27 باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

روى مالك في الموطأ: أن رسول الله ﷺ قال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.

 ولابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النجم:19] قال: "كان يلت لهم السويق فمات، فعكفوا على قبره".

وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: "كان يلتُّ السويق للحاج".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُّرج" رواه أهل السنن.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فهذا الباب كالبابين قبله أراد المؤلف بهذه الأبواب التحذير من الغلو في قبور الصالحين والأنبياء والملائكة وغيرهم، أن الواجب على المؤمن الحذر من الغلو في الصالحين مطلقًا أنبياء أو ملائكة أو غيرهم، يجب الحذر من ذلك؛ لأن من قبلنا ابتلوا بهذا الشيء ووقعوا فيه: من اليهود والنصارى، فالواجب الحذر من ذلك، ولهذا تقدم قوله رحمه الله: "باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم الغلو في الصالحين" وتقدم قوله: "باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده"، ثم ذكر الباب هنا: "باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله" والمقصود من هذا الحذر من الغلو في أهل الصلاح، سواء كانوا أنبياء أو ملائكة أو غيرهم.

فالواجب أن ينزلوا المنزلة التي أنزلهم الله إياها؛ فلا يدعون مع الله، ولا يستغاث بهم، ولا ينذر لهم، ولا تتخذ قبورهم مساجد ولا يطاف بها، إلى غير ذلك.

وقد وقع هذا في بني إسرائيل فاتخذوها مساجد، وعبدوهم من دون الله من اليهود والنصارى، ووقع في هذه الأمة الذي خافه ﷺ، وقع في هذه الأمة فاتخذت كثيرًا من القبور آلهة تعبد من دون الله، كما وقع في كثير من الأمصار، كما وقع في مصر عند قبر الحسين والبدوي وغيرهما، وفي العراق عند قبر أبي حنيفة وعند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني، وقبور أخرى، فالواجب على أهل الإسلام الحذر من هذه الفتنة والبلية.

أما زيارة الصالحين للسلام عليهم والدعاء لهم لا بأس، يقول النبي ﷺ: زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة فالزيارة للذكرى والدعوة للأموات هذا لا بأس به، أما أن يزاروا ليدعوا من دون الله ليصلى عند قبورهم ليعكف عند قبورهم ليتبرك بها هذا هو المنكر.

وإذا كان الأمر فوق ذلك بأن دعوا مع الله واستغيث بهم صار الأمر أكبر، وهذا الشرك الأكبر.

روى مالك في الموطأ عن النبي ﷺ أنه قال: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله.. "مالك": هو مالك بن أنس بن مالك ابن أبي عامر الأصبحي رحمه الله، إمام دار الهجرة في زمانه، أحد الأئمة الأربعة، المتوفى سنة 179 رحمه الله، "رواه مالك في موطئه" كتاب جمع فيه آثارًا وأخبارًا سماها الموطأ عن النبي ﷺ، مرسلاً عن زيد بن أسلم، ويروى مرفوعًا متصلاً عن النبي ﷺ أنه قال: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فهذا يبين أن اتخاذ القبور مساجد تسمى أوثانًا إذا عبدت من دون الله صارت أوثانًا، مثلما تعبد الأصنام والأشجار والأحجار.

اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يعني: مصلى يصلون عندها سواء عبدوها أو ما عبدوها، لا يجوز؛ لأن الصلاة عندها وسيلة إلى الشرك بها.

وهكذا فعلوا مع اللات كما روى ابن جرير، شخص كان يلت السويق للحاج في الطائف، فلما مات عكفوا على قبره وعكفوا على الصخرة التي كان يلت عليها، كان يساعد الحاج يلت لهم السويق، ويساعدهم، فقالوا: هذا رجل صالح فعبدوه من دون الله واستغاثوا به وصار وثنًا معروفًا عند الجاهلية، وهكذا مناة في الجاهلية صخرة تعبد في المشلل عند قديد في طريق المدينة إلى مكة، فأنزل الله في هذا قوله سبحانه: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ۝ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ۝ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ۝ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ۝ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:19-23].

فالواجب الحذر مما فعله أولئك لا مع القبور ولا مع الأصنام ولا مع غير ذلك؛ لأن ما وقع فيه الأولون يوجب لنا الحذر حتى لا يصيبنا ما أصابهم، فلما وقع الأولون في الغلو في اللات والعزى ومناة وفي غيرها وجب على المتأخرين أن يأخذوا حذرهم وألا يتشبهوا بأولئك الهالكين.

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله ﷺ زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج، وفي اللفظ الآخر: لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور، والمتخذين عليها مساجد.

الشاهد قوله: المتخذين عليها المساجد والسرج، زوارات القبور النساء، لكن المقصود من الحديث ذكر المتخذين عليها المساجد والسرج؛ لأن اتخاذ المساجد عليها وإسراجها وتعظيمها وسيلة إلى تعظيمها بالشرك بعبادتها من دون الله، وأما زيارة النساء فمسألتها معروفة لا يجوز زيارة النساء؛ لأنهن ضعيفات قليلات الصبر، فمن رحمة الله ومن إحسانه أن منعهن من الزيارة، كانت الزيارة مشروعة للجميع ثم منعن من الزيارة، أقرت زيارة الرجال، ومنع النساء من الزيارة، وكان النبي ﷺ أولاً نهى عن الزيارة مطلقًا، لما كان الناس حديثي عهد بشرك، ثم رخص النبي ﷺ في الزيارة ثم منعت النساء؛ لأنهن ضعيفات وصبرهن قليل، فمن رحمة الله منعن من الزيارة، أما الرجال فيشرع لهم الزيارة للذكرى زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة كان النبي يزوروها عليه الصلاة والسلام، ويقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، وعلم أصحابه ذلك عليه الصلاة والسلام، فهي تشرع للرجال للذكرى ذكر الموت والآخرة والدعاء للموتى بالمغفرة والرحمة، أما اتخاذ المساجد على القبور فهي من وسائل الشرك، وإذا كان مع ذلك إسراج وتنوير وتطييب كان الأمر أشد وأخطر.

نسأل الله السلامة والعافية.

وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: قول: تبارك المجالس بوجودكم؟

ج: ما يجوز، تبارك من أوصاف الله، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54] تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] لكن يقول: بارك الله فيك، بارك الله في زيارتك، بارك الله لنا فيك، وما أشبه ذلك.

س: في المسائل أنه ﷺ لم يستعذ إلا مما يخاف وقوعه؟

ج: نعم، وقد وقع، خاف وقوعه، وقد وقع واشتهر.

س: تفسير العبادة في المسائل؟

ج: أيش فيها.

س: قال في المسائل تفسير العبادة؟

ج: لأنها من العبادة هي، يعني: دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات ودعاء الميت هذا عبادة لأنه قال: اللهم لا تجعل قبري وثن يعبد يعني: يدعا من دون الله ويستغاث به من دون الله، فالعبادة دعاء الميت والاستغاثة بالميت عبادة له، كما أنها مع الله عبادة لله: اللهم اغفر لي عبادة لله، اللهم ارحمني عبادة لله، اللهم أدخلني الجنة عبادة لله، اللهم أنجني من النار عبادة لله، اللهم ثبتني على الحق عبادة لله، فإذا قالها المخلوق يا سيدي فلان انصرني أو أنا في جوارك فقد عبده.

س: إذا استغاث بقبر أحد الصالحين وهو جاهل هل يكفر؟

ج: نعم شرك أكبر، نسأل الله العافية، هذه من الأمور التي ما تخفى بين المسلمين.

س: إذا كان جاهلا يكفر؟

ج: ولو، هذا من الكفر الأكبر ولا يعذر بقوله: إني جاهل، هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، لكن إذا كان صادقا يبادر بالتوبة.

س: في بعض البلدان يطوفون؟

ج: نعم في الشام وفي مصر وفي غيرها.

س: طيب يكفرون؟

ج: نعم، نعم الرسول كفرهم، والمسلمون قاتلوهم، قاتلوا الوثنيين وفيهم العامة الذين ما يعرفون شيئا تبع ساداتهم.

س: والذبح؟

ج: الذبح لغير الله شرك: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لَا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163]

س: خاصة في دول؟

ج: العامة تبع القادة نعم، تبع الكفار، تبع اليهود والنصارى وأشباههم، قادتهم تبع لهم، نسأل الله العافية، عامتهم تبع لهم.

س: الدعاء بجاه النبي ﷺ؟

ج: من الوسائل، ما يجوز اللهم إني أسألك بجاه النبي، هذا ما يجوز أو اللهم إني أسألك بنبيك أو بالصالحين أو بجاه الصالحين.

س: من قال أنه لا يكفر حتى تقام عليه الحجة؟

ج: الحجة قائمة؛ لأن الله جل وعلا قال: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ [إبراهيم:52] كتابه بلاغ للناس وقد بلغ المشرق والمغرب وأكثر الناس أعرضوا عن القرآن ولا يريدونه، قول شيخه وقول إمامه عنده أكبر من القرآن.