باب (28) ما جاء في التنجيم
قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: "خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها. فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه، وكلف ما لا علم له به" انتهى.
"وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه". ذكره حرب عنهما. ورخص في تعلم المنازل أحمد، وإسحاق، وعن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، ومصدق بالسحر، وقاطع الرحم رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه.
الشيخ: ما جاء في التنجيم في كتابه "كتاب التوحيد" لما كان التنجيم شائعًا بين الناس، وله من يتبعه، ويبني عليه أشياء ذكر هذا في كتاب التوحيد تنبيهًا على بطلان التنجيم، والتنجيم مصدر نجم ينجم تنجيمًا يعني حزر، وحدث فيما يعتقده في النجوم، والتنجيم هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، يسمى تنجيمًا، يعني: النظر في النجوم، واستماعها، واستراقها، وطلوعها، وغروبها، وتقاربها، وتباعدها، يستدلون به على أنه يقع كذا في الأرض، ويقع كذا، ويقع كذا، وهو باطل، وهو من دعوى علم الغيب الباطلة التي أبطلها الله في قوله سبحانه: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، وفي قوله سبحانه: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [هود:123]، الآية، المقصود: أن التنجيم من دعوى علم الغيب، وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية هذا هو مقصود المؤلف من هذا الباب، لبيان التحذير منه، أما النظر في النجوم من باب التفكير، من باب منازل القمر؛ حتى تعلم الأوقات أوقات الصلوات، وحتى تعلم القبلة، وتعلم الطرقات، هذا لا بأس به كما قال أحمد، وإسحاق، وإن كرهه قتادة، وكرهه ابن عيينة، ولم يروا التفصيل، لكن الصواب جواز تعلم المنازل؛ لمعرفة جهات القبلة في الأسفار، والبلدان، ولمعرفة أوقات الصلوات عند الغيم، وعند الحاجة إلى ذلك، هذه أمور لا بأس بها، ولأوقات الحراثة والفلاحة التي يحصل بها كذا في وقت كذا، أو في وقت كذا، وهذا لا بأس به.
قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث، قتادة هو: ابن دعامة –بالكسر-، السدوسي في سن كبار التابعين، المعروفين بالرواية عن جماعة من الصحابة، وهو من الثقات المعروفين، وكره قتادة تعلم منازل القمر، فقال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك، وزعم أنها تدل على كذا، أو كذا من علم الغيب فقد أخطأ، وأضاع نصيبه من الآخرة، وتكلف ما لا علم له به، قال الله جل وعلا: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ [الملك:5]، وقال تعالى: وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل:16]، وقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام:97] هذا هو علم المنازل للتسيير، هذه من فوائدها، وأما الاستدلال بها على أنه يولد كذا، ويكون موت كذا، ويزول ملك كذا، ويحدث كذا، هذا كله لا أصل له، بل هو باطل، ولهذا قال: وكره قتادة -المذكور- تعلم المنازل، منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه، وهو سفيان بن عيينة المعروف، العلامة المشهور، المتوفى سنة 198هـ، هذا قول لهما، وهو ضعيف مرجوح عند أهل العلم، ورخص بتعلم المنازل أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وذلك لا بأس به كما تقدم فإن منازل القمر، والشمس يعرف بها الأوقات، أوقات الصلوات، وجهات القبلة، وجهات الرياح، وطرق البلاد، وما أشبه ذلك، كما قال الله جل وعلا: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام:97].
وقال أبو موسى - وهو الأشعري عبد الله بن قيس الأشعري ، صحابي جليل، يماني - عن النبي ﷺ قال: ثلاث لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر -هذا وعيد شديد- ما هو من باب الوعيد؛ لأن إدمان الخمر من كبائر الذنوب، وصاحبه تحت المشيئة إذا مات على ذلك، أما إن تاب، فالتائب لا ذنب له، ولكن مدمن الخمر إذا كان لم يستحلها؛ فهو عاص، فإن استحلها؛ فهو كافر نعوذ بالله!-، وقاطع الرحم كذلك، قطيعة الرحم من الذنوب العظيمة، والكبائر، كما قال ﷺ: لا يدخل الجنة قاطع رحم، فهذه قطيعة الرحم من أكبر الكبائر، وكذلك إدمان الخمر من أكبر الكبائر يقول النبي ﷺ: لا يشرب الخمر حين يشربها، وهو مؤمن، ويقول ﷺ: إن حقًا على الله من الناس من يشرب الخمر أن يسقيهم من طينة الخبال قيل يا رسول الله ما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار، أو قال: عرق أهل النار، وهذا من باب الوعيد، وقد يدخل الجنة من أول وهلة، ويعفى عنه، وقد يعذبون في النار بقطيعة الرحم، وإدمان الخمر، ثم يكون له نهاية إذا ماتوا على التوحيد، والإسلام يخرجون من النار إلى الجنة كسائر العصاة؛ لقوله تعالى: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] أما المصدق بالسحر فهذا هو الذي يدخل الكفر إذا صدق بأن السحر حق، وأنه يغير كذا، ويغير كذا، وأن صاحبه على حق، وأنه مصيب، أو أن صاحبه يعلم الغيب فهذا يكون كفرًا، ويكون صاحبه ضالًا، وكافرًا، أما إذا صدق بأنه موجود، وأن له تأثير، ولكنه حرام، ومنكر فهذا لا حرج عليه، السحر موجود، وقد أخبر الله عن وجوده قال: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ [البقرة:102] فالسحر موجود، ولكنه مما يتألف من خدمة الشياطين، وعبادتهم من دون الله فالذي يصدق به، ويرى أنه صواب، وأنه دين، وأنه جائز، ولو كان فيه شركًا أكبر، وعبادة الشياطين هذا يكون كافرًا، والعياذ بالله فلهذا توعد بعدم دخول الجنة.
أما من اعتقد وجوده، وأنه موجود، لكنه منكر، يجب محاربته، ويجب القضاء عليه، ومحاربة أهله، وقتلهم هذا هو الحق، فإن السحرة يجب قتلهم، ولا يستتابون لفسادهم في الأرض كما تقدم في الباب..، وفق الله الجميع، وصلى الله على نبينا محمد.
س: قوله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ [الجن:23]، ما معناه؟
الشيخ: هذا وعيد، لكن إذا أطلق فهو في الكفرة، وأما العصاة فهم تحت المشيئة.