07 من (باب قوله جل وعلا: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكمون إلى الطاغوت)

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فيقول المؤلفُ الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمة الله عليه في "كتاب التوحيد": (باب قوله جلَّ وعلا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء:60]) أراد المؤلفُ بهذه الترجمة بيان التَّحذير من التحاكم إلى غير الله، وأن الواجب التحاكم إلى شريعة الله في كل الأمور، كما قال جلَّ وعلا: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وكما قال سبحانه: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]، وكما قال : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، هذه الآيات وما جاء في معناها كلها دالَّة على وجوب التَّحاكم إلى شريعة الله، وأنه لا يجوز التَّحاكم إلى غير الله، كائنًا مَن كان.

فأراد المؤلفُ بهذه الترجمة بيان هذا الأساس العظيم، والأصل المجمع عليه، وبيَّن ربنا في هذه الآية أنَّ بعض الناس يدَّعي الإسلام، ويدَّعي الإيمان، وهو ليس كذلك، من المنافقين، فإذا جاءت الحوادث وجاءت الخصومات طلب التَّحاكم إلى غير الله، قال: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ، والطاغوت: كل ما عُبد من دون الله، وكل مَن حكم بغير ما أنزل الله عن عمدٍ، وعن هوى، فهو طاغوت.

فالمنافقون يُريدون مَن يُوافق أهواءهم، ومَن يقبل منهم الرشوة حتى يحكم لهم، وهذا دليلٌ على نفاقهم وضلالهم؛ ولهذا قال: وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ۝ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:60- 61]، فهذا شأنهم: الإعراض عن الحقِّ، والصدود عن الحقِّ، واتِّباع الهوى، فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا صفاتهم وأخلاقهم الذَّميمة.

وهكذا قوله جلَّ وعلا: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11]، هم يُفسدون في الأرض، ويزعمون للناس أنهم مُصلحون بجهلهم، وضلالهم، ونفاقهم، وفساد قلوبهم، انقلبت عليهم الأمورُ حتى ظنُّوا الفساد صلاحًا؛ ولهذا قال: وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ [البقرة:12]؛ لضلالهم، وجهلهم، وانتكاس قلوبهم.

وهكذا قوله سبحانه: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا [الأعراف:56]، فصلاح الأرض بحكم الله ، واتباع شريعته، وفسادها بمخالفة أمر الله، والتَّحاكم إلى غيره، فالصلاح والاستقامة والهدى والسَّداد في التَّحاكم إلى شرع الله، والأخذ بأمر الله، والفساد والإفساد في التَّحاكم إلى غيره، واتِّباع غير شرعه سبحانه وتعالى.

وهكذا قوله جلَّ وعلا: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] يعني: أفحكم الجاهلية يبغي هؤلاء الذين يُريدون التَّحاكم إلى اليهود، وإلى غيرهم من الطواغيت، وهل هناك حكم أحسن من حكم الله؟! ليس هناك حكم أحسن من حكم الله؛ لأنه العالم بمصالح عباده، والعالم بما تنتهي إليه أمورهم، والعالم بعواقب الأمور، وهو العالم بكل شيءٍ، فلا حكمَ أحسن من حكمه ؛ لأنه يتضمن إيصال الحقِّ إلى مُستحقِّه، ودفع الظلم، والقضاء على أسباب الفساد، فهو أعلم بأحوال عباده، وهو أعلم بما يُصلحهم سبحانه وتعالى؛ ولهذا جعل شريعته حكمًا بينهم، ومَن أراد خلاف ذلك فقد أراد الفساد في الأرض، فصلاح الأرض بطاعة الله ورسوله، وفسادها بعصيان الله ورسوله.

وفي الباب حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا يؤمن أحدُكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به، لا يُؤمن الإيمان الكامل الواجب حتى يكون هواه وإرادته وقصده وطلبه تبعًا لما جاء به النبيُّ عليه الصلاة والسلام، هكذا يجب على المؤمن أن تكون ميوله وأهواؤه ونيَّاته وإراداته كلها خاضعة لحكم الله ، لا يبغي بذلك بديلًا.

وقيل: نزلت الآية أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ [النساء:60] في رجلين اختصما. قال الشَّعبي رحمه الله، وهو عامر بن شراحيل الهمداني، تابعي جليل، عامر بن شراحيل الهمداني، قال الشَّعبي، ينتهي إلى قبيلة يُقال لها: "شعب"، قال: إنها نزلت في رجلين: يهودي ومنافق، اختصما، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمدٍ ﷺ؛ لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق -الذي يدَّعي الإسلام وهو منافق- نتحاكم إلى كعب بن الأشرف؛ لأنه علم أنه يأخذ الرشوة، ثم تحاكما إلى رجلٍ من جُهينة؛ فقضى بينهما.

المقصود أنَّ هذا يدل على أنَّ المنافق شرٌّ من اليهودي، وأنَّ المنافقين شرٌّ من اليهود؛ لأنهم يُلبسون على الناس أمرهم، ويدَّعون الإسلام وهم على خلافه؛ ولهذا يشتبه أمرهم، ويحصل بهم الضَّلال؛ فصاروا بذلك في الدَّرك الأسفل من النار، نعوذ بالله.

وقيل: نزلت في رجلين اختصما، قال أحدُهما: نتحاكم إلى النبي ﷺ، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف، ثم تحاكما إلى عمر، فأخبراه بالقضية، فقال: أمهلوني، ثم خرج إليه بسيفه فقتل الذي أبى حكم النبي ﷺ.

وفي القصتين نظر، ولكن هما شاهدان لعمل المنافقين.

فالحاصل أنَّ المنافقين شرٌّ من اليهود، وشرٌّ من الوثنيين الصُّرحاء؛ لأنَّ اليهودي معروفٌ كفره، والوثني معروف كفره؛ فيُتحرز منه، ويُعرف حكمه، لكن المنافق يتظاهر بالإسلام، فيغرّ الناس، ويخدع الناس، ويُلبس على الناس أمرهم؛ ولهذا صار كفره أكبر، وصارت عاقبتُه أشدَّ وخامة، وأشدَّ شرًّا، وصار من أهل الدَّرك الأسفل في النار، نعوذ بالله.

والواجب على جميع المسلمين التَّحاكم إلى شرع الله، والتَّمسك بشرع الله، وعدم التَّحاكم إلى غيره كائنًا مَن كان، هذا هو الواجب على المسلمين جميعًا؛ ولهذا في هذه الرِّواية عن عمر أنه أنكر على هذا الرجل الذي طلب التَّحاكم إلى غير النبي ﷺ، ورآه أنه قد ارتدَّ بذلك؛ فلهذا قتله، فالمعنى صحيح من حيث المعنى، فإنَّ مَن لم يرضَ بحكم الرسول ﷺ فهو كافر، فالواجب الرضا بشرع الله، والرضا بحكم الله ، فمَن كره حكم الله فهو كافر: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9]، نسأل الله العافية.

رزق اللهُ الجميعَ العافية والهداية، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

س: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ [الحجر:2] بعد دخولهم النَّار؟

ج: عندما يرون نجاة المؤمنين يوم القيامة يودُّون ذلك، المقصود يوم القيامة.

عبدالله ابن أبي عقيل وجدته .....

س: معنى "على" في: إنَّ الله خلق آدم على صورته؟

ج: سميعًا، بصيرًا، يتكلم، وذا وجهٍ، وذا يدٍ، وذا قدمٍ، ولا يُشبه الله في شيءٍ سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] ..... سميعًا، بصيرًا، متكلِّمًا، ذا وجهٍ، وذا علمٍ.

س: معنى "على"؟

ج: ..... لكن الله سميع، وآدم سميع، الله بصير، وآدم بصير، الله يتكلم، وآدم يتكلم، وهكذا، يعني: أنَّ الله خلقهم مُتكلمين، سامعين، مُبصرين، كما أنه كذلك ، لكن ليست الذات كالذات، والصورة كالصورة، وليس السمع كالسمع، وليس البصر كالبصر، كما قال تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

س: بعض العوام يقول: بعينه التي لا تنام؟

ج: نعم، هو لا ينام: إنَّ الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام.

س: العين؟

ج: هو له عين: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39].

باب مَن جحد شيئًا من الأسماء والصِّفات

وقول الله تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ [الرعد:30].

وفي "صحيح البخاري" قال علي: "حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتُريدون أن يُكذَّب اللهُ ورسولهُ؟!".

وروى عبدالرزاق عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباسٍ: أنه رأى رجلًا انتفض لما سمع حديثًا عن النبي ﷺ في الصِّفات؛ استنكارًا لذلك، فقال: "ما فرق هؤلاء؟! يجدون رقّةً عند محكمه، ويهلكون عند مُتشابهه" انتهى.

ولما سمعت قريش رسول الله ﷺ يذكر "الرحمن" أنكروا ذلك، فأنزل الله فيهم: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ [الرعد:30].

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذا الباب عقده المؤلفُ الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمة الله عليه في بيان وجوب إثبات أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله، وأنَّ الواجب على كل مسلمٍ أن يُثبت أسماء ربه وصفاته على الوجه اللائق به، من غير تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ، ولا تمثيلٍ، وألا يغترَّ بأقوال أهل التَّجهم والاعتزال، ومَن سار في ركابهم من أهل الباطل والضَّلال، بل يجب أن يأخذ بما قاله أهلُ السنة والجماعة من الصحابة ومَن سلك سبيلهم رضي الله عن الجميع، وهو الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، فالرسل جميعًا من أولهم نوح إلى آخرهم محمدٍ عليه الصلاة والسلام كلهم جاءوا بإثبات أسماء الله وصفاته، كلهم جاءوا بإثبات أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق به .

ودرج على هذا أصحابُ النبي ﷺ، ورضي الله عنهم وأتباعهم بإحسانٍ، فأمروا آيات الصِّفات وأحاديثها كما جاءت، وأثبتوا ما دلَّت عليه من الأسماء والصِّفات على الوجه اللائق بالله ، من غير تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ، ولا تمثيلٍ؛ عملًا بقول الله : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص]، وعملًا بقوله سبحانه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:74]، وعملًا بقوله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، ولقوله سبحانه: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] يعني: لا سميَّ له، ولا كفؤ له .

وأما الجهمية والمعتزلة فأنكروا صفات الله ، وزادت الجهمية وأنكرت الأسماء أيضًا، وتأوَّلوها حتى صاروا مُعطلةً، مُقتضى قولهم نفي وجود الله بالكلية -نعوذ بالله- ولهذا حكم عليهم أهلُ السنة بالكفر والضَّلال، وأنَّ الواجب قتلهم إذا لم يتوبوا؛ لإنكارهم ما جاء به الكتاب العزيز، والسنة المطهرة؛ فلهذا قال المؤلفُ رحمه الله: (باب مَن جحد شيئًا من الأسماء والصِّفات، أو باب .....) يعني: باب حكم مَن جحد شيئًا من الأسماء والصِّفات، أطلق المؤلف، وحكمه أنه كافر، ما ذكر الجواب، والجواب أنه كافر، مَن جحد أسماء الرب وصفاته فهو كافر؛ لأنه مُكذب لله ورسوله، ومُكذب لما أجمع عليه المسلمون، فيكون كافرًا؛ لذا يجب أن يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل.

وقول الله تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ، قال جلَّ وعلا: كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ [الرعد:30]، بيَّن أنَّ الرحمن هو ربنا، وإلهنا ، وأنَّ الكفر بالرحمن كفرٌ بالله .

فعلى المؤمن أن يحذر صفات هؤلاء الضَّالين، وأن يبتعد عن أخلاقهم وسيرتهم، وأن يسلك مسلك أهل العلم والإيمان في إثبات أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق به ، وسمَّى إنكار الصِّفة: كفرًا بالرحمن، فدلَّ ذلك على أنَّ مَن أنكر الصِّفات فقد كفر بالرحمن.

وروى البخاري في "صحيحه" عن عليٍّ قال: "حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتُريدون أن يُكذب الله ورسوله؟!" لفظ البخاري: "أتحب أن يُكذب الله ورسوله؟!"

كأنَّ المؤلف رواه بالمعنى، والمعنى في هذا أنَّ الواجب على المذكر والواعظ أن يُذكر الناس بالألفاظ التي يعرفونها، والأساليب التي يعقلونها؛ حتى يستفيدوا، وحتى ينتفعوا، كل قومٍ لهم أساليب، فيُحدث العجم بأساليبهم ولغاتهم، ويُحدث العرب بأساليبهم ولغاتهم حتى يفهموا: "حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتُحبون أن يُكذب الله ورسوله؟!" لأنك إذا حدَّثت قومًا بغير ما يفهمون قد يُصدقونك على غير ما أردتَ، وقد يفهمون غير ما قصدتَ، فأنت عليك أن تُحدثهم بما يعرفون عن أسماء الله، وعن صفاته، وعن أحكامه، إن كانوا ما يفهمون إلا .... خبرهم بها: بالأردية بها، بالتركية بها، وهكذا، وتُحدث العربي بأسلوبه، حتى العرب يختلفون في فهمهم ولغتهم، تُحدث كلًّا بما يفهمون، وأسلوب -مثلًا- اليمنيين غير أسلوب الشَّماليين، كلٌّ له أسلوب.

ينبغي أن تُحدث الناس بما يفهمون، وتجتهد في إيضاح الأمر باللغة التي يفهمونها، والعبارات التي يفهمونها، والألفاظ التي اعتادوها؛ حتى يفهموا عنك ما قلتَ، وحتى لا يُكذب الله ورسوله.

فهؤلاء الذين كذبوا الله ورسوله بإنكار الصِّفات في الحقيقة أنهم وقعوا في خطرٍ عظيمٍ، وفي باطلٍ كبيرٍ؛ لأنهم تأوَّلوا الصِّفات على غير تأويلها، وتكلموا فيها بغير ما ينبغي، حتى عطَّلوا صفات الله، وعطَّلوا أسماءه؛ لضلالهم وجهلهم، وكثير منهم قد يكون فهم الأمرَ على غير ما هو عليه؛ لعُجمته، كما قال بعضُ السلف لعمرو بن عبيد لما قال عن العُصاة: أنهم مُخلدون في النار، قال: لأنَّ الله جلَّ وعلا وعدهم بذلك، قال: إنَّ الله يُخلف إيعاده، ولا يُخلف موعده؟ فإخلاف الإيعاد كرم وجود، وأما إخلاف الوعد فلؤم؛ ولهذا يتنزَّه الله عن إخلاف الوعد .....، أما كونه يعفو ويصفح فهذا من كرمه وجوده ؛ ولهذا قال بعضُ السلف لعمرو بن عبيد: من عُجمتك أُتيت! حيث ظننتَ أنَّ إخلاف الإيعاد أمر مُستقبح، وليس الأمر كذلك:

وإني وإن أردت فوعدته فمخلف إيعادي، ومُنجز موعدي

فالإنسان يُمدح إذا أنجز موعده، وإذا أخلف إيعاده، إذا قال لك إنسانٌ: سوف أفعل بك، سوف أضربك، سوف أُهينك، ثم عفا؛ يُمدح بذلك إذا عفا وصفح، أما إذا وعد: كأن يكرمك، ويُحسن إليك، ثم أخلف؛ يُذمُّ على ذلك.

فالإنسان يُمدح بالوفاء بالوعد، ويُمدح بإخلاف الوعيد إذا كان في محلِّه، المقصود أنَّ الإنسان قد يُؤتى من جهة فهمه، وقد يغلط من جهة فهمه، ما فهم النص، ما عرف المراد، فيغلط، فينبغي أن يُوضح له النص، ويُبين له المعنى حتى يكون على بينةٍ.

وروى عبدالرزاق بن همام الصنعاني الإمام المشهور رحمه الله، عن شيخه معمر بن راشد، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباسٍ.

وهذا سندٌ عظيمٌ: أنه سمع قومًا أصابهم فرقٌ لما سمعوا آيات الصِّفات، فقال: "ما فرق هؤلاء؟" فرقهم يعني: خوفهم، فرق فرقًا يعني: خاف، يعني: ما فرق هؤلاء؟ وما جزع هؤلاء؟ "ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقَّةً عند محكمه، ويهلكون عند مُتشابهه"، يعني: ما جزعهم؟ وما الذي أوجب لهم هذا الخوف وهذا الجزع؟ فإذا سمعوا الآيات المحكمات في القرآن والسنة يجدون رقَّةً، ويجدون خشوعًا وخضوعًا، وإذا سمعوا آيات الصِّفات اشتبهت عليهم، وهلكوا عندها بالجزع والإنكار.

هذا يدل على أنَّ هذا من قديم، وأنه في عهد الصحابة وُجد شيء من هذا: "يجدون رقَّةً عند محكمه، ويهلكون عند مُتشابهه" يعني: يجدون رقَّةً عند الأشياء الواضحة، والمعاني الواضحة، وإذا جاءت الأحاديثُ التي تشتبه عليهم أو الآيات هلكوا بإنكارها، أو الشَّك فيها، والريب فيها.

فدلَّ ذلك على أنَّ إنكار الصِّفات، وإنكار ما بيَّنه الله لعباده، أو الشَّك في ذلك هلاك، وإنما الحياة والحقّ والصواب والإيمان بما أخبر به الله ورسوله، إن كنت فهمتَه فالحمد لله، وإن كنت لم تفهم فكِلْه إلى عالمه، وقل: الله أعلم بمراده. واسأل أهل العلم، وانظر في الآيات والأدلة الأخرى حتى تفهم، وإياك والإنكار، وإياك والجزع، وإياك والشَّك والريب، فإنَّ هذا طريق المنافقين، وطريق الهالكين.

أما أهل السنة والجماعة فهم يؤمنون بما جاء في الكتاب والسنة، ويرقون عنده، ويخضعون له، ويعملون به، وإذا اشتبهت عليهم أمور ردُّوها إلى المحكمات، وردُّوها إلى البينات، وفسَّروها بما اتَّضح من حكم الله في الآيات الأخرى، والأحاديث الأخرى، ولا يضربون كتابَ الله ولا سنةَ رسول الله بعضها ببعضٍ، ولا يشكون، ولا يرتابون، بل يُؤمنون بالمتشابه، وأنه لا يُخالف المحكم، بل هو من جنس المحكم، ويكِلُون ما جهلوا من ذلك إلى عالمه: كالكيفية، فالله هو الذي يعلم كيفية صفاته، وأما معانيها فمعروفة للناس من طريق اللغة العربية التي خاطب اللهُ بها الناس: فالرحمن معروف، والعزيز معروف، والكريم معروف، والعليم معروف، والحكيم معروف، وهكذا صفاته معروفة، وأسماؤه معروف معانيها، أما كيفية تلك الصِّفات فإلى الله ، لا يعلم كيفيتها إلا هو .

ولما سُئل مالك بن أنس، إمام دار الهجرة في زمانه، في القرن الثاني رحمه الله، لما سُئل عن قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] قال السائلُ: كيف استوى؟ قال رحمه الله: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، يعني: الكيفية، فبين رحمه الله أنَّ الاستواء الذي هو الارتفاع والعلو معلوم، أما كيف استوى؟ لا يعلمه إلا الله .

وفَّق الله الجميع، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

س: أحد المشايخ يتحدث عن الجهم بن صفوان في أنَّ الجنةَ والنارَ تفنيان، يقول الشيخ: وأنا كذلك أقرّه على ذلك؛ لأنه من رحمة الله أنهما تفنيان بعد علمٍ؟

ج: الذي يقوله كافر، علم أنه كافر، الذي يقول: الجنة والنار تفنيان، كافر، أما القول في فناء النار فهو قول معروف، أما مَن قال بفناء الجنة هذا كافر: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:108]، وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48]، حتى القول بفناء النار غلط من قائله، قول ضعيف، قول أهل السنة والجماعة أنَّ النار لا تفنى، بل تبقى أبد الآباد.

س: نحن نسمع عن عمر أنه قبل أن يُسلم دفن بنته وهي حيَّة، وأدها؟

ج: يُروى هذا، وكفر الجاهلية أعظم، الكفر أعظم، والإسلام يجُبُّ ما قبله، سواء من عمر، أو من غير عمر.

...........

باب قول الله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ [النحل:83]

قال مجاهد ما معناه: هو قول الرجل: هذا مالي ورثته عن آبائي.

وقال عون بن عبدالله: يقولون: لولا فلان لم يكن كذا.

وقال قُتيبة: يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا.

وقال أبو العباس بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه: أنَّ الله تعالى قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر الحديث، وقد تقدم: وهذا كثيرٌ في الكتاب والسنة، يذمّ سبحانه مَن يُضيف إنعامه إلى غيره ويُشرك به.

قال بعضُ السلف: هو كقولهم: كانت الريحُ طيبةً، والملَّاحُ حاذقًا، ونحو ذلك مما هو جارٍ على ألسنة كثيرٍ.

الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله تعالى: (باب قول الله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ [النحل:83]) أراد المؤلفُ الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمة الله عليه الحثّ على الاعتراف بنعم الله، وشُكره سبحانه على ذلك، فكثيرٌ من الناس قد يغفل عن هذا ويشغل عن هذا، فيتمتع بنعم الله، ولكن لا يشكره، ولا يعترف بنعم الله ، بل ينسبها إلى أسبابه وقُوته وحذقه وأعماله ونحو ذلك، غافلًا عن المسدي له، والمنعم له .

فأراد المؤلفُ بهذه الترجمة الحثّ على شُكر الله، والاعتراف بنعمه، وإسنادها إليه ؛ حتى يعرف المؤمنُ أنه عبدٌ مأمورٌ مربوبٌ، وأنَّ هذه النِّعم من ربه إليه، وليست بأسبابه وقوته، فلو شاء الله لسلبه الأسباب، وسلبه القوى ، هو الذي أعطاه الأسباب: أعطاه السمع، وأعطاه البصر، وأعطاه الحذق في التِّجارة، وأعطاه القوة، وأعطاه العقل، إلى غير ذلك.

فالواجب على العبد أن ينتبه لهذا الأمر، وأن يعترف بنعم الله ، وأن يشكره عليها ، وألا يقول كقول الكافرين: هذا مالي ورثته عن آبائي، وأشباه ذلك، ولا يلتفت إلى شكر الله وإنعامه ؛ ولهذا قال: ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا [النحل:83]، يعرفون أنَّ هذه النِّعَم من الله ثم ينسبونها إلى آلهتهم وأوثانهم، وهذا من باب النُّكران للنعم وعدم الاعتراف بها للمُنعم بها .

قال مجاهد، هو ابن جبر، تابعي جليل، من أصحاب ابن عباس: هو قول الرجل: "هذا مالي ورثته عن آبائي"، مثلما يقول الرجلُ: هذا مالي ورثته عن آبائي، يعني يقول ذلك تبجُّحًا وتعاظُمًا بهذا الشيء، من غير أن يعترف بنِعَم الله له ، ويُسندها إليه جلَّ وعلا، يعني: غافل عن ذلك، لا لقصد إخبار عن الأسباب، ولكن يقول ذلك غافلًا عن نِعَم الله، وعن شكره ، وإلا فمعلوم أنه يجوز أن يقول: ورثتُ هذا عن أبي، هذا ورثته عن أخي، لا بأس، لكن إذا قال ذلك بالإخبار بالأسباب، أما أنه ينسبها إلى آبائه وأجداده وينسى المنعِم، فهذا هو المنكر، وهذا هو الذي ينبغي للمؤمن أن يبتعد عنه، وأن يقول ذلك عن إيمانٍ بالله، واعترافٍ بنعمه .

وهكذا قول الآخر: لولا فلان لم يكن كذا، كذلك ينبغي له أن يقول: لولا الله سبحانه ثم كذا. ينسب النِّعَم إلى المنعم بها، والذي أسداها ، ولا يغفل عن ذلك.

هكذا يقول ابنُ قتيبة: يقولون: "هذا بشفاعة آلهتنا" ينسبونها إلى آلهتهم.

فالمقصود من هذا كله أنه ينبغي للمؤمن إذا أخبر عن الأسباب ألا ينسى المنعم الحقيقي، فإنَّ الأسباب هو الذي سخَّرها، هو الذي يسَّرها، فإن كان المالُ حصل عن بيعه وشرائه، أو عن إرثه، أو عن هبةٍ، أو غير ذلك لا يغفل عن كون المنعم هو الله ، هو الذي يسَّر الهبة، ويسَّر البيع والشِّراء، وهو الذي يسَّر الإرثَ، هو الذي شرع الإرث، فكلٌّ نِعَمه .

فليكن المؤمنُ على بصيرةٍ، وعن عنايةٍ، وعلى اعترافٍ بنِعم الله ، مع اعترافه بالأسباب، لا مانع من الاعتراف بالأسباب، لكن يكون ذلك مع إيمانه بأنَّ النِّعَم من الله، هو المنعم بها، ومع القيام بشكره له عليها: بطاعته، وترك معصيته، والوقوف عند حدوده، والإيمان بأنه هو المنعم على الجميع، وأنَّ جميع ما بهم من النِّعَم فهو من الله ، كما قال : وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53].

وقال أبو العباس ابن تيمية شيخ الإسلام رحمة الله عليه على حديث زيد بن خالد الجهني الذي فيه: عن النبي ﷺ أنَّ الله جلَّ وعلا قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر يعني: على إثر المطر، فأما المؤمن فقال: مُطرنا بفضل الله ورحمته، فهذا مؤمنٌ بي، كافرٌ بالكوكب، وأما مَن قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا، فهذا كافرٌ بي، مؤمنٌ بالكوكب.

قال أبو العباس: هذا كثير في الكتاب والسنة؛ يذمّ سبحانه مَن يُضيف إنعامه إلى غيره ..... يذمّ سبحانه مَن يُضيف النِّعَم إلى غيره، ويقول: هذا بنوء كذا، هذا ورثته عن آبائي، هذا كذا، هذا كذا، عند التَّبجح بذلك، والفخر على غيره، ولكن يقول: هذا من فضل الله ورحمته، الله تفضَّل علينا بهذا، ويسَّر لنا هذا، وهو المنعم ، وإذا بيَّن السبب: ورثته عن أبي، أو عن أخي، أو نحو ذلك، مع الاعتراف بفضل الله ورحمته ، فهذا لا بأس به، كذلك المطر يقول: مُطرنا بفضل الله ورحمته، هذا من فضل الله، هذا من جوده وكرمه، لا بنوء كذا، ونوء كذا، ولقد صدق نوء كذا، أو ما أشبه ذلك.

وهكذا قول بعض السلف: هو قول الرجل: كانت الريحُ طيبةً، والملَّاحُ حاذقًا. يعني: إذا صارت السَّفينة جيدةً في السير قالوا: كانت الريحُ طيبةً، والملَّاحُ حاذقًا. ونسوا المنعم ، فالذي يسَّر هذا: مَن جاء بالريح؟ ومَن الذي علَّم الملَّاح حتى صار حاذقًا؟

فينبغي للمؤمن أن يُلاحظ هذه الأمور، مع معرفة الأسباب يقول: نعم الله، يسَّر لنا ريحًا طيبةً، الله مَنَّ علينا بريحٍ طيبةٍ، الله وفَّقنا بملَّاحٍ جيدٍ، لا بأس، أما أن ينسى المنعم ويُضيف النِّعَم إلى غيره: كانت الريحُ طيبةً، والملَّاح حاذقًا، وينسى المنعم، يعني: هذا من دقَّة السَّلف وحرصهم على العناية بالشكر لله، والاعتراف بنعمه ، فإذا قال ذلك على سبيل الإخبار بالسبب، لا على سبيل إضافة النِّعَم إلى غير المنعم ، يقول: الله مَنَّ علينا بريحٍ طيبةٍ حتى صار سيرها أسرع، وهذه السيارة يسَّر الله أنها جيدة وجديدة، ونفع الله بها، وحصل بذلك سرعة في القدوم، ونحو هذا، لكن يكون كلامه مشمولًا بالاعتراف بنِعَم الله، مشمولًا بالإضافة إلى الله وشُكره سبحانه؛ حتى لا تكون العبارةُ جافَّةً، كعبارة الجفاة من الجهلة والمشركين الذين ينسون المنعم، وينسبون النِّعَم إلى أسبابهم وقوتهم ونحو ذلك، هذا الباب مقصودٌ منه العناية بشكر الله، والاعتراف بنِعَم الله، وألا يغفل المؤمنُ عند ذكر النِّعَم عن المنعم بها .

رزق اللهُ الجميعَ التوفيق والهداية.

...........

س: القول بأنَّ الأرض تتحرك حول الشَّمس؟

ج: الصواب أنها ثابتة ..... مَن قال بثبوت الشمس كفر، الله أخبر أنها جارية: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا [يس:38]، كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [لقمان:29]، قال الحافظ البغدادي: ..... أجمع أهلُ السنة على أن الأرض .....، والشمس جارية ..... الذي عليه المسلمون وأهل الكتاب أنَّ الأرض قارة ثابتة.

............

باب قول الله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]

قال ابنُ عباس في الآية: "الأنداد: هو الشِّرك، أخفى من دبيب النَّمل على صفاةٍ سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي. وتقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص. ولولا البطّ في الدار لأتانا اللصوص. وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئتَ. وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها فلانًا؛ هذا كله به شرك" رواه ابنُ أبي حاتم.

وعن عمر بن الخطاب : أنَّ رسول الله ﷺ قال: مَن حلف بغير الله قد كفر أو أشرك رواه الترمذي، وحسَّنه وصحَّحه الحاكم.

وقال ابنُ مسعودٍ: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحبّ إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا".

وعن حُذيفة ، عن النبي ﷺ قال: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان رواه أبو داود بسندٍ صحيحٍ.

وجاء عن إبراهيم النَّخعي: أنه يُكره أن يقول: أعوذ بالله وبك. ويجوز أن يقول: بالله ثم بك. قال: ويقول: لولا الله ثم فلان. ولا تقولوا: ولولا الله وفلان.

الشيخ: هذا الباب في التَّحذير من اتِّخاذ الأنداد لله ، وأراد المؤلف الشيخ الإمام شيخ الإسلام في زمانه رحمه الله، والمجدد لمعالم الدين في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي التَّميمي، الحنبلي، الإمام المشهور رحمة الله عليه.

يقول رحمه الله: (باب قول الله: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أراد بهذه الترجمة تحذير الناس من اتِّخاذ الأنداد.

والأنداد جمع ندٍّ، وهو المثل والنَّظير، سمَّى الله جلَّ وعلا مَن يُتَّخذ من دونه ويُعبد من دونه أندادًا؛ لأنهم مثَّلوه بالله لما عبدوه مع الله ، فاتخاذ الأصنام أو القبور المعبودة من دون الله، أو الأشجار والأحجار، أو الكواكب تُدعى ويُستغاث بها، هذه كلها يُقال لها: أنداد، مَن اتَّخذ شيئًا دون الله: ميتًا، أو صنمًا، أو شجرةً، أو غارًا، أو كوكبًا، أو غير ذلك يدعوه، ويستغيث به، وينذر له، ويعتقد فيه أنه يتصرف في الكون، أو ينفع، أو يضرّ، أو ما أشبه ذلك، فقد اتَّخذه ندًّا لله ؛ ولهذا قال: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22] يعني: وأنتم تعلمون أنه الخلَّاق الرَّزاق ، الإله الحقّ .

وقال ذامًّا لبعض الناس: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ الآية [البقرة:165]، فهو سبحانه ذمَّ المتخذين الأنداد، ونهى عن اتِّخاذ الأنداد، والمقصود من هذا الدَّعوة إلى إخلاص العبادة لله وحده، وأن يكون الله هو المعبود الحقّ؛ لأنه الإله الحقّ: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [طه:98]، وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117].

قال ابنُ عباس في الآية: "هو الشِّرك، أخفى من دبيب النَّمل على صخرةٍ سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي. وتقول: لولا كُليبة هذا لأتى اللصوص. ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص. وتقول: والله وفلان، لا تجعل فيها فلانًا".

هذا كله من الشِّرك، فسَّره ابنُ عباسٍ بالشرك الخفي، الشرك الأصغر، ومُراده رحمه الله أنه داخلٌ في ذلك، الشرك الأصغر يدخل في اتِّخاذ الأنداد، ولكن أعظم من ذلك وأكبر هو دعوة الأصنام والأشجار والأحجار والأموات ونحوهم من دون الله ، واتِّخاذهم أندادًا مع الله، هذا أعظم، هذا الشرك الأكبر، والآية في ذلك أعظم وأظهر وأبين، ولكن مُراده من هذا رحمه الله التَّنبيه على الشِّرك الخفي، الشرك الأصغر؛ لأنه يجرّ إلى الأكبر، يجرّ إلى عبادة غير الله ؛ فلهذا نبَّه على هذا الشِّرك الخفي؛ ليحذر الناس هذا وهذا، ويبتعد الناس عن هذا وهذا: عن عبادة غير الله، واتِّخاذ الأصنام والأنداد مع الله، وعبادة أصحاب القبور، أو الأشجار، أو الأحجار، أو غير هذا من المخلوقات، كله داخلٌ في اتِّخاذ الأنداد.

فالشرك شركان: أكبر وأصغر: اتِّخاذ الأصنام، يُعبدون مع الله، أو أصحاب القبور، أو الكواكب، أو الأشجار، أو غير ذلك، هذا الشِّرك الأكبر، وهذا الذي كانت عليه قريش وأشباههم من العرب.

والشرك الأصغر واقعٌ أيضًا، وهو يسير الرياء: كأن يُصلي يُرائي، أو يقرأ يُرائي، أو ما أشبه ذلك، هذا من الشرك الأصغر، وهكذا قوله: لولا الله وفلان. وهذا من الله ومن فلان. وما شاء الله وشاء فلان. وما أشبه ذلك، هذا من الشرك الأصغر، وهو داخلٌ في اتِّخاذ الأنداد؛ ولهذا لما قال رجلٌ: يا رسول الله، ما شاء الله وشئتَ، قال: أجعلتني لله ندًّا؟! وفي لفظٍ: عدلًا، ما شاء الله وحده، فجعل قول "ما شاء الله وشاء محمد" من اتِّخاذ الأنداد، وهذا يُوجب الحذر من مثل هذه الكلمات: ما شاء الله وشاء فلان، أو لولا الله وفلان، أو هذا من الله ومن فلان، أو أنا عائذٌ بالله وبفلان، أو ما أشبه ذلك من اتِّخاذ الواو، فإنَّ هذا نوعٌ من التَّنديد؛ لأنَّ الواو تقتضي المشاركة والمساواة، فيحرم ذلك، ولا يجوز فعله مع الله .

ويلحق بهذا قوله: "لولا البط في الدار"، البطّ طائر معروف يتَّخذونه، يصيح إذا دخل، استنكر، وهكذا الكلب يتَّخذ عند الأبواب؛ لأنه ينبح، إذا رآهم استنكر، فيُنبه أهل البيت، فيقولون: لولا كليبة هذا لأتى اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص. يعني: ما كنا، الكلب والبطّ نبَّه فابتعد اللصوص، وهذا من الأغلاط، يقول: لولا الله ثم الكلب، لولا الله ثم البط، لولا الله ثم الحارس، لولا الله ثم فلان، لا بأس.

فالسبب الأول الوحيد الذي به العصمة هو الله وحده ، وإنما هذه أسباب، جعلها الله أسبابًا، جعل وجود الحارس عند الباب من السبب، جعل إغلاق الباب من السبب، جعل الكلب عند الغنم ونحوه من السبب، جعل البطّ عند الباب من السبب، فهذه أسباب ينبغي ألا توكل إليها، وألا تسند إليها الأمور، بل تسند إلى الله وحده، ثم إليها؛ لأنَّ "ثم" تقتضي التَّراخي، فلا يقال لها وحدها، ولا بالواو: لولا الله والبط، لولا الله والكلب، لولا الله والحرس، لولا الله والجيش، لا، ولكن يقال: لولا الله ثم الجيش، ثم الحرس، لولا الله ثم فلان، فلان أنقذه مثلًا: وجده غريقًا ونزل في البحر، أو في البئر وأنقذه، يقال: لولا الله ثم فلان لمتّ؛ لأنه هو الذي تسبب في إنقاذه، وجده مع إنسانٍ يضربه وخاف عليه القتل: لولا الله ثم فلان أنقذني منه لقتلني، أو لأوجعني. هذا لا بأس به، المقصود يأتي بـ"ثم" فيزول المحذور، هذا معنى كلام ابن عباس رحمه الله؛ ولهذا قال: "هذا كله فيه شرك".

(رواه ابنُ أبي حاتم) ابن أبي حاتم إمام مشهور، وهو عبدالرحمن ابن أبي حاتم المشهور، وهو إمام كبير رحمه الله، له تفسير، وله كتب أخرى.

وهكذا حديث عمر: يقول النبي ﷺ: مَن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، فالرِّواية هذه عن ابن عمر، وهو عبدالله بن عمر، عند أبي داود والترمذي والحاكم عن عمر نفسه، والصواب عن ابن عمر هنا، لا عمر، عن النبي ﷺ أنه قال: مَن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك شكٌّ من الراوي: هل قال: "كفر"، أو قال: "أشرك"؟ يحتمل الشك أنه من ابن عمر، ويحتمل أنه من الرواة الذين بعده، شكُّوا هل قال: "كفر"، أو قال: "أشرك"؟ والمعنى واحد، والمعنى أنَّ مَن حلف بغير الله فقد كفر، فقد أشرك؛ لأنَّ الحلف بغير الله تعظيمٌ له، واعتقادٌ فيه أنه يصلح لهذا الأمر، وهذا إنما يليق بالله، هو الذي يُحلف به ويُعظم جلَّ وعلا؛ لأنه عالم السِّر، وعالم الخفيات، وعالم ما في القلوب، فلا يُحلف إلا به .

وكانت العربُ تحلف بآبائهم وأمَّهاتهم وبالمعظمين، وكان هذا موجودًا في أول الإسلام، ثم نهى النبيُّ عن ذلك عليه الصلاة والسلام، وحذَّرهم من ذلك، فنهاهم أن يحلفوا إلا بالله وحده، فقال عليه الصلاة والسلام: مَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت، وقال: لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمَّهاتكم وبالأنداد، وأدرك يومًا بعض أصحابه في بعض غزواته وهم يحلفون بآبائهم، فقال: لا تحلفوا بآبائكم، إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، مَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت، وفي لفظٍ آخر: مَن كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت.

وروى الإمامُ أحمد رحمه الله بإسنادٍ صحيحٍ عن عمر نفسه ، عن النبي ﷺ أنه قال: مَن حلف بشيءٍ دون الله فقد أشرك، هذه الرِّواية المحفوظة عن عمر: مَن حلف بشيءٍ دون الله فقد أشرك.

وروى ابنه عبدالله -ولعله حضر المجلس- أنَّ النبي قال: مَن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، شكَّ ابنُ عمر، أو بعض الرواة عنه، والرواية: فقد أشرك كما في رواية عمر رضي الله عنه وأرضاه.

وهذا من الشِّرك الأصغر: الحلف بغير الله من الشرك الأصغر، وقد يكون أكبر إذا كان بقلب الحالف أنَّ هذا المحلوفَ به له شأنٌ، وله تصرُّفٌ في الكون، أو أنه يصلح أن يُعبد من دون الله، أو أنه عظيمٌ كعظمة الله؛ صار من الشِّرك الأكبر، وإلا فالأصل من ذلك الشرك الأصغر؛ ولهذا كان في أول الإسلام الناس يحلفون بآبائهم، ثم نُهوا عن ذلك بعد ذلك إكمالًا للتوحيد؛ وتعظيمًا لجانب الله ؛ وسدًّا لذرائع الشِّرك.

(وقال ابنُ مسعودٍ ) وهو عبدالله بن مسعود، صحابي جليل، أحد علماء الصحابة: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحبّ إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا"، وما ذاك إلا لأنَّ الحلف بغير الله شركٌ، والشرك أعظم من الكذب، الحلف بالله كاذبًا معصية، والمعصية دون الشِّرك؛ فلهذا قال: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحبّ إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا"؛ لأن الحلف بغير الله أعظم من الحلف بالله كاذبًا.

فدلَّ ذلك على شدة الوعيد في الحلف بغير الله، وأنَّ الواجب ترك ذلك والحذر منه، وإذا كان الحلفُ بالله كاذبًا محرَّم ولا يجوز، لكن مقصود ابن مسعود أنَّ الحلف بغير الله أشدّ من الحلف بالله كاذبًا، هذه معصية، وهذا شركٌ، والشرك خطره عظيم، وهو ضد التوحيد، بخلاف المعاصي؛ فإنها دون الشرك، ومآلها إلى عفوٍ من الله، أو توبة العبد، أو رجحان الحسنات فيسلم من شرِّها.

الحاصل أنَّ جنس الشِّرك أعظم من جنس المعاصي؛ ولهذا قال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحبّ إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا".

وقال حُذيفة : عن النبي ﷺ أنه قال: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان، وهذا مثلما تقدم؛ فإنَّ "الواو" تقتضي التَّشريك والمساواة، فلا تجوز، بخلاف "ثم" فإنها للتراخي والتَّعقيب، فجاز أن يقول: ما شاء الله ثم شاء فلان، لولا الله ثم فلان. والكمال أن يقول: لولا الله وحده، ما شاء الله وحده، هذا هو الكمال.

(قال إبراهيمُ النَّخعي) إبراهيم هو ابن يزيد النَّخعي، تابعي جليل فقيه رحمه الله، يقول: كان يُنهى أن يقول الرجلُ: أعوذ بك يا فلان، أو أعوذ بالله وبفلان. ويجوز أن يقول: بالله ثم بفلان. فلا بأس أن يقول إنسانٌ: أنا عائذٌ بالله ثم بفلان من كذا وكذا. ولا يجوز أن يقول: أعوذ بفلان، أو أعوذ بالله وبفلان، بالواو، هذا لا يجوز، وإنما يجوز: بالله ثم بفلان، كأن يقول للأمير أو للسلطان: أنا عائذٌ بالله ثم بك من خدمك، من جندك، من حرسك، من كذا، لا بأس بهذا؛ لأنَّ "ثم" تقتضي التَّراخي والتَّعقيب، وأنَّ هناك سعةً وبونًا بين الله وبين المخلوق، وهذا كله من كمال التوحيد وكمال الإيمان.

فالواجب على المؤمن أن يحرص على كمال إيمانه، وكمال توحيده، وذلك بالبُعد عن الشِّرك كله، دقيقه وجليله، وبالبُعد أيضًا عن المعاصي، المعاصي تنقص التوحيد، وتنقص الإيمان.

فينبغي للمؤمن أن يكون حريصًا جدًّا على كمال إيمانه، وكمال يقينه بابتعاده عن المعاصي كلها، وبابتعاده عن أنواع الشِّرك: دقيقه وجليله.

رزق اللهُ الجميعَ التوفيق والهداية.

س: في رواية مسلم: أفلح وأبيه إن صدق؟

ج: هذا قبل البعثة، صحيح أنه قبل البعثة.

.............

س: يقول: إني لا أخاف إلا الله والذئب على الغنم؟

ج: ما هو من هذا الباب، في آخر الزمان يعني: حتى لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه.

س: إذا واحد كلَّم واحدًا وقال: ذمة؟

ج: إن كان قصد الحلف ما يجوز .....، إذا قال: في ذمَّتي، ليس بحلفٍ، أما إذا قال: بذمتي، ما يجوز .....

س: إذا قال: أعوذ بالله منك؟

ج: إذا قال: أعوذ بالله منك، أعيذ، أعيذه لا تضرّه ولا تُؤذيه، مثلما قال النبيُّ ﷺ: لقد عذتِ بعظيمٍ، الحقي بأهلك.

س: يعيذ؟

ج: إذا كان ظلمه يقول: أعوذ بالله منك، حتى لا يظلمه.

س: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا [مريم:18]؟

ج: مثلما قالت مريم نعم، وإن كان يُطالبه بحقٍّ عليه -عليه دَين- لا تأخذ الدَّين، لا، لا بدَّ أن يُؤدي حقَّه.

س: أحسن إلى إنسانٍ فقال له: أنت المغني العظيم؟

ج: على حسب نيَّته ..... إذا قال: لولا الله ثم أنت، ولولا الله ثم عملك، يكون أسلم من هذا الكلام؛ لأنَّ هذا قد يُوهم فيه .....

باب ما جاء فيمَن لم يقنع بالحلف بالله

عن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله ﷺ قال: لا تحلفوا بآبائكم، مَن حُلِف له بالله فليُصدِّق، ومَن حُلِف له بالله فليَرْضَ، ومَن لم يرضَ فليس من الله رواه ابنُ ماجه بسندٍ حسنٍ.

الشيخ: يقول رحمه الله: (باب ما جاء فيمَن لم يقنع بالحلف بالله) أراد المؤلفُ بهذه الترجمة بيان وجوب القناعة باليمين والحكم الشرعي، وأنَّ الواجب على المؤمن أن يقنع بحكم الله وإن كان في نفسه شيءٌ من صدق الحالف، أو تهمته بذلك، أو علمه بأنه كاذب، لا يضرّ، فعليه أن يقنع بالحكم الشرعي، ويرضى بالحكم الشرعي، وإن علم أنَّ هذا الحالف أو هذه البينة كاذبة؛ لأنه ليس للناس إلا ما ظهر، وأمور الغيب إلى الله ، وليس للقاضي إلا ما ظهر من شهادة العدول ويمين الخصم عند عدم البينة.

فالواجب على المؤمن أن يقنع بالحكم الشرعي وإن علم أنَّ هناك ما يدل على كذب الحالف، أو كذب الشهود، أو ما أشبه ذلك بالنسبة إليه؛ ولهذا ذكر المؤلفُ حديثَ ابن عمر، عن النبي ﷺ أنه قال: لا تحلفوا بآبائكم، كان الناسُ يحلفون بآبائهم وأمَّهاتهم وبالأنداد، فنُهوا عن هذا بعد ذلك، كانوا في أول الإسلام وفي أول الهجرة إلى المدينة كانوا يحلفون بآبائهم وبأمَّهاتهم، ثم شرع الله ترك ذلك، ونهى عن ذلك، وحرَّم على العباد الحلف بغيره .

وفي "الصحيحين": أنَّ عمر رضي الله عنه وأرضاه أدركه النبيُّ في ركبٍ وهو يحلف بأبيه، فقال: يا عمر، إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، مَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت متفق عليه، وفي اللفظ الآخر: مَن كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت، وفي اللفظ الآخر: مَن حلف بشيءٍ دون الله فقد أشرك، وفي اللفظ الآخر: مَن حلف بغير الله فقد كفر، أو قال: أشرك، شكٌّ من الراوي. فدلَّ ذلك على أنه لا يجوز الحلف بغير الله كائنًا مَن كان، وأنَّ الحلف من خصائص الله .

ثم قال: مَن حلف بالله فليصدق يعني: واجبٌ على مَن حلف بالله أن يتحرى الصدق، ويحذر الكذب؛ ولهذا يقول ﷺ: مَن حلف على يمين صبرٍ هو فيها فاجر لقي اللهَ وهو عليه غضبان.

فالواجب الحذر من الأيمان الكاذبة، ولا سيما في الخصومات، واقتطاع حقّ المسلم باليمين؛ ولهذا في اللفظ الآخر: مَن حلف على يمينٍ ليقتطع بها مال امرئٍ مسلم بغير حقٍّ لقي الله وهو عليه غضبان، وفي اللفظ الآخر: مَن اقتطع حقَّ امرئٍ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب اللهُ له النار، وحرَّم عليه الجنة، قالوا: يا رسول الله، وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإن كان قضيبًا من أراكٍ رواه مسلم.

فالمقصود أنَّ الأيمان بالله يجب فيها الصدق، ولا سيما إذا كان يقطع بها شيئًا، فالأمر أعظم، الواجب تحري الصدق في الأيمان، وألا تأخذ حقَّ أخيك إلا بالبينة الشَّرعية، وبالوجه الشرعي، وإذا توجَّهت اليمين إليك فاحذر أن تحلف وأنت كاذب، فقد يقع هذا كثيرًا، قد ..... يُقرضه مالًا ولا يُشهد عليه، قد يبيعك إلى أجلٍ ولا يُشهد عليك، ثم تخونه وتقول: ما شريت، ولا اقترضت، وليس عنده بينة، فيضطر إلى أن يقول: يمينك، والقاضي ليس له إلا ذلك، ليس للقاضي إلا أن يقول: احلف.

فعليك أن تتَّقي الله، وأن تحلف بالصدق، لا بالكذب، فإذا كان عندك الحقّ فالواجب أن تُسلم الحقّ، وأن تبتعد عن اليمين الفاجرة؛ ولهذا قال: مَن حلف بالله فليصدق، ومَن حُلف له بالله فليَرْضَ، هذا الشَّاهد، يعني: مَن حُلف له بالله فليَرضَ، فليقنع، ليس له إلا هذا، هو الذي فرَّط: لأيش ما أشهد؟ البينة، لأيش ما كتب؟ هو مأمورٌ بالكتابة، مأمورٌ بالإشهاد، فهو الذي فرَّط، فعليه أن يلوم نفسه، لِمَ عليه أن يلوم نفسه؟ لأنه المفرط، وليس له إلا الحكم الشرعي باليمين؛ لتفريطه، وسوف يُعطيه اللهُ حقَّه يوم القيامة من هذا الرجل الذي ظلمه باليمين الفاجرة.

ومَن لم يرضَ فليس من الله هذا وعيدٌ شديدٌ يدل على وجوب الرضا باليمين، والقناعة باليمين، ولا يجوز التَّسخط من ذلك، وأن يقع في قلبه شيءٌ من حكم الله، بل يرضى بحكم الله، ويُسلم لحكم الله، ويلوم نفسه لتفريطه.

وفَّق الله الجميع.

س: كفَّارتها؟

ج: التوبة وأداء الحقّ.

س: رجل اشترى سيارةً، وقبل أن يستلم السيارة ويدفع القيمة باعها لشخصٍ آخر بزيادةٍ في القيمة، ما حكم ذلك؟

ج: لا يجوز ..... ليس له البيع حتى يقبضها.

س: شخصٌ فاتح مكتبةً ويبيع كتبًا في بعضها سبُّ أبي بكر وعمر، من كتب الأدب، هل يجوز بيع مثل هذا الكتاب؟

ج: لا، سبّ الصحابة .....

س: .............؟

ج: قال: ما أُكلم فلانًا، والله ما أُكلم فلانًا، والله ما أُكلم فلانًا. كررها مئة مرة، ما فيها إلا كفَّارة، وإذا قال: والله ما أُكلم فلانًا، والله ما أزور فلانًا، والله ما آكل طعام فلانٍ، هذه مُختلفة.

س: بماذا يُفسَّر قول النبي ﷺ: أفلح وأبيه إن صدق؟

ج: هذا قبل النَّهي.

س: الذي قتل خطأً ودفع الدِّية، هل عليه كفَّارة؟

ج: عليه كفَّارة عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز يصوم شهرين مُتتابعين.

س: ولو دفع الدِّية؟

ج: الدية حقّ المخلوق، والكفَّارة حقّ الله.

س: ..............؟

ج: ترك هذا أولى .....

س: بالنسبة للدِّراسة إذا كانت المحاضرات وقت الصَّلاة؟

ج: يجيء يُصلي مع الجماعة، ويُخلي المحاضرة.

س: وإذا صلَّى جماعةً بعد؟

ج: ..... يُصلي مع المسلمين، ويجب على المدرس أن يُؤجل المحاضرة، يُصلي مع الناس.

...........

باب قول: ما شاء الله وشئتَ

عن قُتيلة: أنَّ يهوديًّا أتى النبيَّ ﷺ فقال: إنكم تُشركون، تقولون: ما شاء الله وشئتَ، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبيُّ ﷺ إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: وربّ الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئتَ رواه النَّسائي وصحَّحه.

وله أيضًا عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ رجلًا قال للنبي ﷺ: ما شاء الله وشئتَ. فقال: أجعلتني لله ندًّا؟! ما شاء الله وحده.

ولابن ماجه عن الطّفيل -أخي عائشة لأمِّها- قال: رأيتُ كأني أتيتُ على نفرٍ من اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله. قالوا: وإنَّكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمدٍ. ثم مررتُ بنفرٍ من النصارى فقلتُ: إنَّكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله. قالوا: وإنَّكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحتُ أخبرتُ بها مَن أخبرتُ، ثم أتيتُ النبيَّ ﷺ فأخبرته، قال: هل أخبرتَ بها أحدًا؟ قلت: نعم، قال: فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإنَّ طفيلًا رأى رؤيا أخبر بها مَن أخبر منكم، وإنَّكم قلتم كلمةً كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده.

الشيخ: هذا الباب أراد به المؤلفُ الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمة الله عليه، أراد به بيان حكم قول "ما شاء الله وشاء فلان"، وبيان حكم قول "لولا الله وفلان"، وما أشبه ذلك، وأنَّ الواجب أن يُؤتى بـ"ثم" في هذه المسائل، فلا يقال: "ما شاء الله وشاء فلان"، ولا "لولا الله وفلان"، ولكن يقال: "ما شاء الله ثم فلان"، أو "لولا الله ثم فلان". هذا هو مُقتضى التوحيد والإخلاص لله، والعناية بكمال التوحيد، والبُعد عن الشِّرك: دقيقه وجليله، وهكذا لا يُحلف إلا بالله وحده، وتقدم الكلامُ في ذلك.

قال: (باب قول: ما شاء الله وشئتَ) يعني: باب حكم ذلك، حكمه أنه لا يجوز، وأنه نقص في التوحيد، وشرك أصغر، فلا يقول: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن يقول: ما شاء الله ثم شاء فلان، أو يقول: ما شاء الله وحده، فالأقسام ثلاثة: ما شاء الله وحده -وهو أكملها- ما شاء الله ثم شاء فلان -وهذا جائز- ما شاء الله وشاء فلان، هذا لا يجوز، وهو من الشرك الأصغر، وهكذا قول "لولا الله ثم فلان، لولا الله وفلان"، "لولا الله وحده" هو الكمال، "لولا الله ثم فلان" جائز، "لولا الله وفلان" لا يجوز.

عن قُتيلة رضي الله عنها: أنَّ ناسًا من اليهود قالوا للصحابة: إنكم تُشركون تقولون: ما شاء الله وشاء فلان، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبيُّ ﷺ إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: وربّ الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله وحده، هذا يُبين لنا أنَّ الناس من أهل الباطل قد يفهمون الأشياء إذا كان لهم هوًى، صاحب الهوى قد يفهم إذا كان له هوًى في بعض المسائل، وإن كان هو على ما هو أكبر من الذنب والفساد، فالكافر المجرم قد يفهم أشياء دون ما هو فيه من الباطل إذا كان له هوًى وبُغض للآخرين؛ حتى يعيبهم، وحتى ينتقصهم؛ فلهذا اليهود على كفرهم وضلالهم استنكروا: ما شاء الله وشاء محمد، واستنكروا الحلف بالكعبة، فقالوا: إنَّكم تُشركون تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، والكعبة، ففهموا هذا لما لهم من الهوى في أصحاب النبي ﷺ؛ ولما لهم من الغيظ والحقد، وقد أصابوا في هذا، وإن كانوا قد أخطأوا فيما هو أعظم وأكبر: في شركهم وكفرهم، وقولهم: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، كقول النصارى.

فأمرهم النبيُّ ﷺ لما شكوا إليه ذلك وأخبروه أمرهم أن يقولوا: "ما شاء الله وحده"، وأن يقولوا: "ما شاء الله ثم شاء فلان"، وأن يقولوا: "وربّ الكعبة"؛ حتى لا يقعوا في الشِّرك.

وهكذا لما قال له رجلٌ: يا رسول الله، ما شاء الله وشئتَ، قال: أجعلتني لله ندًّا؟! وفي اللفظ الآخر: أجعلتني لله عدلًا؟! ما شاء الله وحده.

فهنا بيَّن له ﷺ ما هو الأفضل، وأن يقول: ما شاء الله وحده، هذا هو الكمال والتَّمام.

وفي حديث ابن ماجه كذلك: "ما شاء الله وحده"، وفي الأحاديث الأخرى قال: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان، فهذا هو الجائز إذا كان له تسبب: إنسان نفعك الله به، تسبب في إطلاق سراحك، تسبب في إعطائك مالًا تستعين به، تسبب في إنجائك من غرقٍ، أو من حرقٍ تقول: لولا الله ثم فلان، ما شاء الله ثم شاء فلان؛ لأنَّ له تسببًا، فتقول: ما شاء الله ثم شاء فلان، لا بأس، وإذا قلت: ما شاء الله وحده، لولا الله وحده لكان كذا، كان هذا هو الأكمل والأفضل.

ولهذا في حديث ابن ماجه عن الطُّفيل بن ..... أخي عائشة لأمها: أنه رأى رؤيا في عهد النبي ﷺ، وهو أنه مرَّ على جماعةٍ من اليهود، قال: إنكم لأنتم القوم -يعني: المستحقُّون للمدح- لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله، فقالت اليهود: وأنتم -يعني: أصحاب محمدٍ- إنكم لأنتم القوم -يعني: المستحقون للمدح- لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد.

ثم ذهب إلى النصارى في رؤياه فقال: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، يعني: عيسى، فقال النصارى: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد.

فلما أصبح الطُّفيل أخبر بها مَن أخبر من الناس، ثم أتى النبي فأخبره عليه الصلاة والسلام، وقال: هل أخبرتَ بها أحدًا؟ قال: نعم، فخطب الناس عليه الصلاة والسلام وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنَّكم تقولون كلمةً كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده.

بيَّن لهم ﷺ ما هو الواجب، وما هو الأفضل في حقِّهم، ونهاهم أن يقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، وأخبرهم أنه لم ينهاهم عنها لكذا وكذا، في روايةٍ أخرى: كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها يعني: لأنه لم يأتِ فيها أمرٌ من الله -وحيٌ من الله- فلما جاءت الرؤيا صارت سببًا للمنع، وجاء الوحيُ من الله جلَّ وعلا بمنعها، وألا يقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن يقولوا: ما شاء الله وحده، أو ما شاء الله ثم شاء فلان، كما في حديث حُذيفة عن النبي ﷺ أنه قال: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان.

كذلك حديث الثلاثة: الأبرص والأقرع والأعمى، الذي رواه الشيخان: جاء إلى الأبرص فقال: لا بلاغَ لي اليوم إلا بالله ثم بك. فيقول الإنسانُ لمثل هذا السائل: يا أخي، لولا الله ثم أنت أصابني كذا وكذا. إذا كان أعطاه مالًا خلَّصه من حرقٍ، خلَّصه من غرقٍ، يقول: لولا الله ثم أنت، لا بأس، لكن لا يقول: لولا الله وأنت، بالواو؛ لأنَّ هذه الواو تقتضي التَّشريك والمساواة فتُمنع، أما إذا قال: لولا الله ثم فلان، أو ما شاء الله ثم شاء فلان، أو هذا من الله ثم من فلان، فلا بأس بذلك؛ ولهذا بيَّن لهم النبيُّ ﷺ ما هو الأفضل، وما هو الأكمل، وبيَّن لهم ما هو الجائز، وبيَّن لهم ما هو المحرم: فـ"ما شاء الله وشاء فلان" محرم، ونوع من الشرك الأصغر، وقد يكون أكبر، إذا أراد أنه له مشيئة مُستقلة يكون شركًا أكبر، وبيَّن الجائز: "ما شاء الله ثم شاء فلان" هذا جائز، وما هو الأفضل، وهو: "ما شاء الله وحده، لولا الله وحده".

وفَّق اللهُ الجميع.

س: فإذا قال: "ما شاء الله وشاء فلان" تعظيمًا يكون شركًا أكبر؟

ج: يكون أصغر، إلا إذا أراد أنه مثل الله في العظمة، وأنه مستقل بالمشيئة.

.............

باب مَن سبَّ الدهر فقد آذى الله

وقول الله تعالى: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية:24].

في الصحيح عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: قال تعالى: يُؤذيني ابن آدم؛ يسبّ الدهر وأنا الدهر، أُقلب الليل والنَّهار.

وفي روايةٍ: لا تسبُّوا الدَّهر؛ فإنَّ الله هو الدَّهر.

الشيخ: يقول الإمامُ المؤلف الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمة الله عليه: (باب مَن سبَّ الدهر فقد آذى الله) أراد بهذه الترجمة بيان أنَّ سبَّ الدهر وهكذا غيره من المعاصي من جملة الأشياء التي تنقص التوحيد وتُضعفه وتُنافي كماله، فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا المعاصي التي تضرّهم وتُضعف إيمانهم وتوحيدهم، ومن ذلك سبّ الدهر، وسبّ الريح، وسبّ مَن لا يستحقّ السَّب.

فالموحد والمؤمن مأمورٌ باجتناب ما ينقص إيمانه، ومأمورٌ بتعاطي ما يكمل إيمانه، فسبّ الدهر مما ينقص الإيمان، ويضعف الإيمان، ويضعف التوحيد، ويُغضب الله ؛ لأنَّ الدهر مخلوقٌ، مُدبَّرٌ، ليس بيده تصرُّفٌ، فهو مُدبَّرٌ من الله ، وهو الليل والنَّهار، فسبّه إيذاء لله، والعباد لا يضرُّون الله شيئًا، ولكن معاصيهم تُؤذي.

فينبغي للمؤمن بل يجب عليه أن يحذر المعاصي كلها؛ ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب:57]، فالمعاصي وأنواع الكفر والضَّلال كلها مُؤذية؛ لأنها تُغضبه سبحانه، فينبغي للمؤمن أن يحذرها، ويبتعد عنها، فسبّ الدهر هو سبّ الزمان والليل والنهار: قاتل الله هذه الساعة، لعن الله هذه الساعة، لعن الله هذا اليوم، قاتل الله هذا اليوم، لا بارك الله في هذا اليوم، وما أشبه ذلك، هذا من سبِّ الدهر، يعني: شتمه، أو لعنه، أو الدعاء عليه، هذا سبّه، أما وصفه بالشدة فليس من السَّبِّ: هذا يوم شديد، هذا يوم عسر، هذا يوم نحس، هذا ليس بسبٍّ، ليس من السَّبِّ، هذا يوم بارد، هذا يوم حار، هذا ليس من السَّب.

في الحديث يقول ﷺ: يقول الله : يُؤذيني ابن آدم؛ يسبّ الدهر، وأنا الدهر، أُقلب الليل والنهار، بيَّن معنى الدهر: أنه هو الذي يُقلب الليل والنهار، فسبّه سبٌّ للذي قلَّبه وخلقه، فلا يجوز للمؤمن أن يتعاطى ذلك، بل يحذر ويتوب إلى الله من ذلك.

في الرِّواية الأخرى: لا تسبّوا الدهر؛ فإنَّ الله هو الدهر يعني: مقلب الدهر، هو الدهر: مُقلبه وخالقه ومُصرفه، قد غلط مَن قال: إنَّ الدهر من أسماء الله. كابن حزم، فليس الدهر من أسماء الله، فإنما هو الزمان.

وقوله: هو الدهر يعني: خالق الدهر، ومُصرف شؤون الدهر، ومُكون الكائنات في الدهر.

فيجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن يصون لسانه عن مثل هذا.

ومثل هذا قوله ﷺ: لا تسبّوا الريح، هكذا سبّ الإبل، وسبّ الغنم، وسبّ الأشياء الأخرى، وكون المؤمن لا يسبّ إلا مَن يستحقّ السَّب، والسَّب الذي لا يجوز له يكون نقصًا في إيمانه، ونقصًا في توحيده، ونقصًا فيما شرع الله له من الدِّين.

فالواجب على المؤمن أن يصون لسانه عمَّا لا ينبغي، وأن يُطلق لسانه فيما ينفعه ويُرضي الله عنه: من ذكر الله ودعائه واستغفاره ، أما سبُّ الدهر وسبُّ المخلوقات التي لا تستحقّ السَّب فهو يُنهى عن ذلك.

وفَّق اللهُ الجميع.

باب التَّسمي بقاضي القُضاة ونحوه

في الصحيح عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: إنَّ أخنع اسمٍ عند الله رجلٌ تسمَّى: ملك الأملاك. لا مالك إلا الله.

قال سفيان: مثل: شاهان شاه.

وفي روايةٍ: أغيظ رجلٍ على الله يوم القيامة وأخبثه.

قوله: "أخنع" يعني: أوضع.

الشيخ: أراد المؤلفُ بهذه الترجمة بيان النَّهي عن الأسماء التي يكون لها تعلق بمشابهة أسماء الله ؛ لأنه جلَّ وعلا له أسماء يختصّ بها، ليس لأحدٍ أن يتسمَّى بها، مثل: الرحمن، ومثل: مالك الملك، ومثل: الخلَّاق والرَّزاق، ومثل: ربّ العالمين، وما أشبه ذلك، ومثل: حاكم الحكام، وسلطان السَّلاطين، وأشباه ذلك؛ ولهذا أراد التَّنبيه على هذا رحمه الله؛ لأنَّ من كمال التوحيد وتمام التوحيد عدم التَّسمي بهذه الأسماء، والتَّسمي بها نقصٌ في التوحيد، ونقصٌ في الإيمان، ودخولٌ فيما لا ينبغي؛ ولهذا ذكر المؤلفُ هذه الترجمة: (باب التَّسمي بقاضي القُضاة ونحوه) مثل: مالك الملوك، أو ملك الملوك، حاكم الحكام، سلطان السلاطين، وما أشبه ذلك.

وهذا يقع في بعض الدول، يُسمون: قاضي القضاة، يُطلقون، فهذا لا ينبغي؛ لأنَّ معنى "قاضي القضاة" حاكم الحكام، وإن كان مُرادهم حكام البلد أو نحوها، لكن إطلاقها غير مناسبٍ، أما لو قال: قاضي قضاة مصر، قاضي قضاة مكة، قيد، كان أسهل، وترك ذلك أولى، كأن يُسمى: رئيس القضاة، أو أمير القضاة، أو ما أشبه ذلك مما يبتعد به عن الصفة المطلقة.

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي ﷺ أنه قال: إنَّ أخنع اسمٍ عند الله أخنع يعني: أوضع وأذل، إنَّ أخنع اسمٍ عند الله ..... مثلما في قوله تعالى: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرحمن:78]، ما يقال: تبارك إسم ربك، تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ بإسقاط الهمزة في "اسم".

إنَّ أخنع اسمٍ عند الله رجلٌ تسمَّى: ملك الأملاك، لا مالك إلا الله، فأنكر النبيُّ ﷺ هذا الاسم؛ لأنه وصفٌ لا يليق به، هذا لا يليق إلا بالله جلَّ وعلا؛ فلهذا أنكره النبيُّ ﷺ؛ لأنه وصفٌ لا يليق بالمخلوق، فليس المخلوق ملك الأملاك، ولا ملك الملوك؛ فلهذا أنكر عليه قال: إنَّ أخنع اسمٍ عند الله رجلٌ يعني: أوضع اسمٍ وأخبث اسمٍ وأردأه رجلٌ تسمَّى: ملك الأملاك، لا مالك إلا الله.

قال سفيانُ بن عيينة: مثل: شاهان شاه عند العجم. عند العجم "شاهان شاه" يعني: ملك الملوك.

وفي روايةٍ: أغيظ على الله وأخبثه المعنى: أخنع يعني، وهذا يدل على أنَّ التَّسمي بهذا الاسم لا يجوز؛ لأنه تسمي بشيءٍ لا يليق بالمتسمي، ولا يُناسبه، وليس هو أهلًا له، بل هو رفع لنفسه في مقامٍ لا يليق به، وإنما يليق بالله وحده ؛ ولهذا جاء الشرعُ بإنكار هذا الاسم وأشباهه، وإنما يتسمَّى الإنسانُ بالأسماء التي تليق بالمخلوق: عبدالله، عبدالرحمن، عبدالكريم، عبدالعزيز، عبدالرحيم، محمد، صالح، عامر، أسماء معروفة، أما ملك الأملاك، وملك الملوك، أو حاكم الحكام، قاضي القضاة، سلطان السلاطين، أو ما أشبه ذلك مما يدل على التَّفضيل العام والوصف العام الذي لا يليق إلا بالله سبحانه، فلا يجوز للمخلوق أن يتسمَّى به، يعني: تكميلًا للتوحيد، وصيانةً لجنابه، وحرصًا على حفظ توحيده وإيمانه عن النَّقص.

وفَّق الله الجميع.

باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

عن أبي شريح أنه كان يُكنى: أبا الحكم، فقال له النبيُّ ﷺ: إنَّ الله هو الحكم، وإليه الحكم، فقال: إنَّ قومي إذا اختلفوا في شيءٍ أتوني، فحكمتُ بينهم، فرضي كلا الفريقين. فقال: ما أحسن هذا! فما لك من الولد؟ قال: شريح ومسلم وعبدالله. قال: فمَن أكبرهم؟ قلت: شريح. قال: فأنت أبو شريح رواه أبو داود وغيره.

الشيخ: يقول رحمه الله: (باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك) أراد بهذا الباب رحمه الله وجوب احترام أسماء الله، والحذر من امتهانها، أو احتقارها، أو تسمية غير الله بها من الأسماء التي يختصّ بها ؛ ولهذا قال: (وتغيير الاسم لأجل ذلك) يعني: لأجل احترامها وتعظيمها.

والأسماء قسمان:

أسماء لا يُسمَّى بها سواه : الرحمن، وخالق الخلق، وربّ العالمين، ورازق العباد، والرَّزَّاق، وأشباه ذلك.

وأسماء يُسمَّى بها غيره ، وللعبد فيها ما يليق به، ولله ما يليق به ، ومراده بها هنا، المراد هنا الأسماء التي لا تصلح لغيره .

عن أبي شريح: أنه كان يُكنى: أبا الحكم، فقال له النبيُّ ﷺ: إنَّ الله هو الحكم، وإليه الحكم، قال: إنَّ قومي إذا اختلفوا في شيءٍ أتوني فحكمتُ بينهم، فرضي كلا الفريقين. يعني: فلهذا سمُّوني: أبا الحكم، فقال النبي: ما أحسن هذا! يعني: ما أحسن هذا العمل: الإصلاح بينهم، والتوسط بينهم حتى يرضوا، وحتى تزول المنازعات، هذا شيءٌ مطلوبٌ، الإصلاح بين الناس أمر مطلوب، وجاءت فيه النصوص، والله يقول: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128].

فما لك من الولد؟ قلت: شريح ومسلم وعبدالله، قال: فمَن أكبرهم؟ قال: شريح، قال: فأنت أبو شريح.

هذا يدل على فوائد:

منها ما ذكره المؤلفُ من احترام أسماء الله، وتغيير الاسم لأجل ذلك؛ لهذا غيَّر اسمه من: أبي الحكم، إلى: أبي شريح.

وفيه من الفوائد: أنَّ الإنسان يُكنى بأكبر أولاده، هذا هو الأفضل؛ ولهذا قال: مَن أكبرهم؟ قال: شريح، قال: فأنت أبو شريح.

وفيه من الفوائد: شرعية الإصلاح بين الناس، وأنه شيء مطلوب، وأنه ينبغي لأعيان الناس وكُبرائهم ورُؤسائهم أن يتوسطوا بين جماعاتهم في النِّزاعات، وأن يحرصوا على إزالتها بينهم، والإصلاح بينهم؛ حتى لا تبقى الشَّحناء والعداوة، فالإصلاح بين الناس أصلح لقلوبهم من الحكم، فالحكم قد يحصل به حزازات، ولكن متى تصالحوا عن طيب نفسٍ، وعن رضا؛ كان أقرب إلى زوال الحزازات، وزوال ما في النفوس؛ ولهذا شرع اللهُ الإصلاحَ، وحثَّ عليه، ورغَّب فيه؛ حتى تحلّ محل النِّزاعات: المحبّة والمودة والأُلفة.

وهذا الحديث الذي رواه أبو داود، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه صالح للحُجَّة؛ ولهذا اعتمده واكتفى به رحمه الله؛ هو يدل على أنَّ التَّسمي بالحكم، أو بأبي الحكم، أمرٌ لا ينبغي، بل يُسمَّى بغير ذلك؛ لأنَّ هذا وصفٌ لله ، فهو الحاكم بين عباده، وله الحكم في الدنيا والآخرة: في الدنيا بشرعه، وفي الآخرة بنفسه ، يحكم بين الناس بنفسه جلَّ وعلا، فله الحكم، وإليه المرجع ، وهو الحاكم بين عباده. فلا يجوز أن يتسمَّى الإنسانُ بما هو وصفٌ خاصٌّ به ، فلا يقال: الحكم، ولا يقال: أبا الحكم.

ولكن يرد على هذا ما جاء في الأحاديث الصَّحيحة الكثيرة من تسمية الحكم والحكيم، ولم يُغيرهما النبيُّ ﷺ، وهي أصحّ من هذه الرواية، والحكم يكون بالشرع بين الناس، ولا يضرّه ذلك أن يسمى: الحكم، ويسمى: القاضي، ويسمى: الحاكم، فهذا مما يدل على أنَّ هذا المتن فيه نظر، في صحَّته نظر، فقد أقرَّ النبيُّ ﷺ أسماء مثل: حكيم بن حزام، ومنها الحكم بن عمرو الغفاري، وأسماء أخرى، ولم يُغيرها، فلو كانت مُنكرةً لغيَّرها عليه الصلاة والسلام.

فهذا يدل على أنه لا بأس بها، لا بأس أن يسمى: بالحكم، أو بأبي الحكم، أو بالحكيم، كل هذه أسماء من أسماء الصحابة لم يُغيرها عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على أنَّ هذا الحديث فيه نظر، يحتاج إلى تأمل وجواب يأتي إن شاء الله.

وفَّق اللهُ الجميع.

س: بعض أسماء الله في الصحف تُرمى في القمامة؟

ج: ما هو من الامتهان، أسماء الله تُكتب في الصحف من باب التَّذكير، ولكن الإثم على مَن رماها في القمامة، وليس على مَن كتبها.

..............

س: إذا كان له أخٌ محتاجٌ هل يُعطيه من الزَّكاة؟

ج: إذا كان فقيرًا يُعطيه.

................