87 من حديث: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به..)

 
8/229- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قَالَتْ: "إِنْ كَان رسولُ اللَّه ﷺ لَيدعُ الْعَمَلَ وهُوَ يحِبُّ أَنَ يَعْمَلَ بِهِ؛ خَشْيةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ" متفقٌ عَلَيهِ.
9/230- وعنْهَا رضي اللَّه عنها قالَتْ: نَهَاهُم النَّبِيُّ ﷺ عَن الْوِصال رَحْمةً لهُمْ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تُواصلُ؟! قَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُني رَبِّي ويَسْقِيني متفقٌ عَلَيهِ.
مَعناهُ: يجعَلُ فيَّ قُوَّةَ مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ.
10/231- وعن أَبي قَتادَةَ الْحارِثِ بنِ ربْعي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: إِنِّي لأَقُومُ إِلَى الصَّلاةِ وَأُرِيدُ أَنْ أُطَوِّل فِيها، فَأَسْمعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجوَّزَ فِي صلاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ رواه البخاري.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث فيها الحثّ على الرفق بالمسلمين، والعناية بهم، ورحمة أحوالهم، والحرص على كلِّ ما يدفع الضَّرر عنهم، كما قال الله جل وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، وقال ﷺ: مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ، الرَّاحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء.
ولهذا تقول عائشة رضي الله عنها: أنه ﷺ يدع العمل وهو يُحب أن يعمل به مخافة أن يعمله فيعمل به الناسُ فيشق عليهم.
والمعنى: أنه قد يترك العملَ الذي يُحب أن يعمل به مخافة أن يشقَّ على الناس عليه الصلاة والسلام، وهذا من باب الرفق، وربما دخل في العمل يريد أن يُطَوِّله فيُخفف مخافة أن يشقَّ على المأمومين، وكذلك قد يدخل في الصلاة وهو يريد إطالتها فيسمع بكاء الصبي فيدع التطويل مخافة أن يشقَّ على أمه.
والمقصود من هذا كله أنه كان يُراعي عليه الصلاة والسلام أحوالَ المسلمين، ويُراعي ضُعفاءهم حتى لا يشقَّ عليهم عليه الصلاة والسلام، فينبغي للعلماء والأمراء وأعيان الناس أن يُراعوا أحوال المسلمين بالرحمة والعطف وعدم المشقة عليهم في أمور دينهم ودنياهم، حتى لا تكون هناك فجوة بين المسلمين؛ لأن المشقة تُسبِّب الفرقة والاختلاف.
ولما بلغه أنَّ قومًا قالوا: أين نحن من رسول الله ﷺ قد غفر الله له؟! وقال بعضهم: أما أنا فأقوم ولا أنام، وقال الآخر: وأما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأما أنا فلا أتزوج النساء، فخطب الناسَ عليه الصلاة والسلام، وقال: ما بال أقوامٍ قالوا كذا وكذا، لكني أُصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمَن رغب عن سنتي فليس مني.
وهكذا لما واصل ﷺ ورأى الناسَ تابعوا في الوصال نهاهم، وقال: إني لستُ مثلكم، إني أُطْعَم وأُسْقَى، فلمَّا أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يومًا ثم يومًا، ثم رأوا الهلالَ، فقال: لو تأخَّر الهلالُ لزدتكم كالمنكل لهم.
ومعنى إني أُطْعَم وأُسْقَى يعني: ما يفتح الله عليه من التَّلذذ بالمناجاة والتلذذ بالطاعة يقوم مقام الطعام والشراب، وليس معناه كما يظن بعض الناس: أنه طعامٌ من الجنة، وشرابٌ من الجنة، لا، لو كان يشرب من الجنة ما صار صائمًا، إنما المقصود ما يفتح الله عليه من نفحات القدس، والتلذذ بالمناجاة، والراحة عند قراءة القرآن، ومناجاة الله، فيحصل له بذلك ما يقوم مقام الطعام والشَّراب، فنهاهم عمَّا يشقُّ عليهم، وحثَّهم على ما فيه راحتهم.
والمقصود من هذا كله أنَّ العلماء يُراعون العامة، وهكذا الأمراء والملوك والرؤساء ورؤساء القبائل يراعون عامَّة الناس في جميع الشؤون التي قد تشقُّ عليهم، حتى يحصل بذلك التعاون، والتَّواصي بالحق، والتراحم، والتعاطف.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: هل يكون حكم الوصال مكروهًا؟
ج: مكروه؛ لأنه لو كان محرَّمًا ما واصل بهم، فهو مكروه، ما ينبغي.
س: مَن قال أنَّه من خصائص الرسول ﷺ؟
ج: لا، ما هو من خصائصه، من خصائصه الشرعية له، وكان ابن الزبير وجماعة يواصلون ويقولون: ما يشقُّ علينا، ولكن بكل حال أقل أحواله الكراهة؛ لأنه لو كان محرمًا لم يُواصل بهم، لكن لما استمروا في طلب الوصال واصل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم رأوا الهلال، فقال: لو تأخَّر لزدتكم، فدلَّ ذلك على أنه لا ينبغي لهم التكلف في هذا، بل ينبغي لهم قبول الرخصة: إنَّ الله يُحب أن تُؤْتَى رخصه.
س: أطول وقتٍ يجوز للمسلم أن يُواصل فيه إلى العشاء أم إلى السَّحَر؟
ج: إذا أراد أن يواصل فإلى السحر، مثلما قال النبي ﷺ: فأيّكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر، فلو ترك العشاء والفطور وصار أكله من السَّحر إلى السَّحر فلا بأس، لكن الأفضل أن يُفطر مع الناس، إذا غابت الشمسُ فالأفضل أن يُفطر ويقبل رخصةَ الله، ويقول ﷺ: إذا أقبل الليلُ من هاهنا، وأدبر النهارُ من هاهنا، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم، وقال ﷺ في الحديث الصحيح: لا يزال الناس بخيرٍ ما عجَّلوا الفطر، ويقول الله جل وعلا: أحبُّ عبادي إليَّ أعجلهم فطرًا، فهذا هو السنة: عدم التَّكلُّف.
س: يعني الجواز من السَّحر إلى السَّحر فحسب؟
ج: نعم، والأفضل عدمه.
س: لكن لا تصل إلى حدِّ الكراهة؟
ج: لا.
س: أليس في هذه الأحاديث دفعًا للأنانية، كل واحدٍ يريد أن يفرض رأيه على الناس أو على الجماعة الذين حوله؟
ج: الذي يُخالف الشرع ما يصلح، فلا يصلح أن يفرض رأيًا يُخالف الشرع، أما إذا أراد أن ينصحهم بشيءٍ يُوافق الشرع فجزاه الله خيرًا.
س: ورد في السِّيَر أنَّ الإمام أحمد كان يُواصل إلى آخر عمره؟
ج: إن ثبت عنه فقد غلط، الرسول ﷺ هو القدوة، أحمد أو غيره كلهم واحد، وكل عالم يُخطئ ويُصيب، يجتهد ويخطئ.
س: هل يجوز الدعاء لمَن قدم من المدينة بقول: زيارة مقبولة، أو: تقبَّل الله؟
ج: ما في مانع، لو قلت له: زيارة مقبولة، تقبَّل الله صلاتك، وتقبَّل الله صيامك، ما في شيء، جزاك الله خيرًا.
س: بالنسبة لما اعتاده بعضُ النساء ........ بعضهم بعضًا في أثناء الصلاة بأن تهزّ رأسها للإجابة بنعم أو لا، هل يكون هذا مبطلًا للصلاة؟
ج: ما في بأس، الإشارة في الصلاة لا حرج فيها، وكان النبي ﷺ يُشير بيده إذا سلَّم ويقول هكذا، يشير بيده عليه الصلاة والسلام.
س: مَن تكلَّم ناسيًا؟
ج: لا شيء عليه.
س: التَّخفيف بالنسبة للإمام في الصلاة؟
ج: لا يُخلّ بالصلاة، التخفيف الذي يناسب ولا يضرّ المصلين ينفع المرأةَ التي ولدها يصيح، أو ينفع الإنسان الذي عنده حاجة شديدة، فالتخفيف نسبي، فعلى الإمام أن يتحرى فيه فعلَ النبي ﷺ في صلواته، ويُوافق فعله ﷺ.
س: هل يكون باستمرارية أم يكون تارةً وتارةً؟
ج: يلزم سنة النبي ﷺ إلا إذا عرض عارضٌ.
س: بعض الناس تعوَّد أن يقول بعد كل صلاة للذي يجلس بجنبه: تقبَّل الله؟
ج: ما هو بلازمٍ، ما له أصلٌ، لكن إذا فعله بعض الأحيان ما في بأسٍ، وهذا ما بلغنا عن السَّلف.