فَصْلٌ
وَالنَّاسُ فِي الْعِشْقِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
مِنْهُمْ: مَنْ يَعْشَقُ الْجَمَالَ الْمُطْلَقَ، وَقَلْبُهُ يَهِيمُ فِي كُلِّ وَادٍ، لَهُ فِي كُلِّ صُورَةٍ جَمِيلَةٍ مُرَادٌ.
وَمِنْهُمْ: مَنْ يَعْشَقُ الْجَمَالَ الْمُقَيَّدَ، سَوَاءٌ طَمِعَ فِي وِصَالِهِ أَوْ لَا.
وَمِنْهُمْ: مَنْ لَا يَعْشَقُ إِلَّا مَنْ يَطْمَعُ فِي وِصَالِهِ.
وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ تَفَاوُتٌ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ: فَعَاشِقُ الْجَمَالِ الْمُطْلَقِ يَهِيمُ قَلْبُهُ فِي كُلِّ وَادٍ، وَلَهُ فِي كُلِّ صُورَةٍ جَمِيلَةٍ مُرَادٌ:
فَيَوْمًا بِحَزْوَى وَيَوْمًا بِالْعَقِيقِ | وَبِالْعَذِيبِ يَوْمًا وَيَوْمًا بِالْخُلَيْصَاءِ |
وَتَارَةً يَنْتَحِي نَجْدًا وَآوِنَةً | شِعْبَ الْعَقِيقِ وَطَوْرًا قَصْرَ تَيْمَاءَ |
فَهَذَا عِشْقُهُ أَوْسَعُ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ، كَثِيرُ التَّنَقُّلِ:
يَهِيمُ بِهَذَا ثُمَّ يَعْشَقُ غَيْرَهُ | وَيَسْلَاهُم مِنْ وَقْتِهِ حِينَ يُصْبِحُ |
وَعَاشِقُ الْجَمَالِ الْمُقَيَّدِ أَثْبَتُ عَلَى مَعْشُوقِهِ، وَأَدْوَمُ مَحَبَّةً لَهُ، وَمَحَبَّتُهُ أَقْوَى مِنْ مَحَبَّةِ الْأَوَّلِ؛ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي وَاحِدٍ، وَلَكِنْ يُضْعِفُهُمَا عَدَمُ الطَّمَعِ فِي الْوِصَالِ.
وَعَاشِقُ الْجَمَالِ الَّذِي يَطْمَعُ فِي وِصَالِهِ أَعْقَلُ الْعُشَّاقِ وَأَعْرَفُهُمْ، وَحُبُّهُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الطَّمَعَ يَمُدُّهُ وَيُقَوِّيهِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ: «مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ» فَهَذَا يَرْوِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ حُفَّاظُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ:
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي "كَامِلِهِ": هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ مَا أُنْكِرَ عَلَى سُوَيْدٍ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ طَاهِرٍ فِي "الذَّخِيرَةِ" وَ"التَّذْكِرَةِ"، وَأَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَعَدَّهُ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ، وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ الْحَاكِمُ عَلَى تَسَاهُلِهِ، وَقَالَ: أَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْهُ.
قُلْتُ: وَالصَّوَابُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، فَغَلِطَ سُوَيْدٌ فِي رَفْعِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ابْنُ خَلَفِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ الْأَزْرَقِ، عَنْ سُوَيْدٍ بِهِ، فَعَاتَبْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَسْقَطَ ذِكْرَ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يُسْأَلُ عَنْهُ فَلَا يَرْفَعُهُ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا كَلَامَ النُّبُوَّةِ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ لَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا: حَدَّثَنَا قُطْبَةُ بْنُ الْفَضْلِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، فَمِنْ أَبْيَنِ الْخَطَأ، وَلَا يَحْمِلُ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَ هَذَا عِنْدَ مَنْ شَمَّ أَدْنَى رَائِحَةٍ مِنَ الْحَدِيثِ، وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ عَائِشَةَ مَا حَدَّثَتْ بِهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَطُّ، وَلَا حَدَّثَ بِهِ عُرْوَةُ عَنْهَا، وَلَا حَدَّثَ بِهِ هِشَامٌ قَطُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، فَكَذِبٌ عَلَى ابْنِ الْمَاجِشُونِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَذَا، وَلَا حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ تَرْكِيبِ بَعْضِ الْوَضَّاعِينَ، وَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ! كَيْفَ يَحْتَمِلُ هَذَا الْإِسْنَادُ مِثْلَ هَذَا الْمَتْنِ؟! فَقَبَّحَ اللَّهُ الْوَضَّاعِينَ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عِيسَى، عَنْ وَلَدِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مَرْفُوعًا، وَهَذَا غَلَطٌ قَبِيحٌ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ هَذَا هُوَ الْخَرَائِطِيُّ، وَوَفَاتُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِئَةٍ، فَمُحَالٌ أَنْ يُدْرِكَ شَيْخَهُ يَعْقُوبَ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ رَوَاهُ فِي كِتَابِ "الِاعْتِدَالِ" عَنْ يَعْقُوبَ هَذَا، عَنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِالْمَلِكِ، عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَالْخَرَائِطِيُّ هَذَا مَشْهُورٌ بِالضَّعْفِ فِي الرِّوَايَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي كِتَابِ "الضُّعَفَاءِ".
وَكَلَامُ حُفَّاظِ الْإِسْلَامِ فِي إِنْكَارِ هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْمِيزَانُ، وَإِلَيْهِمْ يُرْجَعُ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَلَا صَحَّحَهُ وَلَا حَسَّنَهُ أَحَدٌ يُعَوَّلُ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، وَيُرْجَعُ فِي التَّصْحِيحِ إِلَيْهِ، وَلَا مَنْ عَادَتُهُ التَّسَامُحُ وَالتَّسَاهُلُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُصَفِّ نَفْسَهُ لَهُ، وَيَكْفِي أَنَّ ابْنَ طَاهِرٍ الَّذِي يَتَسَاهَلُ فِي أَحَادِيثِ التَّصَوُّفِ، وَيَرْوِي مِنْهَا الْغَثَّ وَالسَّمِينَ، قَدْ أَنْكَرَهُ وَشَهِدَ بِبُطْلَانِهِ.
نَعَم، ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يُنْكَرُ ذَلِكَ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّد ابْنُ حَزْمٍ عَنْهُ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَيِّتِ عِشْقًا فَقَالَ: قَتِيلُ الْهَوَى لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا قَوَدَ.
وَرُفِعَ إِلَيْهِ بِعَرَفَاتٍ شَابٌّ قَدْ صَارَ كَالْفَرْخِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُهُ؟ قَالُوا: الْعِشْقُ، فَجَعَلَ عَامَّةَ يَوْمِهِ يَسْتَعِيذُ مِنَ الْعِشْقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
فَهَذَا نَفْسُ مَا رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَدَّ الشُّهَدَاءَ فِي الصَّحِيحِ، فَذَكَرَ الْمَقْتُولَ فِي الْجِهَادِ، وَالْمَبْطُونَ، وَالْحَرِقَ، وَالنُّفَسَاءَ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا، وَالْغَرِقَ، وَصَاحِبَ ذَاتِ الْجَنْبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهُمْ مَنْ يَقْتُلُهُ الْعِشْقُ.
وَحَسْبُ قَتِيلِ الْعِشْقِ أَنْ يَصِحَّ لَهُ هَذَا الْأَثَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَتَّى يَصْبِرَ لِلَّهِ، وَيَعِفَّ لِلَّهِ، وَيَكْتُمَ لِلَّهِ، لَكِنَّ الْعَاشِقَ إِذَا صَبَرَ وَعَفَّ وَكَتَمَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَعْشُوقِهِ، وَآثَرَ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَخَوْفَهُ وَرِضَاهُ، هَذَا أَحَقُّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النَّازِعَات:40، 41]، وَتَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرَّحْمَن:46].
فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ، رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ آثَرَ حُبَّهُ عَلَى هَوَاهُ، وَابْتَغَى بِذَلِكَ قُرْبَهُ وَرِضَاهُ.
تمَّت الفتوى الشريفة بحمد الله وعونه، فجزاه الله تعالى خير الجزاء، وأسكنه أعلى فراديس الجنة، وأصوله، وفروعه، وأشياخه، وتلامذته، وأعاد عليَّ وعلى ذريتي من بركاتهم، وحشرنا في زُمرتهم في جنة الفردوس تحت لواء سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقائد الغُرِّ المُحجلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ، والحمد لله ربِّ العالمين.
تمَّ الكتابُ بحمد الله.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه البقية مما يتعلق بالعشق مما ذكره العلامةُ ابن القيم رحمه الله، وهو أن العشقَ أنواع وأقسام، لكن مَن كان عشقه على طريقةٍ سليمةٍ وعفَّ واستقام وثبت على الحقِّ وخالف هواه فالله جلَّ وعلا يغفر له؛ لكونه عفَّ عمَّا حرم الله، واستقام على الحقِّ، وثبت عليه حتى مات.
أما حديث: مَن عشق وعفَّ ومات أنه يكون شهيدًا، فهو حديث غير صحيحٍ عن النبي ﷺ، لكن المعنى صحيح؛ إذا الإنسان عشق مَن لا يحلّ له وتاب إلى الله ورجع إليه وأناب إليه فهو على خيرٍ عظيمٍ، التوبة تجُبُّ ما قبلها: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82].
وهكذا مَن كان عشقه في الله والمحبة في الله، فهذا هو كمال الحب، وهو أن يُحبَّ في الله، ويبغض في الله، ويُحب أهل الخير، ويعشق أعمالهم، معناه: أنه يجتهد في حبِّ أهل الخير، والسعي في التَّخلق بأخلاقهم، فهذا أمر ممدوح، وإن سُمي عشقًا، فهو معناه: المحبة الطيبة الكاملة، وهو أن يعشق أعمال الخير، ويعشق أن يكون معهم، وفي ركابهم في جميع ما يتعاطونه من طاعة الله واتباع مراضيه، والكفّ عن محارمه، فهذا له خير عظيم: المرء مع مَن أحبَّ، قيل: يا رسول الله، المرء يُحب القوم ولما يلحق بهم، قال ﷺ: المرء مع مَن أحبَّ.
فمَن أحبَّ الله ورسوله، وأحبَّ أهل الخير، واجتهد في طاعة الله ورسوله؛ ألحقه الله بهم وإن قصرت أعماله عن أعمالهم، لكنه بحبه الصادق وإيمانه واجتهاده في الخير ورغبته في التَّخلق بأخلاق المؤمنين الصادقين يحشره الله معهم، ويكون معهم لحبِّه وصدقه واجتهاده في طاعة الله جلَّ وعلا؛ ولهذا قال ﷺ: لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، فحب الله ورسوله يجب أن يكون فوق كل محبةٍ، يجب على كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ أن يكون حبُّ الله ورسوله فوق كل شيءٍ، وأن يكون حبًّا صادقًا يحمل على طاعة الله ورسوله، والكفِّ عمَّا حرَّم الله ورسوله، والوقوف عند حدود الله، هذا هو الحب الصادق الذي قال فيه جلَّ وعلا: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ [المائدة:54]، وقال فيه جلَّ وعلا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه يعني: المحبة الصادقة فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].
فالصادق في محبة الله ورسوله هو المتبع لشرع الله، هو المستقيم على طاعة الله ورسوله، هذا هو المحب الصادق، وإن سُمي: عشقًا، فإنه إنما هو في الحقيقة الحب الكامل، الحب الصادق، فالله ورسوله وأهل العلم كلهم يسمون الحب الصادق: حبًّا، لا عشقًا، العشق إنما هو من صفات الذين يتعاطون عشق الصور من النساء وغيرهم، أما ما يتعلق بحبِّ الله ورسوله فيُسمَّى: حبًّا، فالمحب لله ولرسوله هو الصادق في طاعة الله، هو الصادق في اجتناب محارم الله، هو الصادق في الوقوف عند حدود الله، هذا هو الصادق، وهذا حبه هو الحب الكامل الذي آثر فيه طاعة الله على حب ولده ووالده والناس أجمعين، فهو مستقيم في طاعة الله، كافٌّ عن محارم الله، مُقدِّمٌ أمر الله على أمر كل أحدٍ، مُقدم ما أوجب الله على كل أحدٍ.
هذا هو الحب الصادق، هذا هو الحب الذي رضيه الله وأحلَّه ودعا إليه رسوله عليه الصلاة والسلام، فالمتحابون بجلال الله يُظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله، ومَن أحبَّ الله ورسوله حبًّا صادقًا استقام على أمر الله، وتباعد عن محارم الله، ووقف عند حدود الله، كما قال النبيُّ ﷺ في الحديث الصحيح: ثلاث مَن كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يُحبَّ المرء لا يُحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار.
فالواجب الحب في الله، والبغض في الله على طريقة الكتاب والسنة؛ محبة مَن أحبَّه الله ورسوله، محبة مَن استقام على أمر الله، مَن وقف عند حدود الله، وكراهة مَن حاد عن ذلك، هكذا المؤمن: يُحب في الله، ويبغض في الله، ويُعطي في الله، ويمنع لله، يرجو ثواب الله، ويخشى عقابه.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه.