69 من: (باب في النصيحة)

22- باب في النصيحة
قَالَ الله تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وَقالَ تَعَالَى إخبارًا عن نوحٍ ﷺ: وَأَنْصَحُ لَكُمْ [الأعراف:62]، وعن هودٍ ﷺ: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف:68].
وأما الأحاديث:
1/181- فَالأَوَّلُ: عن أَبِي رُقيَّةَ تَميمِ بنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: للَّه، وَلِكِتَابِهِ، ولِرسُولِهِ، وَلأَئمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ رواه مُسْلم.
2/182- الثَّاني: عَنْ جرير بْنِ عبدِاللَّه قَالَ: "بَايَعْتُ رَسولَ اللَّه ﷺ عَلى: إِقَامِ الصَّلاةِ، وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكلِّ مُسْلِمٍ" متفقٌ عَلَيهِ.
3/183- الثَّالثُ: عَنْ أَنَسٍ ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ متفقٌ عليه.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الآيات مع الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالنصيحة، وأنَّ الواجب على المسلمين فيما بينهم التناصح، والتعاون على البرِّ والتقوى، والتواصي بالحقِّ؛ لأنَّ هذه الدار هي دار العمل، ودار التواصي بالحق، ودار التناصح، ودار الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أما الآخرة فهي دار الجزاء على الأعمال.
فالواجب على جميع المسلمين أن يتناصحوا، وأن يتعاونوا بالبر والتقوى، وأن يحرص كل واحدٍ على صلاح غيره، وهداية غيره، ونجاة غيره؛ لأن المسلم أخو المسلم، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، فالمؤمنون إخوة يجب بينهم التناصح والتعاون على البر والتقوى، والتآمر بالمعروف، والتناهي عن المنكر، كما قال : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71] يرحمهم بهذه الأعمال؛ لما بينهم من الولاء والمحبة في الله، والتعاون على الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأداء فرائض الله، وترك محارم الله، بهذا يرحمهم جلَّ وعلا.
قال تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1- 3]، التواصي بالحق هو التناصح، هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو داخل في قوله: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2].
ونبي الله نوح عليه الصلاة والسلام قال لقومه: وَأَنْصَحُ لَكُمْ [الأعراف:62]، ويقول هود لقومه: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف:68]، وهكذا جميع الرسل، كلهم نصحوا لأممهم، وأدوا الرسالة، وبلَّغوها خير بلاغٍ، فهكذا أتباعهم من المؤمنين، يجب أن يُؤدوا هذه النصيحة، وأن يجتهدوا فيها، لعله يحصل بذلك على أيديهم هداية الكثير، قال النبي ﷺ: مَن دلَّ على خيرٍ فله مثلُ أجر فاعله، ويقول ﷺ: مَن دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص من أجورهم شيئًا، نعمة عظيمة، ويقول ﷺ لعليٍّ لما بعثه إلى خيبر لليهود: لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم.
فالإنسان في بذله النصيحة، والدعوة إلى الله، والتوجيه؛ له خيرٌ عظيمٌ، وله أجرٌ عظيمٌ، وله مثل أجور مَن يهديه الله على يديه، وإن كثروا، إن هدى الله على يديه مئةً له مثل أجورهم، هدى الله على يديه ألفًا له مثل أجورهم، هدى الله على يديه ألوفًا له مثل أجورهم، إذا قال لهذا: "يا عبدالله، بلغني أنَّك عاقٌّ لوالديك، يا عبدالله، اتَّقِ الله، برّ والديك، حقّهم عظيم، اتَّقِ الله في الإحسان إليهم"، فإذا نفعت النصيحةُ صار له مثل أجره، وإذا قال له: "يا عبدالله، لا تتكاسل عن الصَّلوات، بادر إليها، حافظ عليها في الجماعة، لا تكن مثل المنافقين الذين يتكاسلون عنها، كما قال عنهم سبحانه: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142]"، يحذره: "لا تكن مثلهم، بادر إلى الصلاة في جماعةٍ في المساجد"، فإذا هداه الله على يديه صار له مثل أجره، وإذا رآه يُدَخِّن أو يشرب الخمر أو يحلق لحيته ينصحه ويقول له: "اتَّقِ الله يا عبدالله، هذا لا يجوز، أنا والله لك ناصح، الرسولُ ﷺ نهى عن هذا، الله حرَّم هذا"، فإذا هداه الله وتاب على يديه صار له مثل أجره، وهكذا إذا كان يبخل بالزكاة أو يُتَّهم بذلك، يُنْصَح ويُوَجَّه إلى الخير، فإذا قَبِلَ النَّصيحةَ صار للناصح مثل أجره في أدائه الزكاة، وهكذا إذا كان في صيام رمضان يُخِلُّ به أو ببعضه، ونصحه، ثم هداه الله على يديه له مثل أجره، وهكذا إذا كان يستطيع الحجَّ ولم يحج، ثم نصحه وشجَّعه على الحج، فحجَّ بسببٍ من أسباب النصيحة؛ صار له مثلُ أجره، وهكذا.
ويقول النبي ﷺ: الدين النَّصيحة، وفي الرواية الأخرى: "كررها ثلاثًا": الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قيل : لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامَّتهم، فهي عامة: لله: بتوحيده، والإخلاص له، وأداء حقّه. ولكتابه القرآن: بالإيمان به، والعمل بما فيه، والإكثار من تلاوته. وللرسول: بتصديقه، والإيمان بما جاء به، والعمل بشريعته. وولاة الأمور: بالدعاء لهم بالتوفيق، والنصيحة لهم، والتعاون معهم في الخير، كل هذا من النصيحة لهم. وعامة المسلمين: بتوجيههم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وإرشادهم إلى أسباب النجاة، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، كل هذا من النصيحة لعامة المسلمين.
ويقول جرير بن عبد الله البجلي الصحابي الجليل: "بايعتُ النبيَّ ﷺ" بيعة: معاهدة "على إقام الصلاة، وعلى إيتاء الزكاة، وعلى النصح لكل مسلمٍ"، وفي الرواية الأخرى: "والسمع والطاعة في المعروف، والنصح لكلِّ مسلمٍ"، عاهد النبيَّ ﷺ أن ينصح لكل مسلمٍ، هكذا ينبغي للمؤمن: أن ينصح لإخوانه في كل شيءٍ، ومن ذلك المعاملة: إذا كان يبيع ويشتري معهم لا يكذب، ولا يخون في المعاملة، ولا يغُشّ في المعاملة، ويكون أمينًا في المعاملة، لا كذب، ولا غشّ، ولا خيانة، ولا أيمان كاذبة، بيعٌ لا خِلابَ فيه، بيع المحبِّ لمحبوبه، لا يغشه، ولا يخونه، ولا يكذب عليه، هذه النصيحة في المعاملة.
وهكذا في جميع الأمور: ينصح في الشركة، كونه شريكًا له ينصحه، كونه وكيلًا له ينصحه، كونه عاملًا عنده ينصحه، هكذا في جميع الأحوال.
"بايعتُ النبيَّ ﷺ على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلمٍ"، سواء كنت تعرفه أو ما تعرفه، "كل مسلم" عربي، أعجمي، بدوي، حضري، فقير، غني، ذكر، أنثى، أنت ناصحٌ لكل مسلمٍ في أي معاملةٍ.
والحديث الثالث: يقول ﷺ: لا يؤمن أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه، ومن ذلك النصيحة، كما تُحب أن تُنصح، وأن تُوجَّه إلى الخير، وأن تُرْشَد إلى ما ينفعك، فأنت كذلك تفعل هذا مع أخيك، كما تُحب أن تكون جيدًا، وأن يتيسر لك مَن يُعينك وينصحك ويُوجِّهك، فأنت كذلك مع أخيك: تُحب له الخير، وتكره له الشر، وتنصحه إذا رأيتَ منه خطأً وخلالًا، وتُعينه على الخير، كما قال ربُّك جل وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، ويقول النبيُّ ﷺ: مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته متفق على صحته، أي حاجة: حاجته في قرضٍ، في شفاعةٍ، .......، في أيِّ شيءٍ ينفعه مما أباح الله؛ كان الله في حاجته، الجزاء من جنس العمل.
ويقول ﷺ: والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه، قبلها يقول ﷺ: مَن نفَّس عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كُربةً من كُرب يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومَن يسّر على مُعسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه كلمة جامعة.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: بالنسبة للكتيب أو الشريط هل يقوم مقام النصيحة المباشرة؟
ج: نعم، الشريط الطيب ينفع الله به، إذا وزَّعه على الناس من أهل العلم المأمونين طيب، هذه نصيحة.
س: إنكار المنكرات المُعلنة هل يُشترط فيه الإسرار كما يُشترط في النصيحة، أم أنَّ المنكر المُعلن يُنكر علنًا دون إسرار؟
ج: إذا كان بين الناس يُنْكَر علنًا، أما بينك وبين صاحبه الذي قام به تكلَّم بينك وبينه، تنصحه، أما إذا فعله عند الناس فيُبَيَّن عند الناس أنَّ هذا منكر ولا يجوز، حتى لا يغتَرَّ به أحدٌ، أما إذا رأيتَه يفعل المنكر فعليك أن تنصحه بينك وبينه، إذا رأيته وحده تقول له: يا عبدالله، هذا منكر. ونحو هذا الكلام الطيب، والأسلوب الحسن، والرفق، كما قال ربك: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، لكن إذا كان يفعله عند الناس تُبين له أنَّ هذا منكر، وأنه لا يجوز هذا العمل، مثل: مَن يشرب الدخانَ عند الناس، ومَن يشرب الخمر عند الناس، سبَّاب، لعَّان، يُنكر علنًا.
س: المقصود المنكرات العامة المعلنة، هل تُنكر علنًا؟
ج: نعم تُنكر علنًا، ما دامت معلنةً تُنكر علنًا.
س: ما يُشترط فيها الإسرار؟
ج: يبين للناس أنها منكرة، الذي يُجاهر في الأسواق بالمنكرات يُنكر عليه.
س: بعض العُصاة يقول أنه لا يوجد دليلٌ صريحٌ من القرآن على تحريم الدخان؟
ج: قل له: الله جل وعلا حرَّم الخبائث، فهل هذا خبيث أم طيب؟ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:4]، وقال في وصف النبي ﷺ: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]، ثم إن الأطباء قد أجمعوا وأجمع الناس على أنَّ مضارَّه عظيمةٌ، وأنه يُسبب أمراضًا كثيرةً، وشرًّا كثيرًا، ويموت بسببه جَمٌّ غفيرٌ، هذه الأضرار تُبين خبثه -نسأل الله العافية- لكن الهوى يُعْمِي.