72 من حديث: ( إياكم والجلوس في الطرقات..)

7/190- السَّابعُ: عنْ أَبِي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقاتِ، فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه، مَا لَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ، قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمَعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرِ متفقٌ عَلَيهِ.
8/191- الثَّامن: عن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما: أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ رأى خَاتمًا مِنْ ذَهَبٍ في يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فطَرحَهُ، وقَال: يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعلهَا في يَدِهِ، فَقِيل لِلرَّجُل بَعْدَمَا ذَهَبَ رسولُ اللَّه ﷺ: خُذْ خَاتمَكَ، انتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لا واللَّه، لا آخُذُهُ أَبَدًا وقَدْ طَرحهُ رسولُ اللَّه ﷺ. رواه مسلم.
9/192- التَّاسِعُ: عَنْ أَبِي سعيدٍ الْحسنِ البَصْرِي: أَنَّ عَائِذَ بن عمْرٍو دخَلَ عَلَى عُبَيْدِاللَّهِ بنِ زيَادٍ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي سمِعتُ رسولَ اللَّه ﷺ يَقولُ: إِنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الْحُطَمَةُ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ. فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا أَنت مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ. فَقَالَ: وهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ؟! إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ، وَفي غَيرِهِمْ. رواه مسلم.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث كالتي قبلها في الحثِّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرفق وعدم الشدة حتى تزول المنكرات، ويحل محلها المعروف.
يقول النبي ﷺ لبعض الصحابة لما رآهم يجلسون في الطُّرقات، قال: إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بُدٌّ من مجالسنا، يعني: نحتاج إليها، نتحدث فيها، فقال: أما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقَّه يعني: إذا كان لا بدّ من المجلس فأعطوا الطريق حقَّه، ترك المجلس في الطريق أولى وأبعد عن الشر، لكن إذا كان ولا بدّ فالواجب على مَن جلس في الطريق أن يُعطي الطريقَ حقَّه، قالوا: وما حقّ الطريق يا رسول الله؟ قال: غَضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هذا من حقِّ الطريق: يغض البصر عن عورات الناس، لا ينظر إلى عورات الناس ويتتبع عوراتهم بالنظر.
الثانية: ردّ السلام، وكفّ الأذى، لا يُؤذي الناسَ في الطريق: لا بماءٍ، ولا بعصًا، ولا بحجارةٍ، ولا بغير هذا مما يؤذي المارة، ردُّ السلام على مَن سلَّم.
الرابعة والخامسة: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومن ذلك "هداية الطريق" كما جاء في الرواية الأخرى، يعني: إذا سأل إنسانٌ يدله: دلوني على المحل الفلاني؟ البيت الفلاني؟ يدله، فإرشاد الضَّال من حق الطريق.
ومن حق الطريق: التنبيه على الأخطار، إذا كان إنسانٌ يمشي في الطريق وعليه خطر يُقال له: احذر، عندك كذا، أمامك كذا. إذا كان يُخشَى عليه: أعمى، أو جاهل يُخشى عليه من ضررٍ في الطريق يُنَبَّه، هذا من حقِّ الطريق.
الحديث الثاني: أن رجلًا كان عليه خاتمٌ من ذهبٍ، فمرَّ عليه النبيُّ ﷺ وبيده خاتم من ذهب فقال: يعمد أحدكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيضعها في يده، فطرحه من يده، هذا يدل على أنَّ خاتم الذهب في يد الرجل جمرة من نار، لا يجوز التختم بالذهب للرجال، إنما هو من شأن النساء، خواتيم الذهب للنساء، أما الفضة فلا بأس أن يتختم بها الرجل والمرأة جميعًا، أما خاتم الذهب فللنساء خاصةً، فقيل للرجل: خذه، قال: ما لي فيه حاجة بعدما طرحه النبي ﷺ. وتركه للناس، وهذا من شدَّة كراهته لما رأى كراهة النبي ﷺ له، ولو أخذه وباعه على النساء فلا بأس، لكن من شدة كراهته له لما طرحه النبيُّ ﷺ ما أرادته نفسه بالكلية.
كذلك حديث عائذ بن عمرو المزني لما دخل على عبيدالله بن زياد بن أبيه أمير البصرة، فمرَّ عليه فقال له -أي عائذ بن عمرو المزني: "إني سمعتُ النبي ﷺ يقول: إنَّ شرَّ الرّعاء الحطمة، فاحذر أن تكون منهم"، يعني: رعاة الإبل، ورعاة الغنم، ورعاة البقر، شرُّهم الحطمة، والحطمة: الذي يحطمها، ما يبالي بها، ما يعتني بها، ما يختار لها المرعى الجيد، ولا المشرب الجيد، فمعنى هذا أنه يحطمها.
فإذا لم يكن الراعي جيدًا تحطمت الإبل والبقر والغنم: إما من جهة قلة المرعى، وإما من جهة عدم الرّي؛ لأنه ما يعتني بها.
فهكذا الأمراء والرؤساء، شرّهم الحطمة، الذي لا يبالي بالرعية، ولا يسعى في مصالحها، فهو يحطمها ويؤذيها ويضرها.
فعائذ حذَّره، وقال: "إياك أن تكون منهم"، يعني: إياك أيها الأمير أن تكون من الرعاء الحطمة، يعني: من الأمراء الحطمة، فغضب عبيدالله من هذا، وما رضي بهذا الكلام، فقال: :أنت لستَ من أصحاب النبي ﷺ، إنما أنت النُّخالة"! فقال عائذٌ : "وهل كان في أصحاب النبي ﷺ من نخالةٍ؟!" كلهم صفوة رضي الله عنهم، "إنما النخالة صارت في غيرهم، وفيمَن بعدهم".
والمقصود أن عبيدالله فاسق معروف، ردَّ ردًّا غير جميلٍ، والصحابي الجليل عائذ أراد بذلك نصيحته، وأن يحذر أن يكون من الأمراء الجورة. والله المستعان.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: بعض كبار السن يجلسون فيما يُسَمَّى المشراق، هل منهي عنه؟
ج: لا، إذا قاموا بحقِّه فلا بأس، مثلما قال ﷺ: إذا كان يرد السلام، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، .......؛ لا بأس، أما إذا كان يؤذي الناس: بحسدٍ، وغيبةٍ، ونميمةٍ، فلا يجوز، بعض الناس يجلس في السوق ويؤذي الناس، إن رأى هذا قال: هذا فيه ما فيه، وإن رأى هذا قال: هذا فيه ما فيه، وإن مرت عليه امرأةٌ قال: هذه امرأة فلان. ...... الناس.
س: مَن قال بأن الجلوس في الطريق مع إعطائه حقّه مكروه والأولى تركه؟
ج: ظاهر الحديث للمؤمن البعد عن الجلوس؛ لأنه قد لا يقوم بحق الطريق، مثلما قال ﷺ: إياكم والجلوس، لكن إذا كان ولا بدّ، يعني: يرغبون في الجلوس ويحتاجون إليه، فلا بدّ أن يعطوا الطريق حقها مثلما قال ﷺ، وإلا فالحذر خيرٌ لهم.
س: القول بتركه مع إعطاء حقّه؟
ج: خيرٌ لهم، أفضل لهم؛ لأنهم قد لا يعطون حقَّه وقد يضعفون ولا يعطون حقَّه، وإذا جزموا أنهم يعطوا حقَّه فهذا طيب، لكن مَن يجزم بهذا؟ ومَن يقوى عليه؟
س: أشخاص يعملون سائسين كلاب التي تكشف المخدرات، ويلبسون لباسًا خاصًّا للتدريب، يقولون: كيف نُصلي إذا جاء وقتُ الصلاة؟
ج: الكلاب البوليسية يعني؟
س: نعم الكلاب البوليسية، يقولون: كيف نصلي إذا جاء وقت الصلاة؟ يخافون أن يكون الكلبُ قد ولغ على اللباس وكذا؟
ج: نصيحتنا لهم أن يلتمسوا خدمةً غير هذه الخدمة، وإلا فالواجب عليهم إذا رأوا شيئًا أن يغسلوه، وإن لم يروا شيئًا فالأصل الطهارة، فإن جاء لعابُ الكلب على ثوب أحدهم فعليه أن يغسله سبع مرات، هذا هو الأحوط، وإن ما رأى شيئًا فالأصل السلامة، لكن إذا تيسَّرت لهم خدمة غير هذه كان ذلك أحسن لهم.
س: مع أنها تكشف وتفيد؟
ج: البعد عنها أسلم -نسأل الله العافية.