ولهما عن زيد بن خالد قال: «صلى لنا رسول الله ﷺ صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب.
ولهما من حديث ابن عباس بمعناه، وفيه: قال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآية: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [الواقعة:75] إلى قوله: تُكَذِّبُونَ [الواقعة:82].
الشيخ: هذا الحديث الصحيح، حديث زيد بن خالد الجهني في باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء، تقدم حديث أبي مالك الأشعري وأن من سنة الجاهلية وأخلاقهم الاستسقاء بالأنواء، بالنجوم، وقولهم: مطرنا بنوء كذا، ولقد صدق نوء كذا، وأن الرسول ﷺ أنكر ذلك وبين بطلانه، وأن الله جل وعلا هو الذي يسقي العباد، وينزل المطر، ويغيث عباده لا سواه، فالأنواء ليس لها تصرف في ذلك، وإنما خلقها الله زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها في البر والبحر، وهذا الحديث -حديث زيد- يبين هذا المعنى.
حديث زيد بن خالد الجهني يقول: صلى بنا رسول الله ﷺ ذات ليلة على إثر سماء من الليل بعد الصبح، وعلى إثر سماء يعني على إثر مطر، سمي المطر سماء لأنه ينزل من جهة العلو من جهة السماء، فلما انصرف من صلاته أقبل على الناس، وكانت هذه عادته ﷺ إذا سلم انصرف إلى الناس يقول أولًا: أستغفر الله ثلاثًا، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى الناس ويعطيهم وجهه ويقابلهم عليه الصلاة والسلام، ويكمل الأذكار الشرعية التي بعد الصلاة، فلما انصرف إليهم وأعطاهم وجهه قال: أتدرون ماذا قال ربكم؟ يعني وعظهم وذكرهم، وقال في ذلك: أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! هذه عادة الصحابة إذا سئلوا عما لم يعلموا يقولون: الله ورسوله أعلم، هذا هو الواجب على كل إنسان لا يعلم إذا سئل أن يقول: الله أعلم، أو يقول: لا أدري، وفي حياة النبي ﷺ يقول: الله ورسوله أعلم لأنه يأتيه الوحي من السماء، فلهذا يقول: الله ورسوله أعلم، أما بعد وفاته فيقال: الله أعلم؛ لأنه ﷺ بعد وفاته لا يدري ماذا يحدث، انقطع ولا يدري ماذا يحدث في الناس، ولهذا يقال له يوم القيامة حين يؤخذ بعض الناس عن حوضه عليه الصلاة والسلام فيقول: أصحابي أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، قال: فأقول كما العبد الصالح: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة:117]، فهو لا يدري ماذا يقع بعده من الناس إلا ما أطلعه الله عليه، كصلاتنا عليه الصلاة والسلام، فإنه قال: صلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم عليه الصلاة والسلام، فيقول الإنسان إذا سئل عما لا يعلم بعد وفاة النبي ﷺ يقول: الله أعلم، أو لا أدري، وهذا من العلم، هذا من الأدب أن يقول لا أدري، لا يعلم ولا يتكلف ولا يقل بغير علم، ولهذا قال بعض السلف: نصف العلم لا أدري، لأن العلم شيئان: شيء تعرفه، وشيء لا تعرفه، فلا أدري نصف العلم. فقالوا: الله ورسوله أعلم فقال: قال -يعني الرب -: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر يعني هذه الليلة التي فيها المطر أصبح منهم كافر ومنهم مؤمن فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب يعني مؤمن بالله لأنه منزل الأمطار ومغيث العباد ، وهو من فضله ورحمته حيث أغاثهم وتفضل عليهم، هذا من فضله وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب هذا يبين لنا أنه لا يجوز أن يقال: مطرنا بنوء كذا، وأنه من أنواع الكفر، ولا يقال: صدق نوء كذا عند نزول المطر، صدق نوء كذا، ولا سقينا بنجم كذا، ولا بنوء كذا، ولكن يقال: مطرنا بفضل الله ورحمته، اللهم صيبًا نافعًا كما بينه النبي عليه الصلاة والسلام.
وقوله: مطرنا بنوء كذا إن أراد بذلك أن النوء هو الذي أحدث المطر وهو المتصرف في الكون هذا كفر أكبر نعوذ بالله، وإن قال: مطرنا بنوء كذا ظنا منه أنه سبب فهذا أيضًا من أنواع الكفر وإن كان كفرًا أصغر لإطلاق الحديث عليه، مطرنا بنوء كذا يعني بسبب نوء كذا فليس له التسبب، بل كله من الله ، فالكوكب لا يحدث ولا ينزل مطرًا، وليس بسبب، وإنما هو ظرف من الظروف تقع فيه الحوادث كما تقع في الأيام والليالي، فهو ظرف وليس بمحدث ولا بمتسبب، ولهذا أنكر الرب على من قال ذلك، فلا يجوز أن يقال: مطرنا بنوء كذا ولو أراد أنه الظرف لا يعبر بهذا التعبير، أما إذا قال: مطرنا في وقت كذا، ومطرنا في الصيف، مطرنا في الشتاء، مطرنا في زمن الربيع، مطرنا في وقت الثريا، في وقت كذا، لا بأس من باب الإخبار عن الوقت، أما بنوء كذا فلا يجوز لإطلاق النهي عن ذلك عن النبي ﷺ عن الله ، وهكذا قول: لقد صدق نوء كذا، فمن هذا الباب حديث ابن عباس فلا يجوز ولكن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته.
ثم أنزل الله فيها قوله تعالى: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [الواقعة:75] إلى قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة:82] يعني تجعلون حظكم من نعم الله وفضله أنكم تكذبون بذلك بقولكم مطرنا بنوء كذا، أو لقد صدق نوء كذا، فالواجب هو الاعتراف بنعمة الله لله، وأنه من فضله ومن إحسانه إلى عباده، وأنه يجب الحذر من أعمال الجاهلية وأخلاق الجاهلية وألفاظ الجاهلية كمطرنا بنوء كذا، أو لقد صدق نوء كذا، أو لقد صدق الحاكم الفلاني، أو ما أشبه ذلك مما يوهم أن هذه النجوم أن لها تصرفًا أو تسببًا في هذا الغيث، بل بفضل الله ورحمته جل وعلا، وليس لها تسبب، وإنما هي زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها، ليس لها تعلق بالأمطار، ولا بالحوادث والتنجيم، الذي يعلق الحوادث بالنجوم هو المنكر، قد أنكره العلماء وبينوا أنه كفر وضلال وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على حوادث الأرض فهذا هو المنكر، أما إذا قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فهذا هو الحق، أو قال: مطرنا في وقت كذا، في الربيع، في وقت الصيف، في رجب، في شعبان، في وقت النجم الفلاني، في وقته المطر نزل في وقت كذا وكذا، في نوء الثريا، في نوء كذا لا بنوء كذا، وإنما هو عن وقت يعرف أو يضبط، فهذا لا دخل له في ذلك ولا يضر.
وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.
س: هذا منخفض جو هذا المطر؟
ج: ما عليك من المنخفض أقول ما عليك .. المنخفض ما عليك.
س: إذا غاب النجم من .. قالوا هذا شرط بعضهم يتشاءم من .. الأرض وبعضهم..؟
ج: هذا باطل دليل على الجاهلية .. من أعمال الجاهلية، والله المستعان، سبحانك اللهم وبحمدك.