71 من حديث: ( مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهوا على سفينة..)

4/187- الرَّابع: عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا رواهُ البخاري.
5/188- الخامِسُ: عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَة هِنْد بنتِ أَبِي أُمَيَّةَ حُذَيْفَةَ رضي اللَّه عنها، عن النَّبيّ ﷺ أنَّه قَالَ: إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَراءُ، فَتَعْرِفُونَ وتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالوا: يَا رَسُولَ اللَّه، أَلا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لا، مَا أَقَامُوا فِيكُم الصَّلاةَ رواه مسلم.
6/189- السَّادسُ: عن أُمِّ الْمُؤْمِنين أُمِّ الْحكَم زَيْنبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِي اللَّه عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يقُولُ: لَا إِلهَ إِلَّا اللَّه، وَيْلٌ لِلْعربِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجوجَ مِثْلُ هذِهِ وَحَلَّقَ بأُصْبُعه الإِبْهَامِ والَّتِي تَلِيهَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّه، أَنَهْلِكُ وفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ متفقٌ عليه.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأيضًا الخطر بإضاعة ذلك، فالناس في خيرٍ ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وفي أمنٍ من الله، فإذا أضاعوا هذا الواجب فهم على خطرٍ عظيمٍ، كما قال الله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، وقال جل وعلا: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وقال جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، فأثبت لهم الفلاح العظيم بدعوتهم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وقال جل وعلا: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ۝ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78- 79]، فأخبر أنهم لُعنوا على ما فعلوه من العصيان والاعتداء وإضاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
فالواجب على المسلمين وعلى ولاة الأمور: القيام بهذا الواجب، والحرص عليه، والحذر من إضاعته.
وفي حديث النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه: أنه سمع النبيَّ ﷺ يقول: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها:
مثل القائم يعني: على إنكار الوقوع فيها، والتحذير من محارم الله، حدود الله يعني: محارم الله، كما قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا [البقرة:187] يعني: محارمه، يعني: المعاصي.
فمثل القائم عليها الذي ينهى عنها، ويحذر منها، والواقع فيها -الواقع في المعاصي- كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ اقترعوا على سفينةٍ لها طابقان، فأصاب أحدُهم طابقها الأسفل، والثاني طابقها الأعلى، فكان الذين في الأسفل إذا أرادوا الماء صعدوا فوق ليسحبوا الماء من فوق، فقالوا: لو أننا خرقنا في نصيبنا يعني: الطابق الأسفل، خرقنا على البحر، وأخذنا من البحر، ولم نُؤذِ مَن فوقنا.
يقول النبي ﷺ: إن تركوهم وما أرادوا غرقوا جميعًا يعني: يدخل الماء السفينة فتغرق، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا، يعني: إن منعوهم من خرق السفينة نجوا جميعًا.
فهكذا العُصاة هم خُرَّاق السفينة، والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هم الذين يمنعون من خرقها.
فالواجب على جميع المؤمنين وعلى ولاة الأمور أن يهتموا بهذا الأمر، وأن يحرصوا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا يدعوا أحدًا يتظاهر بشيءٍ من المنكر لهذا الحديث العظيم.
ويقول ﷺ في حديث أم سلمة: إنه يُستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتُنكرون يعني: تعرفون من أعمالهم وتُنكرون، ففي أعمالهم الشيء الطيب، وفي أعمالهم الشيء الرديء، فمَن كره فقد برئ، ومَن أنكر فقد سلم، ولكن مَن رضي وتابع، وفي اللفظ الآخر: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وفي اللفظ الآخر: مَن رأى من أميره شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنَّ يدًا من طاعةٍ.
فالواجب على المسلمين التعاون على البر والتقوى، والتناهي عن المنكر، والأمر بالمعروف، والتواصي بذلك، مع السمع والطاعة في المعروف، وعدم نزع اليد من الطاعة.
فمَن أنكر بيده فقد سلم، بلسانه فقد سلم، كره بقلبه إذا لم يستطع سَلِمَ، والمصيبة مَن رضي وتابع، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ ولهذا يقول ﷺ: مَن رأى منكم منكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، والإنكار بالقلب كراهة المنكر، وعدم مجالسة أهله على المنكر؛ يعني: يكرهه بقلبه ولا يحضره.
وفي حديث زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها: أن النبي ﷺ دخل عليها ذات يومٍ فزعًا، يعني: قد تغيَّر وجهه، يقول: لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتِح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها: الوسطى، فقالت زينب: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال النبي ﷺ: نعم، إذا كثر الخبثُ الخبث: الشر، يعني: المعاصي، فهذا يدل على أنَّ المعاصي إذا ظهرت ولم تُنْكَر فهذه من أسباب الهلاك العام، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: كيف يكون الإنكار باللسان؟
ج: الإنكار باللسان تقول: اتَّقِ الله، هذا لا يجوز، راقب الله، هذا الإنكار باللسان، وباليد إذا كانت ملاهي تكسرها، صورة تكسرها، اجتماع على باطلٍ تُفرِّقه إذا كنت تقدر، مثل صاحب البيت، ومثل رجل الحسبة، ومثل الأمير، فهؤلاء لهم قدرة.
س: خروج يأجوج ويأجوج من علامات الساعة؟
ج: نعم، من أعظم أشراطها، لكنها من الأشراط العشرة الأولى: بعد المهدي، وبعد الدجال، وبعد نزول عيسى يخرج يأجوج ومأجوج، فهم العلامة الرابعة، ففي وقت المسيح ابن مريم والدجال يخرج يأجوج ومأجوج: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ [الأنبياء:96] من جهة المشرق.
س: إذا أنكر بقلبه ولم ينكر بلسانه ولا بيده، هل يكون بريئًا من الإثم؟
ج: إذا كان عاجزًا عن اليد واللسان برئ، أما إذا كان يقدر ما يبرأ.
س: الشر الذي اقترب ما هو؟ الذي حذَّر منه النبيُّ ﷺ.
ج: خروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدجال، هذه الشرور القريبة. الدجال شرُّ، ويأجوج ومأجوج شرٌّ، وانتشار المعاصي شرٌّ، كلها شرٌّ.
س: كثر حُلَّاق اللحى يمنةً ويسرةً، فهل يُنكر على كلِّ حالق لحيةٍ أم كل بحسبه؟
ج: أما سمعت الحديث: مَن رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه؟ كل بحسب طاقته، الأمير له شأن، والعالم له شأن، وربّ البيت له شأن، والجيران فيما بينهم لهم شأن، كل على حسب طاقته.
س: إذا كان الشخص مريضًا في غيبوبةٍ، ولا يعرف مَن يزوره، هل يُزار؟
ج: ما هناك فائدة؛ لأن المقصود من الزيارة التحري عنه وسؤاله وإيناسه، وهذا ما فيه فائدة إلا الدعاء له؛ لأنك إذا زرته وهو يعقل يأنس بك، ويرى أنك تهتم به، وأما إذا لم يكن يشعر فلا فائدة للزيارة، وما يبقى إلا الدعاء له بالعافية والشفاء.
س: الدعاء له بظهر الغيب؟
ج: بظهر الغيب لا بأس.
س: القراءة عليه؟
ج: إذا قرأ عليه جزاه الله خيرًا، إذا قرأ عليه هذا معروف آخر غير الزيارة.
س: ........؟
ج: يُرْجَى إن شاء الله، هذا زيادة خير.