91 من: (باب قضاء حوائج المسلمين)

 
29- باب قضاء حوائج المسلمين
قَالَ الله تَعَالَى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77].
1/244- وعن ابن عمرَ رضي اللَّهُ عنهما: أَن رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: المسلمُ أَخو المسلم، لا يَظلِمُه، ولا يُسْلِمُهُ، ومَنْ كَانَ فِي حاجةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ، ومَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يوم القيامةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ الْقِيامَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
2/245- وعن أَبي هريرة ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبةً منْ كُرب الدُّنْيا نفَّس اللَّه عنْه كُرْبةً منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ، ومَنْ يسَّرَ عَلَى مُعْسرٍ يسَّرَ اللَّه عليْهِ في الدُّنْيَا والآخِرةِ، ومَنْ سَتَر مُسْلِمًا سَترهُ اللَّه فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، واللَّه فِي عَوْنِ العبْدِ مَا كانَ العبْدُ في عَوْن أَخيهِ، ومَنْ سَلَكَ طَريقًا يلْتَمسُ فيهِ عِلْمًا سهَّل اللَّه لهُ به طَريقًا إِلَى الجنَّة. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بيْتٍ منْ بُيُوتِ اللَّه تعالَى، يتْلُون كِتَابَ اللَّه، ويَتَدارسُونهُ بيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينةُ، وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمةُ، وحفَّتْهُمُ الملائكَةُ، وذكَرهُمُ اللَّه فيمَنْ عِندَهُ. ومَنْ بَطَّأَ بِهِ عَملُهُ لَمْ يُسرعْ به نَسَبُهُ رواه مسلم.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فالآية الكريمة والحديثان وما جاء في معناهما كلها تدل على شرعية قضاء حاجة المسلمين، والتعاون معهم في الخير؛ لأن المسلمين شيء واحد، وبناء واحد، وجسد واحد، مشروع لهم التعاون على الخير، والتواصي بالحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقضاء حاجة بعضهم من بعض، فكل هذا مأمور به، فالمسلمون شيء واحد، قال الله تعالى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77]، وقال جل وعلا: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128].
فالإنسان مأمورٌ بالإحسان وفعل الخير مع إخوانه ومع غيرهم؛ لأن الخير ينفع للمحتاج إليه من المسلمين، أو المؤلفة قلوبهم، أو المعاهَدِين، أو المستأمنين؛ لفقرهم أو رجاء إسلامهم، ونحو ذلك.
يقول النبي ﷺ: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلمه يعني: ولا يخذله، ومَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلمٍ كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة.
الحديث الثاني
وفي حديث أبي هريرة: مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومَن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه كلمة جامعة، لما ذكر هذه الأمثلة: التنفيس، والتيسير، والستر، أتى بكلامٍ جامعٍ: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه كلمة جامعة، كما في حديث ابن عمر السابق: مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته من جوامع الكلم، تجمع الخير كله.
ومَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة فيه فضل طلب العلم، وأنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في طلب العلم، وأن يسلك السبل الموصلة إليه: بالسفر إلى العالم، بالبحث، بالمذاكرة، بالمكاتبة، يطلب العلم ويتفقه في الدين.
وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمَن عنده هذا فضل عظيم، فالاجتماع على كتاب الله، والاجتماع على العلم، والمذاكرة في العلم؛ فيه خيرٌ عظيم.
ومَن بطَّأ به عمله لم يُسرع به نسبه من بطَّأ به عمله عن الخير ما نفعه النسب، ولو كان من بني هاشم، المهم العمل: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]، ويقول النبيُّ ﷺ: إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، ويقول سبحانه: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ۝ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93]، ويقول في الآية الكريمة: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، فالنسب والمال والصداقات في الدنيا كلها ما تجدي شيئًا إذا لم تكن في سبيل الله، وفي مرضات الله، فكونه من بني هاشم أو كونه من ذرية الأنبياء لا ينفعه إذا لم يعمل، وهكذا تكون عنده أموال فلا تنفعه إذا لم يصرفها في طاعة الله، فقارون كان من أكثر الناس أموالًا وخسف الله به وبداره الأرض، وصار ماله سببًا لشقائه، ولهذا يقول ﷺ: إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، ويقول في هذا الحديث: من بطَّأ به عمله يعني: عن الخير لم يُسرع به نسبُه إلى الخير، مَن تأخَّر عن الصلاة، عن الصدقة، عن الجهاد، عن غير هذا؛ فما ينفعه كونه من أولاد الأنبياء، أو كونه من أولاد الأغنياء، أو من أولاد العلماء، ما ينفعه ذلك، لا ينفعه إلا عمله، ومَن بطَّأ به عمله لم يُسرع به نسبه، والله يقول: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32]، لا بأنسابكم، بل بما كنتم تعملون، بأعمالهم الطيبة.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: لو كان الاجتماع في بيتٍ من البيوت العادية هل يحصل لهم نفس الفضل؟
ج: يُرْجَى لهم إن شاء الله، لكن في المساجد أفضل وأنفع للناس، وإذا صارت في البيوت يُرجا لهم هذا الخير.
س: المقصود بنزول السكينة؟
ج: ظاهره أنه ملك من الملائكة يُسمَّى السكينة، يقرب وينزل عند سماع الخير وعند سماع الذكر ........، فالنبي ﷺ لما ذكر له أُسيد بن حُضير أنه كان يقرأ وكان عنده فرس وصار لها صهيل حتى خشي على ولده، قال لأسيد: تلك السكينة نزلت لسماع القرآن، وكان يرى في السَّماء مثل السُّرُج.
س: الواجب في إخراج الزكاة من عين المال أو يُجزئ من القيمة، مثلًا لو وجبت على الإنسان شاة أو تبيعة أو بنت مخاض أو ما أشبه ذلك؟
ج: الواجب إخراجها إذا تيسَّر من عين المال، ويُخرج القيمة إذا ما تيسَّر المال أو صار أنفع للفقراء.
س: مَن نام عن العصر والمغرب فلم يستيقظ إلا قبل العشاء بشيءٍ يسيرٍ لا يكفي إلا لأداء فريضةٍ واحدةٍ ماذا يُقَدِّم؟
ج: يُصلي الظهر والعصر، ثم يُصلي المغرب والعشاء.
س: ألا يُقدِّم المغرب لكي لا تكثر عليه الفوائت؟
ج: بعضهم يقول: إذا ضاق الوقت يبدأ بالحاضرة، ولكن ظاهر النصوص خلاف ذلك، يقول النبيُّ ﷺ: مَن نام عن الصلاة أو نسيها فليُصلِّها إذا ذكرها، لا كفَّارةَ لها إلا ذلك، هذا نصُّ حديث النبي ﷺ، يبدأ بالمنسيَّة ثم يأتي بالحاضرة.
س: هل تكفي رؤية واحد في دخول رمضان وخروجه أم لا بد من رؤية اثنين؟
ج: الدخول واحد يكفي، وأما الخروج لا بدّ من شاهدين.
س: الحديث: مَن ستر مسلمًا ما المقصود هنا؟
ج: ستره الله في الدنيا والآخرة، ويشمل المعنى والعورة: مَن ستر عورته بالكسوة، ومن ستر عورته إذا زلَّ زلَّةً ولم يفضحه.
س: أليس المقصود إذا فعل معصيةً وتاب؟
ج: يشمل الأمرين.
س: الستر عام أم له ضوابط؟
ج: إذا كان ما أعلنها ولم يفضح نفسه، لكن إذا كنتَ تعلم أنت منه شيئًا فلا تفضحه، استر عليه، وادعُ له بالهداية، أما إذا فضح نفسه فما فيه حيلة.