3- من حديث: (فاغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك)

 

- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ رسول الله ﷺ قَالُوا: وَاللَّه مَا نَدْرِي: نُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا, أَمْ لَا? .." الْحَدِيثَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ.

- وعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ، فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا, أَوْ خَمْسًا, أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ, بِمَاءٍ وَسِدْرٍ, وَاجْعَلْنَ فِي الْأخِيرَةِ كَافُورًا, أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ, فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ، فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا.

وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: "فَضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ, فَأَلْقَيْنَاها خَلْفَهَا".

- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كُفِّن رسولُ الله ﷺ في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ سُحُولِيَّةٍ من كُرْسُفٍ, ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ". متَّفقٌ عليه.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالتَّغسيل وبالكفن:

الحديث الأول: أنه ﷺ لما تُوفي اختلف الصحابةُ: هل يُجَرِّدونه كما يُجَرِّدون موتاهم حين الغسل، أم يُغَسِّلونه وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النومَ، كما في رواية أبي داود في تمام الحديث عنده: "فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النومَ، فسمعوا صوتًا من داخل البيت يقول: أن غسلوا رسولَ الله بثيابه، فغسلوه بثيابه عليه الصلاة والسلام، وصبُّوا عليه الماء، ودلكوه من وراء الثياب"؛ صيانةً له، وتقديرًا له عليه الصلاة والسلام؛ لئلا ينظر الناسُ إلى داخل بدنه عليه الصلاة والسلام، قالت عائشة: "لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسَّل رسول الله ﷺ إلا نساؤه".

ولا شكَّ أنَّ المرأة لها أن تُغسِّل زوجَها على الصَّحيح، وله أن يُغسِّلها هو أيضًا، كما غسَّلت أسماءُ بنت عميسٍ زوجَها الصّديق ، وغسَّل عليٌّ زوجَته فاطمة.

فلا حرج في أن يتولى الزوجُ تغسيل امرأته، والزوجة تتولى تغسيل زوجها، لا حرج في ذلك.

ويُستفاد من هذه الرواية: أنهم غسَّلوه في ثيابه عليه الصلاة والسلام، ويدل ذلك على أنَّ التَّغسيل من وراء الثياب يُجزئ، لكن التَّجريد لغيره ﷺ أفضل؛ فكونه يُجَرَّد أنقى وأكمل، ولكن لحُرمته ﷺ ولعظم شأنه وتقديره عليه الصلاة والسلام توقَّف الصحابةُ في تجريده حتى سمعوا الهاتفَ، وهذا الهاتف لا شكَّ أنه ملكٌ من الملائكة؛ لأنَّ الملائكة هي التي تُخبر عن مثل هذه المسائل الشرعية، ويُحتمل أنه مؤمنٌ من مؤمني الجن، وقد جاء في بعض الرِّوايات أنه جبرائيل، ويحتاج إلى سندٍ صحيحٍ أنه جبرائيل.

المقصود أنهم عملوا بهذا الهاتف الذي سمعوه، وغسلوه من وراء الثياب عليه الصلاة والسلام، واقتنعوا بذلك.

الحديث الثاني: حديث أم عطية في تغسيل ابنة النبي ﷺ، وفي روايةٍ أنها زينب، قال: فاغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك إن رأيتُنَّ ذلك -وفي بعضها: أو سبعًا- بماءٍ وسدرٍ، واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافورٍ، هذا يُفيد أنَّ غسل الميت يكون وترًا أفضل، وإن غسله بدون وترٍ فلا حرج؛ لما تقدَّم في حديث الذي وقصته راحلته، أنه قال ﷺ: اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبين، ولم يأمر بعددٍ، فدلَّ على أنه يُجزئ لو غسَّله غسلةً واحدةً ويكفي، لكن تكرار الوتر أفضل؛ لحديث أم عطية، فإذا كرر الغسلَ ثلاث مرات، أو خمس مرات، أو سبع مرات، حسب الحاجة -إذا كانت هناك أوساخٌ- فلا بأس، ............ والأفضل أن ينقطع على وترٍ: ثلاث، خمس، سبع، هذا هو الأفضل.

ويكون بماءٍ وسدرٍ؛ لأنَّ السّدر يُنَقِّي مع اللين، يُنَقِّي مع عدم الشدة، وإذا ما تيسر السدر يكون غير السدر: كالأشنان، والصَّابون، ونحوهما مما يُنَقِّي.

والسنة أن يُجعل فيه كافورًا في الغسلة الأخيرة؛ لأنَّ الكافور يُطيّب الرائحة ويشدّ الجسم، هذا هو الأفضل، فإذا تيسر يكون في الغسلة الأخيرة كافور أو شيء من الكافور.

قالت: "فلما فرغنا آذنَّاه" يعني: أخبرناه، "وأعطانا حِقْوه" يعني: إزاره، وقال: أَشْعِرْنَها إيَّاه: اجعلنه شعارًا لها قبل الكفن، يعني: على وسطها الأسفل، فأشعروها إياه، ثم كفّنوها رضي الله عنها.

وجاء في عدة روايات ما يدل على أنهم كفَّنوها في قميصٍ وإزارٍ وخمارٍ ولفافتين، خمس قطع: القطعة الأولى: الإزار الذي أعطاهنَّ النبيُّ ﷺ، والقطعة الثانية: قميص، والقطعة الثالثة: خمار على الرأس، والقطعة الرابعة والخامسة: لفافتان، هذا هو الأكمل في حقِّ المرأة، وإن كُفِّنَتْ في ثوبٍ واحدٍ فلا حرج، كالرجل، لكن هذا هو الأفضل.

أمَّا الرجل فالأفضل ثلاثة؛ لحديث عائشة: أنه ﷺ "كُفِّن في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ سحولِيَّةٍ من كُرْسُفٍ": يعني من قطنٍ، فالكُرْسُف هو القُطْن، "ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ"، هذا هو الأفضل، من ثلاث لفائف، وإن كُفِّن في ثوبٍ واحدٍ فلا حرج، لكن الأفضل ثلاث لفائف؛ لكون النبي ﷺ كُفِّن بذلك، والله يختار لنبيه الأفضل.

وإن كُفِّن في قميصٍ وإزارٍ ولفافةٍ جاز، وإن كُفِّن في لفافةٍ واحدةٍ جاز، فليس في الأمر تضييقٌ، فالأمر واسعٌ، لكن الأفضل الشيء الذي وقع للنبي ﷺ، وهو ثلاثة لفائف بيض، هذا هو الأفضل.

ويأتي أن النبي ﷺ كفَّن عبدَالله بن أُبَيٍّ في قميصه، كفَّنه في قميصٍ أعطاه لولده، فلا بأس بالتَّكفين في القميص والإزار واللّفافة، أو قميص وسراويل، كل ذلك لا حرجَ فيه، لكن الأفضل ثلاث لفائف بيض، هذا هو الأفضل في حقِّ الرجل.

وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: الصّبية أو الطفلة ما دون سبع سنين، هل يتولى غسلها امرأة؟

ج: إذا كانت دون السبع يتولاها الرجال والنساء؛ لأنَّها ما صارت لها عورة، فإذا بلغ الولدُ السبعَ يتولاه الرجال، والجارية إذا بلغت السبعَ يتولاها النساء.

س: أَلَا يُؤخَذ من قول عائشة: "لو استقبلتُ من أمري" سنية أنَّ المرأة تُغسّل زوجَها؟

ج: لا، يُفيد الجواز؛ لأنَّ السنية تشريع عن النبي ﷺ.

س: حكم غسل الميت؟

ج: واجبٌ، فرضٌ لا بد منه، فالرسول قال: اغسلوه، فأمر بالغسل، وقال: اغسلنها، ولكن الواجب مرة، والتَّكرار مُستحبٌّ إذا دعت له الحاجة، لكن أقلَّ شيءٍ ثلاث مرات، حتى لو ما فيه حاجة، فهو أنقى وأفضل، فإن كانت هناك أوساخٌ تحتاج إلى زيادةٍ زاد.

س: بالنسبة للميت: هل يُتعرَّض لنظافته: من قصِّ العانة، والشَّارب؟

ج: ما عليه دليل، لكن لو قصَّ الشارب إذا كان طويلًا، أو العانة قُصَّت، أو الإبط؛ لا بأس، لكن ما عليه دليل، وترك العانة أفضل، وأما قصّ الشارب فهو أسهل، فيقصه إذا كان طويلًا، وقد نصَّ بعضُ العلماء على ذلك، فقصّ الشارب وتقليم الأظفار إن فُعِلَ فلا بأس، وإلا فما عليه دليلٌ واضحٌ.

س: والأظافر كذلك؟

ج: إن فُعِل فلا بأس، وإن تُرِكَ فلا بأس، فالأمر واسع، الأظافر والشارب.

س: هل يجوز وضعها في الكفن معه؟

ج: ما عليه دليل، وليس هو بلازمٍ.

س: بعض المُغسلين يجعل الرَّغوة على الرأس ويقول: هذه سنة، رغوة السّدر مع الماء؟

ج: هذا ذكره بعضُ الفقهاء؛ لأنه أبلغ في غسل رأسه، ولكن ما هو بلازم، بل من باب أنه أكمل في غسل الوسخ من رأسه.

س: تضفير شعر المرأة هل كان بأمر النبيِّ ﷺ؟

ج: كذلك يُضفره ويجعل رأسها قرونًا أفضل؛ لأنَّ الصَّحابيات فعلنَه، ولعلَّ النبيَّ ﷺ أمرهنَّ بذلك، لكن فعلهنَّ أفضل من غيرهن، فيُجْعَل ثلاثة قرون ويُلْقَى خلفها.

س: ................؟

ج: نعم سُنَّة.

س: حلق عانة الميت ..؟

ج: لا، تركها أولى، ما يحتاج حلق عانة، ولا ختن، حتى قصّ الظفر ونتف الإبط وقصّ الشارب ما عليه دليلٌ واضحٌ، فتركها أولى؛ سدًّا لباب التَّساهل.

س: بعض الموتى بحادث سيارات ينزف كثيرًا، فيجعلون عليه بلاستيكًا ويُغطّونه بالكامل؟

ج: لا بأس، يعني: يَنْشف الدم؟

س: يجعل الدم معه بحيث ما يخرج؟

ج: لا بأس، إن ترك شيئًا يُمسكه فلا بأس.

س: ألا يكشف وجه ........؟

ج: لا ما يُكْشَف، يُغَطَّى كله، لا المرأة، ولا الرجل، إلا مَن مات في الإحرام فلا يُغَطَّى رأسه، ولا وجهه، وهذا للرجل.

س: أحيانًا يشاهد المُغَسِّلُ على الجنازة علامات من سُوء الخاتمة أو حُسن الخاتمة؟

ج: لا يُبَيِّن شيئًا، إن رأى خيرًا فلا بأس، أما الشر فلا.

س: ما يُبَيِّنه؟

ج: الخير لا بأس، فإذا رأى نورًا أو شيئًا فلا بأس، أمَّا إذا رأى شيئًا من السَّواد أو غيره فلا يُخبر؛ لأنَّ هذا غيبة.

س: حتى ولو لم يذكر اسمًا؟

ج: ولو، ما له حاجة، لكن ما يصير غيبةً إذا قال: بعض الأموات يصير كذا، ما يضرّ، أو قال: بعض الأموات يُصيبه كذا، هذا ما فيه شيء، لكن أن يقول: فلان غسَّلتُه ورأيتُ فيه كذا، ما يجوز؛ لأنَّ هذا يُحزن أهلَه ويضرُّهم.

س: حديث: مَن غسَّل ميتًا فستر عليه ستر الله عليه يوم القيامة؟

ج: ما أعرفه، لكن عموم حديث: مَن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة فهذا عامٌّ، يعمُّ الحيَّ والميت.

س: إذا لم يطهر بسبعٍ هل يُزاد على السَّبع؟

ج: إذا دعت الحاجةُ نعم؛ لأنَّ الرسول قال: سَبْعًا أو أكثر إذا رأيتنَّ ذلك اللهم صلِّ عليه.

س: المُبالغة في تعليم كيفية الغسل ووضع دورات لهذا الشيء، هل فيها محظورٌ شرعيٌّ؟

ج: لا بأس، تعليم الغُسْل طيِّب، ما فيه شيء؛ لأنَّ بعض الناس ما يُحْسِن الغسل، فإذا عُلِّم فهو طيِّبٌ.

س: هل الأولى للميت أن يُغسِّله أقاربه؟

ج: الأولى أن يُغَسِّله الخبيرُ الجيدُ الأمينُ.

س: الرُّؤيا هل يثبت بها حكمٌ؟

ج: الأحكام انتهت يا ولدي، الله أكمل الدين، ما بقى شيء، إنما بقيت المبَشِّرات، فإن كانت طيبةً فهي بُشرى، وإن لم تكن طيبةً فهي مُحْزِنَة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، تمَّ الدِّينُ، ولم يَبْقَ شيءٌ.

س: مَن أولى بغسل الميت: زوجته أم الرجال؟

ج: مَن تيسَّر، فيُغسله الخبيرُ الجيدُ، سواء كان رجلًا أو غيره، فالذي يفهم يُغَسِّله.

س: وإذا وصَّى هو؟

ج: تُنَفَّذ وصيتُه.

س: ما عدد العُقَد في الكفن؟

ج: ليس هناك تحديدٌ، لكنَّ ثلاثًا تكفي، وتكون عند رأسه ووسطه وأسفله، حتى لا يطيح الكفنُ ويسقط، وإن كانت ثنتين في أعلاه وفي وسطه كفى.

- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما تُوفي عبدُالله بن أُبَيّ جاء ابنُه إلى رسول الله ﷺ فقال: أعطني قميصَك أُكَفِّنْه فيه, فأعطاه إيَّاه. متَّفقٌ عليه.

- وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبيَّ ﷺ قال: البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنَّها من خير ثيابكم, وكفِّنوا فيها موتاكم.

رواه الخمسةُ إلَّا النَّسائي, وصحَّحه الترمذي.

- وعن جابرٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: إذا كفَّن أحدُكم أخاه فَلْيُحْسِن كفنَه. رواه مسلم.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالكفن، والكفن واجبٌ، فيجب أن يُكفَّن المسلمُ، ولا يُدْفَن بغير كفنٍ، بل يجب أن يُكَفَّن، لكن إن كان شهيدًا كُفِّن في ثيابه، أو كان مُحْرِمًا كُفِّن في ثوبين، ولا يُغَطَّى رأسُه كما تقدم.

فالكفن لا بدّ منه، لكن المحرم يُكفَّن بغير المخيط، في ثوبيه، يعني: في إزارٍ، أو في إزارٍ ورداءٍ، أو في لفافةٍ، ولا يُغطَّى رأسُه ولا وجهه كما تقدم، والشَّهيد يُكفَّن في ثيابه التي قُتِل فيها، كما فعل النبيُّ ﷺ في شُهداء أُحُدٍ، ويجوز أن يُكفَّن في قميصٍ؛ لحديث عبدالله بن عمر المذكور: أن الرسول ﷺ أعطى عبدالله بن عبدالله بن أُبي قميصَه ليُكَفِّن أباه فيه، لما جاءه عبدُالله بن عبدالله بن أُبَيّ يطلب منه أن يُعطيه قميصَه ليُكَفِّن فيه أباه عبدالله، وكان عبدُالله مُسمَّى على اسم أبيه: عبدالله بن عبدالله.

وكان النبيُّ ﷺ يتألَّف المنافقين، ولا سيَّما رأسهم عبدالله بن أُبَيّ، كان يتألّفهم رجاء أن يهديهم الله ويدعوا النِّفاق، وكان يتألَّف عبدالله بن أُبي كثيرًا؛ لأنَّه رأسهم، وكان قد هُيِّئ ليُتَوَّج في الأنصار بالملك، حتى جاء الرسولُ ﷺ وهاجر إلى المدينة؛ فضاع عليه هذا الأمر، وحصل بسبب ذلك حقدٌ على الإسلام عظيم، ولكن الرسول ﷺ صبر عليه ولم يعجل في أمره، حتى إنَّه أعطى ابنه القميص، وصلَّى عليه لما تُوفي، حتى عاتبه الله في ذلك فقال جلَّ وعلا: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:84]، فهذا يدل على جواز التَّكفين بالقميص.

وتقدم أنَّ كون الرسول ﷺ كُفِّن بثلاثة أثواب أفضل، كما فعل الصحابةُ بالنبي ﷺ، لكن كونه ﷺ أعطى عبدَالله قميصَه يدل على جواز التَّكفين بالقميص، وأنه لا حرج إذا كُفِّن في قميصٍ ولفافةٍ، أو شيءٍ يُوضَع على رأسه ويستر رجليه، فيكفي قميص ولفافة، أو لفافتان.

وفيه أنه يُشرع لولي الأمر أن يسوس الناسَ ويستر الرعية، ولا سيما مَن يُتَّهم بالنِّفاق، يُساس حتى لا يكون فرقةً للمسلمين ومشقَّةً عليهم، فيُساس بالحكمة والأسلوب الحسن، لعلَّ الله أن يهدي المنافق، أو يكفي شرَّه إذا كان رئيسًا وله أتباع.

وفي الحديث الثاني: الدلالة على فضل لبس البياض، وأنَّ الأبيض أفضل من غيره، فكون الإنسان يلبس الأبيض أفضل من الأحمر والأخضر والأسود، ولكن يجوز لبس الأخضر والأسود والأحمر، لكن الأبيض أفضل؛ ولهذا قال: فإنَّها من خير ثيابكم، البسوا من ثيابكم البياض، وفي اللفظ الآخر: البيض، وكفِّنوا فيه موتاكم، فكونه يُكفَّن في الأبيض ويلبسه هذا أفضل، ولو كُفِّن في أسود أو أحمر لا حرج، وهكذا الحي إذا لبس أسود أو أحمر أو أخضر لا بأس، ولهذا دخل النبيُّ ﷺ عام الفتح وعليه عمامة سوداء، وطاف ببردٍ أحمر عليه الصلاة والسلام، وصلَّى في بعض صلواته وعليه حُلَّة حمراء عليه الصلاة والسلام، فالألوان كلها جائزة، لكنَّ أفضلها البياض.

والحديث الثالث حديث جابرٍ: يقول ﷺ: إذا كفَّن أحدُكم أخاه فليُحْسِن كفنَه يعني: يُكفِّنه في كفنٍ ظاهرٍ واسعٍ، لا مُخَرَّقٍ، ولا قاصرٍ، يُحْسِن كفنَه يعني: يُكفِّنه في كفنٍ جيدٍ: لفافة كافية، قميص ولفافة، ثلاثة لفائف، ما يكون كفنًا قاصرًا ناقصًا، يكون كفنه وافٍ كافٍ.

وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: لدى زوجتي ذهبٌ لا تلبسه إلَّا في المُناسبات فقط، ولا تُتاجر به، هل فيه زكاة؟

ج: الصواب أنَّ فيه الزكاة، وفيه خلاف بين العلماء، لكن الراجح أن فيه الزكاة إذا بلغ النِّصاب وحال عليه الحولُ، والنِّصاب عشرون مثقالًا: مئة وتسعون جرامًا، إحدى عشر جنيه ونصف بالجنيه السعودي، فإذا بلغ النِّصاب وحال عليه الحول زُكِّي ولو كان لا يُلبس.

س: كنتُ مريضًا ونذرتُ على نفسي نذرًا وحددتُه ونسيتُه: هل هو من الغنم أم الماعز، وأريد أن أُوفي بنذري فماذا أفعل؟

ج: عليك أن تُنجزه بظاهر النذر، وإذا أخرجت شاةً من المعز أو الضَّأن كفى، والحمد لله، فتكفي واحدة من الضَّأن أو الماعز، كالضَّحية، يعني: شاة مُجزئة، ليس فيها عيوبٌ، مثل الأُضحية، تُذْبَح وتُوزَّع على الفقراء.

س: لقد رضعتُ من جدَّتي أم أمي، والمشكلة تكمُن في أنَّ خالتي أخت أمي رضعتْ من جدَّتي قبل خمس عشرة سنة، سؤالي: هل تحلّ لي بنتُ خالتي، علمًا بأني رضعتُ ثلاثة أيام مُتتالية؟

ج: لا بدَّ من النظر، فتحضر الجدةُ عند أحد المشايخ أو المحكمة حتى يسألوها عن الرَّضاع، فإذا كان خمس رضعات أو أكثر وأنت في الحولين صرتَ أخًا لأُمِّك، وأخًا لخالاتك، وخالًا لبناتهنَّ، لا يحللنَ لك، إذا كان الرضاعُ تامًّا، فتكون خالاتُك أخواتٍ لك في الرضاعة، وتكون بناتهنَّ بنات أخواتك من الرضاعة؛ ما يحللنَ لك، إذا كان الرضاعُ مضبوطًا: خمس مرات فأكثر في الحولين.

س: المنافق معلوم النِّفاق هل يُصلَّى عليه؟

ج: إذا نجم نفاقُه يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتِلَ، لكن ما دامت تهمة يُصلَّى عليه.

س: قول الرسول ﷺ: إذا كفَّن أحدُكم أخاه فليُحسن كفنه هل يدل على الوجوب؟

ج: نعم، لا يُكفِّنه في شيءٍ مُقَطَّعٍ قاصرٍ، لا بُدَّ أن يستره كله.

س: إذا أوصى الميتُ أن يُدْفَن في بلده ولكن يصعب؟

ج: ما هو بلازمٍ، وصيةٌ ليست لازمةً، فيُدفن في محلِّه ما دام في بلاد المسلمين والحمد لله.

س: بالنسبة للذين يُغسِّلون الأموات: هل لهم أن يسألوا عن صاحب الجنازة: هل هذا الشخص يُصلِّي أم لا؟

ج: ما دام ظاهره الإسلام والذي يليه المسلمون ما يلزمهم؛ لأنَّه قد يتساهل بعضُ الناس فتكون فضائح.

س: كذلك عند الصلاة؟

ج: كذلك ما له لزوم، ما دام قد أتى به المسلمون فالحمد لله.

س: .................؟

ج: في الثوب والكفن.

س: نهى الرسولُ ﷺ عن الأحمر الخالص؟

ج: هذا حمله بعضُ أهل العلم على الثوب الذي كله حُمرة مُعتمة، يعني: قوية، قالوا: يُكره، ولكن فيه نظر؛ لأنَّ الرسول ﷺ لبس الأحمر كثيرًا، لكن حملوه على أنَّ فيه تخطيطًا، والأمر واسعٌ إن شاء الله.

س: بالنسبة لقضية الرضاع: بعض كبيرات السن يقلُّ الضبطُ عندهنَّ فهل يُعتمد قولها؟

ج: لا، التي ما تضبط ما يُعتمد قولها، ولا يثبت الرضاع إلَّا بثقةٍ مضبوطةٍ: خمس رضعات فأكثر؛ لأنَّ هذا فيه تحليلٌ وتحريمٌ، ما هو بسهلٍ.

س: فعل النبيِّ ﷺ مع عبدالله بن أُبي كان قبل قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ [التوبة:73]؟

ج: الله أعلم، هذه في سورة براءة، وعبدالله بن أُبي تُوفي سنة عشر، ويُقصد المنافقين إذا نجم نفاقُهم وعُرِفُوا بوجوهٍ، وأما إذا لم يُعرفوا إلا بتُهَمٍ فلا يستحقون هذا، بل يُؤَلَّفون.

س: إذا علم إنسانٌ أنَّ فلانًا منافقٌ خالصٌ فهل يدع الصلاةَ عليه؟

ج: نعم؛ فالله نهى عن هذا: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، فإذا عُرفوا لا يُصلَّى عليهم، بل يُستتابون، فإن تابوا وإلَّا قُتِلُوا.

س: ويُنَبِّه الناسَ إلى ذلك؟

ج: نعم.

س: نزع القميص وإلباسه الميت هذا خاصٌّ بالرسول ﷺ؟

ج: نعم، خاصٌّ بالرسول، فهو الذي فيه البركة عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّ عبدالله أراد البركة.

س: الميت إذا أوصى أن يُدْفَن في مكة هل يُؤخَذ بوصيَّته؟

ج: ما هو بلازمٍ، يُدْفَن في بلده فقط.

س: هل هناك عددٌ خاصٌّ للمُغسِّلين أو المُكَفِّنين لغسل الميت وتكفينه؟

ج: لا، يكفي واحدٌ ومَن يُعاونه.

س: حديث: أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا هل يكون المنافق؟

ج: هذا النِّفاق العملي، ما هو بالنِّفاق الأكبر.

س: في بعض القرى يُخَصِّصون يوم العيد لزيارة المقبرة، هل في ذلك شيءٌ؟

ج: ما أعلم فيه دليلًا على تخصيصه، يزورها في أي وقتٍ.

س: إذا كُفِّن الشخص وصار معه نزيفٌ كثيرٌ هل يُغيّر الكفن؟

ج: يُغَيَّر أو يُغْسَل، ويضع على محل النَّزيف شيئًا يُمسكه -مثل جبيرة أو قرطاس- يعني: مشمع.

س: حكم تطييب الكفن والميت؟

ج: كله سنة: الكفن والميت.

س: قرأتُ أنه لا يقربه لا طيب ولا ..؟

ج: لا، ذاك المحرم، إذا صار مُحْرِمًا ومات وهو مُحْرِمٌ.

س: تغطية وجهه؟

ج: لا يُغطَّى وجهه ولا رأسه، هذا هو الصَّواب.