بَابُ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَآخِرِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَالضَّرُورَةِ
قَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ رضي الله عنهما فِي بَابِ وَقْتِ الظُّهْرِ.
425- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُر الْعَصْرُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يطلع قرنُ الشَّمْس رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ الْأَوَّل، وَفِيهِ: وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَيَسْقُطْ قَرْنُهَا الْأَوَّلُ.
وفيه دليلٌ على أنَّ للمغرب وقتين، وأنَّ الشَّفق: الحُمرة، وأن وقت الظهر يعقبه وقت العصر، وأن تأخير العشاء إلى نصف الليل جائز.
426- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ؛ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فيها إلَّا قَلِيلًا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَابْنَ مَاجَهْ.
427- وَعَنْ أَبِي مُوسَى ، عَن النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: وَأَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَت الشَّمْسُ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: انْتَصَفَ النَّهَارُ أَوْ لَمْ؟ وَكَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ وَقَبَت الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنَ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ: طَلَعَت الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ، وَأَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ، فَانْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ: احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ سُقُوط الشَّفَقِ -وَفِي لَفْظٍ: فَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ- وَأَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَالَ: الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
وَرَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ .
وهذا الحديث فيه إثبات الوقتين للمغرب، وجواز تأخير العصر ما لم تصفرَّ الشمسُ أولى من حديث جبريل عليه السلام؛ لأنه كان بمكة في أول الأمر، وهذا متأخّر ومُتضمن زيادة، فكان أولى.
وفيه من العلم جواز تأخير البيان عن وقت السُّؤال.
الشيخ: هذا فيه بيان وقت العصر وتعجيله، وفيه بيان حدود الأوقات، ذكر في حديث جابر وابن عباس: أمَّ جبرائيلُ النبيَّ في مكة عليه الصلاة والسلام، وأنه أمَّه في أول الوقت، وفي آخره، وقال: الصلاة بين هذين الوقتين، وقد صلَّى به في وقت المغرب في اليومين في أول الوقت، وهنا وضَّح أنَّ المغرب له وقتان: وقت حين تغيب الشمس، والوقت الثاني قبل أن يغيب الشفق.
وهذا الحديث الذي فيه تفاصيل التوقيت -تفصيل وقت العصر إلى أن تصفرَّ الشمس- أصحّ من حديث ابن عباس في الباب المتقدم في حديث جبرائيل، فهو متأخّر أيضًا ..... أصحّه متأخّر، فهو أبين وأولى بالأخذ لتأخُّره في المدينة، ولأنه أصحّ أيضًا.
وقد اتَّضح بذلك أنَّ الصلاة لها وقتان: أول وآخر، فالظهر من حين تزول الشمس، وآخره إلى دخول وقت العصر، والعصر كذلك حين يصير ظلُّ كل شيءٍ مثله -هذا أول بعد فيء الزوال- ثم يستمر إلى أن تصفرَّ الشمسُ، وليس له التأخير إلى أن تصفرَّ الشمسُ، وهو ضرورة إلى أن تغيب الشمسُ إذا اضطرَّ إلى ذلك، فإنه إذا صلَّاها في هذا الوقت -وقت الاصفرار- يكون قد صلَّاها في الوقت، لكن قد أساء في ذلك، وهكذا المغرب: إذا غابت الشمسُ هذا أوله، وله أن يُؤخِّر حتى يُصليها قبل غروب الشَّفق، ولكنه خلاف السنة، وخلاف الأفضل، وهكذا العشاء: إذا غاب الشَّفق إلى نصف الليل، وما بعد نصف الليل وقت ضرورةٍ إلى طلوع الفجر، وهكذا الفجر: من طلوع الفجر إلى أن تطلع الشمسُ، والأفضل فيه التَّبكير، وإن أخَّره حتى أسفر فلا بأس، ولهذا صلَّى النبيُّ ﷺ في الوقت الثاني في اليوم الثاني قبل أن تطلع الشمسُ بعدما أسفر، حتى قالوا: "كادت تطلع الشمس"؛ ليُبين حدود الأوقات عليه الصلاة والسلام، وقال: الصلاة بين هذين الوقتين.
وفيه بيان الأحكام بالفعل: فإنه ﷺ بيَّن بالفعل ثم أكَّدها بالقول عليه الصلاة والسلام.
وفيه جواز تأخير البيان عن وقت السؤال إذا كان لا مضرَّة في ذلك، أو كان التأخيرُ أوضح وأكمل، فإنه أخَّره حتى يُبين له بالفعل، ثم قال لهم: الصلاة ..، وتأخيرهم يزيدهم بيانًا، ويزيدهم إيضاحًا.
وفيه أيضًا ذمُّ التأخير إذا اصفرَّت الشمسُ، وأنه من عمل المنافقين، ولهذا ذكر ﷺ أن الصلاة إذا اصفرَّت الشمسُ بأنها صلاة المنافق؛ يرقب الشمسَ حتى إذا صارت بين قرني شيطانٍ قام ونقرها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلًا، وفي اللفظ الآخر قال: تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يُحذِّر من هذا العمل، وأن الواجب أن تُصلَّى قبل أن تصفرَّ الشمسُ كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام، كان يُصليها والشمس حيَّة مُرتفعة عليه الصلاة والسلام.
س: بعد منتصف الليل؟
ج: وقت مثلما بعدما تصفرَّ الشمسُ العصر وقت لها، إلى أن يطلع الفجر وقت ضرورةٍ؛ لقوله ﷺ: ليس في النوم تفريطٌ، إنما التفريط في اليقظة أي: يُؤخّر الصلاة حتى يدخل الوقتُ الذي بعدها، جعل ما بينهما وقت، ما عدا الفجر؛ فإن وقتها ينتهي بطلوع الشمس.
س: حديث لا تزال أمتي ...؟
ج: يدل على الأفضلية، وأنَّ هذا هو الأفضل والأكمل.
بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِهَا وَتَأْكِيدِهِ في الْغَيْمِ
428- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ" رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
وَلِلْبُخَارِيِّ: "وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِن الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ"، وَكَذَلِكَ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مَعْنَى ذَلِكَ.
429- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْعَصْرَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا نُرِيدُ أَنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنَا، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَهَا، قَالَ: نَعَمْ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، فَوَجَدْنَا الْجَزُورَ ولَمْ تُنْحَرْ، فَنُحِرَتْ، ثُمَّ قُطِّعَتْ، ثُمَّ طُبِخَ مِنْهَا، ثُمَّ أَكَلْنَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الشيخ: وهذا يدل على التَّبكير، أنه كان يُبَكِّر بها عليه الصلاة والسلام، ولعلَّ هذا كان في الصيف؛ لأنَّ الوقت بها، فبكَّر بها، وأنبأهم على النحر والتَّقطيع والطبخ والأكل قبل غروب الشمس؛ لأنَّ النهار طويل، والشمس في العصر في وقت الصيف وقتها طويل.
والمقصود من هذا كله الدلالة على التَّبكير.
430- وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ نَنْحَرُ الْجَزُورَ، فَنَقْسِمُ عَشْرَ قِسَمٍ، ثُمَّ نَطْبُخُ فَنَأْكُلُ لَحْمَهُ نَضِيجًا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
431- وَعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ الْغَيْمِ، فَإِنَّ مَنْ فَاتتهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فقد حَبِطَ عَمَلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: وهذا أيضًا يُبين الخطر في تأخير الصَّلوات؛ حديث بريدة في قصة العصر، وقد جاء في الصحاح في بعضها: مَن ترك صلاة العصر حبط عمله، وفي بعضها: من فاتته صلاةُ العصر فكأنما وتر أهله وماله، وهو يدل على شدة الوعيد لمن أخَّرها عن وقتها، وأن الواجب أن يُبادر إليها في الوقت، وهو حُجَّة لمن قال بكفر تارك الصلاة؛ لأنَّ حبوط العمل إنما يكون بالكفر، وقد جاءت النصوصُ الدالة على أن الكفر يُحبط الأعمال: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5]، مَن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله هذا وعيدٌ يدل على أن تركها كفر، نسأل الله العافية.
وفيه التبكير بالغيم؛ لأنهم قد يتساهلون فيُصلونها بعد خروج وقتها، فإن الواجب التَّحري حتى تُصلَّى في الوقت.
وفيه التَّحذير من التَّساهل فيها، وأنَّ مَن فاتته فكأنما وُتر أهله وماله، يحتمل فاتته في الجماعة، ويحتمل فاتته في الوقت، فينبغي له أن يُحافظ عليها في الجماعة وفي الوقت حتى يسلم من هذا الوعيد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
س: الاعتماد على الساعة لمعرفة الوقت؟
ج: لا بأس إذا كانت الساعةُ مضبوطةً، قد نفع الله بها كثيرًا.
بَابُ بَيَانِ أَنَّهَا الْوُسْطَى –يعني: العصر- وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا
432- عَنْ عَلِيٍّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى: صَلَاةِ الْعَصْرِ.
433- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنَّا نَرَاهَا الْفَجْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ يَعْنِي: صَلَاةَ الْوُسْطَى. رَوَاهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زياداته على مُسْنَدِ أَبِيهِ.
434- وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أَو اصْفَرَّتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا أَوْ: حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها دالة على أنَّ الوسطى هي العصر؛ لقوله جلَّ وعلا: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، والوسطى من الوسط، وهو العدل الخيار، وهي وسطى من جهة الفضل، ووسطى من جهة أن قبلها صلاتين نهاريتين، وبعدها صلاتان ليليتان: المغرب والعشاء، فهي متوسطة بين النَّهاريتين وبين الليليتين، وهي أيضًا من العدل الخيار الوسط، هذا يدل على تأكُّدها أكثر؛ لأنه خصَّها بعد التعميم، والأحاديث فيها صحيحة: من حديث علي، وابن مسعود، وغيرهما، والقول بأنها العصر أصحّ الأقوال.
435- وَعَنْ عبدالله بن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
436- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ في الصَّلَاة الْوُسْطَى: صَلَاةُ الْعَصْرِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَسَمَّاهَا لَنَا أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ.
437- وَعَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَقَرَأْنَاهَا مَا شَاءَ اللَّه، ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ فَنَزَلَتْ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، فَقَالَ رَجُلٌ: فهِيَ إذًا صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ كَيْفَ نَزَلَتْ، وَكَيْفَ نَسَخَهَا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.
وهو دليلٌ على كونها العصر؛ لأنه خصَّها ونصَّ عليها في الأمر بالمحافظة، ثم جاء الناسخ بالتلاوة المُتيقنة، وهو في المعنى مشكوك فيه، فيصطحب المُتيقن السابق.
وهكذا جاء عن رسول الله ﷺ تعظيم أمر فواتها تخصيصًا.
وروى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله ﷺ قال: الذي تفوته صلاةُ العصر فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه رواه الجماعة.
438- وَعَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا، فَقَالَتْ: "إذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى"، قال: فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا، فَأَمْلَتْ عَلَيَّ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: "سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَابْنَ مَاجَهْ.
وهذا يتوجَّه منه كون الوسطى العصر؛ لأنَّ تسميتها في الحثِّ على المحافظة دليل تأكُّدها، فتكون الواو فيه زائدة، كقوله تعالى: آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً [الأنبياء:48] أي: ضياء، وقوله: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ [الصافات:103- 104] أي: ناديناه إلى نظائرها.
439- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنْهَا، فَنَزَلَتْ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، وَقَالَ: إنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ، وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
440- وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى قَالَ: هِيَ الظُّهْرُ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَجِيرِ، وَلَا يَكُونُ وَرَاءَهُ إلَّا الصَّفُّ وَالصَّفَّانِ، وَالنَّاسُ فِي قَائِلَتِهِمْ وَفِي تِجَارَتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وقد احتجَّ بهما مَن يرى تعجيل الظهر في شدَّة الحرِّ.
الشيخ: وهؤلاء خفي عليهم أحاديث صلاة العصر؛ فلهذا قالوا ما قالوا، وإلا الصواب في أنها صلاة العصر بلا شكٍّ، فلا يُعول على ما سواه، وليس قبل الظهر صلاتان، قبلها ثلاث: قبلها الفجر والمغرب والعشاء، فهي المتوسطة منهن، المقصود أنها من جهة الفضل ومن جهة التوسط العصر.
وكان المشركون حصروا المدينةَ سنة خمسٍ من الهجرة، وهو يوم الأحزاب، ويُقال له: يوم الخندق، وطال الحصارُ نحو الشهر على المسلمين، وفي بعض الأيام اشتدَّ القتالُ بينهم وبين النبي عليه الصلاة والسلام حتى شغلوا المسلمين عن صلاة العصر بسبب شدَّة القتال والالتحام، فأخَّرها النبيُّ ﷺ حتى صلَّاها بعد الغروب، واحتجَّ بذلك العلماء على أنه إذا اشتدَّت الحربُ ولم يتيسر فعل الصلاة في وقتها فلا مانع من تأخيرها ولو بعد خروج الوقت؛ لأنَّ صلاتها بطُمأنينة وبحضور قلبٍ ولو بعد الوقت خيرٌ من صلاتها في حالٍ لا يستطيع المكلَّف أن يضبطها ويحفظها بسبب شدة القتال، ولهذا صلَّاها بعد الغروب، ثم صلَّى بعدها المغرب عليه الصلاة والسلام كما جاء في الصحيح.
ومن هذا ما فعله الصحابةُ يوم تستر؛ فإنهم حاصروا البلدَ في العراق ليلًا، واشتدَّ القتال ليلًا، فلما طلع الفجر إذا الناس في القتال، وبعض الناس على الأسوار -أسوار البلد- وبعض الناس عند أبواب البلد، وبعض الناس قد نزل، فاشتدَّ القتالُ وحمي الوطيس، فلم يتمكَّنوا من صلاة الفجر حتى ارتفع الضُّحى وفُتحت البلد، فلما فتحوا البلد وتمكَّنوا من القضاء على الحرب صلَّوا الفجر ضُحًى، قال أنسٌ : "فما أُحبّ أنَّ لي بها حمر النعم" أو كما قال؛ لأنهم أخَّروها لعذرٍ عظيمٍ وهو اشتداد القتال والخوف أنهم إن اجتمعوا للصلاة واشتغلوا بالصلاة أن يأخذهم العدو، وهذا هو الصواب، سواء كانت صلاة الخوف فُرضت قبل أو بعد.
قال بعضُ أهل العلم: إنَّ صلاة الخوف فُرضت بعد، فلا يجوز التأخير. وقال بعضُهم: بل هي قبل، ولكن هذا للعذر. وهذا هو الصواب؛ أن العذر الشديد يُجيز ذلك، ولهذا فعله الصحابةُ بعد وفاته ﷺ في قتالهم الفرس، والوجه في هذا ظاهر: اشتداد القتال، واقتحام القتال لا يمكن الناس من الصلاة، ولا يستطيع أحدٌ أن يُصلِّي.
بَابُ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ
441- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.
442- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ –أَوْ: عَلَى الْفِطْرَةِ- مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
443- وَعَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : "مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ فِيهَا بِطُولَى الطُّولَيْنِ؟" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَزَادَ عَنْ عُرْوَةَ: "طُولَى الطُّولَيْنِ الْأَعْرَافِ"، وَلِلنَّسَائِيِّ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ فِيهَا بِطُولَى الطُّولَيْنِ: المص".
وقد سبق بيان امتداد وقتها إلى غروب الشفق في أحاديث عدَّة.
الشيخ: وهذا أيضًا يُبين لنا وقت المغرب، واستحباب أن يقرأ فيها بطوال المفصل وما فوق ذلك، وأن الملازمة لقصار المفصل من عادة مروان بن الحكم أمير المدينة، ولهذا أنكر عليه زيدٌ وعلَّمه السنة: أن تكون قراءة المغرب تارةً وتارةً، تارة من القصار، وتارة من الوسط، وتارة من الطوال، وقد ثبت في "الصحيحين" من حديث جبير بن مطعم قال: "سمعتُ النبيَّ ﷺ يقرأ في المغرب بالطور"، وثبت من حديث أم الفضل عند مسلم: أنها سمعت النبيَّ ﷺ في آخر حياته يقرأ فيها بالمرسلات، فثبتت قراءة النبي ﷺ فيها بالمرسلات وبالطور وبسورة الأعراف، فدلَّ ذلك على أنه ينبغي للإمام أن يُنوِّع في صلاته، ولا يلزم بالقصار، بل تارةً وتارةً، وهذا هو السنة.
وفيه دلالة أيضًا على التبكير بها، وأن الأفضل البدار بها، وأن تُصلَّى بعد الغروب، كان النبيُّ ﷺ يُبكِّر بها، إذا أذَّن بعد قليلٍ صلَّى عليه الصلاة والسلام وقام، فما يمكث بين الأذان والإقامة إلا قليلًا، وكان الصحابة يُصلون ركعتين بعد الأذان، ثم تُقام الصلاة.
وفيه من الفوائد: كراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم عند شدة الظلمة، وأن الأفضل البدار بها قبل ذلك، وإن كان وقتها واسعًا إلى غروب الشفق، لكن الأفضل البدار بها.
س: الإمام الذي يستمرُّ على القراءة من قصار السور؟
ج: يُعلَّم السنة.
س: لكن إذا أصرَّ؟
ج: يُعلَّم السنة ولو أصرَّ، أفضلية، ما هي بواجبٍ.
س: ...........؟
ج: في الركعتين، قسمها في الركعتين.
س: استنباط المؤلف هنا في أحاديث ..... وهو دليل على كونها العصر؛ لأنه خصَّها ونصَّ عليها في الأمر بالمُحافظة، ثم جاء الناسخ بالتلاوة المُتيقنة، وهو في المعنى مشكوكٌ فيه، فيصطحب المُتيقن السابق.
الشيخ: يعني: المتيقن صلاة العصر، ثم جاءت الصلاة الوسطى ونسخت صلاة العصر، فالأصل بقاء المعنيين، وهي متوسطة أيضًا، فيبقى الأصل على ما هو عليه، وهي أنها العصر، وهي أن المراد بها الصلاة الوسطى، لكن الاستنباط ما يكون المعول عليه، المعول على نصِّ النبي ﷺ.
س: لكن قوله: وهو في المعنى مشكوكٌ فيه؟
ج: بعدما جاء النسخُ، يعني: بعدما جاء النسخُ شكَّ في المعنى: هل هي صلاة العصر أم لا.
س: التلاوة مُتيقنة لا إشكال؟
ج: نعم.
س: قصار المفصل؟
ج: فيه خلاف بين أئمة التفسير: منهم مَن قال: بين الضُّحى إلى آخره، ومنهم مَن قال: من الفجر إلى آخره، والوسط مَن عمَّ إلى ......، وما فوق ذلك طوال، من المرسلات وما فوقها إلى قاف طوال، والأمر في هذا واسع، والأقرب والأفضل ..... من حيث الوجود، من حيث الواقع، مثل: العاديات، وإذا زلزلت، وأشباهها، ومن القصار، ومثل: هل أتاك حديث الغاشية، وسبح اسم ربك الأعلى، والفجر، والبروج، وأشباهها، وعمَّ، كل هذه من الوسط، هذا هو الأغلب عند .....
بَابُ تَقْدِيمِ الْعَشَاءِ إذَا حَضَرَ عَلَى تَعْجِيلِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ
444- عَنْ أَنَس بن مالكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَؤوا بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ.
445- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إذَا أُقِيمَت الصَّلَاةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ فَابْدَؤوا بِالْعَشَاءِ.
446- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَت الصَّلَاةُ فَابْدَؤوا بِالْعَشَاءِ، وَلَا تَعْجَلْ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.
وَلِلْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ ليَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم ..... هذا يدل على أنَّ حضور العشاء عذرٌ في عدم القيام إلى الصلاة، وليس ذلك للتَّساهل بها، ولكن لأنه متى ذهب إليها وقد قدّم عشاؤه يكون مشوش القلب، غير مطمئن في صلاته كما ينبغي، فمن تعظيمها أن يبدأ بالعشاء كما جاء في هذه الأحاديث الصَّحيحة، سواء كان ذلك المغرب أو العصر أو غير ذلك.
وفي الباب حديث عائشة عند مسلم: لا صلاةَ بحضرة الطعام، ولا وهو يُدافعه الأخبثان، فالمشروع له أن يبدأ بذلك إذا كان يحتاج إليه، أما إذا كان لا يحتاج إليه ولا يتعلَّق به قلبه فإنه يذهب إلى الصلاة، ولكن الغالب أنه متى حضر الطعام تعلَّق به القلب، ولهذا جاءت الأحاديث الصَّحيحة بذلك.
لكن لا ينبغي أن يجعله عادةً، إنما هذا فيمَن وقع له ذلك من غير أن يقصده عادةً، ويتّخذ عادةً، أما أن يتّخذ عادةً حتى يُضيع الصلاة هذا لا يجوز، بل يُقدّمه أو يُؤخِّره، يُخبر أهله أن يُقدِّموه أو يُؤخِّروه، أما إذا صادف بأن قُدّم الطعام وأذَّن، أو قدّم الطعام وحضر الضيفُ، أو ما أشبه ذلك مما يكون عذرًا غير مقصودٍ، فإنه يبدأ بالطعام لهذه الأحاديث الصَّحيحة.
س: ولو فاتت الصلاة؟
ج: ولو فاتته الصلاة، نعم.
س: طيب، إذا كان يعني وقت الظهر أو العصر؟
ج: مُطلقًا، متى قدّم الطعام بدأ بالطعام إذا كان له به حاجة، لكن لا يتّخذ عادةً، يقول إذا أذَّن: هاتِ الطعام، إذا أذن المغربُ هاتِ الطعام، وإذا أذن العشاء هاتِ الطعام، وإذا أذن العصر هاته، هذا معناه: قد عزم على تضييع الجماعة فلا يجوز.
بَابُ جَوَازِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ
447- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ شَيْءٌ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "إلَّا قَلِيلٌ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ: "كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ"، فَقِيلَ لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَّاهُمَا؟ قَالَ: "كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد.
448- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، ثم قَالَ: صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي رِوَايَةٍ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
449- وَعَنْ أَبِي الْخَيْرِ قَالَ: أَتَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ فَقُلْتُ: أَلَا أُعَجِّبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ؛ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ عُقْبَةُ : إنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قُلْت: فَمَا يَمْنَعُكَ الْآنَ؟ قَالَ: الشَّغْلُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ.
450- وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا بِلَالُ، اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ نَفَسًا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ طَعَامِهِ فِي مَهَلٍ، وَيَقْضِي الْمُتَوَضِّئُ حَاجَتَهُ فِي مَهَلٍ رَوَاهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "الْمُسْنَدِ".
وكل هذه الأحاديث تدل على أنَّ للمغرب وقتين، وأن السنة أن يفصل بين أذانها وإقامتها بقدر ركعتين.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها دالة على شرعية ركعتين قبل المغرب: من حديث أنس، وعبدالله بن مغفل، وعقبة بن عامر، وغيرهم، كلها تدل على شرعية ركعتين قبل المغرب بعد الأذان، وأنه ﷺ كان يرى الصحابة يُصلونها إذا أذَّن فلم ينهاهم عن ذلك، بل أمرهم -كما في حديث عبدالله بن مغفل- قال: صلُّوا قبل المغرب ركعتين، صلُّوا قبل المغرب.
وقوله: "أنه لم يأمرنا ولم ينهانا" هذا حسب علمه، فقد ثبت أنه أمرهم كما في حديث عبدالله بن مغفل، فدلَّ ذلك على شرعيتها، لكنها غير واجبةٍ، ولهذا قال: لمن شاء، فدلَّ على سنيتها وعدم وجوبها، وقوله في الرواية: "كراهية أن يتَّخذها الناسُ سنة" أي: سنة لازمة، يعني: لئلا يظن الناس أنها لازمة، ولهذا قال: لمن شاء.
وهكذا قوله ﷺ: بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء؛ ليُبين أنه ليس بواجبٍ، ولكنه سنة، فإذا أذَّن المؤذنُ وهو جالسٌ في المسجد قام وصلَّى ركعتين، هذا هو السنة، أما إذا دخل فهذه تحية المسجد، إن دخل صلَّاهما حتى ولو قبل الغروب على الصحيح؛ لأنَّ ذوات الأسباب ليس لها وقت نهيٍ، هذا هو الصواب، صلاة الأسباب :كركعتي التحية، لو دخل العصر أو دخل بعد الفجر صلَّاهما على الصحيح، وهكذا صلاةُ الكسوف، وصلاة الطواف، لو طاف بعد العصر في مكة صلَّاهما، أو بعد الفجر؛ لأنها من ذوات الأسباب، فلا يتوهم أو يظنّ أنه أراد التَّشبه بعباد الشمس؛ لأنه أتى بالسبب وهو طوافه أو دخوله المسجد أو لوجود الكسوف.
أما إذا كان جالسًا، قد جاء قبل الغروب ثم أذَّن؛ شُرع له أن يقوم، وهكذا في الظهر والعصر والفجر، شُرع له أن يقوم في الظهر يُصلي أربعًا قبل الظهر أفضل، والعصر يُصلي أربعًا قبل العصر أفضل، وفي غيرهما يُصلي ركعتين أفضل، في العشاء ركعتين، الفجر ركعتين، كل هذا مما شرعه الله .
بَابٌ فِي أَنَّ تَسْمِيَتَهَا بِالْمَغْرِبِ أَوْلَى مِنْ تَسْمِيَتِهَا بِالْعِشَاءِ
451- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا يَغْلِبَنَّكُم الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُم الْمَغْرِب، قَالَ: وَالْأَعْرَابُ تَقُولُ: هِيَ الْعِشَاءُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: هذه هي السنة؛ أن تُسمَّى المغرب: المغرب؛ لأنها عند الغروب، وأما العشاء فهي التي بعدها؛ لأنه اشتدَّ الظلام، والعشاء هو الظلمة، وسُميت العشاء لأنها في وقت الظلمة، فالعشاء هي التي بعد غروب الشفق، والمغرب هي الأولى التي بعد الغروب، وكان الأعرابُ يُسمونها: العشاء، فنهى الرسولُ ﷺ أن يغلبهم الأعرابُ على ذلك، وكانوا يُسمون العشاء: العتمة، والأفضل أن يُقال للمغرب: المغرب، وللعشاء: العشاء، ولا بأس أن تُسمَّى: العتمة، كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة، لكن الأفضل أن تُسمَّى: العشاء، والمغرب تُسمَّى: المغرب، كما جاء في الأحاديث الصَّحيحة عن رسول الله ﷺ.
س: الحديث قوله: "يبتدرون السواري" يعني: سترةً؟
ج: نعم، سترة يُصلون إليها يعني.
س: يبتدرون السَّواري؟
ج: للسترة.
س: ويتركون الصفَّ الأول؟
ج: يتقدَّمون للسواري ثم يعودون إلى أماكنهم، تقدم ..... تقدم إليها.
بَابُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَفَضْلِ تَأْخِيرِهَا
مَعَ مُرَاعَاةِ حَالِ الْجَمَاعَةِ وَبَقَاءِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ
452- عَنِ ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ، فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وهو يدل على وجوب الصلاة في أول الوقت.
453- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةً بِالْعَتَمَةِ، فَنَادَى عُمَرُ : نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَا يَنْتَظِرُهَا غَيْرُكُمْ، وَلَمْ تُصَلَّ يَوْمئِذٍ إلَّا بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
454- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ.
455- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
456- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
457- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا، وَأَحْيَانًا يُعَجِّلُ، إذَا رَآهُم اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا أَوْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
458- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ ﷺ ذَات لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، حَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: إنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ.
459- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَخَّرَ النَّبِيُّ ﷺ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ قَالَ: قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا. قَالَ أَنَسٌ : كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ خَاتمِهِ لَيْلَتئِذٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
460- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: انْتَظَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ. قَالَ: فَجَاءَ فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ قَالَ: خُذُوا مَقَاعِدَكُمْ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا، وَلَوْلَا ضَعْفُ الضَّعِيفِ، وَسَقَمُ السَّقِيمِ، وَحَاجَةُ ذِي الْحَاجَةِ لَأَخَّرْتُ هَذِهِ الصَّلَاةَ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
قلت: قد ثبت تأخيرها إلى شطر الليل عنه عليه الصلاة والسلام فعلًا منه وقولًا، وهو مثبت زيادة على أخبار ثلث الليل، والأخذ بالزيادة أولى.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، اللهم صل وسلم .........
أما بعد: فهذه الأحاديث العديدة كلها تدل على أنَّ صلاة العشاء فيها سعة، وأن الأفضل تأخيرها بعض الشيء؛ تأسيًا به عليه الصلاة والسلام، وتوسعةً للناس فيما بين المغرب والعشاء في حاجاتهم، وكان عليه الصلاة والسلام يستحب أن يُؤخِّرها بعض الشيء، وربما أخَّرها إلى ثلث الثلث، وربما أخَّرها إلى نحو شطر الليل، كل هذا يدل على التوسعة في صلاة العشاء، فهي تبدأ من غروب الشفق، وهي الحُمرة التي في جهة المغرب، وتنتهي بنصف الليل، وتقدَّم في حديث عبدالله بن عمرو قوله ﷺ: وقت العشاء إلى نصف الليل، وحديث عائشة: إلى شطر الليل، فهذا هو الأفضل؛ أن يُؤخِّر الإمامُ الصلاةَ بعض الشيء في العشاء، إلا إذا رآهم اجتمعوا فإنه يُعجِّلها كما تقدَّم في حديث جابر: "والعشاء أحيانًا وأحيانًا".
وقد بينت الأحاديثُ أنه لولا الرفق بالناس أو المشقة عليهم لأخَّرها عليه الصلاة والسلام، وأنه كان كثيرًا ما يُؤديها وقت ثلث الليل، وأنه كان يؤديها ما بين غروب الشفق إلى ثلث الليل.
هذا كله واضح في استحباب تأخيرها بعض الشيء، إلا إذا دعت الحاجةُ إلى تعجيلها: كاجتماعهم، وخوف المشقَّة عليهم.
بَابُ كَرَاهِيَةِ النَّوْمِ قَبْلَهَا وَالسَّمَرِ بَعْدَهَا إلَّا فِي مَصْلَحَةٍ
461- عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
462- وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "جَدَبَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ السَّمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ: جَدَبَ: يَعْنِي زَجَرَنَا عَنْهُ، ونَهَانَا عَنْهُ.
463- وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أمور الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
س: كلمة "كذلك" لها محلٌّ هنا؟
ج: كأنها ما لها معنى، قد تكون وهمًا من بعض الرواة، وقد تكون لها أسباب، سقط منه شيء.
464- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "رَقَدْتُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها لَيْلَة كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَهَا؛ لِأَنْظُرَ كَيْفَ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِاللَّيْلِ". قَالَ: "فَتَحَدَّثَ النَّبِيُّ ﷺ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ" وَسَاقَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
بَابُ تَسْمِيَتِهَا بِالْعِشَاءِ والْعَتَمَةِ
465- عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سميٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الهَجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: أَمَا تَكْرَهُ أَنْ تَقُولَ: الْعَتَمَةَ؟! قَالَ: هَكَذَا قَالَ الَّذِي حَدَّثَنِي.
466- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَا تَغْلِبَنَّكُم الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ، أَلَا إنَّهَا الْعِشَاءُ، وَهُمْ يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: لَا يَغْلِبَنَّكُم الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُم الْعِشَاءِ، فَإِنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعِشَاءُ، وَإِنَّهَا تُعْتِمُ بِحِلَابِ الْإِبِلِ.
الشيخ: وهذا يدل على شرعية المبيت مبكرًا وعدم السَّهر والسَّمر بعد العشاء؛ لما يترتب على ذلك من أضرار ومفاسد، فإنَّ السمر قد يُفضي إلى حرمان مَن سمر من قيام الليل والتَّهجد بالليل، وقد يُفضي به إلى ما هو أشد من ذلك وهو فوات صلاة الفجر مع الناس، وقد يُفضي إلى ما هو أشد من ذلك وهو إضاعتها في وقتها، فالسَّمر أقل أحواله الكراهة، ولهذا قال جابر: "كان يكره النوم قبلها والحديثَ بعدها"، الحديث بعدها يعني: السمر، والنوم قبلها كذلك خطر، وهو مكروهٌ؛ لأنه قد يفوت الصلاة مع الجماعة، فكره قبلها، وكره الحديث -وهو السمر- بعدها؛ لأنه قد يُفوت التَّهجد بالليل، وقد يُفوت صلاة الجماعة في الفجر، قد يُفوتها في الوقت، إلا من حاجةٍ ومصلحةٍ: كالسمر مع زوجته وأهله في إيناس أهله، أو في مصالح بيته، أو السمر مع الضيف لإيناسه سمرًا لا يضرُّ ولا يُفوت المصلحة، والسمر في مصالح المسلمين من الملوك والأمراء والمسؤولين عن أمن المسلمين، فالسمر إذا كان لحاجةٍ فهو مُستحبٌّ، وقد يجب إذا دعت الحاجةُ إليه.
فينبغي للمؤمن أن يُلاحظ هذه الأمور، وألا يسمر إلا من حاجةٍ لمصلحةٍ، ولهذا جدب النبيُّ ﷺ السمر، أي: نهى عن السمر بعد العشاء وكرهه للأمة إلا لمصلحةٍ، كما ذكر عمرُ، وذكر ابن عباس في قصة بيتوتته عند ميمونة، وأنه تحدَّث مع أهله ساعةً، كان يتحدث مع أهله قبل النوم للإيناس، وربما دعت الحاجةُ إلى شيءٍ من شؤون البيوت، هذا هو المشروع.
وقد يحرم السمر إذا ترتب عليه إضاعةُ الصلاة الفريضة، فهنا يحرم إذا كان سمره ولو على العلم، ولو في قراءة القرآن، ولو في حلقات العلم، إذا كان السمر يُفضي إلى إضاعة الصلاة في الجماعة، أو إلى إضاعتها في الوقت حرم؛ لأنَّ كل شيء يُفضي إلى محرم فهو محرم.
ومن المصائب أن يكون السمرُ على الأغاني والملاهي والمحرَّمات، ويكون حرامًا يجرُّ إلى حرامٍ، نسأل الله العافية، ويكون هذا أشد في الإثم.
أما السمر الجائز أو المستحب فهو ما كان في المصلحة الجائزة: مع الأهل، مع الضيف، وقد يُستحب أيضًا، وقد يجب السمر في مصالح المسلمين سمرًا لا يُضيع الواجبَ.
فالسمر يدور بين المستحب والجائز والمحرم والواجب على حسب أحوال مَن يسمر، فمَن سمر في المحرمات حرم، ومَن سمر سمرًا يُفضي إلى ترك الصلاة في الجماعة وخروج الوقت حرم، ومَن سمر في مصالح المسلمين فهذا مشروع، وإن دعت إليه الضَّرورة وجب ..... المسلمين: كأهل الحسبة، وأمراء البلاد، وأشباههم ممن له شأن في أمر المسلمين، ويُستحب مع الضيف، ومع الأهل للإيناس على وجهٍ لا يضرُّ، ولا يُفضي إلى ضياع قيام الليل، ولا إلى ضياع الصلاة في الجماعة، ولا إلى ضياع صلاته في الوقت.
وفَّق الله الجميع، وصلى الله وسلم .......
بَابُ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَمَا جَاءَ فِي التَّغْلِيسِ بِهَا وَالْإِسْفَارِ
قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ وَقْتِهَا فِي غَيْرِ حَدِيثٍ.
467- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كُنَّ نِسَاء الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَلِلْبُخَارِيِّ: "لَا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا".
468- وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْد ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ، لَمْ يَعُدْ إلَى أَنْ يُسْفِرَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
469- وَعَنْ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنهما قَالَ: "تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ"، قُلْتُ: كَمْ كَانَ قدر مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
470- وعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ؛ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
471- وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ: جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: "قَبْلَ وَقْتِهَا بِغَلَسٍ".
وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ: عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِاللَّهِ فَقَدِمْنَا جَمْعًا، فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ، كُلَّ صَلَاةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَتَعَشَّى بَيْنَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، قَائِلٌ يَقُولُ: طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يقول: لَمْ يَطْلُعْ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَميعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ.
472- وَعَنْ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فَقُلْتُ لَهُ: إنِّي أُصَلِّي مَعَك ثُمَّ أَلْتَفِتُ فَلَا أَرَى وَجْهَ جَلِيسِي، ثُمَّ أَحْيَانًا تُسْفِرُ، قَالَ: "كَذَلِكَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي، فأَحْبَبْتُ أَنْ أُصَلِّيَهَا كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّيهَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
473- وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، إذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ فَغَلِّسْ بِالْفَجْرِ، وَأَطِل الْقِرَاءَةَ قَدْرَ مَا يُطِيقُ النَّاسُ، وَلَا تَمَلَّهُمْ، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ فَأَسْفِرْ بِالْفَجْرِ؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ قَصِيرٌ، وَالنَّاسُ يَنَامُونَ، فَأَمْهِلْهُمْ حَتَّى يُدْرِكُوا. رَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ فِي "شَرْحِ السُّنَّةِ"، وَأَخْرَجَهُ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ فِي "مُسْنَدِهِ" الْمُصَنَّفِ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله وعلى آله.
أما بعد: فهذه الأحاديث الكثيرة وما قبلها في الأبواب السَّابقة كلها تدل على شرعية التَّغليس في الفجر، وأن السنة عدم التأخير، فيمهل حتى يتَّضح الفجر وينشق الفجر، ثم يُقيم الصلاة، ولا يُؤخِّرها حتى الإسفار، وإن كان التأخيرُ جائزًا إذا أديت قبل الصبح كما تقدم، فإنَّ لها وقتين: التغليس والتأخير إلى قبل طلوع الشمس، كل هذا جائز؛ لكن الأفضل التَّغليس والتَّبكير، وهذا هو الذي حافظ عليه النبيُّ ﷺ، واستقرَّت عليه شريعته عليه الصلاة والسلام، وتقدم حديثُ جابر في "الصحيحين": "وأما الصبح فكان يُصليها بغلسٍ"، كذلك حديث أبي برزة: وكان ينفتل عنها حين لا يعرف الرجلُ جليسَه عليه الصلاة والسلام.
هذا كله يدل على شرعية التغليس بها، وهكذا حديث عائشة رضي الله عنها، وحديث أبي مسعودٍ أنه غلَّس بها مرةً، ثم أسفر بها مرةً، ثم غلَّس حتى مات وهو يغلس بها.
كل هذا يدل على أنَّ الأفضل والأولى التغليس بها، وليس معناه البدار بها من حين طلوع الفجر، لا، بل يُؤخِّر كما ثبت في الأحاديث الصحيحة؛ يُؤخِّر ثم يُصلي ركعتي الفجر، ثم ينتظر حتى يأتيه بلال فيقول: إنَّ الصلاة قد حضرت، أو: الناس قد اجتمعوا، فيقوم عليه الصلاة والسلام.
فالمقصود أنه كان يمهل بعض الشيء، لكن من دون تأخيرٍ كثيرٍ، كان يمهل حتى ينشقَّ الفجر، وحتى يعرف الناسُ بعضهم بعضًا عليه الصلاة والسلام، إلا في مُزدلفة فإنه بكَّر بها كما قال ابنُ مسعودٍ، لما طلع الفجرُ بكَّر بها عليه الصلاة والسلام؛ حتى يتَّسع الوقتُ للذكر والدعاء قبل طلوع الشمس في مُزدلفة، وهذا هو الأفضل.
أما ما جاء في حديث رافع بن خديج: أسفروا بالفجر، وفي روايةٍ: أصبحوا بالصبح، هذا عند الجمهور معناه: لا تعجلوا بها، يعني: لا تغرروا بها فتُصلَّى قبل ابتزاغ الفجر، وقبل اتِّضاحه، وليس معناه التأخير إلى آخر الوقت والإسفار، ولكن معناه التأخير حتى يتَّضح الفجرُ، حتى ينشق الفجرُ، وحتى لا يكون هناك غيمٌ في طلوع الفجر؛ جمعًا بين الروايات، فإن أحاديث التَّغليس أصحّ وأكثر وأثبت، وهي مُتواترة، فحديث رافع يجب أن يُحمل عليها، وأن المراد بذلك حتى ينشقَّ الفجرُ، وحتى يعرف الناسُ بعضُهم بعضًا، وحتى لا تكون شبهة، وهذا هو قول جمهور أهل العلم، والأحاديث معهم في ذلك.
وذهب الكوفيون وأبو حنيفة وجماعةٌ إلى تفضيل الإسفار؛ لحديث رافع، هذا والصواب قول الجمهور في هذا، وأن التغليس أفضل؛ لأن أحاديثه أكثر وأصح عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لوجوهٍ كثيرةٍ، وحمل حديث رافع عليها أولى وأظهر وأصحّ.
وأما حديث معاذٍ: أن رسول الله ﷺ لما بعثه إلى اليمن أمره أن يُغلس بالفجر في الشتاء؛ لأن الليل طويل، والناس يحضرون مبكرين، وأمره أن يُسفر بها في الصيف؛ لأنَّ الليل قصير، والناس قد يتأخَّرون، فهذا حديث رواه البغوي في "السنة" رحمه الله، ورواه بقي بن مخلد -كما قال المؤلفُ- في "مسنده"، وهذا المسند لا نعرف أنه طُبع، مخطوط، وبقي إمامٌ كبيرٌ معروف من أئمة العلم، مغربي، من أقران أبي داود والنَّسائي والترمذي وابن ماجه رحمهم الله.
وذكر البغوي هذا الحديث بسنده في "شرح السنة"، فاتَّضح منه أنه ضعيف؛ لأنه من رواية الجراح بن منهال أبي العطوف، وقد صرَّح الذهبي وغيره وجماعة من أئمة الحديث بضعفه، وبعضهم كذَّبه: كالدارقطني، فهو حديثٌ ضعيفٌ، ولو صحَّ لكان معناه واضحًا ووجيهًا وقريبًا ليس بالبعيد، مراعاة الناس عند قصر الليل، وعدم العجلة، الوجه واضح في هذا، لكن الحديث ضعيف.
والصواب أن السنة التغليس مطلقًا، لكن من غير مبالغةٍ، بل يتأخَّر حتى يتضح الفجرُ، حتى يُصبح الناس، ولهذا في حديث أبي برزة: "ينفتل الصبحُ حين يعرف الرجلُ جليسه"، وحديث ابن مسعودٍ: أنه كان يُبكِّر في صلاة الفجر في مُزدلفة قبل ميقاتها، ومعلوم أنَّ "قبل ميقاتها" يعني: قبل ميقاتها المعتاد، فالمعتاد أنه كان يُؤخِّرها قليلًا حتى يتَّضح الفجر ويُسفر الناس إسفارًا واضحًا، وليس الإسفار الذي يُورده الكوفيون، والذي حملوا عليه حديث رافع، ولكنه إسفار يتضح منه الفجر والصبح، إلا في مُزدلفة كان يُبكِّر بها من حين طلوع الفجر، كما قال ابنُ مسعودٍ.
وأما ما ذكره ابنُ مسعود، ما فعله ابن مسعود: كونه صلَّى المغرب وحدها، ثم تعشَّى، ثم صلَّى العشاء، وأذَّن لهذه، وأذَّن لهذه، يقال: أنه اجتهاد منه، وهو غير موافقٍ للسنة، والحجَّة حجَّة واحدة، حجة الوداع حجة واحدة، وقد ثبت من حديث جابر وأسامة بن زيد وغيرهما أنه ﷺ صلَّاهما جميعًا، ولم يفصل بينهما، بل صلَّى المغرب ثم صلَّى بعدها العشاء قبل أن يحطوا عن رواحلهم، هذا هو الثابت في "صحيح مسلم" عن جابر، وفي البخاري عن أسامة، وأحاديث أخرى في الباب كلها دالة على خلاف ما قاله ابنُ مسعود، وكلها دالة على أنه أذَّن أذانًا واحدًا، وأقام لكل صلاةٍ، هذا هو المعتمد، المعتمد في المغرب والعشاء في مُزدلفة أنهما يُصليان جمعًا، ولا يُفرق بينهما، والعشاء بعد ذلك، وأنهما تكونان بأذانٍ واحدٍ وإقامتين على حديث أسامة وحديث جابر وما جاء في معناهما.
س: الإسفار عندما قال: أعظم الأجر، بعض الأئمة ما يُقيم الصلاة حتى يُسفر؟
ج: المقصود به ما سمعت، الإسفار معناه تثبت الصبح وعدم العجلة.
س: إذا أسفر تارةً وأخَّر تارةً؟
ج: ما في بأس، لكن الأفضل الترك.
بَابُ بَيَانِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا
وَوُجُوب الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَقْتِ
474- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ مِن الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِن الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَلِلْبُخَارِيِّ: إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ.
الشيخ: والسجدة هي الركعة، تُطلق على الركعة، ولهذا يُقال: صلَّى النبيُّ ﷺ سجدتي الفجر، أي: ركعتي الفجر.
475- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَدْرَكَ مِن الْعَصْرِ سَجْدَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، أَوْ مِن الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالسَّجْدَةُ هُنَا الرَّكْعَةُ.
476- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ -أَوْ قال: يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَك نَافِلَةٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنْ أُقِيمَت الصَّلَاةُ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلِّ.
وَفِي أُخْرَى: فَإِنْ أَدْرَكَتْكَ –يَعْنِي: الصَّلَاةَ- مَعَهُمْ فَصَلِّ، وَلَا تَقُلْ: إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ.
477- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: سَيكُونُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ تَشْغَلُهُمْ أَشْيَاءُ عَن الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا حتى يذهب وقتُها، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ إنْ شِئْتَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَأَحْمَدُ بِنَحْوِهِ، وَفِي لَفْظه: وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ تَطَوُّعًا.
وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ رَأَى الْمُعَادَةَ نَافِلَةً، وَلِمَنْ لَمْ يُكَفِّرْ تَارِكَ الصَّلَاةِ، وَلِمَنْ أَجَازَ إمَامَةَ الْفَاسِقِ.
الشيخ: وهذه الأحاديث كلها تدل على أنَّ وقت الصبح ينتهي بطلوع الشمس، وأن وقت العصر ينتهي بغروب الشمس، وأن تأخيرها إلى الاصفرار لا يجوز، لكن لا ينتهي في وقت الاصفرار، بل يمتد الوقت إلى غروب الشمس؛ فمَن صلَّاها قبل غروب الشمس فقد أدركها، لكن ليس له أن يُؤخِّر، بل يجب عليه أن يُصليها قبل اصفرار الشمس، لكن لو وقع هذا فإنه قد صلَّاها في الوقت، وقد يقع هذا عن سهوٍ وعن نومٍ وغير ذلك.
وهكذا الصبح لا يجوز تأخيرها إلى طلوع الشمس، لكن لو أدرك ركعةً منها قبل طلوع الشمس فإنه يتمها ركعتين، ويكون قد أدرك وقتها، وهو يأثم إذا تعمَّد ذلك؛ لأنه خالف السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وفيه من الفوائد: أن مَن أدرك الصلاة مع الأمراء ونحوهم ممن يُؤخِّرونها فإنه يُصليها معهم نافلةً، ولا يُؤخِّر، ولهذا قال: سيكون فيكم أُمراء يُؤخِّرون الصلاة عن وقتها، وفي لفظٍ: يُؤخِّرونها عن وقتها، وفي لفظٍ: تشغلهم أمور عن أدائها في الوقت، فصلُّوا الصلاةَ لوقتها، واجعلوا صلاتَكم معهم سبحةً يعني: نافلة، هذا هو الواجب، فإذا بُلي الناسُ في أي بلدٍ، أو في أي دولةٍ بأُمراء يُؤخِّرون الصلاة عن وقتها، فإن الواجب أن تُصلَّى لوقتها، وإذا أدركها معهم المؤمن صلَّاها معهم نافلةً، سواء أدركها معهم من أوَّلها أو في أثنائها، ولهذا قال: فإن أدركتها هذا يعمّ ......
ويدل على هذا قصة الشَّخصين اللذين حضرا صلاة الفجر مع النبي في منى عليه الصلاة والسلام، حديث يزيد بن الأسود: بينما النبيُّ يُصلي .....، فلما سلَّم إذا رجلان لم يحضرا، فدعا بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، قال: ما منعكما أن تُصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا، قال: لا تفعلا، إذا صلَّيتُما في رحالكما، ثم أدركتُما الإمامَ ولم يُصل فصليا معه، فإنها لكم نافلة، ولم يشترط الإقامة، دلَّ ذلك على أنه متى حضروا ولو قد فاتتهم ركعة صلّوا مع الإمام، ثم يقضون ما يفوتهم بعد سلام الإمام، وتكون لهم نافلة.
وأما قول المؤلف: أن فيها حُجَّة لمن قال بعدم كفر تارك الصلاة، فهذا فيه نظر؛ فرقٌ بين مَن يُصليها ويعتاد الصلاة ثم يُشغل عنها بعض الأحيان حتى تتأخَّر عن الوقت، فإنه يأثم بذلك ولا يكفر، بخلاف مَن تعمَّد تركها بالكلية، فإنَّ هذا يكفر بتركها، أما هؤلاء ما تعمَّدوا تركها، إنما قد تشغلهم شواغل فيُؤخِّرونها عن أوقاتها، فهؤلاء قد أثموا في ذلك وعجزوا، ولكن لا يكفرون بذلك؛ لأنهم ما تعمَّدوا تركها، وإنما شُغلوا عن الوقت في بعض الأحيان بسبب مشاغل الإمارة، ومشاغل الدولة، فيكون ذلك سبب لعدم التكفير، مع الإثم في ذلك، وذمهم وعيبهم ومُشابهتهم لأهل النفاق في ذلك.
س: الأذان الأول في الفجر: بعضهم قبل ساعة، وبعضهم ساعتين، وبعضهم نصف ساعة، هل له وقت؟
ج: السنة أن يكون قبل الفجر بقليلٍ، ما يكون بعيدًا، كما فعل بلال مع ابن أم مكتوم، كان يُؤذن قريبًا، فإذا كان قبل الأذان بنصف ساعة، بثلث ساعة، بربع ساعة، يكون أولى؛ لأنَّ المقصود تنبيه الناس على أن الفجر قد قرب، بعض الناس أجاز أن يكون من نصف الليل، ولكن ليس عليه دليل، فالأولى أن يكون قريبًا من الفجر.
س: مَن الرجل الذي في إسناد البغوي؟
ج: الجراح بن منهال، وبعضهم قلب فقال: المنهال بن جراح أبو العطوف، في "شرح السنة" في الفرائض.
س: ....... بينهما أن ينزل هذا أو ..... هذا؟
ج: هذا جاء في بعض الروايات، لكن مبالغة فيه، هذه مبالغة.
س: أذان للصبح قبل دخول الوقت؟
ج: الصواب أنه لا يجوز إلا إذا كان هناك مَن يُؤذن على الوقت، مثل: ابن أم مكتوم مع بلال، وإذا كان ما في إلا واحد فالواجب أن لا يُؤذن إلا بعد دخول الوقت.
س: استثناء الفقهاء؟
ج: ..... ولكن ليس فيه .....؛ لأنَّ بلالًا معه ابن أم مكتوم، ولهذا قال جمعٌ آخر من أهل العلم: إنه لا يجوز، إذا كان مؤذنان: أحدهما يُؤذن قبل الوقت، والثاني بعد الوقت فلا بأس؛ لأن الأذان الأول يُعرف أنه ليس للوقت، حتى لا يغترَّ الناسُ، إذا اعتادوه عرفوا أنه للتَّنبيه فقط، أما إذا كان واحدًا فقد يعترض المريضُ والمرأة يُصلون قبل الفجر.
س: إذا تقدَّم في الصَّلوات الأربع، إذا تقدَّم بعضُ المُؤذنين قبل الوقت يُعيد الأذان؟
ج: يُعيد الأذان إلا إذا كان حوله مُؤذنون ..... الأمر واسع.
س: ..... يكون اثنين؟
ج: أفضل، الأول للتَّنبيه.
س: ألا يجمع ..... في صلاة الفجر الرسول ﷺ كان يدخل الصلاةَ بغلسٍ، وكان يُطول القراءة حتى .....؟
ج: هذا عمل النبيِّ ﷺ، كان يغلس ويُطول عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال أبو برزة: "كانوا ينفلتون حين يعرف الرجلُ جليسه".
بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ
478- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَن الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14].
479- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ قال: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
وفيه أنَّ الفوائت يجب قضاؤها على الفور، وأنها تُقضى في أوقات النَّهي وغيرها، وأنَّ مَن مات وعليه صلاة فإنها لا تُقضى عنه، وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ لَهَا؛ لقوله ﷺ: لا كفَّارة لها إلا ذلك، وفيه دليل على أنَّ شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا ما لم يرد نسخه.
480- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ نَوْمَهُمْ عَن الصَّلَاةِ، فَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
481- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ نَوْمِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَالَ: "ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.
وفيه دليلٌ على الجهر بالقراءة في قضاء الفجر نهارًا.
482- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: سَرَيْنَا مَعَ رسول الله ﷺ، فَلَمَّا كَانَ من آخِرِ اللَّيْلِ عَرَّسْنَا، فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى أَيْقَظَنَا حَرُّ الشَّمْسِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا يَقُومُ دَهِشًا إلَى طَهُورِهِ، قال: فأمرهم النبيُّ ﷺ أن يسكنوا، ثم ارتحلنا، فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمسُ توضَّأ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّيْنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، أَلَا نُعِيدُهَا فِي وَقْتِهَا مِنَ الْغَدِ؟ فَقَالَ: أَيَنْهَاكُمْ رَبُّكُمْ تَعَالَى عَن الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ؟! رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ".
وفيه دليل على أنَّ الفائتة يُسنّ لها الأذان والإقامة والجماعة، وَأَنَّ النِّدَاءَيْنِ مَشْرُوعَانِ فِي السَّفَرِ، وأنَّ السنن الرواتب تُقضى.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ .......
وهذه الأحاديث كلها دالة على وجوب قضاء الفوائت، وأن مَن نام عن الصلاة أو نسيها وجب عليه قضاؤها بدارًا، من حين يذكر وينتبه يجب عليه أن يُبادر، ولهذا قال ﷺ: مَن نسي صلاةً فليُصلِّها إذا ذكرها، قال: إذا رقد عن صلاةٍ أو غفل عنها فليُصلِّها إذا ذكرها، لا كفَّارة لها إلا ذلك، فدلَّ ذلك على وجوب المبادرة لقضاء الفوائت وعدم تأخيرها، وأنه يفعل بها كما يفعل في الوقت، ولهذا لما ناموا عنها ولم يستيقظوا إلا بحرِّ الشمس أمر بالأذان، فأذّن لها، ثم صلَّى ركعتين سنة الفجر، ثم أقام فصلَّى بهم الفجر عليه الصلاة والسلام، فدلَّ على أنهم يفعلونها كما كان يفعلها في الوقت؛ لأنَّ وقتها هو وقت استيقاظهم، وهو وقت ذكرهم.
وحديث أبي قتادة يدل على أنه ليس في النوم تفريطٌ، إنما التفريط في اليقظة، كما في الرواية الأخرى: أن يُؤخِّر الصلاة حتى يدخل وقتُ التي بعدها، أما النائم فلا تفريطَ عليه، والمعنى: إذا احتاط وعمل بما ينبغي فهذا لا تفريطَ منه، ولهذا أمر النبيُّ ﷺ كما في الروايات الأخرى مَن يكلأ لهم الصبح، النائم -ولا سيما إذا كان آخر الليل- يحتاج إلى مَن يكلأ له الصبح؛ لأنه قد لا يستيقظ بسبب السهر، السفر، وهكذا مَن سهر في الحضر في عسس أو ضيفٍ أو أسبابٍ أخرى يجب أن يحتاط في هذا الأمر، فيكون عنده الساعة التي تُنبهه، أو عنده في البيت مَن يُنبهه، أما إذا تساهل ولم يُبالِ هذا معناه العزم على ترك الصلاة في وقتها، وعدم المبالاة، فلا يجوز له ذلك، ويُعدّ مُفَرِّطًا، ويُعدّ مُضَيِّعًا.
وفيه أن شرع مَن قبلنا شرع لنا ما لم يأتِ شرعنا بخلافه؛ لقوله ﷺ لما أمرهم تلا قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14]، وهذا خطاب لموسى عليه الصلاة والسلام، فدلَّ على أنه أمرٌ لنا أيضًا، وهذه قاعدة شرعية: أنَّ شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا إذا لم يُنسخ، إذا لم يأتِ شرعُنا بخلافه.
وفيه من الفوائد: أن الأفضل أن ينتقل الناسُ عن محلِّهم الذي ناموا فيه، ولهذا جاء في الرواية الأخرى أنهم قادوا رواحلهم، وقال: هذا موضع حضر فيه الشيطان، وهنا قال: انتقلنا، الحاصل أنَّ الأفضل أن ينتقلوا عنه إلى محلٍّ آخر، ثم يُصلون، هكذا في المعنى إذا نام في الغرفة وأخذه النومُ حتى طلعت الشمسُ، أو حتى فاته العصر، أو المغرب، أو نحو ذلك، يُصليها في محلٍّ، في غرفةٍ أخرى، أو في مكانٍ آخر؛ تأسيًا بما فعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام هنا.
س: الأذان للفائتة؟
ج: لهذا الحديث نعم، تُصلَّى جماعة، ويُؤذّن لها، ويُقام لكل واحدةٍ، لكن أذان لا يُشوش على الناس، إذا كان في وقت الحضر، وقد يُقال في الحضر: إن الأذان حصل؛ لأنَّ الناس أذَّنوا، فتكفيه الإقامة، بخلاف الصَّحراء فإنه لا أذانَ عندهم، فيُؤذِّنون، ولهذا أمرهم بالأذان عليه الصلاة والسلام، أما الحضر فالأمر فيه أوسع؛ لأنَّ الناس قد أذَّنوا وفرغوا، إنما هو للذي فاتته الصلاةُ فيُقيم.
بَابُ التَّرْتِيبِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ
483- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رضي الله عنهما: أَنَّ عُمَرَ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَت الشَّمْسُ تَغْرُبُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا صَلَّيْتُهَا، فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأْنَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَت الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
484- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَن الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِب بِهَوِيٍّ مِن اللَّيْلِ حتى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ : وَكَفَى اللَّهُ الْمُومِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا [الأحزاب:25]. قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِلَالًا فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا فَأَحْسَنَ صَلَاتهَا، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ. قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَذْكُر الْمَغْرِبَ.
وفيه دليلٌ على إقامته الفوائت، وعلى أنَّ صلاة النهار وإن قُضيت ليلًا لا يجهر فيها، وعلى أن تأخيره يوم الخندق نُسخ بفرض صلاة الخوف.
الشيخ: تكلَّم على رواية النَّسائي؟
الطالب: ورواه الشافعي رحمه الله في "الرسالة" في الناسخة والمنسوخة، وقال ..... حتى نُهينا. قال الشافعي: لما حكى أبو سعيدٍ أن صلاة النبي ﷺ عام الخندق كانت قبل أن ينزل فيه صلاة الخوف: فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239] استدللنا على أنه لم يُصلِّ صلاةَ الخوف إلا بعد أن حضرها أبو سعيدٍ، وحكى ...... والصَّلوات حتى ..... عامتها، حتى كان ذلك قبل ..... صلاة الخوف، فلا تُؤخر صلاةُ الخوف أبدًا عن الوقت، إن كانت في حضرٍ، أو عن وقت الجمع إن كانت السفر ..... ولا لغيره، ولكن صلَّى كما قلنا رسولُ الله ﷺ وقال ..... وقع في "الموطأ" أنَّ الذي كان ..... الظهر والعصر، وفي حديث أبي سعيدٍ: الظهر والعصر والمغرب، وأنه صلَّى بعد هوي من الليل.
والهوي: قطعة من الليل، بفتح الهاء وضمِّها، وكسر الواو، وشدِّ الياء.
وفي حديث ابن مسعودٍ ..... والنَّسائي أنه ..... ﷺ عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله.
وفي قوله: "أربع" تجوّز؛ لأنَّ العشاء لم تدخل، هكذا قال اليعمري، من الناس مَن رجَّح عن "الصحيحين"، وصرح بذلك ابنُ العربي فقال: إن الصلاة .....
قال الحافظ: ويُؤيده حديث عليٍّ في "صحيح مسلم": شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، قال: ومنهم مَن جمع بين الرواية؛ لأنَّ الخندق كانت وقعت .....، وكانت غالبةً في أوقاتٍ مختلفةٍ في تلك الأيام.
قال: وقال: أولى، ويُقدمه عن رواية أبي سعيدٍ ..... ..... في قصة عمر، بل فيهما أن قضاءه للصلاة وقع بعد خروج وقت المغرب.
إلى أن قال: وفي حديثٍ –يعني: حديث عمر - من الفوائد ترتيب الفوائت.
الشيخ: وهذه الأحاديث تدل على وجوب الترتيب بين الفوائت، وأنها ترتب كما فرضها الله، فيُصلى الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، إذا فاتت أو شُغل عنها، كما فعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام، والجمهور على أنَّ هذا كان قبل فرض صلاة الخوف، وأنه بعد صلاة الخوف يجب أن تُصلَّى على حالها، كما قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، وكما فعل النبيُّ ﷺ في الأحاديث الصحيحة: أنه صلَّى بهم وقت الخوف -وقت المقابلة للعدو- أنواع الصلاة المعروفة في صلاة الخوف، وهذا هو الذي ينبغي بكل حالٍ مع القُدرة؛ أنه يُصلي بهم صلاة الخوف، وإذا اشتدَّ الخوفُ صلّوا رجالًا وركبانًا، لكن قد تأتي حالات -كما جرى يوم الخندق- لا يتمكن فيها من الصلاة؛ لشدة الاتصال والارتياد بين الكفار والمسلمين والقتال، فقد لا يتمكن المسلمون من الصلاة، لا ركوعًا، ولا قيامًا، فحينئذٍ يضطرون إلى التأخير، وهو الذي فعله النبيُّ يوم الأحزاب، وكان للضَّرورة.
وهذا القول قاله جماعةٌ من أهل العلم: أنه إذا لم يتيسر لهم أداؤها بسبب التحام القتال واختلاط الناس وشدّة الأمر ..... لا تملك أن تُصلي، ولا تستطيع أن تُصلي، وهذا واردٌ، وهذا مظلومٌ، وهذا أمامه، وهذا خلفه، ولهذا الصواب –التَّحقيق- أنه يجوز التأخير عند الضَّرورة، سواء كانت صلاة الخوف شُرعت قبل أو بعد، وإن كان المشهور أنها بعد، ولكن المهم أن تُؤدَّى هذه الصلاة على وجهٍ يعقله المصلِّي.
ولهذا ثبت أن المسلمين في حرب الفرس لما حاصروا تستر وافق صلاةَ الفجر وهم على وشك احتلال المدينة والقضاء على المشركين، وصار بعضهم فوق السور، بعض الصحابة وبعض الرجال فوق السور، وبعضهم قد نزل البلد، وبعضهم مشغول بفتح الأبواب، والقتال حامٍ بين الجميع، فلم يستطيعوا أن يُصلوا، فأجَّلوها حتى صلّوها ضحًى، ثم فتح الله عليهم واطمأنوا وصلّوها ضحى، قال أنسٌ: "والذي نفسي بيده، ما أُحبّ أنَّ لي بها حمر النعم هذه الصلاة؛ لأنا أخَّرناها لعذرٍ"، يعني: ..... أخَّروها لعذرٍ عظيمٍ، وهذا أمرٌ معروفٌ وواضحٌ؛ لأنَّ نفوس الناس وعقولهم ما تنضبط عند ..... الناس واختلاطهم في القتال، فلهذا أخَّرها الصحابة ومَن معهم في ذلك الوقت، وقال فيها أنسٌ ما قال، وهو مُوافق لما فعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام يوم الأحزاب.
ثم القاعدة أنَّ الجمع مُقدَّم على النسخ، فالجمع ممكن، وهي قاعدة، لا يُصار للنسخ إلا عند تعذر الجمع، والجمع ممكن بأن يقال: يُصلي صلاة الخوف إن أمكن، فإن لم يمكن أخَّروها ولو بعد خروج الوقت حتى يُصلوها على بصيرةٍ، وحتى لا تفوتهم مصلحة الفتح والقضاء على أهل الشرك، وهذا هو الصواب والله أعلم.
س: مَن قدم مُسافرًا، وكان قد أخَّر الصلاة، ثم صلَّى بنية العصر، وبقيت عليه الظهر، هل صلاته صحيحة أو يقال: يُعيد؟
ج: الصواب أنه يُعيد، يُصلي الظهر ثم يُعيد العصر، لكن إذا صلَّى مع الناس لتحصيل الفضل، وتكون له نافلة، ثم يُصلي الظهر، ثم يُصلي العصر، وإن صلَّى الظهر معهم بنية الظهر وهم يُصلون العصر أجزأ على الصحيح، اختاره جماعةٌ من أهل العلم: كالموفق، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة، ينوي الظهر وهم يُصلون العصر، فإذا فرغ صلَّى العصر.
س: هنا اختلفت النيةُ؟
ج: ما يضرّ اختلاف النية.
س: مَن قضى الفوائت من غير ترتيبٍ يُعيد؟
ج: نعم.
س: السنن الرواتب هل تُقضى؟
ج: مع الصلاة، مع الفريضة، أما وحدها لا، لا تُقضى إلا سنة الفجر فقط، إذا فاتته سُنَّ له القضاء، أما إذا فاتته الفريضةُ مع سنتها مثل: الظهر، قضاها معها، مثل: المغرب، ومثل: العشاء.
مُداخلة: على حديث: إنه ليس في النوم تفريط، الشارح قال: وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم، سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضيقه، وقيل: إنه إذا تعمَّد النوم قبل تضيق الوقت واتَّخذ ذلك ذريعةً إلى ترك الصلاة بغلبة ظنِّه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقتُ كان آثمًا، والظاهر أنه لا إثمَ عليه بالنظر إلى النوم؛ لأنه فعله في وقتٍ مباحٍ له فعله فيه، فيشمله الحديث.
ج: قول الشوكاني هذا ليس بشيءٍ، وهو خلاف للقواعد الشرعية، فإن الوسائل لها حكم الغايات، فالذي يجعل النوم وسيلةً إلى تضييع الصلاة حكمه حكم مَن جعل عمل الآخرة إلى إضاعة الصلاة، كالذي يجعل عشاءه إلى بعد الأذان حتى يُضيع الصلاة، أو يقوم يشتغل في صنعةٍ من صناعاته أو تجارةٍ من تجاراته، فيجب إيقاف الشغل وإيقاف العمل حتى يُصلي، مثلما كان المسلمون حتى في الجهاد يقفون فيُصلون، والجهاد أعظم شيء.
س: يعني: يلزمه أنه يضع؟
ج: لا بد من منبهٍ مثلما قال النبيُّ ﷺ لبلالٍ: اكلأ لنا الليل، إما مُنبه من أهل بيته، وإما الساعة التي مَنَّ الله بها الآن ويسَّرها للعباد، يُؤقتها على وقتٍ ..... يسمع صوتها، ثم إنَّ عليه ألا يسهر، حتى ولو وضع الساعة إذا سهر قد لا يسمع الساعة بعد، عليه أن يتَّقي الله ولا يسهر سهرًا يُفوت الفريضة.
س: وإن احتجَّ بهذا الحديث؟
ج: الحديث واضح، يُقال له: المراد أنَّ النبي ﷺ ما لم يتقصد هذا الشيء، ما لم يتعمَّد هذا الشيء، ما لم يكن وسيلةً إلى عمل هذا الشيء، والوسائل لها حكم الغايات، النبي ﷺ سدَّ الذرائع، أمر بسد الذرائع التي تُوصل إلى الشرك وإلى المعاصي ..... يوصل إلى ما حرَّم الله.
س: إذا ضاق وقتُ الحاضرة وعليه فائتة؟
ج: يُصلي الحاضرة، وهذا المقدم عند الجمهور؛ حتى لا تكون كلها فائتة.
س: أما ما عليه هذه الحالة؟
ج: نعم يُقدّم الفائتة.
أَبْوَابُ الْأَذَانِ
بَابُ وُجُوبِهِ وَفَضِيلَتِهِ
485- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُؤَذِّنُونَ وَلَا تُقَامُ فِيهِم الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِم الشَّيْطَانُ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
486- وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
487- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إنَّ الْمُؤَذِّنِينَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وابنُ ماجه.
488- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِد الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ.
489- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ : انْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصلاةَ، يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
وفيه دليل على أنَّ الأذان يُسنُّ للمُنفرد وإن كان بحيث لا يسمعه أحدٌ.
والشظية: الطريقة البدة.
الشيخ: يعني: طريق أهل اليمن.
الطالب: البدة؟
الشيخ: البدة جمع بدد.
الطالب: بالضم؟
الشيخ: طرق يعني وجبال ..... منخفض الجبال.
س: ...........؟
ج: لعلها تُكسر وتُضم ......
هذا الباب فيه دلالة على فضل الأذان، ووجوب الأذان، والأذان فرض كفايةٍ عند أهل العلم، وهو الحقُّ، وقد أمر به النبيُّ عليه الصلاة والسلام، فإذا قام به واحدٌ من الجماعة في قريةٍ وعمّها وكفاها يكفي، وهكذا في السفر، وهكذا في أي مكانٍ: كالبادية إذا قام به واحدٌ يُسمعهم كفى، وإن كانت البلاد أو القبيلة مُتباعدة وجب أن يكون فيها مُؤذِّنون على قدر حاجتها؛ حتى يعمَّها الأذان، وهو فرض كفايةٍ؛ إذا قام به مَن يكفي سقط عن الباقين، ولهذا قال في حديث مالك: فليُؤذِّن لكم أحدُكم، وليؤمّكم أكبركم، فالأذان يكفي فيه واحد، والإمامة كذلك واحد، فرض كفايةٍ أيضًا.
وفي حديث: ما من ثلاثةٍ لا يُؤذَّن فيهم، ولا تُقام فيهم الصلاة، إلا استحوذ عليهم الشيطان دلَّ على وجوبه، وأنه لا بدّ منه، وأن تركه من أسباب استحواذ الشيطان على الجماعة أو القرية ونحوه، وتسليطه عليهم، فدلَّ على وجوبه، وأن ذلك من أسباب طرده وإبعاده عنهم، فالأذان من ذكر الله ، ومن طاعته، ومن أداء واجبه، وهو من أسباب التَّحرز من الشيطان، والحماية من الشيطان.
وفيه من الفوائد: أن المؤذن له أجر عظيم؛ للحديث: المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة، هذا فيه إظهار لهم، وشرف لهم، وإظهار لفضلهم بين الناس يوم القيامة.
وفيه الدعاء لهم بالمغفرة، كما في الحديث الآخر: إنه لا يسمع صوتَ المؤذن من شجرٍ ولا حجرٍ ولا شيءٍ إلا شهد له يوم القيامة، هذا فيه فضل الأذان، وأن فضله عظيم.
اختلف العلماء في أيّهما أفضل: هل الأذان أفضل، أو الإمام أفضل؟ وكل نزع لحجةٍ، فالأذان أفضل من حيث ما فيه من تبليغ دعوة الله وشهادة الله، والإمامة أفضل من جهة ما فيها من تعليم الناس وإرشادهم وتوجيههم إلى الخير، وإقامة هذه الفريضة العظيمة، وقال فيها: يؤمُّ القومَ أقرأهم لكتاب الله .. إلى آخره، فلم يجئ في الأذان ما جاء في الإمامة، فالإمامة شأنها أهم من جهة ..... العلم والبصيرة؛ حتى يُقيم الصلاة، وحتى يُؤديها كما أمره الله، والأذان فيه إعلام لذكر الله، وإعلام بالدعوة إلى طاعة الله، فكل يُرجى له الفضل، كلّ منهما له ميزة.
فجدير بأهل الإسلام أن يُنافسوا فيهما جميعًا؛ لما فيهما من الخير والفضل والإحسان إلى الناس، ودعوة الناس إلى الخير، وتعليمهم العلم، وتفقيههم في الدين.
س: تخصيص المُؤذِّنين ..؟
ج: لما يترتب على ..... الأئمة من ..... وتعليمهم هؤلاء ..... ذكر الله، والدعوة إلى سبيله، ما يحتاج إلى تعليم، ولا يحتاج إلى تثقيف، فلذلك ..... ميسرة، لكن الإمام محتاج إلى التَّفقه في الدين حتى يعلم كيفية الصلاة، حتى يعلم الناس بالصلاة، حتى يُرشدهم .....، حتى يُفقه الناس، وحتى يُؤدِّي الحقَّ كما ينبغي.
س: الأذان واجبٌ في السفر؟
ج: نعم، واجب في السفر على الجماعة، خلاف الواحد: هل يجب أم لا؟ يُسنُّ للواحد، واختلفوا هل يجب عليه أم لا؟ ولكن الجماعة يجب، قال: وليُؤذّن لكم هذا أمر، والأمر للوجوب.
س: إذا فات الوقتُ، يعني: أول الوقت يُؤذن؛ لأنه ليس إعلامًا لدخول الوقت ..؟
ج: إذا كان ما يشوش على الناس وإلا ..... بدون بخفض الصوت إذا كان قد يُشوش، أما إذا كان ما يُشوش مثل: مسافر في الصحراء ما يُشوش على أحدٍ لا يتأخَّر، يُؤذنوا، لكن إذا كان في البلد مثلًا ولم يتيسر حضور الصلاة من نومٍ أو نحو ذلك شُرع له الأذان، وإن اكتفى بأذان الناس واكتفى بالإقامة كفى، النبي ﷺ كان يُؤذن ويُقيم حتى في ..... في الفوائت لما ناموا عن صلاة الفجر أذّن له وأقام بعد ارتفاع الشمس.
س: ما المقصود بقول: الإمام ضامن؟
ج: الله أعلم.