بسم الله الرحمن والرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المستمع الكريم؛ أتحدث إليك اليوم عن الطمأنينة في الصلاة، ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ذات يوم جالسا بين أصحابه في المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي الكريم عليه الصلاة والسلام فقال له النبي ﷺ: ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع الرجل فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ فقال له النبي ﷺ: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء في المرة الثالثة فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام فقال له النبي: ارجع فصل فإنك لم تصل فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فقال له النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها.
فهذا الحديث الشريف العظيم دلنا على أنه يجب على المسلم أن يطمئن في صلاته، وأن يعنى بها، وأن يصليها كما شرع الله ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الصحيح لهذا الرجل الجاهل: ارجع فصل فإنك لم تصل وما ذاك إلا لأنه لم يطمئن في صلاته، بل نقرها ولم يتم ركوعها ولا سجودها، فعلمنا بذلك أن الرجل الذي لا يتم صلاته لا صلاة له، فصلاته باطلة، وهذا خطر عظيم يبتلى به كثير من الناس، كثير من الناس إذا دخل في الصلاة لا يطمئن فيها ولا يعطيها حقها الذي أوجب الله عليه، والواجب على المسلم في هذه الصلاة التي هي عمود دينه وميزان أعماله ... كثيرًا حتى يؤديها ...
أولًا: يعنى بوضوئها وطهارتها، ولهذا قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: فأسبغ الوضوء وإسباغه إكماله وإتمامه، فإذا توضأ الوضوء في أعضائه تمضمض واستنشق كما شرع الله، وغسل وجهه كاملا كما شرع الله، وهكذا يغسل يده اليمنى كما شرع الله مع مرفقه، ثم يغسل اليسرى كما شرع الله مع مرفقه، ثم يمسح رأسه وأذنيه كما شرع الله، ثم يغسل رجليه اليمنى ثم اليسرى مع الكعبين، والسنة ثلاثا ثلاثا، وإذا غسل كل عضو واحدة وأسبغ الماء عليه أجزأه ذلك، ولكنه إذا غسله مرتين فهو أفضل، وإذا غسله ثلاثا فهو أفضل وأكمل، والواجب مرة واحدة إلا مسح الرأس فإن السنة فيه أن يمسحه مرة واحدة يبدأ بمقدم رأسه إلى قفاه ثم يرد يديه إلى المكان الذي بدأ منه، ويمسح أذنيه يدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه كما جاءت السنة بذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا كله بعد أن يستنجي إذا كان قد أحدث بولا أو غائطا، فإن عليه أن يستنجي بالماء أو يستجمر بالحجارة التي شرع الله ، فإذا استنجى بالحجارة باللبن أو بالحجر أو بالخرق الخشنة أو بالأخشاب أو ما أشبه ذلك مما يزيل الأذى ولا يبقى معه أثر من الغائط والبول وكان ذلك ثلاث مرات فأكثر حتى يزول الأذى وحتى ينظف المحل فإن هذا يكفيه عن الماء إذا استجمر بالحجارة أو باللبن أو ما أشبه ذلك من الطاهرات حتى أنقى محل البول ومحل الغائط، وكان ذلك ثلاث مرات فأكثر حتى أنقى المحل وحتى أزال الأذى، هذا يكفيه عن الماء، ولكن استعماله للماء يكون أفضل وأكمل، وإذا استعمل الماء وحده كفاه ذلك.
ثم بعد ذلك يكون وضوؤه الشرعي بالمضمضة والاستنشاق وغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح رأسه وغسل رجليه يكون هذا بعد الاستنجاء، هكذا جاءت الشريعة الكاملة التي علمناها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا للرجال والنساء جميعا هذا الوضوء الشرعي، وهذه الطهارة الشرعية للنساء والرجال جميعا قبل الدخول في الصلاة، فالصلاة مفتاحها الطهور، فالصلاة لها مفتاح ومفتاحها الطهور، فالواجب على المسلم أولا أن يتطهر الطهارة الشرعية، وأن يسبغ وضوءه كما شرع الله.
كما أن عليه أن يغتسل من الجنابة إذا كان عليه جنابة، والمرأة إذا كانت حائضا أو نفساء فطهرت عليها أن تغتسل قبل ذلك، وهذا أمر معلوم للمسلمين بحمد الله، فالصلاة لا بد لها من الطهارة، الطهارة الكبرى من الجنابة والحيض والنفاس، والطهارة الصغرى من الحدث كالريح والبول ونحو ذلك.
ثم بعد ذلك إذا قام في الصلاة استقبل القبلة، وجه وجهه إلى القبلة التي شرع الله وهي الكعبة إن كان بقربها أو شطر الكعبة إن كان بعيدا عنها كما قال الله جل وعلا: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:150]، فالقبلة هي الكعبة الذي يقرب منها يستقبل عينها، والذي يبعد عنها تكفيه الجهة وهي الشطر.
ثم بعد ذلك يكبر التكبيرة التي شرعها الله، وهي التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام قائلا: (الله أكبر) بهذا اللفظ، (الله أكبر) هذا التكبير المشروع في الصلاة بهذا اللفظ، ثم بعد ذلك يأتي بما شرع الله من استفتاح واستعاذة وتسمية وقراءة الفاتحة وما يسر الله معها من سورة أو آيات، ثم بعد ذلك يركع الركوع الشرعي ويطمئن في ركوعه ويعتدل ويضع يديه على ركبتيه مطمئنا خاشعا لربه ، هكذا شرع الله .
فعليك أيها الأخ المؤمن عليك أن تهتم بهذا وأن تعنى بهذا، فإذا ركعت تطمئن في ركوعك وتسوي ظهرك ورأسك وتكون معتدلا في ذلك تأسيًّا بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وتضع يديك على ركبتيك مفرجتي الأصابع مستقرا مطمئنا حتى يرجع كل فقار إلى مكانه تأسيا بنبيك عليه الصلاة والسلام، وعملا بأمره حيث قال للرجل الأعرابي: ثم اركع حتى تطمئن راكعا والطمأنينة هي السكون في الصلاة، والركود فيها في ركوعك وغيره حتى يرجع كل عضو إلى مكانه، وحتى تستقر الأعضاء في محلها وتؤدي الأمر المشروع من التسبيح في الركوع والتسبيح في السجود وغير ذلك مما شرع الله من تعظيمه سبحانه ودعائه في السجود، هذا هو المشروع في ركوعك وسجودك أن تطمئن وأن تعتدل وأن تخشع لربك ، وأن تأتي بالمشروع من الذكر والدعاء، فالركوع يشرع فيه التعظيم لله عز وجل لقولك: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، والسجود تأتي أيضا بالتسبيح: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، وتدعو في السجود بما يسر الله من الدعاء الطيب النافع لقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم أي حري أن يستجاب لكم.
فأنت يا أخي مأمور بأن تطمئن في ركوعك وفي سجودك وفي قيامك وفي جلوسك، أنت في هذا كله تلاحظ وتراعي الحدود الشرعية في هذه الصلاة التي هي عمود الإسلام وهي أهم فريضة وأعظم فريضة بعد الشهادتين، ولهذا قال نبينا عليه الصلاة والسلام لهذا الأعرابي: ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما كذلك إذا رفعت من الركوع تعتدل وتبقى قائما معتدلا منتصبا حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، لا تعجل، كثير من الناس إذا رفع رأسه من الركوع بادر بالسجود ولم يطمئن ولم يعتدل وهذا منكر يبطل الصلاة، فالواجب عليك أيها المسلم إذا رفعت رأسك من الركوع أن تعتدل قائما منتصبا حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وتقول عند رفعك إذا كنت مأموما: ربنا ولك الحمد، وبعد انتصابك تقول: ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، وإن قلت: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فحسن، كل هذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام.
والمقصود والواجب أن تعتدل في هذا القيام وأن تطمئن وألا تعجل، وقولك: ربنا ولك الحمد، عند رفعك هذا واجب لا بد منه، عليك أن تلاحظه وألا تخل به، والسنة أن تكمل ذلك لقولك بعد الانتصاب: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، هكذا جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه ربما زاد بعد ذلك: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد -وكلنا لك عبد- اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، جاء عنه ﷺ أنه يقول هذا في حال انتصابه بعد الركوع عليه الصلاة والسلام، ولنا التأسي به في ذلك ﷺ، أما الإمام والمنفرد فيقول عند الرفع من الركوع: سمع الله لمن حمده، يقول هذا أولا عند رفعه الإمام والمنفرد يقولان: سمع الله لمن حمده، ثم يقولان بعد ذلك: ربنا ولك الحمد إلى آخره.
ثم بعد الانتصاب والاعتدال بعد الركوع بعد هذا ينحط ساجدا على السبعة الأعضاء على جبهته وأنفه وعلى كفيه رافعا ذراعيه عن الأرض وعلى ركبتيه وعلى أطراف قدميه، يسجد على هذه الأعضاء السبعة ويعتدل ويطمئن في سجوده خاشعا لله معظما لله ، لا يعجل ولا ينقرها ولكن يطمئن ويقول: سبحان ربي الأعلى، ويكرر ذلك ويكثر من الدعاء والضراعة إلى الله ، يطلب خير الدنيا والآخرة في سجوده كما تقدم في الحديث الصحيح، وهو قوله ﷺ: وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم أي حري أن يستجاب لكم، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء. فينبغي لنا أن نكثر من الدعاء في السجود نطلب خير الدنيا والآخرة كالمغفرة والنجاة من النار والرزق الحلال ونحو ذلك.
وإلى اللقاء في حلقة ثانية لإكمال هذا البحث العظيم الذي نحن في حاجة إليه لكثرة من يخل منا بواجب الطمأنينة، وأسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه، وأن يهدينا جميعا صراطه المستقيم، إنه سميع قريب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.