76 من: (باب الأمر بأداء الأمانة)

25- باب الأمر بأداء الأمانة
قَالَ الله تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] وقال تَعَالَى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب: 72].
1/199- عن أَبي هريرة : أن رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ: وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وزعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ.
2/200- وعن حُذيْفَة بنِ الْيمانِ قَالَ: "حدَّثنا رسولُ اللَّه ﷺ حَديثَين قَدْ رَأَيْتُ أَحدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظرُ الآخَرَ: حدَّثَنا أَنَّ الأَمَانَة نَزلتْ في جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرآنُ، فَعلموا مِنَ الْقُرْآن، وَعلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ حَدَّثنا عَنْ رَفْعِ الأَمانَةِ فَقال: يَنَامُ الرَّجلُ النَّوْمةَ فَتُقبضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيظلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ، ثُمَّ ينامُ النَّوْمَةَ فَتُقبضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيظَلُّ أَثَرُهَا مِثْل أثرِ الْمَجْلِ، كجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ، فَنفطَ، فتَراه مُنْتَبِرًا، وَلَيْسَ فِيهِ شَيءٌ، ثُمَّ أَخذَ حَصَاةً فَدَحْرجَهَا عَلَى رِجْلِهِ، فَيُصْبحُ النَّاسُ يَتبايَعونَ، فَلا يَكادُ أَحَدٌ يُؤدِّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ في بَنِي فلانٍ رَجُلًا أَمِينًا، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ! مَا أَظْرَفهُ! مَا أَعْقلَهُ! وَمَا في قلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمانٍ، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا ليَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُه، ولَئِنْ كَانَ نَصْرانيًّا أَوْ يَهُوديًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وأَمَّا الْيَوْمَ فَما كُنْتُ أُبَايِعُ مِنْكُمْ إِلَّا فُلانًا وَفلانًا" متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الآيات والحديثان فيما يتعلق بالأمانة.
الأمانة أمانتان: أمانة الدين، وأمانة المال.
فالواجب على كل مسلمٍ أن يؤدي الأمانتين: أمانة الدين بأداء الواجبات عن إخلاصٍ وصدقٍ، وأمانة المال أن يُؤديها لأهلها بأمانةٍ وعدم تفريطٍ وعدم تساهلٍ ولا عدوان، هذا هو الواجب على الجميع، كل مسلمٍ يجب عليه أن يؤدي الأمانتين: أمانة الدنيا، وأمانة الدين، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] يعم الأمانات الدينية من: أداء الفرائض، وترك المحارم، والأمانات الدنيوية المالية، وغيرها.
ويقول جلَّ وعلا تعظيمًا للأمانة: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ [الأحزاب:72] الآية؛ وما ذاك إلا لعظم شأنها، فإنَّها تشمل الفرائض وترك المحارم، وتشمل حقوق الناس، قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8]، فمن صفات أهل الإيمان أنهم يرعون الأمانة والعهود، ولا يخونون، ولهذا قال سبحانه في سورة المؤمنين وفي سورة المعارج: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32]، هذه من صفات أهل الإيمان: أنهم يرعون الأمانة ولا يخونوها، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].
فالواجب على المؤمن أن يؤدي الأمانة: في غسله، في وضوئه، في صلاته، في صومه، في حجه، في زكاته، في كل شيءٍ يؤدي الأمانة، يصلي صلاةً يطمئن فيها، يؤدي حقَّها خالصًا لله جل وعلا، هذا من الأمانة، يُزَكِّي زكاةً كاملةً لا يخون فيها، ويصوم كما أمر الله، ولا يخون في الصيام بالتساهل بالمعاصي، وهكذا الحج، وهكذا غيرها.
ويؤدي الأمانة في الحذر من معاصي الله، من: الزنا، والسرقة، وشرب المسكر، والعقوق، وقطيعة الرحم، وغير ذلك.
ويؤدي أمانات الناس، من مالٍ، من نقودٍ، أو غير ذلك، أو أمانة في وكالة على مالٍ، أو على أيتامٍ، أو على غير ذلك. كلٌّ عليه أداء الأمانة التي أُسندت إليه.
فالواجب على كل مؤمنٍ أن يُراعي هذا، وأن يهتم بذلك، وأن يُعنَى بذلك؛ لئلا يدخل في صفات المنافقين، فمن صفاتهم: يقول النبيُّ ﷺ: آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمن خان، وفي اللفظ الآخر: أربعٌ من كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومَن كان فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر، فالمنافق الذي لا يُبالي، يتظاهر بالإسلام وهو في الباطن مع أعداء الله، هذه من صفاته: خيانة الأمانة -نسأل الله العافية.
وفي حديث حذيفة: أن الرسول ﷺ ذكر لهم الأمانة، وذكر نزعها، وذكر أنَّ الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، يعني: في أصل قلوب الرجال، وضع الله الأمانة في القلوب، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة.
فالمسلمون تعلَّموا من القرآن ومن السنة ما يدلهم على عظم شأن الأمانة، وأن الواجب احترامها وأداؤها والمحافظة عليها ورعايتها.
ثم حدَّثهم عن نزعها، وأن الرجل ينام النومة فتُنزع الأمانة من قلبه، فيظل أثرها كأثر الوَكْت، الوكت يعني: المُحوش اليسيرة في الساق ونحوها، ثم ينام النومة فتُقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها كالمجل: كالمخوش التي حصلت بسبب عودٍ، بطعنةٍ، أو حديدةٍ يحصل بها مخوش، فيتحدث الناس أنَّ في بني فلان أمينًا، يعني: يقل الأمناء؛ بسبب كثرة المعاصي والشرور، فيقال: إنَّ في بني فلان أمينًا حقَّ أمينٍ يُثنى عليه، قال النبيُّ ﷺ: ومع ذلك هذا الرجل الذي يقولون أنه أمين يُقال عنه: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! ومع هذا ليس في قلبه من الإيمان حبَّةُ خَرْدَلٍ، إنما يتظاهر بالأمانة وهو خرب القلب، ليس بقلبه أمانة، وهذا يدل على تغير الأحوال، وأنَّ الزمان يتغير، والإسلام تُصيبه الغربة حتى يقلّ الأمناء.
فالواجب عليك يا عبدالله أن تحذر أن تكون من هؤلاء الذين نُزعت الأمانة من قلوبهم، احذر أن تكون خائنًا، وعليك بالصدق، واحرص على أداء الأمانة وإن كنت وحدك، ولو كنت في بلدٍ وحدك، احرص على أداء الأمانة، واصدق مع الله ومع عباده حتى لا تقع في خطر الخيانة -نسأل الله العافية.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: هل هناك علامات لتأدية أمانة الدين؟
ج: العلامة: المحافظة على أداء ما أوجب الله عليه. هذا من علامة الخير، كونه يحافظ ويعتني هذه من علامات توفيق الله له.
س: وإن صام وصلَّى وزعم أنه مسلم؟
ج: يعني: وإن تظاهر بالإسلام، فالنفاق يُصيبه من هذا، من أفعاله القبيحة، والمنافقون يُصلُّون مع الناس، ويصومون، ونفاقهم في قلوبهم.
س: يعني: هذا نفاق اعتقادي؟
ج: قد يكون اعتقادي، وقد يكون عملي، إنما الاعتقادي للذي يكره الإسلام، ولا يؤمن بالإسلام، هذا الاعتقادي، والذي يؤمن بالإسلام والدين، ولكن يقع منه هذه المسائل، هذا عملي –نسأل الله العافية.
س: قول حذيفة: ولقد أتى عليَّ زمانٌ؟
ج: يعني: مدة من الزمان، في عهد الصديق وعهد عمر يعمل الناس، ثم جاء عهد عثمان وتغيرت الأحوال؛ فصار يتثبَّت في الأمور.
س: لو أراد أن يأتمني على شيءٍ مُحرَّمٍ هل يجوز لي أن آخذه وأتلفه؟
ج: لا، عَلِّمْه، قل له: ما يجوز، يجب عليك إتلافه. لا تأخذه أنت، قل له: هذا ما يجوز، يحط عندك خمر قل له: لا، الخمر يجب إتلافه.
س: قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الأحزاب:72]؟
ج: حملها يعني، فالله جعل فيها إحساسًا: هل تحمل الأمانة أم لا؟ وإذا تكلَّم سبحانه أخذت السَّماوات منه رجفة، كل هذا من الإحساس، كذلك قول الله جل وعلا: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء:44]، فهذا تسبيحٌ يليق بهم، ويناسبهم، يعلمه سبحانه، هكذا سجودهم، كله يعلمه سبحانه، والسجود يليق بهم، يعني أنهن يقولن: يا ربنا، لا تحملنا الأمانة، ما نُريدها.
س: تُوفي رجلٌ وورثته أمُّه، وبعد ذلك ماتت وخلفها أخواها الاثنان وأولاد الولد، أيّهما يرث؟
ج: الميت له عيال؟
س: نعم.
ج: وله إخوان؟
س: لها إخوان هي، اثنان، وأولاد ولدها، أيّهما يرث؟
ج: وهي التي ماتت؟
س: نعم.
ج: عن إخوانها؟
س: عن إخوانها وأولاده؟
ج: يرثها أولاد ولدها، إذا كانوا ذكورًا لهم المال، وإخوانها ما يرثون، وإن كانوا بناتًا يُعْطَون الثلثين والباقي للإخوان.
س: في حديثٍ يقول: مَن غسَّل واغتسل، وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب ..؟
ج: هذا لا بأس به، هذا حديث الجمعة.
س: ما التوقيت لمثل ساعتنا اليوم؟
ج: هذا التبكير للجمعة.
س: كم الساعة يعني على وجه التقدير؟
ج: الله أعلم، بعد ارتفاع الشمس، وبعدما يتناول الفطور، ويقضي حاجته؛ يتوجَّه.
س: الجنين إذا نزل من بطن أمه ميتًا هل له عقيقة؟
ج: نعم إذا صار في الخامس وما بعده، يُسمَّى ويُعَقّ عنه.