بَابُ ثَوَابِ مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى أَوْ أَحْيَا سُنَّةً وَإِثْمِ مَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً أَوْ دَعَا إِلَيْهَا
قَالَ اللَّهُ : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النَّحْل:125]، وَقَالَ اللَّهُ : وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ [الحَج:67]، وَقَالَ اللَّهُ : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يُوسُف:108]، وَقَالَ الله تَعَالَى: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الْفُرْقَان:74] قَالَ: أَئِمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا، وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا.
وَقَالَ اللَّهُ : يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الْإِسْرَاء:71] أَيْ: بِنَبِيِّهِمْ، وَقِيلَ: بِكِتَابِهِمْ، وَقِيلَ: بِإِمَامِهِمُ الَّذِي اقْتَدَوْا بِهِ.
الشيخ: الآية عامَّة، تعمّ أتباع الأنبياء، وتعمّ أتباع القادة الآخرين، والله المستعان، عليه حاشية؟
الطالب: ما عليه شيء.
الشيخ: الآية عامَّة.
الشيخ: قبلها: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ .. بسبب دعوتهم للباطل، لما دعوا إلى الباطل حملوا أوزارهم ومثل أوزار مَن دعوه وأضلُّوه، نسأل الله العافية.
ومقصود المؤلف من هذا الحثّ على الدَّعوة إلى الخير، والترغيب في الخير، وأن الداعي إلى الخير له مثل أجور أتباعه، والحذر من الدَّعوة إلى الشرِّ، وأن الداعي إلى الشرِّ عليه مثل أوزار مَن تبعه، كما جاءت به السنة، والأمر خطير، ولا سيما في هذا العصر، عصر الفتن، وعصر الغربة، فينبغي للمؤمن أن يحذر الدَّعوة إلى الباطل؛ لا بقوله، ولا بفعله، ويحرص على أن يكون داعيةً إلى الحقِّ و..... في الحقِّ أينما كان: مع زملائه، ومع جلسائه، ومع جيرانه، ومع غيرهم، يحرص على الدَّعوة إلى الخير، والترغيب في الخير: في الصلاة، في الجماعة، في الصدقة على الفقراء، في إكرام الضيف، في عمارة المجالس بالذكر والطاعة والقرآن، في عيادة المريض، إلى غير هذا من وجوه الخير يكون قدوةً، يكون داعيةً.
قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ، وَمَا أَخَّرَتْ مِنْ سُنَّةٍ اسْتُنَّ بِهَا بَعْدَهُ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ، أَوْ سَيِّئَةٍ، فَعَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ [الْقِيَامَة:13].
109- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ: أَخبرنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ: أَخبرنا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ: حدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ: حدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ: حدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ.
110- أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُالْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ: أَخبرنا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ الْحَافِظُ: أَخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُاللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ بِبَغْدَادَ: أَخبرنا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ السَّامَرِّيُّ: حدَّثنَا سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ الزُّبَيْرِيُّ: حدَّثنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْمُزَنِيُّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي، فَإِنَّ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنَ النَّاسِ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ، وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً لَا تُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ إِثْمِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنَ النَّاسِ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِ النَّاسِ شَيْئًا. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَبِلالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
وَكَثِيرٌ هُوَ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ زَيْدٍ الْمُزَنِيُّ، مَدَنِيٌّ.
الشيخ: كثير يضعف في الحديث، لكنه حسن من جهة الرواية السابقة، من جهة الأدلة الشرعية الكثيرة الدالة على معناه، وإلا فكثير بن عبدالله بن عمرو هذا ضعيف لا يُحتج به، وقول المؤلف: "حسن" ينبغي أن يُنبه أنه حسن لغيره؛ للشواهد الأخرى، للأحاديث الصَّحيحة.
س: ...........؟
ج: التائب الحمد لله، التوبة تمحو ما قبلها، عليه أن ينشر الحقَّ ويدعو إلى الله والحمد لله.
س: ............؟
ج: إذا تاب تاب الله عليه الحمد لله، الشرك أعظم الذنوب، ومَن تاب تاب الله عليه، لكن إن كان منهم أحياء أو أحد من أولادهم قد ضلوا بشيءٍ يُنبههم، يقول: ترى رجعت، ترى غلطت، وإن كان ما في حيلةٍ فالحمد لله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، قد يتوب بعدما يقتل، وبعدما يفعل، وبعدما يفعل التوبة الحمد لله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، أجمع العلماءُ على أنها في التَّائبين والله أكبر.
س: الضَّعف في الحديث؟
ج: من جهة كثير، قال بعضهم: إنه ركن الكذب.
111- أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ: أَخبرنا جَدِّي عَبْدُالصَّمَدِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ: أَخبرنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ: أَخبرنا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ: حدَّثنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَخبرنا مَعْمَرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْقَاتِلِ كِفْلٌ مِنْ إِثْمِهَا؛ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، كُلٌّ عَنِ الأَعْمَشِ.
قَوْلُهُ: كِفْلٌ أَيْ: نَصِيبٌ.
الشيخ: نسأل الله العافية، وهذا فيه الحذر من ابتداء المعاصي، والدَّعوة إليها، وأن العاصي إذا اقتُدي به صار عليه كفلٌ من ذلك، نسأل الله العافية، وهو الذي يبدأ في بلدٍ أو في قبيلةٍ شرًّا، ثم يُقتدى به، نسأل الله العافية.
الشيخ: زال يزول يعني: تصرف مع القرآن، من زال يزول، مثل: قال يقول.
الشيخ: وهذه نصائح عظيمة ، أعظم الذنوب الشرك بالله، يجب الحذر منه، ثم المشروع للمؤمن أن يكون مع القرآن، يتصرف مع القرآن؛ ما دعا إليه القرآنُ بادر إليه، وما حذَّر منه القرآنُ تركه، يعتني بكتاب الله، ويتصرف مع القرآن، ثم يكون عنده تواضع؛ يقبل الحقَّ ممن جاء به، ويرد الباطل ممن جاء به، فيقبل الحقَّ ولو جاء من العدو، ولو جاء من الكافر، ويرد الباطل وإن كان من الصديق، وإن كان من القريب، فالحق فوق الجميع.
س: بعض الإخوان توسَّع في الأخذ من اللحية، يقول: هذه شوائب وزوائد، ومن قبيل هذا، كأنه مُستأنس برأي أحد العلماء؟
الشيخ: يُعلَّم أنَّ هذا غلط، الرسول ﷺ قال: قصوا الشَّوارب، ووفِّروا اللِّحَى، خالفوا المشركين، أخرجه البخاري في الصحيح، وفي اللفظ الآخر: قصوا الشوارب، وأعفوا اللِّحَى، خالفوا المشركين متفق عليه، وفي اللفظ الثالث عند مسلم: جزُّوا الشَّوارب، وأرخوا اللِّحى، خالفوا المجوس، فواجب إعفاؤها وإكرامها وتوفيرها وعدم التَّرخص بأقوال زيدٍ أو عمرٍو.
س: وإن استدلَّ على ذلك بفعل بعض الصَّحابة؟
ج: هو معصوم الصَّحابي؟! المعصوم مَن هو فيما يُبلِّغ عن الله؟ عليك بالمعصوم، ودع عنك غير المعصوم؛ فإنه يُخطئ ويُصيب، وقل: اللهم اغفر له، فإذا كان ابن عمر أخطأ، أو زيد، أو عمرو، أو أحمد بن حنبل، أو الشافعي، أو واحد من المعاصرين أو غيرهم تقول: اللهم اغفر له، وعليك بالحقِّ، لا تترك الحقَّ لقول أحدٍ، لا لقول الصديق، ولا عمر، ولا عثمان، ولا ابن حنبل، ولا الشافعي، ولا زيد، ولا عمرو، الحق فوق الجميع متى ظهر وتبين، لكن مع التَّرضِّي عن أهل الخير، والترحم عليهم، وإحسان الظنّ بهم.
س: حلق اللحية كبيرة من كبائر الذُّنوب؟
ج: معصية، وأما كونه كبيرةً الله أعلم، هو من المعاصي.