بَابُ أنَّ مَن نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ حَتَّى انْتَصَبَ قَائِمًا لَمْ يَرْجِعْ
1024- عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَسَبَّحُوا بِهِ فَمَضَى، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
1025- وَعَنْ زِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ قَالَ: صَلَّى بنا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَامَ وَلَمْ يَجْلِسْ، فَسَبَّحَ بِهِ مَنْ خَلْفَهُ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ قُومُوا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا صَنَعَ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1026- وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، وَإِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ، ويَسْجُد سَجْدَتَي السَّهْوِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
بَابُ مَنْ صَلَّى الرُّبَاعِيَّةَ خَمْسًا
1027- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: لا، وَمَا ذَاكَ؟ فقَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سَلَّمَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
بَابُ التَّشَهُّدِ لِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ
1028- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِهِمْ فسها، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
الشيخ: ذكر المؤلفُ رحمه الله في التَّشهد الأول إذا نسيه المصلي ثلاثة أحاديث: حديث ابن بحينة، وحديثي المغيرة.
وحديث ابن بُحينة رواه الشيخان في "الصحيحين"، ورواه غيرُهما، ولكن اقتصر على النَّسائي هنا لزيادة: "وسبَّحوا"، لما قال: "سبَّحوا فلم يرجع"، فهي تدل على أنَّ مَن نسي التَّشهد الأول واستتمَّ قائمًا فإنَّ السنة له أن يُومئ وتقوم الجماعة، وإذا انتهى يسجد للسهو سجدتين قبل أن يُسلم كما في "الصحيحين" من حديث ابن بحينة، أما لو انتبه قبل أن يستتم قائمًا فإنه يرجع، إذا انتبه أو نُبِّه يرجع ويتشهَّد.
وفي حديث المغيرة: أن السجود كان بعد السلام، ولعلَّ هذا كان في قضيةٍ أخرى، لعله فعل هذا تارةً وهذا تارةً عليه الصلاة والسلام، فإن سجد قبل السلام فهو أثبت وأفضل، وإن سجد بعد السلام فلا حرج؛ لأنه أفضلية فقط، كونه قبل أو بعد من باب الأفضلية، وهكذا ما تقدم من حديث عبدالله بن جعفر شكَّ ..... سجد بعد السلام، كل هذا يدل على التوسعة في الأمر، ولكن حديث ابن بُحينة أثبت وأصحّ، فيكون السجود قبل السلام أفضل، إذا ترك التشهد الأول ناسيًا يكون سجوده قبل السلام أفضل، وإن أخَّره جاز ذلك.
والإمام يُشير لهم إذا لم يقوموا، يُشير إليهم أن قوموا، حتى يعلموا الحكم، ولا يجلسون بل يقومون، كما أشار إليهم أبو هريرة.
وفي حديث ابن مسعودٍ الدلالة على أنه إذا زاد ركعةً ولم يُنبَّه فإنَّ صلاته صحيحة، وعليه سجود السهو إذا نُبِّه ولو بعد السلام، في حديث ابن مسعودٍ أنه قام إلى الخامسة، فظنُّوا أن الصلاة قد غُيِّرت، فلما سلَّم سألوه: هل حدث في الصلاة شيء؟ قال: لا، لو حدث شيء أنبأتكم به، وقالوا: إنَّك صليتَ خمسًا، فاستقبل القبلة وسجد سجدتي السهو، وبيَّن ﷺ أنه بشر ينسى كما ينسون، وقال: إذا نسيتُ فذكِّروني، فدلَّ ذلك على أنَّ مَن سلَّم عن خمسٍ في الرباعية، أو عن أربعٍ في الثلاثية، أو عن ثلاثٍ في الثنائية كالفجر، فصلاته صحيحة؛ لأنه لم يتعمّد الزيادة، وعليه سجود السهو، والجماعة يسجدون معه.
فلمَّا استقرت الشريعةُ، وعلم أنَّ الفرائض استقرَّت، فالمشروع إليه التَّنبيه إذا قام إلى ثالثةٍ في ثنائيةٍ، أو إلى رابعةٍ في الثلاثية، أو إلى خامسةٍ في الرباعية، فالمشروع للمؤمنين أن يُنبِّهوه، الواجب أن يُنَبِّهوه حتى يرجع، فإن نبَّهوه وجب عليه الرجوع، إلا أن يعلم أنهم مُخطئون فيعتمد على صواب نفسه، إذا علم أنهم مخطئون وأنه ما زاد شيئًا فإنه يستمرُّ، أما إذا لم يعلم فإنه يرجع، إذا نبَّهه رجلان فأكثر يرجع لتنبيههم، وهو إن تحقق أنه زائد لا يُتابعه مَن علم أنه زائد، لا يُتابعه، يُنَبِّهه ولا يُتابعه، وينتظر حتى يُسلِّم معه، وهكذا في النقص وسلَّم من ثلاثٍ فإنه يُنَبّه ...... عليه أن يقوم إذا كان لا ..... نفسه ويُكمل ويسجد للسهو، أما إذا علم أنه مصيب فإنه لا يرجع إليه، ومَن علم أنه ناقص يقوم ويُكمل إذا علم أنه نقص السلام كما في الزيادة.
وهل يسجد للتَّشهد إذا كان بعد السلام؟
على قولين للعلماء، والجمهور على أنه لا يتشهد؛ لأنَّ الأحاديث الصحيحة ليس فيها بعدها التَّشهد، التَّشهد قبلها، وهي قبل السلام، أما بعد السلام فيسجدهما من دون تشهدٍ، أما حديث عمران الذي فيه زيادة التشهد .....، فهذه الزيادة شاذَّة، وفي الأحاديث الصحيحة من رواية عمران وغيره ليس فيها مثل التشهد، ثم هو نفسه الحديث ما ذكر أنه تكلَّم ثم سجد سجدتي السهو ثم تشهد ثم سلَّم، ولم يذكر سلامًا قبل ذلك، وهو ليس بواضح في المخالفة، فلعلَّ الراوي انقلبت عليه الرواية: فتشهَّد ثم سجد سجدتي السهو، فقدَّم وأخَّر، فيقول: تشهَّد ثم سجد للسهو؛ حتى لا يُخالف الأحاديث الصحيحة.
والمقصود أنَّ الصواب أنه لا يتشهَّد، إذا كان سجوده بعد السلام يسجد سجدتين ثم يُسلِّم من دون تشهُّدٍ، أما قبل السلام فمعروف؛ السَّجدتان تكونان بعد التَّشهد ثم يُسلِّم، إذا كان قبل السلام يُكمل التَّشهد ثم يسجد سجدتين ثم يُسلِّم كما فعل النبيُّ ﷺ في حديث ابن أم مكتوم وحديث عبدالله ابن بُحينة.
وإذا كان السجود بعد السلام كما في حديث ذي اليدين -حديث عمران- فإنه بعد السجدتين يُسلم، ولا يُشرع له تشهد، ويكفي التشهد الأول الذي أتى به قبل السلام، والله ولي التوفيق.
س: السجود قبل السلام أو بعده؟
ج: أفضلية، الأفضل إذا سلَّم عن نقصٍ أن يكون بعد السلام، وهكذا لو بنى على غلبة ظنِّه فبعد السلام، وما سوى ذلك فهو قبل السلام، ولو سجد بعد السلام لما أفضليته قبل السلام، أو سجد قبل السلام لما أفضليته بعد السلام صحَّ ذلك ولا حرج؛ لأن الأحاديث الصحيحة تدل على هذا، فالجمع بينها هو هذا الأفضلية، فلو سجد قبل السلام في النَّقص أجزأت، لو أخَّر في التشهد الأول، أخَّره وسجد بعد السلام فلا حرج، إنما هي للأفضلية، الأفضلية أن يُراعي ما فعله النبيُّ ﷺ.
س: ويُكبِّر؟
ج: يُكبِّر نعم، يُكبر عند السجود وعند الرفع، هكذا جاء في حديث أبي هريرة وحديث عمران.
س: ............؟
ج: لو رجع ما في شيء، يسجد للسهو ولا شيء عليه، لكن الأفضل له أن لا يرجع، فإن شرع في القراءة ذكر بعضُ الأئمة أنه يحرم عليه الرجوع، لكن لو رجع جاهلًا صحَّت أيضًا، لكن السنة في حقِّه أنه إذا استتمَّ قائمًا يمضي ويُشير لهم أن يقوموا، ولكن لو رجع قبل أن يشرع في القراءة صحَّ ذلك مع الكراهة، أما إذا شرع في القراءة فقد انتقل إلى ركنٍ آخر، فينبغي له أن لا يرجع، ويسجد للسهو كما فعل النبيُّ ﷺ، فإنه استمرَّ وسجد للسهو عليه الصلاة والسلام، لكن ذكر أهلُ العلم أنه لو رجع جاهلًا فلا شيء عليه.
س: لو رجع بعد الشروع في القراءة عن جهلٍ؟
ج: صلاته صحيحة .......
س: ...........؟
ج: يلزمه الرجوع إذا نُبِّه، إذا قام إلى الخامسة، أو إلى الرابعة في المغرب، أو الثالثة في الفجر أو الجمعة يلزمه الرجوع، إذا نُبِّه يلزمه الرجوع.
س: ............؟
ج: ولو استتمَّ، ولو ركع يرجع، لا يكمل، إذا نُبِّه وهو قائم يرجع، يجلس، أو وهو راكع يرجع ويجلس، لا يكمل؛ لأنها زائدة.
س: ............؟
ج: ما أعرف له أصلًا، المعروف التَّسبيح، النبي ﷺ قال: التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء، لو قال: "الحمد لله" ما ينتبه، ما يعرف الناسُ إلا التَّسبيح.
س: يُكبِّر للركعة الفائتة إذا سلَّم عن ثلاثٍ من أربعٍ وأتى بالركعة يُكبِّر لها؟
ج: ما له أصل، قد كبَّر حين قام من السجدة الثانية، يقف بنية الصلاة ويكمل، ويقف معه بنية الصلاة.
س: إذا لم يستتم ثم رجع يُعتبر عملًا؟
ج: نعم، يسجد للسهو، نعم عمل، إذا كان فارقت أليته –مقعدته- الأرض، نهض يعني.
س: ..........؟
ج: إذا شكَّ في ثلاثٍ أو أربعٍ يقوم ولو معه آلاف، يقوم، إن نبَّهوه يرجع، وإن ما نبَّهوه يُكمل.
أَبْوَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
بَابُ وُجُوبِهَا وَالْحَثِّ عَلَيْهَا
1029- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَحْمَدَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ أَقَمْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَأَمَرْتُ فِتْيَانِي يُحَرِّقُونَ مَا فِي الْبُيُوتِ بِالنَّارِ.
1030- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
1031- وَعَنْ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ، وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي، فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ: أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1032- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
1033- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً.
1034- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وهذا الحديث يرد على مَن أبطل صلاةَ المنفرد بغير عذرٍ، وجعل الجماعة شرطًا؛ لأنَّ المُفاضلة بينهما تستدعي صحَّتها، وحمل النصّ على المنفرد لعذرٍ لا يصح؛ لأنَّ الأحاديث قد دلَّت على أن أجره لا ينقص عمَّا يفعله لولا العذر؛ روى أبو موسى ، عن النبي ﷺ قال: إذا مرض العبدُ أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مُقيمًا صحيحًا رواه أحمد والبخاري وأبو داود.
وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن توضَّأ فأحسن الوضوء، ثم راح فوجد الناسَ قد صلّوا، أعطاه الله مثل أجر مَن صلَّاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي.
1035- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الشيخ: أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تدل على فضل الجماعة ووجوب أدائها مع المسلمين في بيوت الله التي أذن أن تُرفع جلَّ وعلا في قوله: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36]، وفيها فضل الجماعة، وأنها مضاعفة، وأن صلاة العبد في الجماعة تضاعف سبعة وعشرين درجة، خمسة وعشرين ضعفًا، ولا منافاة بين اختلاف العدد؛ فإنه ذو الفضل العظيم، قد يكون جلَّ وعلا مَنَّ بخمسٍ وعشرين، ثم جعلها سبعًا وعشرين درجة.
وفي هذه الأحاديث الدلالة على وجوب أدائها مع الجماعة في المساجد مع المسلمين، وأنه ﷺ همَّ أن يحرق على مَن تخلَّف بيوتهم، فهذا يدل على شدَّة الجريمة، وأنها خطيرة؛ ولهذا همَّ بهذا الأمر العظيم وهو تحريق بيوتهم عليهم.
فيجب على المؤمن أن يتباعد عن خلق المنافقين، وأن يحرص على خلق المؤمنين في أدائها في جماعةٍ في بيوت الله، ولو كان أحدٌ يُرَخَّص له لرخَّص النبيُّ ﷺ لهذا الأعمى الذي ليس له قائد يُلازمه، فقال: أجب، فلا أجد لك رخصةً، فعُلم بذلك أنه يتعين أداؤها في الجماعة في بيوت الله .
وفات المؤلفَ حديثٌ آخر: حديث ابن عباس: مَن سمع النِّداء فلم يأتِ فلا صلاةَ له إلا من عذرٍ خرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم، وقال الحافظ في "البلوغ": وإسناده على شرط مسلمٍ.
وفي الباب أحاديث أخرى كلها تدل على وجوب الصلاة في الجماعة، وتحريم التَّخلف عن أدائها مع المسلمين، وأنَّ ذلك من خصال أهل النفاق؛ ولهذا قال ابنُ مسعودٍ : "لقد رأيتنا وما يتخلَّف عنها إلا منافق معلوم النفاق".
وفي حديث ابن مسعودٍ يقول: "ولو صليتُم في بيوتكم كما يُصلي هذا المنفرد لتركتُم سنةَ نبيكم" يعني: طريقته، "ولو تركتم سنته لضللتُم"، وفي لفظٍ: "لكفرتم"، فهذا يدل على شدة الوعيد في ذلك، فينبغي للمؤمن أن لا يتشبَّه بأعداء الله المنافقين.
قال: "ولقد كان الرجلُ يُؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصفِّ"، وما ذاك إلا لعظم حرص الصحابة على أدائها في الجماعة، حتى يكاد المريضُ يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصفِّ.
فالواجب على المؤمن أن يعتني بهذا، ولا سيما طلبة العلم؛ فإنهم قدوة، فالواجب العناية بهذا الأمر والحرص عليه حتى يتأسَّى به إخوانه.
أما المضاعفة فمثلما قال المؤلفُ: تدل على أنَّ صلاة المنفرد تصحّ، ولكن مع الإثم، وقال بعضُ أهل العلم: إنها شرط، إن الجماعة شرط، وهو قوي، وهو أحد قولي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقول جماعة من أهل العلم، ولكن الصواب أنها ليست شرطًا، لكنها واجبة، فلو صلَّى تخلَّف عن الجماعة صحَّت، ولكنه يأثم، وقد شابه أهلَ النِّفاق في التَّخلف؛ لأنَّ الرسول ﷺ ضاعف بين صلاة الرجل في جماعةٍ وصلاة الرجل في بيته أو في سوقه، فدلَّ على صحة الصلاتين، ولكن الأحاديث الدالة على وجوب الجماعة تدل على أنه آثم بذلك، أما مَن تخلَّف لعذرٍ –كمرضٍ- فهذا أجره كامل؛ في حديث أبي موسى: إذا مرض العبدُ أو سافر كتب الله له ما كان يعمله وهو صحيح مُقيم، وهذا من فضل الله جلَّ وعلا وإحسانه .
وفَّق الله الجميع.
س: إذا نمتُ عن الصلاة ولم أستيقظ إلا بعد فوات الجماعة، أُصلي في البيت أو في المسجد؟
ج: في البيت، الحديث أنَّ مَن فاتته الجماعة لعذرٍ حكمه حكم مَن صلَّاها في الجماعة، وهكذا لو توضَّأ وأتى المسجد ثم تخلَّف لعذرٍ حكمه حكم صلاة الجماعة، أما مَن تخلَّف لغير عذرٍ يفوته أجر الجماعة.
س: وحديث أبي سعيدٍ: مَن صلَّى في فلاةٍ فله أجر خمسين سنة؟
ج: هذا محل نظرٍ، ما راجعتُ سنده، أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: قال أبو داود: قال عبدُالواحد بن زياد في هذا الحديث: صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة. وساق الحديث، انتهى. وجعل فيها صلاة الرجل في الفلاة -أي منفردًا- مقابل صلاته في الجماعة.
قال المُنذري: وأخرجه ابنُ ماجه مُختصرًا، وفي إسناده هلال بن ميمون الجهني الضَّمري، وجده أبو المغيرة، قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقويٍّ، يُكتب حديثه.
الشيخ: هذا حديث الصَّحراء، يحتاج إلى تأمُّلٍ.
الطالب: سند أبي داود حفظك الله على شرط البخاري، وليس فيه هذا الرجل عند أبي داود، والرجل في سند ابن ماجه.
س: رجل يُصلي في بيته قائمًا، وإذا حضر الجماعة تعب وصلَّى قاعدًا؟
ج: يُصلي مع الجماعة، ويُصلي قاعدًا ما يُخالف، وإذا كان يستطيع القيام يقوم بعض الشيء ويجلس بعض الشيء، لا يقوم من أول القيام، يجلس قليلًا ثم يقوم، ولا يُصلي في بيته.
س: ............؟
ج: رواية من باب التَّحذير ......
س: التَّخلف عن الجماعة ......؟
ج: إن صحَّت الرواية الأخرى، يحتاج [إلى] تأملٍ.
س: النساء يُصلين جماعةً؟
ج: إن صلين جماعةً فلا بأس، وإن صلين فُرادى فلا بأس، وإذا صلين جماعةً رجاء فضل الجماعة وللتعليم فهو حسنٌ، وجاء عن عائشةَ وأم سلمة أنهما صليا ببعض النساء جماعةً للتعليم والتَّوجيه، فإذا صلَّت المرأةُ المتعلمة أو بالنساء للتعليم هذا طيب وحسن إن شاء الله، ويُرجى لهن الفضل، لكن لا تجب عليهن الجماعة.
س: ضابط الوجوب في صلاة الجماعة سماع النِّداء مُنفردًا؟
ج: نعم، إذا كان في محلٍّ بحيث يسمع النِّداء، لو كان الجو صافيًا ما في موانع.
س: المُفاضلة بين صلاة المُنفرد وصلاة الجماعة ما تدل على أنَّ هناك شيئًا من التَّرخيص لعذرٍ أو ..؟
ج: فيه بيان صحَّة الصلاة، وأما الترخيص فالحديث لا يدل عليه، لا رخصةَ له إلا بعذرٍ.
س: ....... المُكبِّرات؟
ج: لا، المكبِّرات ما عليها عمدة، المكبرات تسمع من بعيدٍ؛ لأنها تسمع من بعيدٍ، الصوت العادي عند هدوء الأصوات، وعند وجود التَّمكن من السماع، أما إذا كانت أوقات ..... أو صياح أو ...... ما عليه عبرة، هذا إذا كان في مكانٍ بحيث يسمع لولا الموانع فيلزمه السعي، وإذا سعى ولو من بعيدٍ سمع صوت المكبر هذا خير وأعظم وأفضل، خير عظيم.
س: ...........؟
ج: ولو عندهم سيارات، ما كل أحدٍ عنده سيارة، والسيارة لها مئونة وخطر.
بَابُ حُضُورِ النِّسَاءِ الْمَسَاجِدَ
وَفَضْلِ صَلَاتِهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ
1036- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَه.
وَفِي لَفْظٍ: لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ أَنْ يَخْرُجْنَ إلَى الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
1037- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
1038- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْنَ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
1039- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1040- وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى مِن النِّسَاءِ مَا رَأَيْنَا لَمَنَعَهُنَّ مِن الْمَسْجِدِ كَمَا مَنَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ نِسَاءَها"، قُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَومَنَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ نِسَاءَهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
بَابُ فَضْلِ الْمَسْجِدِ الْأَبْعَدِ وَالْكَثِيرِ الْجَمْعِ
1041- عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ أَجْرًا أَبْعَدُهُمْ إلَيْهَا مَمْشًى رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
1042- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْأَبْعَدُ فَالْأَبْعَدُ مِنَ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ أَجْرًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1043- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
الشيخ: الأحاديث الأول تدل على أنَّ صلاة النساء في بيوتهن أفضل، وأنه لا مانع من صلاتهنَّ في المساجد، وأنه لا يجوز لأزواجهن منعهن؛ ولهذا قال: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، فإذا استأذن أحدَكم نساؤه فلا تمنعوها، وفي اللفظ الآخر: إذا استأذنت أحدكم امرأتُه المسجد فلا يمنعها، وفي بعضها: بالليل، وفي بعضها: وبيوتهن خيرٌ لهن، هذه الأحاديث كلها تدل على أنه لا مانع من صلاة النساء في المساجد مع الرجال، وأنه لا يجوز للأزواج منعهن من ذلك؛ لأنَّ في صلاتهن في المساجد فوائد ومصالح: منها التَّأسي بالرجال، والتعلم والتَّفقه في الدين، وسماع الخطب والمواعظ، فيستفدن من ذلك، لكن بشرط أن يخرجن تَفِلات كما في الحديث، وأن لا يمسنّ طيبًا عند الخروج، فإذا مسَّت طيبًا فلا تخرج؛ ولهذا قال: فإذا مست طيبًا فلا تشهد العشاء، وفي اللفظ الآخر: أيما امرأةٍ أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء، فيخرجن تفلات ليس معهن رائحة؛ لأنَّ الرائحة والتَّبرج يفتن الناس، فالواجب أن تخرج بعيدةً عن أسباب الفتنة والتَّجمل الذي يظهر للناس، أو إبداء بعض الزينة، أو التَّطيب.
ومع هذا كله فبيوتهن خيرٌ لهن؛ لأنه أبعد عن الفتنة لهن ولغيرهن، أبعد من الفتنة لهن والفتنة لغيرهن، لكن إذا خرجت كما خرجن في عهد النبي ﷺ فلا بأس، مع التَّستر والحجاب وترك التَّطيب؛ لما فيه من المصالح، ولهذا أقرهنَّ النبيُّ ﷺ يُصلين معه في مسجده عليه الصلاة والسلام؛ لما في هذا من المصالح والفوائد والتَّعلم والتَّفقه في الدين.
والواجب عليهن أن يتقيدن بالقيود الشرعية، وأن يلتزمن ما بيَّنه الله جلَّ وعلا وبيَّنه رسوله عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]، فإذا خرجن مُتأدِّبات على الطريقة الشرعية فلا حرج، وليس له منعهن من الخروج لهذه المصلحة العظيمة، ومع هذا كله بيوتهن خيرٌ لهن؛ لأنَّ ذلك أبعد من الفتنة لهن ولغيرهن.
والأحاديث الأخرى تدل على أنَّ المسجد كلما كان أبعد فهو أفضل، وأعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم، فأبعدهم ممشًى كلما كان من المسجد فهو أكثر لخطاه، وكل خطوةٍ يرفعه الله بها درجةً، ويحطُّ عنه بها خطيئةً، وفي حديث ابن مسعودٍ: ويكتب له بها حسنةً، فكلما بعدت المساجدُ صار الأجر أعظم.
ومن ذلك قصة بني سلمة لما أرادوا الانتقال قرب المسجد قال النبيُّ ﷺ: بني سلمة، دياركم تُكتب آثاركم، دياركم تُكتب آثاركم، فشجَّعهم على البقاء في محلِّهم ليحصل لهم كتب الآثار وما فيه من الحسنات والخير.
ومن ذلك الحديث المتقدم في قصة الرجل الذي كان بعيدًا عن المسجد، فقيل له: لو اشتريتَ حمارًا تركبه في الظَّلماء وفي الرَّمضاء، قال: ما أحبّ أن بيتي مقارب لمسجد النبي ﷺ، إني أحبُّ أن يكتب الله لي خُطاي ذاهبًا وآيبًا، فقال ﷺ: إنَّ الله قد جمع لك ذلك كله.
فالمؤمن في خُطواته إلى المساجد على أجرٍ عظيمٍ، وعلى خيرٍ عظيمٍ، ولا شكَّ أنَّ قُربه من المسجد قد يكون أشجع له وأعون له على أداء الصلاة، ولا سيما في أوقات الكسل وقلَّة العلم، وقرب المسجد قد يُعينه على طاعة الله والحضور في الجماعة، ولكن إذا وثق من نفسه وأعانه الله على سعيه إلى المسجد من بُعدٍ فهذا فيه الأجر العظيم وكثرة الخُطا، وعند وجود الكسل وعند كثرة الجهل وكثرة المثبِّطات فلا شكَّ أن قُربه من المسجد أعون له على حضور الجماعة وسماع الأذان.
وكلما كانت الجماعةُ أكثر فهو أعظم، صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحبُّ إلى الله ، صلاة الجمع تُشجع على المجيء، وتُشجع على الحضور، وإذا رأى الإنسانُ إخوته وجيرانه كان أشجع له على الحضور، وأقوى لقلبه وأرغب له في العبادة، كلما كان الجمعُ أكثر كان الفضلُ أعظم والأجر أكثر.
فينبغي للمؤمن أن يُجاهد نفسه حتى يكون له في ذلك الأجر العظيم، ويكون فيه تشجيع لغيره وحثّ لغيره على التأسِّي به.
س: إذا كان المسجد قريبًا من البيت، والرجل يذهب إلى الأبعد طلبًا للأجر ........؟
ج: لا حرج فيه إن شاء الله، إذا كان ما فيه مضرَّة، أما إذا كان يُثبِّط غيره عن الصلاة في المسجد أو يُؤثر عليهم أو يترتب على ذلك شيءٌ من المضار فيُصلي في المسجد الذي جنبه، وأما إذا كان ما فيه مضرة، أو ذهب لمسجدٍ آخر لأجل درسٍ، أو لأجل حُسن قراءة الإمام والانتفاع بقراءة الإمام لمصلحةٍ شرعيةٍ فلا بأس.
س: .............؟
ج: صلِّ معه، وتقضي ما فات.
س: صلاة المرأة في المسجد الحرام أفضل من صلاتها في بيتها؟
ج: بيتها أفضل، وإن صلَّت في المسجد الحرام متأدبةً بدون تجمُّلٍ ولا طيبٍ ولا شيءٍ من المحذورات فلا بأس.
س: ............؟
ج: الحديث عام، النبي قال في مسجده ﷺ.
س: ............؟
ج: عام، لكن .......، ولكن قد يتحرج بعض الناس، فبيَّن لهم عليه الصلاة والسلام أنه لا حرج حتى في البيت إذا التزمت الآداب الشرعية وليس هناك محذور.
س: ...........؟
ج: يعمُّ جميع الدنيا.
س: ............؟
ج: ما نعلم فيه شيئًا، الظاهر يعمُّ الجميع.
س: إذا ترك الرجلُ الصلاةَ في المسجد المُجاور له، وحصل بذلك أنَّ الجماعة تكاسلوا، ولكنه ترك الصلاة لأنَّ المسجد هذا بُني بأموالٍ مشبوهةٍ؟
ج: لا، لا يترك ولو بُني بأموالٍ مشبوهةٍ، يُصلي معهم والحمد لله، ولا يضرُّهم.بَابُ السَّ
عْيِ إلَى الْمَسْجِدِ بِالسَّكِينَةِ
1044- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، إذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُم السَّكِينَةَ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1045- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إذَا سَمِعْتُم الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُم السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ: فَاقْضُوا، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَى إلَيْهَا أَحَدُكُمْ، وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَصَلِّ مَا أَدْرَكْتَ، وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ.
وفيه حُجَّة لمَن قال: إنما أدركه المسبوق آخر صلاته، واحتجَّ مَن قال بخلافه بلفظ الإتمام.
بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْإِمَامُ مِنَ التَّخْفِيفِ
1046- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ فِيهِم الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، لَكِنَّهُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ.
1047- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُوجزُ الصَّلَاةَ وَيُكْمِلُهَا".
وَفِي رِوَايَةٍ: "مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنَ النَّبِيِّ ﷺ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
1048- وَعَنْ أَنَسٍ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ، لَكِنَّه لَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ.
بَابُ إطَالَةِ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَانْتِظَارِ مَنْ أَحَسَّ بِهِ دَاخِلًا لِيُدْرِكَ الرَّكْعَةَ
فِيهِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَقَدْ سَبَقَ.
1049- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: "لَقَدْ كَانَتِ الصَّلَاةُ تُقَامُ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْتِي وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى؛ مِمَّا يُطَوِّلُهَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.
1050- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَا يُسْمَعَ وَقْعُ قَدَمٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: هذه الأحاديث الأولى تدل على شرعية المشي إلى الصلاة بسكينةٍ ووقارٍ وهدوءٍ وعدم العجلة، حتى ولو سمع الإقامةَ؛ ولهذا في اللفظ الآخر: إذا سمعتم الإقامة؛ لأنَّ هذا آكد في الأمر بالسكينة، وقد يقول قائل: هذا إذا كان لم يسمع الإقامةَ، وقد صرَّح النبيُّ قال: إذا سمعتُم الإقامة .......
فالسنة للمؤمن إذا قصد الصلاةَ أن يمشي وعليه السكينة والوقار، ولا يُسرع حتى ولو فاتته ركعةٌ أو ركعتان، على مهله، ينبغي له إذا كان يخشى أن يُبادر بالاستعداد للصلاة في وقتها حتى يتمكَّن من المجيء إليها قبل أن تُقام، أما أن يتأخَّر ثم يُسرع فهذا خلاف السنة، بل يمشي وعليه السكينة والهدوء والوقار.
وفي رواية مسلم: فإنَّ أحدكم ما دام يعمد إلى الصلاة فهو في صلاةٍ، طريقه إلى الصلاة فهو في صلاةٍ، كذلك خُطاه تشهد له، كل خطوةٍ يرفع الله له بها درجة، ويحطُّ عنه بها خطيئة، فلا وجهَ للعجلة، قال: فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتمُّوا، وفي روايةٍ: لا تُسرعوا تأكيدًا لقوله: السكينة والوقار، تأكيد للمقام، وأنه ينبغي له أن لا يُسرع، وأن يمشي المشي المعتاد بالوقار والسكينة حتى يصل إلى الصف.
ولما ركع أبو بكرة دون الصفِّ أنكر عليه النبيُّ ﷺ وقال: زادك الله حرصًا ولا تعد كما رواه البخاري في الصحيح.
وقوله: فأتمُّوا يدل على أنَّ الصلاة التي يُدركها مع الإمام هي أول صلاته؛ ولذا قال: فأتمُّوا، وأكثر الروايات على فأتموا، وجاء في بعضها: فاقضوا والمعنى فأتموا، معنى القضاء التَّمام، لا منافاةَ بين الروايتين، تُفسر إحداهما الأخرى، كما قال تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُم [البقرة:200] يعني: أتممتم مناسككم، فإذا قُضيت الصلاةُ وفُرغ منها فقد أتمَّها، فالقضاء بمعنى الإتمام، وما أدركه مع الإمام هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته، هذا هو الصواب؛ ولهذا يجب عليه التَّشهد في آخر صلاته إذا كان ما يقضيه، وإذا كان ما أدركه مع الإمام هو آخرها لكفاه التشهد مع الإمام، وهو لا يكفيه، بل لا بدَّ من تشهده في آخر الصلاة، فعُلم أنَّ الذي يقضيه هو آخرها، وما أدركه مع الإمام هو أوَّلها.
فعلى هذا إذا كان أدرك ركعتين مع الإمام فهما أول صلاته، يقرأ فيهما بعد الفاتحة، إذا كان الإمامُ لم يركع، وإذا قضى قرأ الفاتحة، وإن قرأ معها فلا بأس، لكن السنة الفاتحة كما في حديث أبي قتادة: كان في الركعتين يقرأ بأم الكتاب –الأخيرتين- ولا يجهر؛ لأنها آخر صلاته: كالمغرب والعشاء، لا يجهر لأنها آخر صلاته.
والأحاديث الأخيرة تدل على شرعية التَّخفيف وعدم التَّطويل، وأن السنة للإمام أن يُخفف، تكون صلاته تامَّة فيها تخفيف، كما أمر النبيُّ ﷺ، قال: إذا أمَّ أحدُكم بالناس فليُخفف؛ فإنَّ فيهم الضَّعيف والصغير والكبير وذا الحاجة، فكونه يُراعي المأمومين ولا يُطوِّل عليهم.
والتَّخفيف ليس بحسب رأي كل أحدٍ، التخفيف كما صلاة النبي ﷺ، هي التخفيف، فيتأسَّى بالنبي ﷺ في صلاته، وصلاته هي التَّخفيف، قال أنسٌ رضي الله عنه: "ما صلَّيْتُ خلف إمامٍ أتمَّ صلاةً ولا أخفّ صلاةً من النبي عليه الصلاة والسلام"، فصلاته التَّخفيف عليه الصلاة والسلام.
فالمعنى أنه يركن في صلاته ويطمئن فيها ولا يُطوِّل تطويلًا يشقُّ على الناس، كما كان النبيُّ يفعل عليه الصلاة والسلام؛ كانت صلاته ......... عليه الصلاة والسلام، وربما أطال في الركعة الأولى من الظهر، كان يُطيل في الغالب في صلاة الفجر، وهذا يُسمَّى: تخفيفًا، قرأ بالفجر، بقاف، بسورة الرعد، وطوال المفصل، هذا ليس بالتطويل؛ لأن الناس في حاجةٍ إلى أن يسمعوا القرآنَ، ولا سيما في الفجر؛ لأنهم قد قاموا من النوم مُستريحين، فهم في حاجةٍ إلى أن يسمعوا كلام ربهم ، إذا طوَّل في الفجر كما فعل النبيُّ ﷺ فليس بهذا بتطويلٍ، وإذا خفَّف بعض الأحيان في قراءته فلا بأس.
وهكذا في الظهر؛ كان يُطيل كما يُطيل في الفجر، وربما خفَّف، وكان يقرأ في الظهر قدر ثلاثين آيةً في الأوليين، بقدر سورة السجدة، وربما قرأ بأقلّ من ذلك، وقد أمر معاذًا أن يُصلي بالناس بـ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية]، و إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق]، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل] في العشاء، فدلَّ ذلك على أنَّ الإمام يتحرى الشيء الذي لا يشقُّ على الناس، وإن طوَّل بعض الأحيان وخفَّف بعض الأحيان فقد تأسَّى بالنبي ﷺ، فتارةً يُطوِّل، وتارةً يُقصر، وتارةً بين ذلك؛ لأنَّ هذا فيه تأسٍّ بالنبي عليه الصلاة والسلام.
كذلك تطويل الأولى أطول من الثانية: من السنة أيضًا أن يُطوِّل الأولى أكثر من الثانية في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، تكون الأولى أطول هذا هو الأفضل والأغلب، وربما ساوى بينهما ﷺ كما في الجمعة، فإنه يقرأ بسبح والغاشية، وهما متقاربتان، وقد تكون الثانية أطول قليلًا، فإذا فعل هذا بعض الأحيان فلا بأس، لكن الأفضل في الغالب أن تكون الثانيةُ أقلّ، كما كان يفعل ﷺ في صلاة الفجر وغيرها، وكان يقرأ في فجر يوم الجمعة ألم تنزيل السجدة في الأولى، وفي الثانية بـ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ [الإنسان]، وهي أقلّ منها.
فالأفضل في الأغلب أن يُراعي أن تكون الأولى أطول من الثانية، وإذا صلَّى ركعتين بقراءةٍ متقاربةٍ أو متساويةٍ فلا حرج، كما فعل النبيُّ في الجمعة عليه الصلاة والسلام، لكن في الأغلب تكون الأولى أطول من الثانية كما أخبر أبو قتادة .
كذلك إذا سمع جلبةً من الناس يُنبههم، لا يتعجَّلوا، كما نبَّههم النبيُّ ﷺ، ولا يعجل حتى يُدرك الداخلون الركعة، إذا دخلوا وهم في الركوع فلا مانع من أن يُطوِّل قليلًا حتى يُدركوا الركوع من دون مشقَّةٍ على الحاضرين.
وفَّق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.
بَابُ وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَالنَّهْيِ عَنْ مُسَابَقَتِه
1051- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ: إنَّمَا الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
1052- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ؟! رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
1053- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي إمَامُكُمْ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بِالْقُعُودِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1054- وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَلَا تَرْفَعُوا حَتَّى يَرْفَعَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
بَابُ انْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ بِاثْنَيْنِ أَحَدهمَا صَبِيٌّ أَوِ امْرَأَةٌ
1055- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي وَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَفِي لَفْظٍ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ عَشْرٍ، وَقُمْتُ إلَى جَنْبِهِ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ"، قَالَ: "وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1056- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الشيخ: مُتابعة الإمام وتحريم مُسابقته أمرٌ مهمٌّ لازمٌ في الفريضة؛ أن يتبع الإمامَ ولا يُسابق، هذا أمر من الأمور العظيمة التي أكَّدها النبيُّ ﷺ وأبدى فيها وأعاد، فالله جلَّ وعلا شرع للناس الجماعة، وجعل لهم إمامًا يقتدون به، فالواجب متابعة هذا الإمام وعدم مُسابقته ومُخالفته؛ ولهذا جاء في ذلك الوعيد الشديد، فالإمام إنما جُعل ليُؤتمَّ به، لم يُجعل عبثًا.
ومن ذلك تعليم الأمة، وطاعة الأمراء، وطاعة الرؤساء، والاجتماع على الخير، والتعاون على البرِّ والتقوى، وفي تعليمهم الصلاة ورصّهم في الصلاة تمثيل عظيم لأداء العبادات، وأداء ما شرع الله من الجماعات، وما فيها من الخير العظيم، والتعاون على البرِّ والتقوى، فالاجتماع على الصلاة فيه خيرٌ عظيمٌ، كما في الاجتماع على شيءٍ من الخير: كالجهاد، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، ونصر المظلوم، ومنع الظالم، إلى غير هذا مما فيه من الخير العظيم.
فوجب على الناس مُتابعة الإمام حتى يستفيدوا من هذا الاجتماع وهذا التعليم، وإذا اختلفوا فسد المطلوب، واختلَّ النظام، ولم تحصل الفائدة المطلوبة، فالواجب عليهم أن يتبعوه، وأن لا يُسابقوه؛ ولهذا قال: فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا أجمعون ......
وهكذا في حديث أبي هريرة الآخر: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يُحوِّل اللهُ رأسَه رأس حمارٍ، أو يجعل صورته صورة حمارٍ؟! هذا وعيد عظيم، فيجب على المأموم المتابعة وعدم المسابقة.
وكذلك قوله ﷺ: إني إمامكم فلا تسبقوني في ركوعٍ، ولا في سجود، ولا بقيام، ولا بقعود، ولا بالانصراف يعني: السلام. وفي اللفظ الآخر: فلا تُكبِّروا حتى أُكَبِّر، ولا تركعوا حتى أركع لتأكيد المتابعة.
ويظهر من هذا أيضًا عدم جواز الموافقة؛ لأنه قال: فكبِّروا، فاركعوا، ولا تركعوا حتى أركع، ولا تسجدوا حتى أسجد، فظاهره تحريم الموافقة أيضًا، ....... الجماعة بأنها مكروهة الموافقة والمسابقة، فالواجب الحذر من هذا، وهذه المسابقة لا شكَّ في تحريمها، وأنها تُبطل الصلاة؛ لأنها منكر، إذا تعمَّدها فقد أبطل صلاته، والموافقة ينبغي الحذر منها؛ لأن الأحاديث تقتضي عدم الموافقة أيضًا، سواء قلنا بالكراهة أو بالتحريم، الواجب الترك؛ لأنَّ ظاهر السنة تقتضي ترك الموافقة، وأن تكون أعماله بعد إمامه متَّصلة؛ ولهذا أتى بالفاء، والفاء تقتضي الترتيب والاتِّصال، فتكون متابعةً متصلةً، لكنها بعدية: فإذا كبَّر فكبِّروا، وقد أجمع العلماءُ على أنَّه إذا كبَّر معه في الإحرام لم تنعقد صلاته ...... المشهور كراهة الموافقة، وقال قوم بالتحريم لظاهر الأدلة، فإذا كانت الموافقة في تكبيرة الإحرام تبطل الصلاة ولا تنعقد، فينبغي الحذر من الموافقة في غيرها، فلا يُكبِّر عند الركوع حتى يُكبِّر إمامه، ولا يركع حتى يركع إمامه، ولا يسجد حتى يسجد إمامه، ولا يرفع إذا قال: "سمع الله لمن حمده" لا يرفع حتى ينقطع صوته، وهكذا في بقية تنقُّلاته؛ تأدُّبًا مع الإمام، وعملًا بهذه الأحاديث العظيمة، والحرص على كمال صلاته وتمامها، وعدم وجود النَّقص فيها.
وقد ذكر الإمامُ رحمه الله في رسالته المشهورة التي كتبها للناس لما صلَّى في بعض المساجد ورأى منهم المسابقة والموافقة للإمام بيَّن فيها حال الناس، وأن كثيرًا منهم يُسابق إمامه ويُصلي صلاةً ليست صحيحةً، وبعضهم يُوافق الإمام.
فالمقصود من هذا أنَّ هذا الذي ذكره الإمامُ في زمانه في القرن الثالث هو واقع في زماننا من باب أولى وأكثر، فينبغي الحذر من ذلك، وأن المؤمن إذا رأى من أخيه تساهلًا في هذا يُنبهه، إذا رآه يُوافق الإمامَ أو يُسابق الإمام يُنبهه، أن يقول له: هذا يا أخي لا يجوز، الواجب عليك متابعة إمامك وعدم العجلة حتى تكون بعد إمامك، ويكون بالعبارات الحسنة رجاء أن يستجيب ويمتثل.
وأما قوله: فإذا صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإذا صلَّى قاعدًا فصلُّوا جلوسًا أجمعون هذا يدل على وجوب المتابعة حتى لو صلَّى جالسًا، ولكن جاء في الحديث في "الصحيحين" عن عائشة أنه صلَّى جالسًا فصلَّى الناس خلفه قيامًا، ولم يأمرهم بالجلوس، وكان الصديقُ يُبلغهم كما في الصحيح من حديث عائشة، فقال قوم: إنَّ هذا يدل على النَّسخ، وأن القعود منسوخ، وقال آخرون: ليس بناسخٍ، ولكنه يدل على الجواز؛ لأنَّ الأصل هو تقديم الجمع على النسخ، فلا يُصار إلى النَّسخ إلا عن العجز عن الجمع، وهنا الجمع ممكن فيُقال: صلاتهم معه قعودًا أفضل، وإن صلّوا قيامًا كما أقرَّهم النبيُّ ﷺ في آخر حياته فلا حرج في ذلك؛ جمعًا بين النصوص، والمصير إلى الجمع أولى من المصير إلى النَّسخ.
وقال آخرون جمعًا آخر، وهو: إن بدأها قائمًا صلّوا قيامًا كما بدأها قائمًا، كما جاء [عن] النبي ﷺ: صلَّى فجلس عن يساره فصار مأمومًا، ولكن جاء في بعض الروايات أنه هو الذي ابتدأها عليه الصلاة والسلام.
وبكل حالٍ فالجمع بين النصوص بأن الجلوس أولى لو صلَّى قاعدًا، وإن صلّوا قيامًا كما أقرَّهم النبي ﷺ في آخر حياته فلا بأس، والأمر أعظم من الإقرار كما في حديث عائشة وحديث أبي هريرة والأحاديث الأخرى -حديث أنس وغيره: صلّوا قعودًا أجمعون، وحديث عائشة في آخر حياته إنما هو إقرار، والإقرار يدل على الجواز، والأمر يدل على الأفضلية، وهكذا حديث: إذا رأيتم الجنازة فقوموا، ثم جلس، يدل على جواز الجلوس إذا رأى الجنازة وألا يقوم، وجاء أنه شرب قائمًا مع أنه أمر بالشرب قاعدًا، وهو قاعد أفضل، وإذا شرب قائمًا فلا حرج.
وهكذا مسائل كثيرة جاء فيها الأمر والنَّهي، وجاء فيها الفعل مخالفًا لذلك، فتأوَّلها العلماء على الجمع، قالوا: الجمع بينها على أنَّ الأمر يدل على الاستحباب، والنهي على الكراهة، والفعل يدل على عدم التحريم، وعلى عدم الوجوب، وبهذا تجتمع النصوص.
وهكذا ما ذهب إليه البخاريُّ رحمه الله في استقبال القبلة في البُنيان في قضاء الحاجة، كما في حديث ابن عمر: أنه رأى النبيَّ ﷺ يقضي حاجته مُستدبر الكعبة، فهذا يدل على الجواز في البُنيان، والنَّهي يدل على أنَّ المنع أحرى من باب الجمع بين النصوص الفعلية والقولية، وهذا باب واسع، وله مسائل كثيرة، ونظائر كثيرة، وهذا أحسن ما قيل في ذلك، أولى من النسخ، وأولى من كونه أن نقول: إنه خاصٌّ بالنبي ﷺ؛ لأنَّ الأصل عدم التَّخصيص، فلا يُقال: إنَّ هذا خاصٌّ بالنبي إلا بدليل، ولا يُقال: إنَّ هذا منسوخٌ إلا بدليل، ومهما أمكن الجمع فهو أولى من النَّسخ، والقاعدة أنَّ فعله ﷺ عام لا يخصّ إلا بدليلٍ.
أما حديث ابن عباسٍ وصلاة النافلة مع النبي ﷺ جماعة فهذا له أدلة، قد بوَّب البخاري كما تقدم في قوله: "باب الاثنان وما فوقهما جماعة"، وذكر حديثَ مالك بن الحويرث: إذا صليتُما فليُؤذِّن لكما أحدُكما، ويؤمّكما أكبرُكما، وهكذا حديث ابن عباس لما صلَّى مع النبي ﷺ في الليل جعله عن يمينه، وصلَّى به جماعة، وهكذا لما زار النبيُّ ﷺ جدة أنس، أنه صلَّى بأنسٍ وجعله عن يمينه، صلاة الضحى، والمرأة خلفهما.
والحديث الثاني في قيام الرجل وامرأته في الليل إذا قاما وصليا، فهذا يدل على أنه لا بأس أن يكون الرجلُ مع المرأة، وتكون مأمومةً له، وتُصلي خلفه في جماعةٍ، لكن ليس بصريحٍ بأنهما صليا جميعًا، فإنه يحتمل أنهما صليا جميعًا، ويحتمل أنَّ كل واحدٍ صلَّى ما كتب الله له، وبكل حالٍ فلو صلَّى بها: زوجته أو أمه فلا بأس، وتكون خلفه، لا تصفّ معه المرأة، إنما تصفّ خلفه، ويحصل لهما أجر الجماعة، المرأة ما تصفّ مع الرجل؛ ولهذا أمّ أنس ما صفَّت مع أنسٍ أن صلَّى خلف النبي، والمرأة من ورائهما -جدة أنس.
س: حديث ابن عباس هل فيه الدلالة على فضيلة الجهة اليمنى؟
ج: ......... العلماء إذا كان واحدًا يصفّ عن يمينه، أما إذا كان هناك أكثر عن يمينه ويساره، هذه السنة، أما إذا كان واحدًا يصفّ عن يمينه؛ لهذا الحديث -حديث ابن عباس- والصواب أنها لا تبطل الصلاة، لكن ينبغي [أن] يصفَّ عن يمينه؛ ولهذا ما أمره النبيُّ [أن] يُعيد أول الصلاة، أداره ولم يأمره بإعادة أول الصلاة، ولكن لا ينبغي أن يصفَّ عن يساره إذا كان واحدًا، يصفّ عن يمينه، فإذا كانوا جماعةً صفُّوا عن يمينه ويساره، أما حديث جابر وجبار جاؤوا إلى النبي ﷺ وصفُّوا معه في بعض الصَّلوات فأخذهما وجعلهما خلفه، صفُّوا عن يمينه وشماله فجعلهما خلفه عليه الصلاة والسلام.
س: ...........؟
ج: ...... يليني منكم ألوا الأحلام والنُّهى.
س: ما يكون معذورًا لجهله أداره عن يساره؟
ج: لا يجوز، لكن ما تبطل الصلاة، ما أمره بإعادة أوَّلها.
س: لو أكمل الصلاةَ وهو على اليُسرى؟
ج: يصحّ، الأصح صحّتها، لكن يُعلَّم، مثل: لما خلع نعليه لما أُخبر أنَّ بهما قذرًا، ولم يُعد أول الصلاة، ما درى عن الحكم إلا بعدما علَّمه جبرائيل، خلع نعليه، وخلع الناس نعالهم، ولم يُعد الصلاة، دلَّ على أنه لو صلَّى وما درى عن النَّجاسة صحَّت صلاته.
س: ............؟
ج: ...... لا يُسلم إلا بعده.
س: ...........؟
ج: ..... عند شروعه في الانتقال يشرع في التَّكبير.
س: ............؟
ج: قال: إذا كبَّر فكبِّروا .........
س: وفي روايةٍ: فلا تُكبِّروا حتى يُكبِّر؟
ج: من باب التأكيد، وفي "الصحيحين": فكبِّروا، وفي رواية أبي داود وأحمد من باب التأكيد، من باب الإيضاح.
س: وإذا أمَّن فأمِّنوا متى يكون تأمين المأمومين؟
ج: إذا شرع الإمامُ، إذا شرع في المقصود كله دعاء، يدعون جميعًا، هو دعا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، الإمام دعا، وهم مُنصتون له، ثم إذا قال: وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] يقولون: "آمين" جميعًا؛ لأنَّ في الرواية الأخرى: فإذا قال: وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا: آمين، فإن مَن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفر له ما تقدَّم من ذنبه، المقصود أن يتَّفق تأمينُهم مع تأمين الملائكة، ويكونوا كلهم مُؤَمِّنين.
س: إذا سبق المأمومُ الإمامَ بركنٍ أو ركنين تبطل الصلاةُ ولو بركنٍ واحدٍ؟
ج: المسابقة إذا كانت عن تعمُّدٍ تبطل، أما إذا كانت عن جهلٍ يرجع ويُتابع الإمام، أما إذا كان تعمّد تبطل، ظاهر الحديث البطلان، أما إذا كان عن جهلٍ: ركع قبله، ما درى، ثم عُلِّم يُتابعه، أو كبَّر قبله للركوع ثم عُلِّم يُتابعه.
س: أو ناسيًا؟
ج: أو ناسيًا، معذور.
س: قول الفقهاء: إذا سبقه بركنين، يُشترط أن يسبقه بركنين؟
ج: ما أعلم عليه دليلًا، النبي ﷺ في صلاة الخوف ركع وسجد، ركع بالجميع ثم سجد بالطائفة الأولى سجدتين، ثم قام، ثم تبعوه، سبقهم بثلاثة: السجود والسجود والجلسة بينهما للعذر.
باب انفراد المأموم لعذرٍ
ثبت أنَّ الطائفة الأولى في صلاة الخوف تُفارق الإمامَ وتُتمُّ وهي مُفارقة لعذرٍ.
1057- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَدَخَلَ حَرَامٌ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَ نَخْلَهُ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ مَعَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا رَأَى مُعَاذًا طَوَّلَ تَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ وَلَحِقَ بِنَخْلِهِ يَسْقِيهِ، فَلَمَّا قَضَى مُعَاذٌ الصَّلَاةَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: إنَّهُ لَمُنَافِقٌ، أَيَعْجَلُ عَنِ الصَّلَاةِ مِنْ أَجْلِ سَقْيِ نَخْلِهِ؟! قَالَ: فَجَاءَ حَرَامٌ إلَى النَّبِيِّ ﷺ وَمُعَاذٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَسْقِيَ نَخْلًا لِي، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ لِأُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا طَوَّلَ تَجَوَّزْتُ فِي صَلَاتِي وَلَحِقْتُ بِنَخْلِي أَسْقِيهِ، فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟! أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟! لَا تُطَوِّلْ بِهِمْ، اقْرَأْ بِـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى]، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس] وَنَحْوِهِمَا.
1058- وَعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ، فَقَرَأَ فِيهَا: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر]، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْرُغَ فَصَلَّى وَذَهَبَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ قَوْلًا شَدِيدًا، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ وَقَالَ: إنِّي كُنْتُ أَعْمَلُ فِي نَخْلٍ وَخفْتُ عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ -يَعْنِي لِمُعَاذٍ: صَلِّ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا مِنَ السُّوَرِ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي فَارَقَ مُعَاذًا سَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا بَنَى بَل اسْتَأْنَفَ.
قِيلَ: فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: إنَّ مُعَاذًا اسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ وَقَعَتَا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، إمَّا لِرَجُلٍ أَوْ لِرَجُلَيْنِ.
بَابُ انْتِقَالِ الْمُنْفَرِدِ إمَامًا فِي النَّوَافِل
1059- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ خَلْفَهُ، وَقَامَ رَجُلٌ فَقَامَ إلَى جَنْبِي، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ حَتَّى كُنَّا رَهْطًا، فَلَمَّا أَحَسَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّنَا خَلْفَهُ تَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَصَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّهَا عِنْدَنَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَطِنْتَ بِنَا اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى مَا صَنَعْتُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1060- وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اتَّخَذَ حُجْرَةً، قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1061- وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَتِهِ، وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَامَ نَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ، فَقَامَ نَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
بَابُ الْإِمَامِ يَنْتَقِلُ مَأْمُومًا إذَا اسْتَخْلَفَ فَحَضَرَ مُسْتَخْلِفهُ
1062- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ ﷺ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إذْ أَمَرْتُكَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: "مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُم التَّصْفِيقَ؟! مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ قَالَ: كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَتَاهُمْ بَعْدَ الظُّهْرِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ: يَا بِلَالُ، إنْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَمْ آتِ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ أَقَامَ بِلَالٌ الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
فِيهِ مِن الْعِلْمِ أَنَّ الْمَشْيَ مِنْ صَفٍّ إلَى صَفٍّ يَلِيهِ لَا يُبْطِلُ، وَأَنَّ حَمْدَ اللَّهِ لِأَمْرٍ يَحْدُثُ وَالتَّنْبِيهُ بِالتَّسْبِيحِ جَائِزَانِ، وَأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي الصَّلَاةِ لِعُذْرٍ جَائِزٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ قُصَارَاهُ وُقُوعُهَا بِإِمَامَيْنِ.
1063- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، فَوَجَدَ النَّبِيُّ ﷺ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أَتَيَا بِهِ حَتَّى جَلَسَ إلَى جَنْبِهِ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي قَاعِدًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ: "فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْن رَجُلَيْنِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ".
وَلِمُسْلِمٍ: "وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُم التَّكْبِيرَ".
الشيخ: هذه الأبواب الثلاثة ...... الباب الأول فيه الدلالة على جواز التَّخلف عن الإمام لعذرٍ شرعيٍّ، وهذه الأعذار بعضها متعين، وبعضها جائز، فصلاة الخوف لأجل الحراسة، النبي ﷺ أمرهم أن يحرسوا وأن تتخلَّف الطائفةُ الأولى في الركعة الثانية، فهذا عذر شرعي، يجب القيام بالحراسة، فلما صلَّى بهم ركعةً أتمُّوا لأنفسهم، وذهبوا يحرسون، وجاءت الطائفةُ الأخرى فصلَّت معه الركعة الثانية، فهذا كله من أجل مصلحة المسلمين العامَّة، ولا حرج في ذلك.
ومن هذا قصة جابر التي ذكرها المؤلفُ هنا من حديث جابر: لما كان العدو في جهة القبلة، فركع معه الصفُّ الأول وسجدوا معه، ولما قام الصفُّ الأول سجد الصفُّ الثاني، تأخَّروا في السجود لأجل الحراسة أيضًا.
وهناك أمرٌ آخر للإنسان المعين الذي ما خلفه شيء يخشى عليه: من أطفاله، أو نار، أو ماء يخشى أن يضيع، قصة معاذ وصاحبه، فإذا انفرد الإمامُ لعذرٍ شرعي؛ لأنَّ الإمام طوَّل كما فعل معاذ، فلا حرج، سواء أتمَّ لنفسه أو قطعها وابتدأها من جديدٍ كما في القصتين، فهذا عذرٌ شرعي لإطالة الإمام.
ويظهر من هذا أنه ينبغي للإمام أن لا يُطوِّل، وأن يُراعي الناس، ولا سيما الحرَّاثين وما أشبههم من أهل العلم، يُراعيهم في عدم التَّطويل حتى لا يشقَّ عليهم.
وفي هذا الحثُّ على مراعاة المأمومين، وأنَّ مَن خالف ذلك يُنكر عليه بشدةٍ؛ ولهذا قال: أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟! وفي حديث أبي مسعودٍ قال: "ما رأيتُه غضب في موعظةٍ مثل غضبه يومئذٍ"، اشتدَّ عليه الصلاة والسلام في ذلك، فدلَّ على أنه ينبغي لولاة الأمور والمسؤولين أن يحثُّوا الأئمة على الرفق بالمأمومين وعدم التطويل عليهم وعدم المشقة عليهم، ويُراعي أحوالهم، فليسوا على حدٍّ سواء، ليس الحرَّاثون وأشباههم كالمقيمين في البلاد والمقيمين في المساجد من المشقَّة.
وفيه من الفوائد: أنَّ مَن أظهر أعمال المنافقين يُطلق عليه النِّفاق؛ لهذا لم يُنكر النبيُّ ﷺ على معاذٍ كلمة: "منافق"، ولكن أنكر عليه التَّطويل الذي سبَّب الإنكار.
وفي قصة تخلّفه عن الجماعة سمَّاه ابن مسعود منافقًا، فمَن أظهر صفات المنافقين يُسمَّى: منافقًا على ما أظهر؛ ولهذا قال ﷺ: أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، وقال ابن مسعود: "وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلوم النِّفاق"، ففي هذا الحذر من أخلاق المنافقين وصفات المنافقين والبُعد عنهم.
وفي الأحاديث الأخيرة الدلالة على جواز التَّنفل جماعة، وأنه لا بأس بالتنفل جماعة، مثل: التراويح، ومثل: صلاة الضحى بعض الأحيان، وصلاة الليل بعض الأحيان في غير التراويح، كما فعل النبيُّ ﷺ في بيت عتبان، وفي بيت أنس، النبي ﷺ ....... لهم ذلك في أيام رمضان؛ لئلا تُفرض عليهم، وقال: صلُّوا في بيوتكم، فخاف أن تُفرض عليهم صلاة الليل، فلما أمن ذلك بموته ﷺ فعله عمرُ وصلَّى بالناس التراويح؛ لأنه علم من السنة شرعية التراويح، وشرعية قيام رمضان، والأمر الذي خافه النبيُّ ﷺ أن تُفرض قد أُمِنَ؛ ولهذا صلَّاها المسلمون جماعة، واستقرَّ ذلك، ودلَّ على ذلك فعله عليه الصلاة والسلام وقوله: مَن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلةٍ ...........
وكذلك الباب الأخير فيه الدلالة على أنه لا بأس أن يتأخَّر الإمامُ إذا كان خليفةً وجاء المستخلِفُ فلا بأس أن يتأخَّر فيكون في أولها إمامًا، وفي أثنائها مأمومًا، لا حرج في ذلك، كما فعل الصديقُ لما حضر النبيُّ ﷺ تأخَّر الصديقُ وتقدم النبيُّ ﷺ، فلا حرج في ذلك، ولو استمرَّ كما أذن له النبيُّ فلا حرج، النبي أشار أن يستمرَّ لكنه كره ذلك وقال: "ما كان لابن أبي قُحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله ﷺ"، لكن في حديث عبدالرحمن بن عوف في مسلم: أنه صلى بالناس وأقرَّه النبيُّ ﷺ، جاء وقد صلوا ركعةً فلم يرغب أن يكون إمامًا، فصلَّى مع الناس، فلمَّا سلَّم عبدالرحمن قام ﷺ فأكمل الفريضة، وقال: أحسنتُم، فدلَّ ذلك على أنه لا حرج في ذلك، وأن الإمام إذا تأخَّر يستخلف الناسُ مَن يُصلي بهم، وهو إذا جاء لا يتقدم، بل يُصلي مع الناس إذا كان قد صلَّى ركعةً كما فعل عبدالرحمن بن عوف وأقرَّه النبيُّ ﷺ ولم يتقدم، أما إذا كان في أولها فهو مُخيَّر، الإمام إن شاء تقدَّم وتأخَّر الخليفة، وإن شاء تركه يُكمل وصلَّى مع الناس، فكل هذا فعله النبيُّ ﷺ، والأفضل أن يتركه يكمل؛ فإن الرسول ﷺ أمر أبا بكر أن يُكمل، ولكن الصديق تأدَّب وأحبَّ أن يتأخَّر.
فالأمر في هذا واسع، لكن الأولى والذي ينبغي للمؤمن إذا كان الخليفة قد صلَّى ركعةً أو أكثر أنه لا يتقدم مثلما فعل النبيُّ ﷺ مع عبدالرحمن، أقرَّه حتى كمل؛ لأنه قد يشقّ على الناس ذلك، قد يحصل اختلاف، فينبغي له أن يكمل مع الناس، وإذا سلَّم الإمامُ قضى ما عليه كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام.
س: بعض الأئمة يقرأ في صلاة الفجر بسورة الزلزلة، أمس واحد قرأ بسورة النصر وسورة المسد ......؟
ج: ثبت عن النبي ﷺ أنه قرأ الزلزلة في الفجر، كررها في الركعتين، رواه أبو داود بإسنادٍ جيدٍ، النبي أراد بيان الجواز، يعني قصده بيان الجواز؛ أنه يجوز أن يُصلي بقصار السور، لكن الأفضل أن يكون الغالبُ طوال السور، النبي كان يُطيل في الفجر عليه الصلاة والسلام، هذا هو الأفضل، لكن إذا فعل بعض الأحيان قصده لبيان الجواز، فلا حرج.
س: إذا أراد الإمامُ أن يُصلي المغرب بالأعراف، هل له أن يُعْلِمَ الجماعة ويُعلن عنها إعلانًا رسميًّا في أوراقٍ أنه سيُصلي في هذا المسجد المغرب بالأعراف؟
ج: الأظهر في هذا لا يقرأ ولا يُعلن، ولا يقرأ لأنها نافلة، فعلها النبيُّ ﷺ مرةً واحدةً، وحثَّ على عدم التَّطويل، والناس لا يتحمَّلون اليوم، الذي أرى أنه لا ينبغي أن تُقرأ في هذا الوقت الحاضر؛ لأن الناس ما يتحمَّلون هذا الطول، والنبي ﷺ ما كان يُطوِّل عليهم في الغالب، وحثَّ على التَّخفيف، وسمعتُم ما قال لمعاذٍ، ولم يُحفظ عنه إلا مرة فعلها، لأسبابٍ فعلها عليه الصلاة والسلام، والناس تُراعى أحوالهم من ضعف إيمانٍ وضعف تحمُّلٍ.
س: ......: "كان يأمرنا بالتَّخفيف، ويؤمّنا بالصافات"؟
ج: صلاة النبي تخفيف، هذا هو الأصل، وعلمنا التَّخفيف عليه الصلاة والسلام، التَّأسي به هو التخفيف، لكن إذا راعى الإمامُ حال الناس كما أمره النبيُّ ﷺ ينبغي أن يُراعي الناس ....... أن يُراعي حال الناس ولا يفتنهم أولى.
س: ............؟
ج: .............
س: الرسول ﷺ جعل طول صلاة الرجل مئنَّة فقهه .......
ج: ............
س: استنباط المؤلف في الترجمة يقول: "باب انْتِقَال الْمُنْفَرِدِ إمَامًا فِي النَّوَافِل" تخصيص النوافل، يعني: دون الفرائض، ما يقال: الفريضة مثل النافلة في هذا؟
ج: الظاهر أنَّ الحكم واحد، الأصل واحد، لكن لعله قصد لأجل الواقع، وإلا فالحكم واحد، لو كان يُصلي وحده وجاء وصلَّى معه إنسانٌ ...... مثلما أمر النبيُّ ﷺ: مَن يتصدَّق على هذا؟.
س: .............؟
ج: يستخلف، وإن لم يستخلف استخلفوا هم، قدَّموا مَن يكمل بهم، وإن كملوا بأنفسهم -كل واحدٍ كمَّل بنفسه- أجزأ.
س: ...........؟
ج: لا، ما يُعيد، الصواب ما يُعيد.
بَابُ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً بَعْدَ إمَامِ الْحَيِّ
1064- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَصَلَّى مَعَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ. وَذَكَرَهُ.
بَابُ الْمَسْبُوقِ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَلَا يَعْتَدُّ بِرَكْعَةٍ لَا يُدْرِكُ رُكُوعَهَا
1065- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا، وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1066- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ أَخْرَجَاهُ.
1067- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا أَتَى أَحَدُكُم الصَّلَاةَ وَالْإِمَامُ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
بَابُ الْمَسْبُوقِ يَقْضِي مَا فَاتَهُ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ
1068- عَن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: تَخَلَّفْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَتَبَرَّزَ -وَذَكَرَ وُضُوءَهُ- ثُمَّ عَمَدَ النَّاسَ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ يُصَلِّي بِهِمْ، فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُالرَّحْمَنِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُتِمُّ صَلَاتَهُ، فَلَمَّا قَضَاهَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: قَدْ أَحْسَنْتُمْ وَأَصَبْتُمْ يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، قَالَ فِيهِ: فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي سُبِقَ بِهَا، ولَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا شَيْئًا.
قَالَ أَبُو دَاوُد: أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ عُمَرَ يَقُولُونَ: "مَنْ أَدْرَكَ الْفَرْدَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ".
الشيخ: هذه الأحاديث فيها فوائد:
الحديث الأول فيه الدلالة على أنَّ الناس إذا صلّوا وجاء جماعة لم يُدركوها، لهم أن يُصلوا جماعةً ولا حرج، وقال بعضُ السلف: إنهم يُصلون أفرادًا. والصواب أنهم يُصلون جماعةً؛ لأن الجماعة مطلوبة، والأحاديث تعمُّ ذلك، تعمُّ هذه الصورة في فضل الجماعة، ومما يدل على هذا الحديث الذي ذكره المؤلفُ: أنَّ رجلًا دخل بعدما صلَّى النبيُّ ﷺ فقال ﷺ: مَن يتصدَّق على هذا فيُصلي معه؟، فقام بعضُ الناس فصلَّى معه، .........، فدلَّ على جواز ذلك، وثبت عن أنسٍ أنه كان إذا فاتته مع الناس صلَّى مع أصحابه في المسجد جماعةً.
والقول بأنهم يُصلون أفرادًا لا وجهَ له، وليس بجيدٍ، والصواب ما دلَّ عليه الحديثُ أنهم يُصلون جماعةً؛ أخذًا بالعموم، وعملًا بهذه الأدلة الخاصَّة.
والأحاديث الأخرى تدل على أنَّ المأموم إذا جاء والإمام على حالٍ يصنع كما يصنع الإمام؛ إن جاء وهو راكع ركع معه، وإن جاء وهو ساجد سجد معه، وإن جاء وهو جالس جلس معه، وهذا المعنى يعمُّه قوله ﷺ: ما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا يعمُّ هذا كله، لكن هل تُجزئه إذا أدرك الركوع فقط؟
هذا محل الخلاف بين أهل العلم، والجمهور على أنَّه إذا أتى الركعةَ أجزأ؛ لأنَّ الركعة تُطلق على الركوع، قال النبيُّ ﷺ: مَن أدرك ركعةً فقد أدرك الصلاة، وفي اللفظ الآخر: مَن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة، لكن هذا اللفظ فيه ضعف، ولكن قصة أبي بكرة لما جاء والنبي راكع وركع معه هي حجَّة الجمهور في أنها تُجزئ؛ لأنَّ النبي ﷺ ما قال له: "اقضِ الركعة"، فدلَّ ذلك على أنها تُجزئ، وقال: زادك الله حرصًا ولا تعد، ولم يقل: "اقضِ هذه الركعة التي ما أدركتَ إلا ركوعها".
وذهب البخاري وجماعة إلى أنه يُعيد الركعة، لا بدَّ أن يقرأ الفاتحة، والصواب أنه لا يلزم ذلك، الفاتحة تلزم مَن أدركها، مَن أدرك الإمام قائمًا قرأها، ومَن لم يُدركه إلا راكعًا أو ترك القراءةَ لأنه يعتقد أنها لا تجب على المأموم -كما هو قول الجمهور- أو نسيها، أو جهل الحكم أجزأته.
ومَن أدرك ركعةً في الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة، وإن فاته ما حصل لمن جاء من أولها من الفضل العظيم، لكن يكون له أجر الجماعة بإدراك الركعة الأخيرة.
كذلك المسبوق إذا أدرك الإمامَ في ركعةٍ فأكثر يقضي ما سبق، وليس عليه سجود السهو، وقال بعضُ السلف: يسجد السهو إذا لم يُدرك إلا ركعةً واحدةً؛ لأنه يجلس مع الإمام جلوسًا زائدًا، يعني للتحيَّات، وهذا الجلوس الزائد يسجد له سجود السهو. وهذا القول ضعيف، والصواب أنه لا يسجد للسهو؛ لأنه ما سها، النبي ﷺ أدرك مع عبدالرحمن بن عوف ركعةً واحدةً وجلس معه ﷺ هو والمغيرة في التَّشهد الأخير الذي سلَّم منه عبدالرحمن، وهما ليس عليهما جلوس؛ لأنهما ما أدركا إلا ركعةً، يعني جلسا متابعةً، ولم يسجدا للسهو، فدلَّ ذلك على أنَّ مَن أدرك مع الإمام ركعةً فأكثر جلس معه جلوسًا زائدًا، فإنه لا سجودَ عليه للسهو، بل يكمل، ولا يجب عليه، كما فعل النبيُّ ﷺ في قصة عبدالرحمن، والله أعلم.
س: ............؟
ج: هذا يصلي معه ......
س: .............؟
ج: المقصود يحصل له أجر جديد لكونه صلَّى مع أخيه، أما أن يحصل له فضل الجماعة الثانية فالله أعلم، لكن على كل حالٍ يحصل له فضل الجماعة، أما كونه يحصل له سبعٌ وعشرون درجة أو ....... الله أعلم، لكن ظاهر أمر النبي ﷺ: مَن يتصدق عليه؟ أنه يحصل له فضل الجماعة.
س: حديث: نهى أن تُقام جماعتان في مسجدٍ واحدٍ، يدل على وقتٍ واحدٍ؟
ج: إن صحَّ معناه: في وقتٍ واحدٍ، أما هذه بعد هذه فلا حرج ........
س: المسبوق إذا حصل سهو وهو مع إمامه، ثم سجد الإمام وقام ذاك يقضي، ألا يسجد المأمومُ وإلا يكتفي بسجود الإمام للسهو؟
ج: ............
س: إذا سجد مع الإمام انتهى السجود؟
ج: نعم انتهى.
س: .............؟
ج: ولو نعم حتى العصر، في بعض الروايات أن هذه القصة في الفجر أو العصر ......
س: حجَّة السلف الذين قالوا بعدم جواز تعدد إقامة الجماعة؟
ج: ما أعلم لهم حُجَّةً إلا خشية أن يتساهل الناس.
س: .............؟
ج: ..........
س: المسبوق إذا فاته شيء فيما وافق الإمام فيه يحمله عنه الإمام أم يسجد للسهو بعد السلام؟ في الجزء الذي اشترك فيه مع الإمام.
ج: سها فيه؟
س: أي نعم.
ج: يسجد للسهو؛ لأن العلماء قالوا ........ بسلامه مع إمامه ولسهوه معه ........ ثلاث حالات.
س: السهو داخل فيه؟
ج: نعم.
س: ............ هل تُعتبر الأولى أم الأخيرة؟
ج: الأخير، ما يقضيه هو الآخر، وما أدرك مع الإمام هو الأول، ما أدرك مع الإمام هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخرها.