باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء
وقول الله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة:82].
وعن أبي مالك الأشعري أن رسول الله ﷺ قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة.
وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب رواه مسلم.
الشيخ: "باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء" الاستسقاء: طلب السقي، طلب المطر، يعني: طلب الغيث، والاستسقاء شرعه الله لطلبه سبحانه والضراعة إليه والاستغاثة به أن يغيث العباد عند وجود الجدب والقحط، بدلا مما عليه أهل الشرك من الاستسقاء بالنجوم وطلبها والضراعة إليها والميل إليها والتعلق بها.
شرع الله للعباد أن يدعو ربهم عند وجود القحط ويسألوه الغيث والمطر حتى يزيل ما بهم من جدب وحاجة، وشرع لذلك صلاة مستقلة، وشرع الاستسقاء بدون صلاة، وفي الخطب خطبة الجمعة وغيرها كله ضراعة إلى الله، وكله دعوة له وتوجه إليه بخالص الدعاء حتى يغيثهم، أما الكفار فكانوا يستسقون بالأنواء وهي النجوم ..... عشرون نوءًا ... القمر والشمس في مدارهما، القمر في الشهر، والشمس في السنة، يقال لها: أنواء، ويقال لها: النجوم، وكان من عادة الجاهلية الاستسقاء بها والاستغاثة بها وهذا من شركهم وضلالهم وجهلهم، قال تعالى: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [الواقعة:75] إلى أن قال: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة:82] أخبر سبحانه أنه جعلوا حظهم ونصيبهم تكذيبهم بما أخبر الله به وأنه ينزل المطر وأنه المغيث وأنه بيده التصرف، فجعلوا يسألون النجوم يستغيثون بها ويستسقون بها بزعمهم أنها واسطة، وأنها تفعل ذلك بإذن الله، فكذبهم الله وبين أنه الذي يسقي ويغيث وليس عند هذا النجوم شيء من هذا، ووجب على أهل الإيمان الأخذ بما بينه الرسول ﷺ والتمسك به واطراح ما عليه أهل الجاهلية، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام من حديث أبي مالك الأشعري: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة. وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة يعني: من قبرها وعليها سربال من قطران سربال: يعني ثوب لباس ودرع من جرب عقوبة لها عند قيامها من القبر غير عقوبة النار، نسأل الله العافية، هذا يبين لنا أن هذه أمور الجاهلية، وأن الغالب على الأمة عدم تركها، وأنه يوجد فيها هذا شيء. أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن يعني: لا يزال في الناس من يتعاطاها ويتأسى بالكفرة: الفخر بالأحساب أنا ولد فلان وأنا كذا وأنا كذا يحتج به على باطله أو على ما يدعيه من أمور ليتعظم بها ويفخر بها على الناس، والأحساب ما يكون في الآباء من مآثر من شجاعة أو جود وكرم أو ما أشبه ذلك من التي تعد كرامة للرجل فيفخر بها أولاده للترفع على الناس، والتعظم بين الناس، وهذا من سنة الجاهلية، فإن رفعة الإنسان بعمله واجتهاده وما يتعاطاه من خير، هذا هو الذي يزكيه عند الله وعند المؤمنين، أما عمل آبائه فلهم، وعمل أجداده لهم وليس له .
والطعن في الأنساب كذلك هذا من سنتهم، يتنقصون الأنساب فلان فيه كيت، وفلان فيه كيت، فلان نجار، فلان حداد، على سبيل التنقص والعيب لا على سبيل الخبر، أما الإخبار لا بأس فلان حداد نجار خراز حراث ما فيه بأس من باب الإخبار؛ لكن الذي يذم التحدث عنه من باب التنقص من باب العيب من باب الاحتقار هذا هو المذموم الذي كانت تتعاطاه الجاهلية.
الثالثة: الاستسقاء بالنجوم كون يستسقون بالنجوم بنجم كذا وبنوء كذا أو يسألونها مباشرة هذا من سنة الجاهلية.
ومن سنتهم الأمر الرابع: النياحة إذا مات ميتهم صاروا يصيحون، ويشقون الثياب، وينشرون الشعور، ويحثون التراب على الرؤوس؛ هذا من سنة الجاهلية، وكل هذا بقي في بعض المسلمين، كل هذه باقية في بعض المسلمين ورثوها عن الجاهلية، فيجب على المسلم أن يتجرد منها، وأن يتخلص منها، وألا تبقى فيه هذه السنة الجاهلية، وإن بقيت في بعض الناس لكن ينبغي على المؤمن على أن يحاربها وأن يبتعد عنها، وأن ينكرها على من فعلها؛ لأنها سنة جاهلية.
وقال عليه الصلاة والسلام: ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية وقال عليه الصلاة والسلام: أنا برئ من الصالقة والحالقة والشاقة والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، كل هذا من سنة الجاهلية يجب التخلص منه والحذر منه.
ثم قال ﷺ مؤكدا للتحذير: النائحة عبر بالمرأة لأن الغالب أنه من فعل النساء، الغالب أن هذا النوح من فعل النساء، وقد يفعله الرجال لكن الغالب أن من يتعاطى هذه الأمور هن النساء، النوح ونتف الشعر وشق الثياب الغالب عليه أنه من عمل النساء، وهو محرم على الجميع، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران لأنه أشد في اشتعال بالنار، نعوذ بالله والأذى إذا كان من القطران ودرع من جرب، يكون فيه الأذى والحكة والشر على من لبس هذا الدرع، والحاصل من هذا أنه بيان لسوء عاقبتها، وسوء منقلبها، وسوء انتشارها من قبرها، نسأل الله العافية لهذا العمل السيئ إلا أن تتوب، فمن تاب تاب الله عليه، من تاب من الذنوب من الشرك أو من المعاصي تاب الله عليه، ولهذا قال: إذا لم تتب قبل موتها فالتوبة تكون قبل الموت، فمن تاب قبل الموت توبة صادقة من شرك أو معصية محاها الله عنه إذا ندم على المعاصي وأقلع من المعصية وعزم ألا يعود فيها تعظيما لله ورغبة فيما عنده تاب الله عليه من سائر الذنوب فضلًا منه وإحسانًا .