بَابُ غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ
325- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: اُسْتُحِيضَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رضي الله عنها، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: اغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلَاةٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
326- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو اُسْتُحِيضَتْ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلَتْهُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا جَهَدَهَا ذَلِكَ أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ، وَبين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ، وَالصُّبْحِ بِغُسْلٍ. رواه أحمد، وأبو داود، وهو حُجَّة في الجمع للمرض.
327- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اُسْتُحِيضَتْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ تُصَلِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَذَا مِن الشَّيْطَانِ، لِتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ، فَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ الْمَاءِ فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ غُسْلًا، وَتَتَوَضَّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
بَابُ غُسْلِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَ
328- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَتْ إرْسَالَهُ إلَى أَبِي بَكْرٍ. وَتَمَامُ الْحَدِيثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
بَابُ صِفَةِ الْغُسْلِ
329- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ وَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ، حَتَّى إذَا رَأَى أَنْ قَد اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. أَخْرَجَاهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدَيْهِ شَعْرَهُ حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وهو دليل على أنَّ غلبة الظنِّ في وصول الماء إلى ما يجب غسله كاليقين.
330- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ، ثم الأيسر، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ". أَخْرَجَاهُ.
قال الخطَّابي: الحلاب: إناء يسع قدر حلبة ناقةٍ.
331- وَعَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ"، قَالَتْ: "فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْهَا، وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَلَيْسَ لِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ: نَفْضُ الْيَدِ.
وفيه دليلٌ على استحباب دلك اليد بعد الاستنجاء.
332- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
333- وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: تَذَاكَرْنَا غُسْلَ الْجَنَابَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَآخُذُ مِلْءَ كَفِّي فَأَصُبُّ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ أُفِيضُ بَعْدُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وفيه مُستدلّ لمَن لم يُوجب الدلك ولا المضمضة والاستنشاق.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلّم على رسول الله وعلى أصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بمسائل:
المسألة الأولى: ما يتعلق بالمستحاضات وأصحاب السلس وأشباههم الذين يستمر معهم الحدث وتشقّ عليهم السلامة منه أو تتعذر، جاء في الباب عدة أحاديث: كحديث زينب، وأم حبيبة، وفاطمة بنت أبي حبيش، وحمنة، كلها تدل على أن المستحاضة تتحيض في علم الله المدة التي يغلب أنها حيض: كستة أو سبعة إذا لم تكن لها عادة، فإن كانت لها عادة تحيضت عادتها ثم صلَّت وصامت ما فضل من الشهر: ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين أو أقل أو أكثر حسب عادتها.
وتتوضأ لوقت كل صلاةٍ كما في "صحيح البخاري" من حديث عائشة: وتوضَّأ لوقت كلِّ صلاةٍ، وعليها كما في حديث حمنة وغيره أن تعتني بما يحفظ عليها بدنها وثيابها من الدم بقطنٍ ...... الكرسف والقطن ونحوه مما يمنع خروجه، أو يُقلل خروجه ويُعينه على استمساكه، وهذا داء، مرض، ليس بحيضٍ، فبإمكانها أن تُعالجه بما يتعالج به عن مثله، وما دام معها فإنها تُصلي على حسب حالها، عند مضي أيام الحيض العادة أو الغالبة: كستة أو سبعة، كما في حديث حمنة، تُصلي على حسب حالها.
فإذا استنجت وتوضَّأت وضوء الصلاة صلَّت كما يُصلي الناس في الوقت كله، تُصلي الفروض والنوافل، بعض العامَّة قد يظن أنه لمجرد الفروض فقط، لا، تُصلي الفروض والنوافل، وتقرأ القرآن، إلى غير ذلك، لها حكم الطَّاهرات ولو خرج منها شيء؛ لأنها معذورة، ليس في يدها شيء من ذلك.
وصاحب سلس البول أو المذي أو ما أشبه ذلك مثلها؛ إن كان معه البول دائمًا أو المذي دائمًا فإنه يتوضأ كالمستحاضة، إذا دخل الوقتُ يستنجي ويتوضأ وضوء الصلاة، ويستنجي بالماء أو بالحجارة ونحوها أو بهما، ثم يتوضأ وضوء الصلاة.
وقد بلغني أن بعض النساء يضرهن الماء لكثرة الدماء، فلا بأس أن تستعمل غير الماء ما تستجمر به: كالمناديل المناسبة التي لا تضرها، ونحو ذلك مما يُزال به الأذى ثلاث مرات فأكثر، ثم تتوضأ وضوء الصلاة، وهكذا صاحب السلس، وصاحب المذي، ونحو ذلك، وصاحب الريح؛ بعض الناس قد يُبتلى بالريح، ومعه دائمًا دائمًا ما يفتر، فهذا كالمستحاضة أيضًا.
ولها أن تجمع بين الصلاتين جمعًا صوريًّا، أو جمعًا مطلقًا على حسب حالها، في حديث حمنة جمعًا صوريًّا: بأن تُؤخِّر الظهر، وتُعجِّل العصر، وتُؤخِّر المغرب، وتُعجِّل العشاء، هذا نوع من الجمع، ويُستحب لها معه الغسل أيضًا، ولها أن تجمع الجمع المعتاد في الأولى وفي وقت الثانية، كما في إطلاق بعض الأحاديث الأخرى، فتعمل ما هو الأرفق بها، والأيسر عليها، فإنها مريضة، والمريض له ذلك، وهو أولى بالجمع من صاحب المطر، ومن صاحب السفر، فإن المرض تعب ملازم، بخلاف السفر فإنه شيء عارض، والمطر كذلك.
أما الغسل: فيُستحب لها أن تغتسل مع الصلاتين، وإن اغتسلت مع كل صلاةٍ كما فعلت حمنة فلا بأس-أم حبيبة- لكن لا يجب إلا غسل الحيض، ولهذا ذكر المحققون في جمع من الأحاديث أن الثابت مجرد غسل الحيض، أما البقية فمُستحبة، لا تجب، ولهذا قال: إن قويت، فدلَّ ذلك على أنها يلزمها غسل الحيض فقط، إن انتهت المدةُ تغتسل من الحيض، أما غسل المستحاضة فمن باب النظافة، ومن النشاط، ومن باب الاستحباب.
والأحاديث الأخرى فيها ما يتعلق بغسل الجنابة والحيض كذلك، كان عليه الصلاة والسلام يبدأ بغسل الجنابة، فيغسل يديه ثلاث مرات، ثم يغسل مذاكيره –فرجه- وربما ضرب بيديه الأرض إذا تعلَّق بها شيء، كما ذكرت ميمونة، ولم تذكر ذلك عائشة، ويدل على أنه قد يفعله تارةً، ولا يفعله أخرى، على حسب الحاجة.
وإذا غسلها بالصابون أو بالأشنان أو بالسدر أو بغير ذلك قام مقام ضربه بالأرض، وهذا من باب مزيد النظافة والطهارة، وإلا فالماء كافٍ إذا أزال الأذى، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، هذه السنة.
ثم بعد ذلك يُفرغ الماء عليه، بادئًا بالرأس، يحثي عليه ثلاث حثيات، يُدخل أصابعه في أصول الشعر حتى يظن أنه قد روى البشرة، ولا ينقضه، لا حاجةَ إلى النقض إذا كان مفتولًا، لا من جهة المرأة، ولا من جهة الرجل، لا حاجة إلى النقض كما في حديث أم سلمة: إني أشد شعر رأسي أفأنقضه؟ قال: لا، فيُبلله بالماء.
ويبدأ بالشقِّ الأيمن قبل الأيسر كما صرَّحت به عائشة، وكما في حديثها المعروف: "يُعجبه التَّيمن في تنعله وترجله وطهوره"، ثم يفيض الماء على جسده، يبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر، ثم يغسل قدميه مرةً أخرى، وإن شاء أجَّلها كما في حديث ميمونة: تمضمض، واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه ورأسه، ثم يُؤجل القدمين حتى يكمل، جاء هذا وهذا عنه عليه الصلاة والسلام.
وفي حديث ميمونة الدلالة على أن غسل الرأس يقوم مقام المسح، قد غسل رأسه، والغسل أكمل من المسح، إذا كان المسح هو الواجب، فالغسل أبلغ وأكمل في أنه غسل؛ لأنها لم تقل: مسح برأسه، فدلَّ ذلك على أنه أفاض الماء على رأسه واكتفى به.
وفيه أيضًا من الفوائد: أن نفض الماء أولى من المنديل؛ لأنها جاءت له بالخرقة فلم يُردها، وفي لفظٍ آخر: بمنديل، فلم يُرده، وجعل ينفض الماء بيده، فالنفض أولى؛ لحكمةٍ بالغةٍ، وإن تمندل فلا بأس عند أهل العلم؛ لأنه لم يَنْهَ عنه عليه الصلاة والسلام، وإنما تركه فقط، فدلَّ ذلك على أن الترك أفضل، وإن تنشَّف فلا بأس؛ لأن الأصل الإباحة والجواز.
كذلك حديث المغمى عليه: النبي ﷺ لما اشتدَّ به المرض عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يضعوا له ماءً في المخضب حتى يُصلي بالناس، فوضعوا له، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فغُشي عليه عليه الصلاة والسلام، فلم يستطع، فلما أفاق قال: أصلى الناس؟ قالوا: لا، ينتظروك، فوضعوا له ماءً في مخضبٍ، حتى كرر ذلك عدة مرات، وكلما أفاق اغتسل، ثم أمر الناس أن يُقدِّموا أبا بكر فيُصلي بالناس.
هذا يدل على أنه يُستحب للمغمى عليه التروش –الاغتسال- تأسيًا بالنبي ﷺ؛ لأنه ينشط، وربما أزال أسباب الإغماء، يعني: تمرير الأعضاء بالماء قد يُنشطها ويُشجعها حتى يذهب عنها ما أصابها من الضعف، ولا يجب، إنما هو مُستحبٌّ فقط؛ لأن النوم لا يُوجب ذلك، والإغماء كذلك لا يُوجب الغسل، وإنما يوجب الوضوء كالنوم، إلا أن يجد احتلامًا، أُغمي عليه ثم أفاق فرأى منيًّا في ثوبه، يغتسل كالنائم.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: فضل مسح الرأس في أثناء الوضوء في الغسل؟
ج: ..... أنها أكمل؛ لأنه ..... تسامح فيه، ثم إنه صريح في رواية عائشة أنه توضأ كاملًا، ولكن الصريح كونه يتوضأ وضوءًا كاملًا أولى؛ عملًا بالحديثين جميعًا، ثم في الحديث الآخر: ما كان يتوضأ بعد الغسل، الدليل على أنه لا يتوضأ بعد الغسل، يكتفي بالوضوء: كان رسولُ الله ﷺ لا يتوضأ بعد الغسل، وهذا عند أهل العلم ما لم يُحدِث، فإن أحدث بعد الغُسل توضأ، أو مسَّ فرجه مثلًا بعد الغسل يتوضأ، لكن هذا إذا لم يُحدِث، بأن استمرَّ على حاله، فإنه يكفيه الوضوء الذي قبل الغُسل.
س: لو مسَّ فرجه أثناء الغُسل؟
ج: يُعيد الوضوء.
س: أمر سهلة بالغُسل؟
ج: عند جمع الروايات اتَّضح منها ذلك، وأن المراد غسل الحيض، وأنها اجتهدت بنفسها الغسل، وحديث حمنة يدل على هذا أيضًا؛ لأن الأئمة لما جمعوا الطرقَ استنبطوا منها أن الغسل الواجب هو غسل الحيض فقط، أما هذه الأغسال فهي مُستحبَّة فقط.
س: قول عائشة: فأمرها بالغسل ﷺ؟
ج: فيها بعض الاشتباه، لكن عند جمعها وضمِّ بعضها إلى بعضٍ، وضمِّ طرقها يتَّضح منها هذا.
س: هل يُباشر الوضوء قبل مُباشرة الغسل، وقد يمسّ فرجه للتنظيف؟
ج: ما يمس، إذا استنجى لا يمس فرجه، انتهى، إذا استنجى وغسله بنية الطهارة انتهى، لكن لو غسل ما حوله، ومسح يده على ما حوله ..... ما يضره.
س: يعني: يُباشر الوضوء، يعني: قبل مُباشرة الغسل يبدأ بالوضوء؟
ج: ...... نعم: ثم يتوضأ وضوء الصَّلاة.
س: ترك التَّنشيف خاصٌّ بالغسل أو بالوضوء والغسل جميعًا؟
ج: للغسل، أما الوضوء فالأمر أوسع.
س: هل عدم حمل الأمر على الوجوب لضعف طرقها؟
ج: جاء أنَّ في بعضها كلامًا، وإنما ضمَّ بعضها إلى بعضٍ فتقوَّت بضمِّ بعضها إلى بعضٍ، وحديث حمنة أحسنها، جيد، وفيه: فإن قويت، ولم يُلزمها بالغُسل.
س: المُستحاضة إذا كانت لها عادة مكثت حسب عادتها، وإن لم تكن لها عادة تمكث؟
ج: ستة أيام، أو سبعة أيام .....؛ لأنَّ عادة النساء غالبًا ستّ، سبع، هذا الغالب.
س: إذا النائم رأى ماءً ولم يعلم هو مَنِيٌّ أو غيره؟
ج: ما عليه غسل حتى يعلم أنه مني، إذا علم أنه مني اغتسل.
س: صاحب السَّلس هل يُصلي بجماعةٍ؟
ج: المشهور عند العلماء أنه لا ينبغي له أن يُصلي بالناس، يُصلي مأمومًا، لكن ما أعلم دليلًا واضحًا فيه؛ لأنه معذور، لو صلَّى بالناس صحَّت، فكونه يتجنَّب هذا لعله يكون أولى؛ خروجًا من الخلاف.
س: ولو كان ......؟
ج: هذا المقصود.
س: يشترطون في الجمع ..... نية الجمع قبل الدخول فيه؟
ج: هذا المشهور، ولكن الصحيح أنها لا تلزم، الصحيح لا يلزم ..... النية، مثلًا: صلَّى المغرب، ثم حدث مطر شديد، جاز له أن يُصلي مع العشاء، كذلك لو بدأ المغرب وكان صحيحًا، ثم أصابه المرضُ، جاز له ..... على الصواب، اختاره شيخُ الإسلام ابن تيمية وجماعة؛ ولأن النبي ﷺ ما كان يقول لهم أني سأجمع، كان يُصلي المغرب، وما كان يقول لهم سأجمع، ولا الظهر، فدلَّ ذلك على أنه لا يشترط، لكن النية شرط، أخبرهم قال: ترى سنجمع.
س: ............؟
ج: ما أعلم له وجهًا واضحًا ..... باجتهاده.
س: المضمضة والاستنشاق، النَّحنحة ما ذكرت ..؟
ج: جاء في رواية ..... والعين والفاء واللام في حكم الظاهر كونه ...... أعظم.
س: ...... لا يجب الدلك ولا المضمضة؟
ج: هذا في مطلق بعض الروايات، لكن في رواية مفصلة يُقدم على مجملة، قاعدة: المفصل يقضي على المجمل، والمقيد يقضي على المطلق، والخاص يقضي على العام.
س: والدلك يجب؟
ج: لا يجب، مُستحب فقط، لا يجب .....، والماء كافٍ، إذا أصبغ الماء كفى.
س: الطَّهارة عليه في كل صلاةٍ: المُستحاضة وصاحب السلس؟
ج: نعم، كل وقت، ما هو لكل صلاةٍ، لكل وقتٍ.
س: كل فريضةٍ يعني؟
ج: فلو اغتسلت في الظهر أو توضَّأت للظهر جاز أن تُصلي في الظهر ما شاءت من الصَّلوات، وتقرأ وتطوف بمكة إلى العصر.
س: ما الفرق بين الجمع الصوري والجمع الحقيقي؟
ج: الحقيقي: كون الصلاة في وقت إحداهما، والصوري: كون الأولى في آخر وقتها، والثانية في أول وقتها، كلاهما في الوقت، كل واحدةٍ في وقتها، لكن تقاربتا.
س: ..........؟
ج: ............
بَابُ تَعَاهُدِ بَاطِنِ الشُّعُورِ وَمَا جَاءَ فِي نَقْضِهَا
334- عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعَرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنَ النَّارِ، قَالَ عَلِيٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَزَادَ: وَكَانَ يَجُزّ شَعْرَهُ .
335- وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي امْرَأَةٌ أَشدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فقَالَ: لَا، إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
وفي الحديث مُستدلّ لمَن لم يُوجب الدَّلك باليد.
وفي روايةٍ لأبي داود: أنَّ امرأةً جاءت إلى أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ......، قالت: فسألتُ لها النبيَّ ﷺ. بمعناه، قال فيه: واغمزي قرونك عند كلِّ حفنةٍ، وهو دليلٌ على وجوب ..... داخل الشعر المُسترسل.
336- وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: بَلَغَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤوسَهُنَّ، فَقَالَتْ: "يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو هذا! يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أن يَنْقُضْنَ رُؤوسَهنَّ، أَوَمَا يَأْمُرهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُؤوسَهُنَّ؟! لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَمَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إفْرَاغَاتٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
بَابُ اسْتِحْبَابِ نَقْضِ الشَّعْرِ لِغُسْلِ الْحَيْضِ وَتَتَبُّعِ أَثَرِ الدَّمِ فِيهِ
337- عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهَا -وَكَانَتْ حَائِضًا: اُنْقُضِي شَعَرَكِ وَاغْتَسِلِي. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
338- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلَتِ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْحَيْضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ، ثُمَّ قَالَ: خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِي بِهَا، قالت: فَاجْتَذَبْتُهَا إلَيَّ فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ مَاجَهْ وَأَبَا دَاوُد قَالَا: فِرْصَةً مُمَسَّكَةً.
بَابُ مَا جَاءَ فِي قَدْرِ الْمَاءِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ
339- عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَيَتَطَهَّرُ بِالْمُدِّ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
340- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
341- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَوَضَّأُ بِإِنَاءٍ يَكُونُ رَطْلَيْنِ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
342- وَعَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ قَالَ: أُتِيَ مُجَاهِدٌ بِقَدَحٍ حَزَرْتُهُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، فَقَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَغْتَسِلُ بِمِثْلِ هَذَا. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
343- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَجْزِي مِنَ الْغُسْلِ الصَّاعُ، وَمِنَ الْوُضُوءِ الْمُدُّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَثْرَمُ.
344- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُول اللَّهِ ﷺ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، مِنْ قَدَحٍ يُقَال لَهُ: الْفَرَقُ". مُتَّفَق عَلَيْهِ.
وَالْفَرَقُ: سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ.
باب مَن رأى التَّقدير بذلك استحبابًا، وأنَّ ما دونه يُجزئ إذا أسبغ
345- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
346- وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ بِنْتِ كَعْبٍ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ، فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي إنَاءٍ قَدْر ثُلُثَي الْمُدِّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
347- وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ هَذَا"، فَإِذَا تَوْرٌ مَوْضُوعٌ مِثْلُ الصَّاعِ أَوْ دُونَهُ، "فَنَشْرَعُ فِيهِ جَمِيعًا، فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي بِيَدِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَمَا أَنْقُضُ لِي شَعْرًا". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
بَابُ الِاسْتِتَارِ عَن الْأَعْيُنِ لِلْمُغْتَسِلِ وَجَوَازِ تَجَرُّدِهِ فِي الْخَلْوَةِ
348- عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّه حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
349- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: بَيْنَا أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتُكَ، وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.
350- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إلَّا أَنَّهُ آدَرُ، قَالَ: فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ، قَالَ: فَجَمَحَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَثَرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى سَوْأَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى بَأْسٌ، قَالَ: فَأَخَذَ ثَوْبَهُ، فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرَبًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
باب الدّخول في الماء بدون إزارٍ
351- عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ في الْمَاءِ لَمْ يُلْقِ ثَوْبَهُ حَتَّى يُوَارِيَ عَوْرَتَهُ فِي الْمَاءِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وقد نصَّ أحمد على كراهة دخول الماء بغير إزارٍ، وقال إسحاق: هو بالإزار أفضل؛ لقول الحسن والحسين رضي الله عنهما، وقد قيل لهما وقد دخلا الماء وعليهما بردان، فقالا: "إنَّ للماء سكَّانًا"، قال إسحاق: وإن تجرد رجونا ألا يكون آثمًا. واحتجَّ بتجرد موسى عليه السلام.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث في مسائل متعددة: منها ما يتعلق بالعناية بالشعر، وأن يصل الماءُ إلى جميع الشعرات، وأن يُعتنى بذلك حتى يعمَّ البشرة، وقد جاء في هذا حديثُ عليٍّ، وحديث: إن تحت كل شعرةٍ جنابة، وهما حديثان ضعيفان عند أهل العلم، والصواب أنه يكفي غسل الظاهر من الشعر الكثيف، وهكذا اللحية، ولهذا قالت أمُّ سلمة: إني أشد شعري يا رسول الله، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ وفي روايةٍ لمسلم: والحيضة؟ قال: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين رواه مسلم، فهذا يدل على أنه لا يلزم النَّقض ولا يجب، لا في الجنابة، ولا في الحيض، ولكنه في الحيض أولى وأفضل؛ لما جاء به في بعض الروايات: وانقض رأسك ...... جمعًا بين النصوص، فالنقض في الحيض أفضل، وعدمه جائز، أما الجنابة فعدم النقض أفضل؛ لأنها تعمّ، تكثر، وتتكرر، وقد تتكرر في اليوم وفي الليلة، فمن رحمة الله أن لا يُشرع النقض، بل يعمّ الماء، ويكفيه إذا حثا على رأسه ثلاث حثيات كفاه ذلك، ولا حاجةَ إلى نقض رأسه، ولا إلى نقض رأسها.
كذلك ما يتعلق بمقدار الماء: ثبت عنه ﷺ ما يدل على أنه في الغالب يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد، وقد يزيد على ذلك كما في حديث عائشة: أنهما اغتسلا من فرقٍ يسع ثلاثة آصع، فهذا يدل على أنه قد يزيد في الماء، ثم لا يلزم من كون الإناء يسع ثلاثة أن يمتلئ، وهذا الخبر من رواية أخرى: يسع ثلاثة أمداد، والمراد بها والله أعلم الآصع؛ حتى يُوافق حديث الفرق، فإن ثلاثة أمداد لا تكفي لشخصين قطعًا، فالمراد من ذلك الآصع التي هي تُطلق على .......
كذلك حديث أم عمارة في وضوئه بالمد، وحديث أنه توضأ برطلين أو ثلاثة أرطال، كل هذا لا منافاة؛ لأنَّ الأواني تتسع للصاع ولأكثر ولأقل، فلا يلزم من كون الإناء يسع رطلين أن يجب الوضوء برطلين -وهما مد ونصف- لأن الرطل فإن المد ........ بالعراقي، كذلك كونه يغتسل بما يسع ثلاثة أرطال يعني: صاع ونصف، لا يلزم من ذلك أن يكون ممتلئًا، قد تدعو الحاجة إلى ذلك في بعض الأحيان: كأن يكون به وسخ، أو في حال حرب يحتاج إلى مزيد من النظافة.
فالحاصل أنَّ هذه كلها تقريبية، وليس فيها شيء لازم، فإذا اغتسل بأكثر من صاعٍ أو بأقلّ من مُدٍّ وأسبغ فلا حرج في ذلك، هذا هو الحق، وإنما هذه تقادير للتقريب بحسب ما يتفق للمُغتسل عن النبي ﷺ وأزواجه، فليس هناك حدٌّ محدود يلزم بالوضوء، أو يلزم بالغسل، وإنما الواجب الإسباغ، فإذا أسبغ بمدٍّ أو أقلّ منه، وأسبغ بصاعٍ أو أقلّ منه في الغسل، أو في الحيض، كل ذلك كافٍ ومُجزئ، وإن نقص وجبت الزيادة، إن نقص في المدِّ وجب أن يزيد حتى يُكمل، وإن نقص في الصاع وجب أن يزيد حتى يكمل، ولكن يُشرع له الاقتصاد والتَّحري وعدم الإسراف في الماء.
وهكذا أحاديث الاستتار تدل على شرعية الاستتار، وأن الواجب على المؤمن أن يستتر في وضوئه وغسله عند كشف العورة إذا كان يراه أحد، أما إذا كان لا يراه أحد فلا حرج بأن يغتسل عُريانًا، كما فعل أيوب عليه الصلاة والسلام، وأما إذا كان يراه أحدٌ فلا يجوز له ذلك، كما أنكر النبيُّ عليه الصلاة والسلام على مَن فعل ذلك.
والحاصل أنه لو كان عنده أحد لم يجز له أن يكشف عورته، ولا يغتسل عريانًا، إلا إذا كانت زوجته أو سريته، أما إذا كان لا يراه أحد: في بيته من داخل، أو في محلٍّ ليس فيه أحد، فلا مانع أن يغتسل عُريانًا، ولا مانع أن يدخل في الماء عُريانًا، وإذا اتَّزر احتياطًا لئلا يراه أحد حسن، ولكن لا يلزم ذلك؛ لأن الستر من أجل العين، وإذا ما كان هناك عين ترى أجنبية فلا بأس.
وأما حديث أيوب: قوله عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه الجراد من الذهب، فهذا من آيات الله، ومن قدرته العظيمة أن يوجد جراد يطير بجناحيه، وهو من الذهب، هذا من آيات الله ، ولما جعل أيوب يحثو قال الله له: ألم أُغنك عن هذا؟ فقال: بلى يا ربّ، ولكن لا غنى لي عن بركتك، معلوم أن هذا بركة من الله، وفضل من الله، والمؤمن لا يستغني [عن] بركته وفضله ، فلا بأس أن يأخذ التاجر والغني مزيدًا من المال إذا جاءه من طريق الحلال، ولو كان غنيًّا كثيرًا، إذا جاءه ربحٌ كثيرٌ أو ميراثٌ أو هديةٌ لا بأس أن يأخذها، ولا حرج وإن كان ذا غنى، والله أعلم.
الأسئلة:
س: الظاهر نداء الرب بدون واسطة؟
ج: ظاهر النص مثلما نادى موسى، نعم.
س: قوله: إنَّ الله حيي ستير .. صفة الحياة؟
ج: لا بأس، الحديث صحيح، وله شواهد، والله جلَّ وعلا يستحي من الحقِّ، دلَّ على أنه يستحي من الحقِّ .
س: صفة الحياء وصفة السّتر؟
ج: نعم: وأما الآخر فاستحيى فاستحيى الله منه في حديث الثلاثة ..... وهو في "الصحيحين" .....، فالحياء وصف لذاته، لا من أوصافه جلَّ وعلا، حيي كريم، حيي ستير.
س: ............؟
ج: ...... تتبعه ...... والمسك، وله من الطيب، حتى لا يكون له أثر من الرائحة ..... أو في فرجها .....
س: بعد الغُسل؟
ج: بعد الغسل.
س: التَّسمية بعبدالستار وعبدالستير؟
ج: عبدالستير ما فيه شيء، أما عبدالستار حتى الآن ما وقفتُ على شيءٍ منه، وإن كانت مُستعملةً، والله هو الستار ، ثم لم أقف على حديثٍ فيه لفظ الستار حتى الآن.
س: إنَّ للماء سكَّانًا؟
ج: هذه رواية الحسن والله أعلم، المقصود أنَّ الإنسان يغتسل بالماء عُريانًا إذا كان ما عنده أحد.
س: قوله: إنَّ اللَّه حَيِيٌّ سِتِّيرٌ هناك حي ستير؟
ج: حيي، الحي غير: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، هذا من أسماء الله بالإجماع، الحي من أسماء الله بالإجماع، نصَّ القرآن، لكن حيي بإضافة الياء من الحياء يعني .
س: ............؟
س: نقض الشعر لغسل الحيض يجب؟
ج: لا، مُستحبٌّ فقط، ولهذا في حديث أم سلمة عند مسلم: "أفأنقضه من الحيض؟" قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي.
س: .............؟
ج: ثابت، جيد، هو عند أبي داود، فالأصل هذا، الأصل أنه يجوز.
س: مَن ضعَّفه ..... حديث .....؟
ج: ما أعرف الذي ..... لا بأس به.
س: الجنُّ لا يرون الإنس؟
ج: ما دام لا تراهم ما عليك منهم، الله رحمنا .....: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27] ..... حتى لو واحد يطلع سطحه ..... الإثم عليهم.
س: ..............؟
ج: الله أعلم.
وأما رواية علي بن زيد، عن أنسٍ، فهي ضعيفة؛ لأنَّ عليًّا ضعيف، لكن كان أبو موسى كما في "الصحيحين" وغيرهما، كان موسى حييًّا، وكان يدخل الماء في بعض الأحيان بالإزار، وفي بعض المرات وضع ثوبه على حجرٍ ودخل عُريانًا؛ لما أراد الله من الحكمة والرد على بني إسرائيل، حيث قالوا: "إنه آدر" يعني به علَّة، به مرض، وهو جرب الخصيتين، فأراد الله أن يُبرئ ساحته من هذا البلاء، ومن هذا الكذب، فطار الحجر بثوبه، لما خرج يريد ثوبه ليلبسه طار الحجرُ، وجعل يتبعه ويقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر حتى وصل إلى بني إسرائيل فرأوه سليمًا لا بأس به، فعرفوا أنهم ظالمون، وأنه بحمد الله سليم، ثم وقف الحجر فجعل موسى يضربه بعصاه حتى حصل ندبٌ في الحجر -عدة آثار- لغضبه عليه، وأخذ ثوبه ولبسه عليه الصلاة والسلام، وهذا من آيات الله العظيمة، وبراءة النبي ﷺ، وإظهار سلامته، وتكذيب اليهود.
الشيخ: وهذا هو الصواب، نعم أنه لا حرج في دخول الماء عُريانًا ما لم يكن هناك مَن ينظر إليه.
بَابُ مَا جَاءَ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ
352- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ ذُكُورِ أُمَّتِي فَلَا يَدْخُل الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَتْ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ إنَاثِ أُمَّتِي فَلَا تَدْخُل الْحَمَّامَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
353- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّهَا سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالَ لَهَا: الْحَمَّامَاتُ، فَلَا يَدْخُلْهَا الرِّجَالُ إلَّا بالأُزُر، وَامْنَعُوا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
وفيه أنَّ مَن حلف لا يدخل بيتًا فدخل حمَّامًا حنث.
الشيخ: وهذا ما يتعلق بالحمامات موجود في أرض العجم، حيث كانت موجودةً في الشام، وفي مصر، وفي غيرهما، تكون فيها المياه مُعدَّة للغسل، فيها الحارّ، وفيها أيضًا البارد، وربما تجمع فيها بعضُ الناس، فيرى بعضُهم بعضًا، تُرى عوراتهم، فلهذا جاء النَّهي عن دخولها إلا بإزارٍ؛ لئلا تُرى عورته.
فالأحاديث في الحمامات كلها معلولة كما قال جماعةٌ من الحفَّاظ، وقد يحصل ضمُّ بعضها إلى بعضٍ، حسنها من باب الحسن لغيره، واختلف السلفُ في ذلك: منهم مَن كرهها، ومنهم مَن لم يكرهها، والصواب أنه لا بأس بدخولها للحاجة مع ستر العورة؛ لأنَّ فيها ماءً دافئًا، ولأنها يعني تُناسب في وقت الشتاء والبرد ..... الباردة حتى للنساء عند الحاجة مع ستر العورة، وفي هذا في بعض الروايات: إلا لمريضةٍ، أو حائضٍ، أو نفساء.
الحاصل أن الأحاديث معلولة، والأصل براءة الذمة، الأصل الجواز، هذا هو الأصل للمصلحة، فإذا لم يوجد ما يمنع من ظهور العورات أو الخلوة بالنساء أو ما أشبه ذلك فلا حرج للحاجة إليها، وإن كان دخولها يُفضي إلى كشف العورة أو إلى خلوةٍ بامرأةٍ فلا يجوز ذلك على حسب قواعد الشرع.
كتاب التَّيمم
بَابُ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ لِلصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً
354- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلَا مَاءَ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: التيمم هو الطَّهارة الثانية، فإن المسلمين لهم طهارتان: طهارة ماء، وطهارة تيمم عن الأحداث، فمَن وجد الماء وجب عليه الماء؛ لقوله جلَّ وعلا: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، ومَن لم يجد الماء فله التَّيمم.
وفي هذا الحديث أنه صلَّى ذات يومٍ وهو في السفر، فلما سلَّم رأى رجلًا مُعتزلًا لم يُصلِّ مع الناس، وقال: ما منعك؟ قال: أصابتني جنابةٌ، ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك متفق على صحته. هذا دليل على أنَّ مَن تخلف عن الصلاة يُنكر عليه، مثلما أنكر النبيُّ ﷺ على محجن بن الأدرع لما تخلَّف، قال: لم تصلِّ معنا، ألستَ برجلٍ مسلمٍ؟ قال: صليتُ في رحلي، أو كما قال، قال: صلِّ مع الناس إذا حضرت الصلاةُ، المقصود أنَّ مَن تخلَّف عن الصلاة يُنكر عليه.
وهكذا في صلاته في منى في حديث أبي الأسود، لما قيل له: إنَّ رجلين لم يُصليا معنا في منى، دعا بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تُصليا معنا؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: لا تفعلا، لو صلَّيتُما في رحالكما، ثم أدركتُم الإمام لم يُصلِّ، فصليا معه، فإنها لكما نافلة، هذا يُبين لنا أنه ما ينبغي أن يجلس الإنسانُ خلف الناس ويقول: صليتُ، فإذا حضرهم وقد شرعوا في الصلاة يدخل معهم، يُصلي معهم، تكون له نافلة.
وفي هذا أن الصعيد يكفي مَن فقد الماء، وهو التيمم بالتراب، كما قال: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، وهو وجه الأرض، الصعيد: وجه الأرض، وإذا كان فيها تراب فالتراب مُقدَّم، فإذا لم يتيسر تيمم بما يسَّر الله له من رملٍ أو غير ذلك، وهذا معنى قوله: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ.
فالتيمم واجبٌ وفريضة عند عدم الماء، أو عند العجز عن الماء: كالمرأة المريضة يشقُّ عليها الماء، وصاحب الجراحات، ونحو ذلك، فإنه يلزمه التيمم بدلًا من التَّطهر بالماء، كما يلزم مَن فقد الماء وتيمم بضرب التراب بكفيه، ثم يمسح بهما وجهه وكفيه، كما قال الله ، ويقوم ذلك مقام التَّطهر بالماء من جميع الوجوه على الصحيح -رفع الحدث- ويُصلي به عدَّة صلوات على الراجح من أقوال العلماء، وهو يقوم مقام الماء، ومَن قال أنه مُبيح لا رافع، أو أنه رافع بدخول الوقت، فقوله ضعيف، والصواب أنه رافع إلى وجود الماء، إذا وجد الماء أو برئ المريضُ من المرض المانع انتقضت طهارته بالتيمم، وجب عليه الوضوء بالماء، وما دام معذورًا فإنه على طهارته حتى يُحدِث.
بَابُ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ لِلْجَرْحِ
355- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَك رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُخبر بِذَلِكَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ، قَتَلَهُم اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ، أَوْ يَعْصِبَ على جُرْحِهِ، ثُمَّ يَمْسَح عَلَيْهِ، وَيَغْسِل سَائِرَ جَسَدِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
الشيخ: هذا حديث جابر في قصة الجريح، وأن رجلًا أصابه جرح في رأسه وهم في السفر، فأصابه احتلام جنابةٍ، فسأل أصحابَه؛ لأنهم رُفقته في السفر: هل له أن يتيمم؟ فقالوا: لا نجد لك رخصةً، فاغتسل، فتأثَّر جرحه بذلك، فصار سببًا لموته، فسُئل النبيُّ عليه الصلاة والسلام عن هذا بعدما قدموا، فقال: قتلوه، قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال، العي: الجهل، شفاء الجاهل السؤال، يسأل أهلَ العلم.
والحديث رواه أبو داود، وابن ماجه، ورواه آخرون: كالبيهقي، والدارقطني، وجماعة، لكنها من طرقٍ كلها ضعيفة، جميع طرقه كلها ضعيفة كما قال الحافظُ في "البلوغ" رحمه الله، وفي إسناده الزبير بن خريق الجزري المعروف لينه، الدارقطني وأبو داود وهكذا صاحب "التقريب" تبعهما، وذكره ابنُ حبان في "الثقات"، وابن حبان لا يُعتمد عليه في التوثيق إذا خالفه غيرُه، وله شاهد من طريق ابن عباس، من حديث عطاء، عن ابن عباس، وهو ضعيف أيضًا، فلهذا قال الحافظُ في "البلوغ": "وفي إسناده اختلاف" وحكم عليه بالضعف، وهكذا غيره، فذكر بعضُهم ........
ولعله بجمع الطرق -بضمِّ بعضها إلى بعضٍ- قد يكون من الحسن لغيره، ويُطلق عليه بعضُ الناس: الصحيح، والأظهر في هذا أنه ضعيف في جميع الطرق، لكن يعتضد بالمسح على الخفين، فإذا كان المسح على الخفين يجوز ومشروع والإنسان في عافية، بل للترفه يومًا وليلةً يمسح على العمامة، فإذا كان مصابًا بجروحٍ فمن باب أولى، الذي به علَّة من باب أولى، وثبت عن ابن عمر أنه كان يمسح على الجبائر.
الحاصل أن هذا هو الصواب؛ أن المسح مُقدَّم على التيمم، وأنه متى كان به جرح يضرُّه الماء فإنه يعصب عليه جبيرة ويمسح عليها ويكفيه، ولا يحتاج إلى التيمم، فإن لم يتيسر ذلك ولم تُجزئ الجبيرة وخشي على نفسه فيتيمم ولم يمسح، لكن متى تيسرت بالجبيرة الواقية التي تنفعه وتقيه الماء فإنه يفعلها ويكفيه ذلك ولا يتيمم، وقال بعضهم: يتيمم معها أيضًا. لكنه ضعيف، والصواب أنه لا يتيمم.
وهذا الحديث جاء فيه: "يعصب"، وجاء فيه: "يتيمم ويمسح"، وليس بمحفوظٍ، والمحفوظ هو المسح فقط لو صحَّ.
وبكل حالٍ، فالصواب أنَّ مَن أصابه جرح يعصب عليه عصابةً، ويجعل الجبيرة ويمسح، ولا يغسله بالماء؛ لئلا يُحييه الماء؛ لأنَّ الماء يُحيي الجرح ويضرّه، فيجعل عليه عصابةً –جبيرةً- ويمسح عليها ويكتفي بذلك، هذا هو الصواب؛ لهذا الحديث على ما فيه من ضعفٍ، ولأنه ينجبر بما يفعله ابنُ عمر وجماعة من السلف، وينجبر أيضًا بأحاديث الخفَّين والعمامة، فاستقرَّ بذلك أنَّ الصواب أنَّ مَن أصابته جراحة وتيسر له عصبها وربطها فإنه يمسح ويكفيه عن التيمم، فإن عجز ولم يتيسر، أو كان الأمر أعظم من العصابة ولا تنفع فيه العصابة، فإنه يتيمم؛ لأنه عاجز عن الماء، فوجب التيمم عن هذا الجرح، يعني: يتوضأ في يديه، وفي وجهه، ويغسل بدنه كله، ويبقى محل الجرح يتيمم عنه بالنية، هذا في الغسل، وفي الوضوء، إذا كان الجرح مثلًا في وجهه يغسل يديه، ويمسح رأسه، ويغسل رجليه، ويتيمم عن الجرح الذي في وجهه، وإذا كان في أحد قدميه توضأ لأعضائه كلها، وتيمم مع الجرح الذي في قدمه إلى أن يتيسر ربطه بجبيرةٍ، وإذا تيسر ربطه بجبيرةٍ مسح عليها وكفى، وهذا هو الأرجح.
بَابُ الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ
356- عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : أَنَّهُ لَمَّا بُعِثَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَة الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَقُلْتُ: ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
فيه من العلم إثبات التيمم لخوف البرد، وسقوط الفرض به، وصحّة اقتداء المُتوضئ بالمُتيمم، وأن التيمم لا يرفع الحدثَ، وأن التَّمسك بالعمومات حجّة واضحة صحيحة.
الشيخ: وهذا دليل على أنَّ ظاهر المؤلف أنه لا بأس، فإذا دعت الحاجةُ إلى التيمم: خاف البرد، خاف الهلاك أو المرض لشدة البرد وعدم تيسر ما يُسخن به الماء، أو ما يُتَّقى به البرد ...... الرياح، فإنه إذا خاف من ذلك فإنه يسقط عنه الغسل ويتيمم كما فعل عمرو، وحديثه جيد لا بأس به.
والسلاسل: موضع قرب وادي قرى ..... ما بين المدينة وتبوك، يُقال لها: ذات السلاسل بالضم، والسلاسل بالفتح، وكان أميرهم عمرًا .
فدلَّ ذلك على أنه لا بأس بالتيمم عند خوف الهلاك، وعند خوف المرض لشدة البرد، أو لوجود مرض به يمنعه من الوضوء أو الغسل، فلا بأس بذلك كما تقدم، والنبي أقرَّه على ذلك، وأما تسمية الجنب لمراعاة الأصل، الأصل الجنابة.
وقول المؤلف أنه لا يرفع الحدثَ فيه نظر؛ لأن قوله: صليتَ بأصحابك وأنت جنب؟ يعني: لم تغتسل، إنما نظر إلى الأصل، وليس مراد النبي ﷺ فيما يظهر أنه جنب بالمعنى، وأنه لم ينفعه تيممه، وأن تيممه باطل، لا، فالله جلَّ وعلا أقام التيمم مقام الماء، وجعله طهورًا، والنبي قال: الصعيد وضوء المسلم، وسمَّاه طهورًا أيضًا، فهو حكمه حكم الماء؛ يرفع الحدث، وتُصلَّى به الصَّلوات، هذا هو الصواب، وليس في حديث عمرو حجَّة في انقلاب ذلك.
وفيه فائدة من أن كون البرد عذر إذا كان البرد شديدًا ولم يتيسر للإنسان محلٌّ، يعني: يغتسل فيه ..... فالحاصل أنه إذا شقَّ عليه ذلك وخاف الهلكة والمرض فهو عذرٌ، أما إذا تيسر له أن يغتسل على وجهٍ لا ضرر فيه وجب عليه ذلك، والله المستعان.
س: هل يُستحب له الوضوء في هذه الحالة؟
ج: إذا تيسر الماء يتوضأ، وقد جاء في بعض روايات عمرو أنه توضأ، ولا منافاةَ، فإنه توضَّأ وتيمم؛ لأنَّ الله قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتُم، فيتوضَّأ ويغسل ما تيسر من بدنه إذا تيسر، ويتيمم للباقي.
بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْجِمَاعِ لِعَادِمِ الْمَاءِ
357- عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: اجْتَوَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِإِبِلٍ، فَكُنْتُ فِيهَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: هَلَكَ أَبُو ذَرٍّ، قَالَ: مَا حَالُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَتَعَرَّضُ لِلْجَنَابَةِ وَلَيْسَ قُرْبِي مَاءٌ، فَقَالَ: إنَّ الصَّعِيدَ طَهُورٌ لِمَنْ لَمْ يَجِد الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ وَهَذَا لَفْظُهُ.
الشيخ: وهذا ما جاء في معناه في حديث أبي هريرة، وكلاهما صحيح: الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين كما تقدَّم، ولو جامع أهله فإنه يتيمم عن الجنابة كما يتيمم عن الحدث الأصغر، وهذا من رحمة الله وتيسيره، الله ما جعل في الدين من حرجٍ .
الأسئلة:
س: المسح على الجبيرة مقيس على أصحاب الخُفَّين؟
ج: هذا هو الأصل، يعني: من باب أولى، مع اعتضاد الحديث بعمل بعض الصحابة: كابن عمر، والحديث ضعيف، إذا عضده أصلٌ أو عضده فعلُ الصحابة كان من باب الحسن لغيره.
س: يعني: يكون قياسًا أوليًّا؟
ج: نعم.
س: إذا عضَّده أصلٌ أو عضَّده فعلُ ابن عمر؟
ج: أولًا: الذي يعتضد بفعل ابن عمر يكون من باب الحسن لغيره، وثانيًا: من جهة أن أحاديث المسح على الخفَّين تدل على هذا من باب أولى.
س: إذا كان على وجه الأرض حجارة أو أرض صلبة هل يتيمم؟
ج: يتيمم، يعمّه الصعيد، حسبما يتيسر له إذا ما وجد شيئًا.
س: ما فيها رمل ولا شيء؟
ج: ما على وجه الأرض هو الصعيد، إذا تيسر الترابُ فالحمد لله، وإلا ولو في جبلٍ.
س: ما يكون فاقد الطَّهورين، يُصلي بدون ..؟
ج: ممكن أن يُقال، لكن العموم يقتضي أنه يفعل: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا [النساء:43]، يمسح بما عنده من جبلٍ أو جصٍّ أو رملٍ أو غير ذلك، والمعنى واحد .....، لكن هذا أحوط خروجًا من الخلاف؛ لأن جمعًا من أهل العلم قالوا: يضرب الأرض مطلقًا ولو كانت جبليَّةً، المهم يكون ضربه لها ما يُنافي قول مَن قال: إنه فقد الطَّهورين؛ لأنَّ فاقد الطَّهورين معذورٌ، وهذا معذورٌ إذا ضربها؛ لأنه اتَّقى الله ما استطاع.
س: إذا ذهب البردُ في الصباح يجب عليه .....؟
ج: لا، ما يُعيد، يغتسل فقط، في الحديث: الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتَّقِ الله وليمسّه بشرته.
س: لكن ما يجب عليه الغُسل؟
ج: يجب عليه الغسل عن الجنابة، أما الوضوء لا، انتهى الوضوء، إذا صلَّى صحَّت الصلاةُ ولا يُعيد شيئًا، ولكن من الجنابة فقط.
بَابُ اشْتِرَاطِ دُخُولِ الْوَقْتِ لِلتَّيَمُّم
358- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ.
359- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: جُعِلَت الْأَرْضُ كُلُّهَا لِي وَلِأُمَّتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي الصَّلَاةُ فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ، وَعِنْدَهُ طَهُورُهُ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
بَابٌ: مَنْ وَجَدَ مَا يَكْفِي بَعْضَ طَهَارَتِهِ يَسْتَعْمِلُهُ
360- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على ..... وأصحابه.
حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، وحديث أبي أمامة، وما جاء في معناهما من حديث جابر في "الصحيحين" كلها تدل على أنَّ الله جعل الأرضَ مسجدًا وطهورًا، يعني: مسجدًا يُصلَّى فيها، وهي طهور يتطهر بها عند فقد الماء، أو العجز عنه، وهذا محل إجماعٍ، وإنما الخلاف: هل يرفع الحدث؟ وهل يُشترط له دخول الوقت؟
المؤلف أشار بهذا إلى أنه لا بدّ من دخول الوقت، كما في الحديث يدل على اشتراط دخول الوقت؛ لقوله: أدركتني الصلاة تمسَّحتُ وصلَّيتُ، ومَن أدركته الصلاةُ فعنده مسجده وطهوره، وهذا الخلاف محل نزاعٍ، وليس بواضحٍ، بل قال الله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]، ولم يقل أحدٌ أنَّ هذا شرطٌ للوضوء أن يقوم إلى الصلاة، وأوجب الله جلَّ وعلا الصلاة إذا دخل وقتُها، قبل دخول الوقت لا يجب، هكذا التيمم، والصواب أنه كالماء، وأنه طهور، وأنه متى تيمم ولو قبل دخول الوقت فهو قد أدَّى الواجب، فإن وجد ماءً قبل أن يُصلي بطل التيمم، وإلا صلَّى كالماء سواء، وهكذا إذا وجد بعضَ ما يحصل به المقصود فعله واتَّقى الله بذلك، فإذا وجد ماءً لا يحتاجه للشرب ويكفي وجهه ويديه ومسح رأسه فعل، ثم تيمم لرجليه.
وفي الجنابة كذلك أنه يبدأ بشيءٍ يحصل به الوضوء، توضأ، ثم تيمم؛ لقوله جلَّ وعلا: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ولهذا الحديث: إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتُم.
بَابُ تَعَيُّنِ التُّرَابِ لِلتَّيَمُّمِ دُون بَقِيَّةِ الْجَامِدَاتِ
361- عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ لِي التُّرَابُ طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
362- وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الشيخ: اختلف الناسُ في هذا، وظاهر حديث عليٍّ وحديث حذيفة يدل على أنه يتعين التراب دون بقية الجامدات: من جصٍّ، ونورةٍ، ورملٍ، وغير ذلك؛ لأنَّ التربة إذا أُطلقت فهي التربة المعروفة، أرض الحراثة، وقال آخرون: المراد بالتربة وجه الأرض، كما في الآية الكريمة: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا [المائدة:6]، فالتراب طهور، والتربة يعني الصعيد، يعني وجه الأرض، والصواب أنه إذا تيسر الترابُ فيُؤخذ بظاهر الحديث، فيتيمم بالتراب؛ لقوله: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ، وإنما يعلق التراب، بخلاف الرمال والحصباء والجبل وأشباه ذلك، فإذا تيسر ما يعلق باليد فهو المقدم؛ جمعًا بين النصوص، وخروجًا من الخلاف، فإذا لم يتيسر ذلك تيمم من حيث وجد: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
وكان النبيُّ ﷺ والصحابة لا يحملون الترابَ معهم، وقد سافروا إلى تبوك، وفي طريقهم رمال كثيرة، ولم يُنقل أنهم حملوا معهم التراب، فالإنسان حسبما يسَّر الله له يُصلي حيث شاء، فإن وجد ماءً توضأ، وإن وجد تُرابًا تيمم، وإن وجد غير التراب تيمم من الرمال والسبخات وأرض الجص والأراضي الأخرى، إذا صادف هذه في سفره تيمم منها عملًا بقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، أما إن وجد التراب مثلما قال: وجُعل الترابُ لي طهورًا، وتربتها لنا طهورًا.
بَابُ صِفَةِ التَّيَمُّمِ
363- عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي التَّيَمُّمِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ بِالتَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
364- وَعَنْ عَمَّارٍ قَالَ: أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِب الْمَاءَ، فَتَمَعَّكْتُ فِي الصَّعِيدِ وَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: إنَّمَا كان يَكْفِيكَ هَكَذَا وَضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ: إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِكَفَّيْكَ فِي التُّرَابِ، ثُمَّ تَنْفُخُ فِيهِمَا، ثُمَّ تَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ إلَى الرُّصْغَيْنِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وفيه دليل على أنَّ الترتيب في تيمم الجنب لا يجب.
الشيخ: هذا دليل ظاهر على أن التيمم ضربة واحدة كما جاء من ...... عمار، ومن روايته، فالنبي ﷺ قال: إنما يكفيك أن تضرب هكذا وضرب بيديه الأرضَ ضربةً واحدةً، ثم مسح بهما وجهه وكفَّيه، وفي اللفظ الآخر: "ثم نفخ فيهما"، فهذا يدل على أن الواجب ضربة واحدة، ولا حاجة إلى ضربتين، يمسح ببعضها وجهه، والبعض الثاني كفَّيه، سواء كانت جنابةً، أو حدثًا أصغر، أو حيضًا، أو نفاسًا، جميع الأحداث يكفيها ضربة واحدة، يمسح بهما وجهه وكفَّيه.
والمقصود الخضوع لأمر الله، والامتثال لشرعه، ولهذا جعل الله الوجه والكفين يكفيان في التيمم، بخلاف الماء، فالماء فيه نظافة، فشرع الله له الأعضاء الأربعة: الوجه، واليدين، والرأس، والرِّجْلَين، أما التراب فهو خضوع لله، وانكسار لأمره، فاختصر فيه بالوجه والكفَّين، ولم يشرع مسح الرأس بالتراب، ولا مسح الرجلين؛ تخفيفًا من الله، وتيسيرًا منه ، إذ المقصود الخضوع لشرعه، والامتثال لأمره، وما جاء في بعض الروايات من المسح إلى المرفقين، أو إلى الآباط، فهذا وقع من اجتهاد بعض الصحابة قبل أن يعلموا الحكم، فلما علَّمهم النبيُّ ﷺ استقرَّ الشرع على أن المسح يكون للرسغ إلى الكفَّين .....، والصواب أنه إلى الرسغ -مفصل الكفِّ من الذراع- وأنه يمسح كما قال الله: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43].
وأما قول المؤلف أنه دليلٌ على أن الجنابة لا يُشترط لها الترتيب، فالحديث واحدٌ يعمُّ الجنابة وغير الجنابة، الله قال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ، فالمشروع أن يبدأ بالوجه ثم اليدين كما قال الله ، وكما في الوضوء، سواء كان يتيمم عن جنابةٍ، أو عن حدثٍ أصغر، فيمسح كما قال الله: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ، والأصل أن الجنابة ليس فيها ترتيب، هذا هو الأصل، فلو بدأ بغسل رجليه قبل رأسه أجزأ، ولو عمَّ نصفه الأسفل ثم نصفه الأعلى فلا بأس، لكن الأفضل أن يغتسل كما اغتسل النبيُّ ﷺ: توضأ، ثم أفاض الماء على رأسه، ثم غسل شقَّه الأيمن، ثم الأيسر، ثم رجليه، هذا هو الأفضل، ولكن لو بدأ بخلاف ذلك، أو اغتسل على خلاف ذلك أجزأ، المقصود أن يعمَّ الماء بدنه، أما الوضوء فرتَّبه النبيُّ ﷺ بفعله على ..... ما رتَّبه الله في الآية الكريمة، فالوضوء مُرتب، والجنابة الأفضل أن تُرتب، وكيفما اغتسل أجزأ؛ لقوله جلَّ وعلا: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6].
س: يجب الترتيب في التيمم؟
ج: هذا هو الأصل في الوضوء خاصةً، لكن ينبغي له أن يفعل كما فعل في الوضوء؛ لأنه جعل التيمم واحدًا، الرسول جعله واحدًا في هذا، والمؤمن ينبغي له أن يفعل كما أمره الله، أما إذا راعى الأصلَ في الغسل ولم يُرتب فالظاهر أنه يُجزئه ذلك في غسل الجنابة، ولكن يكون خالف الأولى، والذي ينبغي له في التيمم أن يفعل كما جاء في الآية: بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43]، وكما في حديث عمار، سواء كان عن جنابةٍ، أو عن .....؛ لأنَّ الله خفَّف ويسَّر وجعلهما واحدًا في هذا.
س: النَّفخ يعني .....؟
ج: إذا علق تراب كثير ينفخ هكذا حتى لا يقصد التراب على وجهه.
س: الأصل وجوب الترتيب في التَّيمم؟
ج: هذا هو الأصل، كالأصل في الوضوء، لكن مَن راعى عدم الترتيب في الجنابة راعاه في الماء، يعني: كما أنه لا يجب فالتيمم بدل منه، من باب مُراعاة الأصل.
س: يُشرع النَّفخ في اليدين؟
ج: نعم، إذا كان الترابُ كثيرًا يُشرع، وإن كان خفيفًا ما يحتاج.
بَابُ مَنْ تَيَمَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ
365- عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ، فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، وَلَمْ يُعِدِ الْآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: أَصَبْتَ السُّنَّةَ، وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ، وَقَالَ لِلَّذِي تَوَضَّأَ وَأَعَادَ: لَكَ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفْظُهُ، وَقَدْ رَوَيَاهُ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَن النَّبِيِّ ﷺ مُرْسَلًا.
الشيخ: وهذا دليلٌ واضحٌ أن الإنسان إذا فعل ما أمره الله به ثم وجد الماء فصلاته صحيحة؛ لأنه اتَّقى الله وأدَّى ما عليه؛ لأنه دخل الوقت وليس عنده ماء وصلَّى، ثم ارتحل، وبعد ارتحاله بمسافةٍ وجد ماءً غديرًا، أو نزل مطر، فلا يُعيد الصلاة؛ لأنه صلَّى كما أمره الله، وحديث أبي سعيدٍ هذا واضح في ذلك؛ ولهذا قال النبيُّ ﷺ للذي لم يُعِد: أصبتَ السنة، والمقصود إصابة السنة، وأجزأتك صلاتُك، وقال للآخر: لك الأجر مرتين يعني: اجتهد، لم يتَّضح له الحكم فاجتهد، فيُعطى أجره مرتين على صلاته الأولى وعلى صلاته الثانية.
س: المقصود أصبتَ السنة ..؟
ج: المقصود إصابة السنة، أصبتَ الحكم الشرعي.
بَابُ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ بوجود الْمَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا
366- عَنْ أَبِي ذَرٍّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّ الصَّعِيدَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِد الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
الشيخ: وهذا مثل حديث أبي هريرة في "صحيح مسلم": وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإن وجد الماء فليتَّقِ الله وليُمسَّه بشرته، الماء هو الأصل، فإذا وجد الماء بطل التيمم، ووجب عليه استعمال الماء في الجنابة وفي الوضوء، ما دام لم يفعل الواجب فإنه يستعمل الماء، فيُصلي سواء كان جنبًا أو على حدثٍ أصغر، وإذا تيمم ثم وجد الماء وهو جنب اغتسل لذلك؛ لقوله: فليتَّقِ الله وليُمسَّه بشرته، فإنَّ ذلك خير، وقد بطل حكم التيمم ووجب الغُسل؛ لأنه رفع مُؤقَّت إذا وجد الماء، فلما وجد الماء أمر باستعماله، ولهذا يُؤمر بالوضوء ولو كان على وضوءٍ، إذا تيمم ثم وجد الماء لم يُجزئه التيمم فيتوضَّأ، فهكذا إذا تيمم ثم وجد الماء وهو جنب أو حائض أو نُفساء اغتسل.
س: وتبطل الصلاة؟
ج: ظاهر العموم، الله قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6]، هذه مسألة خلافٍ: من أهل العلم من قال: إنه دخل فيها بمسوغٍ شرعيٍّ فليُكملها. ومنهم مَن قال: لم يُكملها وقد وجد الأصل، وقد بطل التيمم لعموم قوله: فإذا وجد الماءَ فليتَّقِ الله، فإنَّ هذا يعمُّ حاله في الصلاة وما بعدها وما قبلها، وهذا هو الأحوط والأظهر عملًا بظاهر السنة مع الأصل المعروف، وهو أن الماء هو الأساس، وأن التيمم يجوز عند عدمه، وهذا لم يُنْهِ الواجب، فأشبه مَن تيمم ثم وجد الماء قبل أن يُحرم.
س: وإذا كان عنده ماء للشرب هل يتوضَّأ منه؟
ج: إذا كان في ...... حدّه الشرب يخشى على نفسه فلا يحتاج إلى وضوءٍ، يتيمم ويكفي؛ لأنَّ الحياة مُقدَّمة.
س: وإذا حضر الصلاة بعد الصلاة؟
ج: بعد الصلاة ما عليه شيء، انتهى.
بَابُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ مَاءٍ وَلَا تُرَابٍ عِنْدَ الضَّرُورَةِ
367- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رِجَالًا فِي طَلَبِهَا فَوَجَدُوهَا، فَأَدْرَكَتْهُم الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
الشيخ: وهذا واضح؛ لأن الإنسان إذا حضره وقت الصلاة وليس عنده ماء ولا يمكن التيمم فإنه يُصلي على حاله ولا شيء عليه؛ لأن الرسول ﷺ لما بعث الجماعةَ في التماس عقد عائشة حضرت الصلاةُ وليس عندهم ماء، والتيمم لم يُشرع ذاك الوقت، فصلَّوا بغير وضوءٍ للعجز، والله سبحانه يقول: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وهكذا بعد شرعية التيمم، فمَن لم يجد ما يتيمم به، وليس عنده ماء: كالمصلوب في الخشبة أو في غيرها لا يستطيع أن يتيمم، يُصلي على حسب حاله، يُصلي وهو على خشبته، أو على ساريته، أو بأي مكانٍ، وهو معذور، وهكذا لو كان مريضًا لا يستطيع الحركة، وليس عنده مَن يُممه يُصلي على حسب حاله بلا ماء ولا تيمم: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، أما إن استطاع فإنه يتيمم بما عنده من الأرض التي عنده، سواء كانت ترابًا أو جصًّا أو سبخةً أو غير ذلك؛ لعموم: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43].
س: تيمم في غير الوقت، كأن جمع في أول الوقت، ثم وجد الماء في وقت الصلاة الأخرى؟
ج: ولو؛ لأنَّ الوقتين صار وقتًا واحدًا للمُسافر والمريض.
س: يلزمه ضرب الجدار ومسح الفرش؟
ج: يلتمس الصعيد، إذا كان يستطيع الصعيد يلتمس الصعيد: خارج الفرش، الحوش، السطح، في أي مكان، فإذا لم يستطع ذلك -كالذي لا يستطيع أن يتحرك- يضرب ما عنده من فراش، أو بساط، أو جدار، الذي هو أقرب إلى وجود بعض الغبار يكون أولى من غيره.
س: إذا كانت الأرض بعد مطرٍ ما فيها غبار؟
ج: يلتمس ماءً إن كان فيها ماء، وإلا يُزيل وجه الرطوبة ويتيمم من تحته، وإن لم يتيسر له تيمم منها ولو علق على يديه بعض الشيء.
س: المسح على الجبيرة أولى أو ..؟
ج: لا، المسح واجب، ما هو أولى، واجب المسح.
س: تكون الجبيرةُ كبيرةً على الجرح؟
ج: يُزيل الزائد إذا كان ما هو محتاجًا له، فلا بأس.
س: بالنسبة إذا صارت الجبيرة صغيرةً ..؟
ج: يمسح عليها.
س: يمسح عليها إن كانت صغيرةً؟
ج: نعم، لا يضرُّه.
أَبْوَابُ الْحَيْضِ
بَابُ بِنَاءِ الْمُعْتَادَةِ إذَا اسْتُحِيضَتْ عَلَى عَادَتِهَا
368- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْجَمَاعَةِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ: فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي، زَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ وَقَالَ: تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ.
وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيِّ: وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي.
وفيه تنبيه على أنها إنما تبني على عادةٍ متكررةٍ.
369- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَكَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الدَّمَ، فَقَالَ لَهَا: امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُمَا قَالَ: فَلْتَنْتَظِرْ قَدْرَ قُرُوئِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحيضُ، فَلْتَتْرُك الصَّلَاةَ، ثُمَّ لِتَنْظُرْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي.
370- وَعَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها: أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ، فَقَالَ: تَجْلِس أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِل وَتُؤَخِّر الظُّهْرَ، وَتُعَجِّل الْعَصْرَ، وَتَغْتَسِل وَتُصَلِّي، وَتُؤَخِّر الْمَغْرِبَ، وَتُعَجِّل الْعِشَاءَ، وَتَغْتَسِل وَتُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَتَغْتَسِل لِلْفَجْرِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
371- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي امْرَأَةٍ تُهْرَاقُ الدَّمَ، فَقَالَ: لِتَنْظُرْ قَدْرَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضهُنَّ، وَقَدْرَهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ، فَتَدعُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لتَغْتَسِلْ وَلْتَسْتَثْفِرْ، ثُمَّ تُصَلِّي رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.
وهذا الذي ذكره المؤلف هنا من هذه الروايات في قصة فاطمة بنت أبي حبيش، وحمنة بنت جحش، وأم حبيبة بنت جحش، وزينب بنت جحش، كل ذلك يدل على أنَّ المستحاضة المعتادة ترجع إلى عادتها، ويدل هذا على أن بنات جحش كلهن مُستحاضات: زينب، وحمنة، وأم حبيبة رضي الله عنهن جميعًا، ودلَّت الأحاديث عنهن أنَّ المستحاضة إذا كانت لها عادة ترجع إلى عادتها، فتحيض قدر الأيام التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل ولو كان معها الدم، ولو كان الدم بحاله: أسود أو أحمر أو أصفر، على أي حالٍ كان لا تلتفت إليه، فإذا كانت عادتها سبعًا جلست سبعًا لا تُصلي ولا تصوم، ثم اغتسلت، ثم تُصلي الصَّلوات مدة الطهارة: ثلاثًا وعشرين، وأربعًا وعشرين، على حسب حالها، وتتوضأ لكل صلاةٍ؛ لأن حدثها دائم، فعليها الوضوء لكل صلاةٍ كما جاء في عدة روايات من حديث أم حبيبة، ومن حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وفي رواية البخاري أيضًا: وتوضَّئ لكل صلاةٍ، وفي قصة أم حبيبة: حتى يجيء ذاك الوقت، وحديث فاطمة بنت أبي حبيش.
فالحاصل أنَّ هذا هو الواجب عليها؛ أن تغتسل عند مضي الأيام، ثم تُصلي في أوقات الطهر وإن كان الدم معها، ولكن توضأ لكل صلاةٍ، يعني: في وقت كل صلاةٍ، وإن جمعت فلا بأس جمعًا صوريًّا، هذا هو الأفضل، كما قال في حديث حمنة، كما يأتي، وهو ..... الأمر إليه، فتُؤخر الأولى إلى آخر وقتها، وتُقدّم الثانية إلى أول وقتها، فيكون جمعًا صوريًّا بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء؛ حتى يكون الغسلُ لهما أكمل للنظافة؛ لأنَّ الغسل لكل واحدةٍ فيه شيء من المشقة، فإذا جمعت بينهما كفاها غسل واحد، وصارت كل واحدةٍ في وقتها.
وفيه من الفوائد: أن المرأة قد تُبتلى بهذا الأمر، وقد تطول المدة كما في قصة أم حبيبة بنت جحش: أنها مكثت سبع سنين، فلا يضرّها ذلك ولو طالت المدة، كما أنَّ الإنسان قد يُبتلى بالبول يخرج من ذكره، ويطول -وهو صاحب السلس- فلا يضرّه ذلك، يتوضأ لوقت كل صلاةٍ ويُصلي على حسب حاله.
والسنة للمُستحاضة أن تتحفظ كما قال النبيُّ ﷺ لحمنة: تلجَّمي، المقصود أنها تُلاحظ الأشياء التي تُخفف عنها آثار هذا الدم بأشياء من القطن ونحوه مما ينفع في هذا الباب، تستعمله في ذلك حتى يكون ذلك أقلّ لتلوث ثيابها وبدنها بالدم.
والاستحاضة كما قال العلماء: دم يخرج من عرقٍ في أدنى الرحم يُقال له: العازل، مرض، ولهذا قال: إن ذلك عرق وليس بحيضٍ هو دم عرق، مرض، وليس بحيضٍ، ولهذا يستمر معها، ويصعب علاجه، بخلاف الحيض فإنه دم جبلةٍ –طبيعة- جبل الله عليه بنات آدم، ويخرج من قعر الرحم، تُرخيه الرحم في أوقات معينة من كل شهرٍ بإذن الله ؛ لحكمةٍ بالغةٍ، ويكون في حال الحمل غذاء للولد، وهكذا في وقت الرضاع في الغالب يجعله الله لبنًا، ويقف الحيض –الدم- وإذا شاء سبحانه جمع هذا وهذا: تحيض وتُرضع.
فالحاصل أنَّ الحيض غير الاستحاضة، فالحيض شيء معتاد له أحكام: لا تُصلي معه، ولا تصوم، ولا يطأها زوجها، وله مدة معلومة؛ شهرية في الغالب، ولهذا يُسمونها: الدورة الشهرية؛ لأنها في الغالب تأتيها كل شهر، وبعض النساء قد لا يأتيها الحيض بالكلية، بعضها قد يتأخّر عنها الحيض؛ في الشهرين أو الثلاثة مرة، كل هذا قد علمناه من حال النساء، فمن النساء مَن لا تحيض أبدًا، ومع ذلك تحمل وتلد، لكن الغالب أنهن يحضن مثلما قال النبيُّ ﷺ: إنَّ هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، كما قال لعائشة لما حاضت في حجّة الوداع.
والمشروع للمرأة في هذه الحالة مثلما قال النبيُّ ﷺ: أنها تقف عن الصلاة والصوم، ويقف عنها الزوج في أيام العادة المعروفة: ستة أو سبعة أو أقل أو أكثر، فإذا مرت الأيامُ المعتادة اغتسلت وصلَّت وصامت وأُبيحت لزوجها.
وقد كانت فاطمة بنت أبي حبيش عند عبدالرحمن بن عوف، وكانت حمنة عند طلحة بن عبيدالله، ولم ينههم النبيُّ ﷺ عن قربان أزواجهن في حال الاستحاضة.
بَابُ الْعَمَلِ بِالتَّمْيِيزِ
372- عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ رضي الله عنها: أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: إذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرِفُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَن الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي، فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
الشيخ: وهذا واضح في أنها إذا كانت مميزةً ليست معتادةً فإنها تعمل بالتَّمييز، ولهذا قال النبيُّ ﷺ: الحيض دم أسود يُعرِف، ورُوي: يُعرَف، ضُبط بهذا وهذا: "يُعرَف" من المعرفة، و"يُعرِف" من الرائحة، يعني: تكون له رائحة كريهة، وكلا المعنيين صحيح، فإنَّ الغالب أن تكون له رائحة، وهو أيضًا معروف عند النساء، فينبغي لها أن تُلاحظ هذا، فإذا جاء دمُ الحيض المعروف الذي تعرفه النساء جلست ولم تُصل ولم تصم، فإذا مضى ذلك فإنها تغتسل وتُصلي، والغالب أنه يكون ستًّا أو سبعًا، كما جاء في حديث حمنة: تحيَّضي في علم الله ستًّا أو سبعًا كما يحيض النساء، وقد تكون الحيضةُ أقل: ثلاثًا، وقد تكون أربعًا، قد تكون خمسًا، قد يكون أكثر من ذلك، فالمهم أنها تعمل بالتَّمييز التي ليس لها عادة، فإن اشتبه عليها والتبس الأمر ولم ينضبط التَّمييز فإنها كما يأتي تعمل بالأغلب، وهو سبعة أيام، أو ستة أيام، ثم تغتسل وتُصلي ما دامت مُستحاضة، وأما المعتادة فتقدم أنها ترجع إلى عادتها.
س: إذا انتهت عادتها ثم بعد فترةٍ –يعني: تمضي عشرة أيام أو خمسة عشر يومًا- عاودها الدَّم؟
ج: يأتي إن شاء الله، يأتي.
بَابُ مَنْ تَحِيضُ سِتًّا أَوْ سَبْعًا لِفَقْدِ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ
373- عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَبيرَةً، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَتْ: فقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَبيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَرَى فِيهَا؟ قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، فَقَالَ: أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ؛ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَاتَّخِذِي ثَوْبًا، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَتَلَجَّمِيْ، قَالَتْ: إنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا، قَالَ: سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ، أَيّهُمَا فَعَلْتِ فَقَدْ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الْآخَرِ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ، فَقَالَ لَهَا: إنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، حَتَّى إذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَيْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ ثُمَّ تُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِي الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِي الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ وَتُصَلِّينَ، فَكَذَلِكَ فَافْعَلِي، وَصَلِّي وَصُومِي إنْ قَدَرْتِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: وَهَذَا أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إلَيَّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَاهُ.
فيه أن الغسل لكل صلاةٍ لا يجب، بل يجزيها الغسل لحيضها الذي تجلسه، وأن الجمع للمرض جائز، وأن جمع الفريضتين لها بطهارةٍ واحدةٍ جائز، وأن تعيين العدد من الستة والسبعة باجتهادها لا بتشهيها؛ لقوله ﷺ: حتى إذا رأيتِ أن قد طهرتِ واستنقيتِ.
الشيخ: وهذا كما تقدَّم أنها تجتهد، وتقدم في حديث أسماء أيضًا كذلك، إن تيسر لها أن تتحفظ وتتّخذ قطنًا وكرسفًا أو غيره حتى لا يخرج شيء فعلت، وإن غلبها فلا حرج عليها، تُصلي ولو قطر، ولو مشى، تُصلي على حسب حالها، إذا مضى وقتُ الحيض تُصلي على حسب حالها ولو مشى الدم، حتى يمرَّ عليها ثلاث وعشرون أو أربع وعشرون، على حسب حيضها ستًّا أو سبعًا.
وهي مخيرة: إن شاءت صلَّت كل صلاةٍ في وقتها، وليس عليها غسلٌ حتى تنتهي يوم الحيض وتغتسل، وإن شاءت جمعت بين الفريضتين: الظهر والعصر جميعًا بغسلٍ، والمغرب والعشاء جميعًا بغسلٍ، تُؤخّر الظهر إلى آخر وقتها، وتُقدّم العصر؛ حتى يكون الغسلُ واحدًا لهما، وهذه في وقتها، وهذه في وقتها، وهذا الجمع يُسمَّى: الجمع الصوري.
وليس في روايات المستحاضات الجمع الحقيقي الذي هو تقديم الثانية مع الأولى، أو تأخير الأولى مع الثانية، ما رأيت هذا في شيء من روايات المستحاضات، وإنما فيه الجمع الصوري، أما الجمع الحقيقي الذي هو أن تُقدم الثانية مع الأولى، أو تُؤخّر الأولى مع الثانية في وقت إحداهما؛ هذا إنما جاء في جمع السفر، والمرض أشد.
وفي حديث حمنة: أن المرأة قد تُبتلى بشيءٍ كثيرٍ من الدم، وهذا من آيات الله ، وأنها قد تُصاب بركضةٍ من الشيطان، وأن الشيطان قد يكون له في هذا تسبب، فإن الشياطين قد يكون لهم تسبب في إيذاء المسلم وما يقع له من آفات، كما يُصاب بالجنون، يُصاب بغير ذلك، قد يقع للشياطين آثار في إيذاء المسلم، فيُعالج بما شرع الله به العلاج، كما يُعالج المجنون، وقد ينفع العلاج، وقد لا ينفع العلاج، وقد يتأخّر العلاج، لله في هذا الحكمة .
بَابُ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ بَعْدَ الْعَادَةِ
374- عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْبُخَارِيُّ ولم يَذْكُرْ: "بَعْدَ الطُّهْرِ".
375- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تَرَى مَا يَرِيبُهَا بَعْدَ الطُّهْرِ: إنَّمَا هُوَ عِرْقٌ، أَوْ قَالَ: عُرُوقٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: وهذا يدل على المرأة إذا طهرت من عادتها ثم جاءت الصُّفرة والكُدرة لا تلتفت إليها، تُصلي وتصوم، تعتبر هذا كالبول، تتوضأ لوقت كل صلاةٍ، ولهذا روى البخاريُّ وأبو داود عن أمِّ عطية -نسيبة الأنصارية رضي الله عنها، وهي من الصَّحابيات المشهورات- قالت: "كنا لا نعدّ الكُدرة والصُّفرة بعد الطهر شيئًا"، هكذا رواه أبو داود بهذه الزيادة، ورواه البخاري بلفظ: "لا نعدّ الكُدرة والصُّفرة شيئًا"، والمراد ما رواه أبو داود بهذا القيد: "بعد الطهر"، أما بحال الحيض فهي تعدّ، ما دامت معها صفرة أو كُدرة في حال الحيض فإنها لا تُصلي ولا تصوم حتى تستنقي، كما قالت عائشةُ للنساء: "لا تعجلن"، وإنما تطرح الصفرة والكُدرة بعد الطهر، فإذا رأت صفرةً بعد الطهارة -بعد الغسل من حيضها- فإنها لا تعتبر ذلك شيئًا، بل تصوم وتُصلي وتحلّ لزوجها، وعليها أن توضأ لوقت كل صلاةٍ ما دامت الصُّفرة معها والكُدرة.
أما إن جاءها دمٌ صريحٌ فإنها تجلس؛ لأنَّ أم عطية قالت: "كنا لا نعدّ الصفرة والكُدرة"، فمفهومه أنه إذا جاء دمٌ صريحٌ فإنهم يعدّونها حيضةً، ولم تذكر شرطًا.
فقول بعض الفقهاء: أنه لا بدّ أن يكون بينهما ثلاثة عشر يومًا، أو خمسة عشر يومًا، أو أقل، أو أكثر، ليس عليه دليل، بل متى رأت الدمَ جلست، فإن العادة تزيد وتنقص، إلا أن ..... خمسة عشر يومًا فأكثر، فهذا يكون استحاضةً كما قاله جمهورُ أهل العلم؛ لأنه لا بدّ من حدٍّ لهذا، وأحسن ما قيل: خمسة عشر يومًا، كما قال الجمهور؛ لأنَّ الغالب ..... حيض النساء لا يتجاوز ذلك، فإذا جاوز خمسة عشر يومًا فأكثر فإنه استحاضة، ترجع إلى عادتها، وتصوم، وتُصلي، وما سوى ذلك، وتتوضأ لوقت كل صلاةٍ، أما ما دام أنها في أقل من ذلك: كأن تكون عادتها ستًّا، أو تراها سبعًا، أو ثمانيًا، تجلس لا تُصلي ولا تصوم، وهكذا لو طهرت في خمسٍ، ثم بعده بخمسة أيام أو ستة أصابها دمٌ صحيحٌ، ليس صفرةً ولا كُدرةً، فإنها لا تُصلي ولا تصوم في هذه الحال؛ لأنه حيض تابع لما قبله، والله أعلم.
س: كيف تختار ..... الستة والسبعة ..... العادة؟
ج: وهو حسبما يظهر لها من حال الدم، ومن حال نسائها: كأخواتها، وخالاتها، فإنه يعني يُستأنس بذلك.
س: ما ظهر لها شيء المرأة؟
ج: نعم؟
س: أقول: هذه ما يظهر لها شيء، فاقدة للعادة والتمييز، ما ظهر لها شيء، كل الدم شيء واحد مطبق؟
ج: ستة أيام، أو سبعة أيام، لها [أن] تتحرى حسب اجتهادها، فإذا تحيَّنت ستًّا فلا بأس، أو سبعًا فلا بأس، وإذا احتاطت فجعلتها سبعًا عند الاشتباه فلا بأس.
س: تكون من أول الشهر الهلالي؟
ج: نعم؟
س: تكون من أول الشهر؟
ج: من أول ما جاءها الحيض، من أول الشهر، أو من آخر الشهر على حسب مجيئها الأول .....
س: إذا لم تعرف يعني شيئًا، ما علمت هذه، ما تعرف شيئًا ..؟
ج: مثلما قال بعضُهم: أول الشهر، حتى ينضبط، حتى تنضبط ..... على نفسها ممكن، وإن تحرَّت صار لها طريق للتَّحري فلا مانع، وإلا فلا مانع منه حتى ..... كل شهر هلالي، كما قال جماعةٌ من أهل العلم، حتى ينضبط.
س: إذا كانت المرأةُ عادةً تحيض سبعًا ..... ثم خالفت فحاضت في شهرٍ ..؟
ج: لا، تجلس لا تُصلي ولا تصوم، تجلس لأجل الزيادة لا تُصلي ولا تصوم؛ لأنَّ .....، وهكذا لو كانت عادتها سبعًا ثم رأت الطَّهارة بعد خمسٍ تغتسل.
س: باسم الجمع، جمع المُستحاضة ..؟
ج: هذا مثل جمع الليل، جاء في حديث ابن عباس: أنه جمع في المدينة من غير خوفٍ ولا مطرٍ، وهو الجمع الصوري، يُسمونه: الصوري، كما جاء ..... في النَّسائي: أخّر الظهر وعجّل العصر، وأخّر المغرب وعجّل العشاء.