07 من حديث: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَدْعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا)

 

بَابُ وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ

376- عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ، عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حديثٌ حَسَنٌ.

377- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ: إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ لَهَا: لَا، اجْتَنِبِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، ثُمَّ صَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ.

الشيخ: وهذا تقدَّم من عدة روايات أيضًا من رواية أم حبيبة، وهو ثابت من طرقٍ، ولهذا حسَّن الترمذيُّ حديثَ عدي، وإن كان هذا السند ضعيفًا عن عدي، عن أبيه، عن جده، لكن من حيث الشَّواهد.

والحاصل أنه جاءت في هذا عدّة روايات كلها دالة على أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاةٍ، ومنها ما رواه البخاري في قصة فاطمة بنت أبي حبيش: توضَّئ لكل صلاةٍ حتى يجيء ذلك الوقت، ووجه ذلك أنها صاحبة حدثٍ مُستمرٍّ، فوجب عليها الوضوء لكل وقتٍ: كصاحب سلس البول، وصاحب الريح المستمرة، ونحو ذلك، فالباب واحد، تغتسل من حيضها وتُصلي وتصوم وتحلّ لزوجها، ولكن يلزمها كصاحب السلس الوضوء لكل صلاةٍ؛ لأنَّ الحدث معها، فإن قدر أن الحدث ارتفع حين توضَّأت للظهر مثلًا ..... ولم يبقَ معها حدثٌ حتى جاء العصر، فلا وضوء عليها؛ لأنَّ الحدث قد زال، لكن ما دام الحدث مُستمرًّا فإنها تتوضأ لكل صلاةٍ كما تقدَّم في الأحاديث.

بَابُ تَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَائِضِ فِي الْفَرْجِ وَمَا يُبَاحُ مِنْهَا

378- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذَا حَاضَت الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهن فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ إلَى آخِر الْآيَة [البقرة:222]، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ، وَفِي لَفْظٍ: إلَّا الْجِمَاعَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

379- وَعَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا أَرَادَ مِن الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا شَيْئًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

380- وَعَنْ مَسْرُوقِ بْنِ أَجْدَعَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا لِلرَّجُلِ مِن امْرَأَتِهِ إذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَتْ: "كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْفَرْجَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ".

381- وَعَنْ حِزَامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ : أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: مَا يَحِلُّ مِن امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

قُلْتُ: عَمُّهُ هُوَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَعْدٍ.

382- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُبَاشِرَهَا، أَمَرَهَا أَنْ تَأْتَزِرَ بِإِزَارٍ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَوْرُ الْحَيْضِ: أَوَّلُهُ وَمُعْظَمُهُ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أنَّ الحائض يحرم جماعها، ولكن لا حرج في الاستمتاع بها فيما عدا الفرج، والأفضل أن يكون الاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة، وأن تُؤمر بالاتِّزار كما أمر النبيُّ ﷺ نساءه بذلك، هذا هو الأفضل؛ أن يكون استمتاعه بما فوق الإزار: كالصدر، والساق، ونحو ذلك، والرأس، ويترك ما تحت الإزار ..... حذرًا من الوقوع فيما حرَّم الله.

واختلف العلماء فيما تحت الإزار: هل يجوز أم أنه لا يجوز؟ على قولين، والأصح أنه يجوز، لكن تركه أفضل، وأن يستمتع بما فوق الإزار كما فعله النبيُّ ﷺ في الأغلب، وعلى هذا يكون للحائض ثلاث حالات:

إحداها: الوطء: وهذا مُحرَّم بالإجماع؛ لأنَّ الله يقول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، فيحرم وطؤها، هكذا دم الفساد بالإجماع حتى تطهر، ولقوله ﷺ: اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح. النكاح: الجماع.

الحال الثاني: ما فوق الإزار، هذا حلالٌ بالإجماع، كونه يتمتع بها: برأسها وصدرها ونحو ذلك لا بأس.

الحال الثالث: ما تحت الإزار، ما بين السرة والركبة، فهذا محل الخلاف، والأرجح أنه لا حرج في ذلك أيضًا، ولكن تركه أفضل، يُكره لئلا يقع فيما حرَّم الله، فيكون استمتاعه بما فوق الإزار هو الحيطة، وهو الأفضل.

ويدل على الجواز قوله ﷺ: اصنعوا كلَّ شيءٍ إلا النكاح، مع الآثار الأخرى، هذا يدل على أنه يجوز له أن يستمتع بفخذها وما تحت سُرَّتها إذا لم يُجامع، إنما المحرم الجماع فقط، ولكن ترك هذا هو الأفضل احتياطًا، والبُعد عن أسباب الوقوع فيما حرَّم الله .

س: وإذا كان استمتاعه من وراء الثوب لما بين السرة إلى الرُّكبة؟

ج: ما يضرُّ، لكن ليس له جماع.

س: ما في كراهة؟

ج: ما نعلم شيئًا، لا؛ لأنَّ الستر حاصل.

باب كفَّارة مَن أتى حائضًا

383- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما، عَن النَّبِيِّ ﷺ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، قَالَ: بدِينَار، أَوْ بنِصْف دِينَارٍ.

وَفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: إذَا كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَعَلَ فِي الْحَائِضِ تُصَابُ دِينَارًا، فَإِنْ أَصَابَهَا وَقَدْ أَدْبَرَ الدَّمُ عَنْهَا وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَنِصْفُ دِينَارٍ.

وَكُلُّ ذَلِكَ عَن النَّبِيِّ ﷺ.

وفيه تنبيهٌ على تحريم الوطء قبل الغُسل.

الشيخ: وهذا أيضًا محل خلافٍ بين أهل العلم: فالجمهور على أن الحديث فيه ضعف -نوع اضطراب- فقالوا: لا يجب فيه كفَّارة، وهو قول الجمهور، وإنما يحرم الجماع فقط، فمَن فعل فعليه التوبة والاستغفار ويكفيه.

وقال آخرون: بل يجب أن يُكفِّر؛ لأنَّ الحديث لا بأس به، والصواب رواية مَن روى: دينار أو نصف دينار مطلقًا، من غير تخصيصه بالحيض، وهو رواية لأحمد والأربعة، والحديث سنده جيد وصحيح، ومَن رفع حجّة على مَن لم يرفع، ومَن حفظ حجّة على مَن لم يحفظ، وهذا هو الأقرب والأظهر دليلًا.

وقد نصره ابنُ القيم رحمه الله، وبيَّن أنه موافق للنقل والعقل جميعًا، أنه موافق للنقل والقياس، النقل على أن الحديث صحيح، والقياس لأنه تحريم مؤقت، فأشبه تحريم الجماع في نهار رمضان.

فالحاصل أنه صحيح من جهة النقل، صحيح من جهة القياس على الوطء في رمضان، بخلاف الوطء في الدبر فإنه محرم دائمًا، فلا كفَّارة فيه.

والدينار: مثقال من الذهب، وهو في العملة اليوم أربعة أسباع جنيه، يعني: الجنيه اليوم ديناران إلا ربع، الجنيه السعودي .....، فإذا وطأ وجب عليه أربعة أسباع من الدينار، أو سبعان، أو نصف دينار، وهذا هو الأرجح، مع التوبة والاستغفار.

س: التَّفصيل بين الدينار والنصف دينار بين أول الدم وآخر الدم؟

ج: كفَّارة مُخيرة، مثلما خيَّر في كفَّارة اليمين بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، مع التَّفاضل.

بَابٌ: الْحَائِضُ لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي وَتَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ

384- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري فِي حَدِيثٍ لَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِلنِّسَاءِ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكُنَّ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكُنَّ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا مُخْتَصَرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ.

385- وَعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فقَالَتْ: "كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ" رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه كان يقول: "إذا طهرت الحائضُ بعد العصر صلَّت الظهر والعصر، وإذا طهرت بعد العشاء صلَّت المغرب والعشاء".

وعن عبدالرحمن بن عوف قال: "إذا طهرت الحائض قبل أن تغرب الشمس صلَّت الظهر والعصر، وإذا طهرت قبل الفجر صلَّت المغرب والعشاء".

رواهما سعيد بن منصور في "سننه"، والأثرم.

وقال أحمد: عامَّة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده.

الشيخ: وهذا محل إجماعٍ؛ أنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، وهذا من لطف الله ورحمته ؛ فإنَّ الصلاة تتكرر في اليوم خمس مرات، والأيام قد تكثر، قد تكون سبعة أيام، ثمانية أيام، وأيام النفاس تكثر كما يأتي، فمن لطف الله أن أسقط عنها الصلاة، ولم يُسقط عنها الصوم؛ لأنَّ الصوم مرة في السنة، وهو رمضان، وفي صيامه مصلحة عظيمة وخير كثير، فلم يُسقط عنها الصوم، ولما سألت مُعاذة عائشة عن ذلك قالت: "أحروريَّة أنتِ؟" لأنَّ الحرورية ليس عندهم عناية بالسنة ولا قبول لها؛ لاتِّهامهم الصحابة -قبَّح الله الخوارج- فلهذا قالت لها: "أحرورية أنتِ؟ كان يُصيبنا ذلك في عهد النبي ﷺ فنُؤمر بقضاء الصوم، ولا نُؤمر بقضاء الصلاة".

وإذا طهرت في آخر النهار صلَّت الظهر والعصر، وإذا طهرت في الليل صلَّت المغرب والعشاء؛ لأن وقتهما واحد كما قال ابن عباس وعبدالرحمن بن عوف، وعليه عمل التابعين كما قال أحمد رحمه الله؛ لأنَّ الوقتين وقتٌ واحدٌ للضَّرورة والحاجة، فالمريض والمسافر وقتهما واحد .....، فإذا طهرت العصر صلَّت الظهر والعصر، وإذا طهرت في الليل صلَّت المغرب والعشاء.

بَاب سُؤْرِ الْحَائِضِ وَمُؤَاكَلَتِهَا

386- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ ﷺ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ، ثم أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ ﷺ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِي" رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.

387- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ مُؤَاكَلَةِ الْحَائِضِ، قَالَ: وَاكِلْهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: تقدَّم حديث أنس في قصة اليهود، وأنهم كانوا يتشددون ويتنطعون، فإذا حاضت المرأةُ لم يُواكلوها، ولم يُشاربوها، ولم يُجامعوها في البيوت، وهذا من تنطُّعهم وأغلالهم، فأخبر النبيُّ ﷺ أنه لا حرج في ذلك إلا النكاح، قال: اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح، فما فعله اليهود أمر باطل، ولا حرج على المؤمن أن يأكل مع الحائض والنُّفساء، وأن يشرب معها ويُؤاكلها وينام معها كما ينام النبيُّ مع أهله عليه الصلاة والسلام، كان ينام مع أهله عليه الصلاة والسلام وهن حيض.

وكذلك ما فعله مع عائشة؛ كونه يتعرَّق العظمَ بعدها، ويضع فاه موضع فيها في العرق وفي الإناء، كل هذا من باب التَّلطف بالمرأة، وإحسان العشرة، وبيان أن ريقها لا حرج فيه، وأنه طاهر، كما أن عرقها طاهر، وهكذا بقية بدنها، وإنما النجاسة في الدم نفسه فقط، أما البدن والشعر والريق فكله طاهر.

س: مباشرة الحائض الأولى تركه؟

ج: لا بأس بمُباشرتها، كان النبيُّ يُباشرها ﷺ، كانت تنام معه.

س: كأن الأصل الترك؟

ج: ذاك ما تحت الإزار، ترك ما تحت الإزار أولى، يعني: ينام معها وتلبس الإزار أو السراويل من غير تعرية كاملة.

بَابُ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ

388- عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها: أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا.

389- وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: كَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا يَغْشَاهَا.

رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد، وَكَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تَحْتَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، كَذَا فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ"، وَكَانَتْ حَمْنَةُ تَحْتَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ.

الشيخ: هذا الباب فيما يتعلق بوطء المستحاضة، فالمستحاضة هي التي أصابها النزيفُ المستمر من عرقٍ يقال له: العاذل، هذه يُقال لها: المستحاضة، والغالب أنه يستمر معها، كما جرى لأم حبيبة سبع سنين، فهذا لا يمنع من صلاةٍ ولا صومٍ ولا وطءٍ، وإنما الذي يمنع الحيض والنفاس المعروف، أما هذا الدم الذي يُصيب المرأة مرضًا ويستمر معها فهذا بيَّن الرسولُ ﷺ أحكامه في الأحاديث، وأنها تُصلي وتصوم وتتحفظ وتتوضأ لوقت كل صلاةٍ، ولا يمنع زوجها من قربانها، وقد كانت أم حبيبة تحت عبدالرحمن بن عوف، ولم يمنعه الرسولُ ﷺ من قربانها، وهكذا حمنة بنت جحش أختها امرأة طلحة بن عبيدالله، وكلاهما من العشرة المبشرين بالجنة، ولم يمنع من وطئها.

قال ابنُ عباس: الصلاة أعظم، ما دامت أُبيحت لها الصلاة فالصلاة أعظم من الوطء.

كِتَابُ النِّفَاسِ

بَابُ أَكْثَرِ النِّفَاسِ

س: هل ..... من الحيضة؟

ج: على ما تقدم، المعتادة تعمل بعادتها، والمميزة تعمل بتمييزها، والتي لا عادةَ لها ولا تمييز ..... ستة أيام أو سبعة أيام، ثم تغتسل وتُصلي.

س: وإن كانت بكرًا يا شيخ؟

ج: ..... ستًّا أو سبعًا مثلما قال النبيُّ لحمنة.

390- عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِالْأَعْلَى، عَنْ أَبِي سَهْلٍ -وَاسْمُهُ كَثِيرُ بْن زِيَادٍ- عَنْ مَسَّةَ الْأَزْدِيَّةِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَت النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَكُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ مِن الْكَلَفِ" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عَلِيُّ بْن عَبْدِالْأَعْلَى ثِقَةٌ، وَأَبُو سَهْلٍ ثِقَةٌ.

قلتُ: ومعنى الحديث: كانت تُؤمر أن تجلس إلى الأربعين؛ لئلا يكون الخبرُ كذبًا، إذ لا يمكن أن تتفق عادةُ نساء عصرٍ في نفاسٍ أو حيضٍ.

الشيخ: وهذا مثلما قال المؤلفُ يعني أنها تجلس في النهاية أربعين، ليس المراد كل امرأةٍ تجلس أربعين، لا، المراد أنَّ غاية النفاس أربعون، فإذا انقضت الأربعون تغتسل وتُصلي ولو مع الدم، هذا هو المعتمد عند جمهور أهل العلم لهذا الحديث، هذا الأمة تلقته بالقبول.

وذكر البخاري رحمه الله أنَّ هذا الحديث لا بأس به، ومسة روى عنها أبو سهل ..... كثير بن زياد، وروى عنها الحكم بن عتيبة، وليس لها سوى هذا الحديث، وتلقته الأمة عنها بالقبول، وسكت عليه أبو داود وغيره، فهذا مما ساقه أهلُ العلم وعملوا به عند النِّفاس، وقال بعضُهم: خمسين، وبعضهم: ستين يومًا، ولكن العمل بهذا الحديث أولى من أقوال لا أساسَ لها.

لكن لو طهرت قبل الأربعين فإنها تغتسل وتُصلي وتصوم، فلو طهرت لعشرين أو لثلاثين أو أقلّ أو أكثر فإنها تغتسل وتُصلي، كالحائض إن كانت عادتها سبعًا أو ثمانيًا ثم طهرت لأقلّ من ذلك تغتسل وتُصلي، وهكذا النُّفساء، ولو طهرت لأقل من ذلك، لعشرٍ أو أقل من ذلك، وقد يوجد عند بعض النساء مَن تلد بلا دم.

فالحاصل أنه متى وُجد الدم تركت الصلاة والصوم وحرمت على زوجها حتى تطهر أو تُكمل الأربعين.

س: إذا طهرت يا شيخ بأقل من أربعين ثم بعد ذلك رجع الدمُ يسيرًا؟

ج: اختلف العلماء في ذلك، والصواب أنه يكون نفاسًا، إذا رجع في الأربعين فهو نفاس حتى تكمل، لا تُصلي ولا تصوم.

س: ما زاد على المدة؟

ج: نعم؟

س: ما زاد على الأربعين ووافق عادةً؟

ج: يكون عادةً.

س: يكون من عادتها؟

ج: يكون من عادة الحيض.

بَابُ سُقُوطِ الصَّلَاةِ عَن النُّفَسَاءِ

391- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَت الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ تَقْعُدُ فِي النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لَا يَأْمُرُهَا النَّبِيُّ ﷺ بِقَضَاءِ صَلَاةِ النِّفَاسِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: ...... في رواية ابن ماجه: إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فالحاصل أنها متى رأت الطهر قبل ذلك اغتسلت وصلَّت وصامت، ولا تُؤمر بقضاء الصلاة كالحائض سواء، وهذا من رحمة الله ، وهو محل إجماعٍ بين أهل العلم؛ أنها لا تُؤمر بقضاء الصلاة، ولما سألت معاذةُ عائشةَ رضي الله عنها عن ذلك قالت: "أحرورية أنتِ؟ كان يُصيبنا ذلك فنُؤمر بقضاء الصوم، ولا نُؤمر بقضاء الصلاة"، فالنُّفساء والحائض لا تقضيان الصلاة، ولكنَّهما تقضيان الصيام.

والسر في ذلك والله أعلم أنَّ الصلاة تكثر ويشقّ قضاؤها، فمن رحمة الله أن أسقطها عن الحائض والنفساء، بخلاف الصوم، فإنه في السنة مرة، فلا يشقّ قضاؤه.

س: تكلَّم المُحشي ..... من نساء النبي ﷺ ..؟

ج: لا، هذا وهم؛ لأنه ما في نساء النبي ﷺ، لكن في الرواية الصحيحة النُّفساء ..... على عهد النبي ﷺ.

كتاب الصَّلاة

بَابُ افْتِرَاضِهَا وَمَتَى كَانَ

392- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

393- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الصَّلَوَاتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ خَمْسِينَ، ثُمَّ نَقَصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْسًا، ثُمَّ نُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِهَذِهِ الْخَمْسِ خَمْسِينَ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

394- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "فُرِضَت الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النبيُّ ﷺ، فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأَوَّلِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ.

395- وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَاذا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: شَهْرُ رَمَضَانَ، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا، فَقَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، لَا أَتطَوَّعُ شَيْئًا، وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وفيه مُستدلّ لمَن لم يُوجب صلاة الوتر، ولا صلاة العيد.

بَابُ قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ

396- عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَحْمَدَ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .

397- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ارْتَدَّت الْعَرَبُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: يَا أَبَا بَكْرٍ، كَيْفَ تُقَاتِلُ الْعَرَبَ؟! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَ: إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّه وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

398- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ إلَى النَّبِيِّ ﷺ بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ! فَقَالَ: وَيْلَكَ! أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ؟، ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ: لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي، فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ بِقَلْبِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ.

وفيه مُستدل لمَن يقبل توبة الزنديق.

399- وَعَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ: أَنَّ رَجُلًا مِن الْأَنْصَارِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ يُسَارُّهُ، يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِن الْمُنَافِقِينَ، فَجَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ الْأَنْصَارِيُّ: بَلى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا شَهَادَةَ لَهُ، قَالَ: أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلى، وَلَا شَهَادَة لَهُ، قَالَ: أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ قَالَ: بَلَى، وَلَا صَلَاةَ لَهُ، فَقَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِمْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي "مُسْنَدَيْهِمَا".

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ على محمدٍ .....

هذه الأحاديث تتعلق بالصلاة، والفقهاء والمحدِّثون يبدؤون كتبهم بالصلاة، وبعضهم يبدأ بالتوحيد والإيمان، كما فعل البخاري رحمه الله، ومسلم كذلك، وجماعة، وكل له وجه، ومَن بدأ بالتوحيد والإيمان فهو أكمل وأولى؛ لأنَّ الأصل هو توحيد الله والإخلاص له، وهو أول شيءٍ، وهو الركن الأول، وهو الأساس، ولهذا تجدر البداءة به؛ ليعلم الناس شأنَ هذا الأصل، ولأنه لا إسلامَ ولا إيمانَ ولا صلاةَ ولا غير ذلك إلا بعد سلامة الأصل، بعد التوحيد والإخلاص والإيمان.

وقوم آخرون بدؤوا بالصلاة، واعتمدوا على أنَّ أمر التوحيد والإيمان له كتب مُستقلة، وله أجزاء مستقلة؛ لأنه يحتاج إلى مزيدٍ من العناية، فلهذا عُني به في كتب مستقلة: ككتب الإيمان والعقيدة، فكل له وجه، لكن مَن جمع بين هذا وهذا وجعل في كتابه جميع الأصناف يكون أكمل وأولى كما فعله البخاري ومسلم وجماعة آخرون.

والمؤلف سلك المسلك الثاني؛ فبدأ بالصلاة، وقدَّم الطهارة؛ لأنها شرطها، جريًا على عادة كثيرٍ من الفقهاء والمحدِّثين الذين بدؤوا بالطهارة والصلاة.

والصلاة هي أعظم الأركان، وأهم الأركان بعد الشهادتين، بعد الركن الأول، ولهذا بدأ بها العلماء بعد العقيدة، وفي الحديث الذي ذكره المؤلفُ: حديث ابن عمر، عن النبي ﷺ: بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، هذا الحديث الصحيح فيه بيان الأركان الخمسة، وفي أكثر الروايات تقديم الصوم على الحج، وفي بعضها تقديم الحج على الصيام، والصواب تقديم الصيام على الحج؛ لأنَّ الحجَّ فُرض أخيرًا، والصيام فُرض قبله.

وأعظم الأركان الشَّهادتان، ومضمونهما توحيد الله، والإيمان به، والشهادة بأنه المستحق للعبادة ، وهو ربّ العالمين، والإيمان بكل ما أخبر به سبحانه، وبكل ما جاءت به رسله على الإطلاق، ومنه الشهادة بأن محمدًا رسول الله عليه الصلاة والسلام، كل ذلك يدخل في الإسلام، ويُؤمر بالصلاة وغيرها.

والصلاة هي أعظم العمد، وأفضل الفرائض بعد الشهادتين، ثم تليها الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، هذه هي أركان الإسلام الخمسة الظاهرة، وأما أركان الدين الباطنة المتعلقة بالقلب فهي ستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرّه، هذه أركان الإيمان وأسس الإسلام المتعلقة بالقلب، فلا إيمانَ إلا بالإسلام، ولا إسلام إلا بالإيمان، فهما مُتلازمان، ولكن المعول على الظاهر، فمن ادَّعى حصول الباطن صدق، وليس هذا إلينا، بل إلى الله ، وإن صدق فهو مؤمن، ومَن كان كاذبًا فهو المنافق المعروف الذي يقول بلسانه ويُظهر بأعماله ما ليس في قلبه، فمَن جمع بينهما فهو المؤمن حقًّا، ومَن أظهر الإسلامَ وفقد الإيمانَ في الباطن فهذا حكمه حكم المنافقين.

وليس للناس إلا الظاهر كما قال النبيُّ ﷺ، ونحن لم نُؤمر أن نُنقب عن قلوب الناس، ولا نشقّ بطونهم، يعني: ليس للمسلمين إلا الظاهر، فمَن أظهر الإسلام وأعمال الإسلام ودخل مع المسلمين في دينهم فأمر قلبه إلى الله ، ومَن تظاهر بقلبه ومن أعماله ما يدل على نفاقه وردَّته فيُعامل معاملة المرتدين: كقتله بعد الاستتابة، ومَن لم يظهر منه شيء جرت عليه أحكامُ الإسلام الظاهرة، وأمره فيما بينه وبين الله إلى الله .

وفي الحديث الثاني في بيان إسراء النبي ﷺ، وفرض الصلاة عليه، وأنَّ الله فرض عليه الصلاة خمسين أولًا، ثم جعلها خمسًا سبحانه، فهي خمس في الفريضة، وهي خمسون في الأجر، وهذا من فضل الله ؛ أنَّ مَن حافظ عليها وأدَّى حقَّها كتب الله له خمسين، الحسنة بعشر أمثالها.

ودلَّ حديثُ عائشة على أن هذا كان في مكة، أنها فُرضت في مكة قبل الهجرة في آخر مُدَّته ﷺ بمكة، وكان قبل ذلك يدعو إلى توحيد الله والإيمان به، ولم تُفرض علية صلاة ولا غيرها، ثم فرض الله عليه الصلاة والزكاة، ثم بقية الأعمال ..... في المدينة عليه الصلاة والسلام.

وفي حديث طلحة الدلالة على ..... العشرة المشهود لهم بالجنة، يدل على أن الله فرض الصَّلوات وشرائع الإسلام على المسلمين وما سوى ذلك، فهو تطوع، فأركان الإسلام وأركان الإيمان والفرائض التي دلَّ عليها الشرعُ يجب على كل مسلمٍ أن يُؤديها، وما زاد على ذلك من التَّطوعات فهو مُخيَّر: إن شاء أدَّى، وإن شاء ترك؛ ولهذا لما بيَّن النبيُّ ﷺ لهذا الأعرابي فرائضَ الإسلام قال: "والذي بعثك بالحقِّ، لا أزيد ولا أنقص"، وقال له النبيُّ ﷺ: إلا أن تطوع، إلا أن تطوع، فدلَّ ذلك على أنَّ مَن أدَّى الفرائض وترك المحارم فهو من أهل الجنة، وهو من أصحاب اليمين، وهو من الأبرار، فإن جمع بين الفرائض والمندوبات، وتوسَّع في أنواع القرب صار من المقربين ومن السابقين، وصار من الطَّبقة العُليا بالإيمان، وهذا فضل الله يُؤتيه مَن يشاء .

وأما ما أشار إليه المؤلفُ فيما يتعلق بصلاة العيد، وأنَّ فيه متمسك لمن لم يراها فرضًا فهو محل نظرٍ؛ لأن الرسول ﷺ أخبره بما هو فرض على كل فردٍ، وصلاة العيد فرضٌ على الجماعة، لا على الأفراد، وليست على الناس كلهم، إنما هي على المقيمين، لا على البادية، فلها شأنٌ آخر، وقد دلَّت الأدلةُ الأخرى على فرضيتها على الصحيح، وأنها فرضٌ على أهل البلدان والقرى يُصلونها، وليست داخلةً في حديث طلحة بن عبيدالله.

وهكذا صلاة الجنازة: جاء فرضها بعد ذلك، وهذا من فضل الله على أموات المسلمين أن يُصلَّى عليهم، ويُدْعَى لهم.

أما قتله: فقد دلَّت الأدلةُ على قتل تارك الصلاة، وأنه يُقتل إذا تركها، يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل، يقول الله : فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، فدلَّ على أنَّ مَن لم يُصلِّ لا يُخلَّى سبيله.

وقد تكرر في الأحاديث في هذا من قوله ﷺ في حديث عمر: أُمرتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام، ومن حديث: نُهيتُ عن قتل المصلين الحديث الذي ذكره المؤلفُ، وحديث المرتدين، والصديق لما قاتل العربَ لما ارتدُّوا احتجُّوا بهذا الحديث، وبحديث: إلا بحقِّها، وقال: "الصلاة من حقِّ لا إله إلا الله، والله لأُقاتلنَّ مَن فرَّق بين الصلاة والزكاة".

فالأحاديث الواردة في هذا مُتكاثرة، دالة على عظم شأن الصلاة، وأن تركها يُوجب القتل، وصاحبها بين أمرين: تركها جاحدًا لوجوبها كفر بإجماع المسلمين، إن جحد وجوبها أو جحد فرض الزكاة أو الصيام أو الحج أو غيرها مما هو معلومٌ من الدين بالضَّرورة كفر إجماعًا.

أما إن كان تركها تهاونًا وكسلًا وهو يعلم أنها واجبة، وأنها فرض، فهذا محل خلافٍ بين أهل العلم: منهم مَن رأى أنه يُقتل حدًّا وعاصيًا كالزاني ونحوه، ومنهم [مَن] رآه يُقتل ردَّةً وكفرًا؛ لأنها ليست مثل غيرها، وهذا القول أصح وأرجح؛ أنَّ مَن تركها تهاونًا قُتل على ذلك، يُقتل مُرتدًّا، لا يُغسَّل، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفن مع المسلمين، ولا يرثه المسلمون، بل ماله يكون لبيت المال، وأدلة هذا القول كثيرة جدًّا من القرآن والسنة:

فمن القرآن قوله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، دلَّ على أنَّ مَن لم يُقم الصلاة فليس بأخٍ في الدين، وليس بمسلمٍ.

هكذا بيَّن ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن تركها فقد كفر، رواه في "السنن"، والإمام أحمد بسندٍ صحيحٍ، وهكذا قوله ﷺ: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة كما يأتي، أخرجه مسلم.

هذا القول هو الأصح كما يأتي بيان ذلك إن شاء الله.

والخلاصة في هذا: أنَّ مَن ترك الصلاة وأصرَّ على تركها يُؤمر بها ويُهدد ويُسجن، فإن رجع عن ..... وضلاله وصلَّى فالحمد لله، وإن لم يرجع واستمرَّ ثلاثة أيام قُتل، هذا هو الأولى والأرجح، كما فعل عمر وغيره؛ أنه يُستتاب ثلاثة أيام؛ لأنه قد تكون هناك شبهة، قد يكون هناك أغواه أحد، قد يكون هناك سببٌ، فالثلاثة فيها سعة، فإن تاب وإلا قُتل، نسأل الله السلامة، ونسأل الله العافية.

س: صلاة العيد يكون وجوبها وجوب كفايةٍ أو وجوبًا عينيًّا؟

ج: على قولين لأهل العلم، والأقرب أنها كالجمعة فرض عينٍ، فلا تدل على أنها فرض كفايةٍ.

س: صلاة العيدين فرضٌ على [ما] قال به شيخُ الإسلام ابن تيمية، ما وجه دليله؟

ج: كالجمعة؛ لأنَّ الرسول أمر بها عليه الصلاة والسلام ..... النبي أمر بها حتى النساء أمرهن بالخروج؛ لحديث أم عطية، أُمر بها حتى النساء يخرجن، وهذا ما يُؤكد وجوبها، وأنها كالجمعة؛ لما فيها من جمع المسلمين لاستماع الذكرى والموعظة، وهي مرتان في السنة: عيد الأضحى، والفطر، ولها مزية عظيمة، ولها أثر في إصلاح مجتمع المسلمين.

س: على هذا القول يعني .....؟

ج: نعم، تلزمه الإعادة.

س: يُعيدها أربعًا أم يُعيدها اثنتان؟

ج: ثنتين.

س: ..... الزكاة؟

ج: يأتي تحريرها في الباب الذي بعد هذا.

س: ..... ثلاثة أيام .....

ج: هذا هو الأولى، ولو ..... قبل ذلك لا حرج، لكن الأولى والأفضل كما نصَّ ..... ثلاثة أيام.

س: فُرضت ركعتان كان قبل الهجرة؟

ج: نعم؟

س: قبل المعراج أو .....؟

ج: قبل الهجرة .....، فلما هاجر النبيُّ ﷺ جُعلت أربعًا، وبقيت صلاةُ السفر ركعتين.

س: المعراج أو .....؟

ج: المعراج في مكة، فُرضت الصلاةُ في مكة في ليلة المعراج ركعتين، ثم .....

س: إذا مات شخصٌ وهو لا يُصلي، وأُدني من الإمام، وأراد أن يُصلي عليه، ثم قام طالبُ علم ونصحه ألا يُصلي عليه يكون مُصيبًا؟

ج: إذا شهد شاهدان أنه لا يُصلِّي لا يُصلَّى عليه، نسأل الله العافية.

س: إذا فاتت صلاةُ العيد على القول بأنها فرض كفايةٍ يُعيدها الواحد؟

ج: على قول أنَّ الأفضل يُعيدها، أما إذا قلنا بالوجوب العيني وجب القضاء، أما إذا كان بيده الكفاية أو أنها سنة استحبّ قضاؤها ركعتين.

س: ولو فاتته ركعة؟

ج: نعم؟

س: صلاة العيد فاتته ركعة؟

ج: يأتي بركعةٍ مثل الجمعة .....

س: عبيدالله بن عدي بن خيار؟

ج: تابعي جيد رحمه الله.

س: يعني سند الحديث؟

ج: لا بأس به.

س: يكون شاهدًا لحديث أبي سعيدٍ الأول؟

ج: نعم، نعم.

بَابُ حُجَّةِ مَنْ كَفَّرَ تَارِكَ الصَّلَاةِ

400- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيَّ.

401- وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُم الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

402- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا من الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

403- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ: مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا وَلَا بُرْهَانًا وَلَا نَجَاةً، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: وهذه الأحاديث الأربعة -الأحاديث الثلاثة والآخر عن عبدالله بن شقيق- كلها تدل على صحة قول مَن قال بكفر تارك الصلاة، والأدلة واضحة في ذلك: حديث جابر في "صحيح مسلم": بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة، وأنه ذكر ..... الشرك جميعًا، والشرك والكفر إذا عرفا انصرفا إلى الشرك الأكبر والكفر الأكبر، فهذا حُجَّة لمن قال بتكفير تارك الصلاة، وهو قول جمعٍ من أهل العلم.

وكذلك حديث بُريدة بن الحصين الأسلمي : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن تركها فقد كفر أخرجه الإمامُ أحمد وأهلُ السنن بإسنادٍ صحيحٍ.

وهكذا حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ قال في الصلاة: مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وهذا ظاهرٌ في فضلها، وأنَّ مَن حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة، فالمحافظة عليها من أسباب الفوز بالجنة، والنَّجاة من النار، كما قال : وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ۝ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج:34- 35]، وقال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ۝ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الآية [المؤمنون:9- 10].

ثم قال: وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا وَلَا بُرْهَانًا وَلَا نَجَاةً، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، هذا وعيدٌ عظيمٌ، يدل على كُفر تاركها، وقع هنا: لم تكن له نورًا ولا برهانًا، والذي أذكره في رواية "المسند": لم يكن نور بالياء، لم يكن بالياء، برفع النور، لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وهذا أظهر في الوعيد، وأبين في كفره؛ لأنه لما لم يُحافظ عليها لم يقع له نور ولا برهان؛ لأنه فاته هذا الخير العظيم.

ثم حشره مع هؤلاء يدل على كفره؛ لأنَّ هؤلاء من صناديد الكفر، ومن أئمة الكفر، فتارك الصلاة يُحشر معهم لأنه بتركه لها صار داعيةً إلى الشر بعمله وإعراضه، فإنه يدعو مَن حوله ومَن يتَّصل به إلى تركها، فيكون من القادة، فحُشر مع هؤلاء.

واستنبط بعضُ أهل العلم من ذلك أنه يُحشر مع فرعون إذا كان ممن شغلته الرياسةُ والملكُ ونحو ذلك، ومع هامان إذا كان ممن شغلته الوظيفةُ؛ لأنَّ هامان شُهر بالوزارة وتكبَّر بها واستكبر عن طاعة الله ورسوله، وإن كان ممن شُغل بالأموال والشَّهوات حُشر مع قارون؛ لأنه شغله مالُه فاستكبر فخسف الله به وبداره الأرض، وإن كان ممن شغله البيعُ والشراء والتِّجارة حُشر مع أُبي بن خلف؛ لأنه من تجار أهل مكة، المعروف بالكفر والضلال، فشغلته تجارته وحبُّه المال عن اتباع الرسول ﷺ، وتكبَّر بذلك فصار من أهل النار؛ لكفره وشركه وإعراضه.

وأُبي بن خلف هذا قُتل يوم أحد، وتولى النبيُّ قتله عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على عظم خطر ترك الصلاة، وأنَّ صاحبها على هذا الخطر العظيم، وذلك يدل على الكفر الأكبر، وسند الحديث عند أحمد جيد لا بأس به، ما أذكر الآن من حال سنده.

وحديث عبدالله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل يدل على ذلك، فإنه حكى عن الصحابة أنهم لم يكونوا يرون شيئًا تركه كفر إلا الصلاة، والمعنى: الكفر الأكبر؛ لأنَّ هناك أشياء يُطلق عليها: كفر، لكنها كفر أصغر، مثل قوله ﷺ: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت، ..... من آبائكم ..... قتاله كفر، كما يأتي في الباب الذي بعده، فهذا يدل على أن مراد الصحابة أنه الكفر الأكبر.

وهكذا قوله ﷺ في قصة مَن نازع الإمام، قال: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان، وقال في الرواية الأخرى: ما أقاموا فيكم الصلاة، فدلَّ على أن ترك الصلاة كفر بواح، نسأل الله العافية، حديث ..... الصلاة في أدلةٍ أخرى تدل على هذا المعنى.

بَابُ حُجَّةِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ تَارِكَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهِ بِخُلُودٍ فِي النَّارِ وَرَجَا لَهُ مَا يُرْجَا لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ

404- عَن ابْنِ مُحَيْرِيزٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى: الْمُخْدَجِيّ، سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّام يُدْعَى: أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ: الْوِتْرُ وَاجِبٌ، فَرُحْتُ إلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ عُبَادَةُ : كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، مَنْ أَتَى بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّع مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ فِيهِ: وَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ قَدِ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ.

405- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ، فَإِنْ أَتَمَّهَا وَإِلَّا قِيلَ: انْظُرُوا هَلْ لَهُ من تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتِ الْفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ مِثْلُ ذَلِكَ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

406- وَيعْضدُ هَذَا الْمَذْهَبَ عُمُومَاتٌ: مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُاللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ؛ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: وأنَّ عيسى عبدالله ورسوله، صدق عندكم  رسوله؟

الطالب: لا.

الشيخ: وأنَّ عيسى عبدالله ورسوله هكذا في الروايات، الظاهر سقط من بعض النُّسخ.

407- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ -وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ: يَا مُعَاذُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: إذَنْ يَتَّكِلُوا، فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

408- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

409- وَعَنْهُ أَيْضًا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ حَمَلُوا أَحَادِيثَ التَّكْفِيرِ عَلَى كُفْرِ النِّعْمَةِ، أَوْ عَلَى مَعْنًى قَدْ قَارَبَ الْكُفْرَ، وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أُرِيدَ بِهَا ذَلِكَ.

410- فَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

411- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

412- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.

413- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَحْلِفُ: وَأَبِي، فَنَهَاهُ رسولُ الله ﷺ وَقَالَ: مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ من دُونِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

414- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ إنْ مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: هذه الروايات كلها تدل على فضل التوحيد، وأنَّ مَن مات عليه واستقام عليه أدخله الله الجنة، وهكذا حديث عُبادة يدل على فضل الصَّلوات، وأن مَن حافظ عليها أدخله الله الجنة، وأن من انتقص منها شيئًا كان على خطرٍ وتحت مشيئة الله .

وفي حديث أبي هريرة، عن النبي ﷺ: أنَّ أول ما يُحاسب عليه العبدُ صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. وفي اللفظ الآخر: فإن كمَّلها وإلا قيل: انظروا هل لعبدي من تطوعٍ فيكمل به فرضه.

وأحاديث التوحيد مع هذه الروايات إنما هي فيمَن لم يتركها ولم يجحدها، وإنما يقع له النقص فيها.

وحديث عبادة في صحَّته نظر، اختلف الناسُ في صحَّته، فليس إسناده بذاك القائم، وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك: مَن نقص منها شيئًا، فهو يُصلي ولكن قد يقع له بعض التَّساهل؛ إما في صلاة الجماعة، وإلا في غير ذلك مما يجب عليه، وأن هذا هو الذي ينظر في تطوعاته وأعماله الأخرى فيكمل به فرضه، وهكذا في الزكاة، وهكذا في الصوم، وهكذا في الحج؛ لأنَّ الإنسان عرضة للنقص في هذه الواجبات، وعدم أدائها، وبعضها كاملة في بعض الأحيان، فلا يكون حكمه حكم مَن تركها بالكلية.

وأما أحاديث التوحيد: فمثلما تقدَّم، فهي تدل على فضل التوحيد، وأنَّ مَن أتى به دخل الجنة ما لم يأتِ بناقضٍ، المراد بذلك مَن لم يأتِ بناقضٍ من نواقض الإسلام، أما مَن أتى بناقضٍ لم ينفعه ما جاء به من التوحيد، فإن الناقض يُبطله، ولهذا أهل الردة لم تنفعهم شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله لما منعوا الزكاة وقاتلوا دونها، وبعضهم شكَّ في نبوة محمدٍ ﷺ فكفر بذلك، وبعضهم ترك الصلاة.

فالمقصود أن الشهادتين إنما تنفعان مَن قالها إذا لم يأتِ بناقضٍ من نواقض الإسلام، فإذا ترك الصلاة فهذا ناقضٌ، وإذا سبَّ الدين هذا ناقضٌ، وإذا استهزأ بالدين كان ناقضًا، وهكذا لو جحد وجوبها ولو صلَّى، أو جحد وجوبها ووجوب الزكاة ووجوب رمضان ووجوب الحج مع الاستطاعة كفر، ولو أتى بالشَّهادتين.

ففضل التوحيد وكون صاحبه من أهل الجنة في حقِّ مَن لم يأتِ بناقضٍ من نواقض الإسلام، أما إن أتى بالمعاصي فهو تحت المشيئة، إذا أتى بالتوحيد مع المعاصي فهو تحت مشيئة الله، وهو داخلٌ في قوله ﷺ: وإني اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله مَن مات لا يُشرك بالله شيئًا، وهكذا الحديث الثاني: أسعد الناس بشفاعتي مَن قال: لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه، فأهل المعاصي تحت مشيئة الله، وهم داخلون في الشفاعة؛ شفاعة النبي ﷺ، وشفاعة المؤمنين، وشفاعة الأبرار، وشفاعة الملائكة، ومنهم مَن لا تعمّه الشفاعة ويبقى في النار حتى يُخرجه الله منها برحمته ، كما في الحديث الصحيح قال: يقول الله : شفعت الأنبياء، وشفعت الملائكةُ، وشفع المؤمنون، ولم يبقَ إلا رحمة أرحم الراحمين، فيُخرج الله قومًا من النار قد امتُحشوا، لم يعملوا خيرًا قط إلا أنهم كانوا يقولون: لا إله إلا الله، فهؤلاء لم تعمّهم الشفاعة -شفاعة الناس- فأخرجهم الله بعدما عُوقبوا على معاصيهم وسيئاتهم.

والأحاديث التي فيها إطلاق الكفر على المتبرئ من أبيه، والقاتل، والنائحة، والطعن في الأنساب، هذا كفرٌ دون كفرٍ عند أهل العلم لا شكَّ فيه؛ لأنه كفر منكر، ليس بكفر معرفٍ؛ ولأنَّ الأدلة العامَّة واضحة في أنه كفر دون كفرٍ، وأنه معصية من المعاصي، فليس مثل ترك الصلاة.

فالمقصود أنَّ ما ذهب إليه مَن ذهب قياس ترك الصلاة على هذه الأشياء ليس بواردٍ، والاستدلال بأحاديث التوحيد وفضل التوحيد ليس بواردٍ؛ لأنها مقيدة بمن أتى بالتوحيد ولم يأتِ بناقضٍ.

وفَّق الله الجميع، وصلَّى وسلَّم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه.

س: ..... المشيئة ..... إن شاء الله؟

ج: لأنَّ بعض الناس يناله، يعني: بعضهم يبقى ما تناله الشفاعة؛ لأنَّ الذي يشفع يشفع لجماعةٍ يحدّهم الله حدًّا، قال كما في الرواية لأبي أنسٍ قال: فيحدّهم حدًّا ويُخرجهم، ثم يشفع ويحدّ الله له حدًّا، ثم يشفع ويحدّ له حدًّا .. لا تعمّ، هناك جماعة آخرون يشفع لهم غيرُه عليه الصلاة والسلام، يشفع لهم المؤمنون، يشفع لهم الأبرار، الملائكة، وهناك جماعة ما تبلغهم شفاعته ..... الله في فضله .

س: هل الشفاعة ........؟

ج: ما هي خاصَّة، رجل ..... في النار ..... فينجو من العذاب برحمته .

س: تركتُ دعوتي شفاعةً لأمتي ..؟

ج: ..... تعمّ مَن دخل ومَن لم يدخل ......، ومنهم مَن يدخلها، والعُصاة قسمان: قسم يدخل وتناله الشفاعة بعد ذلك، أو رحمة الله بعد شفاعة الشفعاء، وقسم يُعفى عنه: إما بأعمال صالحة عظيمة، وإما بشفاعةٍ قبل دخوله النار.

س: والقسم الثالث الذي يدخل الجنةَ لأول وهلةٍ؟

ج: هؤلاء ليسوا من العُصاة، من أهل الاستقامة.

س: ..... الأمة؟

ج: أهل الاستقامة، الناس قسمان: أهل استقامة، ويدخلون الجنةَ من أول وهلةٍ، أولهم على ضوء الشمس، والثاني ..... إلى غير ذلك، على منازل.

س: ما ثبت لدعوته شفاعة ..؟

ج: قد تعمّ ناسًا لم يدخلوا النار ويدخلوا الجنة، لكن ما يلزم أنه يكون مع أوائل الناس، لا يلزم لأن بعض الناس يأتون ..... الاستقامة والكمال.

س: الشَّفاعة لرفع درجاته؟

ج: بلى، الشفاعة رفع درجاته في أعلى المنازل، لكن أشد الخطر، أعظم الخطر مَن دخل النار، نسأل الله العافية، هم الذين آخر مَن تناله الشفاعة -مَن دخل النار.

س: ...... أمتي يوم القيامة، كيف يعني؟ هل ..... من هذا دخل الجنة من أول وهلةٍ، أو تكون لهم شفاعة خاصَّة في رفع الدَّرجات؟

ج: أهل الجنة والرسل لا يدخلون إلا بشفاعته، أهل الجنة ..... لما تُفتح لهم الجنة بشفاعته عليه الصلاة والسلام، لكن محلّ النظر والخلاف هم أهل المعاصي، هم بيننا ..... المعتزلة والخوارج هم الذين أنكروها، المعتزلة والخوارج ومَن سار على نهجهم: كالإباضية وأشباههم، وأما دخول أهل الجنة الجنة بشفاعته، هذا معروفٌ في الأحاديث الصحيحة، وليس فيه خلاف.

س: تارك الصلاة يا شيخ تنفسخ زوجته أو ..؟

ج: على الخلاف؛ مَن قال: إنه كفر بذلك ينفسخ النكاح، إذا خرجت من العدَّة ولم يرجع ولم يتب فرّق بينهما.

س: يعني عن طريق المحكمة؟

ج: نعم ..

س: يترك فرضًا دون فرضٍ، مرة يُصلي، ومرة لا يُصلي؟

ج: الظاهر أنه يكفر نعم، الذي يُصلي ولا يُصلي تارةً حكمه حكم مَن ترك.

س: أو يُؤخِّرها عن وقتها كصلاة الفجر؟

ج: ظاهر النصوص أنه إذا أخَّرها عن وقتها عمدًا كفر بذلك، لكن بعض أهل العلم فرَّق بين المجموعة وغير المجموعة: كالظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فالأمر في هذا أسهل، بخلاف مَن يُؤخِّر الفجر إلى بعد طلوع الشمس، أو العصر إلى بعد غروب الشمس، هذه لا شبهةَ له فيها.

س: قد يكون نائمًا مثلًا؟

ج: إذا كان معذورًا هذا شيء آخر، إذا كان معذورًا ما هو داخلًا في هذا.

س: إذا ما ..... يعني: ما وضع .....؟

ج: يُخشى عليه الكفر، إذا كان يتساهل ولا يجعل ساعةً ولا يأمر ..... متساهل، هذا ظاهره التَّعمد، والقصد مسألة خطيرة، ولا سيما في هذا العصر، نسأل الله العافية.

سائل: السلام عليكم.

الشيخ: وعليكم السلام.

السائل: لي سؤال: دخلتُ في صلاة الغداة ركعتين، غداة قبل صلاة الفجر، ثم أُقيمت الصلاة وقد ..... ركعة، هل لي أن أتمَّها أم ..... صلاة الفرض؟

الشيخ: لا، لا، تقطعها، إذا صليتَ ركعةً وأُقيمت الصلاةُ تقطعها، يقول النبيُّ ﷺ: إذا أُقيمت الصلاةُ فلا صلاةَ إلا المكتوبة يُصليها بعد ذلك.

س: مثلًا أنا تنفَّلْتُ من الليل ما قُدِّر لي ..... النافلة، ثم جاءت صلاة الغداة -صلاة الفجر- صلاة الفريضة وأنا على طهارةٍ، يُمكنني أن أُصليها أم ..... كي أقوم بسرعة؟

ج: لا، لا، يكفي الطهور، طهو النافلة يكفي.

س: أو خرجت من بيتي وأنا ..... مُتطهرًا، ولا قصدي إلا .....، ثم بدا لي ..... أُصلي ركعتين، يجوز أن أُغير الوضع.

ج: لا، لا، يكفي .....

بَابُ أَمْرِ الصَّبِيِّ بِالصَّلَاةِ تَمْرِينًا لَا وُجُوبًا

415- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مُرُوا أبناءَكم بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.

416- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَن النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَن الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَن الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ لَهُ. وَلِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ .......

هذه الأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها -وقد جاء في معناها عدّة روايات عن جماعةٍ من الصحابة- كلها تدل على أمر الأولاد بالصلاة لسبعٍ، وضربهم عليها لعشرٍ، وهذا من باب التَّمرين -كما قال المؤلف- والإعداد للواجب، فإن الصبي يحتاج إلى أن يمرن ويُعدّ؛ حتى إذا بلغ فإذا هو قد تأهَّل لما أوجب الله عليه، وقد عرف الحكم، فلهذا أمر النبيُّ ﷺ بإعدادهم، وذلك بالتوجيه والأمر حال كونهم أبناء سبع فأكثر، فإذا بلغوا عشرًا ضُربوا على ذلك إذا تخلَّفوا؛ ليتمرَّنوا على العبادة، وليعرفوا عظمةَ هذه الصلاة، وليعتادوها، ويكونوا من أهلها قبل أن تُفرض عليهم؛ لأنهم إذا بلغوا عشرًا فقد قاربوا الاحتلام، قد راهقوا، فكثير من الصبيان يبلغ في الحادية عشر، والثانية عشر، والثالثة عشر، بالاحتلام أو بالإنبات، فإن لم يبلغ بذلك بلغ بإكمال خمسة عشر بالسنِّ، فيُمرنوا ويُوجَّهوا إلى الخير، الذكر والأنثى، فما دام دون العشر يمرن بالكلام، بالتوجيه، فإذا بلغ عشرًا ضُرب ضربًا غير مبرحٍ يُعينه على أداء الواجب، ويُبعده عن التَّساهل.

أما المجنون فهذا ليس محل تأديبٍ، وليس محل أوامر؛ لعدم العقل، حتى يعقل، حتى يرجع إليه عقله، فهو مرفوع عنه القلم حتى يرجع إليه عقله.

وهكذا النائم حتى يرجع إليه عقله، فلا يُؤمر وهو نائم حتى ينتبه، حتى يصحو، ما دام في النوم طلاقه وكلامه وعتقه -كل ما يكون منه- كله لاغٍ؛ لأنه لا عقلَ له، مرفوع عنه القلم، فلو طلَّق في النوم، أو أعتق في النوم، أو فعل شيئًا في النوم من الكلام الذي يُؤخذ به وهو نائم لا يُؤاخذ بذلك؛ لعدم العقل، ولهذا قال ﷺ: رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، والصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يعقل، وهذا من رحمة الله وإحسانه إلى عباده؛ أن العبد إنما كُلِّف بهذا العقل الذي يُميز به بين الحقِّ والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، فإذا ضاع هذا العقل بجنونٍ سقط عنه التكليف، وهكذا إذا نام فصدر منه في النوم شيء لم يُؤخذ به في النوم لعدم العقل.

والصغير لما كان ضعيف العقل، لم يستكمل العقل؛ سقطت عنه الواجبات حتى يبلغ، لكن يمرن ويُوجه، فإذا بلغ وجبت عليه الصَّلوات والصيام والحج مع الاستطاعة وغير ذلك، إلا ما يتعلق بالمال، فهذا يتعلق بالمال وإن كان غير بالغ: كالنَّفقة عليه من ماله، وكالنفقة على أقاربه، وكإكرام الضيف، وما أشبه ذلك مما يتعلق بالمال.

بَابُ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ لَمْ يَقْضِ الصَّلَاةَ

417- عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: وهكذا الكافر إذا أسلم لا يُكلَّف بما ترك من صومٍ أو صلاةٍ، فالإسلام يجب ما قبله، وكان غير مُكلَّفٍ بها أداء، وإن كان مُكلَّفًا وجوبًا؛ لأنَّ الصحيح كما قال الجمهورُ: الكفار مُخاطبون بفروع الشريعة، ويستحقون عليها العقاب إذا ماتوا على ذلك، لكن لا يُؤمرون بالأداء حتى يُسلموا، ولهذا لما بعث النبيُّ ﷺ مُعاذًا إلى اليمن أمره أن يدعوهم أولًا إلى توحيد الله والإيمان برسوله، قال: فإذا أجابوك إلى ذلك فادعهم إلى الصلاة وهكذا، فلا يُدْعَون ولا يُؤمرون بالصلاة ولا بالصيام ولا بالزكاة ولا بغير هذا إلا بعد الدخول في الإسلام، فإذا دخلوا في الإسلام والتزموا بالشهادتين أُمروا بعد هذا بفرائض الإسلام، فإذا أسلموا لم يُؤمروا بالقضاء لما تركوه في حال كفرهم، فلا يقال للكافر: صلِّ ما مضى من الصَّلوات بعد بلوغك، أو بعد ......، لا،  الإسلام يجُبُّ ما قبله هكذا جاء في الصحيح من حديث عمرو بن العاص: أن النبي ﷺ [قال]: أما علمتَ أن الإسلامَ يَجُبُّ ما قبله؟ أخرجه مسلم في "الصحيح". وهكذا حديث: التوبة تَجُبُّ ما قبلها، والإسلام يَجُبُّ ما قبله، والهجرة تَجُبُّ ما قبلها.

فإذا أسلم العبدُ لم يُؤمر بما ترك من الواجبات، ولم يُؤخذ بما كان منه من السيئات إذا تاب توبةً صادقةً، لكن إذا أساء في الإسلام -كما في الحديث- أُخِذَ بالأول وبالآخر: مَن أحسن في الإسلام غُفِرَ له ما سبق وما سلف، ومَن أساء في الإسلام أُخِذَ بالأول والآخر، فلو أسلم مثلًا وهو يشرب الخمر، ولم يتب من الخمر، استمرَّ عليها؛ أُخذ بالأول والآخر، أو أسلم وهو قاطع للرحم، أو عاقٌّ لوالديه، صحَّ إسلامه، وجرى عليه حكم الإسلام، لكن يُؤخذ بما بقي عليه من العقوق أو القطيعة أو الربا أو نحو ذلك.

س: المسلم إذا ترك الصلاة سنوات عديدة ثم رجع؟

ج: التوبة تكفي.

س: ما يقضي؟

ج: لا، لا، ترك الصلاة كفر، وإذا تاب لم يقضِ.

س: هذا الصواب؟

ج: هذا الصواب نعم.

أَبْوَابُ الْمَوَاقِيتِ

بَابُ وَقْتِ الظُّهْرِ

418- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَت الشَّمْسُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعَصْرَ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ حِين صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْمَغْرِبَ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعِشَاءَ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْفَجْرُ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ، أَوْ قَالَ: سَطَعَ الْفَجْرُ.

ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الْغَدِ لِلظُّهْرِ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعَصْرَ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَهُ الْمَغْرِبَ وَقْتًا وَاحِدًا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ، أَوْ قَالَ: ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهِ، فَصَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَقْتٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْمَوَاقِيتِ.

419- وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ جَابِرٍ ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظهر حِين صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ. وَقَالَ: ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ. وَفِيهِ: ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

الشيخ: وهذا بيان توقيت الصَّلوات، فالله جلَّ وعلا لما فرض الصلاةَ عليه ﷺ أمر جبرائيل أن يُوقِّتها له، وأن يُبين له مواضعها، فأمَّه في مكة عليه الصلاة والسلام كما جاء من حديث جابر وابن عباس، وفي أحاديث أخرى فصلَّى به في اليوم الأول لأول الوقت، وصلَّى به في اليوم الثاني لآخر الوقت، في الظهر لأول الوقت لما زالت الشمس، وفي اليوم الثاني حين صار ظلُّ كل شيءٍ مثلَه بعد تغير الزوال، وصلَّى العصر حين صار ظلُّ كل شيءٍ مثله في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني حين صار ظلُّ كل شيء مثليه، والمغرب صلى حين وجبت الشمسُ –سقطت- يعني: غابت في اليومين، وفي بعض الروايات أنه أخَّرها في اليوم الثاني، صلَّاها قبل أن يغيب الشفق، ثم صلَّى العشاء كذلك لما غاب الشفقُ في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني بعدما مضى ثلثُ الليل، وهكذا الفجر صلَّاها في أول الفجر، وفي اليوم الثاني حين أسفر جدًّا، ثم بيَّن أن الصلاة بين هذين الوقتين.

وهكذا علم ﷺ في المدينة لما سأله سائلٌ: أمره بالصلاة في أول الوقت في اليوم الأول، ثم أُقيمت في آخر الوقت في اليوم الثاني، ثم قال: أين السائل؟ قال: ها أنا، قال: الصلاة ما بين هذين الوقتين، وكل ما ورد في الأحاديث هو من هذا الباب، كل يدل على أن الصلاة لها أول وآخر، وأن الصلاة بين هذين الوقتين.

والسنة فيها التبكير كما جاء في الرواية الأخرى، السنة فيها التبكير؛ مُبادرةً للخير، وحذرًا من الشواغل، مثلما قال جلَّ وعلا: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، وحديث: بادروا بالأعمال، والله يقول: سَابِقُوا [الحديد:21]، وَسَارِعُوا [آل عمران:133]، فالبدار بها بأول الوقت بعد الأذان، الوقت يتسع للوضوء، ويتسع لصلاة الراتبة، مثل: الظهر، وصلاة ما تيسر قبل العصر والمغرب.

...... وأن المغرب لا يُؤخّر إلا قليلًا، بخلاف بقية الأوقات، والعشاء تُؤخَّر إلى أن يجتمعوا كما تقرر في سنته في المدينة، فإذا لم يجتمعوا أخَّرها، ولو اجتمعوا قدَّمها، والظهر إذا اشتدَّ الحرُّ كان يُؤخِّرها عليه الصلاة والسلام، فإذا لم يشتد الحرُّ بادر بها: كأيام الشتاء، وأيام الأوقات المناسبة عليه الصلاة والسلام.

وثبت عنه أخيرًا أنه أوضح أنَّ العصر إذا أصفرت الشمسُ، وأن الوقت إذا تأخَّر حتى تصفر الشمس، وهذا الوقت الاختياري، لكن لو تأخَّر الإنسانُ وصلَّاها بعد اصفرار الشمس قبل أن تغيب أدرك الوقت، لكن مع الإثم إذا تعمَّد ذلك، أما إذا كان لضرورةٍ: إما نوم أو نحوه فقد صلَّاها في الوقت كما أخبر النبيُّ ﷺ حيث قال: مَن أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشمسُ فقد أدرك العصر، ومَن أدرك ركعةً من الصبح قبل أن يطلع الفجرُ فقد أدرك الصبح، هذا عند الضَّرورة التي لا حيلةَ له فيها، أو النوم، فيكون صلَّاها في الوقت، أما أن يُؤخِّر عمدًا فلا يُؤخر حتى تطلع الشمس، ولا يُؤخِّر حتى تصفرَّ الشمس، بل يُصليها قبل ذلك مُراعاةً لفعله ﷺ وتوقيته وتعليمه عليه الصلاة والسلام.

س: قوله: هذا وقت الأنبياء من قبلك؟

ج: يظهر من هذا أنهم كانت لهم صلوات هكذا.

س: "خمس" يعني صلوات؟

ج: خمس كانت موقتةً بهذه المواقيت.

س: هذا في مكة، جبريل أم النبي ﷺ في مكة؟

ج: نعم في مكة.

س: والعشاء، آخر وقت العشاء؟

ج: نصف الليل كما في حديث عبدالله بن عمرو، وإذا صلَّاها بعد ثلث الليل إذا توافق الناسُ على هذا جماعة في مسجدٍ ناسبهم هذا فلا بأس، ثم أخَّر فهو أفضل، كما ..... عليه الصلاة والسلام، لكن إذا لم يتَّفقوا من المساجد المعروفة بلغوا فيها عدم التأخير؛ لأنَّ الناس لهم حاجات، يُؤخّر قليلًا في العشاء، ثم يُصلي، نعم.

س: ..... الصلاة حتى ..... الأخرى، فأتيتُ معه ليُصلي، هل يُصلي التي فاتت أو يُصلي معهم جماعة؟

ج: ..... يُصلي التي فاتت بالنية على الصحيح، ثم يقضي ما حضر.

س: يدخل عن جماعةٍ يُصلي بنية الفائتة؟

ج: جاء وهم يُصلون العصر يُصلي معهم الظهر، ثم يقضي العصر، بنية الظهر؛ حتى يُرتب.

س: يعني: الأنبياء من قبل الرسول هل كان الظهر أربعًا والمغرب ثلاثًا؟

ج: الله أعلم، فقط هذه أوقاتهم، أما ..... الله أعلم، إنما بيَّن أن هذه أوقاتهم ..... قد يكون لهم ركعات أكثر أو أقل، الله أعلم.

بَابُ تَعْجِيلِهَا وَتَأْخِيرِهَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ

420- عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ إذَا دَحَضَتِ الشَّمْسُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَأَبُو دَاوُد.

421- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النبيُّ ﷺ يُصَلِّي صلاة الظُّهْر فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ، وَمَا يدري أذَهَبَ مِنَ النَّهَارِ أَكْثَرُ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: يعني: يُبَكِّر بها عليه الصلاة والسلام.

422- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا كَانَ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَلِلْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ.

423- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

424- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَبْرِدْ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ، حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وفيه دليل على أنَّ الإبراد أولى وإن لم يرتادوا المسجد من بعد؛ لأنه أمر به مع اجتماعهم معه.

الشيخ: وهذا الاستنباط مثلما قال المؤلفُ واضح، يعني: الإبراد أفضل ولو أنهم في محلِّهم مجتمعين: كمُسافرين، أو مسافر مثلًا في منزلٍ، السنة له الإبراد، ولو كانوا في خيمةٍ مثلما قال النبيُّ ﷺ للمؤذن: أبرد، أبرد، أبرد، مع أنهم مجتمعون في السفر، وهكذا في المساجد، ولو كانت قليلةً يكون من باب أفضل.

س: بالنسبة للنساء كذلك؟

ج: كذلك عام يعمّ النساء والرجال، نعم الأحكام ..... تعمّ الرجال والنساء، إلا ما خصَّه الدليل.

س: التأخير للساعة الآتية هل يقدر بساعةٍ؟

ج: ما في تقدير ..... يتأخَّر شيئًا يخرج من الظلِّ، حتى إذا خرج الناس من مساجدهم وجدوا ظلًّا، ولهذا قال أبو ذرٍّ: حتى رأينا فيء التلول ..... الرمال، صار له الفيء لما أخَّر.

س: رجل صلَّى إمامًا بالناس ..... ثلاث ركعات العصر مثلًا، ثم يعني سجد للسهو وسلَّم، ثم نبَّههم وهم يُصلون، فقام أتى بالركعة التي يعني نقصت ثم سلَّم، ولم يسجد للسهو، هل صلاته صحيحة؟

ج: صحيحة، لكن يُعلَّم، صحيحة، والسنة [أن] يسجد بعد السلام سجدتين.

س: يعني ما تكون باطلةً؟

ج: ما تكون باطلةً، فقط يُعلَّم، فقط السجدتين للسهو، جهل.

س: بعض العلماء يُفتي .....؟

ج: غلط، يعني: السنة [أن] تكون خارج الصلاة، السنة أن تُصلَّى سجدتان خارج الصلاة.

س: ............؟

ج: لكن قال بعضُ أهل العلم: إذا كانت سجدتان قبل السلام مثل سجدة، مثل: مَن ترك جلسةَ التشهد الأول، أو بعض الواجبات على اليقين، ثم ليُصلي قبله، يسجد قبل السلام، أو يتعمد تركها وهو يعلم الحكم الشرعي -وهي قبل السلام تُشرع- بطلت الصلاةُ؛ لأنه تعمَّد ترك الواجب، والجمهور: أنه لا تبطل الصلاة بترك ..... لأنها غير متعينة، والصواب أنها متعينة؛ لأنَّ الرسول أمر بها عليه الصلاة والسلام، لكن لا يبطل بها إذا تركها جاهلًا أو ناسيًا أو متأوِّلًا.

س: وإذا تركها عامدًا؟

ج: لم يتركها إلا متأولًا، يحسب أنَّ هذا لم يُشرع، أما عامدًا: يعلم أنها تبطل الصلاة ثم تعمَّد ما ..... في الغالب إلا متأولًا أو ناسيًا أو جاهلًا.

س: إما تقديم أو تأخير قبل السلام وبعد السلام؟

ج: هذا مُستحبّ في حقّ، في مواطن التأخير: كالسلام عن النقص ركعة فأكثر، أو ..... السنة فيه التأخير، أن يسجدها بعد السلام.

س: حديث مُدمن الخمر كعابد وثنٍ صحيح الحديث هذا؟

ج: المنذري قال: إن رجاله ثقات، ولكن ما تتبعته، لكن هو سبيل الوعيد.

س: لكن الوعيد هنا يُفيد التَّغليظ يعني؟

ج: من باب التعظيم نعم، مثل: ..... الخمر سقاه الله من طينة الخبال ..... قال: عصارة أهل النار، أو قال: عرق أهل النار قد يعفو الله عنه، قد يشفع له الشُّفعاء، قد يسلم، لكن هذا وعيد إن جازاه الله، قال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، قال أبو هريرة: هذا جزاؤه إن جازاه، وإن عفا فهو أهل للعفو سبحانه.

س: لكن جعله هنا جعله كالوثن تشبيه بالوثن؟

ج: الله أعلم، يعني: من جنس شدَّة العقوبة؛ لاستمراره على الخمر والإدمان ..... نسأل الله العافية، وفي الحديث الآخر: ثلاثة لا يدخلون الجنةَ: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر، كل هذا من باب الوعيد، نسأل الله العافية.

س: أن شارب الخمر لم تُقبل صلاته أربعين سنةً؟

ج: كذلك من باب الوعيد.

س: صحيح هذا؟

ج: نعم.

س: .............؟

ج: كذلك، كذلك من باب الوعيد، مثل: الآبق -مَن أبق- لم تُقبل صلاته أربعين يومًا ..... قال: لم ..... حتى ..... بيد سيده، مثل: مَن أتى عرَّافًا فسأله لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا، كله من باب الوعيد، ولم يأمر بالإعادة.

س: إذا أخَّر الصلاة يُؤخر الأذان، أو يُؤذن بأول الوقت؟

ج: لا، يُؤخر الأذان؛ لأنَّ النبي ﷺ قال: أبرد، أبرد للمُؤذن، يعني: إذا دعاه من أجل شدَّة الحرِّ.

س: والذي يرى الإبراد في حقِّ المُسافر فقط؟

ج: غلط، غلط، يعمُّ المسافر وغير المسافر، لكنه مُستحبٌّ في الأول، الناس في حاجة عظيمة للإبراد، لكن لما جاءت المكيفات تسهل، نعم كثيرة ..... مكيفات في المساجد، وفي السيارات، وفي كل مكان، الأولون ..... الليل في شدَّة الحرِّ، وفي ظلمةٍ، الآن تغيرت الأحوال، والله المستعان، لكن السنة تبقى على حالها.