فالرقى جائزة بأمور ثلاثة:
الأول: أن تكون بلسان معروف المعنى ليس فيه جهالة.
والشرط الثاني: أن يكون ذلك المعنى سليمًا ليس فيه ما يخالف الشرع المطهر.
والشرط الثالث: ألا يعتمد عليها بذاتها بل يعتقد أنها سبب من الأسباب إن شاء الله نفع به وإن شاء السبب لم ينفع.
بهذه الشروط الثلاثة تكون الرقى جائزة عند أهل العلم لقول النبي ﷺ: لا بأس بالرقى مالم تكن شركًا رواه مسلم، ولأنه ﷺ رقى ورقي عليه الصلاة والسلام، والصحابة فعلوا ذلك، فلا حرج في الرقى إذا كانت بهذا المعنى إن كانت معروفة المعنى في آيات، وفي الدعوات المعروفة، والمعنى بشرط أن يكون المعنى ليس فيه محذور، إذا كان فيه توسل بالشياطين، أو توسل بحق فلان، أو جاه فلان منع ذلك، أو كان فيه حروف مقطعة مجهولة يمنع ذلك، لا بدّ أن يكون معروف المعنى، سليم المعنى، ليس فيه شيء يخالف الشرع، ومع عدم الاعتماد عليها، بل يعتقد أنها سبب.
وأما التولة كما يأتي فقد بينها المؤلف أنها شيء يصنع لتحبيب الرجل إلى امرأته والمرأة إلى زوجها ...، يتعاطها النساء، أغلب النساء يتعاطاها، النساء يصنعون أشياء بواسطة الجن والشياطين يزعمون أنه يحصل به تحبيب الرجل إلى امرأته، والمرأة إلى زوجها يسمونه الصرف والعطف، وهو نوع من السحر، والسحر كله منكر، وكله كفر وضلال، قال تعالى عن هاروت وماروت: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ الآيات [البقرة:102] الآية.
وفي الحديث الأول: حديث عبدالله بن مسعود يقول ﷺ: إن الرقى والتمائم والتولة شرك، والحديث الثاني: حديث عبد الله بن عكيم: من تعلق شيئًا وكل إليه فهذا يدل على أنه ينبغي للمؤمن أن يعتمد على الله، وألا يعتمد على غيره، فإذا وكل إلى الله فقد وكل إلى الخير والسعادة والصلاح، قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3] يعني كافيه.
فالواجب على أهل الإيمان أن يتوكلوا على الله في كل أمورهم، وأن يعتصموا بحبله، وأن يعتمدوا عليه في كل شيء، مع الأخذ بالأسباب من الأدوية والأعمال الصالحة، واتقاء ما يضر، فالأسباب لا بدّ منها، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن. فالأخذ بالأسباب أمر لازم، فعليه أن يستقيم على طاعة الله التي فرض عليه، ويدع محارم الله، هذه أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، وعليه أن يأكل ويشرب ويتعاطى أسباب العافية وأسباب السلامة لنفسه من الموت، ويأخذ بالأسباب الأخرى التي تنفعه من طلب الرزق والبيع والشراء والزراعة، كل هذه أسباب شرعية مباحة يستعين بها على طاعة الله، وعن الاستغناء عما في أيدي الناس.
فالأسباب ما بين جائز وما بين واجب، فعليه أن يتعاطى الأسباب الجائزة والواجبة، ولا يأبى ذلك، أو يعتقد أن ذلك يقدح في التوحيد أو يضره، كل هذا غلط، بل ترك الأسباب يقدح في العقل والتوحيد جميعًا، وينبغي للمؤمن أن يتعاطى الأسباب ويأخذ بالأسباب الجائزة والمشروعة والواجبة، ويدع ما حرم الله من الأسباب التي حرمها كالسحر، والتمائم والتولة، وأكل الحرام، وظلم الناس، وما أشبه ذلك مما حرم الله.
والتمائم عرفتها، وأنه شيء يعلق على الأولاد وعلى المرضى عن العين، لكن إذا كان المعلق من القرآن فقد رخص فيه بعض العلماء وأجازوه، ونهى عنه آخرون وحرموه، وممن حرمه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، ومن روي عنه الجواز عبدالله بن عمرو، والصواب التحريم، وهو الذي يدل عليه الأدلة العامة، فإن الرسول ﷺ قال: من تعلق تميمة فلا أتم الله له، من تعلق تميمة فقد أشرك كما تقدم في الباب السابق.
والواجب حسم هذا الباب والقضاء عليه بالكلية، وألا يجوز منه شيء لأنه متى فتح الباب جاءت تمائم محرمة ومنكرة، والرسول صلى الله عليه وسلم منع منعًا باتًا ولم يستثن شيئًا، فوجب منع التمائم كلها عملًا بالأحاديث العامة وسدًا لذرائع الشرك.
وأما الرقى فعلى التفصيل فيها، وأنه ما كان منها من الآيات القرآنية، أو ما جاء في الأحاديث النبوية، أو من دعوات معروفة لا بأس بها، فلا بأس، وما كان مجهولًا أو فيه محذور شرعي فإنه يمنع ويشترط .. ألا يعتمد على الرقى بنفسها، بل يعتقد أنها من الأسباب التي شرعها الله، إن شاء الله نفع بها وإن شاء .. .
وأما السحر كله بجميع أنواعه فهو ممنوع، ومنه التولة التي هي الصرف والعطف، فهذا ممنوع ومذموم لأنه لا يتوصل إليه إلا بالكفر، إلا بطاعة الشياطين وعباداتهم، فوجب منع ذلك وسد بابه بالكلية، رزق الله الجميع العافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.
س: العزائم؟
ج: العزائم هي الرقى تسمى العزيمة الرقى.