حقيقة التقوى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

أيها المستمعون الكرام حديثي معكم اليوم في وجوب لزوم التقوى وحفظ اللسان، يقول الله سبحانه في كتابه المبين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70، 71].

يأمر الله في هذه الآية الكريمة بالتقوى والقول السديد، وقد أكثر في كتابه العظيم من أمر التقوى، تارة يأمر الناس عامة كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، وتارة يأمر بها المؤمنين لأنهم أكمل في الامتثال وأعلم بمراد الله كهذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [الأحزاب:70، 71].

والتقوى كما عرفها سلفنا الصالح هي: أداء فرائض الله، وترك محارم الله، الإخلاص لله سبحانه وعن إيمان به وبرسله، وعن تصديق لكل ما أخبر الله به ورسوله، وعن خوف بما عند الله من العقوبة، وعن رغبة لما عند الله من المثوبة، هكذا التقوى وحقيقتها أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب ربه وعقابه وقاية تقيه من ذلك بفعل أوامر الله وترك نواهي الله، يرجو ثواب الله ويخشى عقاب الله، ولهذا قال بعض السلف: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تدع معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، وقال بعضهم: ليس تقوى الله بصيام النهار وقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك ولكن تقوى الله أداء فرائض الله وترك محارم الله، وإن ... بعد ذلك خيرًا فهو خير إلى خير.

والخلاصة أن التقوى هي: خوف الله ومراقبته وتعظيمه سبحانه، وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، فعل أوامر الله وترك نواهي الله، مع تعظيمه سبحانه وخشيته والإخلاص له في العمل والصدق في ذلك، هكذا يكون المتقي، وهكذا تكون التقوى، وهي كلمة جامعة يدخل فيها فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، فالإيمان والتقوى والهدى والإسلام والبر كلمات متقاربة في المعنى، حقيقتها هي فعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله، عن إيمان وتصديق وعن إخلاص لله سبحانه، وعن إسلام له وانقياد لأمره ونهيه جل وعلا، وعن اجتهاد في جميع ما يحبه الله ويرضاه، والحذر مما يسخطه .

وقد وعد الله المتقين خيرا كثيرا، ورتب على التقوى السعادة في الدنيا والآخرة، فالتقوى هي مفتاح الخير وهي سبب كل خير عاجله وآجله، كما قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45]، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34]، وبهذا يظهر أن التقوى يحصل بها كل خير، يحصل بها تفريج الكروب وتيسير الأمور، والرزق الطيب، والفوز في الآخرة بالجنة والنجاة من النار، فحقيق بكل مؤمن وكل مؤمنة المسارعة إلى التقوى والحرص عليها، والبدار إليها ولزومها في جميع الأحوال في الشدة والرخاء، في السفر والإقامة.. في كل وقت، ولهذا في وصية النبي ﷺ لمعاذ قال له: اتق الله حيثما كنت.

أما قوله سبحانه: وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [الأحزاب:70] فهذا أمرٌ بالقول الطيب، القول السديد هو القول الطيب السليم الذي ليس فيه ما يغضب الله، فأنت يا عبدالله مأمور بحفظ لسانك وصيانته عما يغضب الله جل وعلا، وذلك هو القول السديد يعني الصواب الموافق للخير والحق، وهذا يطابق في المعنى قوله سبحانه: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، ويوافق قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت.

فعليك يا أخي أن تحفظ لسانك، وأن تصونه عن كل ما يغضب الله جل وعلا من: الغيبة والنميمة والكذب، وشهادة الزور والسب والشتم والفحشاء وغير هذا مما يغضب الله جل وعلا. 

هكذا يكون المؤمن حافظا للسانه صائنا له عما لا ينبغي، واللسان خطره عظيم، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها -يعني ما يتثبت فيها- يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي اللفظ الآخر: إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة» أو كما قال عليه الصلاة والسلام. 

فهذا يبين لنا على خطر اللسان، وأن الواجب علينا أن نصون اللسان وأن نحفظه حتى لا نقول إلا خيرا، ومن عظم شأن اللسان أن خصه الله بالذكر بقوله: وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [الأحزاب:70] وإلا فالقول السديد هو التقوى، داخل في التقوى، ولكن لعظم شأن اللسان وخطره خصه الله بالذكر وحده بعد أن ذكر التقوى ليهتم المؤمن بذلك، وليحرص المؤمن على حفظ لسانه وصيانته. 

ثم بين أن الذي يتقي الله ويقول القول السديد يصلح الله عمله ويغفر ذنبه، هذا من ثوابه، من ثوابك يا عبدالله ومن ثوابك يا أمة الله على التقوى وحفظ اللسان، من الثواب على ذلك إصلاح الله العمل، إصلاح الله عمل هذا المتقي وغفران الذنب، فالمتقي لله الذي يحفظ لسانه يصلح الله عمله ويغفر ذنبه.

فعليك يا أخي بهذا الخير العظيم إن كنت حريصا على الفوز بالجنة والنجاة من النار، وتفريج الكروب وتيسير الأمور وصلاح الأعمال وغفران الذنوب، فعليك بتقوى الله، عليك بحفظ لسانك، فبهذا يحصل لك من ربك الفوز بالجنة والنجاة من النار، ويحصل لك أيضًا في الدنيا والآخرة تفريج الكروب وتيسير الأمور، ويحصل لك أيضًا مع ذلك صلاح عملك وغفران ذنبك، فيا لها من نعمة، ويا له من خير عظيم. 

فاتق الله يا عبدالله وسارع إلى مراضي الله واحذر معصية الله، فإن في طاعة الله كل خير وسعادة، وفي معاصيه العاقبة السيئة، في معاصيه العواقب الوخيمة، فإن المعاصي من أسباب غضب الله ومن أسباب دخول النار، والتقوى بضد ذلك، التقوى من أسباب السعادة والفرج في الدنيا والآخرة، والمعاصي بضد ذلك.

ونسأل الله أن يوفقنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يهدينا جميعا صراطه المستقيم، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.