باب الدعاء والذكر بعد الصلاة.
806- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَصْلَتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: يُسَبِّحُ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَيُكَبِّرهُ عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ، فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِئَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِئَةٍ فِي الْمِيزَانِ، وَإِذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ سَبَّحَ وَحَمِدَ وَكَبَّرَ مِئَةَ مَرَّةٍ، فَتِلْكَ مِئَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ في الْمِيزَانِ روَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
807- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ : أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ، وَيَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
808- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ.
809- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُر الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ على محمدٍ.
هذه الأحاديث كلها تتعلق بالدعاء والتَّسبيح آخر الصلاة.
أما التسبيح: فقد ثبت عن النبي ﷺ في أحاديث كثيرة في "الصحيحين" وغيرهما، وهكذا عند النوم، وجاء عن أنواع: منها ما ذكره عبدالله بن عمرو هنا: عشر تسبيحات، وعشر تحميدات، وعشر تكبيرات، "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر" عشر مرات بعد كل صلاةٍ، فهي مئة وخمسون بالعدد، وألف وخمسمئة بالمضاعف؛ لأنَّ الحسنة بعشر أمثالها، والصَّلوات الخمس إذا ضربتها في ثلاثين صارت مئةً وخمسين، كل واحدةٍ معها ثلاثون تسبيحة وتحميدة وتكبيرة، فالجميع باللفظ مئة وخمسون، وبالمضاعفة ألف وخمسمئة، وعند النوم "سبحان الله" ثلاثًا وثلاثين، و"الحمد لله" ثلاثًا وثلاثين، و"الله أكبر" أربعًا وثلاثين كما في "الصحيحين" من حديث عليٍّ أيضًا، فهذه مئة باللسان، وألف وخمسمئة في الميزان، يعني بالمضاعفة، فالحسنة بعشر أمثالها، هذا نوعٌ من أنواع الذكر عقب الصَّلاة.
وجاءت أنواع أخرى منها التَّسبيح ثلاث وثلاثون، والحمد ثلاث وثلاثون، والتكبير ثلاث وثلاثون فقط، الجميع تسع وتسعون، كما في أحاديث فقراء المهاجرين في "الصحيحين"، كما سألوا النبيَّ ﷺ فعلَّمهم هذا.
ونوع ثالث تمام المئة: "الله أكبر"، يصير التَّكبير أربعًا وثلاثين، التَّسبيح ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، الجميع مئة، هذا نوعٌ ثالث.
ونوع رابع وهو ختم التَّسبيح بـ"لا إله إلا الله" كما رواه مسلم في الصحيح: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وثلاث وثلاثون تكبيرة، تمام المئة "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير" رواه مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة.
ونوع خامس: وهو "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" خمس وعشرون، هذه مئة ..... في التهليل، رواه النسائي وجماعة بإسنادٍ صحيحٍ، هذا نوعٌ خامسٌ زاد فيها "لا إله إلا الله"، تكون خمسًا وعشرين، الجميع مئة.
وهناك نوعٌ سادس في صحَّته نظر: وهو إحدى عشر تسبيحة، وإحدى عشر تحميدة، وإحدى عشر تكبيرة، لكن في صحَّتها نظر، زادها مسلم في بعض الروايات من غير تصريحٍ برفعها إلى النبي ﷺ، عن سهيل بن أبي صالح، وفي صحَّتها نظر، يحتاج إلى تتبع وعنايةٍ.
أما هذه الخمس فهي ثابتة -الأنواع الخمسة- وإنما النظر في إحدى عشر تسبيحة، وإحدى عشر تكبيرة، وإحدى عشر تحميدة، هي محل نظرٍ.
وحديث سعد بن أبي وقاص فيه الدلالة على شرعية الدعاء، والأظهر والله أعلم أنَّ هذا الدعاء يكون قبل السلام؛ لأنَّ الدَّعوات تكون قبل السلام كما علَّم النبيُّ ﷺ أصحابه قبل أن يُسلِّموا بعدما علَّمهم التشهد قال: ثم ليتخيَّر من الدعاء أعجبه إليه فيدع، فالأفضل أن يكون قبل السلام، وقوله "في دبر كل صلاةٍ" يحتمل هذا وهذا، يحتمل الدبر الحقيقي وهو آخرها، ويحتمل ما يليها بعد السلام، والأقرب والله أعلم أنَّ هذا التعليم من النبي ﷺ بهذا الدعاء يكون في آخر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أُردَّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر أخرجه البخاري والترمذي، ويُستحب أن يُؤتى بهذا الدعاء إذا أتى به قبل السلام فهو أفضل، وإن أتى به بعد السلام فلا حرج، بعد الذكر.
والحديث الثالث حديث أم سلمة: أن النبي ﷺ كان يقول إذا سلَّم من الصبح: اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا مُتقبلًا، في لفظٍ آخر: رزقًا واسعًا رواه أحمد، وابن ماجه، لكن في إسناده مبهم، والراوي له عن أم سلمة هو مولاها، فيُروى عن مولى أم سلمة، ويُروى عن مولى أبي سلمة، وهو مجهول لا يُعرف، فيكون الحديث ضعيفًا من هذه الحيثية، وهو عند أحمد وابن ماجه من طريق مولى أم سلمة، فيكون ضعيفًا بهذا الإسناد، وإن صحَّ فيكون من الدَّعوات التي تُقال بعد السلام في الفجر لو صحَّ، فإن الدَّعوات تُقال قبل السلام وبعد السلام، والأفضل قبل السلام في آخر الصلاة، هذا هو الأفضل، ومَن دعا بعده فلا حرج.
ومن ذلك ما رواه مسلم في الصحيح في إحدى روايتيه عن عليٍّ: أن النبي ﷺ كان بعد السلام يقول: اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أسرفتُ، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدِّم، وأنت المؤَخِّر، لا إله إلا أنت رواه مسلم من طريقين: إحداهما أنه كان يقوله قبل السلام، والثاني كان يقوله بعد السلام، وهو محتمل، والأقرب أنه قبل السلام؛ لأنه محل الدُّعاء.
أما حديث أبي أمامة: أن النبي ﷺ سئل: أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصَّلوات المكتوبات، وهو حديث ذكر العلماء أنه منقطع، رواه الترمذي من طريق عبدالرحمن بن سابط، عن أبي أمامة، ولم يسمع من أبي أمامة، فهو منقطع، ولكن له أصل في رواية مسلم من رواية عمرو بن عبسة في ساعة الليل في حديث مسلم: إنَّ في الليل ساعةً حديث جابر لا يسأل اللهَ مسلمٌ خيرًا من دنياه وأُخراه إلا أعطاه الله إيَّاه، فينبغي تحري هذه الساعة، فالليل كله محل دعاء، ولكن أقرب ذلك الثلث الأخير كما صحَّت به الأخبار عن رسول الله ﷺ في "الصحيحين" وغيرهما: أن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلةٍ حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ مَن يسألني فأُعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له؟ وجوف الليل لا شكَّ أنه أيضًا من مظنَّة الإجابة؛ لأنه وقت يغفل فيه الناس، وينام فيه الناس، لكن أصحّ ما جاء في هذا آخر الليل -الثلث الأخير- والله أعلم.
وفَّق الله الجميع.
س: .............؟
ج: لا بأس به، نعم، هو رواية عطاء بن السائب، لكن روى عن عطاء ناسٌ سمعوا منه قبل الاختلاط: شعبة والثوري، وأحاديثهم عنه صحيحة، والأنسب في هذا كله ما ثبت في "الصحيحين"، هذا هو الأفضل، يتحرَّاه المؤمن بعد كل صلاةٍ: التسبيح ثلاث وثلاثون، والتحميد ثلاث وثلاثون، والتكبير ثلاث وثلاثون، هذه تسع وتسعون في "الصحيحين" من حديث ..... عمل الفقراء المهاجرين حين علَّمهم ﷺ وقال: بهذا تُدركون مَن سبقكم، وتسبقون مَن بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا مَن صنع مثلما صنعتُم، فالأفضل أن يأتي بهذا ويزيد: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له" كما في حديث أبي وائل في الصحيح، أو يزيد: "الله أكبر" حتى تكون مئة، و"لا إله إلا الله" أكمل وأفضل حتى يكمل بها المئة، هذا هو الأفضل.
ولعلَّ الرسول ﷺ أخبرهم بالأول العشرة والعشرة، ثم أخبرهم بهذه الزيادة من وحي الله له، فما جاء من الزيادة فهو مقبول، والمشروع أن يُؤخذ بالأكثر فالأكثر مما أرشد إليه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أكثر في العمل، وأكثر في الحسنات.
س: ...........؟
ج: إذا فعلها بعض الأحيان كله سنة، لكن كونه يختار ما هو الأكمل خيرٌ له.
س: ...........؟
ج: الأقرب عندي والله أعلم أنه يسقط بالذي بعد الأولى؛ لأنها سنة فات محلُّها، فيأتي بما بعد الثانية ويكفي، الأولى ذهبت، أقول: محله ذهب.
س: ...... جوف الليل الآخر، ودُبر الصَّلوات المكتوبات؟
ج: دبر الصَّلوات المكتوبات معروف في الأحاديث الصحيحة، الدعاء فيها مشروع، وأمر به النبيُّ ﷺ في حديث ابن مسعودٍ في "الصحيحين": ثم ليختر من الدُّعاء أعجبه فيدع، ثم ليختر من المسألة ما شاء، فينبغي فيه الإكثار من الدّعاء في دبر الصَّلاة.
س: ..........؟
ج: قبل السلام هذا هو الأفضل.
س: ..... بعد الصلاة؟
ج: نعم مثل .....
بَابُ الِانْحِرَافِ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَدْر اللُّبْثِ بَيْنَهُمَا وَاسْتِقْبَال الْمَأْمُومِينَ
810- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْك السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
811- وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ: "كَانَ رسولُ الله ﷺ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
812- وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: "كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ فَيُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد.
813- وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: "حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَجَّةَ الْوَدَاعِ"، قَالَ: "فَصَلَّى بِنَا صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ انْحَرَفَ جَالِسًا، فَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ"، وَذَكَرَ قِصَّةَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا، قَالَ: "وَنَهَضَ النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَنَهَضْتُ مَعَهُمْ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَشَبُّ الرِّجَالِ وَأَجْلَدُهُ"، قَالَ: "فَمَا زِلْتُ أَزْحَمُ النَّاسَ حَتَّى وَصَلْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا إمَّا عَلَى وَجْهِي أَوْ صَدْرِي"، قَالَ: "فَمَا وَجَدْتُ شَيْئًا أَطْيَبَ وَلَا أَبْرَدَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ"، قَالَ: "وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا: أَنَّهُ صَلَّى صلاةَ الصُّبْح مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: "ثُمَّ ثَارَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ بِيَدِهِ يَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ"، قَالَ: "فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَمَسَحْتُ بِهَا وَجْهِي، فَوَجَدْتُهَا أَبْرَدَ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبَ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ".
814- وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْهَاجِرَةِ إلَى الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ تَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ بيَدِهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ"، قَالَ: "فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الخمسة كلها تتعلق بمكث الإمام بعد الصلاة وانصرافه إلى الناس، كما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أنه كان يمكث في المصلَّى بعدما يُسلم بمقدار ما يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركتَ يا ذا الجلال والإكرام، يعني مع الاستغفار ثلاثًا كما في حديث ثوبان: كان إذا انصرف إذا سلَّم استغفر ثلاثًا، وقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركتَ يا ذا الجلال والإكرام، وهو من حديث عائشة وحديث ثوبان يدل على أنَّ الإمام يمكث مستقبلًا القبلة -هذا هو الأفضل- حتى يستغفر ثلاثًا ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركتَ يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى الناس.
وكان ينصرف إلى الناس ويُعطيهم وجهه عليه الصلاة والسلام بعد ذلك، ويأتيه مَن يسأل، ويأتيه مَن يُخبره بشيءٍ، وكان يذكر الله بعد ذلك كما تقدَّم في حديث ابن الزبير: كان إذا انصرف إلى الناس قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون رواه مسلم في الصحيح من حديث ابن الزبير، ورواه أيضًا البخاري ومسلم من حديث المغيرة: كان بعد السلام يقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد، هذا هو السنة.
وكان ينصرف عن يمينه وعن شماله كما يأتي، تارةً عن شماله، وتارةً عن يمينه، كان انصرافه عن يمينه أكثر كما قال أنس، وهو يدل عليه حديث جابر بن سمرة: أنه انصرف وتلقاه بوجهه عند انصرافه ..... عن يمينه، ثم يعتدل مُستقبلًا الناس عليه الصلاة والسلام، هذا هو الأفضل، وإن قام ولم ينصرف لا هنا ولا هنا، لا يسارًا، ولا يمينًا، قام أمامه فلا بأس، لكن الانصراف من حال الصلاة تارةً يكون عن يمينه، وتارةً يكون عن شماله عليه الصلاة والسلام، والأمر في هذا واسع كما يأتي.
وفي حديث أبي جُحيفة وحديث يزيد بن الأسود الدلالة على أنهم كانوا يتبرَّكون به عليه الصلاة والسلام: بيده ووضوئه عليه الصلاة والسلام، كما تبَرَّكوا بشعره في حجَّة الوداع، كما تبرَّكت أمُّ سليم بعرقه عليه الصلاة والسلام، هذا كله معلوم؛ لما جعل الله فيه من البركة عليه الصلاة والسلام: في عرقه وجسمه ووضوئه وغير هذا من جسده عليه الصلاة والسلام، وهذا خاصٌّ به، لا يُقاس عليه غيره؛ لأنَّ قياس غيره عليه لا دليلَ عليه، وليس يُساويه، شرط القياس أن يكون الفرعُ مثل الأصل، وليس الناس مثله عليه الصلاة والسلام؛ لما جعل الله فيه من البركة عليه الصلاة والسلام؛ ولأن الصحابة -هم أفضل الخلق وأعلم الناس- ما فعلوا هذا مع الصديق، ولا مع عمر، ولا مع عثمان، ولا مع علي، ولا مع غيرهم، فدلَّ ذلك على أن هذا خاصٌّ به ﷺ؛ ولأنَّ فعله مع الناس نوع من الشرك والذل؛ ولهذا الصواب أنه لا يجوز فعله مع غيره.
ونبهت على هذا في مواضع كثيرة من الحاشية على "الفتح"، وكثيرًا ما يقع للحافظ وللنووي إذا مرَّ عليهما مثل هذا قالوا: "هذا يدل على التَّبرك بالصالحين"، وهذا غلط، وليس بجيدٍ، وليس بصحيحٍ، وهذا مما يفعله الناسُ مع الصوفية ومع شيوخهم جرَّهم إلى الشرك، وجرَّهم إلى عبادة غير الله، نسأل الله السلامة.
س: ..... في "المُنتقى" يقول في مشروعية التَّبرُّك ..؟
ج: وهذا مثل ..... سواء، سواء غلط هذا، نبَّه على هذا أبو العباس ابن تيمية وابن القيم وغيرهما.
س: هل ورد في صفات ..... ينتصب قائمًا على ركبتيه؟
ج: ما في تفصيل، ينصرف عن يمينه، عن شماله ..... محل الصلاة .....، وهذا متواتر في الحديث الصحيح: كان إذا انصرف ..... استغفر الله ثلاثًا: "اللهم .." ثم ينصرف.
س: ............؟
ج: الأمر واسع، إذا ..... سنة، الأمر واسع ..
س: يأتي به من باب العبادة، هذا رواه ابن مسعود ..... عن يساره من باب العبادة هذا؟
بَابُ جَوَازِ الِانْحِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ
815- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ؛ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إلَّا عَنْ يَمِينِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ"، وَفِي لَفْظٍ: "أَكْثَرُ انْصِرَافِهِ عَنْ يَسَارِهِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
816- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ.
817- وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَؤُمُّنَا فَيَنْصَرِفُ عَلى جَانِبَيْهِ جَمِيعًا: عَلَى يَمِينِهِ، وَعَلَى شِمَالِهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: صَحَّ الْأَمْرَانِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
بَابُ لُبْثِ الْإِمَامِ بِالرِّجَالِ قَلِيلًا لِيَخْرُجَ مَنْ صَلَّى مَعَهُ مِن النِّسَاءِ
818- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَهُوَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ"، قَالَتْ: "نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ تَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجَالُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ على محمدٍ.
هذه الأحاديث الأربعة: الثلاثة الأول تتعلق بالانصراف من المصلَّى بعد استقبال القبلة، كان ينصرف عن يساره وعن يمينه عليه الصلاة والسلام إلى الناس، إذا فرغ من قوله: أستغفر الله ثلاثًا اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركتَ يا ذا الجلال والإكرام ربما انصرف عن يمينه، وربما انصرف عن يساره، والأمر في هذا واسع؛ ولهذا قال ابنُ مسعودٍ: "رأيتُه كثيرًا ينصرف عن يساره"، وفي الرواية: "أكثر ما ينصرف عن يساره"، ونهى أن يجعل الإنسانُ للشيطان حظًّا من صلاته؛ كونه يتتبع أشياء ما لها أساس نوعًا من طاعة الشيطان، ينبغي للإنسان أن يحذر طاعة الشيطان في اعتقادات لا أساسَ لها، ولا سيما ما يتعلق بالصلاة، وليكن اعتقاده مركزًا على الأدلة الشرعية.
وفي حديث أنسٍ أنه رأى النبيَّ ينصرف أكثر ما رآه عن يمينه، هذا يدل على أنه ﷺ كان تارةً كذا، وتارةً كذا، وكلٌّ أخبر عمَّا حفظ: ابن مسعود تارةً قال: "كان كثيرًا عن يساره"، ومرةً قال: "أكثر"، ولعله حدَّث بهذا تارةً وهذا تارةً حسب علمه وذكره، وأنس حدَّث بما علم حسب ذكره: أكثر ما يكون عن يمينه، فالأمر في هذا واسع، فانصرف إلى المأمومين، ينصرف إليهم إن شاء عن يمينه، وإن شاء عن يساره.
وفي حديث قبيصة بن هلب، عن أبيه: أن النبي كان يفعل الأمرين، قبيصة بن هلب هذا الطائي جهله بعضُ الأئمة: كابن المديني، والنسائي، ووثَّقه العجلي، وابن حبان، والحديث فيه كلام، ليس له فيما ذكروا إلا حديثان، المقصود أنه تابع لما قبله –شاهد- والعمدة على غيره؛ ولهذا قال الترمذي: إنَّ العمل على هذا عند أهل العلم؛ إن شاء انصرف عن يمينه، وإن شاء انصرف عن يساره، وهو كما قال رحمه الله، وكما قال أبو عيسى، والأحاديث ظاهرة في ذلك.
وحديث أم سلمة -وهو الرابع- يدل على أن الأفضل للرجال ألا يعجلوا إذا كان معهم نساء، يتريَّثون في الانصراف حتى يخرج النساءُ؛ لئلا يختلطوا بالنساء لأنهن عورة؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام إذا سلَّم تأنَّى والمسلمون حتى ينصرف النساء، تقول أمُّ سلمة: أن الظاهر من ذلك لأجل أن ينصرف النساءُ، وهذا واضح، فإذا كان لهن أبواب خاصة زال المحذور، إذا كان المسجدُ له أبواب، جعل لهن أبواب تليق بهن فلا بأس، وإلا فالسنة أن يتريَّث الرجال، وأن يتأنَّى الرجال حتى ينصرف النساء؛ حتى لا يقع الاختلاط في الأبواب، وهذا من الآداب الصَّالحة، ومن الحذر من أسباب الفتنة، والله أعلم.
وفيه من الفوائد: أن النساء يحضرن مع النبي ﷺ، يُصلين مع النبي ولا حرج في ذلك، إذا صلّين فلا مانع من ذلك، لا يُنكر عليهنَّ، ولا يُمنعن؛ ولهذا قال ﷺ: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وإذا استأذنت أحدَكم امرأتُه إلى المسجد فلا يمنعها يعني: إذا كانت متأدبةً تخرج بستر وعدم طيب، فإذا خرجن متأدبات بالآداب الشرعية فلا يمنعن، أما إذا خرجن بغير الآداب الشرعية فإنهن يمنعن، من باب إنكار المنكر، وصلاتها في بيتها أفضل لها، إلا إذا كان خروجها لمصلحةٍ شرعيةٍ: كسماع الدرس والعظة والذِّكْرى، فينبغي السماح لها بذلك، وتُشجع على ذلك إذا كانت مُلتزمةً مستقيمةً.
س: ..... الإسناد حديث أنس ..؟
ج: السدي لا بأس ..... السدي لا بأس به، والحديث صحيح، والخلاف [في] السدي ليس بشيءٍ.
س: هل يُؤخذ .....؟
ج: الأمر واسع، ينبغي في هذا التوسع ..... هذا أو هذا، ابن مسعودٍ قال: "كثيرًا"، وتركه قال: أكثر، على حسب ما علم .
س: التسليم على اليمين أو على اليسار؟
ج: التسليم أولًا على اليمين، ثم على اليسار، هذا للانصراف، انصراف إلى الناس، إلى المأمومين.
س: ...... ينصرف على اليمين ...؟
ج: إذا انحرف تارةً ينحرف على يده اليمنى، وتارةً ينحرف على يده اليُسرى.
بَابُ جَوَازِ عَقْدِ التَّسْبِيحِ بِالْيَدِ وَعَدِّهِ بِالنَّوَى وَنَحْوِهِ
819- عَنْ يُسَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ- قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلَيْكُنَّ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ، وَلَا تَغْفَلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ، وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ؛ فَإِنَّهُنَّ مَسْؤُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُد.
820- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ : أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ، فَقَالَ: أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا –أَوْ: أَفْضَلُ- سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ.
821- وَعَنْ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهَا، فَقَالَ: لَقَدْ سَبَّحْت بِهَذَا، أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ بِهِ؟ فَقَالَتْ: عَلِّمْنِي، قَالَ: فقُولِي: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
الشيخ: هذا الباب في عقد الذِّكْر –التسبيح- بالأصابع، وعدّه بالنَّوى ونحو ذلك، وأنه لا حرج في ذلك: أن يعدّ بالنوى أو بالحصى أو بالعقد أو بغير ذلك، ولكن عدَّه بالأصابع أفضل؛ لأنه الذي استعمله النبيُّ ﷺ: كان يعدّ بأصابعه عليه الصلاة والسلام، هذا هو الأفضل؛ ولهذا في حديث يسيرة لما أمرهن أن يُسبِّحن -أن يُكثرن التكبير والتهليل والتقديس- أمرهن أن يعدّنه بالأنامل، أن يعقدنه بالأنامل -وهي الأصابع- وقال: إنهن مسؤولات مُستنطقات، فهذا هو الأفضل.
وحديث يسيرة رواه أبو داود، وأخرجه الترمذي والنسائي أيضًا بإسنادٍ مُقاربٍ؛ لأنه من رواية عثمان بن عثمان، عن هبيرة بنت ياسر، عن يسيرة، وعثمان بن عثمان وهبيرة قال فيهما في "التقريب": مقبولان. لكن له شواهد، فهو من باب الحسن لغيره، وهو دليل على أنَّ التَّسبيح بالأصابع والعدّ بالأصابع أفضل.
والحديث الثاني حديث سعد في دخول النبي ﷺ على امرأةٍ قد جمعت لها نوى أو حصى، فدلَّها ﷺ على ما هو أخفّ من ذلك وأفضل، أن تقول: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، سبحان الله عدد ما خلق في الأرض، سبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وفي أبي داود: عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، سقط عندكم كلمة لا إله إلا الله هنا، وهي ثابتة في الحديث: لا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك، فهذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي بإسنادٍ فيه رجل لا يُعرف، وهو خزيمة غير منسوبٍ، قال في "التهذيب": لا يُعرف.
قال الحافظ رحمه الله في "تهذيب التهذيب": ذكره ابنُ حبان في "الثقات"، وله شواهد: منها حديث زينب في "صحيح مسلم": أن النبي دخل عليها بعدما أضحى وقال: ما زلتِ في مكانك منذ فارقتُكِ؟ قالت: نعم، قال: لقد قلتُ بعدك كلمات ثلاث مرات لو وُزِنَتْ بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهنَّ: سبحان الله العظيم وبحمده، عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته رواه مسلم في الصحيح، وهو أصح من حديث سعدٍ، وهو شاهد لحديث سعد.
فيُستحب للمؤمن مثل هذا التَّسبيح؛ لما فيه من الخير الكثير والعدد الذي لا يُحصى.
وحديث صفية إن صحَّ لا أعرف حال سنده عند الترمذي رحمه الله، لا بدّ من مراجعته عند الترمذي، ولكن له شاهد مما تقدم، فالمؤمن يتعاطى هذا وهذا، يأتي بالتَّسبيحات التي شرعها الله المعدودة، مثل: التسبيح بعد الصَّلوات ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير ثلاثًا وثلاثين، كما بيَّنه النبيُّ ﷺ وأرشد إليه، ويأتي بالتَّسبيحات الأخرى التي فيها الإكمال؛ لما فيها من الخير العظيم أيضًا، كما في حديث زينب: سبحان الله العظيم وبحمده عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته، هذا له شأنٌ عظيمٌ؛ لأنه تسبيحٌ لا يُحصى، وتحميدٌ لا يُحصى.
كذلك حديث سعد وإن كان في سنده بعض الضعف، لكنه مثلما تقدم له شواهد، يقول: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، سبحان الله عدد ما خلق في الأرض، سبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، سبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك.
وهكذا حديث سمرة عند مسلم: أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وحديث أبي سعيدٍ: الباقيات الصَّالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالمؤمن والمؤمنة يجمعان بين هذا وهذا، يأتيان بالتَّسبيحات المفصلة كما فعلها النبيُّ ﷺ، وكما أرشد إليها، ويأتيان بالتَّسبيحات المجملة كما في حديث سعدٍ وجُويرية ونحوهما؛ جمعًا بين الفضائل، وحرصًا على استكمال الخير بالطرق كلِّها.
س: ..........؟
ج: لا، السنة بالأصابع كما عدَّها النبيُّ ﷺ في حديث: "كان يعقدها بيمينه" بيده اليمنى، رواه أبو داود، وفي سنده الأعمش، عن عطاء بن السائب، لكن يتأيَّد برواية: "كان يُعجبه التَّيمن في تنعله، وترجُّله، وطهوره، وفي شأنه كله"، التيمن معروف، ويُؤيد رواية الأعمش عن عطاء كونه يعقد بيده اليمنى، هو الأفضل، وإن عقد بالثنتين كما في حديث يسيرة: عقد بالأصابع كلها، فلا بأس، الأمر واسع.
س: بالنوى؟
ج: وإن عقد بالنَّوى -عدَّ بالنَّوى- أو بالحصى، أو بغير ذلك فلا حرج في ذلك، ولا سيما إذا كان في البيت.
س: بعد الصلاة؟
ج: بعد الصلاة الأظهر لا يفعل هذا؛ لأنه خلاف ما وقع عن النبي ﷺ، والصحابة ما كانوا يعدّون في المساجد إلا بأصابعهم، أما في البيت فالأمر أوسع: في البيت، في منزله، في مصلاه، في بيته الأمر واسع.
س: في بعض الناس يُسبِّح بالمسبحة ينكر عليه، مثلًا: بعد الصَّلوات، أدبار الصَّلوات؟
ج: يُبين له: الأفضل بالأصابع.
س: حديث سعد حفظك الله موجود عند الحاكم، وليس فيه خزيمة، رواه سعيد بن أبي هلال مباشرةً عن عائشة؟
ج: يصير منقطعًا ..... سمع من عائشة.
س: لأيش يا شيخ حفظك الله؟ متوفَّى 133، وعائشة قال فيها ابنُ عبدالبر: لم يروِ مالك عن امرأةٍ غيرها؟
ج: ينظر فيه، وإلا الظاهر والله أعلم أنه أسقط الواسطة، ورواه عن عائشة من غير واسطةٍ.
س: ما يكون لقيها؟
ج: يحتمل؟
س: لأنَّ بين وفاتهما شيئًا يسيرًا جدًّا؟
ج: يحتمل.
س: يعني مالك روى عنها ومالك متوفَّى سنة 179؟
ج: يحتمل، لكن كونه محفوظًا ..... سعيد عن خُزيمة، ثم أسقطه، محل نظرٍ.
س: صفة العقد بالأصابع؟
ج: هكذا.
س: يكون العقد .....؟
ج: الأصابع ثم الأنامل.
س: لكن العقد مع فكّها أم منعقد فقط؟
ج: هكذا، وهكذا، هكذا عدّ، وهكذا، وهكذا عدّ حتى يكمل.
س: ..... يقول: الله أكبر مثل ذلك يعني يقول: "الله أكبر مثل ذلك" أو ..؟
ج: .............
س: ............؟
ج: مثل: النوى والحصى، سواء بسواء، لكن تركه أفضل، ولا سيما في المساجد، وإلا بالأصابع -شعار المسلمين- أفضل.
س: .............؟
ج: .............
س: ..............؟
ج: الأمر واحد كله ..... المعنى واحد، هذا هو الأرجح، لكن الأفضل للأصابع، الأفضل أن يعقد بالأصابع.
س: المسبحة يا شيخ؟
ج: الأفضل بالأصابع، الأفضل بالأصابع، هذا الأفضل، ولا سيما في المساجد بين المسلمين، شعار ظاهر، أما في بيته فالأمر أوسع.
س: ............؟
ج: باليدين أفضل، وإن عقد بيمينه فلا بأس.
س: يكون حديث تسمية الحسن من باب الحسن لغيره؟
ج: هذا هو الأقرب.
أَبْوَابُ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ وَيُبَاحُ فِيهَا
بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ
822- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: "كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ فِيهِ: "كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الصَّلَاةِ".
وهذا يدل على أنَّ تحريم الكلام كان بالمدينة بعد الهجرة؛ لأنَّ زيدًا مدني، وقد أخبر أنهم كانوا يتكلَّمون خلف رسول الله ﷺ في الصلاة إلى أن نُهوا.
823- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: "كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ إذْ كُنَّا بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ نَأْتِيَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ أَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ، فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ حَتَّى قَضَوا الصَّلَاةَ، فَسَأَلْتُه فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لَا نَتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ.
824- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: بينا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُك اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمَّاهُ! مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ؟! قال: فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَبِأَبِي وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي، وَلَا ضَرَبَنِي، وَلَا شَتَمَنِي، فقَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: لَا يَحِلُّ مَكَانَ لَا يَصْلُحُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ.
وفيه دليل على أنَّ التكبير من الصلاة، وأن القراءة فرضٌ، وكذلك التَّسبيح والتَّحميد، وأن تشميت العاطس من الكلام المُبطل، وأن مَن فعله جاهلًا لم تبطل صلاته؛ حيث لم يأمره بالإعادة.
بَابُ أَنَّ مَنْ دَعَا فِي صَلَاتِهِ بِمَا لَا يَجُوزُ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ
825- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى الصَّلَاةِ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: "اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا"، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
الشيخ: هذه الأحاديث في الكلام في الصلاة حول الدعاء الذي لا يُناسب في الصلاة، يدل حديث زيد بن أرقم وحديث ابن مسعودٍ رضي الله عنهما على أنَّ الكلام في الصلاة كان جائزًا للحاجة، ليس كل كلامٍ، إنما هو كلام في الحاجة، كانت الصلاة لا يتكلم فيها إلا من حاجةٍ حين كانوا في مكة وأول ما هاجروا، يُكلِّم الرجلُ صاحبَه في حاجته كما قال زيد، وكما دلَّ عليه حديثُ ابن مسعودٍ أيضًا، وبعد الهجرة منع من الكلام بالكلية في الصلاة، وأخبر النبيُّ ﷺ أنَّ فيها شغلًا، وأنزل الله قوله جلَّ وعلا: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] يعني: سكوتًا، تاركين للكلام.
والأرجح في حديث ابن مسعودٍ أنه كان بعد قدومه من الحبشة إلى المدينة، فإن الذين هاجروا إلى الحبشة قدموا قدمتين: بعضهم قدم مكة ثم رجع، وبعضهم قدم إلى المدينة فقط، منهم ابن مسعود أنه قدم إلى المدينة في أول الهجرة، وحضر غزوة بدر.
والحاصل أنَّ ابن مسعودٍ حديثه لا يُخالف حديث زيدٍ، وتُحمل أحاديث القدمة التي صادف فيها النبيَّ في المدينة، فدلَّ ذلك على أنه مُنع الكلام بعدما كان مباحًا، وهو الكلام الذي للحاجة خاصَّةً، ليس كل كلام، وإنما هو الكلام الذي للحاجة، وكان هذا من كمال الصلاة، ومن تعظيمها، فنُهي فيها عن الكلام.
وقد جاء في هذا المعنى حديث جابر أيضًا في "صحيح مسلم": أنه بعثه في حاجةٍ، فجاء إليه وهو يُصلي، فسلَّم عليه، فلم يردّ عليه، فلما سلَّم أخبره أنه منعه من ذلك الكلام، منعه من ردِّه عليه أنه كان في الصلاة، وكان يردّ بالإشارة عليه الصلاة والسلام.
فإذا سلَّم المسلمُ على المصلِّي فإنه يردّ بالإشارة لا بالكلام، كأن يقول هكذا بيده، يُشير بيده كالمصافح، قال في رواية صهيب: أظنه بأصبعه، المقصود أنه يُشير إشارةً، ويُسلِّم من دون كلامٍ، والأفضل أن يُشير بيده هكذا.
وفي حديث معاوية بن الحكم الدلالة على أنَّ الكلام إذا كان عن جهلٍ بعدما حرم في الصلاة لا ينقضها، إذا كان صدر عن جهلٍ بالحكم الشرعي فإنه لا يبطلها بعدما حرم في الصلاة؛ لأنَّ معاوية تكلَّم قال: "يرحمك الله"، قال: "ما شأنهم ينظرون إليَّ بأبصارهم"، قال: "واثُكل أمياه"، كل هذا كلام لا يُوافق الصلاة، بل يمنع فيها، لكن لما كان جاهلًا عُلِّم ولم يُؤمر بإعادة الصلاة، فدلَّ ذلك على أنَّ مَن تكلَّم في الصلاة ساهيًا أو جاهلًا لا يُؤمر بالإعادة، كما جرى في حديث زيد من الكلام؛ كان سهوًا فلم يُؤمروا بالإعادة، فالساهي إذا تكلَّم في الصلاة ساهيًا: ضُرب عليه الباب فقال: تفضَّل، ناسيًا أنه في صلاةٍ، أو سلَّم عليه إنسانٌ فقال: وعليكم السلام، ناسيًا أنه في صلاةٍ، صلاته صحيحة؛ لأنه لم يتعمَّد المخالفة، وإنما حمله الجهل أو النِّسيان.
وفيه أيضًا من الفوائد: حُسن تعليمه ﷺ، وأنه كان يرفق بالناس، ويرفق بالجاهل، ولا يُشدد عليه، هذا تكلَّم كلمات، مع هذا رفق به ﷺ وأحسن تعليمه، قال: "والذي نفسي بيده، ما رأيتُ مُعلِّمًا أحسن منه، ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني عليه الصلاة والسلام"، بل علَّمه وقال: إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التَّسبيح والتَّكبير وقراءة القرآن، فدلَّ ذلك على أنه ينبغي للعالم وطالب العلم أن يتوخَّى سيرة النبي ﷺ في التعليم والرِّفق وعدم سُوء الكلام؛ لأنَّ هذا ينفر، وربما صار سببًا لعدم قبول الحقِّ من قائله، وكثير من الناس لا يُحسن التعليم، ولا يُحسن إنكار المنكر، بل ربما ترتب على فعله وقوله ما هو أنكر، فينبغي لطالب العلم أن يتعلم من سيرة النبي ﷺ وهديه ما يكون نورًا له في دعوته إلى الله، وبتعليمه الناس، ومن الرفق والحكمة وطيب الكلام.
وفيه من الفوائد أيضًا: أن التسبيح والتكبير والقراءة من الصلاة، فدلَّ على أنه من الصلاة، وأن التسبيح فرض فيها، والتحميد والتكبير فرض فيها، وهو دليل لمن قال بأن التَّكبيرات التي في الصلاة فرض كما قاله أحمد وجماعة، وكذلك التسبيح في الركوع فرض، والجمهور يرونه سنةً، والأقرب قول من قال بالفرضية: كأحمد وجماعة؛ ولهذا جعلها النبيُّ ﷺ أجزاء الصلاة، والصلاة فريضة، وهذه أجزاؤها؛ ولأن الرسول ﷺ أمر بذلك: أمر بالتكبير، والأمر للوجوب، وأمر بالتسبيح في الركوع والسجود؛ ولأنه واظب على ذلك وقال: صلوا كما رأيتُموني أُصلِّي، فدلَّ ذلك على فرضية التكبيرات والتسبيح في الركوع والسجود، وأقله واحدة، وفرض القراءة للفاتحة، أما تكبيرة الإحرام فهي مجمعٌ عليها، تكبيرة الإحرام فرض عند الجميع، لا بدَّ منها، ولا تنعقد الصلاة إلا بها.
وفي حديث الأعرابي الذي قال: "اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا" الدلالة على أنَّ الدعاء المنكر لا يُبطل الصلاة، ولا سيما من الجاهل، والرسول ﷺ ما استفصله، ما قال: أنت جاهل، ما استفصله، دلَّ على أنَّ جنس الدعاء وإن كان فيه غلط لا يُبطل الصلاة، فإن قوله: "ولا ترحم معنا أحدًا" هذا غلط؛ ولهذا أنكره النبيُّ ﷺ، لما سلَّم قال: قد حجَّرْتَ واسعًا، فإذا قال في دعائه: "اللهم لا ترحم فلانًا"، أو "اللهم لا ترحم معنا فلانًا"، أو قال: "اللهم لا تغفر لفلانٍ"، هذا دعاء قد يكون منكرًا بالنسبة إليه، لكن لا يُبطل الصلاة؛ لأن الرسول ما أبطل صلاةَ الأعرابي، ولا أمره بالإعادة عليه الصلاة والسلام، وإن كان دعاؤه لا يجوز، لكن لا يكون حكمه حكم الكلام؛ لأنَّ هذا ليس من الكلام، بل هو من الدُّعاء.
س: حتى ولو كان مظلومًا ويدعي على ظالم؟
ج: هذا بحثٌ آخر، الدعاء على الظالم تركه أفضل، يجوز الدعاء على الظالم كما قال تعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148] ..... كان أفضل؛ لأنه يكون .....
وقبل سؤال الأخ، فيه من الفوائد أيضًا: أنهم كانوا يُشيرون إذا نابهم شيء؛ ولهذا أشاروا بالضرب بالأيدي على أفخاذهم ليُسكتوه، وهذا محمول على ما كان قبل نهيه ﷺ، فإنه نهاهم لما صفَّق الرجال قال: مَن نابه شيء فليُسبّح الرجال، وليُصفّق النساء، والقصة التي في حديث معاوية محمولة على أنه كان قبل أن ينهوا عن التَّصفيق -يُنهى الرجال عن التَّصفيق- وقد استقرت الشريعةُ على أن الرجل لا يُصفق إذا نابه شيء، ولكن يقول: "سبحان الله، سبحان الله".
س: كانوا يُصفِّقون؟
ج: نعم، كما في قصة مجيء النبي ﷺ والصديق يُصلي بالناس، فلما رأوه صفَّقوا، فنهاهم النبيُّ ﷺ.
س: الذي يُسلم تسليمةً واحدةً عن نقصٍ؟
ج: ماذا؟
س: الشخص الذي ينسى في الصلاة أو يسهو في الصلاة ثم يُسلم عن نقصٍ، ولكن يُنبه عندما يُسلم تسليمةً واحدةً على اليمين، هل يُكبر تكبيرة الإحرام بعدما يُنبه؟
ج: لا، يقوم ويكفي، يقوم بنية الصلاة؛ لأنه كبَّر حين نهض من السجود الثاني يكفي، يقوم وينتصب ويقرأ ويكمل صلاته، ولو كبَّر ما ضرَّه؛ لأنه من جنس الصلاة للتَّنبيه، لو كبَّر ما ضرَّه، لكن لم يُلحظ أنه كبَّر عليه الصلاة والسلام، لا أحفظ عنه أنه كبَّر في قصة ذي اليدين، ولا في حديث عمران بن حصين، بل قام إلى الرابعة في حديث عمران، وقام إلى الثالثة في حديث ذي اليدين، ولم يُنقل أنه كبَّر، بل اكتفى بالتكبيرة التي نهض بها من السجود عليه الصلاة والسلام.
س: ............؟
ج: ما عليه دليل، الأحاديث تمنع ذلك.
س: المسبوق يقوم بالتكبير أو بدون تكبيرٍ؟
ج: محل نظرٍ: إن قام بالتكبير قياسًا على التَّشهد الأول ما أعلم فيه شيئًا، ذكر بعضُ أهل العلم أنه يقوم بالتكبير، لكن لا أعلم فيه نصًّا، فالأمر فيه واسع إن شاء الله، إن قام بالتكبير أو بغير التكبير، إلا أن يوجد نصٌّ، ولم أعلم نصًّا في هذا.
س: .............؟
ج: إذا كان جاهلًا ما عليه شيء.
س: في أول الأمر كانوا يلتفتون في الصلاة .....؟
ج: ...... ولهذا نهاهم عنه، نهاهم عن الالتفات في الصلاة وقال: إنه اختلاس يختلسه من صلاة العبد، وبقي الالتفات مكروهًا إلا من حاجةٍ.
س: إذا التفت في الصلاة يبصق عن يساره ..؟
ج: يبصق عن يساره ..... إذا كان في غير المسجد، أما في المسجد فيبصق [في] منديل، أو في ثوبه، ولا يبصق في المسجد، البصاق في المسجد خطيئة كما قال النبيُّ ﷺ، من الأذى.
س: يلتفت؟
ج: يلتفت يسيرًا ويبصق عن يساره للحاجة.
س: السهو بعد السلام يُسلم ..؟
ج: نعم، يُسلم تسليمتين بعد سجود السهو غير التَّسليمتين السابقتين.
س: إذا مرَّ بآية سجدة هل يُكبر للسجود؟
ج: يُكبر ساجدًا، ويُكبر رافعًا، يكبر عند السجود، وعند الرفع؛ لأنَّ الرسول ﷺ كان إذا سجد كبَّر عند خفضه ورفعه، ويعمّه سجود التلاوة، إذا كان في الصلاة يعني.
بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّحْنَحَةِ وَالنَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ
826- عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "كَانَ لِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَدْخَلَانِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَكُنْتُ إذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي تَنَحْنَحَ لِي". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وللنسائي بِمَعْنَاهُ.
827- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَفَخَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
وَرَوَى أَحْمَدُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: "النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَلَامٌ". رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي "سُنَنِهِ".
بَابُ الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم:58].
828- وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
829- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَجَعُهُ قِيلَ لَهُ: الصَّلَاة، قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ، قَالَ: مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ، فَعَاوَدَتْهُ، فَقَالَ: مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ، إنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ على محمدٍ.
[في] هذه الأحاديث الأُول الدلالة على أنه لا بأس في النَّحنحة في الصلاة، وما قد يقع من النَّفخ عند سجوده، أو ما يحصل من النعاس فإنه لا يضرّ في الصلاة، ولا يُبطلها، ومن ذلك ما جاء في حديث عليٍّ أنه كان له مدخلان ..... النبي ﷺ، كان إذا استأذنه يتنحنح له، كان ذلك علامة على الإذن، فدلَّ على أنَّ النحنحة ليست كلامًا، ولا تضرّ الصلاة.
والحديث كما قال المؤلفُ: رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وعزاه في "البلوغ" إلى النَّسائي وابن ماجه أيضًا، وهو حديث جيد لا بأس به، وهو دليل على أنه لا بأس بالنَّحنحة عند الحاجة إليها، وليست كلامًا.
كذلك النَّفخ عند سجوده؛ قد يحصل نفخ عند السجود، وقد ثبت عن ابن عباسٍ أن النبي نفخ في سجوده عليه الصلاة والسلام، جاء في الصحيح، وهكذا ما في حديث المغيرة.
المقصود أن النفخ في الصلاة ليس بكلامٍ، ولا يضرُّ، فينبغي للمؤمن أن يتحرَّى في ذلك الإقبال على صلاته، وألا يكون له صوت في صلاته يُشوش على مَن حوله مهما أمكن، وإذا غلبه ذلك فلا يضره كالبكاء؛ ولهذا ذكر عبدالله بن الشّخير أنه دخل على النبي ﷺ وهو يُصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، فإذا غلبه البكاء من خشية الله فلا يضره في الصلاة.
كذلك ما ذكرت عائشةُ عن الصديق: أنه إذا دخل في الصلاة لم يسمع الناس من البكاء رضي الله عنه؛ لرقَّته وسرعة دمعته ، وهكذا جاء عن عمر: "كان يسمع نشيجه في الصفوف"، المقصود أنَّ هذا لا يضر الصلاة، البكاء من خشية الله، وإن كان المؤمن مأمورًا بأن يجتهد في إخفاء عمله مهما أمكن، لكن قد يبلغه البكاء، وقد يبلغه عند القراءة وسماع آيات الوعظ والجنة والنار، فلا يضرّه ذلك، ولا يضرّ صلاته.
أما أثر سعيد عن ابن عباسٍ أنه قال كلامًا، فهذا محل نظرٍ، وإن صحَّ عن ابن عباس فهو محمولٌ على النفخ الزائد الذي يتعمّده الإنسانُ على صفة الكلام، فيُشبه الكلام، ويكون كالحكم في الكلام، هذا لو صحَّ عن ابن عباس، وإلا فالنفخ المعتاد الذي يكون له صوت في سجوده يُشبه الذي أصابه النعاس، هذا لا يضرّ صلاته، ولا يُسمَّى كلامًا.
الكلام عندكم حاشية على رواية سعيدٍ هذه؟
الطالب: نعم، رواه الذهبي، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يخشى أن يكون كلامًا، يعني: النفخ في الصلاة، قال الذهبي: والنَّفخ لا يكون كلامًا إلا إذا .......
الشيخ: المقصود أنه لا يضرّه لو صحَّ عن ابن عباس، مثل ..... يخشى أن يكون كلامًا يعني، ينبغي للمؤمن أن يتورع عن ذلك، وأن يحرص على ألا يكون منه شيء يُشبه الكلام، أو يدخل في الكلام حين سجوده، بل يجتهد في إخفاء ما قد يخشى منه من نفخٍ أو غيره، وأن يُقبل على صلاته بتسبيحه ودعائه وغير ذلك، من غير حاجةٍ إلى النَّفخ الذي قد يكون كلامًا.
س: إذا تنحنح .......؟
ج: ليس بشيءٍ، النحنحة ما هي بكلامٍ، إذا تنحنح قد يكون منه حرفان، لكن ما يُسمَّى كلامًا.
س: .............؟
ج: يحثون على الرفق، يحثون على عدم المبالغة في البكاء، يحثّ الناس على أن يكون بينهم الله، وأن يكون بصوتٍ منخفضٍ أولى؛ لئلا يُشوشوا على مَن حولهم، لكن بعض الناس قد يغلبه الأمرُ بغير اختيار إذا غلبه، ولكن ينبغي أن يحذر، وألا يكون رياء، بل يحذر أن يكون رياء، وأن يكون بينه وبين ربِّه، فإن غلبه الأمرُ فلا شيء عليه، الحمد لله.
س: تكرير الآية ثلاث مرات، أربع مرات، ويبكي هو، ويبكي مَن خلفه؟
ج: لا أعلم هذا وقع من النبي ﷺ إلا في الليل، في تهجد الليل لما قرأ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] كرَّرها في الليل، قراءته بالليل، ولا أذكر شيئًا من النصوص النبي كررها في الفريضة، فإذا كررها في التراويح أو في القيام فلا أعلم فيه بأسًا؛ لتحريك القلوب.
س: النَّحنحة لإشعار الإمام أنه طوَّل؟
ج: ما أعلم فيه شيئًا.
س: .............؟
ج: ..... قد يبكي عند الدعاء، ولا يبكي عند القراءة، وقد يبكي عند القراءة، ولا يبكي عند الدعاء، قد يبكي عند أشياء أخرى، الناس يختلفون في هذا.
س: دليل الذين يقولون: إنَّ النحنحة تُبطل الصلاة؟
ج: يُشبهونها بالكلام.
بَابُ حَمْدِ اللَّهِ فِي الصَّلَاةِ لعطاس أَوْ حُدُوثِ نِعْمَةٍ
830- عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَعَطَسْتُ فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ قَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ؟ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ، فَقَالَ رِفَاعَةُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدِ ابْتَدَرَهَا بِضْعٌ وَثَلَاثُونَ مَلَكًا أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
بَابُ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فليُسَبِّح وَالْمَرْأَةُ تُصَفِّقُ
831- قال سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ : عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ.
832- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: "كَانَ لِي سَاعَةٌ مِنَ السَّحَرِ أَدْخُلُ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَإِنْ كَانَ قَائِمًا يُصَلِّي سَبَّحَ لِي، فَكَانَ ذَلِكَ إذْنَهُ لِي، فإِنْ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي أَذِنَ لِي". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
833- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ: فِي الصَّلَاةِ.
بَابُ الْفَتْحِ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ
834- عَنْ مُسَوَّر بْنِ يَزِيدَ الْمَالِكِيِّ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَتَرَكَ آيَةً، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آيَةُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَهَلَّا أَذْكَرْتَنِيهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "مُسْنَدِ أَبِيهِ".
835- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى صَلَاةً فَقَرَأَ فِيهَا فَلبسَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِأَبِي: أَصَلَّيْتَ مَعَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا مَنَعَك؟! رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الأول في شرعية الحمد إذا جدت نعمة للعبد، وأسباب جدت للعبد وهو في الصلاة، فإنه يُشرع له حمد الله، فإنَّ الرجل وهو رفاعة بن رافع لما عطس حمد الله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحبّ ربنا ويرضى، وسمعه النبيُّ ﷺ وهو في الصلاة، فلما سلَّم سأل عن ذلك، فأرمَّ القومُ وسكتوا، وكرر ذلك، فأخبر رفاعة أنه هو الذي فعله، وقال: لقد رأيتُ بضعًا وثلاثين ملكًا يبتدرونها: أيّهم يصعد بها، في اللفظ الآخر: أيّهم يكتبها، في رواية البخاري أنه قال هذا بعد الركوع، ولم يذكر العطاس، قال: "الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه" من غير زيادة: "كما يُحبُّ ربنا ويرضى" بعد الرفع من الركوع، قال: رأيتُ بضعة وثلاثين ملكًا: أيّهم يكتبها، وهنا يصعد بها، هذا يدل على أن الإنسان إذا جدّ له سبب وهو في الصلاة يحمد ربَّه، العطاس نعمة من نعم الله، فيحمده ولو في الصلاة.
وهكذا ما جرى للصديق لما جاء النبيُّ ﷺ وهو قد دخل في الصلاة يأمّ الناسَ، فشقَّ الصفوفَ، فلما شعر به الصديقُ أشار إليه النبيُّ ﷺ أن يستمرَّ في الصلاة، فرفع يديه وحمد الله ثم تقهقر؛ لأن كونه أذن له وقال له: استمرّ نعمة من نعم الله؛ لأنه خاف ألا يرى ذلك، أو يكره منه ذلك.
وهكذا لو بُشِّر بولدٍ وهو يُصلي حمد الله، أو بُشِّر بفتحٍ من فتوح الإسلام فحمد الله، كل هذا لا بأس به؛ ولهذا قال النبيُّ ﷺ في الصلاة لما تكلَّم فيها معاوية قال: إنما هي التَّسبيح والتكبير، وفي رواية: والتحميد وقراءة القرآن.
فالصلاة محل للتسبيح والتحميد والتكبير وقراءة القرآن، تقدم هذا، ومن أدلة وجوب التسبيح في الركوع والسجود وقول "ربنا ولك الحمد" أنها من أجزاء الصلاة، وأن النبي عليه الصلاة والسلام حافظ عليها، ومن دلائل وجوب قراءة الفاتحة أيضًا؛ لأنها من جنس القراءة.
وفي حديث سهل بن سعدٍ وحديث عليٍّ وحديث أبي هريرة الدلالة على أن التسبيح يكون للرجال، والتصفيق يكون للنساء، وهذا أمر معلوم ثبتت فيه الأحاديث عن رسول الله ﷺ: من حديث سهل في "الصحيحين"، ومن حديث أبي هريرة، كذلك رواية عليّ أنَّ له مدخلًا بالليل، فإذا كان في الصلاة سبَّح له.
المقصود أنَّ هذا دليلٌ على شرعية التسبيح للرجال، إذا نابهم شيء في الصلاة يقولون: "سبحان الله، سبحان الله"، مثل: أن يستأذن عليه أحدٌ وهو يُصلي، فيقول: "سبحان الله"، أو يسهو الإمامُ فيقول: "سبحان الله"، والنساء يُصفقن؛ لأنَّ بعض الناس قد يُفتن بصوتهنَّ، فتصفيقهن أولى، وصوتها ليس عورةً، إنما الخضوع هو العورة: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب:32].
أما الصوت فليس بعورةٍ، لكن قد يُفتن بعض الناس به؛ فلهذا شرع الله التَّصفيق للنساء، وكان النساء يُكلِّمن النبيَّ ﷺ ويُكلِّمهن، ويُكلِّمن الصحابة، فالصوت المعتاد ليس بعورةٍ، ولا حرج في سماعه، وإنما قال الله: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.
والتَّنبيه بالنحنحة قد تقدم في حديث عليٍّ بسندٍ جيدٍ، فلا حرج فيه، يُنبه بالنحنحة أو بالتسبيح، والأفضل التسبيح، فإن الأحاديث فيها أصحّ، أحاديث التسبيح أصحّ في "الصحيحين" وغيرهما، فالتَّنبيه بالتسبيح أولى؛ لثبوته عن النبي ﷺ.
وحديث المسور وحديث ابن عمر فيهما التَّنبيه على الفتح على الإمام والقارئ يُستحب الفتح عليه إذا غلط أو ارتج عليه، إذا وقف يُنبه، أو أسقط آيةً يُنبه، يُشرع تنبيهه.
والمسور ضُبط بضم الميم، وفتح السين، وشدّ الواو، ضبطه جماعةٌ، وضبطه آخرون: المسور على القاعدة بالتَّخفيف، كالمسور بن مخرمة، والأمر في هذا واسع.
في حديث لين كما قال، في إسناده يحيى الكاهلي، قال صاحب "التقريب": إنه لين الحديث، لكن حديث ابن عمر جيد، عندما لبس عليه وسلَّم قال لأبي: أين كنت؟ أخبره أنه حاضر، قال: لماذا؟ يعني: لماذا لم تفتح؟ ما منعك؟ دلَّ على أنه يفتح على الإمام إذا غلط، أو ..... عليه يشرع الفتح عليه حتى يمضي، ولا يكون هذا كلامًا، ولا يُعدّ كلامًا، شيء مشروع بحمد الله، وهو التَّسبيح أو الفتح على الإمام، كل هذا ما يُسمَّى: كلامًا يخلّ بالصلاة، بل هذا مشروع، جنس التسبيح مشروع في الصلاة، جنس القراءة مشروعة في الصلاة، فالفتح بها لا يُسمَّى كلامًا، ولا يضرّ المصلي.
س: الفتح على الخطيب في صلاة الجمعة؟
ج: والفتح على الخطيب من باب أولى، الصلاة أعظم من الخطبة، إذا غلط فالفتح عليه لا بأس، إذا كان الغلطُ له أهمية، أما إذا كان مجرد جمح آية وآتى بآيةٍ تكفي، فالأمر واسع، لكن إذا أخلَّ بشيءٍ يُوجب التَّنبيه نُبِّه.
س: إذا عطس الإنسانُ فشُمِّت العاطسُ في الصلاة يجوز؟
ج: ما يُشمَّت، لا، النبي ﷺ أنكر على معاوية التَّشميت وقال: إنه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، يحمد فقط، ولا يُشمّته أحد.
س: ...........؟
ج: يتلو آية، إذا كان ما ركع يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا [الحج:77]، وإذا كان سجودًا: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، يتلو بعض الآيات المناسبة، وإن كان القيام: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، جلس ولم يقم، وما تنبَّه إلا بالتسليم: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ.
س: لو اضطر إلى الكلام؟
ج: ما ينبغي أن يتكلم، الصلاة ما يصلح لها شيء من كلام الناس مثلما قال النبيُّ ﷺ.
س: إذا أبطأ الإمامُ يفتح عليه؟
ج: الأمر واسع، إذا كان ما يخلّ بالمعنى فالأمر واسع.
س: إذا كان الإمامُ يكره أن يفتح عليه يفتح عليه؟
ج: إذا كان مهمًّا يفتح عليه، ولو كره يفتح عليه، أما كونه في التراويح وجمع آية ما يضرّ إن شاء الله ...، وإذا كان في الفاتحة لا بدَّ [أن] يفتح عليه؛ لأنَّ الفاتحة ركنٌ لا بدَّ منه، إذا أخلَّ بآيةٍ أو شيء يفتح عليه.
س: الصلاة على النبي: سمع موعظةً وهو يُصلي هل يُصلي على النبي؟
ج: نعم؟
س: أقول: سمع موعظةً وهو يُصلي فيها: اللهم صلِّ على محمدٍ أو ..؟
ج: لا، مشغول بصلاته، لكن إذا كان في صلاته مرَّ ..... النبي ﷺ لا حرج [في] صلاته، مثلما يُسبِّح أو يسجد في التَّهجد أو في النوافل، أما في الفريضة فتركها أولى، وفعلها ما يضرّ، قاله جماعة من أهل العلم، لكن لم يؤثر عنه ﷺ أنه كان يفعله في الفريضة، إنما كان يفعله في التَّهجد عليه الصلاة والسلام.
بَابُ الْمُصَلِّي يَدْعُو وَيَذْكُرُ اللَّهَ إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَوْ عَذَابٍ أَوْ ذِكْرٍ
رَوَاهُ حُذَيْفَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَدْ سَبَقَ.
836- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ فِي صَلَاةٍ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ، فَمَرَّ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، وَيْلٌ لِأَهْلِ النَّارِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ.
837- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: "كُنْتُ أَقُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ التَّمَامِ، فَكَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآل عِمْرَانَ وَالنِّسَاء، ولَا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ إلَّا دَعَا اللَّهَ وَاسْتَعَاذَه، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا اسْتِبْشَارٌ إلَّا دَعَا اللَّهَ وَرَغِبَ إلَيْهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
838- وَعَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ، وَكَانَ إذَا قَرَأَ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] قَالَ: سُبْحَانَك فَبَلَى، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
839- وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قُمْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَبَدَأَ فَاسْتَاكَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَبَدَأَ فَاسْتَفْتَحَ الْبَقَرَةَ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَمَكَثَ رَاكِعًا بِقَدْرِ قِيَامِهِ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ رُكُوعِهِ، يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ وسُورَةً سُورَةً، ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد وَلَمْ يَذْكُر الْوُضُوءَ وَلَا السِّوَاكَ.
الشيخ: هذه الأحاديث العدة كلها تدل على شرعية التسبيح عند آيات التسبيح، والدعاء عند آية الدعاء، وطلب الرحمة والمغفرة، والتَّعوذ عند آية التَّعوذ، وهذا ثابت من حديث حذيفة عند مسلمٍ وغيره كما تقدم، وحديث عوف بن مالك عند أبي داود وغيره، وعند أحمد أيضًا بإسنادٍ صحيحٍ، وله شواهد: حديث ابن أبي ليلى كما هنا من حديث عائشة ليلة التمام، وحديث عائشة يشهد له ما تقدم ..... رواه أحمد.
وليلة التمام ذكره في "النهاية": تفتح التاء وتكسر: تَمام وتِمام، قال: إن المراد بذلك ليلة أربعة عشر من الشهر، فيحتمل أن يكون المراد بذلك التمام، يعني: أطول ليلة في السنة، تكسر أيضًا، يقال: تِمام يعني: أطول ليلة في السنة، وهو هذا المحتمل، ولعله أقرب إن صحَّ الخبر، لعلَّ المراد بذلك يعني: الليالي الطويلة؛ ولهذا قرأ فيها بالبقرة والنساء وآل عمران؛ لأنَّ هذه سور طويلة، وإنما يتحمَّلها الليل الطويل إن صحَّ خبر عائشة.
وحديث حذيفة وحديث عوف بن مالك وما جاء في معناهما كافٍ في الدلالة إن صحَّ خبر عائشة أو لم يصح، كافٍ في الدلالة على شرعية الدعاء عند آيات الرحمة وذكر الجنة، والدعاء والتعوذ عند ذكر النار وعذاب أهل النار، وشرعية التسبيح عند ذكر أسماء الله وصفاته وتعظيم شأنه جلَّ وعلا.
كل هذا مشروع للمؤمن في تهجده في الليل في صلاة النافلة؛ لأنَّ هذا إنما حُفظ في التَّنفل، ولا أعلم حديثًا صحيحًا ذكر فيه أنه فعله في الفريضة، وإنما ثبت في النَّفل في التَّهجد بالليل؛ لأنَّ هذا محل الطول ومحل التوسع في القراءة والدعاء، أما الفريضة فهي محل مراعاة المأمومين وعدم المشقة عليهم، فلم أحفظ عن النبي ﷺ في هذا شيئًا يدل على أنه كان يفعله في الفرض.
وقد ذكر بعضُ أهل العلم أنه لا بأس بالفرض؛ لأنَّ الأصل ما جاز في هذه جاز في هذه، ولكن إذا كان المعنى له مناسبة في النافلة لم يكن وجيهًا في إلحاق الفرض به؛ لأن الفرض أشد، والنافلة يُناسب فيها الإطالة والتوسع في الدعاء، وليست من جنس الفرض؛ ولهذا يقول ﷺ: إذا أمَّ أحدُكم بالناس فليُخفف؛ فإنَّ فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة، وإذا صلَّى لنفسه فليُطوِّل ما شاء، فالأفضل والأولى عدم فعله في الفريضة إلا بدليل، أما في النافلة فيُستحب له ذلك: كالتهجد بالليل، وصلاة النوافل الأخرى.
وفيه أيضًا من الفوائد: أنه يُستحب أن يقول في ركوعه وفي سجوده: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، وفي حديث عائشة عند مسلم: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، وفي حديث عائشة أيضًا في "الصحيحين": سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، هذا مُستحبٌّ في الركوع والسجود في النَّفل والفرض جميعًا: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، مع "سبحان ربي الأعلى" في السجود، "سبحان ربي العظيم" في الركوع، كل هذا ثابت عنه عليه الصلاة والسلام، فينبغي للمؤمن التأسي به في ذلك.
وفيه من الفوائد أيضًا: الإطالة في صلاة الليل إذا استطاع ذلك: في قيامه وركوعه وسجوده، وأن ركوعه كان قريبًا من قيامه، وكان سجوده قريبًا من ركوعه عليه الصلاة والسلام، كان هذا في تهجده في الليل عليه الصلاة والسلام.
وهكذا في صلاة الفريضة ينبغي أن تكون متقاربةً كما قال البراء بن عازب : "رَمَقْتُ صلاة محمدٍ ﷺ، فرأيتُ قيامه وركوعه وسجوده .." إلى آخره "قريبًا من السواء"، صلاته كانت معتدلةً عليه الصلاة والسلام، وفي روايةٍ أخرى: "ما خلا القيام والقعود"، فالقيام يكون أطول بعض الشيء، وهكذا القعود للتَّشهد أطول بعض الشيء.
س: قوله "سبحانك فبلى" في آخر القيامة؟
ج: كذلك يدل حديث موسى ابن أبي عائشة على أنه يُستحب لمن قرأ آخر القيامة: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] أن يقول: "سبحانك فبلى"؛ لأنه حديث صحيح لا بأس به، فيُستحب ذلك في الفرض والنفل.
أما ما رواه أبو هريرة من طريق بعض الأعراب: أنه سمع النبي ﷺ يقول: مَن قرأ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى فليقل: سبحانك فبلى، ومَن قرأ: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:8] فليقل: بلى وأنا من الشاهدين، ومَن قرأ آخر المرسلات: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [المرسلات:50] يقول: آمنتُ بالله فهو ضعيف؛ لأنه من رواية أعرابي مجهول عن أبي هريرة، فلا يُحتجُّ به، ومن المحفوظ ما يُقال عند آخر سورة القيامة: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى أن يقول: "سبحانك فبلى"، هذا رواه أبو داود بإسنادٍ لا بأس به.
س: في الفرض والنَّفل؟
ج: عام، نعم.
س: يكون مُستثنى؟
ج: نعم .....، وعند نهاية القراءة.
س: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ؟
ج: ما ثبت، ولا في آخر المرسلات، من رواية بعض الأعراب المجهولين.
س: ............؟
ج: نعم، مثل: ذكر أسماء الله وصفاته .
س: الأعرابي صرَّح البيهقي أنه أبو مسلم الأغرّ، نفس الحديث؟
ج: لا، هذا باطل، ظنَّ أنه هو، قال: لعله، وما صرَّح.
س: ...............؟
ج: ما أتذكر.
س: يقصر على النافلة؟
ج: لا، لا، يعم؛ لأنه ما في طول.
س: ...........؟
ج: ما أعلم فيه بأسًا .....
س: ...............؟
ج: ما ورد.
س: لو مرَّ بآية تسبيح يرفع أصبعه؟
ج: نعم؟
س: إذا مرَّ بآية تسبيح وهو في الصلاة يرفع أصبعه، يُسبِّح بالأصبع؟
ج: يُسبِّح من غير الحاجة إلى رفع، ما أعرف أنه ورد رفع الأصبع.
س: يُلاحظ الآن في الصلاة إذا قرأ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:6] الناس يُهللون معه تهليلًا كاملًا، هل هذا وارد؟
ج: ..... إلا على قول مَن قال: إنَّ الحديث يعمّ، من قال: إن حديث حذيفة يعمّ الفرض والنفل فعل ذلك، وقاله جمعٌ من أهل العلم، فالأمر فيه واسع إن شاء الله، لكن الأظهر والأقرب تركه في الفريضة؛ لعدم وروده في النصوص المعروفة؛ لأن النبي ﷺ يُصلي بالناس خمس صلوات باليوم والليلة، ولو كان يقوله في الفرائض لنُقل عنه.
س: ...........؟
ج: السنة الإنصات إلا عند النهاية، إذا انتهت القراءة ما في بأس، السنة الإنصات: وإذا قرأ فأنصتوا.