1873 - وَعَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا؛ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ، قَالَ: وَنَحَرَ النَّبِيُّ ﷺ سَبْعَ بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا وَذَبَحَ بِالْمُدْيَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحِينَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَ أَبُو دَاوُد.
1874 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَرُوحُ أَحَدُنَا إلَى مِنَى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ وَسَطَعَتْ الْمَجَامِرُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1875 - وَعَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سَبُرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إذَا كَانَ بِعُسْفَانَ قَالَ لَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ عُمْرَةً، فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1876 - وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: فَأَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ كَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً؟ قَالَ: اُنْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا، فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ فَغَضِبَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهُوَ غَضْبَانُ فَرَأَتْ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ أَغْضَبَهُ اللَّهُ؟ قَالَ: وَمَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا أُتَّبَعُ؟. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
1877 - وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عبدالرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: بَلْ لَنَا خَاصَّةً. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَهُوَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ.
1878 - وَعَنْ سُلَيْمِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا بِعُمْرَةٍ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ خَاصَّةً.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ عِنْدِي لَيْسَ بثْابت، وَلَا أَقُولُ بِهِ، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الرَّجُلُ يَعْنِي الْحَارِثَ بْنَ بِلَالٍ، وَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ عُرِفَ الْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ إلَّا أَنَّ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ يَرَوْنَ مَا يَرَوْنَ مِنْ الْفَسْخِ، أَيْنَ يَقَعُ الْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ مِنْهُمْ؟ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: لَيْسَ يَصِحُّ حَدِيثٌ فِي أَنَّ الْفَسْخَ كَانَ لَهُمْ خَاصَّةً، وَهَذَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يُفْتِي بِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَشَطْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ.
قُلْت: وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ بَلْ هِيَ لِلْأَبَدِ، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا.
الشيخ: هذه الأحاديث كالتي قبلها في الليلة السابقة، كلها دالة على شرعية فسخ الحج إلى العمرة لمن ليس معه هدي؛ لأن النبي ﷺ أحرم من ذي الحليفة بالحج والعمرة، وقد ساق الهدي، ساق ثلاث وستين بدنة من المدينة، وسبع وثلاثين ساقها علي من اليمن، وأصحابه منهم من ساق الهدي وهم قليل، ومنهم من لم يسق الهدي وهم الأكثرون، فلما كان في أثناء الطريق أشار عليهم بأن يجعلوها عمرة ثم ألزمهم بذلك، وأمرهم بهذا أمر إلزام في مكة، وأمرهم أن يحلوا إلا من كان معه الهدي، وسأله سراقة بن مالك: أفي عامنا هذا؟ فقال: بل لأبد الأبد هذا هو السنة من قدم إلى مكة في أشهر الحج محرمًا بحج أو بحج وعمرة فإنه يجعلهما عمرة لقوله ﷺ: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، فإذا تحلل بالطواف والسعي والتقصير ثم أجل الحج إلى يوم الثامن فيجمع بين الأمرين، يجمع بين النسكين العمرة والحج فيتحلل بعمرة ويلبس المخيط ويتطيب ويحل له أهله، وهذه من نعم الله على العبد حتى يتيسر له الراحة والطمأنينة وعدم التكلف، فإذا جاء يوم الثامن أحرم بالحج إلا من كان معه الهدي فإنه يبقى على إحرامه، والهدي إما إبل أو بقر أو غنم، فإذا أهدى ناقة أو بقرة فأكثر أو شاة فأكثر صار مهديًا، سواء من بلده أو من الطريق يبقى على إحرامه حتى يحل يوم النحر.
وفيه أنه ﷺ جمع بين الهدي وبين الضحية، ضحى في المدينة بكبشين وأهدى مائة بدنة نحرت في منى، فلا بأس في حق الحاج أن يضحي وأن يهدي، وإذا كانت الضحية في البلد يكون أحسن في بلده حتى ينتفع بها أهله ومن حولهم، وفي مكة يكفي الهدي كما فعل النبي ﷺ أهدى وضحى، والضحية في المدينة بكبشين كما في حديث أنس، أما حديث الحارث بن بلال أن الرسول ﷺ قال: أن هذه العمرة للصحابة خاصة فهذا حديث ضعيف ليس بشيء كما قال المؤلف حديث الحارث بن بلال ضعيف، والصواب أن هذه العمرة عامة ليست خاصة، كل من أتى البيت بحج أو بحج وعمرة وليس معه هدي فإنه يجعلها عمرة إذا كان بعد رمضان في أشهر الحج، وهكذا قول أبي ذر أنها خاصة قول ضعيف، فهذا من اجتهاده وظنه ، والصواب ليست خاصة بل هي عمرة عامة للصحابة ومن بعدهم إلى يوم القيامة، من قدم مكة في أشهر الحج ملبيًا بحج أو بعمرة فإن السنة أن يفسخهما إلى العمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويحل إلا من كان معه الهدي، هذا هو الصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم. وفق الله الجميع.
س: .....؟
الشيخ: لا، ما هو بمنسوخ، لا ما هو بمنسوخ، الرسول ﷺ ما قال إنه منسوخ، أذن لهم بالإحرام بالحج، ولكن إذا كان ما معه هدي السنة أن يجعلها عمرة، وقد أحرم عروة بن مضرس بالحج وأمره النبي ﷺ أن يكمل، عروة بن مضرس جاء محرمًا بالحج.
أبواب ما يتجنبه المحرم وما يباح له
بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ مِنْ اللِّبَاسِ
1879 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ، وَلَا زَعْفَرَانٌ، وَلَا الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ وَذَكَرَ مَعْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ: أَنَّ رَجُلًا نَادَى فِي الْمَسْجِدِ مَاذَا يَتْرُكُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟.
1880 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «سَمِعْت النَّبِيَّ ﷺ يَنْهَى النِّسَاءَ فِي الْإِحْرَامِ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَزَادَ: «وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَرًا، أَوْ خَزًّا، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصًا» [الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو دَاوُد أَخْرَجَهَا أَيْضًا الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ].
1881 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1882 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا وَوَجَدَ سَرَاوِيلَ فَلْيَلْبَسْهَا وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَوَجَدَ خُفَّيْنِ فَلْيَلْبَسْهُمَا، قُلْتُ: وَلَمْ يَقُلْ: لِيَقْطَعْهُمَا؟ قَالَ: لَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِقَطْعِ الْخُفَّيْنِ لِأَنَّهُ قَالَ بِعَرَفَاتٍ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا سَبَقَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
1883 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1884 - وَعَنْ سَالِمٍ أَنَّ عبداللَّهِ يَعْنِي: ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ حَدِيثَ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ قَدْ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُفَّيْنِ فَتَرَكَ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الشيخ: هذه الأحاديث فيما يلبس المحرم وما لا يجوز له، المحرم من الرجال بالحج أو العمرة لا يلبس القميص وهو المدرعة الثوب مقطع المخيط، ولا العمامة على الرأس لا طاقية ولا غترة ولا غيرهما، ولا البرانس وهي قمص لها رؤوس، قمص مغربية يكون لها رؤوس توضع على الرأس، ولا يلبس السراويل ولا الخفاف هذا الرجل، أما المرأة فلا بأس أن تلبس لأنها عورة تلبس القميص وتستر رأسها وتلبس الخفين لا بأس لأنها عورة، لكن لا تنتقب ولا تلبس القفازين، والنقاب شيء يصنع للوجه يفتح فيه للعينين هذا يقال له النقاب لا تلبسه المحرمة لكن تغطي وجهها بخمارها أو بعباءتها، مثل ما قالت عائشة: «إذا مر بهم الركبان سدلت إحداهن جلبابها على وجهها، فإذا جاوزوا رفعت» تستر وجهها بغير النقاب وتستر يديها بغير القفازين بجلبابها أو بعباءتها وغير ذلك.
وفي حديث جابر وابن عباس بيان أن من لم يجد إزارا فيلبس السراويل من الرجال، ومن لم يجد النعلين فيلبس الخفين، وفي حديث ابن عمر وليقطعهما أسفل من الكعبين، وحديث ابن عباس وجابر يدلان على أن القطع منسوخ وأنه يلبسهما من دون قطع؛ لأن الرسول ﷺ خطب في عرفات وبين أن من لم يجد النعلين يلبس الخفين ولم يؤمر بقطعهما، فدل ذلك على أن قطعهما منسوخ، وأن من لم يجد الإزار يلبس السراويل ولا يشقه، وهكذا يلبس الخفين ولا يقطعهما، أما القطع الذي في حديث ابن عمر فهو منسوخ لأنه كان في المدينة، ولما خطبهم في عرفات أذن لهم بلبس الخفين من غير قطع، وأما المرأة فإنها تلبس الخفين مطلقًا لأنها عورة، تلبس ملابس العادة ماعدا النقاب وماعدا القفازين لا تلبسهما لأنها ممنوعة من النقاب، وهو ما يصنع للوجه وينقب فيه للعينين يسمى نقاب، أما تغطية الوجه بالخمار أو بغيره فلا بأس تغطيه عن الرجال كما ذكرت عائشة أنهم كانوا إذا دنا الركبان منهم سدلت إحداهن خمارها على وجهها.
بَابُ مَا يَصْنَعُ مَنْ أَحْرَمَ فِي قَمِيصٍ
1885 - عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَاءَهُ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَنَظَرَ إلَيْهِ سَاعَةً فَجَاءَهُ الْوَحْيُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْ الْعُمْرَةِ آنِفًا، فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي الْعُمْرَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ: «وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ»، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: اخْلَعْ جُبَّتَكَ فَخَلَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ.
وظاهره أن اللبس جهلًا لا يوجب الفدية، وقد احتج به من منع من استدامة الطيب، وإنما وجهه أنه أمره بغسله لكراهة التزعفر للرجل لا لكونه محرمًا.
باب تَظَلُّلِ الْمُحْرِمِ مِنْ الْحَرِّ أَوْ غَيْرِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ
1886 - عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ: «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ». وَفِي رِوَايَةٍ: «حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ ﷺ يُظِلُّهُ مِنْ الشَّمْسِ». رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1887 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: هذه الأحاديث تتعلق بلبس المحرم المخيط جاهلًا أو التطيب، وحكم ما إذا مات المحرم كيف يفعل؟
سأل رجل النبي ﷺ قال: يا رسول الله إني تضمخت بالطيب وأحرمت بالجبة؟ فسكت عنه النبي ﷺ حتى نزل الوحي فلما سري عنه وارتفع الوحي سأل عن الرجل فدعي فحضر فقال له: ماذا قلت؟ قال: إني تضمخت بالطيب وأحرمت بالجبة، فقال له: أما الطيب فاغسله، وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك ما كنت صانعًا في حجتك هذا يدل على أن الجاهل إذا أحرم في جبة أو غطى رأسه جاهلا لا شيء عليه، ينزع العمامة، ينزع الجبة ويلبس الإزار والرداء ولا عليه شيء لأجل الجهل، أو ناسٍ إذا فعله ناسيًا فلا شيء عليه لأن الرسول ﷺ ما أمره بفدية، وإنما أمره أن ينزع الجبة ويلبس الرداء، وهكذا الطيب إذا تطيب جاهلًا أو ناسيًا لا شيء عليه، وإذا كان الطيب له صفة كالزعفران فإنه يغسله، أما الطيب العادي كدهن العود والورد والمسك فهذا النبي ﷺ تطيب به وأحرم وهو يرى على مفارقه عليه الصلاة والسلام بعد الإحرام، فلا يضر بقاء الطيب، مطلوب من المحرم إذا تطيب في رأسه في لحيته بمسك أو دهن العود أو الورد أو ما أشبه ذلك لا حرج، أما هذا الذي أمره النبي ﷺ بإزالته هذا كان له صفة وهو الزعفران، والرجل منهي عن التزعفر، تقول عائشة رضي الله عنها: «طيبت النبي لإحرامه، وإني لأرى الطيب في مفارقه بعد ما أحرم بالمسك»، وفي حديث أم الحصين الدلالة على أن المحرم لا بأس أن يستظل، كان النبي ﷺ لما رمى الجمرة ضحى يوم العيد والناس حوله كثير يسألون، وبلال وأسامة أحدهما أمسك الخطام والآخر يظله عن الشمس بثوب والناس يسألون بين الجمرات يوم العيد، فدل على أنه لا حرج أن يظلل المحرم، كونه يستظل بثوب يرفع فوقه أو تحت شجرة أو بالشمسية المعروفة لا حرج، إنما الممنوع أن يغطي رأسه، أما كونه يستظل بشجرة أو بخيمة أو ثوب يرفع على رأسه أو شمسية وترفع فلا حرج في ذلك كما فعل أسامة مع النبي ﷺ يوم النحر حين رمى الجمرة عليه الصلاة والسلام.
والميت إذا مات وهو محرم يغسل ويكفن في ثوبيه لقصة الرجل الذي مات وهو محرم، قال النبي ﷺ: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه يعني إزاره ورداءه ولا تحنطوه يعني لا تطيبوه ولا تخمروا رأسه ووجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا هذا يدل على أن الإنسان إذا مات قبل التحلل الأول مات في الإحرام قبل أن يتحلل التحلل الأول مات يوم عرفة مثلًا قبل أن يتحلل فإنه يغسل بماء وسدر ويكفن في إزاره وردائه ثوبيه ولا يغطى رأسه ولا وجهه ولا يطيب، وإنما يصلى عليه ويدفن في ثوبيه لأنه يبعث يوم القيامة ملبيًا بإحرامه، وظاهر الحديث أنه لا يقضى عنه أن حجه أجزأه؛ لأن الرسول ﷺ ما أمر أن يتمم عنه، ما قال أتموا عنه حجه، دل على مات في حكم الحج، ولهذا يبعث يوم القيامة ملبيًا، فالإنسان إذا مات قبل أن يتحلل يغسل بماء وسدر ولا يتطيب ولا يغطى رأسه ولا وجهه ويكفن في ثوبيه، في إزاره وردائه ويصلى عليه ويدفن محرمًا. وفق الله الجميع
بَابُ الْمُحْرِمِ يَتَقَلَّدُ بِالسَّيْفِ لِلْحَاجَةِ
1888 - عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: «اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ لَا يُدْخِلُ مَكَّةَ سِلَاحًا إلَّا فِي الْقِرَابِ».
1889 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ وَلَا يَحْمِلَ سِلَاحًا عَلَيْهِمْ إلَّا سُيُوفًا، وَلَا يُقِيمَ إلَّا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ». رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْصَرِ ينَحْرَ هَدْيِهِ حَيْثُ أُحْصِرَ.
بَابُ مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْ ابْتِدَاءِ الطِّيبِ دُونَ اسْتِدَامَتِه
1890 - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «وَلَا ثَوْبٌ مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ، وَقَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي مَاتَ: لَا تُحَنِّطُوهُ.
1891 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ أَيَّامٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبِي دَاوُد: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ»
1892 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النَّبِيُّ ﷺ وَلَا يَنْهَانَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1893 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ غَيْرِ مُقَتَّتٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ فَرْقَدٍ السِّبخيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي فَرْقَدٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ النَّاسُ.
الشيخ: الحديثان الأولان يدلان على أنه لا بأس أن يلبس المحرم السلاح للحاجة كالسيف أو الخنجر أو ما أشبه ذلك عند الحاجة يتقلده؛ لأن النبي ﷺ لما صالح أهل مكة يوم الحديبية صالحهم على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، وصالحهم على أنه يعتمر في السنة الآتية، صدوه عن العمرة سنة ست وصالحوه على أنه يعتمر في سنة سبع، وأنه يقيم في مكة ثلاثة أيام فقط، وأنه يدخل بالسلاح الخفيف كالسيف ونحوه، وتم الصلح على هذا، فدل ذلك على جواز حمل المحرم السلاح عند الحاجة، وإن لم يكن هناك حاجة فالواجب تركه، إذا كان ما هناك حاجة فتركه أولى لأن النبي ﷺ نهى عن حمل السلاح في الحرم لأنه قد يفضي إلى شر أو إلى فتنة، فإذا كان ما هناك حاجة يترك السلاح في البيت ولا يحمله معه المحرم، وفيه أنه لما اعتمر أوفى لهم بالشروط التي شروطها عليه، لما مضى الثلاث خرج من مكة عليه الصلاة والسلام بعد العمرة، وقد اعتمر أربع عمر عليه الصلاة والسلام: عمرة الحديبية التي صدوه عنها فإنها مكتوبة له عمرة لأنه جاء لأدائها فصد بغير اختياره، والإنسان إذا أراد عملًا وحيل بينه وبينه يكون له أجره، يقول ﷺ: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم فالعمرة التي صدوه عنها له أجرها، وللصحابة كذلك.
والعمرة الثانية: في ذي القعدة سنة سبع.
والثالثة: في ذي القعدة سنة ثمان عام فتح مكة اعتمر من الجعرانة.
والرابعة: مع حجته عليه الصلاة والسلام.
وفيه وجوب الوفاء بالشروط التي يعقدها ولي الأمر مع الكفار، وأن المسلمين على شروطهم، وأن الصلح مع الكفار إذا تم على شروط يجب الوفاء بها، ثم فتح الله عليه مكة ودخلها بحمد الله عام ثمان فاتحًا، ودخل الناس في دين الله أفواجًا.
وفي الأحاديث الأخيرة الدلالة على أنه لا يجوز للمحرم أن يتطيب بعد إحرامه، لكن لا بأس أن يبقى معه الطيب الذي فعله قبل الإحرام، استدامته لا بأس، أما أن يبتدي طيب لا يبتدي طيب، ويقول ﷺ: لا تلبسوا شيئًا من الثياب مسه الزعفران أو الورس لأن الزعفران والورس طيب، ويقول ﷺ لما مات الرجل يوم عرفة قال: كفنوه في ثوبيه واغسلوه بماء وسدر ولا تحنطوه يعني لا تطيبوه، فدل على أن المحرم لا يطيب بعد ما تم إحرامه يجتنب الطيب، إنما يتطيب عند الإحرام، أما بعد الإحرام فلا يتطيب، وتقول عائشة رضي الله عنها أنها كانت تطيبه عند إحرامه وكانت ترى وبيص المسك في مفارقه بعد الإحرام ﷺ، وهكذا أزواج النبي ﷺ يتطيبن قبل الإحرام ويبقى فيهن بعد الإحرام، فإذا تطيب الإنسان في رأسه بعود أو بالورد أو بالمسك وبقي له أثر بعد الإحرام لا يضر، لكن لا يبتدئ الطيب بعد الإحرام، أما طيبه في رأسه وفي لحيته إذا بقي فيه بعد الإحرام فلا حرج في ذلك.
كذلك حديث ابن عمر أنه دهن بدهن غير مقتت، يعني غير مطيب، فلا بأس أن يدهن بزيت أو بغير الزيت من الأدهان وهو محرم، لكن لا يدهن بشيء فيه طيب، أما إذا تمسح بزيت أو بدهن آخر من الزبد أو غيره للحاجة فلا بأس، إنما يمنع الدهن الذي فيه طيب هذا يمنع، وحديث فرقد ضعيف لأن فرقد يضعف عند أهل العلم، لكن معناه صحيح أنه ﷺ كان يستعمل الدهن بغير، أما فرقد ضعفه جماعة من أهل العلم، وقال فيه صاحب التقريب: إنه لين الحديث، لكن الأدلة دالة على جواز الدهن بغير الطيب، إنما الممنوع الطيب. وافق الله الجميع.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الشَّعْرِ إلَّا لِعُذْرٍ وَبَيَانُ فِدْيَتِهِ
1894 - عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي فَحُمِلْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ قَدْ بَلَغَ مِنْكَ مَا أَرَى، أَتَجِدُ شَاةً؟ قُلْت: لَا، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]. قَالَ: هُوَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ، نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: كَأَنَّ هَوَامَّ رَأْسِك تُؤْذِيكَ؟ فَقُلْت: أَجَلْ، قَالَ: فَاحْلِقْهُ وَاذْبَحْ شَاةً، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. وَلِأَبِي دَاوُد فِي رِوَايَةٍ: «فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لِي: احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ اُنْسُكْ شَاةً، فَحَلَقْتُ رَأْسِي ثُمَّ نَسَكْتُ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِجَامَةِ وَغَسْلِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ
1895 - عَنْ عبداللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1896 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ: «احْتَجَمَ فِي رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ لَحْيُ الْجَمَلِ».
1897 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ حُنَيْنٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، قَالَ: فَأَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ يَسْتُرُ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عبداللَّهِ بْنُ حُنَيْنٌ أَرْسَلَنِي إلَيْكَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْأَلُكَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَغْتَسِلُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَالَ: فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ: اُصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، فَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ ﷺ يَفْعَلُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ
الشيخ: حديث كعب بن عجرة يدل على أن المحرم إذا احتاج لحلق رأسه أو قلم أظفاره لمرض فإنه يفعل ذلك وعليه الفدية المخيرة، إما إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] فإذا احتاج إلى حلق رأسه لمرض أو لبس المخيط أو تغطية الرأس أو الطيب لعلة ومرض فإنه يفعل ذلك وعليه الفدية لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، وكان كعب يؤلمه رأسه وكثر فيه القمل واشتد أذاه من ذلك فأمره أن يحلق وأن يتصدق يوم الحديبية وهم كانوا محصورين قد جاء للعمرة عليه الصلاة والسلام وأصحابه وحصرتهم قريش وصدتهم عن البيت فبقوا في الحديبية لمراجعات بينهم وبين الكفار في الصلح وطلب الإذن في دخول مكة للعمرة، صدتهم قريش وامتنعت قريش سنة ست من دخول النبي ﷺ وأصحابه للعمرة، وتم الصلح بينه وبينهم على وضع الحرب عشر سنين وعلى أنه يرجع هذه السنة ويعتمر من العام القادم، فرجع ولم يعتمر واعتمر من العام القادم وصار مرض كعب في هذه الأيام أيام الإحصار أيام إقامتهم في الحديبية، فدل هذا على أن من كان مريضًا مرضًا يحوجه إلى أن يغطي رأسه أو يحوجه إلى حلق رأسه أو إلى استعمال الطيب أو قلم الأظفار أو لبس المخيط فإنه يفدي بهذه الفدية: إما إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو زبيب أو أقط أو شعير أو غيرها من قوت البلد، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يذبح شاة، لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ [البقرة:196] الصيام ثلاثة أيام بينه النبي ﷺ، والنسك الذبيحة، والإطعام إطعام ستة مساكين فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] فالصيام ثلاثة أيام، والصدقة إطعام ستة مساكين، والنسك ذبح شاة.
وفي الأحاديث الأخرى الدلالة على أنه تجوز الحجامة للمحرم، إذا احتاج للحجامة وهو محرم فلا بأس أن يحتجم في رأسه أو في ظهره أو في يده أو رجله لا بأس أن يحتجم، النبي احتجم وهو محرم عليه الصلاة والسلام، فدل على أنه لا حرج في الحجامة إذا احتاجها المحرم، واحتجم النبي ﷺ في رأسه في ماء يقال لحي جمل، فدل هذا على أن الحجامة جائزة للمحرم لأنه نوع من المرض ولا حرج فيها، لكن إذا كانت في الرأس لا بأس بقطع الشعيرات التي في محل الحجامة ويتصدق عنها بإطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، أو صوم ثلاثة أيام لظاهر الآية.
ويجوز الغسل للمحرم، كونه يغتسل يتبرد، تنازع المسور بن مخرمة وابن عباس في الغسل هل يغسل رأسه؟ فقال ابن عباس: نعم يغسل رأسه، وقال المسور: لا يغسل، خفي عليه الأمر، فبعثا إلى أبي أيوب الأنصاري يسألانه فبين لهم أبو أيوب أن النبي ﷺ كان يغتسل وهو محرم ويغسل رأسه، فإذا اغتسل المحرم وغسل رأسه فإنه يرفق ولا يشدد حتى لا يقطع شعر، ولا حرج عليه يغتسل للتبرد لا بأس وهو محرم كما يغتسل لو احتلم، لو احتلم وهو محرم اغتسل للجنابة فهكذا يغتسل للتبرد وهو محرم، أو ليوم الجمعة وهو محرم لا بأس، وفق الله الجميع.
بَابُ ُ مَا جَاءَ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَحُكْمِ وَطْئِهِ
1898 - عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ، وَلَا يَخْطُبُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَلَيْسَ لِلتِّرْمِذِيِّ فِيهِ: وَلَا يَخْطُبُ.
1899 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ فَأَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَوْ يَحُجَّ، فَقَالَ: لَا تَتَزَوَّجْهَا وَأَنْتَ مُحْرِمٌ، نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1900 - وَعَنْ أَبِي غَطَفَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا يَعْنِي: رَجُلًا تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
1901 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَلِلْبُخَارِيِّ: «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ ﷺ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفٍ».
1902 - وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَمَاتَتْ بِسَرِفٍ فَدَفَنَّاهَا فِي الظُّلَّةِ الَّتِي بَنَى بِهَا فِيهَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُمَا: «تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ، قَالَ: وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ»، وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفٍ».
1903 - وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرِوَايَةُ صَاحِبِ الْقِصَّةِ وَالسَّفِيرِ فِيهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرُ وَأَعْرَفُ بِهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: وَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
1904 - وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمْ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ، فَقَالُوا: يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ، قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ عَنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا.
1905 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً، وَالْجَمِيعُ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ.
الشيخ: هذه الأحاديث والآثار كلها تتعلق بنكاح المحرم والوطء قبل التحلل الأخير، دلت الأحاديث الصحيحة على أن المحرم ليس له النكاح، يقول ﷺ: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب لا ينكح: لا يتزوج، ولا ينكح: لا يزوج موليته كأخته وبنته ونحو ذلك، ولا يخطب: يعني لا يخطب خطوبة النكاح؛ لأن الخطبة وسيلة للنكاح، فيحرم النكاح ووسائله، هذا هو الحق وهذا هو الصواب الذي عليه الجمهور تحريم نكاح المحرم وتحريم إنكاحه لغيره وخطبته أيضًا، وأما حديث ابن عباس «أن النبي ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم» فهو وهم فيه ابن عباس ، والصواب أنه تزوجها وهو حلال كما ثبت ذلك من حديث نفسها ميمونة نفسها، ومن حديث أبي رافع السفير بينهما، ومن حديث ابن أختها يزيد بن عبدالله الأصم، كلهم رووا أنه تزوجها وهو حلال عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال سعيد بن المسيب رحمه الله: إنه وهم ابن عباس، ولا شك أنه وهم في هذا لأن المرأة أعلم بنفسها، والسفير بينهما وهو أبو رافع أعلم أيضًا بالواقع، وابن أختها يزيد كذلك، فالحاصل أن الصواب أن الرسول ﷺ تزوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها وهو حلال فليس في حديثها مخالفة لحديث عثمان وما جاء في معناه، أما الوطء فيحرم الوطء على المحرم حتى يحل التحلل الأول هو والزوجة جميعًا، ليس له وطؤها حتى يحلا جميعا التحلل الأخير، فإن وطئها قبل التحلل الأخير عليه شاة، وإن وطئها قبل التحلل كله بدنة وعليهما أن يمضيا في حجهما ويفسد الحج ويقضيانه، وعليهما بدنة إذا كان قبل التحلل الأول كما قال ابن عباس وجماعة من أهل العلم، أما إذا كان بعد التحلل الأول شاة، فالواجب شاة وعليه الطواف ويكمل حجه والحمد لله، أما إذا كان الوطء قبل التحلل الأول فإنه يفسد الحج وعليهما أن يكملاه وعليهما القضاء إذا استطاعا في المستقبل مع الفدية بدنة، وعليها التفرق في الطريق في محل الميقات كما قال علي من باب الاحتياط أو العقوبة. وفق الله الجميع
بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَضَمَانِهِ بِنَظِيرِهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ [المائدة: 95] الْآيَة
1906 وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الضَّبُعِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ كَبْشًا وَجَعَلَهُ مِنْ الصَّيْدِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1907 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إلَى ثَغْرَةِ ثَنِيَّةٍ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ بِجَنْبِهِ: تَعَالَى حَتَّى نَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ، قَالَ: فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ حَتَّى دَعَا رَجُلًا فَحَكَمَ مَعَهُ فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ الرَّجُلِ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ: هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي حَكَمَ مَعِي؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لَأَوْجَعْتُكَ ضَرْبًا، ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95] وَهَذَا عبدالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ
1908 - وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ، وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ، وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ، وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ.
1909 - وَعَنْ الْأَجْلَحِ بْنِ عبداللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: فِي الضَّبُعِ إذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ كَبْشٌ، وَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ قَالَ: وَالْجَفْرَةُ: الَّتِي قَدْ أَرْتَعَتْ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: الْأَجْلَحُ ثِقَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: صَدُوقٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث والآثار فيما يتعلق بجزاء الصيد، ربنا أوضح جزاء الصيد في كتابه الكريم قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] النعم الإبل والبقر والغنم يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ يعني اثنين يحكم به اثنان هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ يعني يذبح في مكة للفقراء أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ [المائدة:95] هذا يبين لنا أن الصيد فيه الجزاء إذا قتله المحرم متعمدًا لقوله: متعمدًا، وفي هذا بيان أن الضبع فيها كبش وأنها صيد، وأن الغزال وهو الظبي فيه عنز لأنها تشبهه، وأن الأرنب فيها عناق، واليربوع جفرة أصغر من العناق قليل لأنها تليق به، اليربوع هو الجربوع، وهكذا بقية الصيد بحسب حاله، فما قضى فيه الصحابة كفى، وما وجد من صيد لم يقض فيه الصحابة يحكم فيه عدلان ينظران فيما يشبهه ويقاربه من الجزاءات، فإما أن يذبح وإما أن يقوم ويشترى به طعامًا يعطى به المساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم القاتل للصيد عن كل مسكين يوم عدل ذلك إما صيام، وإما إطعام، إن شاء ذبح الجزاء وإن شاء قومه وجعل مكانه طعامًا لكل مسكين نصف صاع وإن شاء صام مكان طعام المسكين يوم، لقوله - جل وعلا -: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ [المائدة:95]، وذهب جمع من أهل العلم إلى أن الصيد ولو قتل غير عمد يضمن، وأن قوله متعمدًا وصف أغلبي ليس بشرط، وظاهر القرآن أنه لا بدّ أن يكون عمدا، أما لو قتله من غير عمد وطأته المطية أو الفرس أو السيارة من غير قصد فلا جزاء عليه لقول الله - جل وعلا -: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ [المائدة:95] فظاهر قوله مُتَعَمِّدًا أنه إذا لم يتعمد لا شيء عليه لأنه قد تمره السيارة من غير قصد، أو المطية من غير قصد، أو البغل أو الفرس قد تمره بغير قصد فتصيبه، وإذا فدى احتياطًا خروجًا من الخلاف ولو كان غير متعمد، لأن ظاهر هذه الآثار مطلقة، ظاهر هذه الآثار أن عليه الجزاء ولم يشترط التعمد من باب سد الذرائع، ومن باب أن القاعدة الإتلافات يستوي فيها العمد وعدمه، ولكن هذا في حق المعصوم إتلاف حق المعصوم يضمن ولو لم يتعمد، لكن هذا حق لله، الصيود حق لله، فإذا أتلفها من غير عمد فظاهر القرآن لا شيء عليه إنما يضمن ويأثم إذا تعمد، أما حق المخلوقين لو أتلف عليه دابة أو سيارة أو ما أشبه ذلك وزعم أنه لم يتعمد يضمن ولو ما تعمد لأن الإتلاف يستوي فيه العمد وعدمه، لكن إذا كان بالعمد أثم وإذا كان بغير عمد لم يأثم لكن يضمن. وفق الله الجميع.
س: .....؟
الشيخ: الجراد إذا آذى ما في شيء، أما إذا ما آذى قيمته كفارته قيمته ... يتصدق بها على الفقراء.
بَابُ مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الصَّيْدِ إلَّا إذَا لَمْ يُصَدْ لِأَجْلِهِ وَلَا أَعَانَ عَلَيْه
1910 - عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ: «أَنَّهُ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: «لَحْمَ حِمَارِ وَحْشٍ».
1911 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَذْكِرُهُ: كَيْفَ أَخْبَرْتَنِي عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ حَرَامٌ؟ فَقَالَ: «أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ فَرَدَّهُ وَقَالَ: إنَّا لَا نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
1912 - وَعَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِبَيْضِ النَّعَامِ، فَقَالَ: إنَّا قَوْمٌ حُرُمٌ أَطْعِمُوهُ أَهْلَ الْحِلِّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1913 - وَعَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عبداللَّهِ التَّيْمِيِّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي طَلْحَةَ قَالَ: «كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ وَنَحْنُ حُرُمٌ فَأُهْدِيَ لَنَا طَيْرٌ وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ، فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ، وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ فَلَمْ يَأْكُلْ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ، وَقَالَ: أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
1914 - وَعَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَهْزٍ: «أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُرِيدُ مَكَّةَ حَتَّى إذَا كَانُوا فِي بَعْضِ وَادِي الرَّوْحَاءِ وَجَدَ النَّاسُ حِمَارَ وَحْشٍ عَقِيرًا فَذَكَرُوهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: أَقِرُّوهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ، فَأَتَى الْبَهْزِيُّ وَكَانَ صَاحِبَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَأْنَكُمْ هَذَا الْحِمَارَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا بَكْرٍ فَقَسَّمَهُ فِي الرِّفَاقِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، قَالَ: ثُمَّ مَرَرْنَا حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْأُثَايَةِ إذَا نَحْنُ بِظَبْيٍ حَاقِفٍ فِي ظِلٍّ فِيهِ سَهْمٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ حَتَّى يُجيز النَّاسَ عَنْهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ.
1915 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: «كُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَمَامَنَا وَالْقَوْمُ مُحْرِمُونَ وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي فَلَمْ يُؤْذِنُونِي، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ فَقُمْتُ إلَى الْفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، قَالُوا وَاَللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ، فَغَضِبْتُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا، ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ، ثُمَّ إنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَّأْتُ الْعَضُدَ مَعِي، فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقُلْتُ نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَلَهُمْ فِي رِوَايَةٍ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ، وَلِمُسْلِمٍ هَلْ أَشَارَ إلَيْهِ إنْسَانٌ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوهُ، وَلِلْبُخَارِيِّ: قَالَ: مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا.
1916 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابِي وَلَمْ أُحْرِمْ، فَرَأَيْتُ حِمَارًا فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَاصْطَدْتُهُ، فَذَكَرْتُ شَأْنَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَحْرَمْتُ وَأَنِّي إنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَكَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حِينَ أَخْبَرْتُهُ أَنِّي اصْطَدْتُهُ لَهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ: قَوْلُهُ: إنِّي اصْطَدْتُهُ لَكَ وَأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ مَعْمَرٍ.
1917 - وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَقْيَسُ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بحكم الصيد إذا صاده المحرم أو صيد لأجله أو أعان عليه أو لم يصد لأجله، كلها تدل على أنه إذا صاده المحرم أو صيد لأجله أو أعان عليه لا يحل له، إذا صاده بنفسه لا يحل له يكون حرامًا عليه، إذا قتله يكون كالميتة، أو أعان عليه الحلال لا يحل له يكون للحلال فقط، أو صاده الحلال لأجل المحرم ما يحل للمحرم يكون للحلال في هذه الأحوال الثلاثة: إذا صاده هو، أو صيد لأجله، أو أعان عليه، أما إذا لم يصد له ولم يعن عليه ولم يصده هو فإنه حلال له، وعلى هذا حديث أبي قتادة لما صاد الحمار الوحشي أكلوا منه لأنه ما صاده لأجله وأكل منه النبي ﷺ، وهكذا حديث طلحة أخبر أن النبي ﷺ أكل من الصيد لأنه لم يصد لأجله، وهكذا الصيد الحرم الذي صاده الحلال وأهداه لهم كل هذا لا بأس به، وهذا هو الجمع بين النصوص، الجمع بين النصوص أن المحرم إذا صاد الصيد بنفسه قتله بنفسه، أو صاده لأجل المحرم، أو أعان عليه لم يحل، وأما إذا صاده الحلال ولم يقصد به المحرم فإنه يحل للمحرم أن يأكل منه كما في حديث أبي قتادة وحديث طلحة بين عبيدالله، وأما حديث الصعب بن جثامة فالرسول ﷺ رده عليه وقال: إنا حرم، فإذا كان حيًا فالمحرم لا يملك الصيد الحي ولا يحل له ملك الصيد الحي ولا قتل الصيد، أما الرواية الأخرى أنه أهدى له عجز حمار أو رجل حمار فهذا محمول على أنه صاده لأجله فلهذا رده عليه الصلاة والسلام، أما بعض الروايات التي فيها أن أبا قتادة صاده لأجله وأنه قال صدته لأجلك فهي رواية شاذة ضعيفة، والصحيح الذي في الصحيحين أنه لم يصده لأجله ولا ساعده المحرمون، وإنما صاده بنفسه لا لقصد المحرمين فصار حلالًا لهم، وهذا هو الجمع بين الروايات.
بَابُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ
1918 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إلَّا لِمُعَرِّفٍ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ لِلْقُبور وَالْبُيُوتِ، فَقَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ.
1919 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ قَالَ: لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إلَّا الْإِذْخِرَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَفِي لَفْظٍ لَهُمْ: لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، بَدَلَ قَوْلِهِ: لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا.
1920 - وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّ غُلَامًا مِنْ قُرَيْشٍ قَتَلَ حَمَامَةً مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ، فَأَمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يُفْدِيَ عَنْهُ بِشَاةٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.
بَابُ مَا يُقْتَلُ مِنْ الدَّوَابِّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ
1921 - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1922 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَفِي لَفْظٍ: خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ: الْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحدأة، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
1923 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ بِمِنًى». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
1924 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسُئِلَ: مَا يَقْتُلُ الرَّجُلُ مِنْ الدَّوَابِّ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ: حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالْغُرَابِ، وَالْحَيَّةِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
1925 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: خَمْسٌ كُلُّهُنَّ فَاسِقَةٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ وَيُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْحَيَّةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْغُرَابُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: الأحاديث الأولى الثلاثة كلها تدل على أن صيد الحرم وشجر الحرم لا يقطع لا صيده ولا شجره ولا شوكه، النبي ﷺ لما فتح مكة خطب الناس وقال: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فلا يعضد شجره ولا يختلى شوكه ولا ينفر صيده ولا تحل ساقطته إلا لمعرف فقال له العباس عمه: يا رسول الله إلا الإذخر فقال: إلا الإذخر لأنهم يجعلونه في بيوتهم وفي قبورهم، والإذخر: نبات طيب الرائحة معروف حشيش فهذا مستثنى، فالواجب على المسلمين احترام شجر مكة وشوكها وصيدها، وكل ذلك محرم، وهو الحرم المكي لا يعضد شجره ولا ينفر صيده ولا تحل ساقطته إلا لمعرف لا يملكها أبدًا، يعرفها ولو سنوات لا يملكها فإذا وجد عباءة أو دراهم أو غير ذلك فإنه يعرفه دائمًا ولا يملكه، أما في غير مكة وفي غير المدينة فهذا يملكه إذا عرفه سنة، أما في المدينة ومكة لا، يعرفه دائمًا لأن الرسول ﷺ حرم المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وفي صيدها الجزاء مثل صيد المحرم في صيد المحرم الجزاء كما تقدم، وفي صيد مكة كذلك، لو صاد غزال في مكة عليه شاة عنز، ولو صاد أرنب عليه عناق، ولو صاد يربوع ونحوه جفرة عناق صغيرة، أما الحمام فيه ذبيحة، لما سئل ابن عباس عن الحمامة إذا قتلت؟ قال: فيها شاة لأنها تعُب كما تعُب الشاة، شربها كشرب الشاة فأشبهت الشاة في عبها الماء، فحكم فيها ابن عباس وجماعة من الصحابة بالشاة، فإذا قتل حمامة فعليه دم شاة تذبح في مكة للفقراء، أما الشوك فهو كالشجر لا يختلى، وهذا كله فيما نبت بإذن الله، أما ما زرعه الآدمي فله حصده، إذا زرع الآدمي زرع أو غرس شجر فهذا له أن يقلعه وله أن يحصده، أما ما كان مما أنبته الله بالمطر ونحوه فهذا لا يتعرض له الآدمي في مكة، وإذا كان شوك يكب عليه التراب ويمشي عليه وإلا يفرش عليه ولا يقصه.
والأحاديث الأخرى تدل على أن الدواب الفاسقة تقتل في الحل والحرم، الفاسقة يعني المؤذية، خمس من الدواب كلهن فواسق يعني مؤذية الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور والحية أيضًا سادسة، والسبع العادي كالذئب ونحوه يقتل في الحل والحرم، هذه مؤذية تضر الناس فإذا وجد الإنسان الحية قتلها ولو في الحرم، أو العقرب قتلها ولو في الحرم، أو فأرة تقتل ولو في الحرم، والكلب العقور كذلك، والحية كذلك، والسبع العادي كالذئب ونحوه يقتل، أمر النبي بقتلها عليه الصلاة والسلام في الحل والحرم لأنها مؤذية فتقتل، والحدية تؤذي في تنقيب دبر الإبل وما فيها من أذى حتى تضر أهل الإبل، وهكذا الغراب يضرهم فلهذا جاء قتله لأن الغراب والحدأة كلها تضر بإبل الناس وتنقب عن دبر الإبل وتؤذيه، وأما الحية والعقرب فأذاهما معروف، والكلب العقور أذاه معروف، والحدأة طائر معروف يسمى الحدية أيضًا تصيد بعض الطيور إذا تيسر له صادت الطيور الصغيرة تصيد وتؤذي أيضًا فلهذا تقتل، والغراب معروف كذلك يؤذي في زروع الناس وفي إبل الناس إذا وجد ناقة فيها دبرة أو بعيرة ينقبها كالحدية نسأل الله العافية، ولهذا أمر النبي ﷺ بقتلها، وفق الله الجميع.
س: .....؟
الشيخ: يخلي شجرها ويبني.
س: .....؟
الشيخ: ولو، لا يقطعها إلا بمراجعة ولاة الأمور المحكمة.
س: السبع العادي دليله؟
الشيخ: لأنه أشد من الكلب أقبح، وجاء في بعض الروايات والسبع العادي وهو أشد من الكلب وأخبث كالذئب.
س: .....؟
الشيخ: فيه روايات عن بعض الصحابة وما في دليل واضح.
س: .....؟
الشيخ: .. يقتل دائمًا.... يسمونه، يقتل في الحل والحرم.
س: .....؟
الشيخ: أخذ الثمر لا بأس، أخذ الثمرة لا بأس، شجرة فيها ثمرة من سدر يأخذ الثمرة الطيبة ما في بأس، أو أشباهه من الشجر الآخر إذا كان فيه ثمر يؤكل.