511 من حديث: (عن ابن عمر أن ناساً قالوا له: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم..)

 
3/1618- وَعَن ابنِ عُمَرَ رضي اللَّه عَنْهُما: أنَّ نَاسًا قَالُوا لَهُ: إنَّا نَدْخُلُ عَلى سَلاطِيننا فَنَقُولُ لهُمْ بِخِلافِ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهمْ، قالَ ابْنُ عُمَرَ رضي اللَّه عنْهُمَا: "كُنَّا نَعُدُّ هَذَا نِفَاقًا عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" رواه البخاري.
4/1619- وعنْ جُنْدُب بن عَبْدِاللَّه بنِ سُفْيانَ قَالَ: قالَ النبيُّ ﷺ: مَن سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، ومَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّه بِهِ متفقٌ عَلَيهِ.
وَرَواهُ مُسْلِمٌ أيضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عَنْهُمَا.
سمَّع معناه: أظهر عمله للناس رياءً.
سمَّع الله به أي: فضحه يوم القيامة.
ومعنى مَن راءَى أي: من أظهر للناس العمل الصالح؛ ليعظم عندهم.
راءَى الله به أي: أظهر سريرته على رؤوس الخلائق.
5/1620- وعَنْ أَبي هُريْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ تَعَلَّم عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لا يَتَعَلَّمُهُ إلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا؛ لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْني: رِيحَهَا. رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
والأحاديثُ في الباب كثيرةٌ مشهورةٌ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تُوجب الحذر من الرياء، وأنَّ الواجب على المؤمن في جميع أعماله وجميع أقواله أن يُخلص لله وحده، وأن تكون أعماله وتعبّداته لوجه الله جل وعلا، من صلاة، وصوم، وقراءة، وحج، وغير ذلك؛ لأن الله جل وعلا أوجب على عباده أن يُخلصوا له العمل، قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، وقال : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، وقال سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14]، وقال جل وعلا: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110].
فالواجب على كل مسلم أن يُخلص لله في قراءته، في صلاته، في صومه، في حجه، في جهاده، في كل شيءٍ يريد وجهه الكريم، لا رياء الناس، ولا حمد الناس وثناءهم، فإنهم لن يُغنوا عنه من الله شيئًا، حمدهم وثناؤهم لن يُغني عنه من الله شيئًا، ولن ينفعه، بل يضره، ولكن الإخلاص لله والصدق في العمل هو الذي ينفعه عند الله وعند عباده.
ولهذا قال ابنُ عمر في الذين يمدحون الأمراء إذا قابلوهم، ويذمونهم إذا خرجوا عنهم: أن هذا يُعَدُّ في عهد النبي ﷺ من النفاق؛ لأنَّ المنافق يأتي هؤلاء بوجهٍ، وهؤلاء بوجهٍ، فله وجهان، بل عدة وجوه، فإذا جاء عند السلاطين أو عند مَن يرغب في دنياهم مدحهم، وإذا خرج ذمَّهم وعابهم، وهذا -والعياذ بالله- من قلَّة الأمانة وقلَّة المبالاة، ومن ضعف الإيمان، أو عدم الإيمان.
فالواجب على المسلم أن يُنصف، وإذا جلس مع الناس أن يقول الحق: فينصح المقصر، ويُذَكِّر الغافل، هكذا المؤمن، لا يكون مدَّاحًا بغير حق، بل يمدح على الخير، ويذم على الشر، ينصح إذا رأى تقصيرًا أو جفاءً، ويعظ ويُذَكِّر إذا رأى غفلةً، وهكذا.
ولهذا يقول ﷺ: مَن سمَّع سمَّع الله به، ومَن يُرائي يُرائي الله به، سمَّع يعني: في الأقوال، كالقراءة ونحوها رياء، وراءَى يعني: في الأعمال، كالصلاة ونحوها، فالمعنى: أنه يُفضح يوم القيامة، يُراءَى به يوم القيامة: يُفضح يوم القيامة على رؤوس الأشهاد؛ لأنه فعل هذا رياءً، لا لقصد وجه الله جل وعلا.
فليحذر المؤمن أن يُراءَى به، وأن يُسَمَّع به يوم القيامة ويُفضح على رؤوس الأشهاد بسبب ريائه ونفاقه في الدنيا.
ويقول ﷺ: مَن تعلَّم علمًا مما يُبتغى به وجه الله لا يتعلّمه إلا ليُصيبَ به عرضًا من الدنيا لم يجد عرفَ الجنة تعلَّم القرآن أو تعلَّم الفقه أو تعلَّم الحديث أو ما أشبه ذلك ليُصيب عرضًا من الدنيا، لا ليعمل به، ولا لطلب الآخرة، ولكن تعلمه ليُصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يعني: ريحها، هذا من باب الوعيد والتحذير.
ومن هذا حديث الثلاثة الذين هم أول مَن تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة، ذكر منهم: العالم والقارئ الذي تعلَّم ليُقال: عالم، وقرأ ليُقال: قارئ، وذكر منهم صاحب الصدقة الذي بذل المال ليُقال: إنه جواد، إنه سخي، وذكر المقاتل الذي قاتل ليُقال: شجاع، ما قاتل لله، بل قاتل ليقال: إنه جريء شجاع، قال: أولئك أول مَن تُسَعَّر بهم النار؛ لعدم إخلاصهم في أعمالهم، بل فعلوها لغير الله؛ نسأل الله العافية.
والمقصود من هذا كله الحثّ على الإخلاص في أعمالك جميعها، والحذر من الرياء والشرك في جميع الأعمال، عملًا بقول الله سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، وحذَّر من الرياء في قوله جل وعلا: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ۝ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ [النساء:142-143] هذه حال المنافقين: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1] نعوذ بالله، نسأل الله العافية.

الأسئلة:

س: إذا أقدم الإنسانُ على عملٍ، ودعا الله عز وجل أن يكون العملُ خالصًا لوجه الله، هل يكون مصيبًا؟
ج: التوفيق بيد الله، يسأل ربَّه أن يُعينه على الإخلاص، وعلى الصدق في العمل، يسأل ربَّه أن يُعيذه من الرياء، ومن التعبد بالبدع، مع الجد في طلب العلم، والجد في الإخلاص، لكن يسأل ربه أن يُوفِّقه لذلك ويُعينه عليه.
س: مدحُ الناس للمؤمن ألا يكون من عاجل بُشرى المؤمن؟
ج: بلى، هذه مسألة أخرى، إذا أُثني عليه بما فيه فهذا من عاجل بُشراه، أما إذا أُثني عليه بشيءٍ ما هو فيه فهذا يغُرُّه.
س: إذا مُدِحَ الرجلُ في وجهه؟
ج: إذا دعت الحاجةُ فالشيء القليل، وإلا ما ينبغي المدح، فالرسول ﷺ لما سمع رجلًا يمدح شخصًا قال: قطعت ظهره، ويلك! إذا أراد أحدُكم فليقل: أحسبه كذا والله حسيبه، وقال: إذا رأيتم المدَّاحين فاحثُوا في وجوههم التُّراب.
س: الممدوح ماذا يقول للمادح؟
ج: يقول: جزاك الله خيرًا، اقصر، لا تمدح، أنا أعلم بنفسي. لكن الشيء القليل يُعفى عنه ولا بأس به، مثلما قال ﷺ لما رأى عمر: إنَّك إذا سلكتَ فجًّا سلك الشيطانُ فجًّا غير فجِّك.
س: وإذا استطاع الإنسانُ أن يُنْكِرَ بيده على المادح؟
ج: لا، ما يحتاج يد، إلا حثو التراب.
س: يحثو في وجهه التراب؟
ج: إذا أمن الفتنة، أما لا؛ فيكفي النصيحة؛ لأن بعض الناس ما يتحمَّل هذا.
س: ترك العمل الصالح من أجل الرياء؟
ج: لا، ما ينبغي تركه، يستعين بالله ويعمل.
س: المُداراة ..........؟
ج: المداراة: يعمل بالخير، ولكن يتحرى الكلمات المناسبات والأفعال المناسبة حتى لا تقع فتنة، يفعل الخير والحق لكن ما هو بالشدة ولا بالعنف، يُداري الأمور حتى لا تقع فتنة.
س: بالنسبة لمدرس المواد الدينية هل يدخل في الذين يتعلَّمون العلمَ يبتغون عرضًا من الدنيا؟
ج: إذا كان قصده وجه الله وأخذ مساعدةٍ ما يضره، مثل المجاهد الذي يُعْطَى ما يُعينه على السفر والجهاد.