82 من حديث: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض..)

 
11/213- وعن أَبي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بنِ الحارثِ ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّه السَّماواتِ والأَرْضَ: السَّنةُ اثْنَا عَشَر شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم: ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقعْدة، وَذو الْحجَّةِ، والْمُحرَّمُ، وَرجُب مُضَر الَّذِي بَيْنَ جُمادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قلْنَا: اللَّه ورسُولُهُ أَعْلَم، فَسكَتَ حَتَّى ظنَنَّا أَنَّهُ سَيُسمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَليْس ذَا الْحِجَّةِ؟» قُلْنَا: بلَى، قَالَ: فأَيُّ بلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّه وَرسُولُهُ أَعلمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سيُسمِّيهِ بغَيْر اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ الْبَلْدةَ؟ قُلْنا: بلَى، قَالَ: فَأَيُّ يَومٍ هذَا؟ قُلْنَا: اللَّه ورسُولُهُ أَعْلمُ، فَسكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّه سيُسمِّيهِ بِغيْر اسمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْر؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فإِنَّ دِماءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأَعْراضَكُمْ عَلَيْكُمْ حرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذا، في شَهْرِكم هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ ربَّكُم فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلا فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فلَعلَّ بعْضَ مَنْ يَبْلغُه أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَه مِن بَعْضِ مَنْ سَمِعه، ثُمَّ قال: أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ أَلا هَلْ بلَّغْتُ؟ قُلْنا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ متفقٌ عَلَيهِ.
12/214- وعن أَبي أُمَامةَ إِيَاسِ بنِ ثَعْلَبَةَ الْحَارِثِيِّ : أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امرئٍ مُسْلمٍ بيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَه النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ رجُلٌ: وإِنْ كَانَ شَيْئًا يسِيرًا يَا رسولَ اللَّه؟ فَقَالَ: وإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ رواه مسلم.
13/215- وعن عَدِي بن عُمَيْرَةَ قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يَقُول: مَن اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْم الْقِيامَةِ، فقَام إليهِ رجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الأَنْصَارِ، كأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه، اقْبَلْ عنِّي عملَكَ، قال: وما لكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُك تقُول كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ: مَنِ اسْتَعْملْنَاهُ عَلَى عملٍ فَلْيجِئ بقَلِيلهِ وَكثيرِه، فمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ ومَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في الحثِّ على العدل، وتحري الحقّ، والحذر من الظلم والغلول، والرسول ﷺ أكثر في هذا لأن الأمة فيها الجاهل، وفيها الطامع وكثير الشغف بالمال، وفيها ضعيف الإيمان، وفيها الكافر، فأبدى وأعاد عليه الصلاة والسلام حتى يبلغ الناس هذا الأمر، وأنَّ الواجب على جميع الناس أن يُؤدوا ما أوجب الله عليهم، وأن يحذروا ما حرَّم الله عليهم، لا في المال، ولا غيره، ولهذا خطب الناسَ في حجة الوداع في عرفة، وفي يوم النحر أيضًا، وقال لهم ﷺ: إنَّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرُمٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مُضَر الذي بين جمادى وشعبان، ثم سألهم: أي شهرٍ هذا؟ أي بلدٍ هذا؟ أي يومٍ هذا؟ ليستعدُّوا للجواب، وليحضروا قلوبهم لما يقول لهم عليه الصلاة والسلام، فلمَّا بيَّن لهم شهر ذي الحجة، والبلدة هي المكة، ويوم النحر، قال: إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضَكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟، وفي حديث جابرٍ جعل يرفع أصبعه إلى السماء ثم يكبُّه إلى الناس ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد.
فالواجب على جميع المكلَّفين الحذر مما حرَّم الله، والحرص على أداء الواجب، والحذر من الغلول، ولهذا قال: لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعض يعني: لا تعملوا أعمال الكفار، الكفر هنا كفر منكر، يعني: لا تعملوا  أعمالهم من الظلم والبغي بالقتل وغيره، فالقتل ظلمًا من الكفر الأصغر ومن كبائر الذنوب، قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، وحذَّرهم ﷺ من أسباب الفتن والاختلاف والنزاع الذي يُفضي إلى سفك الدماء، وقال: لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعض، فالظلم في الأموال يُفضي إلى سفك الدماء، فيجب الحذر من هذا وهذا جميعًا.
الحديث الثاني
وهكذا قوله ﷺ: مَن اقتطع حقَّ امرئٍ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة، قالوا: يا رسول الله، وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإن كان قضيبًا من أراكٍ، وفي اللفظ الآخر: مَن حلف على يمينٍ وهو فيها فاجر يقتطع بها مال أخيه بغير حقٍّ لقي الله وهو عليه غضبان.
فالواجب الحذر من الأيمان الفاجرة التي يأخذ بها مالَ أخيه بغير حقٍّ، وأنها سببٌ لدخول النار ولغضب الله عز وجل، قالوا: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبًا من أراكٍ، يعني: عودًا من أراك. والمقصود من هذا التحذير من الظلم قليله وكثيره، والحذر من التساهل في هذا الأمر الذي يُفضي بأهله إلى النار -نسأل الله العافية.
الحديث الثالث
وهكذا حديث عدي بن عميرة في مسألة الغلول، فمَن ولي على أمرٍ -عمالة أو عمارة أو ولايات مالية أو ما أشبه ذلك- فالواجب عليه أن يؤدي الصغير والكبير، الخيط والمخيط، وألا يكتم ولا يغلّ شيئًا من ذلك، وإذا أُعطي شيئًا أخذه، وإن مُنِعَ شيئًا تركه، وإن شرط جعلًا شرط جعلًا معينًا، أما أن يغلَّ من المال شيئًا لنفسه من غير إذن مَن وكَّله واسترعاه فهذا هو الغلول، والله يقول: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]، فالواجب على جميع الموظفين وجميع المكلَّفين أن يُراعوا حقَّ الله عز وجل، وحقَّ عباده، وأن يحذروا الظلم والغلول في جميع الأشياء.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: بالنسبة لمَن كان في عملٍ حكوميٍّ يستعمل التليفون ليتصل خارج المنطقة التي هو فيها، أو مثلًا يُصوِّر بعضَ الأوراق الشخصية الخاصَّة به؟
ج: يستأذن الجهة المختصة المسؤولة.
س: بداية حديث النبي ﷺ وكذلك قول النبي ﷺ: هل أدلكم على ما يُكَفِّر الله به الخطايا رواه مسلم، هل يُسَنُّ الاستفهام في ابتداء كل خطبةٍ أو وعظٍ لاستجلاب قلوب الناس؟
ج: المقصود إخبارهم على عادة التحضيض ..........
س: الأشهر الحرم تُقام فيها الحدود؟
ج: نعم تقام فيها الحدود، والجهاد في سبيل الله مشروعٌ عند الجمهور، وتحريمه منسوخ.
س: بعض الشُّرَّاح يقول في معنى قوله: استدار، أي: عاد ورجع إلى انقسام السنين إلى سنين، والسنة إلى أشهر؟
ج: لا، السنة والشهر من قديم الزمان، لكن المعنى: إلغاء ما أحدثته الجاهلية في تغيير الشهور.
س: يكون حجّه صلى الله عليه وسلم في تلك السنة وافق ذي الحجة قدرًا؟
ج: نعم.
س: بعض النساء في الصلاة تضع العباءة على الكتفين لتستر قدميها، هل هذا يكون من التشبه؟
ج: ما يجوز هذا، نعم، تجعل رداءً أو جلالًا أو غيره، لا تتشبَّه بالرجال .........
س: إن الحمد لله، نحمده، ونستغفره، ونستهديه هل ورد في خطبة الحاجة؟
ج: نطلب منه الهداية.
س: نستهديه هل وردت في خطبة الحاجة عن النبي ﷺ؟
ج: أظن أنه في بعض الروايات، ولكن يحتاج إلى مراجعة حديث ابن مسعودٍ وما جاء في معناه، يُراجع الحديث.