بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المستمعون الكرام حديثي معكم اليوم في بيان الطلاق السني والبدعي، قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ [الطلاق:1] الآية، يأمر الله نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام والأمة تبعا له إذا طلقوا النساء أن يطلقوهن العدة، وطلاقهن العدة هو أن يطلقن طاهرات من غير جماع، هذا هو الطلاق للعدة، لأن العدة تكون بالحيض، فالطلاق يكون في قبل العدة، يعني قبلها وأمامها.
وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام الطلاق الشرعي، فثبت عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فغضب في ذلك، وأمر عبدالله بن عمر أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم يطلق قبل أن يمس، قال عليه الصلاة والسلام: فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء يعني في قوله سبحانه: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] الآية.
فهذا من النبي عليه الصلاة والسلام يبين لنا صفة الطلاق الشرعي، وأنه هو الذي يقع حال كون المرأة طاهرا قبل أن يمسها، وجاء في حديث في لفظ آخر من حديث ابن عمر قال عليه الصلاة والسلام: فليطلقها طاهرًا أو حاملًا، فبين عليه الصلاة والسلام أن الطلاق الشرعي أن تكون المرأة في إحدى حالين: إما أن تكون حاملا قد بان حملها، وإما أن تكون طاهرا لم يجامعها، هذا هو محل الطلاق الشرعي، أن تكون المرأة في إحدى حالين: إما أن تكون طاهرا حائلا قبل أن يمسها، وإما أن تكون حاملا، هذا هو محل الطلاق الشرعي، أما إذا كانت حائضا أو نفساء أو في طهر جامعها فيه فهذا هو محل الطلاق البدعي المنكر.
فعليك يا عبدالله أن تنتبه لذلك، وألا تطلق زوجتك إلا على بصيرة، وإياك أن تطلقها في حال الغضب، إذا غضبت فتعوذ بالله من الشيطان، فقد أرشد النبي عليه الصلاة والسلام الغضبان أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فأنت يا عبدالله إذا غضبت بسبب نزاع بينك وبين أهلك أو غيرهم، فإياك والعجلة، لا تعجل في الطلاق، وعالج الأمور بغير الطلاق، تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، توضأ وصلِّ، اخرج من البيت، اشتغل بشيء آخر حتى تهدأ وحتى يزول الغضب، أما البدار بالطلاق في حال الغضب فذلك مما تسوء عاقبته، ومما يسبب الندم، ومما يسبب المشاكل التي لا تحمد عقباها.
فالواجب على المؤمن أن يتأدب بآداب الله، وأن يستقيم على شرع الله في كل أموره، في الطلاق وفي غيره، ومن ذلك أن تنظر في أمر المرأة عند الطلاق، وألا تعجل وألا تسارع في الطلاق، لا تطلق إلا إذا طابت نفسك من المرأة من غير غضب، طابت نفسك بأنك رأيتها غير صالحة للبقاء معك، فعليك أن تطلقها بإحسان، وأن تطلقها طلاقا شرعيا طلقة واحدة من دون إيذاء لها ولا ظلم لها، بل إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان كما أمر الله ، ولكن يكون هذا في حال الهدوء، وفي حال الرضا لا في حال الغضب، فإذا طابت نفسك منها في حال هدوءك وعدم غضبك فطلقها طلاقا شرعيا، وهو أن تطلقها طلقة واحدة لا أكثر، وأن يكون ذلك في حال كونها طاهرا حائلا قبل أن تمسها، أو في حال كونها حاملا، هذا هو الطلاق الشرعي الذي أمر الله به جل وعلا في قوله: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1].
أما الطلاق بالثلاث فلا يجوز، جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر له أن رجلا طلق امرأته ثلاثا جميعا فغضب وقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم الحديث، هذا يدلنا على أنه لا يجوز الطلاق بالثلاث، وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما للذي طلق امرأته ثلاثًا قال: عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك
فالتطليق بالثلاث لا يجوز لأنه إن كان بالثلاث متفرقات كأن يقول: طالق، ثم طالق، ثم طالق، فإن هذا يحرمها عليه عند جمهور أهل العلم، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فيكون في ذلك مضرة عليه، وقد يندم وتندم، فلا ينبغي أن يقع منه هذا الطلاق، فإنه في هذا يضيق على نفسه، والله قد وسع عليه، فلا ينبغي له أن يعجل فيطلق هذا الطلاق المنكر الذي يحرمها عليه، وإن كان بالثلاث جميعا بكلمة واحدة، فالجمهور أيضا على تحريمها عليه بذلك الجمهور بعدما أفتى عمر بذلك على تحريمها عليه بذلك،
فلا ينبغي له أن يعرض نفسه لأن تحرم عليه زوجته بهذا الطلاق الذي أفتى عمر رضي الله عنه وأرضاه وجمهور من المسلمين بذلك، بل ينبغي له أن يبتعد عن أسباب تحريمها عليه، وألا يطلق إلا طلاقا شرعيا رجعيا لا يحرمها عليه، وإن كان الأصح والأصوب أن التطليق بالثلاث بكلمة واحدة يعتبر طلقة واحدة هذا هو الصواب، وهذا هو الأرجح كما كانت عليه الحال في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وعهد الصديق رضي الله عنه وأول خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ولكن عمر رضي الله عنه وأرضاه رأى باجتهاده وحرصه على نفع الأمة أن يمضي على من طلق بالثلاث جميعا، أن يمضي عليهم ذلك ولو كان بكلمة واحدة اجتهادا منه رضي الله عنه وأرضاه، والاجتهاد يعرض على الأدلة الشرعية،
فإذا اقتضت الأدلة الشرعية إمضاءه مضى، وإن اقتضت عدم امضائه لم يمضِ، وإذا عرضنا ذلك على الحديث الصحيح الثابت في هذا الباب ظهر من ذلك أن الأولى والأرجح أن تكون الثلاث بكلمة واحدة طلقة واحدة.
المقصود من هذا الكلام أن نعرف الطلاق الشرعي السني والبدعي، فعليك يا عبدالله ألا تطلق إلا طلقة واحدة، هذا هو السنة، وهذا هو المشروع لك، وهذا هو طريق السلامة لأنك قد تندم وقد تندم هي أيضًا، فيكون لك في الطلاق الشرعي سعة وفرج، فتراجع زوجتك في العدة، أو تنكحها بعد العدة نكاحا شرعيا كسائر الخطاب.
وكذلك عليك أن تلاحظ حال المرأة عند الطلاق، فإذا كانت المرأة حال الطلاق حائضا أو نفساء فلا تطلقها، لأن الرسول نهى عن ذلك عليه الصلاة والسلام، وأنكر على ابن عمر طلاقه من امرأته وهي حائض، فأنت عليك أن تلاحظ ذلك وأن لا تطلقها في حال حيضها، وهكذا النفاس فإنه كالحيض، والحكمة في ذلك والله أعلم أن المرأة في حال الحيض والنفساء غير مرغوب فيها كما ينبغي، لأنها محرمة على الزوج، فقد يسهل عليه فراقها في هذه الحال لكونه ممنوعا منها، بخلاف ما إذا كانت في حال الطهر، فإنها مرغوبة للزوج، وقد تتوق نفسه إليها فلا يعجل في طلاقها، وقال قوم: إنما حرم ذلك في الحيض والنفساء لأنها تطول العدة بذلك، والأول أظهر وأن الحكمة في ذلك والله أعلم أن طلاقها في الحيض والنفاس قد يسهل، وقد يسارع إليه الرجل لكونه ممنوعا منها، فيندم بعد ذلك. أما طلاقها في حال الطهر فلا يسهل لأنها مباحة له، وقد تتوق نفسه إليها، فإذا جامعها منع من الطلاق فبقيت في عصمته حتى تحيض ثم تطهر، فلا يزال هكذا إذا طهرت جامعها فيمتنع عليه الطلاق، فتبقى المرأة في عصمتها ويسلم من مضرة الطلاق.
فالشارع راعى في ذلك مصلحة الجميع، والشرع كله خير، فالله سبحانه شرع لعباده ما فيه الخير لهم والعاقبة الحميدة، وضيق أوقات الطلاق حتى لا يسارع الرجل إلى الطلاق، ضيقها عليه وجعل الطلاق في حالين فقط: حال كونها حاملا، وحال كونها طاهرا طهرا لم يجامعها فيه، حتى لا يكثر الطلاق، وحتى لا يسارع إليه.
أما في حال الحيض، أو النفاس، أو الطهر الذي جامعها فيه، فإنه لا يجوز أن يطلقها في هذه الأحوال الثلاثة، فهذا كله من تيسير الله، وكله من رحمة الله لعباده سبحانه وتعالى، وكذلك ليس له أن يطلق بالثلاث لا بكلمة ولا بكلمات، وإنما عليه أن يطلق طلقة واحدة، هذا هو المشروع أن يطلق طلقة واحدة فقط، ولا يعجل، يطلقها حال كونه طيب النفس سامحا منها، أما في الحال الغضب فلا، إذا كان غضب فلا ينبغي في هذا الحال أن يطلق لأن الغضبان ضعيف التصور، ناقص العقل، فلا ينبغي له في ذلك أن يطلق، بل ينبغي له أن يمسك ويتعاطى أسباب زوال الغضب من الوضوء والصلاة، ومن التعوذ بالله من الشيطان، ومن الخروج من المنزل، ومن اشتغال بشيء آخر حتى يهدأ الغضب ويزول الغضب.
فعرفت بذلك أن السنة يا أخي أن تطلق زوجتك إذا طابت نفسك منها، وسمحت نفسك منها أن تطلقها في حال هدوك وعدم غضبك طلقة واحدة فقط لا زيادة، وأن يكون ذلك في حال كونها حاملا أو في حال كونها طاهرا طهرا لم تجامعها فيه قبل أن تمسها، هذا هو محل الطلاق، أما في حال الحيض أو في النفاس أو الطهر الذي جامعتها فيه فليس لك طلاقها في هذه الأحوال كما بينه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
والله المسؤول أن يوفقنا والمسلمين جميعا لما فيه رضاه، وأن يرزقنا اتباع السنة وتعظيمها، والمحافظة عليها، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.