وجوب الصدق والنصح في المعاملة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.

أما بعد:

فحديثي معكم اليوم أيها المستمعون الكرام في وجوب الصدق والنصح في المعاملة.

ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما متفق على صحته، وهذا حديث صحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام يدلنا على فوائد منها: أن البيعين بالخيار، وهو البائع والمشتري ما داما في المجلس، فإذا أحب البائع أن يرجع أو المشتري أن يرجع فلا حرج ما داما في المجلس؛ لأن البائع قد يبيع ثم يندم، والمشتري قد يشتري ثم يندم، فجعل الله لهما فسحة ما داما في المجلس من شاء الرجوع فيرجع ما لم يقل أحدهما الآخر، فإذا أقال أحدهما الآخر وقال: اختر فاختار إمضاء البيع مضى البيع مضى.

أما إذا سكتا فكل واحد بالخيار إن شاء البائع أمضى وإن شاء رجع، وإن شاء المشتري أمضى وإن شاء رجع ما داما في مجلسهما لم يتفرقا، وهذا معنى قوله: البيعان بالخيار.. هذا من تيسير الله ورحمته سبحانه ولطفه بعباده جل وعلا.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما وهذا يفيدنا وجوب الصدق والبيان في المعاملات، وأنه لا يجوز للمؤمن أن يغش أخاه ويكذب عليه حتى يبرر سلعته بمال، لو علم المشتري الحقيقة ما بدله، والمسلم أخو المسلم لا يكذبه ولا يخذله ولا يحقره ولا يغشه ولا يخونه ولا يحسده، ولا يفعل معه ما لا ينبغي، فهكذا جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والله جل وعلا .. في كتابه العظيم سمى عباده أخوة، وهكذا رسوله ﷺ قال: المسلم أخو المسلم.

فعليك يا عبدالله أن تعنى بأخيك، وأن تجتهد في النصح له في المعاملات في البيع والشراء، في التجارة، في غير ذلك من المعاملات لا تغشه ولا تخونه ولا تكتم عليه عيبا في المبيع، بل تبين له الحقيقة ولا تكتم عليه شيئا، سواء كان البيع سيارة أو بيتا أو دكانا أو أرضا أو حيوانا أو غير ذلك، توضح له الحقيقة على ما هي عليه ولا تكتمه شيئا، لو علمه لتغير حاله ... بين له الحقيقة، فأنت أخوه وهو أخوك، والمسلم أخو المسلم، وفي الحديث الصحيح عن الرسول ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا فعليك أن توضح لأخيك الحقيقة، وأن لا تكتمه شيئا، وبذلك تحصل لكم البركة، تحصل للبائع البركة في الثمن، وللمشتري البركة في المبيع. 

أما إذا كان الكتمان من البائع أو من المشتري فإن هذا من أسباب محق البركة، ومن أسباب غضب الله على من غش أخاه، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعها إن صدقا في الخبر وبينا الحقيقة بورك لهما في بيعهما، وإن كتما ما فيه من العيوب وكذبا في الأخبار محقت بركة بيعهما، فالبائع يبين حال المبيع، والمشتري يبيع حال الثمن إن كان معينا، ولا يغشه فيه، سواء كان معينا أو غير معين، عليه أن يدفع الحقيقة السليمة، ويدفع البائع كذلك البيع السليم، فإن كان هناك عيب بينه وأوضحه حتى يقدم المشتري على بصيرة، والخيانة عاقبتها وخيمة، والكذب عاقبته شر، أما الصدق والبيان فعاقبتهما حميدة، والرب يرضى .. عملك الصدق والبيان والبركة تحصل لك. 

أما عن الكذب والكتمان فأنت على خطر من غضب الله ، ومع ذلك متوعد بمحق البركة، وكثير من الناس لا يبالي بهذه الأمور ويغش، ويرى أن هذا من الكياسة ومن الحذق في البيع ومن النشاط في طلب المال، وهذا لا شك خداع ومكر وطاعة للشيطان، فمن ذلك في حق من يبيع سيارة أو شبهها يعلم ما فيها من العيوب.. أو يبيع دارًا ويعلم ما فيها عيوب ولا يبينها، أو يبيع حيوانا ويعلم فيه عيبًا لكنه لا يبينه، أو يبيع تمرًا أو حبوبًا ظاهرها طيب وباطنها فيه عيوب، تمر كثير جملة من التمر أو الحبوب فيه خلل لكن الظاهر لا بأس به والباطن فيه خلل، فالواجب أن يبين ذلك.

كذلك إذا كان يبيع حطبًا أو فحمًا أو فاكهة فيجعل الطيب ظاهرا ويجعل الرديء من داخل حتى لا يراه المشتري، فهذا أيضا من الغش والخيانة، أو يقول اشتريتها بكذا، اشتريتها بمائة وهو يكذب، ما اشتراها إلا بثمانين، أو يقول اشريتها بمائة وهو يكذب ما شراها إلا بثمانين أو سبعين، كل هذا من الغش ومن أمور التدليس والكذب. 

فالواجب على كل من البائع والمشتري أن يتقي الله وأن يصدق فيما يقول، وأن يحذر الغش لأخيه والخيانة لأخيه حتى يحصل له من ذلك مرضاة الله  وبراءة الذمة، وحتى يسلم من ظلم أخيه والتعدي عليه، وحتى يسلم أيضا من محق البركة... المبارك خير من ... لا بركة فيها، ومرضاة الله فوق كل شيء، مرضاته سبحانه والحذر من غضبه جل وعلا فوق كل شيء، فوق الدنيا كلها. 

فاتق الله يا عبدالله، واتق الله يا أمة الله في المعاملة، عليكما بالصدق والبيان، واحذرا الكتمان والكذب.

والله نسأله  أن يوفقنا والمسلمين للصدق والبيان في المعاملات، والنصح لله ولعباده، وأن يعيذنا والمسلمين من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه سبحانه جواد كريم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.