باب قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23]
في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23]، فيسمعها مسترق السمع - ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - وصفه سفيان ابن عيينة بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن. فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ فيُصدّق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء.
وعن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله ﷺ: إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة - أو قال رعدة - شديدة خوفا من الله ؛ فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا، وخروا لله سجدا؛ فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل قال الحق وهو العلي الكبير فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
قد أراد الشيخ رحمه الله، هو الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام في زمانه والقائم بالدعوة إلى الله وتجديد ما اندرس من معالم الإسلام في هذه الجزيرة في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري المتوفى سنة 1206 من الهجرة النبوية، أراد رحمه الله بهذا الباب بيان حال الملائكة عند سماع كلام الله، وأنه يصيبهم خوف شديد؛ فإذا كان هذا حال الملائكة فكيف بغيرهم، وعُلم بهذا أنه لا يصلح أن يدعون مع الله وغيرهم من باب أولى، فكلهم عبيد مقهورون مربوبون ليس لهم حق في الإلهية والعبادة، العبادة حق الله وحده، ولهذا قال جل وعلا: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ [سبأ:23] يعني زال عنها الفزع، والمؤلف يقول: باب قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ يعني: باب بيان الفائدة العظيمة من هذه الآية وما جاء في معناها، وأن ذلك يدل على أن العبادة حق الله وحده، وأن الملائكة ومن دونهم من الناس وهكذا الجمادات من باب أولى كلها لا تصلح أن تُعبد من دون الله، كلها مخلوقة، كلها مربوبة، كلها تحت قهر الله وسيطرته، كلها تخاف الله وترجوه؛ فلا يليق بالمكلف أن يعبد مع الله سواه، فالله جل وعلا هو الخالق، وهو رب العالمين، وهو المستحق لأن يُعبد، وما سواه مخلوق مربوب من الملائكة وغير الملائكة، قال تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [سبأ:23] يعني زال عنه الفزع الذي حصل له بسبب الوحي قَالُوا مَاذَا [سبأ:23] يسأل بعضهم بعضًا ماذا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23] قال ربنا الحق وهو العلي الكبير، العلي في ذاته وأسمائه وصفاته، الكبير الذي لا أعظم منه ولا أكبر منه جل وعلا، فيسمعها مسترق السمع، الجن الشياطين تسترق السمع ويركب بعضهم فوق بعض غير متراصين بعضهم فوق بعض، ووصفهم سفيان بكفه فحرفها هكذا وبدد بين أصابعه ما هي متلاصقة هكذا كل واحد فوق واحد بينهم فضاء يستمعون، وهذه من قدرة الله، الله قدرهم على هذا كالطيور حتى السماء الدنيا، قال تعالى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ [الجن:8-9] فيسمع المسترقون الكلمة التي أوحى الله بها إلى جبرائيل، وجبرائيل يسأله من في السماوات فيخبرهم فيسمعون هؤلاء المسترقون يسمعون الكلمة فيلقيها على الذي يليه والذي يليه والذي يليه وهكذا حتى تصل الأخير فيلقيها على لسان الساحر والكاهن، يقول: صدر في السماء كذا وقال الله كذا وربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وإما قتل قبل أن يلقي الكلمة هذا الشيطان فتفوته الكلمة وربما ألقاها لحكمة من الله ليبتلي عباده ويمتحنهم جل وعلا، وربما ألقاها ثم يصيبه الشهاب، فيكذب معها هذا الساحر والكاهن مائة كذبة.
وهكذا في حديث النواس بن سمعان أن الرب إذا تكلم أخذت السماوات منه رجفة وقال: رعدة شديدة خوفًا من الله عز وجل، فإذا سمع الملائكة ذلك خروا صعقوا وخروا لله سجدًا؛ فيكون أول من يرفع رأسه جبرائيل، فيكلمه الله بما أراد. الحديث.
هذان الحديثان كلاهما مع الآية كلاهما يدلان على أن الملائكة يصيبهم خوف عظيم وذعر عظيم حين يسمعون كلام الله، وأن هذه الشياطين تسترق السمع، فإذا سمعوا الكلمة التي تكلم بها سكان السماء الدنيا فيما بينهم ألقوها إلى الكاهن أو الساحر إذا أراد الله امتحان الناس بذلك، وربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها فالساحر والكاهن يلقون تلك الكلمة على أصحابهم سيكون كذا بما سمعوا من السماء سيموت فلان سيخسف بالمحل الفلاني، سينزل مطر في المحل الفلاني على حسب ما سمعوا، فيكذب الكهنة والمنجمون الكذبات الكثيرة فيقول الناس: قد صدق يوم كذا في كذا وكذا فيصدقونه في كذبه كله بسبب الكلمة التي سمعت من السماء، وهذا من الابتلاء والامتحان نعوذ بالله، ولهذا قال ﷺ: من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة كما يأتي إن شاء الله، ويقول ﷺ: من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول: فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ ويأتي البحث في هذا في الأبواب الآتية.
والمقصود من هذا هنا الدلالة على أن الملائكة عباد يخافون الله ويراقبونه، وأنهم لا يصلحون؛ لأن يعبدوا من دون الله فهم عبيد مملوكون مقهورون يصيبهم من الخوف والذعر ما يصيبهم عند سماع كلام الله، فعلم بذلك أنهم لا يصلحون للعبادة وأن غيرهم من باب أولى .
وفق الله الجميع
الأسئلة:
س: هل أحد من الناس من قال بجواز النشرة في السحر؟
ج: بعض العلماء يجيزها للضرورة، إذا لم يتيسر إلا إتيان الساحر، ولكنه قول ضعيف، قول ليس بصواب.
س: كثير من الناس على القول هذا؟
ج: لا هذا غلط يبين لمن يسأل أن هذا لا يجوز، الرسول ﷺ لما سئل عن النشرة قال: هي من عمل الشيطان، النشرة من عمل الشيطان، حل السحر بالسحر من عمل الشيطان، ولا تكون من عمل الشيطان إلا إذا كانت بالسحر والرقية المذمومة التي بأسماء الشياطين أو بالأدوية المحرمة، أما إن كانت بالقرآن وبأدوية مباحة فليست من عمل الشياطين.
س: هل الساحر إذا تاب؟
ج: فيما بينه وبين الله يصح توبته، ولكن يقتل.
س: حكم من يتصل بالشياطين ويخبر عن الأشياء الضائعة مثلا والمسروقة؟
ج: ما يجوز سؤالهم ولا إتيانهم، لا يسألون عن مسروق ولا عن مكان الضالة، هذا باطل لا يجوز سؤالهم .
س: من أتى كاهنا أو عرافا نفس الذي يسأل؟
ج: فقد كفر بما أنزل على محمد إذا صدقه في علم الغيب، أما إن كان عامي أتاه ما يدري هذا يعلم أن هذا لا يجوز ولا يلحقه الكفر، أما إذا صدقه بعلم الغيب أنه يعلم الغيب.
س: الذي يعلم الحكم ويذهب ليسأل عن الضائع؟
ج: ما يجوز، لا يجوز إتيانه لأن الرسول قال: لا تأتوهم ولا تسألوهم نهى عن إتيانهم وعن سؤالهم.
س: يعني يدخل تحت؟
ج: تحت الوعيد .
س: ..........؟
ج: ظاهر القرآن أنه قد يجد وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ [الجن:9] يعني حول السماء يركب بعضهم بعضا وقد يكون معهم أشياء يجلسون عليها وقد يكون هناك مقاعد يمكنهم فيها ما هو ممنوع، هو ممكن الله أخبر عن هذا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا [الجن:9] هذه المقاعد ما يدرى ويش هذه المقاعد التي يقعدونها.
س: أليست كنا؟
ج: يعني قبل الشهب قبل أن يرموا بالشهب لما جاء الوحي شدد عليهم بالشهب حتى عجزوا عن الوصول إلى السماء .
س: ما المقصود بأن الذي يشرب الخمر أنه لا تقبل صلاته أربعين يوما، وهل يترك الصلاة؟
ج: لا، لا يتركها لكن يفوته ثوابها، مثل من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، تجزئه ويفوته ثوابها أما إذا ترك الصلاة كفر، نسأل الله العافية .
س: الرؤيا إذا كان الواحد جنب؟
ج: ولو جنب قد تكون صحيحة، وقد تكون من وساوس الشيطان، وقد تكون من حديث النفس، وقد تكون صحيحة ولو أنه جنب. ولكن السنة له أن ينام على وضوء.
س: الرجل إذا قال لزوجته هي عليه حرام بنية الطلاق يكون طلاقا؟
ج: لا، يكون ظهارا .