بَابُ الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ إذَا خَرَجَ نَهَارَا لَمْ يَقْصُر إلَى اللَّيْل
1162 - عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1163 - وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
بَابُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ بَلَدًا فَنَوَى الْإِقَامَة فِيهِ أَرْبَعًا يَقْصُر
1164 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إلَى مَكَّةَ فِي الْمَسِيرِ وَالْمُقَامِ بِمَكَّةَ إلَى أَنْ رَجَعُوا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَده.
1165 - وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِهَا شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا». مُتَّفَق عَلَيْهِ.
ولمسلم خرجنا من المدينة إلى الحج ثم ذكر مثله، قال أحمد إنما وجه حديث أنس أنه حسب مقام النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بمكة ومنى وإلا فلا وجه له غير هذا، واحتج بحديث جابر أن النبي ﷺ قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى وخرج من مكة متوجهًا إلى المدينة بعد أيام التشريق ومعنى ذلك كله في الصحيحين وغيرهما.
الشيخ: هذه الأحاديث الصحيحة تدل على أن المسافر لا يقصر في البلد التي يخرج منها مسافرًا حتى يغادرها، ولهذا كان ﷺ يخرج من المدينة ويقصر في ذي الحليفة، خارج المدينة صلى الظهر بالناس في حجة الوداع يوم السبت وهو ناو السفر، ثم خرج فصلى العصر في ذي الحليفة، وهكذا في حديث أنس: «إذا خرجت ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صل ركعتين» محمول على خروجه من البلد إلى السفر، يعني حتى يغادر البلد بقدر بثلاثة فراسخ، ثلاثة أميال، ورد ثلاثة أميال من غير شك، وحملوه على مغادرته للبلد وخروجه إلى وراء البناء يقدر بثلاثة أميال، يعني أنه إذا غادر البلد قصر.
وليس معناه أن الأميال الثلاثة تسمى سفرًا، ولا الفراسخ الثلاثة تسمى سفرًا لأنها من أطراف البلد لا تسمى سفرًا، لكن تعتبر من أول السفر إذا غادر البلد ثلاثة أميال، يعني في الغالب يكون قد غادر البناء، وهذا مجمل، والتفصيل في كونه إذا وصل إلى ذي الحليفة قصر، ولم يقصر من داخل، وهكذا في الإقامة ذكر الجمهور أنه إذا أقام أربعًا قصر وإذا أقام أكثر أتم، واحتجوا بإقامته في حجة الوداع، فإنه أقام اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع أربعة أيام فقصر فيها، وخرج في صباح اليوم الثامن إلى منى وجعلوا هذا مبدأ للسفر خروجه إلى منى كمبدأ السفر، وقال أنس: قصرنا مع النبي ﷺ عشرة أيام لأنه عد الأربعة وعد الثامن والتاسع والعاشر وأيام منى فصار الجميع عشرة، واحتج به بعض أهل العلم على أنه إذا نوى عشرة أيام يقصر وإذا نوى أكثر أتم؛ لأن إقامته في أيام منى تعتبر من أيام الإقامة، والجمهور حملوه على أنه سفر، أنه شرع في السفر حين توجه إلى منى، فلما فرغ من أعمال الحج سافر إلى المدينة صبيحة الرابع عشر، فالأحوط للمؤمن أنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام أتم، وما دامت الإقامة أربعة فأقل فهذا يقصر فيها لأن النبي ﷺ أقامها وقصر، لم يخرج من مكة إلا يوم الثامن إلى منى وعرفات ومع هذا قصر، فدل ذلك على أن الإقامة لمدة أربعة أيام لا تمنع القصر، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ما دام في السفر يقصر مطلقًا ولو طالت المدة ما لم يعزم على الإقامة، قالوا لأن الرسول ﷺ في حجة الوداع قصر حتى رجع، ويوم الفتح قصر حتى رجع، ويوم تبوك قصر حتى رجع، فدل ذلك أن ما دام في السفر فالإقامة العارضة لا تمنع حتى يرجع إلى وطنه إلا إذا نوى الإقامة في المحل الذي ذهب إليه، فإن ذهب إلى تبوك فنوى الإقامة بها فيتم، أو ذهب من مكة إلى الرياض ينوي الإقامة بالرياض أتم، أو من الرياض إلى مكة ينوي الإقامة بها أتم، أما ما دام ذهب لحاجة فإنه يقصر ما دامت الحاجة حتى يرجع إلى وطنه الذي هو محل إقامته، وهو قول قوي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وجماعة، ولكن الاحتياط في هذا هو أن يأخذ بقول الجمهور، وإذا نوى أكثر من أربعة أيام أتم يكون هذا أحوط لأن الأصل في المقيمين أن يصلوا أربعة، هذا الأصل في المقيمين، والأصل في المسافرين أن يصلوا ثنتين، فهذا تردد بين المسافر وبين المقيم فإذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام صار الإتمام أحوط له لأنه بالمقيمين أشبه.
س: إذا نوى الإقامة أكثر من أربع ليلٍ...؟
الشيخ: لا، لا يقصر أبدا، ما دام نوى الإقامة أكثر، من أول ما وصل.
بَابُ مَنْ أَقَامَ لَقَضَاءِ حَاجَة وَلَمْ يَجْمَع إقَامَة
1166 - عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
1167 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَشَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْبَلْدَةِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا سَفْرٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ إقَامَةً.
1168 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ أَقَامَ فِيهَا تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَنَحْنُ إذَا سَافَرْنَا فَأَقَمْنَا تِسْعَ عَشْرَةَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَكِنَّهُ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ. وَقَالَ: قَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَقَامَ تِسْعَ عَشْرَةَ.
1169 - وَعَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ قَالَ: خَرَجْتُ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقُلْتُ: مَا صَلَاةُ الْمُسَافِرِ؟ فَقَالَ: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلَّا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ ثَلَاثًا، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كُنَّا بِذِي الْمَجَازِ؟ قَالَ: وَمَا ذِي الْمَجَازِ؟ قُلْتُ: مَكَانٌ نَجْتَمِعُ فِيهِ، وَنَبِيعُ فِيهِ، وَنَمْكُثُ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ كُنْتُ بِأَذْرَبِيجَانَ -لَا أَدْرِي قَالَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ- فَرَأَيْتُهُمْ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
بَابُ مَنْ اجْتَازَ فِي بَلَدٍ فَتَزَوَّجَ فِيهِ أَوْ لَهُ فِيهِ زَوْجَةٌ فَلْيُتِمَّ
1170 - عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّةَ مُنْذُ قَدِمْتُ، وَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بصلاة المسافر الذي لم يجمع إقامة، وإنه يصلي ما بقي، وعلى هذا تحمل هذه الأحاديث في إقامته ﷺ في مكة في حجة الوداع، في يوم الفتح، وفي تبوك، وهكذا ما جاء عن ابن عمر في إقامته بسبب الثلج، فهذا كله يعتبر عذرا شرعيًا ليس معه عزم إقامة، ولكن للحاجة والعارض، أما من أجمع الإقامة فاختلف العلماء في ذلك: منهم من رأى أربعة أيام فقط، وهو قول الأكثرين إذا عزم عليها، وإذا عزم على أكثر منها أتم وإن كانت أربعا فأقل، كما تقدم فإنه يقصر لأن الرسول ﷺ أقام في مكة في حجة الوداع أربعًا، قدم يوم الرابع ولم يخرج منى إلا يوم الثامن، وأما إقامته في تبوك فهو ينتظر العدو ولم يجمع إقامة، وابن عباس احتج بإقامة النبي ﷺ في مكة تسعة عشر يوم الفتح على أن من أقام تسعة عشر يقصر ومن أقام أكثر لم يقصر، وجعل المدة تسعة عشر، وأما الإقامة التي تعرض من غير قصد فهذه ليس لها حد ولو سنة أو أكثر، ومن هذا إقامة ابن عمر في أذربيجان لأجل الثلج الذي حال بينه وبين حصول المقصود، فإذا أقام من أجل سيل منعه أو من أجل انتظار حاجة لا يعلم متى تنتهي فهذا يقصر، والقصر لا حد له ولو طالت المدة لأنه لم يجمع إقامة، فالذي ينتظر العدو أو ينتظر زوال المانع من سيل أو غيره فهذا يقصر حتى يجمع إقامة، أو يرجع إلى بلده، أو يجمع إقامة أكثر من أربعة أيام، أو يرجع إلى بلده، وعلى هذا تحمل إقامة النبي ﷺ في مكة يوم الفتح، وإقامته في تبوك أنه لم يجمع إقامة كما أشار المؤلف رحمه الله، ولهذا قصر، وأما إقامته في مكة فهي أربع معلومة يدل ذلك على أن من أقام أربعا قصر، ومن أجمع على أكثر منها أتم لأن الأصل في المقيمين الإتمام، واعتبروا خروجه إلى منى شروعًا في السفر كما تقدم.
وأما من تأهل في محل السفر فهذا في حديث عثمان، وهو حديث فيه ضعف، والصواب أن عثمان تأول وخاف أن يقصر البادية في آخر خلافته أتم، وقال: إنه خشي أن يعمل الأعراب بقصره فيقصرون من دون علة فأتم، وإلا التأهل لا يمنع من القصر، التأهل لا يمنع القصر، لو تزوج في بلد وهو مسافر يرجع بها إلى بلده، أما إذا كان له أهل في البلد مقيم هنا ومقيم هنا فإنه يتم إذا كان له زوجتان: في هذا البلد زوجة، وفي هذا البلد زوجة، فإنه يتم في محل الزوجة الذي هو مقيم فيه، أما كون زوجته معه عارضة جاء بها للحج أو جاء بها للزيارة ما تمنع من القصر، وكذلك لو تزوج بها في بلد وهو لا يريد الإقامة فيه تزوج ليرحل بها إلى بلده لا تمنع، وإنما الصواب في قصر عثمان أنه تأول، ورأى أن هذا أحوط للأعراب والجهلة حتى لا يظنوا أن الصلاة ثنتان، حتى لا يجهلوا أحكام الصلاة فأتم اجتهادًا منه حتى لا يظن البادية والأعراب أن الصلاة ثنتين فقط، ولكن الصواب أنه يجوز للمسافر الإتمام ولو من غير علة، يجوز له أن يتم فالقصر سنة، ومن أتم فلا حرج عليه كما أتم عثمان وكما أتمت عائشة رضي الله عنها، وقالت: إنه لا يشق عليّ، فالقصر سنة كما جاءت به الأحاديث عن النبي ﷺ، وكما قال عمر وغيره، ولكن من أتم فلا حرج لأنه هو الأصل. وفق الله الجميع.
س: .....؟
الشيخ: إذا زارهم وهو سفر يقصر ولو أنه زار والديه، لكن لا يصلي وحده يصلي مع الناس لأن الجماعة واجبة والقصر سنة، فإذا سمعه ما يجوز يصلي وحده يصلي مع الجماعة ويتم، أما إذا كان مع أخيه يصلوا ثنتين لا بأس وإن صلوا مع جماعة أتموا.
أَبْوَابُ الْجَمْع بَيْن الصَّلَاتَيْنِ
بَابُ جَوَازه فِي السَّفَر فِي وَقْت إحْدَاهُمَا
1171 - عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا رَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ». مُتَّفَق عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا».
1172 - وَعَنْ مُعَاذٍ : «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
1173 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: «كَانَ فِي السَّفَرِ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ، فَإِذَا لَمْ تَزِغْ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ سَارَ حَتَّى إذَا حَانَتْ الْعَصْرُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِذَا حَانَتْ لَهُ الْمَغْرِبُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا لَمْ تَحِنْ فِي مَنْزِلِهِ رَكِبَ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْعِشَاءُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِنَحْوِهِ وَقَالَ فِيهِ: «وَإِذَا سَارَ قَبْلَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ».
1174 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ اُسْتُغِيثَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ فَجَدَّ بِهِ السَّيْرُ فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِهَذَا اللَّفْظ وَصَحَّحَهُ، وَمَعْنَاهُ لِسَائِرِ الْجَمَاعَة إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.
الشيخ: هذه الأحاديث المتعددة من حديث أنس وابن عباس ومعاذ وغيرهم كلها تدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا ارتحل في السفر قبل أن تزول الشمس أخر الظهر مع العصر وصلاهما جمع تأخير، وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر جمع تقديم وارتحل، وهكذا المغرب والعشاء إذا غربت الشمس قبل أن يرتحل صلى المغرب والعشاء جمع تقديم ثم ارتحل، وإذا ارتحل قبل الغروب أخر المغرب مع العشاء وجمعهما جمع تأخير، وهذا هو السنة، هذا هو السنة في السفر، وهكذا فعل ابن عمر لما استصرخ على زوجته صفية بنت أبي عبيد أنها مريضة فعجل السير حتى جمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير، وأخبر أن النبي ﷺ كان يفعل ذلك إذا جد به السير، أما النازل فالأفضل أن لا يجمع، هذا هو الأفضل، ولهذا لما نزل ﷺ في منى في حجة الوداع لم يجمع، صلى كل صلاة في وقتها في أيام منى، وإنما جمع يوم عرفة لمصلحة الوقوف، حتى يتفرغ الناس للدعاء في الوقوف ولا يشتغلوا بالنزول للعصر مرة أخرى، وجمع بينهما جمع تقديم بين الظهر والعصر، جمع تقديم في عرفة بأهل الموقف جميعًا حتى يتفرغوا للدعاء والضراعة والذكر ما بين صلاة الجمع إلى غروب الشمس، وهذا هو الأفضل في عرفات أن يكون الجمع جمع تقديم، فيقدم العصر مع الظهر في أول وقت الظهر حتى يتفرغ الناس للوقوف بعرفة والدعاء، وأما في مزدلفة فإنه أخر المغرب حتى وصل إلى مزدلفة وجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة، والناس في مزدلفة قد يصلونها مبكرين فيجمعون في وقت المغرب وقد يتأخرون فيجمعونها في وقت العشاء، والأمر في هذا واسع، أما النازل المستريح فالأفضل له أن لا يجمع، هذا هو الأفضل كما فعل النبي ﷺ في حجة الوداع في منى، وقد جمع وهو نازل في تبوك، كان يصلي بالناس الظهر والعصر جمعًا ثم يدخل في خيمته، ثم إذا جاء وقت المغرب خرج وصلى بهم جمعا، وهذا والله أعلم من أجل كثرة الجمع، فإنهم كانوا كثيرين في غزوة تبوك كانوا ثلاثين ألفًا أو أكثر، وكان أراد الحرب - حرب الروم - فلم يقدر له ذلك فرجع، فمن جمع وهو نازل فلا حرج، ولكن الأفضل عدم الجمع لأنه آخر الآمرين من النبي ﷺ في حجة الوداع نزل ولم يجمع بين الأوقات في أيام منى، فدل ذلك على أن هذا هو الأفضل للمسافر. وفق الله الجميع.
س: هل للمسافر أن يجمع في بلده قبل الخروج؟
الشيخ: ليس له أن يجمع إلا إذا خرج، ليس له أن يقصر ولا يجمع إلا بعدما يغادر البلد.
بَابُ جَمْع الْمُقِيم لِمَطَرٍ أَوْ غَيْره
1175 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ». مُتَّفَق عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظ لِلْجَمَاعَةِ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ: «جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ»، قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ.
قلت: وهذا يدل بفحواه على الجمع للمطر وللخوف وللمرض، إنما خولف ظاهر منطوقه في الجمع لغير عذر للإجماع ولأخبار المواقيت فيبقى فحواه على مقتضاه، وقد صح الحديث في الجمع للمستحاضة والاستحاضة نوع مرض.
ولمالك في الموطإ عن نافع أن ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم، وللأثرم في سننه عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أنه قال: من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء.
بَابُ الْجَمْع بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ مِنْ غَيْر تَطَوُّع بَيْنَهُمَا
1176 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، وَلَا عَلَى أَثَرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا». رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيُّ.
1177 - وَعَنْ جَابِرٍ : «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَأَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ». مُخْتَصَرٌ لِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ.
1178 - وَعَنْ أُسَامَةَ : «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا». مُتَّفَق عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظ: «رَكِبَ حَتَّى جِئْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ النَّاسُ فِي مَنَازِلهمْ، وَلَمْ يَحُلُّوا حَتَّى أَقَامَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَصَلَّى ثُمَّ حَلُّوا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظ: «أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلُّوا الْمَغْرِبَ، ثُمَّ حَلُّوا رِحَالَهُمْ وَأَعَنْتُهُ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ حُجَّة فِي جَوَاز التَّفْرِيق بَيْنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ فِي وَقْت الثَّانِيَة.
الشيخ: هذه الأحاديث تتعلق بالجمع في المطر ونحوه كالوحل والمرض، وأن الجامع يجمع بأذان وإقامتين لا يكرر الأذان بل يكفي أذان واحد والإقامة لكل صلاة، وأنه لا مانع من التفريق اليسير بين المجموعتين، كما أنهم في جمع مزدلفة صلوا المغرب ثم أناخ كل واحد بعيره في منزله ثم صلى بهم العشاء عليه الصلاة والسلام، وكل هذا يختص بجمع التأخير، لكن ليس عليه دليل بل يعم هذا وهذا، يدل على جوازه في هذا وفي هذا في الجمعين جميعًا.
والمطر يشق على الناس الخروج للثانية في المغرب والعشاء، والظهر والعصر، وهكذا في الوحل، ولهذا كان ابن عمر إذا صلى الأمراء من أجل المطر بين المغرب والعشاء جمعوا بينهما جمع معهم، وذكر أبو سلمة - رحمه الله - ابن عبدالرحمن - وهو من كبار التابعين - أن من السنة الجمع في المطر وهذا مرسل، وأما حديث ابن عباس «أن النبي ﷺ جمع بين المغرب والعشاء والظهر والعصر من غير خوف ولا مطر» فهذا كان في أول الأمر قبل تحديد المواقيت، وقبل وجوب أن تؤدى كل صلاة في وقتها، فهو منسوخ من حيث الإطلاق كما قال الترمذي - رحمه الله - لما ذكر هذا الحديث قال: ليس في كتابي شيء أجمع العلماء على تركه إلا حديث ابن عباس هذا وحديث آخر ذكره فيما يتعلق بالخمر، وبعض أهل العلم حمله على أن المراد أنه جمع بينهما في عذر أوجب ذلك كالمرض، لأن الأعذار غير الخوف والمطر أعذار أخرى كالمرض والوحل في الطرقات فيكون غير منسوخ، وإنما الجمع لعذر شرعي فهو موافق للأدلة الأخرى الدالة على وجوب أداء الصلاة في أوقاتها، فإذا كان هناك عذر من خوف أو مطر أو وحل أو مرض فلا بأس يجمع بين الصلاتين، وإلا فالواجب أداء كل صلاة في وقتها كما وقت الله المواقيت لهذا الأمر العظيم.
وفيه من الفوائد أن الحجاج في عرفة يجمعون جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين بين الظهر والعصر، وفي مزدلفة يجمعون جمع تأخير، وقد يكون جمع تقديم إذا وصلوا مبكرين، فالمقصود أن الحجاج إذا وصلوا مزدلفة سن لهم الجمع مطلقًا ولو في وقت المغرب، متى وصلوها سن لهم الجمع بين المغرب والعشاء تأسيا به عليه الصلاة والسلام حتى يستريحوا بعد وقفة عرفة لأنه وقوف طويل، ولهذا لما صلى استراح واضطجع عليه الصلاة والسلام ونام، فلو وصلوا مبكرين لما جاءت السيارات في الغالب يصل كثير من الناس مبكرين، فإنهم متى وصلوا يصلوا المغرب والعشاء ولو في وقت المغرب بأذان واحد وإقامتين كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، ولأنهم في حكم السفر.
س: والظهر والعصر؟
الشيخ: يجمعهم في عرفة.
س: لكن في الوحل والمطر؟
الشيخ: الصواب لا حرج فيه، الصواب إذا كان مطر أو وحل الصواب أنه يجمع أيضًا.
أَبْوَابُ الْجُمُعَة
بَابُ التَّغْلِيظ فِي تَرْكهَا
1179 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1180 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا سَمِعَا النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ.
1181 - وَعَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَة، وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث جَابِرٍ نَحْوه.
بَابُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا تَجِبُ
1182 - عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ فِيهِ: إنَّمَا الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ.
1183 - وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
1184 - وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ وَلَمْ يَسْمَع مِنْهُ شَيْئًا.
1185 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَلَا هَلْ عَسَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَّخِذَ الصُّبَّةَ مِنْ الْغَنَمِ عَلَى رَأْسِ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْكَلَأُ فَيَرْتَفِعُ، ثُمَّ تَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلَا يَجِيءُ وَلَا يَشْهَدُهَا، وَتَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلَا يَشْهَدُهَا، وَتَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلَا يَشْهَدُهَا، حَتَّى يَطْبَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَلْبِهِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
1186 - وَعَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لما بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عبداللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي سَرِيَّةٍ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، قَالَ: فَتَقَدَّمَ أَصْحَابُهُ وَقَالَ: أَتَخَلَّفُ فَأُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْجُمُعَةَ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ رَآهُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَك أَنْ تَغْدُوَ مَعَ أَصْحَابِك؟ فَقَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَدْرَكْتَ غَدْوَتَهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَع الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ إلَّا خَمْسَة أَحَادِيثَ وَعَدَّهَا، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا عَدَّهُ.
1187 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَبْصَرَ رَجُلًا عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ فَسَمِعَهُ يَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ جُمُعَةٍ لَخَرَجْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: اُخْرُجْ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ عَنْ سَفَرٍ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَده.
الشيخ: هذه الأحاديث فيما يتعلق بوجوب الجمعة وفيما يتعلق بالسفر يومها، الجمعة فرض على المسلمين بدلًا من الظهر، وهي الفرض الخامس في يوم الجمعة، فإن الفروض خمسة في كل يوم لكن في يوم الجمعة، الجمعة بدل من الظهر، هي الفريضة الخامسة: الفجر ثم الجمعة، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، وهي فرض الوقت لا يجوز تأخيرها بل يجب أن تفعل في الوقت، ومن فاته الوقت فاتته الجمعة وصلى ظهرًا، وقد جاءت النصوص في الوعيد لمن تركها، يقول عليه الصلاة والسلام: لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلًا فيؤم الناس ثم أنطلق إلى رجال لا يشهدون الجمعة فأحرق عليهم بيوتهم فالواجب على جميع الأمة من الرجال المكلفين حضورها لأن الرسول ﷺ هم بتحريق من تخلف عنها كما هم بتحريق من تخلف عن صلاة الجماعة، وقال عليه الصلاة والسلام: لينتهن أقوام عن ودعهم الجمعات يعني تركهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين هذا وعيد شديد، وفي الحديث الآخر: من ترك ثلاث جمع طبع على قلبه، وفي اللفظ الآخر: من غير عذر طبع على قلبه وهذا وعيد شديد، ومن أسباب الطبع على القلب والختم عليه حتى لا يوفق للتوبة، فالواجب الحذر من ذلك، والمواظبة عليها والمحافظة عليها في وقتها إلا معذور كالمسافر والمريض والمرأة فلا جمعة عليهم، ولهذا في حديث طارق: أن الجمعة واجب إلا على أربعة: مملوك، والمرأة، والصبي، والمريض، فلا جمعة عليهم، والحاصل أن الواجب على كل مكلف أن يتقي الله وأن يحافظ على الجمعة، وهي تجب على من سمع النداء عند هدوء الأصوات، النداء العادي عند هدوء الأصوات، أما من كان بعيدًا لا يسمع النداء فلا جمعة عليه يصلي ظهرًا، وإن صبر على البعد وتجشم المشقة وذهب إليها فله أجره، فالواجب على جميع المكلفين العناية بالجمعة والحذر من التخلف عنها لأنها فرض الوقت، لكنها لا تحبس عن السفر، من كان له حاجة في السفر له أن يسافر في يومها كما في حديث عبدالله بن رواحة ذكر تخلفه عن السرية، وكما قال عمر: أن الجمعة لا تحبس عن سفر، فلا حرج أن يسافر صباح الجمعة، لكن من أدرك الزوال وجب عليه حضورها إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9] فلا يشتغل بسفر ولا بيع ولا شراء، بل يجب أن يبادر إليها، ولا تجب على المسافرين ولا المرضى الذين يشق عليهم الحضور رحمة من الله وإحسانًا منه جل وعلا.
س: بعض المؤسسات في أوروبا لا يسمحون للمسلم أن يترك العمل لأجل يصلي الجمعة فما حكمه؟
الشيخ: هذا مثل الحارس إذا كان ما يسمح له يكون عذر له مثل الحارس الذي يحرس البيوت، أو يحرس السجون، أو يحرس الأموال، عذر له يصلي ظهرًا إذا لم يتيسر له حضور الجمعة، كالمريض يكون معذورا، يعذر في الجمعة جماعة منها من لا يستطيع الحضور لكونه حارسًا أو لكونه مريضًا أو لكونه خائفًا أو ما أشبه ذلك.
س: .....؟
الشيخ: حديثان: حديث الجمعة، وحديث الجماعة.
بَابُ انْعِقَاد الْجُمُعَة بِأَرْبَعِينَ وَإِقَامَتهَا فِي الْقُرَى
1188 - عَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ أَبِيهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إذَا سَمِعْت النِّدَاءَ تَرَحَّمْتَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ يُقَال لَهُ: نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ، قُلْت: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ رَجُلًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ فِيهِ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى بِنَا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ مَكَّةَ.
1189 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي مَسْجِدِ عبدالْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنْ الْبَحْرَيْنِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ: بِجُوَاثَى: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ.
بَابُ التَّنْظِيفِ وَالتَّجَمُّلِ لِلْجُمُعَةِ وَقَصْدِهَا بِسَكِينَةٍ وَالتَّبْكِيرِ وَالدُّنُوِّ مِنْ الْإِمَام
1190 - عَنْ ابْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ: مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد.
1191 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَلْبَسُ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ طِيبٌ مَسَّ مِنْهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1192 - وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَرُوحُ إلَى الْمَسْجِدِ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ لِلْإِمَامِ إذَا تَكَلَّمَ إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
وفيه دليل على جواز الكلام قبل تكلم الإمام.
1193 - وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ : سَمِعْت النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ فَيَرْكَعَ إنْ بَدَا لَهُ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ كَانَتْ كَفَّارَة لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَة الْأُخْرَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1194 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَة إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.
وفيه دليل على أن أفضل الهدي: الإبل، ثم البقر، ثم الغنم، وقد تمسك به من أجاز الجمعة في الساعة السادسة، ومن قال: إذا نذر هديًا مطلقًا أجزأه إهداء أي مال كان.
1195 - وَعَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: اُحْضُرُوا الذِّكْرَ، وَادْنُوَا مِنْ الْإِمَامِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يُزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ دَخَلَهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
الشيخ: هذه الأحاديث الحديثان الأولان يدلان على شرعية الجمعة، وأن من الأربعين تقام فيهم الجمعة كما فعل أسعد بن زرارة في المدينة قبل مقدم النبي ﷺ، وكان كعب بن مالك الأنصاري متى سمع الأذان ترحم على أسعد وقال: إنه أول من صلى بنا الجمعة في المدينة، وسأله ابنه كم كانوا؟ قال: كانوا أربعين، فهذا يدل على أن الجمعة تقام بالأربعين، ولكن ليس بشرط، ويجوز أن تقام بأقل من أربعين هذا هو الصواب، وأقل العدد تقام به الجمعة ثلاثة: الإمام واثنان من الناس ممن تجب عليهم الجمعة إذا كانوا في قرية مستوطنين أحرارًا وجبت عليهم الجمعة لعموم الأدلة.
وفي الحديث الثاني: أن أول جمعة جمعت بعد الجمعة في المدينة جمعة أقيمت في جواثى القرية من قرى البحرين، قرى البحرين كل المنطقة الشرقية وما حولها يقال لها مجمع البحرين، ويقال إنها كانت في الإحساء، والمقصود أنها في هذه الجهة في منطقة مجمع البحرين فيمن أسلم من ربيعة أقاموها هناك لما وفدوا على النبي ﷺ، وفيها دلالة على أن القرى تقام فيهم الجمعة كما تقام في المدن، فإذا اجتمع في القرية ثلاثة أو أكثر أحرار مستوطنون مسلمون أقاموا الجمعة، وفي الأحاديث الأخيرة الدلالة على شرعية التنظف للجمعة والاغتسال والطيب والتبكير لها، وأن هذا هو السنة، السنة للمسلمين الاغتسال للجمعة يعني الرجال، والطيب والتبكير لها، وأن السابق إليها والمبكر لها كالمقدم بدنة، والذي يليه كالمقدم بقرة، والذي يليه كالمقدم كبشًا أقرنًا، والذي يليه كالمقدم دجاجة، والذي يليه كالمقدم بيضة، فهذا فيه الحث على المسارعة إليها والتبكير إليها مع غسل وطيب ونظافة ولبس ما يتيسر من حسن الثياب لأنه يوم عيد، الجمعة هي عيد الأسبوع، والجمعة خير يوم طلعت فيه الشمس فيستحب للمؤمن التنظف فيه والاغتسال ولبس الحسن من الثياب والتطيب والتبكير لأدائها في الجماعة، هذا هو السنة، وقد جاء في هذا أحاديث كثيرة كما ذكر المؤلف بعضها رحمه الله، والذي عليه جمهور أهل العلم أنها لا تقام إلا بعد الزوال، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تقام في الساعة السادسة لحديث الساعة الخامسة يقرب بيضة، ثم يخرج الإمام، قالوا: هذا يدل على أنها تقام في الساعة السادسة قبل الزوال، والذي عليه الجمهور أنها لا تقام إلا بعد الزوال، وهذا الذي ينبغي للأئمة أن يأخذوا بما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، قال سلمة بن الأكوع: كنا نجمع مع النبي ﷺ إذا زالت الشمس، وهكذا جاء في عدة أحاديث صرح فيها الصحابة بأنهم كانوا يجمعون مع النبي ﷺ في وقت بعد إزالة الشمس كالظهر، فينبغي للمؤمن أن يبتعد عن الخلاف وأن لا يقيمها إلا بعد الزوال كما قاله الأكثرون، وكما أن الظهر لا تصح إلا بعد الزوال فهكذا الجمعة؛ لأن الله شرع الجمعة بدلا منها، فهي فرض الوقت في يوم الجمعة، والسنة لمن أتى المسجد أن يصلي ما قدر الله له، ما في حد محدود يصلي ثنتين أو أربع أو ست أو ثمان أو عشر أو أكثر، يصلي ما قدر الله له حتى يخرج الإمام، ثم ينصت للخطبة، وأن العبد متى قصدها ولم يؤذ أحدا ولم يفرق بين اثنين وصلى ما قدر الله له وأنصت للإمام ولم يلغ صارت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام كما في الحديث الآخر، والغسل سنة مؤكدة، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبه، والصواب أنه سنة مؤكدة يوم الجمعة، وإذا اغتسل عن الجنابة كفاه عن غسل الجمعة في ذلك اليوم، إذ المقصود النظافة والنشاط، وفق الله الجميع.
س: .....؟
الشيخ: ما هو بلازم، إن احتاج إليها وإلا ما هو بلازم، يعني العصا التي يتكئ عليها، أما السترة: إذا كان ما له سترة يحط عنزة سترة، إذا ما كان قدامه جدار ولا عمود ينصب قدامه عنزة يعني عصا تكون سترة له في الجمعة وغيرها.
س: .....؟
الشيخ: يعني وهو يخطب، لا ما في بأس ما هي بدعة غلط، النبي ﷺ قد يستعملها مثل ما قال الحافظ ابن حجر قد يستعملها وهو متكئ عليها لا حرج.
بَابُ فَضْل يَوْم الْجُمُعَة وَذِكْر سَاعَة الْإِجَابَة وَفَضْل الصَّلَاة عَلَى رَسُول اللَّه ﷺ فِيهِ
1196 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1197 - وَعَنْ أَبِي لُبَابَةَ الْبَدْرِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: سَيِّدُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى، وَفِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ آدَمَ إلَى الْأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إلَّا آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا رِيَاحٍ وَلَا جِبَالٍ وَلَا بَحْرٍ إلَّا هُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
1198 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ، وَقَالَ بِيَدِهِ قُلْنَا يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَة إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ وَأَبَا دَاوُد لَمْ يَذْكُرَا الْقِيَامَ وَلَا تقليلها.
1199 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ: هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ، يَعْنِي عَلَى الْمِنْبَر إلَى أَنْ تُقْضِيَ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
1200 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إلَّا آتَاهُ إيَّاهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ: حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
1201 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: «قُلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ: إنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إلَّا قَضَى لَهُ حَاجَتَهُ. قَالَ عبداللَّهِ: فَأَشَارَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ، فَقُلْتُ: صَدَقْتَ أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ، قُلْتُ: أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ: آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَار، قُلْتُ: إنَّهَا لَيْسَتْ سَاعَةَ صَلَاةٍ؟ قَالَ: بَلَى إنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ لَا يُجْلِسُهُ إلَّا الصَّلَاةُ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
1202 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1203 - وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، مِنْهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إلَّا آتَاهُ إيَّاهُ، وَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْر. رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد.
1204 - وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عبدالرَّحْمَنِ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنه.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَكْثَر الْأَحَادِيثِ فِي السَّاعَة الَّتِي يُرْجَى فِيهَا إجَابَةُ الدُّعَاءِ أَنَّهَا بَعْد صَلَاة الْعَصْر، وَيُرْجَى بَعَدَ زَوَال الشَّمْس.
1205 - وَعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ: فِيهِ خُلِقَ آدَم، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْف تُعْرَضُ عَلَيْك صَلَاتُنَا وَقَدْ أَرِمْتَ؟ يَعْنِي وَقَدْ بَلِيتَ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ. رَوَاهُ الْخَمْسَة إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
1206 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَة، فَإِنَّهُ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَإِنَّ أَحَدًا لَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ إلَّا عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
1207 - وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَإِنَّ صَلَاةَ أُمَّتِي تُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَة. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنه.
1208 - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَده، وَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْله مُرْسَلَانِ.
الشيخ: هذه الأحاديث المتعددة وما جاء في معناها تدل على فضل يوم الجمعة، وأنه يوم عظيم، وأنه أفضل أيام الأسبوع، بل خير الأيام كما قال النبي ﷺ: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وهي ساعة قليلة، وهذا من أثبت الأحاديث عن رسول الله ﷺ، وهو يدل على فضل هذا اليوم، وأنه ينبغي لأهل الإسلام أن يكثروا منه الصلاة على النبي ﷺ كما قال عليه الصلاة والسلام، يشرع الإكثار فيه من الصلاة على النبي ﷺ، وفيه ساعة مثل ما قال ﷺ: لا يرد فيها سائل، وأصح الأحاديث في هذا وأكثرها على أنها آخر النهار، آخر نهار الجمعة، آخر ساعة من يوم الجمعة، فإن العبد إذا جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة، فالذي يجلس ينتظر المغرب يوم الجمعة آخر النهار فهو في صلاة ما انتظر الصلاة، وفي حديث أبي بردة عن أبي موسى أنها ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة يوم الجمعة رواه مسلم، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها كما جاء في حديث أبي موسى ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة، وأنها ترجى في هذا الوقت، وقال آخرون: حديث أبي موسى هذا فيه علة، وهي أن رفعه منكر، وإنما هو من قول أبي بردة، وقد وهم من رفعه إلى أبي موسى، وإنما الأحاديث الصحيحة كلها تدل على أن ساعة الإجابة في آخر النهار يوم الجمعة، آخر ساعة في يوم الجمعة، وممن ذهب إلى هذا الدارقطني رحمه الله، وقال: إنه من قول أبي بردة كما ذكره الحافظ في البلوغ - رحمه الله - عن الدارقطني، والمقصود أن هذا اليوم يوم عظيم، وقد أبهم النبي ﷺ الساعة فيه ليجتهد المؤمنون فيه، فيكثروا الدعاء في جميع ساعات الجمعة، في الحديث الصحيح «ساعة» وأبهمها عليه الصلاة والسلام، ومثل ما قال في العشر الأواخر من رمضان فيه ليلة القدر وأبهمها حتى يجتهد المسلمون في ليال العشر بأنواع العبادة والقراءة والدعاء، فهكذا يوم الجمعة أبهم الله فيه الساعة ولو شاء لبينها بيانًا شافيًا لا خلاف فيه ليجتهد المؤمن في الدعاء، ويكثروا من الدعاء في ساعاتها كلها صباحها ومسائها، وفي صلاة يوم الجمعة وفي نافلتها وفي فرضها يرجو هذا الخير العظيم، فإن كثرة الدعاء تزيده خيرًا وتنفعه والله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، ويقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، ويقول سبحانه: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:55-56] فالمشروع لأهل الإيمان الإكثار من الدعاء في يوم الجمعة وغيرها في الليل والنهار، لكن يوم الجمعة لها خصوصية ينبغي فيها الإكثار من الدعاء في جميع ساعاتها، وبعد العصر لمن ينتظر الصلاة يكون الدعاء أكثر لما جاء فيه الأحاديث، وهكذا في صلاة الجمعة وفيما بين الخطبتين وبعد الأذان قبل الخطبة، وفي سجوده للصلاة كله محل دعاء، قال النبي ﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء فالسجود في ليلة الجمعة محل دعاء أيضًا كسائر السجود كله محل دعاء، فالمؤمن يكثر من الدعاء في جميع الأوقات، وذهب بعض أهل العلم إلى أن يوم عرفة ويوم النحر هما أفضل أيام السنة، ويوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع، ولكن ظاهر الحديث خير يوم طلعت عليه الشمس أن يوم الجمعة هو أفضل الأيام دائمًا، ويوم النحر له فضله وهو يوم الحج الأكبر، ويوم عرفة له فضله في صيامه، ولكن كون صيامه بسنتين، وكون يوم النحر يوم الحج الأكبر لا يمنع من أن يكون يوم الجمعة هو خير يوم طلعت فيه الشمس، لا منافاة بينهم، ولهذا أطلق النبي ﷺ قال في يوم الجمعة: خير يوم طلعت فيه الشمس، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه هذه الساعة العظيمة فالجدير بالمؤمن ألا يفرط في هذا الخير وأن يجتهد في الدعاء في جميع ساعاته، وأن يخص بعد العصر بمزيد عناية حين يتقدم إلى صلاة المغرب قبل الغروب وينتظر الصلاة فهو في صلاة، فجدير به أن يدعو ويكثر من الدعاء، ثم يقول ﷺ: ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك قالوا: يا رسول الله إذًا نكثر؟ قال: الله أكثر.
فأنت يا عبد الله في خير فلا تمل الدعاء، ادع ربك بخيري الدنيا والآخرة، سل ربك العفو، سل ربك التوفيق، سل ربك الثبات على الحق، سل ربك الهداية، سل ربك العلم النافع والعمل الصالح، الذرية الصالحة، حسن الخاتمة، إلى غير هذا من المسائل الطيبة. وفق الله الجميع.
س: من يقول أنها متنقلة في عصر الجمعة الساعات؟
الشيخ: الله أعلم! ظاهر النصوص أن أحراها ما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس.
س: قول عبدالله بن سلام: إنا لنجد في كتاب الله يعني الإنجيل؟
الشيخ: التوراة لأن أصله يهودي.
س: ما صحة ما ينسب إلى الإمام أبي حنيفة في كتاب السنة لعبدالله بن الإمام أحمد رحمهما الله؟
الشيخ: أقوال تحكى الله أعلم بصحتها، والمعروف عنه الاستقامة والهدى ينسب إليه الإرجاء العملي ولكن يحتاج إلى ثبوت أسانيد صحيحة.
س: رجل يغني بالقرآن على اللحن الموسيقي هل يكفر بذلك؟
الشيخ: لا يجوز هذا الكلام، لكن قد يتأول ليس منا من لم يتغن بالقرآن يعني يحسن صوته هذا معنى التغني بالقرآن، يعني تحسين الصوت بالتلاوة ما هو بيقرأه على نغمات الشعر والغناء، لا هذا غلط ينبه أن هذا غلط ما يكفر بذلك، لكن يعلم أن هذا خلاف السنة غلط، وأن السنة في التغني معناه تحسين الصوت تحسين التلاوة.
س: إذا اختلف على المستفتي فتوى المفتين فبأي الأقوال يأخذ؟
الشيخ: ما وافق الحق، ما وافق الأدلة الشرعية، ما وافق الكتاب والسنة فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] وإذا اشتبه عليه يسأل من يظنه أقرب وأفهم وأفقه حسب الاجتهاد يتحرى.
بَابُ الرَّجُل أَحَقّ بِمَجْلِسِهِ وَآدَابُ الْجُلُوس النَّهْي عَنْ التَّخَطِّي إلَّا لِحَاجَةٍ
1209 - عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يُقِيمُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يُخَالِفُهُ إلَى مَقْعَدِهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ افْسَحُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1210 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ آخَرُ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا». مُتَّفَق عَلَيْهِ.
1211 - وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ.
1212 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1213 - وَعَنْ وَهْبِ بْنِ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ، وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1214 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي مَجْلِسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ إلَى غَيْرِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1215 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْحِبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حَسَن.
1216 - وَعَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَجَمَعَ بِنَا، فَإِذَا جُلُّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ، فَرَأَيْتُهُمْ مُحْتَبِينَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1217 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ، وَزَادَ وَآنَيْتَ.
1218 - وَعَنْ أَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الَّذِي يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاس يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ، كَالْجَارِّ قُصْبَهُ فِي النَّار. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1219 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: «صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ قَدْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ كَانَ عِنْدنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
الشيخ: هذه الأحاديث اشتملت على عدة أحكام منها أنه لا يجوز للإنسان أن يقيم أخاه من مجلسه ويجلس فيه؛ لأن الرسول ﷺ نهى عن هذا لقوله: لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا سواء كان في المسجد أو في مجالس أخرى لأن هذا العمل يكسب الشحناء، يسبب الشحناء والعداوة، وربما أفضى إلى شر من ذلك، فلا يجوز لإنسان أن يقول له قم أو يجره يقومه ويجلس في مكانه، هذا لا يجوز، لكن تفسحوا وتوسعوا، إذا صار عندهم سعة تفسحوا حتى يجلس معهم لا بأس، فهذا أمر مطلوب سنة التفسح والتوسع بين الإخوان إذا ضاقت المجالس حتى يتسع الصف أو الحلقة إلى إخوانهم، وكان ابن عمر إذا قام له أحد لم يجلس في مكانه، وهذا من ورعه ، يخشى أنه قام حياء ما سمحت نفسه، فلهذا يكره ذلك ولا يجلس مكانه، وهذا كله من باب الحيطة لأنه قد يكون قام عن كره ولكن حياء، أما إذا عرفت أنه قام لقصد صالح وطيب نفس كأن يقوم لأبيه أو لأستاذه أو لشيخ كبير يعني يظهر له من نفس سامحة فلا بأس، وإن شك في ذلك فتركه أولى، لا يقبل إن شك في ذلك، فيلتمس نهاية الصف والحمد لله، لأنه قد يقوم حياء وهو كاره، لكن إذا قام لأبيه أو لأستاذه ممن يغلب على الظن أنه عن طيب نفس فلا بأس، وفي الأحاديث أيضًا الدلالة على أن من قام من موضعه لحاجة ثم رجع إليه فهو أحق به، الإنسان قد يأتي للصلاة أو للحلقة عن قصد البقاء ثم تعرض له حاجة كالوضوء أو غيره، فإذا قام ثم رجع فهو أحق به، لكن أحسن يجعل في مكانه شيء حتى يعرف أنه سيرجع، يجعل في مكانه كتابه أو بشته أو شيء حتى يعرف الحاضرون أنه سيرجع لهذا المكان، أما أن يحجز مكان له فلا يجوز أن يحجر مكان، لا السابق أحق، لكن من قام من موضعه لحاجة وضوء يتوضأ أو ذكر شيئًا مهما ذهب يأتي به أو ينفذه فلا بأس هو أحق بمكانه الذي سبق إليه.
وفيه من الفوائد أن الحبوة وقت الجمعة تركها أولى لما جاء فيها من النهي، ولأنها وسيلة للنعاس، الاحتباء هكذا يقيم ساقيه وفخذيه هكذا ويعتمد على إليته هذه الحبوة، هذه لأنها قد تفضي إلى النعاس وقت الخطبة فالأفضل تركها، وقد فعلها جماعة من الصحابة والسلف لأن الحديث فيه ضعف، أحاديث النهي عنها فيها ضعف لكن إذا تركها الإنسان احتياطًا وخشية أن يأتيه النعاس يكون أحسن وأحوط.
وفيه النهي عن تخطي رقاب الناس، الإنسان يتخطى رقاب الناس من صف إلى صف هذا لا يجوز لأنه يؤذيهم، بل ينتهي عند انتهاء الصفوف، يصف عند انتهاء الصفوف ولا يتخطى، يدور مكان لا يتخطى رقاب الناس، ولهذا في الحديث أن الرسول ﷺ قال: اجلس فقد آذيت فلا يتخطى رقاب الناس ولكن ينتهي حيث تنتهي الصفوف، يصف الصف الأخير الذي انتهت إليه الصفوف ولا يتخطى رقاب الناس إلا لحاجة، إذا كان فرجة أهملوها فلا بأس أن يتخطى إليها، يشوفها ينظر إليها قد أهملوها ولا سدوها فلا بأس لأنهم هم الذين فرطوا.
أما بعد الصلاة إذا أراد الخروج لا بأس أن يتخطى لأنه مأذون له في الخروج حينئذ، ولهذا لما صلى النبي ﷺ في بعض الأوقات تخطى رقاب الناس وذهب إلى بيته، فتعجب الناس من ذلك، فلما رجع ورأى تعجبهم أخبرهم أنه ذكر شيئًا من الصدقة فكره أن تحبسه، فذهب ونفذه عليه الصلاة والسلام خشية نسيانه، هذا يدل على أن الإنسان إذا ذكر شيئًا بعد الصلاة لا بأس أن يخرج سريعًا ويتخطى رقاب الناس – الصفوف - حتى يخرج؛ لأن الصلاة قد انتهت فلا يضر تخطيه حينئذ لأنه مأذون له بالخروج.
وفق الله الجميع.
س: إذا نعس والإمام يخطب؟
الشيخ: كذلك إذا نعس يستحب له إن تيسر أن يقوم إلى مكان آخر حتى يزول النعاس للحديث هذا: إذا نعس أحدكم ... إذا تيسر له مكان آخر، وإن ما تيسر يجاهد نفسه بالسواك ونحوه حتى يزول النعاس.