502 من: (باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام إِلَّا لبدعةٍ في المَهجور..)

 
باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام إِلَّا لبدعةٍ في المَهجور أَوْ تظاهرٍ بفسقٍ أَوْ نحو ذَلِكَ
قَالَ الله تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، وقال تَعَالَى: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
1/1591- وعنْ أنَسٍ قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَقَاطَعُوا، وَلا تَدابروا، وَلا تباغَضُوا، وَلا تحاسَدُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا، وَلا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوقَ ثَلاثٍ متفقٌ عَلَيْهِ.
2/1592- وعنْ أَبي أيوبَ : أنَّ رسُول اللَّه ﷺ قَال: لا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ، يلتَقِيانِ، فيُعْرِضُ هَذَا، ويُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدأ بالسَّلامِ متفقٌ عَلَيْهِ.
3/1593- وعنْ أبي هُريرةَ قَال: قَال رسُولُ اللَّه ﷺ: تُعْرَضُ الأعْمالُ في كُلِّ اثْنَيْنِ وخَميس، فيَغْفِر اللَّه لِكُلِّ امْرئٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَءًا كَانَتْ بيْنَهُ وبيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ، فيقُولُ: اتْرُكُوا هذَينِ حتَّى يَصْطلِحا رواه مسلم.
4/1594- وعَنْ جابرٍ قَال: سمِعْتُ رسُول اللَّه ﷺ يقُولُ: إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصلُّون فِي جَزيرةِ العربِ، ولكِن في التَّحْرِيشِ بَيْنهم رواه مسلم.
5/1595- وعنْ أَبي هريرة قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: لا يحِلُّ لمسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاه فوْقَ ثَلاثٍ، فمَنْ هَجر فَوْقَ ثلاثٍ فَمَاتَ دخَل النَار رواهُ أَبُو داود بإسْنادٍ على شرْطِ البخاري ومسلم.
6/1596- وعَنْ أَبي خرَاشٍ حدْرَدِ ابنِ أَبي حَدْردٍ الأَسْلمي، ويُقَالُ: السُّلمي، الصَّحابِي : أنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ ﷺ يقُولُ: مَنْ هَجر أخاهُ سَنَةً فَهُو كَسَفْكِ دمِهِ رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
7/1597- وعنْ أبي هُرَيْرةَ : أنَّ رسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لا يَحِلُّ لمُؤْمِنٍ أنْ يهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلاثٍ، فَإنْ مرَّتْ بِهِ ثَلاثٌ فَلْيَلْقَهُ ولْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإن رَدَّ عليهِ السَّلام فقَدِ اشْتَرَكَا في الأَجْرِ، وإنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ باءَ بالإثمِ، وخَرَجَ المُسَلِّمُ مِن الهِجْرةِ رواهُ أَبُو داود بإسنادٍ حسنٍ، قَالَ أَبُو داود: إِذَا كَانَتِ الهِجْرَةُ للَّهِ تَعالى فَلَيْس مِنْ هذَا في شيءٍ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالتهاجر، وهذه كلها وما في معناها تدل على تحريم التهاجر والتقاطع بين المسلمين، فإنَّ هذا يُسبب شرًّا عظيمًا، وفسادًا كبيرًا، وتعطيل حقوق الله، وظهور المعاصي والشرور، ولهذا قال سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، فالمؤمنون إخوة يجب الإصلاح بينهم حتى لا يقع التهاجر والتشاحن، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وقال جل وعلا: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
فالواجب على أهل الإيمان أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يدعوا التعاون على الإثم والعدوان، ومن التعاون على الإثم والعدوان: التهاجر والشَّحناء والتباغض، ولهذا قال ﷺ: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا هذا الواجب على أهل الإسلام، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه، ويقول ﷺ: لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ، يلتقيان، فيُعْرِض هذا، ويُعْرِض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، وفي الحديث الأخير: إذا بدأ أحدُهما بالسلام فردَّ عليه اشتركا في الأجر، فإن لم يردَّ عليه سلم المُسَلِّمُ من الإثم، وباء الذي لم يرد بالإثم والمسلم يسلم.
وفي الحديث الآخر يقول ﷺ: تُرْفَع الأعمالُ إلى الله، وفي لفظٍ: تُعْرَض الأعمال على الله كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكلِّ مسلمٍ لا يُشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول الله: دعوا هذين حتى يصطلحا، فهذا يُفيد أن الشحناء من أسباب حرمان المغفرة.
ويقول ﷺ: إنَّ الشيطان قد يَئِسَ أن يعبده المصلون يعني: المؤمنون في جزيرة العرب، ولكن في التَّحريش بينهم لما رأى عدو الله إقبال المؤمنين ودخولهم في الإسلام يئس، ولكن بقي له النشاط في التحريش والشَّحناء.
ويأسه غير معصوم، ييأس من الشيء ويقع، ولهذا جاءت الأحاديث أنه: لا تقوم الساعة حتى تضطرب آلياتُ نساء دوسٍ حول ذي الخلصة، وقال: لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله، وقال: لا تقوم الساعة حتى يلحق حيٌّ من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئامٌ من أمتي الأوثان، فلا تقوم الساعة حتى يُنزع هذا الدين، ولا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة -نسأل الله العافية- في آخر الزمان يسوق الله ريحًا طيبةً بعد طلوع الشمس من مغربها فتقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، فلا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة.
وفي الحديث الآخر أنه إذا هجر فوق ثلاثٍ باء الذي لا يرجع بالإثم إلى النار، وهذا وعيدٌ شديدٌ يدل على أنه كبيرةٌ من الكبائر، وإذا هجره سنةً كان كسَفْكِ دمه، فهو يدل على عظم المصيبة، وعظم الإثم، وما ذاك إلا لما يترتب على الهجر من الشَّحناء، والعداوة، والتباغض، وقطيعة الرحم، وظهور المنكرات، إلى غير ذلك.
فالواجب على جميع المسلمين الحذر من هذا التهاجر، فإذا كان لخصومةٍ: دعوى بينك وبينه في أرض، أو في سيارة، أو في غير ذلك، يعني: خصومات بينهم، فالتهاجر ثلاثة أيام لا بأس؛ لأن النفوس يعتريها ما يعتريها، فسمح الله لنا بثلاثة أيام بسبب شدة الخصومة، فما زاد على الثلاث يُمنع، وهو من التَّهاجر في أمور الدنيا، والخصومات التي بين الناس.
أما ما يتعلَّق بالبدع والمعاصي: فليس من هذا الباب، فهذا يُهجر حتى يتوب، يستحق الهجر حتى يتوب، ولو مضت سنة أو سنوات حتى يتوب ويرجع إلى الله، فإذا أظهر إنسانٌ البدع أو المعاصي الظاهرة يُنْهَى عن هذا، ويُحَذَّر، ويُهْجَر، وقد هجر النبيُّ ﷺ كعبَ بن مالك وصاحبيه لما تخلَّفوا عن غزوة تبوك بغير عذرٍ، هُجِرُوا خمسين ليلةً حتى تاب الله عليهم.
فمَن أظهر المعاصي أو البدع يستحق الهجر حتى يتوب إلى الله ويرجع، كما يستحق التأديبَ أيضًا من ولاة الأمور على بدعته حتى يرجع عنها، وعلى ما أظهر من المعاصي حتى يتوب، وإن كان فيها حدٌّ وجب إقامةُ الحد.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: أحيانًا يصير خلافٌ بين عائلتين ويهجر الجميعُ شخصًا واحدًا؟
ج: من هذا الباب ثلاث لا بأس، أما الزيادة على ثلاثٍ فإنهم يأثمون كلهم، ومَن فاء سَلِمَ من الإثم، ومَن استمر على الهجر يستحق الإثم.
س: قول طالب العلم لشيخه: "فداك أبي وأمي" هل هو جائز ولا يتعارض مع برِّ الوالدين؟
ج: إذا كان أبوه مسلم وأمه مسلمة تركه أحسن، أما إذا كانا كافرين فلا بأس.
س: المعاصي المنتشرة مثل: شرب الدخان، لو يهجر الناس لهذه المعصية؟
ج: لا، هذه فيها شبهة، الدخان فيه شبهة، لكن يُنصح من باب النصيحة، أما المعاصي الظاهرة :كشرب الخمر، الزنا، اللواط، الشيء الظاهر الذي ما فيه شبهة؛ يهجر، وإذا رأى المصلحة في عدم الهجر وأنه يتابع النصيحة فلا بأس، فالنبي ﷺ هجر أقوامًا ولم يهجر أقوامًا، فإذا رأى وليُّ الأمر أو طالبُ العلم أو المؤمنُ أنَّ الهجر يزيد الشرَّ لا يهجر، يستمر في النصيحة، ويُحْمَل ما فعله النبيُّ ﷺ على هذا، فالناس الذين تركهم ولم يهجرهم كان ذلك لأنه رأى أنَّ عدم هجرهم أقرب إلى الخير، فإذا كان الهجر ينفع ويُؤَدِّب ويحصل به المطلوب هجر، فعليه أن يُراعي المصالح والمفاسد، ما هو بالهوى.
طالب: ليلة البارحة قرأنا عليكم حديثًا وقلتَ: "ما أعرف حال هارون بن معروف"، ومعي الخلاصة.
ج: وأيش الحديث؟
الطالب: قوله: روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى في "المسند"، قال: حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني عمرو -يعني: ابن الحارث- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي ﷺ أنه قال: مَن ترك الصلاة سكرًا مرةً واحدةً فكأنَّما كانت له الدنيا وما عليها.
الشيخ: نسأل الله العافية، نعم.
الطالب: ومَن ترك الصلاة سكرًا أربع مراتٍ كان حقًّا على الله عز وجل أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: وما طينةُ الخبال يا رسول الله؟ قال: عصارة أهل جهنم.
الشيخ: نسأل الله العافية، هذا سندٌ جيدٌ ............
س: بالنسبة لرجل أنهى العمرة وحلق لنفسه -قصَّر لنفسه؟
ج: ما يُخالف، لا بأس.
س: هجر الذي يُصلي صلاةً ويتركها في أوقاتٍ؟
ج: يستحق الهجر؛ لأنه كافرٌ، ترك الصلاة كفر -نعوذ بالله- يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتِلَ من جهة ولاة الأمور.
س: أبي يُجبرني على مفارقة زوجتي لأنها لم تُنجب؟
ج: إن كانت إنسانةً جيدةً لا تُطلقها، إنسانة بنت حلال وطيبة وجيدة، استسمح والدك بالكلام الطيب.
س: والدي رفض إلا أن أطلع من البيت؟
ج: لا، إذا كانت طيبةً لا تُطلقها، لكن تستسمح الوالد بالكلام الطيب، والأسلوب الحسن، والعبارات الطيبة، حتى يهديه الله إن شاء الله، إذا كانت طيبةً وصاحبة دينٍ وصلاةٍ وخيرٍ.