بَابُ جَامِعٌ فِيمَا تُصَانُ عَنْهُ الْمَسَاجِدُ وَمَا أُبِيحَ فِيهَا
636 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ فِي مَسْجِدٍ ضَالَّةً فَلْيَقُلْ: لَا أَدَّاهَا اللَّهُ إلَيْك، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا.
637 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ: أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَنْ دَعَا إلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا وَجَدْت إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ.
638 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَنَا هَذَا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ لِيُعَلِّمَهُ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ دَخَلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ كَالنَّاظِرِ إلَى مَا لَيْسَ لَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّاظِرِ إلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ.
639 - وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُسْتَقَادُ فِيهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ.
640 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْك. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
641 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ، وَعَنْ الْحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَيْسَ لِلنَّسَائِيِّ فِيهِ إنْشَادُ الضَّالَّةِ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بوجوب صيانة المساجد عما لا ينبغي، فالمساجد بنيت لعبادة الله للصلاة والقراءة والتعليم، فالواجب أن تصان مما يقذرها أو ينفر منها، يجب أن تحترم وأن تصان عما قد يفضي إلى تنجيسها وتقذيرها أو تنفير القاصدين لها من العبادة فيها، ولهذا في الحديث الأول والثاني يقول ﷺ: من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، ولما سمع رجلًا يقول: من دعا إلى الجمل الأحمر قال: لا وجدت هذا معناه أنه ما ينشد فيه الضوال، يعني ما يقال فيه: من وجد المتاع الفلاني؟ من وجد البعير؟ من وجد بشتي؟ من وجد فلانًا؟ لا ينشد فيه الضوال، لم يبن لهذا، والذي يبي ينشد شيء يسير عند الباب من ظاهره، من شاف البعير؟ من شاف كتابي؟ من شاف بشتي؟ من رأى كذا؟ خارج المسجد، أما في المسجد لا ينشد الضوال في المسجد، كذلك كونه ﷺ نهى أن تقام الحدود في المساجد وأن يستقاد فيها لأن إقامة الحدود فيها والاستقادة قد تفضي إلى تنجيسها، فإن الشخص إذا أقيم عليه الحد قد يخرج منه دم، قد يخرج منه بول فينجس المسجد، فلا تقام الحدود في المساجد ولا يستقاد فيها.
كذلك قوله ﷺ: من أتى مسجدنا هذا ليتعلم خيرًا أو ليعلم فهو كالمجاهد في سبيل الله أما من أتى لغير ذلك فهو كالناظر إلى متاع غيره ما له فائدة، الذي يأتي إلى المساجد ينبغي أن يكون ليتعلم أو يعلم للصلاة أو للتعلم أو للتعليم، أما إذا كان لغير مصلحة فهو كالناظر لمتاع غيره، الذي ينظر لمتاع غيره ما يستفيد شيء، والمقصود من هذا كله أن تقصد المساجد للعلم والفائدة أو للصلاة، ولا مانع أن يستريح فيها الإنسان أو ينام إذا لم يؤذ لا بأس، لا بأس أن يقصدها الإنسان الغريب المسافر ليستريح أو لينام لا حرج، كما كان أهل الصفة ينامون فيها والفقراء، وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: أيحب أحدكم أن يذهب إلى بطحان - وادٍ في المدينة - فيرجع بناقتين عظيمتين سمينتين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ قالوا: كلنا يحب ذلك يا رسول الله؟ قال: لأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين عظيمتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل، وقال ﷺ: من رأيتم يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك نهى عن البيع والشراء في المساجد، ونشد الضوال فيها، ونشد الأشعار التي قد تجر إلى باطل، أما الأشعار الطيبة فلا بأس بها، كان حسان ينشد في المسجد للرد على المشركين، أما الأشعار التي لا خير فيها بل فيها ذم قوم بغير حق، أو مدح بغير حق، أو دعوة إلى باطل، هذه لا تنشد في المساجد، وهكذا الكلام الذي في المساجد في غير حق لا يجوز، أما الكلام الأشعار الطيبة، الدعوة إلى الله، لا حرج في ذلك، نسأل الله أن يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، ويثبتنا وإياكم على دينه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
642 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ «أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ؟ الحديث: فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
643 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «شَهِدْت النَّبِيَّ ﷺ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَصْحَابُهُ يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْرَ وَأَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُمْ». رَوَاهُ أَحْمَدُ.
644 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ فِيهِ يُنْشِدُ فَلَحَظَ إلَيْهِ، فَقَالَ: كُنْت أُنْشِدُ فِيهِ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُك اللَّهَ أَسْمَعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ؟ قَالَ: «نَعَمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
645- وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث تدل على أشياء تباح في المسجد، وأنه لا حرج فيها، تقدم أشياء تمنع من المسجد كإنشاد الضوال، وإقامة الحدود، والبيع والشراء، لأن المساجد لم تبن لهذا، وهناك مسائل أخرى لا يمنع من فعلها في المساجد لأن لها صلة بالعبادة أو بعضها من العبادة، من ذلك إقامة اللعان – التلاعن - لأن التلاعن شهادات، ما فيها خطر على تقذير المسجد، وإنما هي شهادات، فإذا قذف الرجل امرأته فإنه يقام عليه الحد - حد القذف - وله أن يسقطه باللاعن، بأن يلاعنها فيشهد أربع شهادات أنها زنت، والخامسة يقول: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم هي إما أن تقر ويقام عليها الحد، وإما أن تلاعنه وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور:8-9] كما في قوله جل وعلا: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ [النور:6] الآية. يرمون أزواجهم بالزنا.
وقد وقع هذا في عهد النبي ﷺ لعويمر العجلاني وزوجته، فتلاعنا بين يدي النبي ﷺ في المسجد، وقال له بعدما تلاعنا: لا سبيل لك عليها وأخبر أنها لا تحل له أبدًا، تحرم عليه على التأبيد؛ لأن هذه الملاعنة ما يبقى معها مودة ولا محبة، ولهذا من حكمة الله أن جعل هذا التحريم مؤبدًا أعظم من تطليق الثلاث، الثلاث يحلها الزوج الجديد إذا دخل بها، أما هذا فهي محرمة أبدًا، ومثل التلاعن الخصومة، كونه يقضي بين الخصمين القاضي فلا بأس، في قصة كعب بن مالك وابن أبي حدرد كان بينهما نزاع لدين كعب على ابن أبي حدرد فأصلح بينهما النبي ﷺ بالنصف، ولأن الأحكام الشرعية من العبادات فلا بأس أن تفعل في المسجد، يحضر الخصمان عند القاضي ويحكم في المسجد، ومن ذلك الفتاوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوعظ والتذكير، لأن هذا مما بنيت له المساجد.
وهكذا هجو المشركين وإنشاد الأشعار فيهم لأن هذا من نصر الدين، ولهذا كان حسان ينشد في المسجد يسب المشركين ويبين بطلان ما هم عليه، ويقول له النبي ﷺ: اهجهم فوالذي نفسي بيده إنه لأشد عليهم من وقع النبل، ويقول: اللهم أيده بروح القدس لأنه جهاد، الشعر في ذم المشركين وبيان بطلان ما هم عليه والدعوة إلى الحق والدعوة إلى الجهاد عبادة، جهاد شرعي، جهاد قولي، ولهذا أقره النبي ﷺ يهجوهم في المسجد، ولما استنكر عمر ذلك قال له حسان: (قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك) يعني فلم ينكره علي، وكان عمر قد ظن أن هذا لا يصلح، فبين حسان وأبو هريرة أن هذا مما أقره النبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا التحدث بأمور الجاهلية وأعمالهم كما كانوا يفعلون عند النبي ﷺ ليحذرها الناس، يتحدثون في المسجد كانت الجاهلية تعمل كذا، والجاهليون يعملون كذا، ومن أعمالهم كذا، يحمدون الله أن الله هداهم وأن الله كفاهم شر هذه الأعمال ويسر لهم الإسلام، يتحدثون بنعم الله أو تحذير منها، قال تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11] أو يذكرونها تحذيرًا منها، من أعمالهم وأد البنات، ومن أعمالهم دعوة النجوم، ومن أعمالهم دعوة القبور، ومن أعمالهم كذا، ومن أعمالهم السحر، يذكر أعمال الجاهلية ويحذر منها، لأن هذه من مقاصد المساجد، وفق الله الجميع.
646 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ عَزَبٌ لَا أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَأَحْمَدَ وَلَفْظُهُ: «كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَنَقِيلُ فِيهِ وَنَحْنُ شَبَابٌ»، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ: «قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَكَانُوا فِي الصُّفَّةِ الْمَسْجِدِ»، وَقَالَ: قَالَ عبدالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: «كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الْفُقَرَاءَ».
647 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أُصِيبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
648 - وَعَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَخَلْت الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِسَائِلٍ يَسْأَلُ فَوَجَدْت كِسْرَةَ خُبْزٍ بَيْنَ يَدَيْ عبدالرَّحْمَنِ فَأَخَذْتهَا فَدَفَعْتهَا إلَيْهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
649 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ «: كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وقد ثبت عنه ﷺ أنه أسر ثمامة بن أثال فربط بسرية في المسجد قبل إسلامه، وثبت عنه أنه نثر مالًا جاء من البحرين في المسجد وقسمه فيه.
الشيخ: هذه الأحاديث الصحيحة كلها تدل على جواز مثل هذه الأمور في المسجد، والمسجد بيت من بيوت الله لمصالح المسلمين: تقام فيه الصلاة، وتقام فيه حلقات العلم، وتقام فيه المواعظ والدروس، كل ذلك لمصالح المسلمين، وهكذا شرع الله فيه الاعتكاف، والمعتكف يأكل ويشرب وينام في المسجد، وقد كان النبي يعتكف في المسجد ﷺ، فينام فيه ويأكل ويشرب، وهكذا أنزل الوفود في المسجد، وفد عكل كذلك، وأهل الصفة كذلك، كل هذا يدل على جواز الأكل والشرب في المسجد إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وأنه لا بأس بهذا، وهكذا النوم فيه للحاجة، كما كان الشباب ينامون فيه عن الحاجة، ويقيلون فيه، وأهل الصفة كذلك، كل هذا لا حرج فيه إذا لم يحصل أذى، أما من وجد منه أذى فهذا يمنع، أما إذا لم يحصل أذى فلا بأس، وقد غاضب علي في بعض الأيام فاطمة، فخرج ونام في المسجد، فجاءه النبي ﷺ وهو نائم وقد علاه التراب من المسجد، فقال: قم أبا تراب، قم أبا تراب فبقي له هذا اللقب، وفي قصة الصديق في الصدقة على السائل الذي يسأل في المسجد الدلالة على أنه لا بأس بالسؤال في المسجد، الفقير يسأل إخوانه أن يتصدقوا عليه في المسجد، لأن الرسول ﷺ أقره لما ذكر له أن تصدق على سائل في المسجد، وأصله في المسلم، فدل على جواز مثل هذا، وأنه لا حرج في ذلك إذا سأل إخوانه في المسجد أن يتصدقوا عليه، إلا أن يعرف أنه غني يمنع، لأنه لا يجوز السؤال من الغني، إنما يجوز السؤال من الفقير.
وكذلك توزيع المال في المسجد، إذا رأى ولي الأمر توزيع المال يوزع بين الفقراء في المسجد أو بين من يصح لهم الفيء وما أشبه ذلك، كما وزع النبي عليه الصلاة والسلام المال الذي جاء من البحرين، نشره في المسجد ووزعه عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك قصة ثمامة بن أثال لما أسره النبي في المسجد يدل على جواز أسر الكافر، ولو أنه كافر، ولو أنه في مسجد النبي ﷺ، إنما يمنع المسجد الحرام خاصة، وأما غير المسجد الحرام فلا بأس بدخول الكافر إذا دعت المصلحة إلى ذلك، وقد أسر النبي ﷺ ثمامة بن أثال يومين أو ثلاثة في المسجد، ينظر الناس وينظر المصلين، يسمع القراءة ويأكل ويشرب في المسجد، وفي اليوم الثالث أو الرابع لما قال له الرسول ﷺ: يا ثمامة ما عندك؟ قال: ما قلت لك بالأمس، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن ترد المال فسل تعطه، فلما رأى النبي ﷺ كلامه منضبطًا ولا يختلف ظن فيه الخير لأنه قال: وإن تنعم تنعم على شاكر، فلما سمع كلامه يتكرر بهذا ولم يتغير، ظن به الخير وقال: أطلقوا ثمامة، فلما أطلقوه ذهب إلى بئر حول المسجد واغتسل ثم جاء وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ودخل في الإسلام، وكان هذا الأسر من نعم الله عليه، ثم ذهب إلى مكة قال: يا رسول الله إني جئت للعمرة وأخذتني خيلك وأنا في طريقي إلى العمرة، فقال له النبي ﷺ: اذهب وأد عمرتك فذهب إلى مكة، وأدى عمرته وأخبر قريشًا أنه أسلم، وأنه سوف لا يأتيهم من نجد حبة حنطة إلا أن يأذن فيها النبي عليه الصلاة والسلام.
فهذه الأشياء مما يدل على جوزاها في المسجد، هذه الأمور التي بينتها الأحاديث، وإنما يصان المسجد عن الشيء الذي قد يسبب قذرًا كإقامة الحدود، أو يسبب إشغاله بأمور الدنيا التي لا تعلق بها بمصالح المسلمين كالبيع والشراء ونشد الضوال فيمنع، بخلاف مصالح المسلمين في أكل المعتكف أو شربه أو توزيع المال بينهم، أو راحة العزب فينام في المسجد أو الفقير أو المعتكف كل هذا لا بأس به. وفق الله الجميع.
بَابُ تَنْزِيهِ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ عَمَّا يُلْهِي الْمُصَلِّي
650 - عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ قَدْ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: أَمِيطِي عَنِّي قِرَامَك هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
651- وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَعَا بَعْدَ دُخُولِهِ الْكَعْبَةَ، فَقَالَ: إنِّي كُنْت رَأَيْت قَرْنَيْ الْكَبْشِ حِينَ دَخَلْت الْبَيْتَ فَنَسِيت أَنْ آمُرَك أَنْ تُخَمِّرَهُمَا فَخَمِّرْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي قِبْلَةِ الْبَيْتِ شَيْءٌ يُلْهِي الْمُصَلِّي. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
بَابُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ حَتَّى يُصَلِّيَ إلَّا لِعُذْرٍ
652 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
653 - وَعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: «خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَمَا أُذِّنَ فِيهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
الشيخ: فالحديثان الأولان يدلان على أنه ينبغي ألا يكون في المصلى شيء يشغل المصلي؛ لأن المطلوب الخشوع وإقبال القلب والحضور بين يدي الله ، فكره أن يكون بين يديه شيء يشغله في مسجد أو غيره، يقول الله جل وعلا: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، وفي الحديث الصحيح: إذا قام أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه ولا عن يمينه الحديث، فالسنة للمؤمن أن يكون في محل ليس فيه ما يشغله وقت الصلاة ولاسيما في قبلته، ولهذا يقول ﷺ في حديث عائشة كان لها قرام فيها تصاوير والقرام الستر فقال: أزيلي عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض عليّ في صلاتي فهذا يدل على ما ذكره المؤلف من كراهة وجود شيء أمام المصلي يشغله ويشوش عليه قلبه، وجاء في الحديث الآخر أنه ﷺ رأى على غرفة لعائشة أو باب لعائشة سترت في محل لها فيه تصاوير فغضب وهتكها وقال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم فدل على أن التصاوير لا يجوز تعليقها، وأنها إذا كانت في القبلة يحصل بها التشويش أيضًا، فالواجب عدم وجود شيء من الصور المعلقة في البيت حتى ولو كان في غير قبلة المصلي، يجب إتلافها وإزالتها، وإذا كانت في قبلة المصلي صارت الكراهة أشد مع وجوب الإتلاف، محوها أو تقطيعها أو محو رؤوسها، ولهذا لما دخل الكعبة عليه الصلاة والسلام محا ما فيها من الصور عليه الصلاة والسلام، فالصور يجب القضاء عليها، وأن لا تعلق في جدار ولا غيره، وأن لا يلبس المسلم شيئًا فيه تصاوير من ذوات الأرواح إلا إذا كانت في محل يمتهن كالبساط والوسادة، فهي ممتهنة توطأ لكن نفس التصوير لا يجوز، لا يجوز لأحد أن يصور مطلقًا لا في بساط ولا في غيره، لكن إذا كان في بساط أو نحوه مما يمتهن فلا حرج، أما في شيء منصوب على الباب أو الجدار أو يلبسه الإنسان فيمنع مثل ما أنكر النبي على عائشة عليه الصلاة والسلام.
وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة أن النبي ﷺ كان بينه وبين جبرائيل موعد فتوقف جبرائيل عن الدخول فسأله النبي ﷺ فقال: «إن في البيت قرامًا فيه تصاوير وتمثالًا، فمر برأس التمثال أن يقطع، وبالستر أن يتخذ منه وسادتان منتبذتان توطآن، ومر بالكلب أن يخرج ففعله النبي ﷺ» فدل على أنه إذا قطع الرأس حصل المطلوب وأزيل، وإذا كانت تمتهن في وسادة أو بساط زال الحكم بامتهانها في الاستعمال، أما التصوير فلا يجوز مطلقًا تصوير ذوات الأرواح من حيوانات أو طيور أو من بني آدم، كل ذلك لا يجوز لقوله ﷺ: كل مصور في النار، ولكونه ﷺ لعن المصورين وقال: إنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة فعلم بهذا تحريم الصور مطلقًا، يعني التصوير مطلقًا سواء في ثوب أو في قرطاس أو في بساط، أو في غير ذلك إلا للضرورة، فقد قال جل وعلا: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]، فالضرورة لها أحكامها؛ كتصوير اللصوص الذين يطلب إمساكهم حتى إذا وجدوا أمسكوا، أو لحاجة علاج مريض يصور من وجهه أو لحاجة العلاج، أو لشهادة لا بدّ منها لا تحصل إلا بذلك تكون مضطرة، ومثل التابعية إذا لم تحصل إلا بذلك، هذا من باب الضرورة.
وحديث القرنين يدل على المعنى، وأنه لا يكون في قبلة المصلي شيء يشوش، ولهذا أمر بسترهما، وإن كان في السند خلاف لكن المعنى صحيح، وأن السنة أن لا يكون في قبلة المصلي شيء يشوش على المصلي، لا كتابات ولا صور ولا أشياء تشوش عليه صلاته.
والحديث الثالث والرابع يدلان على أنه لا يجوز للمسلم الخروج بعد الأذان إلا لعذر شرعي، إذا أذن يصلي مع الناس إلا لعذر كأن يخرج يتوضأ، أو إمام مسجد يصلي بجماعته، عذر شرعي لا بأس، وإلا فلا يجوز الخروج لأن خروجه يفوت الجماعة، والجماعة واجبة يجب عليه أن يسعى إليها، فإذا كان في المسجد حرم عليه الخروج حتى يصلي إلا لعذر شرعي، وفق الله الجميع.
س: .....؟
الشيخ: محل نظر يحتاج إلى مراجعة إسناده، لكن يغني عنه حديث عائشة، قصده في الخروج من المسجد يغني عنه الحديث الثابت «أما هذا فقد عصى أبا القاسم» رواه مسلم.
أَبْوَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ
بَابُ وُجُوبِهِ لِلصَّلَاةِ
654 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثٍ يَأْتِي ذِكْرُهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَإِذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ.
655 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبَلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
656 - وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ الْمَقْدِسِ فَنَزَلَتْ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144] فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى: أَلَا إنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. وهو حجة في قبول أخبار الآحاد.
بَابُ حُجَّةِ مَنْ رَأَى فَرْضَ الْبَعِيدِ إصَابَةَ الْجِهَةِ لَا الْعَيْنِ
657 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ: وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غُرِّبُوا. يُعَضِّدُ ذَلِكَ.
الشيخ: هذه الأحاديث تتعلق بالقبلة، وكان المسلمون أول الهجرة يستقبلون جهة الشام، فلما مضى ما شاء الله ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا حولت القبلة إلى الكعبة، بعد ما مضى على النبي ﷺ في المدينة ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وأنزل الله في ذلك قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، وقال تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:150] فاستقرت القبلة إلى جهة الكعبة، وكان المسلمون في صلاة الفجر في المدينة، الذين في قباء وفي بعض المساجد لم يعلموا، فأخبروا في أثناء الصلاة فاستداروا إلى جهة الكعبة، فهذا يدل على أن القبلة هي الكعبة، وأن الواجب استقبالها، لمن كان حولها يستقبل عينها كمن كان في المسجد نفسه المسجد الحرام ومن كان بعيدًا عنها لا يراها استقبل الجهة، لقوله جل وعلا: شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:150] فهذا يدل على أن الجهة كافية، وهكذا قوله ﷺ: ما بين المشرق والمغرب قبلة بالنسبة إلى أهل الشام والجنوب، أما بالنسبة إلى أهل الشرق والغرب فما بين الشمال والجنوب قبلة، فالشماليون قبلتهم الجنوب، والجنوبين قبلتهم الشمال، ولما دخل رجل المسجد وأساء صلاته أمره النبي ﷺ أن يعيد وقال: صل فإنك لم تصل حتى أعادها ثلاثًا، ثم قال الرجل: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فقال له النبي ﷺ: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة وهذا يطابق ما في القرآن الكريم من استقبال القبلة، وهي الكعبة، وهكذا في حديث أبي أيوب قال كما في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا فدل على أن الجهة كافية، البعيد عند قضاء الحاجة وفي الصلاة يستقبل الجهة، فالشماليون قبلتهم الجنوب، والجنوبيون إلى الكعبة كاليمن والذين في الجنوب الشمال، ومن كانوا شرقًا قبلتهم المغرب، ومن كانوا عن الكعبة مغربًا فقبلتهم الشرق، يعني جهتها وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:150].
وفيه من الفوائد أن الإنسان إذا أخطأ القبلة ثم نبه أو علم بعد الاجتهاد يستدير ويكفي، فلو أنه في السفر اجتهد وتحرى القبلة ثم في أثنائها تبين له أنه مخطئ وأن القبلة عن يمينه أو شماله يستدير ويكفي ولا يعيد أولها؛ لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد، ولهذا استداروا في عهد النبي ﷺ لما بلغوا أن القبلة نسخت إلى الكعبة في قباء وفي غيره، استداروا ولم يعيدوا أولها، ولم ينكر عليهم النبي ﷺ، فهكذا في البر في السفر، أما في الحضر الواجب أنه يسأل أهل الحضر لا يتساهل لا يجتهد، يسأل أهل الحضر لأن في الحضر أهل بيت يعرفون، وعنده مساجد، ينظر المسجد ويستقبل القبلة على ما في المسجد ولا يجتهد، إذا اجتهد في هذا تبطل صلاته لأنه ترك العلامات الواضحة بوجود أهل بلد، أما في السفر فقد يخفى عليه الأمر، تشتبه عليه الأمور فيجتهد، فإن صلى ثم علم بعد الصلاة صلاته صحيحة لكونه صلى باجتهاد، فإن علم في أثنائها استدار، وفق الله الجميع.
بَابُ تَرْكِ الْقِبْلَةِ لِعُذْرِ الْخَوْفِ
658 - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَصَفَهَا، ثُمَّ قَالَ: «فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَرُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا» قَالَ نَافِعٌ: وَلَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
بَابُ تَطَوُّعِ الْمُسَافِرِ عَلَى مَرْكُوبِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَ بِهِ
659 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُسَبِّحُ عَلَى رَاحِلَتِهِ قِبَلَ أَيِّ وِجْهَةٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ: «كَانَ يُصَلِّي عَلَى دَابتِهِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ، وَفِيهِ نَزَلَ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
660 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ النَّوَافِلَ فِي كُلِّ جِهَةٍ، وَلَكِنْ يَخْفِضُ السُّجُودَ مِنْ الرُّكُوعِ وَيُومِئُ إيمَاءً». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِي لَفْظِ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ ﷺ فِي حَاجَةٍ فَجِئْت وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
661 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَاحِلَتِهِ تَطَوُّعًا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ خَلَّى عَنْ رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
الشيخ: الحديث الأول يدل على أن المؤمن إذا اشتد به الخوف ولم يتيسر له استقبال القبلة صلى حيث كان وجهه راكبًا وماشيًا، لقوله جل علا: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239] وهذا عند شدة الخوف وعدم التمكن من استقبال القبلة، أما مع التمكن مثل ما جاء في صلاة الخوف، ويأتي إن شاء الله في بيان صلاة الخوف، وأنه يستقبل القبلة ويصلي بهم، إما جميعا وإما طائفتين كما يأتي إن شاء الله، لكن عند شدة الخوف إذا لم يتمكن المؤمن من استقبال القبلة فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
والأحاديث الأخيرة كلها تدل على جواز الصلاة على الرحالة كالحمار والناقة والفرس والبغل والسيارة ونحو ذلك، في التنفل إلى غير جهة القبلة إلى جهة سيره لا حرج أن الإنسان يتنفل إلى جهة سيره، كان النبي ﷺ يفعل هذا، يصلي على راحلته حيث كان وجهه، توسعة في النوافل أما الفريضة فكان ينزل ويستقبل القبلة عليه الصلاة والسلام أما النوافل فلا بأس بالسفر أن يصلي إلى جهة سيره ويجعل السجود أخفض من الركوع، وإن استقبل القبلة عند الإحرام كما في حديث أنس كان أحسن وأحوط، وإلا فالأحاديث الصحيحة ليس فيها ذكر استقبال القبلة، في الصحيحين من حديث عامر بن ربيعة وغيره فيه الدلالة على أنه يصلي إلى غير القبلة في جهة سيره، لكن إذا استقبل القبلة عند الإحرام عملًا بحديث أنس ثم خلا سبيلها إلى جهة سيره كان حسنًا إن شاء الله جمعًا بين الأحاديث، والله ولي التوفيق.
س: أعظم الله مثوبتكم يقول: هل يشترط لصحة صلاة الجمعة حضور أربعين من أهل وجوبها؟
الشيخ: الصواب لا يشترط، فيه خلاف بين العلماء لكن الصواب لا يشترط، وأنها تجزئ من ثلاثة فأكثر؛ لأنهم أقل الجمع مع الإمام اثنان مع الإمام لعموم الأدلة، والقول باشتراط أربعين أو اثني عشر ليس عليه دليل، والصواب أنها تجزي من ثلاث فأكثر إذا كانوا مستوطنين في قرية صلوا جمعة.
س: .....؟
الشيخ: لا، الإمام ثالثهم.
س: ما حكم حلق اللحية أو تقصيرها وما حكم استعمال الصبغة السوداء وما نصيحتكم لمن يفعل ذلك كله؟
الشيخ: حلق اللحية وتقصيرها لا يجوز للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، منها ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: قصوا الشوارب ووفروا اللحى، وفي اللفظ الآخر: أعفوا اللحى خالفوا المشركين، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: قصوا الشوارب وأوفى اللحى خالفوا المجوس، في لفظ: أرخوا اللحى خالفوا المجوس فالواجب إعفاؤها وتوفيرها، واللحية ما نبت على الخدين والذقن، هذه اللحية الواجب توفيرها وإعفاؤها وعدم قصها، هذا هو الواجب، وهذا هو الصواب خلافًا لمن تعدى عليها من المشركين أو غيرهم، والواجب قص الشوارب، وكثير من الناس يطيل الشوارب ويقصر اللحية وهذا عكس ما جاءت به السنة، فالسنة قص الشوارب وإحفاؤها وتوفير اللحية وإرخاؤها والحذر من قصها، وقد يتعلق بعض الناس بما يروى عن ابن عمر أنه كان يأخذ منها في حجه وعمرته، وهذا اجتهاد منه لا يجوز تقليده فيه لأنه مخالف للسنة التي رواها هو وغيره، وعمل الصحابي إذا خالف الرواية الحجة في الرواية لا في عمله، فالحجة فيما روى لا فيما رأى، وهكذا قصها الحكم واحد لكن الحلق أشد إثمًا، وكلاهما محرم قصها وحلقها.
س: والصبغة يا شيخ؟
الشيخ: أما الصبغ ما يجوز إذا كان أسود لا يجوز، أما الحمرة سنة لقول النبي ﷺ: غيروا هذا الشيب واجتنبوا السواد خالفوا اليهود والنصارى فإنهم لا يصبغون فالسنة أن تصبغ لكن بغير السواد.
أَبْوَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ
بَابُ افْتِرَاضِ افْتِتَاحِهَا بِالتَّكْبِيرِ
662 - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ: رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ.
663 - وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ ﷺ أنه كَانَ يَفْتَتِحُ بِالتَّكْبِيرِ.
بَابُ أَنَّ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ بَعْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ وَالْفَرَاغِ مِنْ الْإِقَامَةِ
664 - عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُسَوِّي صُفُوفَنَا إذَا قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ، فَإِذَا اسْتَوَيْنَا كَبَّرَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
665 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا». رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: هذه الأحاديث تدل على أن الصلاة تبدأ بالتكبير وتختم بالتسليم، وأن الواجب على المسلمين أن يبدؤوها بذلك لقوله ﷺ: صلوا كما رأيتموني أصلي فالصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم كما في حديث علي، ومفتاحها الطهور، وحديث علي جاء من طريق عبدالله بن محمد بن عقيل وفيه لين، لكن الأحاديث الكثيرة الصحيحة كلها تشهد له بالمعنى، وأن الصلاة تبدأ بالتكبير وتختم بالتسليم كما في الصحيح من حديث عائشة: «كان يبدأ الصلاة بالتكبير ويختم بالتسليم» وكما في الأحاديث الصحيحة الأخرى أنه كان يبدأ صلاته بالتكبير ويختمها بالتسليم عليه الصلاة والسلام، فالواجب على الأئمة والمأمومين وعلى المنفرد من الرجال والنساء عليهم جميعًا أن يبدؤوها بالتكبير ويختموها بالتسليم، وأن يكونوا على طهارة لقوله ﷺ: لا تقبل صلاة بغير طهور أخرجه مسلم في الصحيح، ولقوله ﷺ: لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ متفق على صحته.
وقد استفاضت الأحاديث عنه ﷺ في ختم الصلاة بالتكبير، فهذا هو الواجب على المسلمين أن يبدؤوها بالتكبير (الله أكبر) لا يجزي غيرها (الله أكبر)، والمعنى أنه أعظم من كل شيء ، هو العظيم الذي لا أعظم منه، فلو قال: الله أعلم أو الله عليم أو عظيم ما يجزئ، لا بد الله أكبر بهذه الصيغة، ويختم بالتسليم (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) ولا بدّ من الطهارة في جميع الأحيان من الرجال والنساء في النفل والفرض إلا من عجز فذلك له حكم آخر كالمستحاضة وصاحب السلس فإنه يصلي في الوقت ويتوضأ في الوقت ولا حرج عليه لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] يتوضأ في الوقت صاحب السلس الدائم والاستحاضة، وصلاتهم صحيحة وإن كان البول يخرج أو الدم يخرج لأنه مضطر والله يقول: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]، والواجب أيضًا على الصفوف الاستقامة وعدم الاختلاف فيجب أن يقيموا الصفوف وأن يسووها وأن يتراصوا في الصفوف كما أمرهم النبي بذلك عليه الصلاة والسلام قال: لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم، وفي اللفظ الآخر: بين وجوهكم، وقال: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وكان يسويهم قبل أن يكبر: تقدم يا فلان، تأخر يا فلان، وفي بعض الأوقات أراد أن يكبر فرأى رجلًا باديًا صدره فقال: عباد الله لستوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم، وقال ﷺ: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصف الأول فالأول ويتراصون هكذا السنة، أما الإمام يأتي البحث في هذا، الإمام يؤمهم أقرأهم كما يأتي الأحاديث يؤمكم أكبركم يعني بعد الصفة الأخرى، الإمامة لها أحاديث تأتي.
بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَبَيَانُ صِفَتِهِ وَمَوَاضِعِهِ
666 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.
667 - وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
668 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونَا بِحَذْوِ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ: «وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ، وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ»، وَلِمُسْلِمٍ: «وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ». وَلَهُ أَيْضًا: «وَلَا يَرْفَعُهُمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ».
669 - وَعَنْ نَافِعٍ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بالرفع - رفع اليدين في الصلاة - ثبت عن رسول الله ﷺ في هذه الأحاديث وغيرها أنه كان ﷺ يرفع يديه حيال منكبيه، وربما رفعهما حيال أذنيه في بعض الأحيان: عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام إلى الثالثة من التشهد الأول، أربعة مواضع كان يرفع عند الإحرام يقول: الله أكبر رافعًا يديه حيال منكبيه أو حيال أذنيه، وهكذا عند الركوع يرفعهما مدًا حين يركع، ويرفعهما أيضًا حين يرفع من الركوع حيال منكبيه أو حيال أذنيه مدًا هكذا، يمد أصابعه هكذا وجوهها إلى القبلة هكذا، وهكذا عند القيام إلى الثالثة من التشهد الأول في المغرب والعشاء والظهر والعصر، إذا قام إلى الثالثة من التشهد الأول رفع يديه عند قيامه إلى الثالثة، ويحكي هذا عن النبي ﷺ، ولا يفعل هذا في السجود، حال السجود والرفع من السجود لا يرفع يديه، يحكي هذا عن النبي ﷺ، هذا هو السنة للإمام والمنفرد في الفرض والنفل أن يرفع يديه عند الإحرام يعني عند التكبيرة الأولى، ويرفع يديه عند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من التشهد الأول، سنة مع قوله: الله أكبر، وعند الرفع من الركوع قائمًا سمع الله لمن حمده إذا كان إمامًا أو منفردًا، والمأموم عند الرفع من الركوع يقول: ربنا ولك الحمد رافعًا يديه حيال منكبيه أو حيال أذنيه، يعني تارة وتارة ربما رفعهما إلى منكبيه وربما رفعهما حتى يحاذي أذنيه، هذا هو السنة، وفق الله الجميع.
تنبيه ثبت دخول شهر المحرم يوم السبت أعلن رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح اللحيدان أنه ثبت هذا الشهر يوم السبت فعلى هذا يكون صيام عاشوراء يستحب أن يكون يوم الأحد والاثنين، أو يوم الاثنين والثلاثاء، يوم الأحد التاسع، والاثنين العاشر، والثلاثاء الحادي عشر، فإذا صام الأحد والاثنين، أو الاثنين والثلاثاء فقد وافق السنة، أو صام الأحد والاثنين والثلاثاء فقد وافق السنة، كان النبي ﷺ يصوم عاشوراء، وكان قد أمر الناس بصيامه أمر إلزام، وقال بعض أهل العلم أمر تأكيد قبل رمضان، فلما فرض الله رمضان رخص في تركه، وقال: من شاء صام ومن شاء ترك، وكان يصومه ﷺ ويقول: إنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه فصامه بنو إسرائيل شكرًا لله، وصامه النبي ﷺ والمسلمون شكرًا لله، وشرع الله أن نخالف اليهود وأن نصوم يومًا قبله أو يومًا بعده مخالفة لليهود أن نصوم يوم عاشوراء، ويستحب أن يكون نصوم يومًا قبله ويومًا بعده، ويقول ﷺ لما سئل عن صوم يوم عاشوراء قال: يكفر السنة التي قبله فيستحب صيامه ولا يجب، لكن مستحب وهو يوم الاثنين في هذه السنة يوم عاشوراء هو يوم الاثنين، والأحد هو التاسع، والثلاثاء هو الحادي عشر، نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم ومن كل مسلم.
س: .....؟
الشيخ: الصواب السنة عدم الرفع، وجاء فيه أحاديث شاذة، وحديث ابن عمر صريح في الصحيحين.
س: .....؟
الشيخ: إذا كان المثبت مساوٍ أو مقارب، لكن المثبت ما هو مقارب ولا هو مساوٍ.
670 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْهِ، وَيَصْنَعُ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وقد صح التكبير في المواضع الأربعة في حديث أبي حميد الساعدي وسنذكره إن شاء الله.
671 - وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ «أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ إذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَنَعَ هَكَذَا»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: «حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ».
672 - وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحَدُهُمْ أَبُو قَتَادَةَ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالُوا: مَا كُنْت أَقْدَمَ لَهُ صُحْبَةً، وَلَا أَكْثَرَنَا لَهُ إتْيَانًا، قَالَ: بَلَى، قَالُوا: فَاعْرِضْ، فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَرَكَعَ، ثُمَّ اعْتَدَلَ فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقْنِعْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ هَوَى إلَى الْأَرْض سَاجِدًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ وَقَعَدَ عَلَيْهَا، وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ نَهَضَ، ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا صَنَعَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ صَنَعَ كَذَلِكَ حَتَّى إذَا كَانَتْ الرَّكْعَةُ الَّتِي تَنْقَضِي فِيهَا صَلَاتُهُ، أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا ثُمَّ سَلَّمَ، قَالُوا: صَدَقْت، هَكَذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا.
الشيخ: في هذه الأحاديث بيان صفة صلاة النبي ﷺ، وتقدم بعض الأحاديث في ذلك، وهذه الأحاديث تدل على شرعية رفع اليدين عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من الثنتين إلى الثالثة حتى يحاذي بهما منكبيه، كما فعل في حديث ابن عمر، وهكذا في حديث علي وحديث أبي حميد الساعدي وحديث مالك بن الحويرث، كلها تدل على هذا المعنى، فالمشروع للمصلي التأسي به ﷺ لقوله: صلوا كما رأيتموني أصلي فالسنة للمصلي إذا اعتدل قائمًا عند الدخول في الصلاة أن يكبر رافعًا يديه يقول: (الله أكبر) رافعًا يديه مادًا لها موجهًا لها إلى القبلة حتى يحاذي بهما منكبيه، وربما رفعهما ﷺ حتى يحاذي بهما فروع أذنيه، فالمستحب أن يكون تارة وتارة، تارة يرفعهما حيال منكبيه، وتارة حيال أذنيه عملا بالأحاديث كلها، وهكذا عند الركوع، وهكذا عند الرفع منه، وهكذا عند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة الإمام والمنفرد والمأموم جميعًا، أما في السجود والرفع من السجود فإنه يكبر من دون رفع على الصحيح كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة المستفيضة.
والسنة أيضا في التشهد الأول أن يجلس على رجله اليسرى إذا تيسر، يفترش وينصب اليمنى بين السجدتين في التشهد الأول، أما في التشهد الأخير فالأفضل أن يتورك، يخرج رجله اليسرى من يمينه ويجلس على الأرض وينصب اليمنى في التشهد الأخير تأسيًا به عليه الصلاة والسلام، ويضع يديه على فخذيه حال جلوسه بين السجدتين وفي التشهد، أو على أطراف فخذيه مع الركبة، كل هذا جاء عنه عليه الصلاة والسلام، وفي التشهد يشير بالسبابة ويقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى في التشهد، أو يقبضها كلها ويشير بالتشهد ويحرك أصبعه السبابة عند الدعاء، يحركها قليلًا عند الدعاء في التشهد الأخير، كل هذا من السنة، وفق الله الجميع.
س: أعظم الله مثوبتكم يقول: ما حكم ركوعي صلاة الكسوف وبما تدرك الركعة في الكسوف، وهل تعاد الصلاة إذا لم ينكشف؟
الشيخ: السنة أن يكتفى بالصلاة لا تعاد، لكن يشتغل الناس بالتكبير والدعاء والذكر والصدقة ولا تعاد الصلاة في الكسوف، والسنة أن يقرأ قراءتين وركوعين وسجدتين مع الإطالة، هذا هو أصح ما ورد في الكسوف، والعمدة على الركوع الأول، من فاته الركوع الأول فاتته الركعة.
س: يقول ما الحكم في البيع بعد الأذان عند المساجد؟
الشيخ: لا يصح البيع بعد أذان الجمعة - الأذان الثاني - عند دخول الخطيب، أما غيره فتركه أولى، الصلوات الأخرى تركه أولى لعدم ورود شيء في ذلك، إذا أذن يبادر بالسعي إلى الصلاة ولا ينبغي له أن يتشاغل ببيع ولا غيره بعد الأذان، لكن النص إنما جاء في صلاة الجمعة لضيق وقتها وعظم شأنها، ولأن المقصود من الصلاة حضور الخطبة، فإذا اشتغل بشيء فاتت الخطبة.
س: .....؟
الشيخ: صحيح نعم.
س: .....؟
الشيخ: ما في منافاة، يكبر غير الرفع، التكبير غير الرفع.