بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْخُفَّيْنِ والنَّعْلَيْنِ
608- عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا : أَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
609- وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الشيخ: وهذان الحديثان يدلان على شرعية الصلاة في النعال والخفاف؛ لأنَّ النبي كان يُصلي فيهما عليه الصلاة والسلام، يقول: إنَّ اليهود لا يُصلون في خفافهم ولا في نعالهم فخالفوهم، وحديث أنس في "الصحيحين": أنه كان يُصلي في نعليه، وتقدم حديث أبي سعيدٍ -وهو بسندٍ جيدٍ- أنَّ النبي ﷺ كان يُصلي بنعليه، فجاءه جبرائيلُ وأخبره أنَّ بهما خبثًا، فخلعهما، وخلع الناس نعالهم، فلما صلَّى سألهم عن سبب خلع نعالهم فقالوا: رأيناك خلعتَ نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: إنَّ جبرائيل أتاني فأخبرني أنَّ بهما خبثًا، فإذا أتى أحدُكم المسجد فليقلب نعليه، فإن رأى بهما أذًى فليمسحه ثم يُصلي فيهما.
هذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على شرعية الصلاة في النعال والخفاف خلافًا لليهود، ولكن ليس بواجبٍ، إنما هو مستحبٌّ عند سلامة العاقبة، ولهذا ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه صلَّى حافيًا ومُنتعلًا عليه الصلاة والسلام، فإن صلَّى فيهما فهو أفضل، وإن صلَّى حافيًا فلا بأس، ولكن إذا كان الناسُ لا يعتنون بمسح الخفاف، ولا يعتنون بالخفاف، فالواجب أن يمنعوا من ذلك؛ حتى لا يقذروا المساجد ولا يُفسدوها على الناس، ولا سيما مع الفرش والنظافة، والرسول أمر بتنظيف المساجد، فإذا كان أغلب الخلق وأغلب الناس جفاةً لا يُبالون بمسح النعال ولا بتفقد النعال، أو كانت المساجد مفروشة فينبغي في هذه الحال عدم الدخول بها، وأن تُوضع في محلٍّ مناسبٍ؛ حتى لا تقذر المساجد، فلا يتحرى الإنسانُ فعل المستحب ويأتي بجرائم على المصلين بتوسيخ مصلَّاهم وتنفيرهم من الصلاة ونحو ذلك، وقد يقع بعض الجهال في أشياء كبيرة من دخولهم بالقاذورات على المساجد، نسأل الله السلامة.
س: يُعتبر التراب مُطهِّرًا للنَّجاسات؟
ج: إذا حكَّها وأزالها بالكلية، حكَّها ولم يبقَ فيها شيء مطهر لها.
بَابُ الْمَوَاضِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَالْمَأْذُونِ فِيهَا لِلصَّلَاةِ
610- عَنْ جَابِرِ بن عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: جُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِدًا وَطَهُورًا رَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ بِإِسْنَادِهِ.
611- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ النبيَّ ﷺ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: حَيْثُمَا أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ فَصَلِّ؛ فَكُلُّهَا مَسْجِدٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
612- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.
613- وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُصَلُّوا إلَى الْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَابْنَ مَاجَهْ.
614- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.
615- وَعَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وصالحيهم مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
616- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
617- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ، عَنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْحَمَّامِ، وَفِي مَعاطنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ. رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
وَقَدْ رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، عَن النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ، قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَن النَّبِيِّ ﷺ أَشْبَهُ وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْعُمَرِيّ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.
الشيخ: اللهم صلِّ وسلّم على رسول الله ......
هذه الأحاديث كلها تتعلق بمواضع الصلاة، ومن رحمة الله أن جعل الأرض كلها مسجدًا، وقد صحَّت الأحاديثُ عن رسول الله ﷺ في ذلك: من حديث جابر، ومن حديث أبي ذرٍّ، ومن أحاديث أخرى كلها دالة على أنَّ الأرض كلها مسجد، فأيما مؤمنٍ أدركته الصلاةُ فإنه يُصلي، ما لم يكن هناك مانع فيها من نجاسةٍ أو نحوها كالمقبرة، وإلا فالأصل أنها كلها مسجد: في بيتك، وفي الصحراء، وفي بيت أخيك، وفي كل مكانٍ، كلها جعلها الله مسجدًا وطهورًا، ومنها يتطهر بالتراب، وبما فيها من الماء، ويُصلي فيها أيضًا، وكان مَن قبلنا يجمعون الصَّلوات التي فاتتهم ويُصلونها في أماكن العبادة، فرحم الله هذه الأمة وجعل الأرضَ كلها مسجدًا.
وحديث أبي سعيدٍ: إلا المقبرة والحمام رواه الخمسة إلا النسائي، وإسناده جيد، وأعلَّه بعضُهم بالإرسال، ولكنه وصله الثِّقات، فهو أيضًا حُجَّة بأن الأرض كلها مسجد كما في حديث جابر وأبي ذرٍّ إلا المقبرة، والحكمة في ذلك أنَّ المقبرة إذا صُلِّي فيها فقد يكون ذلك ذريعةً إلى الشرك وعبادة أهلها من دون الله، فحرَّم الله الصلاةَ فيها سدًّا لذرائع الشرك، وحمايةً للمسلم أن يقع فيما وقعت فيه الأمم من الغلو في الأموات، والحمام لأنه بيت الشيطان، أو لأنه مظنَّة النَّجاسة، فهو يتّخذ للوضوء والغسل وقضاء الحاجة.
وكذلك حديث ابن عمر: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتَّخذوها قبورًا متفق عليه، يدل على أن البيت محلُّ صلاةٍ في الفرض والنفل، في الفرض إذا مرض أو فاتته مع الجماعة صلَّاها في البيت، وللمرأة كذلك، فأما الصحيح فالواجب عليه أن يُصلي مع الناس، ولا يجوز له الصلاة في بيتٍ، بل يُصلي مع الجماعة، لكن قد يعرض له مرضٌ، قد يعرض له نومٌ، قد يعرض له أشياء، فإذا صلَّاها في البيت صحَّت، وهكذا المرأة تُصلي في البيت.
وفيه دلالة على أنه ينبغي أن يجتهد في الصلاة في البيت في النوافل؛ ولهذا قال ﷺ: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة، فينبغي أن يكون بيته معمورًا بالعبادة بطاعة الله: من ذكرٍ، وصلاةٍ، وقراءة قرآنٍ؛ حتى يطرد منه الشياطين؛ ولهذا في رواية مسلم: فإنَّ الشيطان يفرُّ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة، فهذا يدل على أنَّ قراءة القرآن والإكثار من ذكر الله في البيوت من أسباب طهارتها من الشياطين، وقلة ورودهم بها، والغفلة عن ذلك واستعمال المعاصي والمخالفات والمعازف وأشباه ذلك من أسباب كثرة الشياطين المثبطة عن الخير والصَّادة عن الخير.
وهكذا حديث جندب بن عبدالله البجلي : يقول ﷺ: ألا وإن مَن كان قبلكم كانوا يتَّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتَّخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك، أصله: إنَّ الله قد اتَّخذني خليلًا كما اتَّخذ إبراهيم خليلًا، ولو كنتُ متَّخذًا من أمتي خليلًا لاتَّخذتُ أبا بكر خليلًا، ثم قال: ألا وإنَّ مَن كان قبلكم، فيه دلالة على أنه خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام، ودلالة على أن الصديق هو أفضل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ثم قال: ألا وإنَّ مَن كان قبلكم -يعني من الأمم- كانوا يتَّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتَّخذوا القبورَ مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك، فنهى عن هذا من وجوهٍ ثلاثةٍ:
أولًا: ظلم الماضين والتَّحذير من أن نتأسَّى بهم في ذلك.
الثاني: قوله: فلا تتَّخذوا القبورَ مساجد هذا نهي صريح.
الثالث: قوله: فإني أنهاكم عن ذلك.
فنهى عنها من وجوهٍ ثلاثةٍ عن اتِّخاذها مساجد –القبور- سواء كانت قبور أنبياء أو قبور صالحين.
وهكذا بقية القبور؛ لأنها تعمّها العلَّة، فيجب الحذر من اتِّخاذها مساجد؛ لأنها وسيلة إلى أن يُعبد أهلها من دون الله .
وهكذا حديث أبي مرثد الغنوي: لا تُصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا إليها، لا تُتَّخذ قبلةً المقبرة يُصلَّى إليها، ولا يُجلس عليها، لا للراحة، ولا لقضاء الحاجة، وإذا كان لقضاء الحاجة صار أقبح وأشدّ إثمًا: كأن يبول عليها أو يتغوَّط عليها، فهذا منكر، وهكذا الجلوس مطلقًا من دون قضاء حاجةٍ: كأن يتَّكئ عليها، ويجلس عليها، كل هذا لا يجوز، فالمسلم يُحترم حيًّا وميتًا، لكن إذا كان بينه وبينها حائل: كجدار المسجد، أو بيوت بينه وبينها، زال المحذور، فإنما يكون المحذور إذا باشرها بالصلاة إليها.
وهكذا حديث ابن عمر: أنَّ الرسول ﷺ نهى عن الصلاة في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، والحمام، وقارعة الطريق، ومعاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله. هذه سبع يُنهى عن الصلاة فيها.
المزبلة لأنها محل القاذورات ومحل النَّجاسة، والمقبرة معروف كما تقدم، والمجزرة يعني محلّ الدماء النَّجسة، وقارعة الطريق لأنها محل الهوام، ومحل المرور، فقد يتعرض له سوء: يطأه أحد، يُصيبه أذى من هوام الطريق، مع أن الحديث ضعيف كما يأتي ..... بيت الله ..... ينتصب، لكن الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية زيد بن جبيرة ..... وهو ضعيف عند أهل العلم، فقال فيه الحافظ: إنه متروك. قال في "التقريب": إنه متروك.
وهكذا رواية الليث عن عبدالله بن عمر العمري: ضعيف أيضًا عبدالله بن عمر العمري، فالحديث ضعيف من الطريقين، وفي بعضه نكارة وهو قوله: "وفوق ظهر بيت الله"، فإنَّ الكعبة تجوز الصلاة فيها في الحجر وفي داخلها وفوق ظهرها؛ لأنها كلها قبلة، هواها قبلة، ليس المقصود جدارها، ولو هُدمت والعياذ بالله صلَّى الناسُ إلى محلِّها، ولا يضرّهم هدمها؛ لأنَّ المقصود محلها وهواها، وليس المقصود بناءها، فالصلاة فيها وفي الحجر الظاهر أنه يُجزئ؛ لأنها كلها قبلة، تُجزئ لأنها قبلة، ولكن الحديث هذا ليس بشيءٍ، ولهذا صلَّى النبيُّ ﷺ في الكعبة، وقال في حديث عائشة: صلِّي في الحجر فإنه من البيت.
واختلف العلماءُ: هل يُصلى فيها الفرض؟ على قولين، والصواب أنه لا حرج أن يُصلي فيها الفرض؛ لعدم الدليل على المنع؛ لأنَّ الحديث ضعيف، والأصل جواز الصلاة فيها كغيرها من البقاع، لكن كونه يُصلي خارجها فتكون قبلته في الفريضة هذا أولى؛ خروجًا من الخلاف، ولأنه ﷺ ما صلَّى داخلها الفريضة، صلَّى خارجها واستقبلها، وإنما صلَّى في داخلها النفل، فإذا أراد الفريضة صلَّى خارجها، فهو أولى وأحوط، وفيه خروج من الخلاف، وأما النافلة فبإجماع المسلمين يُصلى فيها.
كذلك حديث النهي عن الصلاة في معاطن الإبل ..... مثلما تقدم: معاطن الإبل لا يُصلَّى فيها، أما مرابض الغنم والبقر وغيرها فلا بأس أن يُصلي فيها؛ لأنها طاهرة، وأما الإبل فلأمرٍ آخر، فهي طاهرة وبعرها طاهر، لكن لأمرٍ آخر الله أعلم به، وقال بعضُهم: لأنها خُلقت من الشياطين، وإن كان في حديثه ضعف، وقال بعضهم: لأنها قد تنفر إذا كانت حاضرةً فتُؤذي المصلي وتقطع عليه صلاته وتضرّه، وقال بعضهم: إنه تعبدي لا تُدرى علَّته والله أعلم جلَّ وعلا.
والأقرب أنه تعبُّدي ولا تُعرف علَّته، والله جلَّ وعلا حكيم عليم أمرنا بأوامر ونهانا عن نواهٍ، بيَّن العلة في بعضها والحكم، وبعضها ما بيَّن، فعلينا التسليم والقبول، نحن عبيد مأمورون، نمتثل أمره في كل شيءٍ، فما ظهر لنا من الحكمة فهذا علم إلى علم، ونور إلى نور، وما خفيت حكمته فنحن نعلم أن ربنا حكيم عليم، لا يشرع شيئًا ولا يخلق شيئًا إلا لحكمةٍ ، وإن خفيت علينا: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:83]، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11] ، سواء كانت الحكمةُ أنها خُلقت من شياطين، أو أنها قد تضرّ مَن صلَّى حولها، أو لغير هذا، المهم أنه لا يُصلَّى في معاطنها، وفي موضع اجتماعها عندما ترد الماء، وهكذا مراحها وما يكون فيه عطنها ..... فلا يُتخذ مصلى، أما الغنم فلا حرج في ذلك، وهكذا غيرها: كالبقر والصيود والجواميس وغير هذا، الأصل أنها كلها محل صلاةٍ إلا المعاطن.
س: بعض الناس إذا بنى بيتًا قبل أن يسكنه يأتي بقراء يقرؤون فيه، فهل هذا له أصل؟
ج: ما أعلم له أصلًا، ما أعلم فيه شيئًا، لكن قراءة القرآن فيها مصالح مثلما قال النبيُّ ﷺ: فإنَّ الشيطان يفرُّ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة، وقال: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم فإنها تعمر بالقراءة، وتعمر بالذكر والصلاة، هذا مطلوب.
س: إذا اتَّخذ عادةً عند بناء البيت أو عند كذا؟
ج: لا أعلم لها أصلًا.
س: ما يُقال: بدعة؟
ج: الله أعلم، لعلَّ تركه أولى، وكونه يفعله هو صاحب البيت، الحكم عليه بأنه بدعة يحتاج [إلى] تأمل.
س: الصلاة إلى القبور باطلة؟
ج: نعم، باطلة، باطلة، وزيادة .....
س: بالنسبة للصلاة في قارعة الطريق؟
ج: جاء فيها هذا الحديث الضعيف، لكن تجنبها أولى، وجاء في بعض الروايات الأخرى تجنب ..... على قارعة الطريق؛ لأنها مأوى الهوام، فالمكث فيها والصلاة فيها ينبغي تركه؛ لأنها خطرة.
س: ...........؟
ج: محل قرع الأقدام، محل السير ..... أمرها سهل، إذا كان الطريق له جوانب متسعة ..... فيها فلا بأس.
س: الصلاة على الميت في المقبرة أو أفضل في المسجد؟
ج: في المصلى، وفي المساجد، وإذا دعت الحاجةُ إلى الصلاة في المقبرة فلا بأس؛ صلَّى النبيُّ ﷺ في المقبرة على جنازةٍ، لكن في المصليات أفضل وفي المساجد حتى يجتمع الناس.
س: في المسجد؟
ج: في المسجد، وفي المصلَّى، كله طيب .....
س: الصلاة في المسجد الذي يكون في وسطه فيه قبر؟
ج: نعم؟
س: الصلاة في المسجد الذي يكون فيه قبر، وكذلك حكم الصلاة في المسجد الذي يكون في قبلته قبر، ولكن بينه وبينه حائل وجدار؟
ج: الصلاة تصحّ، إذا كان القبر خارج المسجد تصحّ، إلا إذا كان المسجد فيه قبور ما تصحّ، ولو قبرًا واحدًا.
س: إذا كان في فناء المسجد؟
ج: إذا كان تبع المسجد لا يُصلَّى فيه، إذا كان تابعًا للمسجد، أما إذا كان خارج المسجد وليس في حكم المسجد فلا يضرّ.
س: يعني إذا كان الحائل موجودًا سواء كان في قبلته أو ..؟
ج: عن يمين أو شمال أو أمام أو خلف، إذا كان خارج المسجد صار صحيحًا.
س: إذا كان في شيء المسجد طبعًا في القبلة، والقبر في شرق المسجد عند دورة المياه؟
ج: خارج المسجد يعني؟
الطالب: نعم خارج المسجد.
الشيخ: ما يضرّ.
س: ولو كان المسجد بُني على القبر مع العزل، يعني معزولًا، ولكن المسجد بُني على القبر؟
ج: إذا كان خارج المسجد ما يكون المسجد فيه قبور.
س: لكن المسجد مبنيٌّ عليه؟
ج: ..... اتّخاذ المساجد على القبور .....، ولا يتّخذ عليه إلا إذا كان في داخله.
س: لكن ما بُني إلا من أجله، يعني: وُضع القبر ثم جهز المسجد بعدها؟
ج: ما دام خارج الذي يظهر لي أنه ..... حكمه ..... إزاحة القبر إذا تيسر ونقل رفاته إلى المقبرة يكون هذا أبعد من الشُّبهة، يُنقل القبر ويُزال.
س: لكنه هو الأصل ولو أزلناه هو الأصل؟
ج: ينبغي إزالته، ولو الأصل ينبغي إزالته.
س: لو كان هو العارض ..؟
ج: ينبغي إزالته ..... يبعد.
س: دورة المياه المعروفة في المساجد هل ..... داخل المسجد أو خارج المسجد؟
ج: خارج المسجد.
س: دورة المياه أنها خارج المسجد؟
ج: نعم، نعم.
بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الْكَعْبَةِ
618- عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: "دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْبَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِم الْبَابَ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلَالًا، فَسَأَلْتُه: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فقَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
619- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّهُ قَالَ لِبِلَالٍ: "هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ عَنْ يَسَارِك إذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وجْهَةِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ.
بَابُ الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ
620- عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ: كَيْفَ أُصَلِّي فِي السَّفِينَةِ؟ قَالَ: صَلِّ فِيهَا قَائِمًا، إلَّا أَنْ تَخَافَ الْغَرَقَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.
بَابُ صَلَاةِ الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِعُذْرٍ
621- عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ انْتَهَى إلَى مَضِيقٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَحَضَرَت الصَّلَاةُ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِمْ، يُومِئُ إيمَاءً، يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِن الرُّكُوعِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
وإنما تثبت الرخصة إذا كان الضرر بذلك بيِّنًا، فأما اليسير فلا، روى أبو سعيدٍ الخدري قال: "رأيتُ النبيَّ ﷺ سجد في الماء والطين، حتى رأيتُ أثر الطين في جبهته". متَّفق عليه.
622- وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَة قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يُسَبِّحُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وِجْهَةٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث -الأول منها والثاني- فيما يتعلق بالصلاة في الكعبة، دخلها النبيُّ ﷺ عام الفتح وصلَّى فيها ركعتين، دخلها ومعه عثمان بن طلحة وأسامة بن زيد وبلال، فأغلقوا عليهم الباب، قال ابنُ عمر: "فلما فُتح البابُ كنتُ أول داخلٍ، فسألتُ بلالًا: هل صلَّى رسولُ الله؟ قال: نعم، صلَّى ركعتين بين العمودين عن يسارك"، هذا يدل على ..... الصلاة في الكعبة، وأن الصلاة فيها مُستحبة ومشروعة، ولكن ليس لها تعلق بمناسك الحج، فليست من واجبات الحج، ولا من سننه، ولا من أركانه، بل مَن شاء دخلها وصلَّى ومشى لم يدخل إذا تيسر ذلك من دون كلفةٍ ولا مشقَّةٍ.
والصلاة فيها مُستحبَّة، وإن صلَّى في الحجر كفى كما قال النبيُّ ﷺ لعائشة لما طلبت دخول الكعبة قال: صلِّي في الحجر؛ فإنه من البيت، فإذا صلَّى في الحجر أو في الكعبة كل ذلك حسن، ولكن ليس له تعلق بالحج والعمرة.
وهذا كان يوم الفتح، ولم يدخلها ﷺ في حجة الوداع، ولا في عمرة القضاء، فدلَّ على عدم تأكد دخولها، وأنَّ مَن دخلها كما دخلها النبيُّ ﷺ يوم الفتح فلا بأس، وهو مستحب، ومَن لا فلا، ولا سيما إذا كان دخولها يترتب عليه مشقَّة أو زحام أو نحو ذلك فالترك أولى.
وكانت الكعبةُ ذاك الوقت لها ستة أعمدة، فلما دخل صلَّى بين العمودين الغربيين، وجعل بينه وبين الجدار الغربي ثلاثة أذرع عليه الصلاة والسلام، وجاء في حديث ابن عباس أنه كبَّر في نواحيها ودعا، فدلَّ ذلك على شرعية التكبير في نواحيها والدعاء، مع صلاة ركعتين إذا دخلها، كما فعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام.
واختلف العلماء: هل تُصلَّى فيها الفريضة؟
تقدمت الإشارة إلى هذا في حديث ابن عمر: أن الرسول ﷺ نهى عن الصلاة في سبع مواطن، وتقدم أنَّ الصواب صحَّة صلاة الفريضة فيها؛ لأن الأصل أن الفرض والنفل سواء، فلما صحَّت فيها النافلة وجب أن تصح فيها الفريضة؛ لعدم الدليل المفرق، ولكن إذا ترك ذلك وصلَّى الفريضة في الخارج عن الكعبة؛ خروجًا من الخلاف فهذا حسن، وإلا فلو صلَّى الفريضة في داخل الكعبة صحَّت، أما الإمام الذي يُصلي بالناس فالأصل أنه يُصلي خارج الكعبة كما صلَّى بهم النبيُّ ﷺ والخلفاء خارج الكعبة.
وفيه من الفوائد: أن الأفضل أن يكون بين الجدار وقدم المصلي ثلاثة أذرع، بين المصلي وسترته ثلاثة أذرع؛ حتى لا يصطدم فيها، ولا يُخشى عليه من ..... فيكون بين قدمه والجدار أو السترة المنصوبة ثلاثة أذرع، وأما حديث بينه وبين السترة ممر الشاة، فهذا معناه بينه وبين موضع السجود، يعني: موضع سجوده ..... بقي بينه وبين السترة شيء قليل، وهذا والله أعلم لئلا يصطدم بها عند ركوعه أو سجوده أو غفلته، فيكون بينه وبينها شيء حتى لا يتعرض لسوءٍ.
وفي حديث الصلاة في السفينة الدلالة على أنه لا بأس أن يُصلي في السفينة، كما يُصلي في الطائرة والقطار وغير ذلك، فهذه المراكب البحرية والبرية يُصلَّى فيها على حسب الطاقة، فيُصلي فيها، والحديث وإن كان فيه ضعف ولكن معناه صحيح، وقد فعله الصحابةُ، صلّوا في السفن والمراكب، وأخبر النبيُّ ﷺ أنَّ جيشًا يغزو في سبيل الله، وأنهم يركبون الثبج -ثبج هذا البحر- ومعلوم أنهم تعرض لهم الصَّلوات فيُصلون في السفن والمراكب البحرية، وهكذا المراكب الجوية والمراكب البرية يُصلون فيها إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك، ولكن في الفريضة لا بدَّ من استقبال القبلة والركوع والسجود مع القُدرة، فإن لم يقدروا أومأوا بالركوع والسجود وأجزأت الصلاة؛ لأنَّ السفينة قد تكون فيها حركة، وقد تكون ضيقة ما تتسع للسجود، وهكذا السيارة، وهكذا القطار، وهكذا الطائرة، فإن تيسر له أن يسجد سجد، ووجب عليه ذلك، وإلا أومأ بالسجود كما يُومئ بالركوع؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
وفي النافلة لا بأس أن يُصلي إلى غير القبلة كما في حديث عامر بن ربيعة وغيره: يُصلي حيث كان وجهه، حيث توجَّهت الطائرة أو السيارة أو السفينة، أما في الفرض فإنه يستقبل القبلة، ويدور مع السفينة ومع الطائرة كيف دارت في الفريضة؛ حتى لا يُصلي إلا إلى القبلة، كما أخبر الصحابةُ أنه كان عليه الصلاة والسلام في الفريضة يُصلي إلى القبلة، وينزل في الأرض يُصلي إلى القبلة عليه الصلاة والسلام، وإنما كان يُصلي على الدابة في النوافل في صلاة الليل والوتر وصلاة الضحى ونحو ذلك يُصلي على الراحلة.
والأفضل أن يُصلي إلى القبلة عند الإحرام؛ يستقبلها عند الإحرام كما جاء في حديث أنسٍ، ثم يُصلي إلى حيث كان وجهه جمعًا بين الأخبار، والأحاديث الصحيحة كلها ليس فيها استقبال القبلة عند الإحرام، ولكن جاء في حديث أنسٍ عند أبي داود -وإسناده حسن- أنه كان يستقبل القبلة عند الإحرام، فإذا فعل ذلك كان ذلك حسنًا وجمعًا بين الروايات.
وفي حديث يعلى بن مرة الدلالة على أنه إذا كان هناك مانع من الصلاة في الأرض في الفريضة جاز أن يُصلي على الدابة، وهكذا يُصلي على السيارة، ويُصلي على الطائرة، وعلى السفينة الفريضة للحاجة إلى ذلك، فيُصلي إلى القبلة، ويركع ويسجد على القبلة.
ولهذا في حديث يعلى بن مرة أنهم في بعض أسفارهم مع النبي ﷺ عرض لهم مطرٌ، فصار المطر من فوقهم، والبلة من تحتهم، السيل يمشي من تحتهم، فأوقف النبيُّ الإبلَ عليه الصلاة والسلام، وأمر بالأذان والإقامة، وتقدم بناقته فصاروا خلفه، صفُّوا خلفه، وصلوا خلفه، يُومئ بالركوع والسجود، يركع بالهواء، ويسجد بالهواء، والحديث هذا رواه أحمد والترمذي، وقال الشوكاني: صحَّحه عبدالحق، وحسَّنه النووي. لكن في إسناده ضعف؛ ولهذا ضعَّفه البيهقي فأصاب؛ لأنه من رواية عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة، عن أبيه، عن جده، وقال صاحب "التهذيب والتقريب" في عثمان بن يعلى بن مرة أنه مجهول لا تُعرف حاله، ولم يروِ عنه إلا واحد، ونقل ذلك صاحب "التهذيب" عن ابن القطان أيضًا أنه مجهول، والمجهول -مجهول العين- روايته ضعيفة لا تقوم به الحجَّة.
وكذلك ابنه عمرو بن عثمان حفيد يعلى، قال في "التقريب": أنه مستور ومجهول الحال، فيكون كما قال البيهقي حديثًا ضعيفًا، ولكن معناه صحيح، وعمرو ذكره ابن حبان في "الثقات"، وعلى طريقة المؤلف الحافظ ينبغي أن نُسميه مقبولًا، لكنه في "التقريب" سمَّاه: مستورًا، ولم يلتفت إلى توثيق ابن حبان في هذا.
والمقصود أنَّ الحديث ضعيف من أجل جهالة عثمان بن يعلى، والكلام في .....، لكن معناه صحيح، والقاعدة المعروفة: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فالمعنى صحيح، إذا احتاج الناسُ إلى الصلاة على الدواب للخوف مثلًا، أو لأنَّ الأرض طين، أو لأسبابٍ أخرى لم يستطيعوا معها الصلاة في الأرض، أو كالمريض الذي ما يستطيع أن ينزل عن المطية، ومثل ما يعرض للناس في الصحراء وفي الطائرات في الجو والمراكب البحرية ولا يستطيع أن يسجد، فإنه يُصلي على حسب حاله، يستقبل القبلة، يُصلي ويُومئ بالسجود إذا لم يستطع السجود، ومثل المربوط على المطية، المريض المربوط على المطية لئلا يسقط عند نزوله، أو الخائف الذي ما يستطيع [أن] ينزل لأنَّ العدو خلفه، فيُصلي على حسب حاله، ويُومئ بالسجود والركوع، هذا من القاعدة: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
س: من النصوص الأخرى –يعني- يُؤخذ من قواعد الشريعة لا من هذا الحديث يعني؟
ج: القواعد تؤيد حديث أبي يعلى.
س: يقول الترمذي: تفرَّد به عمر بن الرماح البلخي؟
ج: عمر بن الرماح ثقة لا يضرّ، لكن المصيبة في عمرو بن عثمان بن يعلى وأبيه، الترمذي رحمه الله ذكر عمر بن الرماح وأعرض عن العلة العليلة التي أشار لها البيهقي رحمه الله.
س: إذا ..... الطائرة قبل الوقت ..... أن يُصلي ..... وفيه ...... ولو ......؟
ج: لا، صلِّ على ..... الطائرة، وإن تيسر تُصلي جماعةً في الطائرة، صلِّ جماعةً في الطائرة إذا تيسر.
س: إذا كانت الطائرة تدور إلى القبلة ..؟
ج: يدور معها، يدور معها حسب طاقته.
س: ما يُميز، ما يستطيع؟
ج: يجتهد، إذا اجتهد: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
س: حديث: لا يركب البحر إلا حاجّ أو غازٍ؟
ج: ضعيف، ما هو بصحيح.
س: بعضهم ..... الطائرة وهي واقفة بالمطار، ويُصلون جلوسًا على الكراسي؟
ج: هذا ما يجوز، هذا ينبغي التَّنبيه عليه، يجب أن يُصلي واقفًا ويسجد ويركع، ما فيه خطر هذا.
س: .............؟
ج: لا، لا، يجب عليه أن يُصلي واقفًا، ويصلي إلى قبلةٍ ويسجد؛ لأنَّ أرضها مثل أرض السَّفينة.
س: ولو ما في مكان؟
ج: لا، في مكان بين الكراسي.
س: يُصلي وحده، ما في جماعة؟
ج: ولو وحده يُصليها.
س: ..... الخوف من البلل يكون عذرًا إن كان في السجود، وورد أنه ﷺ -الحديث المعروف الثاني- رأيتُ أني أسجد في ماءٍ وطينٍ، وقال للآخر؟
ج: هذا لا يضرّ، حديث أبي سعيدٍ، لكن إذا كان يشقّ عليه كثيرًا، أما البلل الذي ما يشقّ كثيرًا ما يمنع السجود، لكن لو كان السيل يمشي وأرض ما يستطيع .....، لكن الشيء الخفيف ما يمنع.
س: المنع من الصلاة في الكعبة الفريضة؛ هل الجمهور ذهب إلى هذا؟
ج: ما عندي خبر أن الجمهور على هذا أو هذا، الخلاف مشهور، وأما كون الجمهور في جانب هذا أو جانب هذا.
س: الفقهاء كلهم؟
ج: أقول: ما أتذكر الجانبين، لكن بكل حالٍ سواء كان الجمهور في هذا أو في هذا الصواب الجواز والصحة على حسب القاعدة.
س: ...............؟
ج: ...... إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك صحَّت، لكن السنة في داخلها، ما هو على ظاهرها، السنة أن يُصلي في داخلها، لكن لو قدر أن أحدًا حبس فوق ..... صلَّى على حسب حاله.
س: .............؟
ج: ...... الغالب الطائرة بين إذا كان مثلًا جاءته من جدة، من الرياض، فالقبلة وراءك، وإذا كنت متوجِّهًا إلى جدة فالقبلة أمامك، وإذا كنت ذاهبًا إلى جهات بعيدةٍ تسأل أين القبلة؟
بَابُ اتِّخَاذِ مُتَعَبَّدَات الْكُفَّارِ وَمَوَاضِع الْقُبُورِ إذَا نُبِشَتْ مَسَاجِد
623- عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسجِدَ الطَّائِفِ حَيْثُ كَانَ طَوَاغِيتُهُمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ عُمَرُ : "إنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَهُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ". قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إلَّا بِيْعَةً فِيهَا تمَاثِيلُ.
624- وَعَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا وَفْدًا إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَبَايَعْنَاهُ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّ بِأَرْضِنَا بِيعَة لَنَا، وَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَتَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَبَّهُ فِي إدَاوَةٍ وَأَمَرَنَا فَقَالَ: اخْرُجُوا فَإِذَا أَتَيْتُمْ أَرْضَكُمْ فَاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ، وَانْضَحُوا مَكَانَهَا بِهَذَا الْمَاءِ، وَاتَّخِذُوهَا مسْجِدًا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
625- وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَأَنَّهُ أمر بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إلَى مَلَأ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا، قَالُوا: لَا، وَاللَّهِ لا نَطْلُبُ ثَمَنه إلَّا إلَى اللَّهِ، فَقَالَ أَنَسٌ : وَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ: قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خِرَبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عَضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَالنَّبِيُّ ﷺ مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إلَّا خَيْرُ الْآخِرَةِ، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ. مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ مُتَّفَق عَلَيْهِ.
بَابُ فَضْلِ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا
626- عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
627- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الأولى تتعلق ببناء المساجد في محلِّ مُتعبدات الكفار، وأنه لا حرج على الناس أن يتّخذ مُصلًّى أو معبدًا للمسلمين بعدما كانت معبدًا للكافرين، وأن هذا من تطهيرها وإبدالها خيرًا بعدما كانت محلَّ شرٍّ.
وفي حديث عثمان بن أبي العاص: أنه ﷺ أمره أن يتَّخذ مسجدًا محلّ طواغيتهم، وكذلك ما في حديث طلق بن علي من أمره ﷺ لهم باتِّخاذ البيعة مسجدًا لهم ومعبدًا لهم.
وهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على شرعية بناء المساجد، وإقامة المتعبدات الإسلامية بدل المتعبدات الجاهلية، وأنه يُزال منها ما كان فيه محذور حتى تستقيم مساجد، وكان نهي ابن عباس محل اللات التي كانوا يعبدونها من دون الله، محل الطاغية.
فالحاصل أن إزالة الأصنام ومتعبدات الجاهلية والصوامع والبيع التي يتخذها النصارى، وهكذا متعبدات اليهود، فكل ذلك يجب على وجه يكون محل عبادة لله وحده ؛ حتى تنسى تلك المحلات الخبيثة، ويحل محلها المتعبدات الإسلامية التي تنسخ آثار ذلك الشر.
وفي خبر ابن عمر وابن عباس دلالة على أنه لا مانع من الصلاة في بيعهم وكنائسهم إذا أُزيلت منها الصور؛ حتى لا يشبهوا عمل اليهود والنصارى في عبادة الصور، فإذا نُزعت من البيع والكنائس جاز أن يُصلي فيها، فإذا دعت الحاجةُ إلى الصلاة فيها أُزيلت هذه التماثيل التي فيها وصلي فيها، بدلًا ما تكون محل عبادة غير الله تكون محل عبادة الله .
وفيما يتعلق بأثر قيس بن طلق الدلالة على أنها تغير الصورة والحالة، وهكذا محل الطواغيت تغير حتى تكون مساجد، ليست على هيئة مُتعبداتهم، فتُزال تلك الآثار التي على رؤوسهم وعلى آثارهم وكيفياتهم، ويحل محلها البنايات والمتعبدات الإسلامية التي على النهج الذي فعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام.
وفي قصة إعطائه الماء والرش في محلِّ بيعتهم: لعلَّ ذلك لما في وضوئه من البركة والخير عليه الصلاة والسلام.
وحديث قيس ضعَّفه جماعةٌ لأنَّ قيسًا تكلم فيه جماعة، وصححه آخرون، فإن قيسًا لا بأس به في الجملة، قال فيه صاحب "التقريب": إنه صدوق، فعلى سبيل فرض صحَّته فالمعنى أنَّ في رشِّها لما أعطاه إياه عليه الصلاة والسلام خيرًا كثيرًا؛ لما جعل الله في وضوئه وما باشر جسده من البركة والخير عليه الصلاة والسلام.
وفيه أيضًا من الفوائد: وجوب إزالة الصور والتماثيل من محلِّ العبادة، ومن البيوت إذا قدر عليها، ولهذا لما فتح الله على نبيه مكة أزال ما في الكعبة من الصور، وأزال ما حولها من الأصنام وكسرها، ومحى ما في جدرانها من الصور، فهكذا إذا قدر المسلمون على مُتعبدات المشركين ليتَّخذوها محلَّ عبادةٍ أو لإجلائهم منها؛ لأنهم لا يقرون فيها، كالجزيرة العربية فإنهم يُجلون منها وتُزال ما فيها من الشرور، وهكذا إذا أُريد اتّخاذها مسجدًا أُزيل ما فيها من الصور والتماثيل والهياكل التي تشبه حالهم؛ حتى يكون لها هيكل وبناء غير بنائهم، وألا يُشابه بناءهم؛ حتى تُنسى تلك الطقوس وتلك الحال التي كانوا عليها، ويحلّ محلها الشعار الإسلامي والعمل الإسلامي.
ولهذا لما هاجر النبيُّ ﷺ وأراد بناء المسجد قال لجماعةٍ من الأنصار من بني النجار: ثامنوني حائطكم يعني: أخبروني بثمنه حتى نجعله محلّ المسجد، فقالوا رضي الله عنهم وأرضاهم: لا نريد ثمنه إلا من الله ، وطابت نفوسُهم بأن يجعل مسجدًا، وكانت فيه قبور ونخل وخرب، فأمر النبي ﷺ بالخرب فسُويت الخرب، أصبح فيها.
خَرب جمع خربة، مثل: كلم جمع كلمة، ويجوز خِرَب كعنب جمع خربة، قاله أيضًا بعضُ أئمة اللغة، ويقال: خَرب، ويقال: خِرب، والأول أظهر وأفصح وأكثر.
فسوى النبيُّ ﷺ الخربات التي هناك، وأمر بالقبور التي هناك فنُبشت، وأمر بالنخل فقُطع وجُعل أمام المسجد في الجانب القبلي، وجعلت له عضادتان من الحجارة، وصار النبيُّ ﷺ والصحابة يشتغلون في بنائه وهو معهم عليه الصلاة والسلام، ويرتجزون: اللهم لا عيشَ إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة رضي الله عنهم وأرضاهم.
وفيه أيضًا من الفوائد: أنه لا مانع من نبش قبور المشركين؛ لأنها غير محترمة، فإذا دعت الحاجة إلى نبشها تنبش، ووضع مسجد محلها، أو بيت محلها، أو غير هذا من المصالح، لا بأس بنبشها، أما قبور المسلمين فهي محترمة فلا تنبش إلا من ضرورةٍ، أما قبور المشركين فإنها غير محترمة، فإذا دعت الحاجةُ إلى نبشها تُنبش.
وكذلك النخل لا بأس بقطعه إذا دعت الحاجة إلى قطعه واتّخاذ محله مسجدًا، أو اتّخاذه سكنًا فلا بأس، شجر مباح لا مانع من قطعه للمصلحة.
وفي هذا أيضًا تسوية الخرب: إذا كان في المحل خرب ومحل حفر يسوى؛ حتى يكون صالحًا للعبادة.
وفي حديث عثمان الدلالة على شرعية بناء المساجد، والترغيب في ذلك؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: من بنى لله مسجدًا بنى الله له مثله في الجنة متفق عليه.
وهذا يدل على فضل بناء المساجد، والحثّ عليه، والترغيب فيه؛ لما فيه من الإعانة على إقامة الصلاة وذكر الله وإظهار شعائر الإسلام، والله يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2].
وكذلك حديث ابن عباس: من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاةٍ لبيضها، المفحص: محل ما تُهيئه القطاة لبيضها، وهذا على سبيل المبالغة في الحثِّ على بناء المساجد، والترغيب في ذلك، سواء كانت صغيرةً أو كبيرةً، وهذا مثل قوله ﷺ: حتى لو دخلوا جحر ضبِّ لدخلتُموه من باب المبالغة، شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، فالنبي ﷺ يستعمل هذا لبيانٍ: إما التحذير من الإقدام، وإما الترغيب في الإقدام، يعني: حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتُموه، هذا فيه التحذير من التَّشبه بأعداء الله والتَّأسي بهم.
وفي حديث: ولو كمفحص قطاةٍ الترغيب في بناء المساجد ولو كانت غير واسعةٍ، على حسب الحاجة.
وبناء المساجد في الأحياء والقرى والمدن من أفضل القربات، بل واجب مع القُدرة؛ لأنه في حديث عائشة أنَّ الرسول ﷺ أمر ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتُطيب، فإذا اسْتُطِيعَ ذلك وقُدر على ذلك بُنيت، وإلا صلّوا في الأرض ولو كانت غير مبنيةٍ، لكن متى استطاعوا بناءها بنوها وكرَّموها ونظَّفوها وطيَّبوها كما فعل النبيُّ ﷺ والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في بناء المسجد، وكما فعل أهل قباء.
وفَّق الله الجميع.
س: الطَّواغيت؟
ج: يعني محلّ آلهتهم التي يعبدونها: كاللات وغيرها، لكن لا بد لهم طواغيت أخرى غير اللات، لهم مُتعبدات، مثل: قريش لهم مُتعبدات غير العُزَّى.
س: يعني في نفس مكان المسجد، المسجد في غير اللات مكانه؟
ج: نعم؟
س: مكان مسجد الطائف في غير اللات للطَّواغيت؟
ج: ما أعرف، أقول: ما أذكر شيئًا.
س: هنا في لفظ الجمع: طواغيت؟
ج: ما أذكر شيئًا، لكن لعله في محلات أخرى.
س: ومسجد الطائف أمره حيث كان ..؟
ج: ..... يكون محلَّ متعبد غير المسجد المعروف.
س: قوله: ولو كمفحص قطاةٍ ما يكون أيضًا على ظاهره، بمعنى: الجماعة يشتركون فيكون لكلٍّ منهم قدر هذا المفحص؟
ج: هذا قاله بعضُهم، ولكن الأظهر الأول: المبالغة.
س: ...........؟
ج: تُهدم إذا دعت الحاجةُ إلى هدمها، وإذا كانت صالحةً تُغير الصورة التي تُشبه حالهم في بنائها أو توسيعها أو غير ذلك مما يُغيروا ما هم عليه.
س: صورة معلقة فهل لا يُصلَّى فيه بناءً على: "لولا هذه الصور لصلينا فيها"؟
ج: ينبغي؛ لأن الصلاة ..... إذا كانت من جهة القبلة قد يُوهم التَّشبه بأعداء الله، وكانوا يُصلون إلى الأصنام، فترك ذلك مثلما قال عمر وابن عباس: "لولا ما فيها من الصور".
س: ..........؟
ج: أسهل، يكون أسهل؛ لأن التكبر ما يكون واضحًا .....، يكون أولى، يكون محل ..... الخالي أولى، مثلما قال عمر وابن عباس رضي الله عنهما.
س: وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا هنا بالإفراد؟
ج: مفرد مضاف، الغالب أن البيض يُجيب أكثر [من] واحدة، الغالب ثنتين، وقد يُجيب أكثر، لكن في بعض ..... ما يدل على أنه يطول، وأنه يدر عيشهم، وأنهم ينعمون، وأنهم ..... من الزمان قبل قيام الساعة، لكن ما أذكر التَّحديد كم ..... أنهم يعودون إلى عبادة الأوثان، وعبادة القبور والأشجار والأحجار والأصنام ..... يعود إلى عبادة اللات والعزى؛ لما في حديث مسلم عن عائشة: لا ..... الليالي والأيام حتى تُعبد اللَّات والعُزَّى.
بَابُ الِاقْتِصَادِ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ
628- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: "لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى". رواه أَبُو دَاوُد.
629- وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : "كَانَ سَقْفُ الْمَسَاجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ، وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ من المطر، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَو تُصَفِّرَ فتفتن الناس".
بَابُ كَنْسِ الْمَسَاجِدِ وَتَطْيِيبِهَا وَصِيَانَتِهَا مِن الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ
630- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاة يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِن الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي، فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِن الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
631- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.
632- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَتَّخِذَ الْمَسَاجِدَ فِي دِيَارِنَا، وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفَهَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ: "كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْمَسَاجِدِ أَنْ نَصْنَعَهَا فِي دِيَارِنَا، وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا".
633- وَعَنْ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله ......
الباب الأول في الاقتصاد في المساجد، وأنه ينبغي في بنائها وتعميرها الاقتصاد وعدم التَّكلف وعدم الإسراف وعدم النقوش والمباهاة، وكان مسجده ﷺ من اللبن ومن الجريد حين بناه عليه الصلاة والسلام، وكان عوده من جذوع النخل، هكذا ثبت عنه ﷺ وثبت عن أصحابه، ثم بناه عمر، لما اختلَّ بناه عمر كذلك، ويُروى عن الصديق بناؤه أيضًا كذلك، وبناه عمر كذلك وأعاده كما كان، وقال: "أكنَّ الناسَ" هكذا ضبطه بعضُهم، وضبطه آخرون: "أكن"، أمر الوكيل: "أكن الناس من الحرِّ، وإياك أن تُصَفِّر أو تُحَمِّر"، وكلتا الروايتين صحيحة: "أكن" يعني أنا، ثم قال له: "إياك" يعني الوكيل، فأما رواية "أكنه" فهي أنسب للسياق، يخاطب الوكيل؛ لأن المقصود من هذا يعني أن المطلوب إكنان الناس وسترهم عن الشمس وعن البرد وعن المطر، ليس المقصود المباهاة، وليس المقصود الزخرفة.
وهذا الذي قاله عمر هو الذي درج عليه النبيُّ ﷺ والصحابة في عهده وفي عهد الصديق ، فلما كان عثمان وسَّع المسجد وزاد فيه زيادةً كبيرةً، وبناه من الحجر المنقوش، وجعل عمده من الحجارة المنقوشة، وسقفه بالساج، وذكر قوله ﷺ: من بنى لله مسجدًا بنى الله له به بيتًا في الجنة، ويُروى أنه قال: "أنتم الآن غيَّرتم في بيوتكم وزينتم"، فاجتهد وحسن بناء المسجد على غير الحالة الأولى، فقال بعضهم: إنَّ هذا مما أُخذ على عثمان حين غيَّر. وهو مجتهد في هذا لما رأى الناس غيَّروا في بنائهم وتحسَّنت بيوتهم، وتأول قوله: بنى الله له به بيتًا في الجنَّة.
وحديث أنس: لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد، وحديث ابن عباس: ما أُمِرْتُ بتشييد المساجد، قال أهلُ العلم: لا يُخالف ما فعله عثمان؛ لأن عثمان أراد سنةً ليس فيها مُفاخرة، وليس فيها زخرفة، وإنما أراد بذلك جمالًا وقوةً في البناء، وليس المراد به المباهاة، وليس المراد ما فعله اليهود والنصارى من الزخرفة الزائدة، وإنما هو اقتصاد مناسب لمحله وزمانه لما توسّعت الدنيا وتوسّع الناس وبنوا بيوتهم البناء الحسن، فله اجتهاده رضي الله عنه وأرضاه.
والصواب في هذا ما دلَّت عليه الأحاديثُ؛ أنه لا ينبغي الزخرفة، ولا ينبغي المباهاة والنقوش التي قد تشغل الناس وتُشوش عليهم، ينبغي تركها، وإن فعلها عثمان مجتهدًا، لكن الأخذ بظاهر الأحاديث أولى وأولى، فيكون البناء بالقوة والشيء الحسن الذي يُبهج المصلِّي ويُعينه على الصلاة، لكن ليس فيه نقوش ولا مُفاخرة ولا مباهاة، بل بناء قوي سليم ليس فيه خطر، يكن الناس عن الحرِّ والمطر والشمس، وليس فيه ما يشغل المصلين؛ ولهذا قال ﷺ: ما أُمِرْتُ بتشييد المساجد، والتشييد يُفسَّر بأمرين: أحدهما: طولها ورفعها، وهي القصر المشيد الطويل. والثاني: بناؤها بالشيد، وهو الجصّ والنّورة ونحو ذلك مما يُحسنها، وهو لم يُؤمر بهذا، لكن لم ينهَ عن هذا، لم يقل: نهيتُ، ولكن قال: ما أُمِرْتُ، فيدل على أنه غير مشروع، ولكن لو فعل ما في نهي، إنما فيه أنه ليس بمشروعٍ، وإذا كان غير مشروع فتركه أولى، ولكن ليس مثل النهي، بل هو أسهل من النهي؛ ولهذا فهم عثمانُ رضي الله عنه وأرضاه أنَّ هذا ليس بمنكرٍ، وإنما هو لتحسين المساجد ووضعها كما حسَّن الناسُ وضع بيوتهم.
وهكذا قول ابن عباس: "لتُزخرفنَّها" هذا من كلام ابن عباس أخذًا من قوله ﷺ: لتتبعنَّ سنن مَن كان قبلكم حذو القُذَّة بالقُذَّة، قال: إنَّ اليهود زخرفوا، والنصارى، وهكذا أنتم سوف تتبعونهم، وهذا وقع في دول كثيرةٍ، وأمصار كثيرة من مدة طويلةٍ، وزخرفها برفع البناء، ووضع النقوش الكثيرة، كل هذا وقع، وهو مما لا ينبغي، ينبغي تركه حتى لا يتشوش المصلون، وحتى لا تُصرف الأموال إلا في حقٍّ، ويكفي صرفها بما يكن الناس ويحصل به قوة البناء وعدم خطر البناء ويكفي.
كذلك حديث: لا تقوم الساعةُ حتى يتباهى الناسُ بالمساجد، التحذير من التباهي وهو المفاخرة؛ لأنَّ هذا يُفضي إلى الإسراف والتَّبذير ..... أشبه، لا حاجة إليها، فتُبنى المساجد على قدر الحاجة من غير إسرافٍ ولا تبذيرٍ، ومن غير زخرفةٍ تضرّ المصلي، ومن غير مباهاةٍ ولا مُفاخرةٍ، ومن غير نقوشٍ تشغل المصلي أو كتابات، يكون بناء قويًّا سليمًا حسنًا ينفع المصلين ويسترهم من الحرِّ والبرد والمطر، وليس فيه مباهاة ولا مُفاخرة، وما فعله عثمانُ فعله عن اجتهادٍ وعن قصدٍ صالح، فرضي الله عنه ورحمه.
والأحاديث الأربعة الأخيرة في كنس المساجد وفي تنظيفها: السنة كنسها وتنظيفها، ومن ذلك حديث عائشة: أن الرسول ﷺ أمر ببناء المساجد في الدور، يعني: محلات الدور –أحياء العرب- المحلات التي توجد فيها القبائل دور، هذا الباب لفلان، مثلما قال النبيُّ ﷺ: خير دور الأنصار دار بني ساعدة، دار بني فلان، دار بني الحارث، دار بني الخزرج يعني: محلاتهم وأحياءهم.
فالمقصود هنا دور القبائل وأحياء العرب، والأحياء تكون في البلاد، في أكنافها وأطرافها، تُبنى فيها المساجد حتى يُصلِّي فيها أهلُ المحلة الساكنون هناك، وليس المراد بالبيوت محلّ السكن، لا، قد ظنّ بعضُهم هذا وغلط، فالمراد هنا الدور التي هي محلات تجمع الناس: حي بني فلان، مثل: عندنا حي كذا، وحي كذا ......، وحي أم الحمام، يعني: الأحياء التي يتجمع فيها الناس، أمر ..... ببناء الدور فيها حتى يُصلي فيها أهلُ المحلة، وأمر أن تُنظَّف من القاذورات، وأن تُطيب حتى تكون لها الرائحة الطيبة.
وكذا في حديث سمرة في هذا المعنى، وهذا مشروع، والأصل فيه الوجوب، الأصل في الأوامر الوجوب، وقال بعضهم: إنه للسنية، فلو صلوا بغير بناءٍ فلا بأس؛ لأنَّ الله جعل الأرض مسجدًا وطهورًا، ولكن بناء المساجد فيه مصالح، فالأصل الأخذ بوجوبه، وأنه واجبٌ؛ لما فيه من الإعانة على الصلاة؛ لأنه إذا صلي في الأرض المكشوفة قد يضرّهم ما يقع من المطر وما يقع من الشمس، وقد يحصل به التَّخلف، فلهذا بنى النبي ﷺ مسجده عليه الصلاة والسلام، وهو الأسوة، وبنى الصحابةُ كذلك.
فعلى المسلمين وعلى ولاة أمور المسلمين بناء المساجد في الدور؛ حتى يُعينوا المصلين على الصلاة، وحتى يقوهم حرَّ الشمس وشرَّ البرد، ويقوهم من المطر، هذا هو الأصل في الأوامر.
والتنظيف يكون بإزالة ما فيها من الأذى، وقد يقع فيها من أشياء تنفر المصلي، فتنظف: قطع الخرق، قطع الأعواد، عظام، أشياء تقع من الناس، وهكذا ما فيها من الروائح الكريهة تُزال بالطيب، هذا هو السنة.
وحديث سمرة جاءت له طرق يشدّ بعضُها بعضًا، فهو موافق لحديث عائشة.
وفي الحديثين جميعًا الدلالة على أنه ينبغي للمؤمنين أن يلاحظوا هذا وأن يُزيلوا الأذى حتى ولو قليلًا، حتى ولو قذاة، وجاء الحديث الصحيح: أنَّ امرأةً كانت تقمّ المساجد، فلما ماتت ليلًا صلى عليها الصحابةُ ولم يُخبروا النبيَّ ﷺ، فلما أصبحوا وأعلموه قال: هلا كنتم آذنتموني؟ دلُّوني على قبرها، فدلُّوه، فصلَّى على قبرها عليه الصلاة والسلام تقديرًا لعملها الصالح، وتنظيفها المسجد، وفي اللفظ الآخر: أنه كان غلام يقمّ المسجد.
فالمقصود أن هذا يدل على شرعية تنظيف المساجد ولو بالشيء القليل، حتى ولو القذاة، وحتى ولو الشيء اليسير؛ لأنه إذا تجمع اليسيرُ مع اليسير مع اليسير كثر، فإذا تعاهد المسلمون ذلك زال الأذى وبقيت المساجد نظيفة تُشجع المصلين على الحضور، وتُعينهم على الوجود في المساجد، وعلى إقامة حلقات العلم، وعلى الرغبة في أداء الصلاة فيها؛ لما فيها من النَّظافة والطيب.
وفي حديث أنسٍ زيادة: وعُرضت عليَّ ذنوبهم يعني: ذنوب الأمة، فلم أرَ أعظم من سورةٍ أو آيةٍ أوتيها رجلٌ من القرآن ثم نسيها، فهذا الحديث ضعَّفه جماعةٌ من أهل العلم؛ وذلك لأنه من طريق عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج، عن المطلب بن عبدالله بن حنطب، عن أنسٍ، وهذا السند ليس بقائمٍ، ولهذا لما عرض الترمذي هذا على البخاري استغربه واستنكره وقال: لم يسمع المطلبُ من أصحاب النبي ﷺ. وهو مُدلِّسٌ أيضًا، فالمطلب كثير التدليس -كما قال الحافظ- والإرسال، فلم يسمع من أنسٍ، ولم يقل: سمعتُ أنسًا.
ثم أيضًا فيه ابن جريج، وهو مدلس، ولم يُصرح بالسماع، وعبدالمجيد أيضًا فيه كلام، قال فيه الحافظ: صدوق يُخطئ، وهو مُرجئ أيضًا. وقال فيه ابنُ حبان: متروك وإن كان روى له مسلم في بعض المتابعات.
فالحاصل أن الحديث ضعيف بهذا السند، ومن نكارته قوله: "أعظم من سورة أوتيها رجلٌ ثم ينساها"، النسيان يقع من الناس: من الأنبياء وغير الأنبياء، مَن يعصم من النسيان؟! ثم لو ما فرضنا أنه منكر، ليس هذا أعظم ذنب، فأعظم الذنوب الشرك بالله ، وقوله أعظم: "فلم أر في ذنوبها شيئًا أعظم من سورة" هذا مما يدل على نكارة المتن وعدم صحَّته.
فالحديث ضعيف، ونسيان السورة ونسيان الآية ليس بذنبٍ، وليس بجريمةٍ، ولا منكر، وإن كان مُستحبّ للمؤمن أن يتحرى وأن يحرص على حفظ ما يسَّر الله له من القرآن ودراسته، هذا أمر مطلوب ومشروع، لكن ليس عليه جريمة أنه نسي آيةً، أو نسي سورة ثم تعاهدها بعد ذلك، فقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيتُ فذكِّروني، وثبت عنه أنه قال: رحم الله فلانًا، لقد أذكرني آيةَ كذا، آية كنتُ أسقطتُها، والمقصود أنَّ هذا يقع من الناس، حتى من الأنبياء، ولا يُعصم أحدٌ من النسيان، فهذا مما يدل على ضعف الحديث، وأن ابن جريج دلَّسه، أو المطلب دلَّسه عن ضعيفٍ أو كذابٍ أو مجهولٍ، فلا يُعتمد عليه في هذه الزيادة.
وأما حديث جابر في النهي عن المجيء إلى المساجد لمن أكل ثومًا أو بصلًا أو كُرَّاثًا، فهذا له شواهد كثيرة عن النبي ﷺ، وثبت أنه ﷺ كان ..... كما في حديث عمر .... البصل والثوم، ويخرج من المسجد إلى البقيع، فهذا ممنوع، لا يجوز للمسلم أن يأتي وفيه الرائحة الكريهة من الثوم والبصل والكراث، أو غيرها من الروائح الكريهة، فإن هذا يُؤذي المصلين، ويؤذي الملائكة، فإن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو الإنسان، فلا يجوز للمسلم أن يتعاطى ذلك، فإذا أكل ثومًا أو بصلًا لحاجةٍ ودعت الحاجةُ إلى ذلك فليُصلِّ في بيته، أو يتعاطى شيئًا يُزيل هذه الرائحة، ولا يجوز له تعمّد أكلها ليتخلَّف عن الصلاة، لا، لا يجوز له ذلك؛ لأنَّ هذا من الحيل الباطلة، ولكن إذا دعت الحاجةُ لأكلها: لجوعٍ وحاجةٍ، أو للتداوي، أو نحو ذلك، فليُعالج الموضوع بما يُزيل الرائحة، أو يأكلها في وقتٍ بعيدٍ عن وقت الصلاة؛ حتى تزول الرائحة، وإن قدر أنَّ الرائحة موجودة فلا يأتي المسجد، وليُصلِّ في بيته، هكذا أمر عليه الصلاة والسلام والله أعلم.
ويلحق بهذا كل رائحةٍ كريهةٍ، مثل: صاحب .......، فإنَّ رائحته كريهة، وما يتعاهده ما يجوز له هذا، بل يجب أن يتعاهد ما فيه حتى يُزيل الأذى عن الناس وعن الملائكة، أو التَّدخين: بعض الناس لا يُبالي، يتعاطى التدخين ويأتي ورائحته واضحة بينة يُؤذي مَن حوله، كذلك يمنع، هذا يجب عليه أن يمتنع من هذا، أولًا ارتكب شيئًا مُحرَّمًا، ثانيًا: إذا بُلي بذلك فليحذر ذلك في وقت الصلاة، وليبتعد عن ذلك، ويُعالج الموضوع حتى تزول عنه الرائحة، لا يُصلي مع إخوانه المسلمين.
س: حتى إذا أكله؟
ج: نعم، هذا عام يعمّ، والإمام أولى الناس بهذا.
س: لو وُجد صاحبُ الرائحة يُخرج من المسجد؟
ج: نعم يُخرج من المسجد إذا استطاع الإمامُ أن يُخرجه، لكن يُعلَّم.
س: إذا كان في بناء المسجد، في بعض الأبنية يعملون أشياء فيها مُشابهة للمشركين، وفيها نفقات عالية جدًّا، وفيها ..... مثل: القباب الآن؟
ج: كلهم ..... مثلما تقدم، المهم أنه ينبغي فيها الاقتصاد، والحرص على قلة المال مهما أمكن.
س: كتابة الآيات في المنابر؟
ج: كذلك ما ينبغي؛ لأنها تُشوش أيضًا، تشغل المصلين، أقلّ أحوالها الكراهة.
س: ..... المساجد؟
ج: الله أعلم.
س: ..... البيت يُصلي فيها النِّساء؟
ج: ما في بأس، لكن لا يُسمَّى: مسجدًا، يُسمَّى: مسجدًا تسامحًا، مصلًّى يعني، فإذا ..... الداخلية طيب، أو إنسان يُصلي فيه في الليل، أحد يُصلي فيه الليل، يتهجَّد .....
س: المساجد التي تُوجد في بعض الدوائر يقتطعون جزءًا ما يُصلَّى فيه إلا الظهر فقط، هل له حكم .....؟
ج: لا، مصلى هذا، ما هو بمسجدٍ، لا، لكن إذا بنوا مسجدًا جعلوه مسجدًا للدائرة، موقوفًا يعني، يصير له حكم المساجد ولو ما صلَّوا فيه إلا الظهر، أما المصلَّى الذي في السيب يُصلون فيه ما يصير له حكم المسجد.
س: والأجر هنا؟
ج: نعم؟
س: أجر المُصلين وهم يُصلون في مكانٍ؟
ج: إذا لم يتيسر لهم مساجد حولهم فلهم أجر الجماعة، لكن إذا كان حولهم مساجد ينبغي أن يُصلوا في المساجد.
س: يشقّ عليهم الذهاب إلى المساجد؛ لبُعدها أو .....؟
ج: إذا كان لبُعدها لا بأس، لكن مَن سمع النداء فليخرج -النداء العادي يعني- أو قد يتأوَّلون أنهم إذا خرجوا تفرَّقوا، وبعضهم لا يُصلي، قد يكون له تأويل صحيح من جهة بعض المدارس أو الدوائر، إذا كانت صلاتهم في المحلِّ أضبط لهم وأجمع لهم ويتعاهدونه فيُصلون جميعًا، قد يكون هذا عذر شرعي.
س: إذا أكل ثومًا للتداوي ..... العلاج فهل يُصلي في بيته؟
ج: نعم، يُصلي في بيته ..... في بيته يحصل له دواء يُزيله أو يُقدّم له قبل وقت الصلاة يُعالج إذا استطاع: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
س: .............؟
ج: هو معذور نعم.
س: ..... في هذه الحالة؟
ج: نعم معذور، وهو .....
س: الآيات القرآنية التي فوق الكعبة ينبغي ..؟
ج: والله الذي يظهر لي أنها مثل غيرها، الذي يظهر لي أن تكون سادةً، هذا الأظهر، الأقرب أن تكون سادةً، لا من آيات، ولا من .....، هذا هو الأظهر.
بَابُ مَا يَقُولُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ
634- عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَأَبِي أَسِيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا دَخَلَ أَحَدُكُم الْمَسْجِدَ فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَكَذَلك مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَا: عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، أَوْ: عن أَبِي أَسِيد، بِالشَّكِّ.
635- وَعَنْ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَإذَا خَرَجَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: وهذا فيه بيان الآداب الشرعية عند دخول المسجد، وأنه يُستحب عند دخول المسجد أن يُصلي على النبي ﷺ، وفي رواية أبي هريرة الأولى: "فليُسلّم على رسول الله"، وهكذا في رواية ...... عند ابن خزيمة، وابن حبان بإسنادٍ صحيحٍ: "فليُسلّم على رسول الله"، وفي رواية فاطمة: "فليُصلِّ وليُسلِّم على رسول الله وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، هكذا في حديث أبي هريرة عند مسلم، عند مَن ذكر أحمد وأبي داود، وهو أيضًا من رواية ...... عند ابن خزيمة وابن حبان بغير ذكر المغفرة: اللهم افتح لي أبوابَ رحمتك، وعند خروجه يقول: اللهم إني أسألك من فضلك، وفي بعضها: اللهم افتح لي أبواب فضلك، زاد ابن خزيمة بسندٍ جيدٍ وابن حبان: اللهم أجرني من الشيطان عند الخروج، وفي رواية أبي داود زيادة: كان يقول إذا دخل المسجد: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، فإذا قال ذلك فيقول الشيطان: حفظ نفسه مني سائر اليوم، فهذا يدل على شرعية هذا.
أما رواية فاطمة رضي الله عنها ففيها: "اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك"، لكن رواية فاطمة فيها انقطاع؛ لأنها من رواية فاطمة بنت الحسين حفيدتها عنها، ولم تسمع منها، ولم تُدرك زمانها، فهي رواية مُنقطعة، ورواية أبي هريرة أصحّ منها عند مسلم، وعند أبي داود، وهكذا عند ابن خُزيمة، فهي أصحّ وأثبت، ولها شواهد.
فيدل ذلك على استحباب أن يقول عند الدخول: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وعند خروجه: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، ويقول: اللهم إني أسألك من فضلك أو: اللهم افتح لي أبواب فضلك، وفي رواية مسلم: اللهم إني أسألك من فضلك، ويقول بعد ذلك: اللهم أجرني من الشيطان.
والمناسبة والله أعلم في الرحمة والفضل في الدخول ليتأتَّى لأداء الصلاة، وعند القراءة وعند حلقات العلم، فهو جاء ليفوز برحمة الله بما شرع من العبادة وما رتَّب عليها، وعند الخروج سوف يسعى في أرض الله في حاجاته، فناسب ذكر الفضل: اللهم إني أسألك من فضلك من كسب الرزق، وفي قضاء حاجات الأهل، وفي غير هذا من شؤونه، كما في قوله جلَّ وعلا: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10].
ولما كان على خطرٍ من الشيطان في الدخول والخروج شُرع له التَّعوذ من الشيطان في الدخول والخروج جميعًا، في الدخول يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، رواه أبو داود بإسنادٍ جيدٍ، وفي الخروج يقول: اللهم أجرني من الشيطان بعدما يقول: اللهم إني أسألك من فضلك يقول: اللهم أجرني من الشيطان.
وساق ابنُ القيم رحمه الله حديثَ أبي هريرة في الخروج في "جلاء الأفهام" أيضًا.
المقصود أنَّ مجموع الروايات تُفيد أنَّ هذا الذكر عند الدخول، يُصلي على النبي ﷺ ويقول: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، هذا أثبت من زيادة: اللهم اغفر لي، وإن زادها فلا حرج للشواهد، وعند الخروج يُسلم على النبي ويُصلي عليه عليه الصلاة والسلام ويقول: "اللهم إني أسألك من فضلك"، أو: "اللهم افتح لي أبواب فضلك، اللهم أجرني من .....، اللهم أجرني من الشيطان".
وعند الدخول يُقدم رجله اليمنى، وعند الخروج اليسرى، وهذا معروف من أدلةٍ أخرى، فإن اليمين يبدأ بها في الفضل، ويبدأ باليسرى في المفضول، ومعلوم أن دخول المسجد أفضل من الخروج منه، فيدخله برجله اليمنى، والخروج باليسرى، بخلاف دخول محل قضاء الحاجة فهو بالعكس؛ يدخل باليسرى، ويخرج باليمنى.
س: ...... رواه؟
ج: رواه أبو داود بسندٍ جيدٍ لا بأس به عن أبي هريرة ..... صحيح نعم.
س: يجمع بين هذه الروايات كلها؟
ج: يجمع بينها كلها نعم، يدخل برجله اليمنى ويقول: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، وعند الخروج يُقدِّم رجله اليسرى ويقول: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم إني أسألك من فضلك، اللهم أجرني من الشيطان"، وإذا كررها ثلاثًا كان حسنًا، كان إذا دعا دعا ثلاثًا، اللهم صلِّ وسلم عليه.
س: مشروع التَّكرار؟
ج: على هذه القاعدة: كان النبيُّ ﷺ إذا دعا دعا ثلاثًا.
س: زيادة "بسم الله" صحيحة؟
ج: نعم.
بَابٌ جَامِعٌ فِيمَا تُصَانُ الْمَسَاجِدُ عَنْهُ وَمَا أُبِيحَ فِيهَا
636- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ فِي المسجد ضَالَّةً فَلْيَقُلْ: لَا أَدَّاهَا اللَّهُ إلَيْك، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا.
637- وَعَنْ بُرَيْدَةَ : أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَنْ دَعَا إلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا وَجَدْتَ، إنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ.
638- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَنَا هَذَا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ لِيُعَلِّمَهُ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ دَخَلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَالنَّاظِرِ إلَى مَا لَيْسَ لَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ: فهوَ بِمَنْزِلَةِ الرجل ينظر إلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ.
639- وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَا يُسْتَقَادُ فِيهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
640- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ ضَالَّةً فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْك رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
641- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَن الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ، وَعَن الْحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَلَيْسَ لِلنَّسَائِيِّ فِيهِ: إنْشَادُ الضَّالَّةِ.
الشيخ: وهذه الأحاديث الستة فيها ما يتعلق بالمساجد، وهذه الأحاديث المقصود منها النَّهي عمَّا لا يليق بالمساجد من أعمال الناس وأقوالهم، وتقدم في الأحاديث كنسها وتنظيفها وتطهيرها من القذاة ونحوه، وهذه فيما يتعلق بتطهيرها من الأقوال والأعمال التي لا تليق.
كذلك في هذا الحديث النَّهي عن إنشاد الضَّالة، والنبي ﷺ قال: مَن سمع رجلًا ينشد ضالَّته فليقل: لا ردَّها الله عليك، أو لا وجدتَ كما في الحديث الأول والثاني، فإنشاد الضّوال ليس من شأن المساجد، أن يكون في غير المساجد، من شأن أمور الدنيا، فيُنشدها خارج المسجد، ولا ينشد في المساجد، نشد ينشد يعني: طلبها، وأنشد أي: قال الشعر، وأما نشد فمعناه طلب الشيء، أنشدك الله يعني: أطلب منك كذا وكذا.
وفي الحديث الثالث: مَن أتى هذا المسجد ليتعلم خيرًا أو يُعلِّمه فهو كالمجاهد في سبيل الله، هذا فضل عظيم، وأن مَن أتى مسجد رسول الله ﷺ ليتعلم أو يُعلم الخير، ومن باب أولى ليعمل، ليُصلي، فإنَّ الصلاة هي مقصود المساجد، فهو ذكر، هذا من باب الدعوة إلى التعلم والتعليم، ولم يذكر مثل الصلاة؛ لأنَّ أمرها معلوم في الأحاديث الأخرى، فإذا جاء المسجد يتعلم أو يعمل خيرًا مما يُشرع في المساجد: كالتدريس والوعظ ونحو ذلك، وكأداء الصلاة والاعتكاف، لكن لما كان التعليم والتعلم أهم؛ لشدة الحاجة إلى ذلك، قال: كالمجاهد في سبيل الله، فالذي يأتي إلى المساجد ويُعلِّم الناسَ الخير، أو ليتعلم هو في نفسه كالمجاهد في سبيل الله، وهذا فضل عظيم، وإن كان في مسجد النبي ﷺ لكن يلحق به بقية المساجد، فإنَّ المقصود الدعوة إلى الخير، وتعليم الخير وتعلمه، فمَن أتى المساجد ليتعلم خيرًا أو يُعلِّمه الناس فهو كالمجاهد في سبيل الله، وإن كان في المسجد الحرام أو مسجد النبي ﷺ أولى وأولى؛ لأنهما أعظم المساجد، ويلحق بهما المساجد الأخرى؛ لأنها بُنيت للتعليم والصلاة وذكر الله وقراءة القرآن.
أما مَن أتاها لشيءٍ آخر فهو كالناظر في متاع غيره، لا حظَّ له في ذلك ولا فائدة، فينبغي لمن أتى المساجد أن تكون له نية صالحة ورغبة في الخير: من تعلم، أو تعليم، أو صلاة، أو أشياء مما شرع الله، لا للرياء والسمعة، ولا لمقاصد أخرى من مقاصد الدُّنيا.
وهكذا حديث حكيم في النَّهي عن إقامة الحدود في المساجد، والاستيقاد فيها، فالمساجد لم تُبْنَ لهذا، إنما بُنيت لعبادة الله، ثم إقامة الحدود، الاستيقاد في المساجد قد يترتب عليه ضررٌ على المسجد، وحديث حكيم وإن كان ضعَّفه المؤلفُ في "البلوغ"، وقوَّاه في "التلخيص"، فله شواهد كثيرة عن جماعةٍ من الصحابة، كلها تدل على حديث حكيم في النَّهي عن إقامة الحدود في المساجد وأن يُستقاد فيها، فإن ضرب المحدود في المسجد أو قتله في المسجد قد يُفضي إلى تلوث المسجد بالدماء أو بالبول أو بغير هذا مما قد يخرج من المحدود أو المستقاد منه، فطهر المسجد من ذلك.
هكذا النَّهي عن البيع والشراء، وإنشاد الأشعار، ونشد الضَّوال، كل هذا منهيٌّ عنه في المساجد؛ لأنها لم تُبْنَ لهذا.
وهكذا النَّهي عن التَّحلق يوم الجمعة قبل الصلاة: جاء في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، وجاء في أحاديث أخرى كحديث حذيفة، والتَّحلق يوم الجمعة قد يُفضي إلى التَّخلف عن التَّبكير في الجمعة، أو قطع الصفوف، أو شغل الناس عمَّا ينبغي لهم في هذا اليوم من التبكير والاغتسال والطيب وغير ذلك، وربك حكيم عليم، لا ينهى عن شيءٍ إلا لحكمةٍ، والتَّحلق يوم الجمعة قد يُفضي إلى أشياء تُخالف ما شرعه الله ، وقد تُثبِّط عن أشياء أيضًا شرعها الله، فالتَّحلق يوم الجمعة يُنهى عنه إلا بعد الصلاة، بعد الصلاة لا بأس، أو بعد العصر لا بأس.
وأما إنشاد الأشعار: فقد ورد عليه حديث أبي هريرة في إنشاد الشعر لحسان لما ..... مع عمر، يقول حسان: "قد كنتُ أنشد وفيه مَن هو خيرٌ منك" متَّفق عليه، وهذا معلوم، قال الكاتب: أشعر النبي ﷺ في المسجد.
واختلف العلماءُ في هذا: قال بعضُهم: إنَّ هذا ناسخٌ لفعل حسان. وقال بعضُهم بالجمع، والصواب الجمع، وليس هناك نسخ، ولكن الأشعار قسمان: قسم طيب في هجو المشركين، في العلم والفضل، في الآداب الصالحة، في الدعوة إلى الخير، فهذا من جنس العلم لا بأس به في المساجد. وهناك أشعار خبيثة في ذمِّ الناس، وسبِّ الناس، أو في مدح الخمور، أو في غير هذا مما حرَّمه الله، فهذه هي التي يُنهى عنها، وهي المرادة في حديث عبدالله بن عمرو.
فإنشاد الأشعار الرَّديئة منهي عنه في المساجد، وإنشاد الأشعار الطيبة لا بأس به؛ لأنه من جنس العلم، ولهذا كان حسان يهجو المشركين في مسجد النبي ﷺ، والنبي يسمع عليه الصلاة والسلام ويقول: اللهم أيِّدْهُ بروح القدس، ويقول: اهجهم، والذي نفسي بيده، إنه لأشدّ عليهم من وقع النَّبْل، فهذا هو الصواب في الجمع بين النصوص فيما يتعلق بإنشاد الأشعار والله أعلم.
س: لو فقد الإنسانُ مثلًا ساعةً أو قلمًا في المسجد، هل يسأله في المسجد في الداخل؟
ج: ظاهر العموم لا؛ لأنَّ النهي عن نشد الضَّالة يعمّ غير الضَّالة، الضَّوال في الحيوانات وغير الحيوانات، حكمه حكمها: مَن وجد عباءتي؟ مَن وجد كتابي؟ مَن وجد نعالي؟ يكون مثل الضَّالة، لم يُبْنَ لهذا.
س: أضاعه في نفس المسجد؟
ج: الظاهر [أنه] يقف عند الباب ويقول: مَن وجد كتابي؟ أو: مَن وجد عباءتي؟ أخذًا بالعموم.
س: .............؟
ج: لا إله إلا هو؛ لأنَّ هذا إيثار في المعنى.
س: .............؟
س: الدروس وكذا إعلانها في المساجد؟
ج: الظاهر لا بأس، ما أعلم يعني، قد يُقال: إنَّ هذا –يعني- شيء يتعلق بالمسجد، لكن لو جُعل خارج المسجد يكون أحوط؛ لعموم النَّهي عن النَّقش في المساجد، وعن الكتابة في المساجد، فقد يعمّها؛ وسدًّا للباب أيضًا .....
س: ..... الحديث ..... يوم الجمعة؟
ج: ما أعرف لها أصلًا، من باب الراحة فقط، وإلا ما أعرف النَّهي عنه، هذا يكون قبل الصلاة، هكذا جاء الحديث.
س: مشاع في نجد هذا؟
ج: كان من قديم، لكن لا أعلم إلا في الراحة والله أعلم، أو غلط من بعض المدرسين ظنًّا .....
س: ............؟
ج: الله أعلم.
س: صحَّة حديث الترمذي هذا؟
ج: وهو؟
س: الذي هو في النَّهي عن مسألة التِّجارة في المسجد: لا أربح الله تجارتك؟
ج: صحيحة، كلها صحيحة، كل هذه الأحاديث صحيحة.
س: ...........؟
ج: داخل ..... داخلة في يوم الجمعة.
س: بعض السائلين قد يحتاج الإنسانُ إلى الصرف معهم في المسجد؟
ج: نعم؟
س: قد يدفع لهم ورقة خمسين، ثم يأخذ منهم ثلاثين مثلًا، هل يكون هذا في المسجد أو يخرج معهم إلى خارج المسجد؟
ج: الأقرب والله أعلم والأحوط ..... نوع من البيع، لكن قد يُقال: إنه ليس من التجارة، وإنما أخذ ذلك لإحسانه للمساكين والله أعلم، قد يكون الخروج يفوته المصلحة، قد يُقال: هذا لا أربح الله تجارتك، وهو ما أراد التجارة، ولا أراد إلا الإحسان إلى الفقير، هذا من باب الاحتياط، أو يأتي وقد هيَّأ نفسه ووضع في جيبه ما يحتاج إليه، يكون أبعد عن الذي يعمّ عن البيع والشِّراء.
س: إيجار المنازل ..؟
ج: التأجير بيع ..
س: انشروا علمه يوم الجمعة؟
ج: حديث؟
س: نعم؟
ج: ما أعرفه، إن صحَّ فمعناه: بعد الصلاة في الخطب، يعني دون التَّحلق.
س: بعضهم قبل صلاة الجمعة يتحلَّقون لقراءة القرآن، فهل هو داخلٌ في النَّهي؟
ج: نعم ...... المسجد، ولا حاجة للتَّحلق، إن أراد أن يتحفظ يتحفظ في نفسه.
س: حتى لو بعد العشاء؟
ج: ...............
س: ما يجوز القراءة؟
ج: لا، ما يجوز ......
س: يوم الجمعة ..... دروس؟
ج: ينبغي تركها.