بَابُ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنِ الْمِرَاءِ فِي الْقُرْآنِ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: أخبرنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مِرَاءٌ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ.
الشيخ: المجادلة والخصام الذي يتضمن إنكار القرآن وعدم الإيمان به كفرٌ أكبر، فلا بدَّ من الإيمان به، والخضوع والانقياد، والشهادة بأنه كلام الله حقًّا.
س: معنى المراء؟
ج: يعني: المجادلة والمخاصمة في بيان حقِّه، وأنه واجب الاتِّباع، يجب على كل أحدٍ أن يُسلم لهذا، وأن يُؤمن بأنَّ القرآن هو حقّ، وأنه هو الدليل، وأنه كلام الله ، وأنه الحُجَّة القائمة، فالذي يُماري في هذا ويُشكك في هذا كافر.
عليه حاشية؟
طالب: نعم يا شيخ، قال: صحيح إسناده حسن؛ فإن محمد بن عمرو حسن الحديث، وقد تابعه سعد بن إبراهيم، كما في الحديث الآتي، وهو ثقة فاضل، كما في "التقريب"، وأبو حازم عند أحمد، وإسناده على شرطهما، وزاد فيه: فما عرفتم منهم فاعملوا، وما جهلتُم منه فردُّوه إلى عالمه رواه أبو داود وغيره.
وقد صححه الحاكمُ على شرط مسلمٍ، ووافقه الذهبي، وله شواهد صحيحة عن جماعةٍ من الصحابة مرفوعة وموقوفة، يأتي بعضُها عند المؤلف.
حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ السَّقَطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى التَّيْمِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ.
حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حَسَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُاللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ: إِنِّي سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: هَجَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا، إِذْ سَمِعَ صَوْتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، فَقَالَ: إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ.
الشيخ: هجرت يعني: بكَّرتُ. والمعنى: ليكن البحثُ في القرآن على سبيل التَّفهم والعلم، لا على سبيل المغالبة والمغاضبة، حتى كل واحدٍ يسبّ الآخر ويُناقضه، لا، هذا لا يجوز؛ لأنَّ هذا معناه تضييع الفائدة، ومعناه أن يأتي التَّعصب، كل واحدٍ يتعصَّب لرأيه فيقول بغير الحقِّ، فالواجب أن يكون البحثُ في القرآن وفي السنة من طريق طلب الفائدة بالحلم والصبر والخلق الكريم، وعدم التَّعصب لرأيه أو الغضب أو السب؛ ولهذا أنكر عليهم لما رأى منهم الشدة في ذلك.
الشيخ: وهذا هو الواجب حتى في السنة، لكن القرآن أعظم، يجب أن تكون المناظرةُ والبحثُ لقصد الفائدة، وبالحلم والصبر والأسلوب الحسن؛ حتى تتضح الفائدةُ ويظهر الحق، أما مع الغلظة والشدة والغضب، كل واحدٍ يريد أن يغلب ويظهر للناس أنه أقوى، وأنه أعلم بالحجة، هذا يُضيع الفائدة، وتنزع البركة، ويقع الشيطان بينهم، نسأل الله العافية، فالواجب القيام على ذلك.
144- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ السَّقَطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ قَالَ: أخبرنا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: دَعُوا الْمِرَاءَ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْأُمَمَ قَبْلَكُمْ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى اخْتَلَفُوا فِي الْقُرْآنِ، وَإِنَّ الْمِرَاءَ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ.
145- وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ عَبْدِالْحَمِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ أَبُو حَاتِمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَتَذَاكَرُ عِنْدَ بَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْقُرْآنَ، يَنْزِعُ هَذَا بِآيَةٍ، وَهَذَا بِآيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَكَأَنَّمَا صُبَّ عَلَى وَجْهِهِ الْخَلُّ، فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ، لَا تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَإِنَّهُ لَمْ تَضِلَّ أُمَّةٌ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: عَرِّفْنَا هَذَا الْمِرَاءَ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ, مَا هُوَ؟ قِيلَ لَهُ: نَزَلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَمَعْنَاهَا: عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُلَقِّنُ كُلَّ قَبِيلَةٍ مِنَ الْعَرَبِ الْقُرْآنَ عَلَى حَسَبِ مَا يَحْتَمِلُ مِنْ لُغَتِهِمْ؛ تَخْفِيفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَكَانُوا رُبَّمَا إِذَا الْتَقَوْا يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَيْسَ هَكَذَا الْقُرْآنُ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَيَعِيبُ بَعْضُهُمْ قِرَاءَةَ بَعْضٍ، فَنُهُوا عَنْ هَذَا: اقْرَؤوا كَمَا عَلِمْتُمْ، وَلَا يَجْحَدُ بَعْضُكُمْ قِرَاءَةَ بَعْضٍ، وَاحْذَرُوا الْجِدَالَ وَالْمِرَاءَ فِيمَا قَدْ تَعَلَّمْتُمْ.
الشيخ: وهذا كفرٌ منكر، يعني: كفر دون كفرٍ، يعني: منكر؛ لأنَّ الكفر كفران: كفر أكبر، وهو جحد ما أوجب الله، وجحد ما أحلَّ الله، وصرف العبادة لغير الله. وكفر أصغر من باب التَّمثيل، مثل ما هنا: المراء بالقرآن كفر، ومثل قوله ﷺ: لا ترجعوا بعدي كُفَّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعضٍ، وقوله ﷺ: اثنتان بالناس هما بهم كفر: الطعن في النَّسب، والنياحة على الميت، إن كفر بكم الانتساب إلى غير آبائكم، وأشباه ذلك.
وَالْحُجَّةُ فِيمَا قُلْنَا مَا:
146- حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: قُلْتُ لِرَجُلٍ: أَقْرِئْنِي مِنَ الْأَحْقَافِ ثَلَاثِينَ آيَةً. فَأَقْرَأَنِي خِلَافَ مَا أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قُلْتُ لِآخَرَ: أَقْرِئْنِي مِنَ الْأَحْقَافِ ثَلَاثِينَ آيَةً. فَأَقْرَأَنِي خِلَافَ مَا أَقْرَأَنِيَ الْأَوَّلُ، وَأَتَيْتُ بِهِمَا النَّبِيَّ ﷺ، فَغَضِبَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عِنْدَهُ جَالِسٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ : قَالَ لَكُمُ: اقْرَؤوا كَمَا عَلِمْتُمْ.
الشيخ: والمقصود من هذا أنَّ الواجب المذاكرة بالحلم؛ حتى يتبين له ما جهل، فإذا قرأه بحرفٍ، والآخر قرأه بحرفٍ يُبين كلُّ واحدٍ معنى الآخر، مثلما جرى لعمر مع أبي أيوب وغيره، المقصود أنَّ الأحرف مُتغايرة بالألفاظ على سبعة، الأحرف متقاربة في المعنى، أو متَّحدة في المعنى، ولما رأى الصحابة في عهد عثمان تنازع الناس جمعوا المصحفَ على حرفٍ واحدٍ، واجتهدوا في عهد عثمان ومعهم عليّ والزبير وطلحة وغيرهم، فصارت القراءة على حرفٍ واحدٍ؛ حتى لا يقع النزاع الذي وقع في عهد النبي وعهد الصديق وعهد عمر وفي أول خلافة عثمان، مثل: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:181]، والآخر يقرأ: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173]، والآخر يقرأ: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [الحج:75]، يحسبون أنَّ هذا شيء يضرّ، وهذا لا يضرّ؛ لأنها متَّحدة المعنى، متقاربة المعنى، لكن لما جمعهم الصحابةُ على حرفٍ واحدٍ انتهى هذا الخلافُ، وانتهت هذه المشكلة.
الشيخ: قال: اقرأ يا حسان. فقرأ، ثم قال: اقرأ يا عمر. فقرأ، فيقول لكل واحدٍ منهما: هكذا أُنزلت، إنَّ القرآن أُنزل على سبعة أحرفٍ، فاقرؤوا ما تيسر منه.
148- وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْجَوْزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: أخبرنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَقْرَأَنِيهَا، فَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ، فَذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا! فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهَا مِنْهُ، فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَصَارَ الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرًا بِهَذَا الْمَعْنَى؛ يَقُولُ هَذَا: قِرَاءَتِي أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِكَ. وَيَقُولُ الْآخَرُ: بَلْ قِرَاءَتِي أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِكَ. وَيُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَقِيلَ لَهُمْ: لِيَقْرَأْ كُلُّ إِنْسَانٍ كَمَا عَلِمَ، وَلَا يَعِبْ بَعْضُكُم قِرَاءَةَ غَيْرِهِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ، وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ، وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ، وَأَحِلُّوا حَلَالَهُ، وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي تَأْلِيفِ كِتَابِ الْمُصْحَفِ - مُصْحَفَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - الَّذِي أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ وَالصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَئِمَّة الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ بَلَدٍ، وَقَوْلِ السَّبْعَةِ الْأَئِمَّةِ فِي الْقُرْآنِ؛ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلَمْ أُحِبَّ تَرْدَادَهُ هَاهُنَا، وَإِنَّمَا مُرَادِي هَاهُنَا تَرْكُ الْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْهُ، وَلَا يَقُولُ إِنْسَانٌ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، وَلَا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ إِلَّا مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ، أَوْ عَنْ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُمَارِي، وَلَا يُجَادِلُ.
الشيخ: هذا هو الواجب؛ أن يكون البحثُ على سبيل الرغبة في العلم، والتواضع، والإخلاص لله في ذلك، لا من طريق المجادلة والمغالبة، وأنا أفهم منك، وأنت كذا وكذا، وأنت بليد، أو أنت ما تفهم! هذا يُثير الشَّحناء والعداوة، ويُسبب الاختلاف والفُرقة والتَّباغض، ولكن بالنية الصَّالحة، والأسلوب الحسن، والكلام الطيب، والمذاكرة الطيبة تحصل الفائدة، من دون وحشةٍ؛ ولهذا علَّمهم النبيُّ ﷺ هذا الأمر، وأن كل إنسانٍ يقرأ كما عُلِّم، ويحذر المراء والجدل.
ولما رأى الصحابةُ ما وقع في زمن عثمان من الجدل بين الصحابة وبين الناس في غزواتهم وفي بلدانهم جمعوهم على مصحفٍ؛ إنهاءً لهذا الأمر، فجزاهم الله خيرًا، ورضي الله عنهم وأرضاهم.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّا قَدْ نَرَى الْفُقَهَاءَ يَتَنَاظَرُونَ فِي الْفِقْهِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا، وَقَالَ النَّبِيُّ كَذَا وَكَذَا، فَهَلْ يَكُونُ هَذَا مِنْ مِرَاءٍ فِي الْقُرْآنِ؟
قِيلَ: مَعَاذَ اللَّهِ، لَيْسَ هَذَا مِرَاءً، فَإِنَّ الْفَقِيهَ رُبَّمَا نَاظَرَهُ الرَّجُلُ فِي مَسْأَلَةٍ، فَيَقُولُ لَهُ عَلَى جِهَةِ الْبَيَانِ وَالنَّصِيحَةِ: حُجَّتُنَا فِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى جِهَةِ النَّصِيحَةِ وَالْبَيَانِ، لَا عَلَى جِهَةِ الْمُمَارَاةِ، فَمَنْ كَانَ هَكَذَا، وَلَمْ يُرِدِ الْمُغَالَبَةَ، وَلَا أَنْ يُخْطِئَ خَصْمُهُ وَيَسْتَظْهِرَ عَلَيْهِ سَلِمَ، وَقُبِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، قَالَ الْحَسَنُ: الْمُؤْمِنُ لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي، يَنْشُرُ حِكْمَةَ اللَّهِ، فَإِنْ قُبِلَتْ حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنْ رُدَّتْ حَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَا.
الشيخ: وهذا هو الحق؛ أن يكون من باب إظهار الفائدة، وإعلام أخيه بالفائدة من دون مماراةٍ ولا جدلٍ، ولا ترفُّعٍ ولا تكبُّرٍ، بل يُعلم أخاه ويُبين لأخيه ما عنده من العلم برأفةٍ ورحمةٍ وتواضعٍ وقصد خيرٍ ونيةٍ صالحةٍ، لا بنية التَّرفع عليه، والتَّكبر عليه، أو أنه أعلم منه، أو تجهيله، هذا يُسبب المشاكل.
الشيخ: هكذا يتعلَّمون بالرفق والحكمة والتواضع والرغبة في الخير، لا للجدل والتَّرفع.
الشيخ: الطالب يتواضع، والمعلم يتواضع ولا يتكبر أيضًا.