24 باب قول الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}

باب قول الله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56]

وفي الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ﷺ وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل، فقال له: يا عم قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي ﷺ، فأعادا، فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال النبي ﷺ: لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك فأنزل الله : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة:113].

وأنزل الله في أبي طالب: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].

الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد عقد المؤلف رحمه الله هذا الباب تأكيدًا لما تقدم لبيان أن التوحيد والإخلاص لله لا بدّ منه وأن أقرب قريب للأنبياء كالأب والعم ونحو ذلك لا تنفعه قرابته إذا لم يسلم ولهذا  قال جل وعلا: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، وقال سبحانه: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272] فيبين من هذا الباب ما ذكر من الآية والحديث أن الأنبياء ليس في أيديهم هداية أحد وإنقاذهم من النار، وإن هذا بيد الله ، وإنما الذي في يد الأنبياء والعلماء والدعاة هو التبليغ هو البيان هو الدعوة هو الإرشاد هو النصيحة أما هداية القلوب وتوفيق القلوب وردها إلى الصواب فهذا بيد الله سبحانه وتعالى هو الذي يهدي من يشاء، ولهذا قال : إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56] يعني يا محمد لا تهدي من أحببت هدايته كأبيه وأمه وعمه ونحو ذلك وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] في صحيح البخاري رحمه الله عن سعيد بن المسيب، المسيب هو ابن حزن، يقال له: المسيب بفتح السين، ويقال: المسيب، والمشهور بالفتح المسيب بن حزن المخزومي عن أبيه المسيب صحابي قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، أبو طالب عم النبي ﷺ، وكان ينصر النبي ويحوطه ويحميه وهو على دين قومه، أبو طالب على دين قومه ومع هذا سخره الله ليحمي نبيه ﷺ وينصره ويحميه من أعدائه طيلة حياته، وهو ينصر النبي ﷺ ويحميه ويقول:

فوالله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا

وقد حصر هو وعمه في شعب أبي طالب ثلاث سنين حصرهم المشركون ولم يزل يناضل عنه وينافح عنه ويدافع عنه حتى مات وهو على دين قومه، فالمقصود أن كونه نصره وحماه ما يجعله مسلمًا، حتى يؤمن بما جاء به حتى ينقاد للحق، حتى يشهد ألا إله إلا الله وفي شعره يقول:

ولقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعنى بقول الأباطيل

ويقول في شعره:

فلقد صدقت فكنت ثم أمينًا  

فهو مقر بصدقه ولكنه لم ينقاد لما جاء به؛ فلما حضرته الوفاة جاءه النبي ﷺ يرجو أن الله يهديه على يديه فقال: يا عم، قل لا إله إلا الله وكان عنده أبو جهل ابن هشام من رؤوس الكفرة قتل يوم بدر خبيثًا قتل كافرًا، وعنده عبد الله بن أبي أمية أيضًا المخزومي كافرًا ذاك الوقت، وقد أسلم عبد الله وهداه الله ومات على الإسلام، فقال: يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال له جلساء السوء: أترغب عن ملة عبد المطلب، ملة عبد المطلب الكفر بالله واتخاذ الأوثان والآلهة فأعاد عليه النبي ﷺ وقال: يا عم، قل لا إله إلا الله، فأعاد عليه أبو جهل وابن أبي أمية يقولان له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال أبو طالب عند موته: هو على ملة عبد المطلب، أنا على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله ختمت له بالشقاوة، نسأل الله العافية، فقال النبي ﷺ: لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك من شدة حرصه على سلامته لأنه قد أحاطه ونصره وحماه وبذل جهودًا كبيرة، فقال لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله في ذلك: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] فعند هذا ترك الاستغفار له وأنزل أيضًا في تعزية النبي وتسليته إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56] وفي هذا عبرة كل إنسان إذا خالفه أقاربه وعصوه قالوا: النبي ما هدى عمه، يعني لنا أسوة، بذلنا وسعنا واجتهدنا في أن الله يهدي هذا الرجل ما هداه الله فلنا أسوة في محمد حيث دعا أبا طالب وهو عمه فلم يهتد ولم يقبل منه ولم يهده الله على يديه إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] تسلية وتعزية فهذا يدلنا على أن الأنبياء والرسل والملائكة والعلماء والأخيار لا يملكون شيئًا من هداية الناس الهداية بيد الله لا يملكها نبي ولا ملك ولا عالم ولا عابد ولا غيرهم؛ فالهداية بيد الله هو الذي يهدي من يشاء يعني هداية التوفيق والرضا بالحق وقبوله هذه بيد الله جل وعلا وهي المرادة في قوله: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] وهي المرادة في قوله سبحانه: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272] يعني هداية التوفيق هداية قذف النور في القلب، هداية الرضا بالحق هذه بيد الله لا يملكها أحد، أما هداية البلاغ والبيان فقد جعلها الله بيد الرسل، هو يهدي والرسل يهدون بالبلاغ والبيان قال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ [فصلت:17] يعني بلغناهم ودللناهم ولكن استمروا على كفرهم وضلالهم، وقال في حق نبيه ﷺ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم [الشورى:52] يعني هداية البلاغ والبيان بيد الرسول وبيد أتباعه وبيد الرسل جميعًا الهداية التي بمعنى البلاغ والبيان، وهي المرادة في قوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم [الشورى:52]، يعني تبلغ وترشد.

ففي هذه القصة عظة وذكرى ودلالة على أن النبي ﷺ لا يصلح أن يُعبد من دون الله، وأنه لم يستطع أن يهدي عمه فكيف يهدي غيره! وليس بيده ضر ولا نفع كله بيد الله جل وعلا، كله بيد الله ما أحدًا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا كله بيد الله عز وجل، ولا أحد يملك لنفسه ولا أقاربه الهداية التي هي الرضا بالحق وقبوله هذه بيد الله، فالواجب على المكلف أن يضرع إلى الله وأن يسأله الهداية وأن ينطرح بين يديه وينكسر يرجو رحمته ويخشى عقابه.

وفي هذه القصة من الفوائد: الحذر من جلساء السوء؛ فإن شرهم عظيم فعبد الله وأبو جهل شجعاه على الباطل، شجعاه على البقاء على دين قومه فهما من جلساء السوء، لكن الله هدى عبد الله وأسلم بعد ذلك.

ففي هذا أنه ينبغي للمؤمن أن يحذر جلساء السوء وأن يبتعد عنهم؛ لأنهم يضرونه ويهدونه إلى الباطل فالواجب الحذر منهم، ولهذا قال ﷺ: مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه، أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بدنك، أو ثوبك، أو تجد منه ريحا خبيثة، ويقول ﷺ: المرء على دين  خليله فلينظر أحدكم من يخالل فالحزم والخير والواجب هو صحبة الأخيار، والبعد عن صحبة الأشرار في هذه الدار لعلك تسلم من شرهم.

وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: هذا رجل يشتكي من زوجته وأبنائه، يقول: زوجتي تجعل عقدا في جسدها، وكذلك تجعل تلك العقائد في أبنائي، وإن قطعت العقدة التي في جسدها ضربتني، وإن طلقتها جعلت جماعته يضربونني، وحتى الأبناء كذلك؟

ج: لا يطلق ولا يعجل يدعوها بالحكمة، يدعوها بالرفق والكلام الطيب، ويخلي من يدعوها من الطيبين من جيرانه وأقاربه يبينون لها أن هذا ما يصلح، وأن الواجب الثقة بالله والتوكل على الله، والدعاء كونها تدعوا لهم، وتقول: أعيذكم بكلمات الله التامات، تدعو لأولادها عند النوم، وأن يكون بكلمات الله التامات من شر ما خلق، تقول: اللهم احفظهم، اللهم سلمهم، يبين لها الشرع، ولا يعجل في الطلاق.

س: إذًا لا يقطعها منها ولا من؟

ج: لا يعجل في الطلاق، ولا يعجل في القطع؛ ما دام تسبب شرا عليه، ولكن يستعين بالله ثم بأقاربها والتي تعظمهم.

س: أقاربها شر كلهم؟

ج: إذا صدق يسر الله أمره إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7].

س: أبو جهل ابن عم الرسول؟

ج: ابن عم من بعيد يجتمعا في الجد الرابع أو الخامس.

س: قوله في المسائل: الشاهد لكون الأعمال بالخواتيم لأنه لو قالها لنفعته؟

ج: نعم شاهد لو أسلم عند موته قال لا إله إلا الله نفعته فالأعمال بالخواتيم، وقد يكون مسلما ثم يكفر عند الموت، نسأل الله العافية.

س: جلساء السوء إذا كانوا من الإخوة ومعك في منزل واحد ماذا يكون في مثل هذه الحالة؟

ج: تدعوهم إلى الله إن كان عندهم شيء من المعاصي أو الشرك تدعوهم إلى الله ترشدهم فإن استقاموا وإلا ابتعد عنهم لا يجروك إلى الباطل.

س: ترحل من المنزل الذي هم فيه؟

ج: إن كنت تخشى على نفسك أن يجروك إلى باطلهم.

س: حتى الوالد كذلك؟

ج: حتى الوالد.

س: معنى أنها تقبل التوبة ما لم يغرغر؟

ج: يعني ما لم تبلغ الروح الغرغرة عند خروجها إذا عاين ملك الموت.

س: قول فرعون آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل؟

ج: هذا ما نفعه إيمانه لأنه نزل البلاء، قال تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ [غافر:84] فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [غافر:85] إذا نزلت العقوبة ماعاد ينفع، لما حلت العقوبة في ثمود ما نفعتهم التوبة أو في عاد ما نفعتهم التوبة، إنما التوبة قبل ذلك .

س: مثل فرعون؟

ج: الله أخرج لهم جسده لينظروا أنه مات حتى لا يسول لهم الشيطان أنه حي في المحل الفلاني حتى يشاهدوا جسده لأن في نفوسهم عظيم هو إلههم.

س: ما رأيكم بتحرير تقريب التهذيب؟

ج: ما قرأته ولا راجعته.

س: من كان في سكرات الموت ولقنه لا إله إلا الله ولم ينطق بها هل يكررها عليه؟

ج: يكررها أحسن لعله إن شاء الله ينطق بها.