70 من: (باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

23- بابٌ في الأمر بالمعروف والنهي عَن المنكر
قَالَ الله تَعَالَى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، وَقالَ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110]، وَقالَ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وَقالَ تَعَالَى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، وَقالَ تَعَالَى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79]، وَقالَ تَعَالَى: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، وَقالَ تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94]، وقال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:165]. وَالآيات في البابِ كثيرةٌ معلومةٌ.
وأما الأحاديث:
1/184- فالأَوَّلُ: عن أَبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي اللَّه عنه قالَ: سمِعْتُ رسُولَ اللَّه ﷺ يقُولُ: مَنْ رَأَى مِنْكُم مُنْكرًا فَلْيُغيِّرْهُ بِيَدهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطعْ فبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلبهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمانِ رواه مسلم.
2/185- الثَّاني: عن ابنِ مسْعُودٍ : أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: مَا مِن نَبِيٍّ بعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إِلا كَانَ لَه مِن أُمَّتِهِ حواريُّون وأَصْحَابٌ يَأْخذون بِسُنَّتِهِ، ويَقْتدُون بأَمْرِه، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهمْ خُلُوفٌ يقُولُون مَا لا يَفْعلُونَ، ويفْعَلُون مَا لا يُؤْمَرون، فَمَنْ جاهدهُم بِيَدهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بقَلْبِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، ومَنْ جَاهَدهُمْ بِلِسانِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، وَلَيسَ وراءَ ذلِك مِن الإِيمانِ حبَّةُ خَرْدلٍ رواه مسلم.
3/186- الثالثُ: عن أَبي الوليدِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ قَالَ: "بَايَعْنَا رَسُول اللَّه ﷺ عَلَى السَّمعِ والطَّاعَةِ في العُسْرِ وَاليُسْرِ، والمَنْشَطِ والمَكْرَهِ، وَعلى أَثَرَةٍ عَليْنَا، وعَلَى أَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدكُمْ مِنَ اللَّه تعالَى فِيهِ بُرهانٌ، وَعَلَى أنْ نَقُولَ بالحقِّ أينَما كُنَّا، لا نخافُ في اللَّه لَوْمةَ لائمٍ" متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهكذا الآيات، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الواجبات، ومن أعظم شعائر الإسلام، ومن أسباب صلاح الجميع ونجاة الجميع، وإضاعته من أسباب هلاك الجميع.
فالواجب على المسلمين التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر أينما كانوا، في المدن، والقرى، والصحاري، في السفر والإقامة، في جميع الأحوال يجب على المسلمين أن يتآمروا بالمعروف، وأن يتناهوا عن المنكر، وأن يتناصحوا، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، هذا واجبهم أينما كانوا، رجالًا ونساءً، عربًا وعجمًا، جنًّا وإنسًا، عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى، قال تعالى في كتابه العظيم: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، هذه الآية تدل على أنه يجب أن تكون هناك أمة منتصبة قائمة بهذا الأمر، غير الأمر العام، تكون هناك أمة ينصبها ولي الأمر تعتني بهذا الأمر، غير ما يجب على العموم، أما العموم فيدل عليه قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وقال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71].
ولعنَ كفار بني إسرائيل لما ضيَّعوا هذا الواجب، لعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم: ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78- 79]، وأخبر سبحانه أنه أنجى الذين ينهون عن السُّوء وأخذ غيرهم بالعذاب: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:165] دلَّ على أن الناهين عن السوء هم الذين ينجون عند المصائب، وعند العقوبات يُنجي الله مَن يَنْهَى عن السوء.
فالواجب على المسلمين أن يحذروا عقوبات الله، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يقوموا بهذا الواجب، واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعنى ذلك: الأمر بالصلاة، الأمر بالزكاة، الأمر بالحج، الأمر بالصيام، الأمر ببر الوالدين، إلى غير ذلك، إذا رأى المسلم مَن أضاع شيئًا من الواجبات أنكر عليه، ودعاه إلى فعل الأمر الواجب، وإذا رأى مَن ارتكب بعضَ المحارم حذَّره ونهاه، هذا معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، معناه: يأمر الناس بأداء الواجب، وينهاهم عن فعل المحرم. قال تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1- 3]، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
ويقول ﷺ في حديث أبي سعيد: مَن رأى منكم منكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان أخرجه مسلم في "الصحيح"، فإذا استطاع بيده مثل: ولي الأمر، ومثل: الهيئة التي لها صلاحياتها، ومثل: إنسان في بيته، هؤلاء وأشباههم لهم قدرة بالفعل، أما مَن لا يستطيع بالفعل فالقول، يُنكر بقوله: يا عبدالله، هذا ما يجوز، هذا حرام، هذا لا يجب عليك فعله، اتَّق الله، راقب الله. الثالثة: العاجز، ما يستطيع حتى الكلام، يخاف؛ لأن المقام ليس مقام كلام، لو تكلم أُخِذَ وأُوذِيَ، فيُنكر بقلبه، ولا يحضر المنكر، يكرهه بقلبه، ويبغضه بقلبه، ولا يحضره، يغادر المكان، هذا الإنكار بالقلب، كراهته وعدم مجالسة أهل المنكر.
وهكذا حديث ابن مسعودٍ: يقول ﷺ: ما بعث الله من نبيٍّ في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمَرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبَّة خردل.
فالواجب على أهل الإسلام أن يتعاونوا على هذا الخير العظيم، وأن يتواصوا به أينما كانوا.
وهكذا بايع النبيُّ ﷺ الصحابة: أن يقولوا بالحق أينما كانوا، لا تأخذهم في الله لومة لائم، بايع النبيُّ الصحابة على أن يقولوا بالحق أينما كانوا، وهذا في إنكار المنكر والدعوة إلى الخير.
الأسئلة:
س: في حديث ابن مسعود: ليس وراء ذلك حبَّة خردل؟
ج: يعني فيما يتعلق بالإيمان بالأمر والنهي، وليس معناه أنه كافر، ليس بكافر، الإنكار آخرها القلب، ما بقي شيءٌ بعد القلب.
س: كيف نجمع بين قوله في الحديث: لا تأخذنا في الله لومة لائم وبين تقديم المصالح في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ج: هذا إلى ولي الأمر، ولي الأمر يُنظِّم الأمور؛ لئلا تحصل فوضى وفتنة.
س: أقصد الآمر العادي، الفرد العادي؟
ج: يتكلم على حسب طاقته بالكلام الطيب: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [النحل:125]، يكون بالكلام الطيب والفعل الطيب، هذا الإنكار باللسان، إذا رأى مَن يحلف بغير الله يقول: اتق الله، هذا ما يجوز. رأى مَن يشتم ويسب يقول: ما يجوز. رأى مَن ينظر للنساء ويفعل المشاكل التي يُخشى منها يُنكر عليه، يرى مَن يتخلف عن الصلاة في الجماعة ينصحه، وهكذا.
س: ........
ج: يعني: الأنصار، الحواريون: الأنصار.
س:  ما الفرق بين الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ج: كلها دعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه إلزام، وهو أشد وأقوى.