينا فضل الذكر لما فيه من الخير العظيم وفضل الدعاء فالله جل وعلا حث عباده على الذكر يقول جل وعلا كما في الحديث القدسي: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكر في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ويقول جل وعلا في كتابه العزيز: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] فالأمر عظيم في موضوع الذكر فينبغي للمؤمن أن يكون دائم الذكر بعيد الغفلة قليل الغفلة لما في ذلك من الخير العظيم مع السهولة واليسر والحمد لله.
أيضا 
(قُلْتُ) وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النَّحْلِ:128]، وقوله لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى [طَهَ:46] وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُخِيبُ دُعَاءَ دَاعٍ، وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْهُ شيء، بل هو سميع الدعاء، ففيه تَرْغِيبٌ فِي الدُّعَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يَضِيعُ لَدَيْهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا رَجُلٌ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عُثْمَانَ هُوَ النَّهْدِيُّ، يُحَدِّثُ عَنْ سَلْمَانَ يَعْنِي الْفَارِسِيَّ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ليستحي أَنْ يَبْسُطَ الْعبد إِلَيْهِ يَدَيْهِ يَسْأَلُهُ فِيهِمَا خَيْرًا فَيَرُدُّهُمَا خَائِبَتَيْنِ - قَالَ يَزِيدُ: سَمَّوْا لِي هَذَا الرَّجُلَ، فَقَالُوا: جَعْفَرُ بْنُ مَيْمُونٍ- وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ صَاحِبِ الْأَنْمَاطِ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يرفعه، قال الشَّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَطْرَافِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ بِهِ.الشيخ: عندكم أبي الزبرقان؟
الطالب: راجعتها قوله أبو همام ومحمد بن أبي الزبرقان خطأ وصوابه أبو همام محمد بن الزبرقان بإسقاط الواو وأبي. وهو محمد بن الزبرقان أبو همام الأهوازي صدوق وربما وهم من الثامنة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، قال ابن المديني: ثقة، وقال أبو زرعة: صالح.
الشيخ: جعفر؟
الطالب: جعفر هو ابن ميمون التميمي أبو علي أو أبو العوام بياع الأنماط صدوق يخطئ من السادسة، أخرج له البخاري في جزء القراءة والأربعة.
الشيخ:.....؟
الطالب: ذكر يقول: جعفر بن ميمون فيه كلام لكنه قد توبع وللحديث شواهد تزيده قوة....
الشيخ: ما تكلم على الزبرقان؟
الطالب: ما تكلم.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو عامر، حدثنا علي بن أبي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ في الأخرى، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ.
وَقَالَ عبداللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن منصور الكوسج، أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ: أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، حَدَّثَهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عبدالرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيِّ، عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ وَهُوَ عبدالرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ بِهِ، وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَثَابَهُ الجنة.
وقال مسلم في صحيحه: حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعبد مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يستعجل قيل: يا رسول الله، وما الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يُسْتَجَابُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ ويدع الدُّعَاءَ.
الشيخ: وهذا في الحث على الاستمرار في الدعاء وعدم الضجر وعدم ترك الدعاء،....... أما كونه يستجاب لك أو لا يستجاب لك، هذا إلى الله، فالدعاء عبادة يثاب عليها إذا أخلصها وربما.... أصلح لقلبك وأصلح لأعمالك وحتى تزداد تضرعًا وخضوعًا وحساباً لنفسك وجهادًا لها، فكم من دعوة أجلت فكانت سببًا لصلاح صاحبها واستقامته وطهارة قلبه وحسابه..... لنفسه، فالواجب على المؤمن أن يكون ناظرًا في العواقب حريصًا على أسباب السعادة لا يمل ولا يضعف من الخير ويصبر على الخير ويجتهد في طلب الخير ولا يقول: دعوت ودعوت ولم يستجب لي فيستحسر ويدع الدعاء بل يستمر في الدعاء  .....