بَابُ الِاشْتِرَاطِ فِي الْإِحْرَامِ
1835 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ، وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أُهِلُّ؟ فَقَالَ: أَهِلِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، قَالَ: فَأَدْرَكَتْ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ، قَالَ: فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ.
1836 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا: لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا: حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1837 - وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عبدالْمُطَّلِبِ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَحْرِمِي وَقُولِي: إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي، فَإِنْ حُبِسْتِ أَوْ مَرِضْتِ فَقَدْ حَلَلْتِ مِنْ ذَلِكَ بِشَرْطِكِ عَلَى رَبِّكِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: هذه الروايات الثلاث في قصة ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب الهاشمي تدل على أن الإنسان إذا أراد الحج ويخشى أن يعرض له عارض لكبر سنه أو مرضه أو أسباب أخرى فإن السنة أن يشترط حتى لا يقع في الحرج، ولهذا قال لضباعة لما قالت إنها شاكية وإنها وجعة، قال لها: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما استثنيتِ فهذا يدل على أن المريض وكبير السن وغيرهم كأصحاب السيارات وأشباه ذلك، فإن الحوادث كثيرة الآن في السيارات، فإذا اشترط ثم حدث له حادث وليس عليه دم وليس عليه شيء إذا شق عليه بسبب المرض، أو استثنت المرأة لخوف الحيض وأصابها فقالت: محلي حيث حبستني، وأصابها الحيض فلها أن تحل إذا كانت تخشى ذلك، والمريض كذلك، وهكذا من خشي أن تضيع نفقته أو يحدث له حادث في السيارات فيقول: إن محلي حيث حبستني، لكن في الحج وقته واسع، فالحائض بإمكانها أن تتأخر حتى تطوف ولكن متى استثنت فلها الخروج من إحرامها إذا كانت قصدت بذلك خشية وقوع الحيض عليها أو مرض يصيبها أو حدث من حوادث السيارات، والحاصل قوله ﷺ: فإنك لك على ربك ما استثنيتِ إذا خافت مرضًا أو غيره فهذا عام، وكانت ضباعة تحت المقداد بن الأسود الكندي وفي هذا دلالة على أنه لا بأس أن تزوج الهاشمية من غير الهاشمي، لا بأس أن تزوج الهاشمية من قحطاني أو مولى كما تزوجت فاطمة بنت قيس بأسامة بن زيد وهو مولى عتيق، وهذه ضباعة تزوجت المقداد بن الأسود وهو كندي وهي من بني هاشم، لبيان أنه لا حرج على بني هاشم وبنات هاشم أن يتزوجن من غيرهن من القبائل، وفيه الرد على هؤلاء الذين يتحرجون من ذلك من بني هاشم ويزعمون أنهم ليس لهم الزواج إلا من جنسهم، هذا غلط كبير يظلمون النساء بهذا الظلم، الواجب تزويجهن من بني هاشم ومن غير بني هاشم إذا جاء الكفء الحمد لله، يقول ﷺ: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، ابنة النبي ﷺ رقية وأم كلثوم زوجهما النبي عثمان وعثمان من بني أمية ليس من بني هاشم، وهكذا مصعب بن الزبير نكح السكينة بنت الحسين وهو ليس من بني هاشم، ووقائع كثيرة في هذا، وأبو العاص بن الربيع تزوج زينب بنت النبي ﷺ وهو من بني أمية، والوقائع في هذا لا تحصر، فالحاصل أن بنات بني هاشم وبني بني هاشم لا حرج أن يتزوجوا من غير قبيلتهم من القبائل الأخرى حتى من غير العرب، حتى من العجم، حتى من الموالي لا حرج إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
بَابُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ وَبَيَانِ أَفْضَلِهَا
1838 - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، قَالَتْ: وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ، وَأَهَلَّ مَعَهُ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1839 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: «وَنَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ، وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخْ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ».
1840 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: «أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنْهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ كَلِمَةً، قَالَ عَلِيٌّ: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَجَلْ، وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1841 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَهَلَّ النَّبِيُّ ﷺ بِعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ أَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ، فَلَمْ يَحِلَّ النَّبِيُّ ﷺ وَلَا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ نَهَى عَنْهَا مُعَاوِيَةُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
1842 - وَعَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: إنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي، وَلَبَّدْتُ رَأْسِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
1843 - وَعَنْ غُنَيْمِ بْنِ قِيسٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْمُتْعَةِ فِي الْحَجِّ، فَقَالَ: فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُوشِ، يَعْنِي بُيُوتَ مَكَّةَ، يَعْنِي مُعَاوِيَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1844 - وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ؛ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيُحِلَّ ثُمَّ لْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلِيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ السَّبْعِ، وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطَوَافً، ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافًا بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطَوَافً، ثُمَّ لَمْ يَحَلَّلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ». وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلُ حَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1845 - وَعَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَفْرَدَ الْحَجَّ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
1846 - وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَلِمُسْلِمٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا».
1847 - وَعَنْ بَكْرِ بْنِ عبداللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1848 - وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا قَالَ: «خَرَجْنَا نَصْرُخُ بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَقَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، وَلَكِنْ سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1849 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَقُلْ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ.
1850 - وَعَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: «شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا؛ فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ. وَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّﷺ بِقَوْلِ أَحَدٍ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
1851 - وَعَنْ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: «كُنْتُ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمْتُ فَأَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، قَالَ: فَسَمِعَنِي زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَنَا أُهِلُّ بِهِمَا، فَقَالَا: لِهَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أَهْلِهِ، فَكَأَنَّمَا حُمِلَ عَلَيَّ بِكَلِمَتَيْهِمَا جَبَلٌ، فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَلَامَهُمَا وَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.
1852 - وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَقَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1853 - وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ على رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . قَالَ: وَجَدْتُ فَاطِمَةَ قَدْ لَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَقَدْ نَضَحَتْ الْبَيْتَ بِنَضُوحٍ، فَقَالَتْ: مَا لَكَ؟ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَحَلُّوا، قَالَ: قُلْتُ لَهَا: إنِّي أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: كَيْفَ صَنَعْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ أَهْلَلْت بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِنِّي قَدْ سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْت، فَقَالَ لِي: انْحَرْ مِنْ الْبُدْنِ سَبْعًا وَسِتِّينَ أَوْ سِتًّا وَسِتِّينَ، وَانْسُكْ لِنَفْسِكَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَأَمْسِكْ لِي مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ مِنْهَا بَضْعَةً. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الشيخ: هذه الأحاديث العديدة كلها تتعلق بكيفية الإحرام بالحج والعمرة، ثبت عنه ﷺ كما في حديث عائشة وغيره أنه لما أتى الميقات في حجة الوداع سنة عشر من الهجرة، وهي الحجة التي حجها بعد الهجرة لم يحج سواها بعد الهجرة، خير أصحابه قال: من شاء أن يحرم بالحج فليفعل، ومن شاء أن يحرم بالعمرة فليفعل، ومن شاء أن يحرم بهما فليفعل، فأحرم ﷺ بالعمرة والحج كما في حديث ابن عمر وعمر وأنس وغيرهما «لبى بهما جميعًا، وقال: إنه أتاه مناد بهذا الوادي المبارك فقال: قل عمرة في حجة» أتاه مناد من ربه جل وعلا وقال: قل عمرة في حجة، هذا هو الصواب هذا هو المحفوظ أنه أحرم بهما جميعًا في حجة الوداع، وكان قد ساق الهدي عليه الصلاة والسلام من المدينة ثلاث وستين بدنة من المدينة وسبع وثلاثين أتى بها علي من اليمن، الجميع مائة، أما قول عائشة رضي الله عنها أنه لبى بالحج، وقول جابر أنه لبى بالحج، وقول آخرين أنه لبى بالحج، فهم لم يسمعوا العمرة فأخبروا عما سمعوا، سمعوا ذكر الحج ولم يسمعوا العمرة، وثبت أنه لبى بهما كما روت عائشة أيضًا رواية أخرى عنها أنه لبى بهما جميعًا، وكما ثبت ذلك من حديث أنس وابن عمر وعمر وغيرهم أنه لبى بهما جميعًا، والقاعدة أن من حفظ حجة على من لم يحفظ، من حفظ الزيادة حجة على من لم يحفظ، فالذين قالوا إنه أحرم بهما قولهما هو الأصوب لأنهم حفظوا ما لم يحفظ الآخرون، فالثابت أنه أحرم بهما جميعًا بالحج والعمرة جميعًا، وكان قد ساق الهدي فطاف وسعى وبقي على إحرامه ولم يحل، وقال للصحابة : من كان منكم ساق الهدي فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه فبقي معه من ساق الهدي كطلحة والزبير وجماعة ساقوا الهدي فبقوا على إحرامهم، وأمر البقية أن يجعلوها عمرة فطافوا وسعوا وقصروا وأحلوا كلهم، كما قال عمران بن حصين وجابر وسعد بن أبي وقاص وغيرهم أنهم حلوا لأمر النبي عليه الصلاة والسلام إلا من ساق الهدي، هذا هو المعتمد، فالذين ساقوا الهدي بقوا على إحرامهم، والذي أحرم بالحج وقد ساق الهدي أمره النبي ﷺ أن يبقى على إحرامه، والذي أحرم بالعمرة أن يدخل العمرة على الحج، الذي أحرم بالعمرة يدخل عليها الحج يكون قارنًا قال: من كان أهل بعمرة فليهل بحج مع عمرته إذا كان معه الهدي أما من لم يسق الهدي فقد أمرهم كلهم أن يجعلوها عمرة فتحللوا جميعًا وطافوا وقصروا وأحلوا، وهذا هو السنة، هذا هو الأفضل، كل من قدم مكة بعد رمضان يريد الحج فالسنة له أن يجعلها عمرة، فيطوف ويسعى ويقصر ويحل، ثم إن الصديق وعمر كانا بعد ذلك يستحبان لمن قدم في أشهر الحج أن يجعل إحرامه حجًا، ويجعل العمرة في أوقات أخرى حتى يكثر الحجاج والعمار؛ اختيارًا منهم واستحسانًا منهم واجتهادًا منهما أن الأفضل أن يلبي بالحج في أشهر الحج، وتابعهما عثمان وكان يأمر بالحج حتى تكون بقية السنة للعمرة، ويكون إحرامهم بالحج في أشهر الحج ويبقى كل على إحرامه، كان هذا من اجتهاد الصديق وعمر وعثمان اجتهادًا منهم، فخالفهم في هذا عمران بن حصين وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وغيرهم حتى قال ابن عباس لمن خالفه: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله، وتقولون قال أبو بكر وعمر) فالصواب ما درج عليه النبي ﷺ وما أمر به الصحابة، وهو أن من قدم في أشهر الحج يلبي بالعمرة وإن كان لبى بهما، أو بالحج مفرد فليفسخ ويجعلها عمرة مادام قدومه بعد رمضان للحج إلا من كان معه الهدي، هذا هو الصواب، وهذا هو السنة التي بينها الصحبة كعمران وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وغيرهم ممن أوضحوا هذا للناس، وكون الصديق وعمر وعثمان استحسنوا الإفراد بالحج استحسانهم لا يقدم على السنة، السنة مقدمة ولهذا قال علي لعثمان: لا أدع السنة وأحرم بهما جميعا علي بالعمرة والحج كما أحرم بهما النبي ﷺ في حجة الوداع، وقول عثمان: إنا كنا خائفين هذا في عمرة الحديبية كانوا خائفين في الحديبية، أما بعد ذلك فكانوا في غاية من الأمن، أما عمرة الحديبية فكانوا خائفين وأحصروا عنها في الحديبية، أما بعد ذلك فقد أحرم ﷺ بالحج والعمرة في حجة الوداع وطاف وسعى وبقي على إحرامه حتى حل يوم النحر لأنه ساق الهدي، فالذي قاله علي وعمران بن حصين وسعد بن أبي وقاص وغيرهم هم الصواب، ولهذا لما أتى الصبي بن معبد إلى عمر وقال له إن زياد بن حدير وسلمان بن ربيعة أنكرا عليه إحرامه بالحج والعمرة ذهب إلى عمر وأخبره بذلك، فقال عمر: هديت لسنة نبيك، ولامهما، فدل على أن عمر حين رأى الحج إنما رآه استحسانًا فقط في أيام الحج وإلا فقد صرح أنه هدي لسنة نبيه لما أحرم بهما جميعًا في قصة صبي بن معبد، ولهذا أحرم بهما علي وبين لعثمان أن الرسول ﷺ أمر الناس بذلك في حجة الوداع، وقول سعد: وهذا كافر بالعروش يعني معاوية، يعني قبل أن يسلم، يعني أدينا العمرة مع النبي ﷺ قبل أن يسلم معاوية، فمعاوية كان يأمر بالحج تبعًا لعثمان حيث رأى أن يحرم بالحج فقط ،كما استحسن ذلك الصديق وعمر وعثمان تابعهما ومعاوية تابعهما في ذلك، ولكن الذي درج عليه علي ومن معه من الصحابة كعمران وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وغيرهم هو أن الأفضل الإحرام بالعمرة في أشهر الحج، هذا هو الأفضل إلا من كان معه الهدي، من ساق الهدي فإنه يحرم بالعمرة والحج جميعًا، فالصواب ما فعله الرسول ﷺ ودرج عليه من وافقه من ذلك من علي وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وعمران بن حصين وغيرهم، فإنهم وضحوا للناس السنة التي درج عليها الرسول ﷺ وفعلها بنفسه ودعا إليه، وبين ذلك ابن عمر في روايته، وبينتها عائشة في روايتها الأخرى أيضًا، والخلاصة مثل ما تقدم أن السنة لمن قدم مكة في أشهر الحج أن يحرم بالعمرة، هذا هو الأفضل، ويطوف ويسعى ويقصر ويحل، هذا هو الذي بينه الرسول ﷺ للأمة ودرج عليه خواص الصحابة اتباعًا للسنة كعلي وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وعمران بن حصين وجماعة، ومن بقي على إحرامه لا حرج، لكن ترك السنة، الأفضل ألا يبقى، الأفضل لمن قدم في أشهر الحج ألا يبقى على إحرامه بل يطوف ويسعى ويقصر ويحل، هذا هو السنة إلا من معه الهدي، إلا من ساق الهدي من إبل أو بقر أو غنم، من ساق الهدي يبقى على إحرامه حتى يحل يوم النحر، هذه السنة الواضحة التي لا شبه فيها، ولقد أوضح النبي للأمة عليه الصلاة والسلام، وبينها أصحابه للأمة وأرضاهم جميعًا، وما فعله عمر والصديق وعثمان من تحبيذهم الإحرام بالحج إنما هو استحسان منهم ، سنة الرسول ﷺ أولى بالاتباع وأفضل، وذلك بالإهلال بالعمرة في أشهر الحج والتحلل منها والبقاء حلالا إلى يوم الثامن ثم يحرم بالحج، هذا هو السنة إلا من ساق الهدي، وفق الله الجميع.
بَابُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ
1854 - عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الْحَجَّ عَامَ حَجَّةِ الْحَرُورِيَّةِ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ فَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[الأحزاب:21] إذَنْ أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي، وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ، وَانْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1855 - وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفٍ عَرَكَتْ حَتَّى إذَا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ، فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ، وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ قَالَ: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حِينَ حَجَجْتُ، قَالَ: فَاذْهَبْ بِهَا يَا عبدالرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: هذان الحديثان فيما يتعلق بالجمع بين الحج والعمرة وفسخ الحج إلى العمرة، النبي ﷺ لما حج حجة الوداع ساق الهدي وأحرم بالحج والعمرة على الصحيح، بعض الصحابة خفي عليه وظن أن الرسول أحرم بالحج وحده، والثابت في الأحاديث الصحيحة كما تقدم أنه أحرم بهما جميعًا بالحج والعمرة جميعا، وكان معه الهدي قد ساق مائة من الإبل ثلاث وستين من المدينة وسبع وثلاثين قدم بها علي من اليمن، ولم يحل من إحرامه حتى نحر الهدي يوم النحر، وأمر الناس أن يحلوا إلا من كان معه الهدي، فحل الناس كما قال جابر: طافوا وسعوا وقصروا، حلوا، لبسوا المخيط وتطيبوا وأتوا النساء، ثم أحرموا بالحج يوم الثامن بأمر النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا هو السنة التي ينبغي للمؤمن فعلها، وابن عمر لما خرج في زمن ابن الزبير، ابن الزبير تولى الخلافة سنة أربع وستين ولم يزل عليها حتى قتل في عام ثلاث وسبعين قتله الحجاج عن أمر عبدالملك بن مروان، خرج عام الحرورية أربع وستين أو خمسة وستين وقد أحرم بالعمرة ثم لبى بالحج مع العمرة، وقال: ما أراهما إلا واحدًا، وهو كما قال، فالسنة لمن معه الهدي أن يحرم بهما جميعا ....، فالذي فعله ابن عمر هو ما فعله النبي ﷺ، فإنه ﷺ أحرم بالحج والعمرة جميعا لأنه ساق الهدي، وقال: إن أحصرت فعلت كما فعل النبي ﷺ، يعني إن أحصرت عن البيت فعلت كما فعل النبي ﷺ، يعني أهديت وقصرت وحللت، لأن الصحابة لما أحصروا يوم الحديبية مع النبي ﷺ نحر النبي هديه وحلق رأسه وتحلل وأمر الصحابة بذلك، وأنزل الله في هذا قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196] فنحر هديه وحلق وحلق الصحابة وحلوا يوم الحديبية، فابن عمر يقول: إن صددت فعلت مثل ما فعل النبي ﷺ، يعني إن صددت عن مكة بسبب الحرورية، أو بسبب الحجاج لما حاصر مكة فعلت ما فعل النبي ﷺ، يعني نحرت وقصرت وحللت كما فعل النبي ﷺ، وهذا هو المشروع، وفي حديث جابر أن النبي ﷺ لما قدم مكة أمر الصحابة أن يحلوا من كان معه الهدي، وهذا هو السنة، كل من قدم وليس معه هدي فإن السنة أن يطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن، كانت عائشة رضي الله عنها قد أحرمت بالعمرة مع أزواج النبي ﷺ، كلهم قد أحرموا بالعمرة وحلوا طافوا وسعوا وقصروا وحلوا ليس معهم هدي، ولما دنت من مكة بسرف رضي الله عنها حاضت، فلما دخل عليها النبي ﷺ سألها وهي تبكي قالت: إني حضت، فقال: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم يعني الحيض لك بهن أسوة لله فيه الحكمة جل وعلا، فأمرها أن تغتسل وأن تلبي بالحج مع العمرة كما أمر أسماء في الميقات لما كانت نفساء أن تغتسل وتحرم، فالحائض والنفساء تحرمان وإن كانتا في النفاس والحيض ولكن لا تطوفان حتى تطهرا، فقال لعائشة: اغتسلي وأحرمي بالحج يعني مع العمرة فأحرمت وصارت قارنة، ووقفت مع الحجاج قارنة، وطافت وسعت يوم العيد لحجها وعمرتها، ثم قالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي إني لم أطف بالبيت حين قدمت وقد طاف صواحباتي وحلوا من عمرتهن، فأمر عبدالرحمن أن يعمرها من التنعيم، فخرج بها عبدالرحمن ليلة الحصباء ليلة أربعة عشر فلبت من التنعيم بعمرة ودخلت وطافت وسعت وقصرت عمرة مستقلة، فدل ذلك على جواز العمرة من التنعيم، يعني من الحل، وأنه لا بأس بالخروج من مكة لمن أراد العمرة أن يحرم من التنعيم أو من الجعرانة أو من غيرهما من الحل ثم يدخل ويطوف ويسعى ويقصر، هذه عمرة لمن كان في مكة لا يحرم من مكة ولكن يخرج إلى الحل كما خرجت عائشة إلى الحل بأمر النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن ما دام أدى الحج والقران كما فعل النبي ﷺ فالأفضل لهم ترك ذلك؛ لأن الرسول ﷺ والصحابة ما فعلوا هذا، اكتفوا بحجهم وعمرتهم ورجعوا إلى المدينة ولم يأتوا بعمرة جديدة، فهذا هو الأفضل، ولكن من أحب أن يأخذ عمرة جديدة وهو في مكة فلا بأس أن يخرج إلى التنعيم أو الجعرانة ويحرم بالعمرة ويدخل ويطوف ويسعى ويقصر كما فعلت عائشة بأمر النبي عليه الصلاة والسلام. وفق الله الجميع
بَابُ مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا أَوْ قَالَ: أَحْرَمْتُ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ
1856 - عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَدِمَ عَلِيٌّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ، قَالَ: لَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ: «فَقَالَ لِعَلِيٍّ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ».
1857 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَال النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ، قَالَ: فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ حِينَ أَحْرَمْتَ؟ قَالَ: «قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ ﷺ». وَذَكَرَهُ أَخْرَجَاهُ.
بَابُ التَّلْبِيَةِ وَصِفَتِهَا وَأَحْكَامِهَا
1858 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَكَانَ عبداللَّهِ يَزِيدُ مَعَ هَذَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1859 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنْ الْكَلَامِ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ.
1860 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي تَلْبِيَتِهِ: لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.
1861 - وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: كُنْ عَجَّاجًا ثَجَّاجًا». وَالْعَجُّ: التَّلْبِيَةُ، وَالثَّجُّ: نَحْرُ الْبُدْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: هذان الحديثان الأولان: حديث علي وحديث أبي موسى الأشعري كلاهما يدل على أنه لا بأس أن يحرم الإنسان بإحرام غيره، فيقول: لبيك بما لبى به فلان، أو لبيك بما أهل به فلان، وينعقد إحرامه بذلك، فإذا لم يعلم جعلها عمرة، إذا كان أيام الحج يجعلها عمرة، وإن كان علم فالحمد لله، لأن عليا لبى بإهلال النبي وأقره النبي ﷺ، وهكذا أبو موسى، وجعلا إحرامهما عمرة، لكن علي ساق الهدي فأمره ألا يحل حتى ينحر لأنه قد ساق الهدي من اليمن، وأما أبو موسى فلم يكن معه هدي فأمره أن يطوف ويسعى ويتحلل.
وقوله: ثم حل يعني ثم قصر فتحلل، قصر رأسه وتحلل، وكونه ذهب إلى نسائه فمشطته، ما يمنع التقصير قصر، ثم مشطت رأسه، وهذه المرأة من محارمه من نسائه يعني من نسائه خالته أو عمته أو بنت أخيه أو نحو ذلك من محارمه، وهو دليل على أنه لا حرج أن يلبي الإنسان بمثل ما أهل به فلان، فإن كان أهل بعمرة صار عمرة، أهل بحج فهو بحج، بهما بهما، لكن إذا كان أهل بغير عمرة فالأفضل يجعلها عمرة كما قال النبي ﷺ لأبي موسى ، والنبي ﷺ أهل بحج وعمرة، لكن لما كان أبو موسى لم يهدِ، أمره النبي ﷺ أن يجعلها عمرة، فيطوف ويسعى ويحل، أما من كان معه الهدي فإنه يبقى على إحرامه سواء بعمرة أو بحج أو بهما جميعًا، لكن إذا كان بعمرة فالأفضل أن يدخل عليها الحج يصير قارنًا ويبقى حتى يحل منهما جميعا يوم النحر ...
والأحاديث الأربعة الأخيرة كلها تدل على شرعية التلبية، وأنه يستحب للحاج أن يلبي، حديث ابن عمر وجابر وأبي هريرة والسائب كلها تدل على شرعية التلبية، وأن المحرم يلبي من حين يحرم، فيقول أول: لبيك عمرة إن كانت عمرة، أو لبيك حجا إن كان أحرم بحج، أو بهما لبيك عمرة وحجا، يرفع صوته بذلك كما فعل النبي ﷺ. قال أنس سمعته يرفع صوته بذلك، سمعه الصحابة يرفع صوته بذلك، هذا السنة يرفع صوته بإهلاله، إن كان بعمرة يقول: اللهم لبيك عمرة، وإن كان بحج يقول: اللهم لبيك حجًا، بعمرة وحج يقول: اللهم لبيك عمرة وحجا، يرفع صوته، والأفضل بعد ركوب الدابة أو السيارة كما كان النبي ﷺ يفعل، فإنه أهل بعدما استوت به راحلته كما تقدم، ولا بأس أن يأتي بتلبية أخرى لأن الرسول ﷺ سمعهم يلبون بتلبيات أخرى، لا بأس بها فأقرهم لبيك ذا المعراج، لبيك حقًا حقًا تعبدًا ورقًا، لبيك لبيك والرغباء إليك والعمل، كما قال ابن عمر: كل هذا لا بأس به، وأما النبي لزم تلبيته عليه الصلاة والسلام: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لزم التلبية حتى وصل إلى مكة عليه الصلاة والسلام، وهو يلبي ولم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة لأنه لم يحل من إحرامه بسبب الهدي، وجاء عنه ﷺ أنه لبى بقوله: لبيك إله الحق، لبيك اللهم لبيك، لبيك إله الحق لبيك، هذا من تلبيته أيضًا، وروى عنه أنه قال: لبيك ذا المعارج، فلا بأس أن يزيد الإنسان بعض الشيء، يروى عن أنس أنه كان يقول: لبيك حقًا حقًا تعبدًا ورقًا، وابن عمر كان يزيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك والرغباء إليك والعمل. هذا كله من السنة مستحب، فلو لم يلبِّ ليس عليه دم، إنما هو سنة ومشروع أن يلبي كما لبى النبي عليه الصلاة والسلام، ومعنى لبيك يعني إجابة بعد إجابة، لبيك اللهم لبيك يعني إجابة بعد إجابة، هذا معنى لبيك، إذا قال إنسان: يا فلان، فقال: لبيك، هذا معناه أجابه، لبيك يعني أجابه، فقول الملبي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، أنا أجيب دعوتك إلى الحج والعمرة إجابة بعد إجابة. وفق الله الجميع.
س: تزيين الصوت بالتلبية؟
الشيخ: أحسن وأخشع للقلوب.
س: .....؟
الشيخ: لزوم تلبية النبي ﷺ أفضل، كونه يلزم تلبية النبي أفضل ﷺ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ
1866 - عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحِلُّوا فَلَوْلَا الْهَدْيُ مَعِي فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ، قَالَ: فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا النِّسَاءَ وَفَعَلْنَا كَمَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «أَهْلَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِالْحَجِّ خَالِصًا لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَطُفْنَا وَسَعَيْنَا، ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَحِلَّ وَقَالَ: لَوْلَا هَدْيٌ لَحَلَلْتُ، ثُمَّ قَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: بَلْ هِيَ لِلْأَبَدِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ.
1867 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا؛ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَرُحْنَا إلَى مِنَى أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
1868 - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: «خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقِمْ عَلَى إحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ، فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْتُ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحْلِلْ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ».
1869 - وَعَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَلَا نَرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ: فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَذَكَرَتْ قِصَّتَهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1870 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرَ، وَيَقُولُونَ: إذَا بَرَا الدَّبَرْ، وَعَفَا الْأَثَرْ وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ، فَقَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: حِلٌّ كُلُّهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1871 - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ الْحِلَّ كُلَّهُ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
1872 - وَعَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ، فَقَالَ: «أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا؛ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : اجْعَلُوا إهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ، فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَقَالَ: مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ وَإِذَا فَرَغْنَا مِنْ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196] إلَى أَمْصَارِكُمْ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
الشيخ: هذه الأحاديث المتعددة، حديث جابر وسراقة بن مالك وأبي سعيد وابن عباس وعائشة وأسماء بنت أبي بكر، كلها تدل على معنى واحد وهو أنه ﷺ في حجة الوداع أمرهم أن يجعلوها عمرة، أمر من أحرم بالحج أو بالحج والعمرة أن يجعل إحرامه عمرة إلا من ساق الهدي فإنه يبقى على إحرامه، وإذا كان أهل بعمرة يدخل عليها الحج ويكون قارنًا، وكان النبي ﷺ أحرم بالحج والعمرة جميعًا وبقي على إحرامه لأنه ساق الهدي، يعني ساق إبلًا من المدينة، الهدي: إما إبل أو بقر أو غنم هذا الهدي، والنبي ﷺ ساق إبلا من المدينة فبقي على إحرامه حتى حل يوم النحر، وقال للناس عند الميقات: من شاء أهل بحج، ومن شاء أهل بعمرة، ومن شاء أهل بحج وعمرة، فلما وصلوا إلى مكة قال لهم: اجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي قالوا: يا رسول الله أي الحل؟ قال: الحل كله. يعني حلا كاملًا، فطافوا وسعوا وقصروا، حلوا حلا كاملًا تطيبوا وأتوا النساء ولبسوا المخيط، قال له سراقة بن مالك الجعشمي: يا رسول الله أرأيت عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ قال: بل للأبد دل على أنها شريعة محكمة إلى يوم القيامة، من أتى مكة فإن السنة أن يجعل إحرامه عمرة إلا من ساق الهدي، إذا كان بعد رمضان في أشهر الحج يلبي من الميقات بالعمرة، فإن لبى بهما أو بالحج جعلها عمرة، هذا هو السنة إلا من ساق الهدي إبلًا أو بقرا أو غنما ولو ناقة واحدة أو بقرة واحدة أو شاة واحدة ساقها من بلده أو من الطريق فإنه يبقى على إحرامه حتى يحل يوم النحر، وكان أزواج النبي ﷺ أحرموا بالعمرة فحلوا إلا عائشة لم تحل لأنها حاضت عند دخول مكة في سرف، فأمرها النبي ﷺ أن تبقى على إحرامها حتى تطهر وتطوف وتسعى فبقيت على إحرامها، وأمرها أن تهل بالحج وتكون قارنة فأحرمت بالحج وصارت قارنة وحجت مع النبي ﷺ مقارنة، فلما طافت بعد الحج وسعت قال لها ﷺ: طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك لأنها صارت قارنة، ثم طلبت منه أن يعمرها بعد الحج فأعمرها من التنعيم بعد الحج، أمر أخاها عبدالرحمن أن يعمرها من التنعيم عمرة مستقلة، وفي حديث ابن عباس الدلالة على أن الجاهلية كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، أهل الجاهلية عندهم جهل كبير أعظمه الشرك بالله ، وكانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ويقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر بهذه السجعة، ويجعلون المحرم صفر ويؤجلون المحرم، يغيرون الشهور فيجعلون محرم صفر، فإذا انسلخ حلت العمرة بعد ذلك، وعفا الأثر يعني عفا الطريق من الحجاج، وعفا الدبر يكون في الجمال من الجراحات بسبب الشد عليها وقت الحج فإذا برئت وانسلخ صفر وعفا الأثر اعتمروا، هذا من جهلهم، هذا من جهالاتهم، فخالفهم النبي ﷺ وأمر بالعمرة في أشهر الحج خلافًا لهم خلافًا للجاهلية، فدل ذلك على أن العمرة في ذي القعدة أو في شوال أفضل خلافًا للجاهلية، فإذا جاء في شوال أو في ذي القعدة أو في أول ذي الحجة فإنه يطوف ويسعى ويقصر ويحل ويجعلها عمرة خلافًا للجاهلية، إلا من كان معه الهدي فإنه يبقى على إحرامه.
وفي حديث ابن عباس أنهم طافوا وسعوا وقصروا وحلوا لعمرتهم ثم أحرموا بالحج يوم الثامن وطافوا وسعوا بعد الحج لحجهم، فدل ذلك على أن المتمتع عليه سعيان: السعي الأول للعمرة مع طوافه، والسعي الثاني للحج مع طواف الحج، كما دل عليه حديث ابن عباس هذا وحديث عائشة أيضًا، في حديث آخر عن عائشة أن الذين حلوا طافوا بالبيت وبالصفا والمروة لعمرتهم ثم طافوا بالبيت وبالصفا والمروة لحجهم ولو أحرم بالعمرة ومعه الهدي فإنه يلبي بالحج حتى يكون قارنًا إذا ساق الهدي وقد لبى بالعمرة يدخل عليها الحج ويقول: لبيك حجًا ولو في أثناء الطريق، ويكون قارنًا حتى يحل يوم النحر من عمرته وحجه جميعا. وفق الله الجميع.