97 من حديث: (قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين..)

 
7/258- وعن أُسامَة ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: قُمْتُ عَلَى بابِ الْجنَّةِ، فَإِذَا عامَّةُ مَنْ دخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وأَصْحَابُ الجَدِّ محْبُوسُونَ، غَيْر أَنَّ أَصْحاب النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وقُمْتُ عَلَى بابِ النَّارِ، فَإِذَا عامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ متفقٌ عَلَيهِ.
8/259- وعن أَبي هريرة ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي المَهْدِ إِلَّا ثَلاثَةٌ: عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ، وصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا، فَاتَّخَذَ صَوْمَعةً فكانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهَو يُصلي فَقَالَتْ: يا جُرَيْجُ، فقال: يَا رَبِّ، أُمِّي وَصَلاتِي، فَأَقْبلَ عَلَى صلاتِهِ، فَانْصرفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وهُو يُصَلِّي، فقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، أُمِّي وَصَلاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَد أَتَتْهُ وَهُو يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، أُمِّي وَصَلاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لا تُمِتْه حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوه المُومِسَاتِ. فَتَذَاكرَ بَنُو إِسْرائِيلَ جُريْجًا وَعِبَادَتهُ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ، فتعرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتتْ رَاعِيًا كَانَ يَأوي إِلَى صَوْمعَتِهِ، فَأَمْكنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوقَع علَيْهَا؛ فَحملَتْ، فَلَمَّا وَلدتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْج، فَأَتَوْهُ، فاسْتنزلُوه، وهدَمُوا صَوْمعَتَهُ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهذِهِ الْبغِيِّ فَولَدتْ مِنْك، قال: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَجاءوا بِهِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّي، فَصلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعنَ فِي بطْنِهِ وقالَ: يَا غُلامُ، مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلانٌ الرَّاعِي، فَأَقْبلُوا علَى جُرَيْج يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لا، أَعيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا. وَبيْنَا صَبِيٌّ يرْضعُ مِنْ أُمِّهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دابَّةٍ فَارِهَةٍ، وَشَارةٍ حَسَنَةٍ، فَقالت أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجْعَل ابْنِي مثْلَ هَذَا، فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلهُ، ثُمَّ أَقبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعلَ يَرْتَضِعُ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رسولِ اللَّه ﷺ وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِأُصْبُعِه السَّبَّابةِ فِي فِيهِ، فَجَعلَ يَمُصُّهَا، قَالَ: وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا، وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ، سَرَقْتِ، وَهِي تَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوكِيلُ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَل ابْنِي مِثْلَهَا، فَتَركَ الرّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَهُنالِكَ تَرَاجَعَا الحَدِيث، فقالَت: مَرَّ رَجُلٌ حَسنُ الهَيْئَةِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَل ابْنِي مِثْلَهُ، فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلنِي مِثْلَهُ! وَمَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةِ وَهُم يَضْربُونَهُا وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ، سَرَقْتِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَل ابْنِي مِثْلَهَا، فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ اجعَلْنِي مِثْلَهَا! قَالَ: إِنَّ ذلِكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا، فَقُلتُ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لها: زَنَيْتِ، وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرقْتِ، وَلَمْ تَسْرِقْ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا متفق عليه.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذان الحديثان كالأحاديث السابقة في بيان فضل الضعفة والمساكين إذا صبروا واحتسبوا، فالفقر والحاجة من المصائب، فإذا صبر عليها المؤمن واحتسب فله أجرٌ عظيمٌ، وله فضلٌ كبيرٌ، مع المصيبة والصبر والاحتساب، ولهذا قال ﷺ أنه وقف على باب الجنة، فرأى عامَّة أهلها الفقراء، وأصحاب الجدّ –يعني: أصحاب الغنى- محبوسون؛ لما عليهم من الحساب في أموالهم تأخَّروا، غير أنَّ أهل النار قد أُمِر بهم إلى النار، فدلَّ على أنَّ الفقراء أسبق إلى الجنة؛ لقلة حسابهم، وقلة تبعاتهم، أما أصحاب الجدّ -وهو الغنى- فهم يتأخَّرون؛ لما يترتب على غناهم وأموالهم من الحساب والنظر في شئونهم، فلهذا يتأخَّرون عن دخول الجنة، وإن كانوا من أهل الجنة.
فالمقصود من هذا بيان فضل الفقر لمن صبر واحتسب، وأنه ينبغي ألا يتأثر، وألا يحزن من قلة المال إذا صبر واحتسب، فالله يبتلي عباده بالسَّراء والضَّراء، بالغنى والفقر، فمَن شكر عند الغنى وصبر عند البلاء فهو على خيرٍ عظيم، ومن خيرة عباد الله الصَّالحين.
الحديث الثاني
وهكذا قصة جريج وما أصابه: فإنَّ جريجًا كان عابدًا في بني إسرائيل، فابتلاه الله بأمه، فجاءته تدعوه وهو يصلي ثلاثة أيام، كل مرة تقول: "يا جريج، يا جريج"، ويقول: "أمي وصلاتي"، يريد أن يُجيب أمه ويريد أن يُكمل صلاته؛ ولشدة حرصه على الصلاة استمر في صلاته، وغلط في هذا من جهة أمه، فلما مضت ثلاثة أيام، وفي كل مرة يقول: "أمي وصلاتي" ولا يُجيبها؛ دعت عليه، وقالت: "اللهم لا تُمته حتى ينظر في وجوه المومسات" يعني: الزانيات، فأجاب الله دعوتها، وابتلاه، وكانت امرأة بغيّ في بني إسرائيل، وكانوا يتذاكرن جريجًا وعبادته، فقالت: "إن شئتُم فتنتُه"، وكانت امرأةً جميلةً بَغِيًّا، فجاءت إلى صومعته فلم تقدر على فتنته، وكان هناك راعٍ يأوي إلى جدار الصومعة، فمكَّنته من نفسها حتى حملت منه، فلما ولدت قالوا: "من أين هذا الولد؟" قالت: "من جريج!" كذبت عليه، قالت: إنه من جريج العابد، فجاء المسئولون على غير بصيرةٍ وهدموا صومعته -محل عبادته- وضربوه على غير بصيرةٍ، فقد صدَّقوها، وهذا من جهلهم وغلطهم، فإنَّ المدعي لا يُصدَّق إلا بالبينة، فقال لما ضربوه: "ما شأنكم؟" قالوا: "زنيت بفلانة، وهذا الولد منك!" قال: "هاتوا الولد"، فجاءوا به، فطعنه بأصبعه وقال: "يا غلام، مَن أبوك؟" فأنطقه الله، قال: "أبي فلان الراعي"، براءة لهذا العابد، وآية من آيات الله، فلما نطق الصبي الصغير قال: أبي الراعي؛ تأسَّفوا على ما فعلوا، وطلبوا منه أن يعفو عنهم، وأن يبنوا له صومعته من ذهبٍ، فقال: "لا، أعيدوها من طينٍ" يكفي، فأنطق الله هذا الصبي الصغير لبراءة هذا العابد، كما أنطق عيسى ابن مريم لبراءة أمه وبيان أنَّه عبد الله ورسوله.
الثالث: صاحب المرأة، وهي التي كان معها طفل صغير ترضعه، فمُرَّ عليها بشخصٍ له شارة حسنة، على دابَّةٍ له، فقالت: "اللهم اجعل ابني مثل هذا"، فأطلق الثدي ونظر إليه فقال: "اللهم لا تجعلني مثله"، ثم مُرَّ بجاريةٍ تُضرَب ويُقال: "زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل"، فقالت: "اللهم لا تجعل ابني مثلها"، فأطلق الثدي ونظر إليها وقال: "اللهم اجعلني مثلها"، ثم عند هذا تجاذبا الحديث، وترادَّا الحديث هو وأمه، فقالت: "مُرَّ علينا برجلٍ كذا وكذا، فقلتُ كذا، وقلتَ أنت كذا، ومُرَّ علينا بجاريةٍ فقلتُ كذا، وقلتَ أنت كذا"، فأنطقه الله وأعلمه سبحانه وتعالى: فالأول جبار ظالم، فسألتُ الله ألا يجعلني مثله، وهذه امرأةٌ ضعيفةٌ، فسألتُ الله أن يجعلني مثلها، يعني: يجعلني مظلومًا لا ظالمًا، لا جبَّارًا مُتكبِّرًا، أسأله أن أكون فقيرًا مظلومًا لا ظالمًا؛ لأن المظلوم يُنْصَر وله العاقبة الحميدة، والظالم والجبار عاقبته وخيمة.
فهؤلاء الثلاثة أنطقهم الله في المهد: عيسى، وصاحب جريج، وصاحب المرأة، وهذه من آيات الله، وهو على كل شيء قدير ، هو الذي يقول للشيء: كن؛ فيكون، هو الذي أنطق عيسى، وأنطق صاحب جريج، وأنطق صاحب المرأة، وهو الذي يُنطقهم يوم القيامة، ويُنطق جلودهم وأيديهم وأرجلهم فتشهد بأعمالهم، وهو على كل شيء قدير .
فالواجب على المؤمن الحذر من طاعة الهوى والشيطان، والواجب عليه أن يُطيع الله ويستقيم على دينه، وإن  أصابه فقرٌ أو حاجةٌ فلا يجزع، فقد يكون فقره خيرًا له، فالغنى ابتلاء وامتحان، والفقر ابتلاء وامتحان، فمَن ابتُلِيَ بالغنى فليشكر الله، ومَن ابتُلِيَ بالفقر فليصبر وليحتسب، وله العاقبة الحميدة.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: كيف الجمع بين دعوة أم جريج: اللهم لا تُمته حتى ينظر إلى وجوه المُومسات وحديث يُستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثمٍ أو قطيعةٍ؟
ج: دعت لأنها ترى أنه قطع رحمها، ولها حقٌّ عليه، فأجاب الله دعوتها ليُري عباده العِبَر، فله الحكمة البالغة ، فقد يُجاب الكافر وقد يُجاب غيره لحكمٍ بالغةٍ.
س: هل يُدْعَى عليه بالمعصية؟ يعني: مَن أراد أن يدعو على ظالمٍ يدعو عليه بالزنا أو بشرب الخمر؟
ج: لا، ما ينبغي، بل يُدْعَى له بالهداية، إلا إنسانًا يُؤذي المسلمين فيُدعى عليه بالموت، أن يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، كما دعا النبيُّ ﷺ على أبي جهل وأشباهه، أما الباقين فيُدعى لهم بالهداية.
س: الصومعة هل هي غرفة أم غار؟
ج: هي محل عبادة، قد تكون غرفةً، وقد تكون بيتًا كاملًا.
س: العابد هل ثبت أنه صلَّى قبل وغزه الطفل ركعتين؟
ج: نعم، صلى ركعتين، قال: "أمهلوني حتى أصلي ركعتين" ثم دعا ربَّه.
س: إذن يُشرع عند الحاجة أن يُصلّي ركعتين؟
ج: عند المصائب الصلاة من وسائل الخير، والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ [البقرة:153].
س: هل يؤخذ من هذا الحديث أنَّ الشخص إذا كان في صلاة نافلةٍ فناداه أحدُ أبويه يقطعها؟
ج: نعم، فقد كان الواجب عليه أن يقطعها؛ لأنَّ برّها واجب، والنافلة يجوز قطعها، لكنه تحرَّج واشتبه عليه الأمر فاستمر في صلاته.
س: وإذا كان في فريضةٍ؟
ج: لا، لا يقطعها إلا عند الضرورة، كرجل أعمى يخشى سقوطه في شيءٍ، أو حية يخشى منها، أو سبع يخشى منه، المقصود عند الضَّرورة يقطعها.
س: في سورة يوسف: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا [يوسف:26] ألم يكن رضيعًا؟
ج: هذا ما فيه دليل على أنه صغير.
س: هل كان جريج قوي اليقين حتى نصره الله؟
ج: عابدٌ يعبد الله من عباد الله حتى أجاب الله دعوته، وأبرأ ساحته، ابتلاه ثم أنجاه، ابتلاه بدعوة أمه، ثم أنجاه وبيَّن براءته.
س: قول الرسول ﷺ: وقمتُ على باب النار هل كان بعد خروج الموحدين من النار؟
ج: الله أعلم.