وَالقسمُ الثَّاني مِن أَقسامِ المَردودِ، وهو ما يكونُ بسبَبِ تُهمَةِ الرَّاوي بالكَذِبِ، هُو المَتْروكُ.
والثَّالِثُ: المُنْكَرُ؛ على رَأْيِ مَن لا يَشْتَرِطُ في المُنْكَرِ قيدَ المُخالفةِ.
وكذا الرَّابِعُ، والخَامِسُ، فمَنْ فَحُشَ غَلَطُهُ، أو كَثُرَتْ غَفلَتُه، أو ظهَرَ فِسْقُه؛ فحديثُهُ مُنْكَرٍ.
الشيخ: وهذا واضح، تقدم أن من عرف بالكذب بأي وجه يسمى خبره موضوعًا، سواء كان بتصريحه، أو بغير ذلك من الأدلة الدالة على كذب خبره، فهذا موضوع يعني مكذوب.
والثاني: المتروك، من يتهم بالكذب يسمى حديثه متروك.
والثالث: المنكر، وهو من فحش غلطه، ويسمى حديثه منكر.
أو يعرف بالغفلة، أو بالفسق فهؤلاء كلهم أخبارهم منكرة لعدم استيفائها شروط القبول من الحفظ والصدق؛ لأنه لا يؤمن أن يكون مما غلط عليه، وفحش غلطه، أو كان مغفلًا ما يضبط الروايات، أو فاسقًا معروفًا بالفسق لا يؤمن.
ثمَّ الوَهَمُ، وهُو القِسمُ السَّادسُ، وإِنَّما أُفْصِحَ بهِ لِطولِ الفَصْلِ، إِنِ اطُّلعَ عَليهِ؛ أي: على الوَهَمِ بِالقَرائِنِ الدَّالَّةِ على وهَمِ راويهِ مِن وصْلِ مُرْسَل أو مُنْقَطع، أو إِدخال حَديثٍ في حَديثٍ، أو نحوِ ذلك مِن الأشياءِ القادحةِ.
وتَحْصُلُ معرفةُ ذلك بكثرةِ التَّتبُّعِ وجَمْعِ الطُّرُقِ؛ فهذا هو المُعَلَّلُ، وهو مِن أَغمَضِ أَنواعِ عُلومِ الحديثِ وأَدقِّها، ولا يقومُ بهِ إلاَّ مَن رَزَقَهُ اللهُ تعالى فهْمًا ثاقِبًا، وحِفْظًا واسِعًا، ومعرِفةً تامَّةً بمراتِبِ الرُّواةِ، ومَلَكَةً قويَّةً بالأسانيدِ والمُتونِ، ولهذا لم يتكلَّمْ فيهِ إِلاَّ القليلُ مِن أَهلِ هذا الشأْنِ؛ كعليِّ بنِ المَدينيِّ، وأَحمدَ بنِ حنبلٍ.
الشيخ: وهذا واضح لأن الوهم يقع من الرواة فلا يطلع عليه إلا الخواص من أئمة الحديث كعلي بن المديني، ويحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل - رحمهم الله - والبخاري، وأشباههم من خواص أئمة الحديث، وأبي حاتم الرازي، وأبي جعفر الرازي، فقد يكون الحديث ضعيفًا، ولا يفطن له إلا الخواص، لانقطاعه قد يظن أنه متصل، ثم يعرف الخواص أنه منقطع، وأن الراوي لم يسمعه من شيخه، أو لم يدرك شيخه، أو وهم فأبدل كلمة بكلمة، فيعرف بالقرائن وتتبع الطرق، فإذا تتبع طرق الرواية اتضح لعالم الحديث ما فيه من العلة من انقطاع، أو إرسال، أو وهم، أو قلب كلمة، أو ما أشبه ذلك مما قد يقع لبعض الرواة.
ولهذا لم يتكلَّمْ فيهِ إِلاَّ القليلُ مِن أَهلِ هذا الشأْنِ؛ كعليِّ بنِ المَدينيِّ، وأَحمدَ بنِ حنبلٍ، والبُخاريِّ، ويَعقوبَ بنِ شَيْبةَ، وأَبي حاتمٍ، وأَبي زُرعةَ، والدَّارَقُطنيُّ.
وقد تَقْصُرُ عبارةُ المُعَلِّل عَن إِقامةِ الحُجَّة على دَعْواهُ؛ كالصَّيْرَفيِّ في نَقْدِ الدِّينارِ والدِّرهَمِ.
الشيخ: والمقصود أنه قد تقصر عبارته عن الإيضاح، يحكم عليه بأنه معلل، قد تقصر عبارته عن الإيضاح لكنه جزم به لأنه اتضح له من الطرق، فيقال له المعلل هذا الأكثر، ويقال المعلول، فهو معلول بعلة كذا لأنه وهم فيه، لأنه رفعه وهو موقوف، لأنه وصله وهو منقطع، فالعلة اتضحت من طريق فلان، قاله أبو حاتم، قاله أبو زرعة، قاله البخاري، وأشباه ذلك.
ويقال له معلل: يعني قد أبدى فيه علة، ومعلول به علة أيضًا، لكن معلل أعل فهو معل، وأما معلول من علل فهو معلول، والأفصح عندهم معلل، أعل بكذا وكذا، كالمريض المعل بعلة المرض، فهذا نوع من المرض في الإسناد، أو في المتن.
س: معل أولى من معَلل؟
ج: يقال معل، ومعلل ... وقد يستعمل الحافظ ابن حجر لفظ معلول أيضًا؛ لكن الأفضل عندهم معَل ومعَلل، بالفك والإدغام.
س: وجه كونه ...؟
ج: من أعل، أعل فهو معل، ومثل أكرم فهو مكرم، وأرسل فهو مرسل.
س: إذا وجد إسناد ظاهره الصحة، ونص إمام معتبر على أنه معلول، ولم يذكر دليلًا؟
الشيخ: يكون ضعيفًا إذا كان بين العلة فهو ضعيف، ضعفه فلان، وإذا كان فيه شك يتتبع الروايات.
س: أهل العلل في كتبهم على حديث بأنه معلول، ولكن وجدت طريق فيه حسن؟
الشيخ: هذا بالتتبع قد يعله قوم، قد يعله أبو حاتم، ثم تزول العلة بسند آخر.
ثم المُخالفَةُ، وهو القسمُ السابعُ إِنْ كانتْ واقعةً بسببِ تَغْييرِ السِّياقِ؛ أي: سياقِ الإسنادِ؛ فالواقعُ فيهِ ذلك التَّغييرُ هو مُدْرَجُ الإِسْنادِ، وهو أَقسامٌ:
الأوَّلُ: أَنْ يَرْوِيَ جماعةٌ الحديثَ بأَسانيدَ مُختلفةٍ، فيرويهِ عنهُم راوٍ، فيَجْمَعُ الكُلَّ على إِسنادٍ واحِدٍ مِن تلكَ الأسانيدِ، ولا يُبَيِّنُ الاختلافَ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على رسول الله.
مضى ست من العلل: الكذب في الراوي، وتهمته بذلك، وفحش غلطه، وغفلته، وفسقه، ووهمه في بعض الروايات، والسابع المخالفة، قد يكون العلة أنه خالف الثقة في الرواية في رواية الأسانيد، فهذا يسمى مدرج الإسناد مثل: بداية السياق بأن كان الحديث له أسانيد، ثم جاء راوٍ وجمعها على واحد، فهذا يسمى مدرج، أدرج في الرواية ما ليس منها، أخذ الرواية وأدرج فيها ما ليس منها من الأسانيد؛ كأن تكون الرواية عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، فيأتي راوٍ ويجمع ما روي عن سالم عن ابن عمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، عن مثلًا ابن عيينة، أو الثوري، يجمعها كلها في سند واحد عن واحد منهم، فالذين غيره فصلوا وبينوا، وهو جمع الأسانيد، أو واحد منهما.
الشيخ: وهذا يقع أيضًا، قد يكون الحديث عند الزهري مثلًا، أو عند ابن عيينة، أو عند الثوري إلا جملة منه رواها آخر، فيروي راوي الحديث عن الزهري، أو عن ابن عيينة مع الزيادة التي رواها غيره، أقحمها.
الشيخ: وهذا أيضًا من المخالفة في الإسناد كتغيير المتن، أو تغيير السند، والمقصود هنا تغيير السند، فيكون الحديث مرويًا عن شيخه إلا قطعة منه من طريق شخص آخر، فيرويه عن شيخه بالزيادة التي رواها غيره يجمعها.
س: إذا روى الثقة رواية مخالفة للثقات، جماعة من الثقات، فهل تقبل الزيادة؟
ج: ما سمعت هذا الكلام.
الطالب: إذا كانوا كلهم كبار ليس ...؟
الشيخ: هذا شيء ثابت، لكن هذا يبين ... إذا رواها كون الزيادة إلا صرح أنه سمعها بزيادة، يكون انفرد بزيادة، يكون لا بأس إذا كان ثقة، أما إذا كان غيره أوثق منه يحكم عليه بالشذوذ.
الشيخ: وهذا من المخالفة أيضًا، يكون لهما سندان، فيروي مع شيخين المتنين بسند واحد، وهذا يختلف إذا كان السند الواحد ثقة، وكلهم ثقات حصل المطلوب، ولكن المصيبة إذا جمع الوهم، وجمع الضعيف مع الصحيح.
الشيخ: وهذا أيضًا كذلك يقع، مدرج الإسناد لمن روى، يقول: حدثنا فلان عن فلان عن فلان، ثم يعرض لشيخه، أو شيخ شيخه كلمة في الإسناد يرويها على أنها متن، مثلًا يتحدث عن النبي ﷺ بحديث لكن في بعض السياقات عرض له عارض قال: عطس، وقال: الحمد لله، أو قال: أعطوني ماء، أو هات يا فلان، يدخلها في المتن، فيظن الراوي أنها من المتن، وهي عارضة عرضت للشيخ حال التحديث، والمتن غير هذا، قوله: الحمد لله عند العطاس، أو هات كذا يا فلان، أو تقدم، أو تأخر فلان، وهو يحدث فيأتي بعض الرواة يدخلها في المتن، ويظن أنها من كلام النبي ﷺ، أو من كلام الشخص الذي يروي عنه الحديث، وليس الأمر كذلك، وإنما شيء عرض للراوي فلم يفصلها الراوي عنه لغفلته، أو لأسباب أخرى.
الشيخ: هذا مدرج المتن، يعرض للراوي، يدخل في المتن ما ليس منه من كلام الراوي، أو من كلام أحد الشيوخ في السند، ويرويها جميعًا كلها عن النبي ﷺ، مثل يدرج ما قاله الراوي الصحابي مثلًا، أو التابعي الذي روى عنه ويدرجه في المتن الذي رواه عن النبي ﷺ، فالمخالف يقال: مدرج المتن، مثل المخالفة بدمج الموقوف بالمرفوع فهذا يسمى مدرج المتن، المرفوع: قال الرسول ﷺ كذا، وأدرج فيه كلمة من الراوي، أو من نفس تلميذه؛ فظن الراوي أنها من نفس المتن، وإنما هي من كلام الراوي نفسه الصحابي، أو من كلام من دونه.
س: مدرج الإسناد القسم الرابع يقول أنه أدمج الراوي كلامًا حسبه من المتن، ألا يكون هذا المدرج من المتن؟
الشيخ: المتن جاء بعدين، تقدم في أثناء السند.
ويُدْرَكُ الإِدراجُ بوُرودِ روايةٍ مُفَصِّلةٍ للقَدْرِ المُدْرَجِ مِمَّا أُدْرِجَ فيهِ.
الشيخ: يعني المدرج يعرف من الروايات الأخرى المفصلة، قال الرسول ﷺ كذا، وقلت أنا كذا، يقول الصحابي أو التابعي حتى يتميز هذا من هذا بروايات الثقات، أو هو نفسه برواية أخرى يفصل، قال الرسول ﷺ كذا، وقال ابن عباس كذا، أو قال جابر كذا، أو قال عمر كذا، يفصل المرفوع من المدرج فيتضح.
أَو بالتَّنصيصِ على ذلك مِن الرَّاوي، أو مِن بعضِ الأئمَّةِ المُطَّلعينَ.
الشيخ: هذا هو يعرف الدمج، يعرف المرفوع من غير المرفوع، سواء كان الدمج من الصحابي، أو من تلميذه التابعي، أو من دونه حتى تكون رواية صريحة يبين فيها الصحابي أن هذا من كلامي، وهذا من كلام النبي ﷺ، أو يبين التابعي، أو من دون التابعي.
أو باستحالَةِ كونِ النبيِّ ﷺ يقولُ ذلك.
الشيخ: أو باستحالة أن يقول النبي ﷺ ذلك، لأنه كلام لا يليق أن يقوله النبي ﷺ، فيعرف أنه مدرج من كلام الراوي، وليس من كلام النبي ﷺ.
الشيخ: والخطيب البغدادي له مؤلفات كثيرة في الحديث، قل فن إلا له فيه مؤلفات - رحمه الله - والمؤلف يقول أنه صنف في المدرج الخطيب البغدادي أبو بكر بن محمد بن ثابت البغدادي المتوفى سنة 463 - رحمه الله - له مؤلفات كثيرة، يقول المؤلف: أنه صنف في المدرج، وأنه صنف فيه أيضًا المؤلف الحافظ، وزاد عليه.
ثُمَّ الْمُخَالَفَةُ: إِنْ كَانَتْ بِتَغْيِيرِ السِّيَاقِ: فَمُدْرَجُ الْإِسْنَادِ.
أَوْ بِدَمْجِ مَوْقُوفٍ بِمَرْفُوعٍ: فَمُدْرَجُ الْمَتْنِ.
أَوْ بِتَقْدِيمٍ أو تَأْخِيرٍ: فَالْمَقْلُوبُ.
أَوْ بِزِيَادَةِ رَاوٍ: فَالْمَزِيدُ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ.
أَوْ بِإِبْدَالِهِ، ولَا مُرَجِّحَ: فَالْمُضْطَّرِبُ، وقَدْ يَقَعُ الْإِبْدَالُ عَمْدًا امْتِحَانًا.
أَوْ بِتَغْيِيرٍ مَعَ بَقَاءِ السِّيَاقِ: فَالْمُصَحَّفُ، والْمُحَرَّفُ.
وَلَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ تَغْيِيرِ الْمَتْنِ بِالنَّقْصِ والْمُرَادِفِ إِلَّا لِعَالِمٍ بِمَا يُحِيلُ الْمَعَانِي، فَإِنْ خَفِيَ الْمَعْنَى احْتِيجَ إِلَى شَرْحِ الْغَرِيبِ، وبَيَانِ الْمُشْكِلِ.
أَوْ إِنْ كانَتِ المُخالفةُ بِتَقْدِيمٍ أو تَأْخيرٍ؛ أي: في الأسماءِ كَمُرَّةَ بنِ كعبٍ، وكَعبِ بنِ مُرَّةَ؛ لأنَّ اسمَ أَحدِهِما اسمُ أَبي الآخَرِ؛ فهذا هو المَقْلوبُ.
وللخطيبِ فيهِ كتابُ «رفع الارتياب».
وقد يَقَعُ القلبُ في المتنِ أَيضًا؛ كحديثِ أَبي هُريرةَ عندَ مُسلمٍ في السَّبعةِ الَّذينَ يُظِلُّهُم اللهُ تحتَ ظلِّ عَرْشِهِ، ففيهِ ورَجلٌ تصدَّقَ بصدَقةٍ أَخْفاها حتَّى لا تَعْلَمَ يمينُهُ ما تُنْفِقُ شِمالُهُ، فهذا ممَّا انْقَلَبَ على أَحدِ الرُّواةِ، وإِنَّما هو: حتَّى لا تعْلَمَ شِمالُه ما تُنْفِقُ يمينُهُ كما في الصَّحيحينِ.
الشيخ: يبين المؤلف - رحمه الله - أن الطعن في الرواية قد تكون بسبب المخالفة، وأن يطعن في الرواية بسبب المخالفة التي تقع من بعض الرواة، فهذه المخالفة أنواع: قد تكون تغيير في ... كما تقدم، وقد تكون بتقديم أو تأخير فمدرج المتن، فالمؤلف - رحمه الله - يبين أن المخالفات أنواع تقع للرواة، فالتقديم والتأخير يكون انقلاب في الرواية، قد تكون في السند، وقد تكون في المتن، ويقال مقلوب، وللخطيب مؤلف - رحمه الله - سماه «كشف الارتياب فيما يتعلق بالانقلاب».
وقد يكون هذا في السند مثل كعب بن مرة، ومرة بن كعب، ومثل: تقديم الشيخ على التلميذ فينقلب على الراوي، فيأتي الحافظ الآخر فيبين ويوضح هذا الانقلاب ويبين الصواب، وقد يكون في المتن أيضًا مثل ما مثل المؤلف في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، انقلب على بعض الرواة السادس، وهو قوله: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه فانقلب عليه، وقال: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، والإنفاق باليمين ما هو بالشمال فانقلب عليه، ومثل ما وقع لبعض الرواة: فيبقى في الجنة فضل فينشر الله لها أقوام فيدخلهم الجنة، فانقلب على الرواة، وقال: فيبقى في النار فضل فينشر الله لها أقوام وهذا غلط.
أَوْ إِنْ كانتِ المُخالفةُ بِزيادةِ راوٍ في أَثناءِ الإِسنادِ، ومَن لم يَزِدْها أَتقَنُ ممَّن زادَها، فهذا هُو المَزيدُ في مُتَّصِلِ الأَسانِيدِ.
وشرطُهُ أَنْ يقعَ التَّصريحُ بالسَّماعِ في مَوْضِعِ الزِّيادةِ، وإِلاَّ؛ فمتى كانَ مُعَنْعَنًا - مثلًا -؛ ترجَّحَتِ الزِّيادةُ.
الشيخ: وهذا يقع كثيرًا، والمزيد هو متصل الأسانيد، وهذا أسبابه في الغالب أن الراوي قد يروي عن زيد عن عمرو، ثم ييسر الله له لقاء عمرو شيخ شيخه فيسمعه منه فيعلم حينئذ أنه مزيد في متصل الأسانيد، مثلًا: يروي عن ابن عمر عن النبي ﷺ ... وكان قد سمعه من سالم عن سالم عن ابن عمر، ثم لقي ابن عمر فسمعه منه فتكون روايته عن سالم عن ابن عمر من المزيد في متصل الأسانيد إذا صرح بالسماع.
ومثل أن يروي عن الأوزاعي عن الزهري مثلًا في حياة الزهري، ثم يسهل الله له لقاء الزهري فيسمع منه؛ فتكون رواية الأوزاعي عن الزهري من باب المزيد في متصل الأسانيد، هذا إذا صرح بالسماع، أما إذا كان بالعنعنة فالزيادة حينئذ لها شأن معتبر لأنها تزيل الشبهة.
أَوْ إِنْ كانتِ المُخالفةُ بِإِبْدَالِهِ؛ أي: الراوي، ولا مُرَجِّحَ لإِحدى الرِّاويتينِ على الأخرى، فهذا هو المُضْطَرِبُ، وهو يقعُ في الإِسنادِ غالبًا، وقد يقعُ في المتْن.
لكنْ قلَّ أَنْ يَحْكُمَ المحدِّثُ على الحديثِ بالاضطرابِ بالنِّسبةِ إلى الاختلافِ في المَتْنِ دونَ الإِسنادِ.
الشيخ: وهذا قد يقع أيضًا بإبدال الراوي ولا مرجح كالمضطرب كأن يرويه زيد عن فلان عن الزهري، ثم يأتي آخر ويرويه عن آخر عن الزهري، فإذا علم أن كليهما سمع من الزهري فلا اضطراب، وإذا شك في الحال هذا محتمل الاضطراب، وهكذا رواه ثلاثة، أو أربعة، ولم يعرف من الذي سمع من الزهري مثلًا فهو اضطراب، إذا عرف أن فلانًا سمع، والبقية لم يعرف حالهم اعتمد أحدهم الذي صرح بالسماع إذا كان ثقة فصارت الرواية الأخرى لا يعول عليها.
المقصود أنه ينظر في المرجح إذا حصل الاضطراب، تعددت الروايات عن الشخص فإذا وجد ما يوضح الصواب حكم به، ولهذا قال المؤلف: ولا مرجح فالمضطرب، أما إن وجد المرجح، وهو وجود الثقة الراوي عن الشخص بالسماع واتضح... روايته، وعدم ... الروايات الأخرى، وهذا كثير ما يقع في الأسانيد، وقد يقع في المتن يرويه جماعة بلفظ، ويرويه آخرون بلفظ آخر؛ فحينئذ يعتنى بالثقة فتعتبر رواية الثقة المعروف، و... رواية غير الثقة.
الشيخ: هذا قد يقع الإبدال امتحانًا من الشيخ لبعض تلاميذه، يقلب لهم الأسانيد ليعرف ذكاءهم، وحفظهم، وسيرتهم، ثم يزول الإشكال لا يبقى، لكن يمتحنهم كما جرى للبخاري، والعقيلي، وغيرهما، يقول لتلاميذه روى فلان عن فلان عن فلان، وروى فلان عن فلان، يقدم ويؤخر حتى يعرف حذقهم وفطنتهم، فيقول حينئذ الحاذق منهم: لا، ليس الأمر كذلك، بل من رواية كذا، ورواية كذا، وراوية كذا، وبعضهم يلتبس عليه.
المقصود أنه يغير لهم الأسانيد، يأتي لهم بأسانيد لا حقيقة لها ليمتحنهم هل هي صحيحة؟ وهل مثل هذا يروي عن هذا؟ وهذا يروي عن هذا؟ فيتبين الحاذق من غيره، والبصير من غيره.
الشيخ: نعم إذا كان غلطًا فهو المقلوب، وإلا معلل، علة وهم فيها هو، غيَّر، صار وهمًا منه، أما إذا كان لقصد الامتحان والتوجيه، ثم يبين لهم الأسانيد الصحيحة فلا حرج في ذلك، هذا شيء مؤقت، ثم يزول.
أَوْ إِنْ كانتِ المُخالفةُ بتَغْييرِ حرفٍ، أو حُروفٍ مَعَ بَقاءِ صورةِ الخَطِّ في السِّياقِ.
فإِنْ كانَ ذلك بالنِّسبةِ إِلى النَّقْطِ؛ فالمُصَحَّفُ.
وَإِنْ كانَ بالنِّسبةِ إلى الشَّكْلِ؛ فالمُحَرَّفُ، ومعرفةُ هذا النَّوعِ مُهمَّةٌ.
وقد صنَّف فيهِ: العَسْكَريُّ، والدَّارَقُطنِيُّ، وغيرُهما.
الشيخ: وهذا يقع كثيرًا التصحيف والتحريف بحذف النقط، وصحف كان بالشكل، بالرفع والنصب فهو المحرف، قد يقع هذا كثيرًا، عتبة عيينة، حمزة حمرة، تريد بريد، عُتبان عِتبان يقع هكذا، ويقع من جهة التحريف في الشكل فينصب المرفوع، ويرفع المنصوب، لا يسمى هذا تحريف، لا يكون كمن ينقط مثل عُتبان وعِتبان يصحف، وإذا كان بالرفع والنصب وتغيير الإعراب فالمحرف.
الشيخ: يقع في المتون، ويقع في الأسانيد، التحريف والتصحيف يقع في هذا وهذا، ولا يعرف إلا بالدراسة والعناية وجمع الأسانيد وجمع المتون حتى يتبين التحريف والتصحيف بعد جمع الروايات والعناية بها.
الشيخ: لا يجوز للرواة ولا غيرهم تعمد تغيير المتن، متن حديث من نقص منه، أو مرادف كلمة بدل كلمة إلا لعالم بالمعاني؛ لأنه قد ينقص شيء يتعلق بالباقي فيختل المعنى، بل يجب أن يروي الحديث على ما هو عليه تامًا كاملًا إلا إذا كان الراوي يفهم يعلم، فنقص بعض الحديث وأتى بالشاهد فلا بأس.
فإذا كان الحديث يشتمل على جمل، وأتى بالجملة من الشاهد فإنه لا يضر، مثل قوله ﷺ: إنما الأعمال بالنيات جملة تامة، فإذا أتى بجملة تامة فلا حرج فيه عند الحاجة للاستشهاد، وهكذا الأحاديث التي فيها جمل لا مانع من أن يختصر للشاهد إذا كان ممن يعرف ويفهم من أهل العلم.
ولا يجوز التغيير المرادف كلمة بدل كلمة إلا إذا كان من أهل العلم والبصيرة في الأحاديث واللغة العربية.
ولا يَجُوزُ تَعَمُّدُ تَغْييرِ صورَةِ المَتْنِ مُطلقًا، ولا الاختصارُ منه بالنَّقْصِ، ولا إِبْدالُ اللَّفْظِ المُرادِفِ باللَّفْظِ المُرادِفِ لهُ؛ إِلاَّ لِعالمِ بمَدْلولاتِ الألْفاظِ، وبِما يُحيلُ المَعاني على الصَّحيحِ في المسأَلَتَيْنِ:
أَمَّا اخْتِصارُ الحَديثِ؛ فالأكْثَرونَ على جَوازِهِ بِشرطِ أَنْ يكونَ الَّذي يختَصِرُهُ عالِمًا؛ لأنَّ العالِمَ لا يَنْقُصُ مِن الحديثِ إِلاَّ ما لا تعلُّقَ لهُ بما يُبْقيهِ منهُ؛ بحيثُ لا تختِلفُ الدِّلالةُ، ولا يختَلُّ البَيانُ، حتَّى يكونَ المَذكورُ والمَحذوفُ بمنزِلَةِ خَبَرينِ، أو يَدُلُّ ما ذَكَرَهُ على ما حَذَفَهُ؛ بخِلافِ الجاهِلِ فإِنَّهُ قد يَنْقُصُ ما لَهُ تعلُّقٌ كتَرْكِ الاستِثناءِ.
الشيخ: نعم الجاهل قد ينقص، فلا بدّ أن يكون المختصر من أهل العلم والبصيرة حتى يذكر الشاهد تامًا، ولا يحذف شيئًا يتعلق بالموجود المذكور فيختل المعنى بخلاف من ليس عنده علم كامل، فقد يحذف الاستثناء، وقد يحذف نصًا يقيد، وقد يزيد في وصف، فالواجب ذكر الحديث تامًا إلا إذا كان اختصاره لا يؤثر.
الشيخ: ولأن المقصود المعنى، فإذا أدى المعنى حصل المطلوب، فإذا ذكر الرواية بالمعنى لأنه خفي عليه، أو ذهب عنه اللفظ، أو ذكر المعنى لأنه أوضح للمخاطبين خاطبهم، إذًا هو أوضح لهم، فلا حرج في ذلك، وهذا يسمى المرادف، يجيب لفظًا بدل لفظ، والمعنى واحد لإيضاح المعنى للمخاطب؛ ولهذا توجد الترجمة، ترجمة المعاني، معاني الآيات، والأحاديث للعجم بلغتهم، فيترجم معنى الآية، ومعنى الحديث للعجم؛ لأن المقصود فهم المعنى والعمل.
وقيلَ: إِنَّما يَجوزُ في المُفْرَداتِ دونَ المُرَكَّباتِ.
وقيلَ: إِنَّما يَجُوزُ لمَن يستَحْضِرُ اللَّفْظَ ليتَمَكَّنَ مِن التَّصرُّفِ فيه.
وقيلَ: إِنَّما يَجوزُ لمَن كانَ يحفَظُ الحَديثَ فنَسِيَ لفظَهُ وبقيَ معناهُ مُرْتَسمًا في ذِهنِه، فلهُ أَنْ يروِيَهُ بالمعنى لمصلَحَةِ تحصيلِ الحُكْمِ منهُ.
الشيخ: الصواب الأول، الصواب جوازه مطلقًا.
الشيخ: الصواب مطلقًا، لا بأس بالرواية بالمعنى إذا كان على يقين أنه لم يغير شيئًا.
س: ولو كان مستحضرًا للفظه؟
الشيخ: ولو كان مستحضرًا، إذا كان تغيير المعنى أوضح للمخاطب لأنه ما يفهم باللغة العربية فلا بأس.
س: لكن لو جاء بلفظ مرادف للحديث، هل يقول: قال الرسول ﷺ؟
الشيخ: نعم المعنى واحد، ثبت عن رسول الله ﷺ أنه أمر بكذا، ونهى عن كذا، فالمعنى موجود، ومثل أن تقول الآن: الرسول ﷺ أخبر أن الأعمال بالنيات (المقاصد)، وإذا أردت أن تصلي تنوي كذا، وكذا، وإذا أردت أن تقرأ تنوي كذا، وإذا أردت أن تزكي تنوي كذا، تشرح له.
س: هل الأولى ذكره بالنص، ثم؟
الشيخ: إذا دعت الحاجة لا بأس، وإلا المقصود المعنى.
الشيخ: نعم إذا حصل المقصود، أما إذا كان ربما ما يحصل بإيراد لفظ النبي ﷺ لأنه أعجمي فلا بدّ يفسر له.
قالَ القاضي عِياضٌ: «يَنْبَغِي سَدُّ بابِ الرِّاويةِ بالمَعْنَى لئلاَّ يتَسَلَّطَ مَن لاَ يُحْسِنُ ممَّن يظنُّ أَنّهُ يُحْسِنُ؛ كما وقَعَ لِكثيرٍ مِن الرُّواةِ قديمًا وحَديثًا» واللهُ المُوَفِّقُ.
فإِنْ خَفِيَ المَعْنَى بأَنْ كانَ اللَّفْظُ مستَعْمَلًا بقلَّةٍ احْتيجَ إِلى الكُتُبِ المصنَّفَةِ في شَرْحِ الغَريبِ؛ ككتابِ أَبي عُبَيْدٍ القاسِمِ بنِ سلامٍ، وهو غيرُ مرتَّبٍ، وقد رتَّبَهُ الشيخُ مُوفَّقُ الدِّينِ بنُ قُدامَة على الحُروفِ.
وأَجْمَعُ منهُ كتابُ أَبي عُبيدٍ الهَرَوِيِّ، وقد اعتَنَى بهِ الحافظُ أَبو موسى المَدينِيُّ فنَقَّبَ عليهِ، واسْتَدْرَكَ.
وللزَّمَخْشَرِيِّ كتابٌ اسمُهُ «الفائِقُ» حسنُ التَّرتيبِ.
ثمَّ جَمَعَ الجَميعَ ابنُ الأثيرِ في «النِّهايةِ»، وكتابُهُ أَسهَلُ الكُتُبِ تناوُلًا، مع إِعواز قليلٍ فيهِ.
الشيخ: وهذا مثل ما قال المؤلف، أشكل على المحدث، أو على طالب العلم يراجع كتب الغريب، أشكل عليه المعنى يراجع الكتب، ككتاب أبي عبيد القاسم ابن سلام، وكتاب الهروي، والنهاية، والقاموس، وتاج العروس، ولسان العرب يراجع كتب الشأن، إذا خفي عليه المعنى لا يعجل، يراجع كتب اللغة حتى يفهم، كتب التفسير في الآيات، شروح الأحاديث، لا يعجل حتى يتبصر.
وإِنْ كانَ اللَّفْظُ مُستَعْملًا بكثرةٍ، لكنَّ في مَدلُولِهِ دِقَّةً؛ احْتِيجَ إلى الكُتُبِ المُصنَّفَةِ في شَرْحِ معاني الأخْبارِ، وبيانِ المُشْكِلِ منها.
وقد أَكثرَ الأئمَّةُ مِن التَّصانيفِ في ذلك؛ كالطَّحاويِّ، والخَطَّابيِّ، وابنِ عبدالبَرِّ، وغيرِهم.
الشيخ: المقصود أن طالب العلم لا يعجل، إذا أشكل عليه صحة الحديث يراجع كتب التخريج، وما أشكل عليه من المعنى كلمة غريبة يراجع كتب الغريب، شروح الحديث يكون عنده عناية حتى لا يقدم على أمر عنده فيه شك، بل يتبصر، ويتثبت في كل شيء.
س: تنصح طالب العلم المبتدئ في قراءة المطولات؟
الشيخ: لا المبتدئ عليه بالاختصار، لا يشوش على فكره فتلتبس عليه الأمور، عليه حفظ المتون، ومراجعة الكتب القريبة التي ما فيها إشكال، معناها واضح فيما يتعلق بالمتن، وقراءته؛ لأنه إذا دخل الكتب الموسعة تلتبس عليه الأمور.
ثُمَّ الْجَهَالَةُ: وسَبَبُهَا أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ تَكْثُرُ نُعُوتُهُ فَيُذْكَرُ بِغَيْرِ مَا اشْتُهِرَ بِهِ لِغَرَضٍ، وصَنَّفُوا فِيهِ الْمُوَضِّحَ.
وَقَدْ يَكُونُ مُقِلًّا فَلَا يَكْثُرُ الأَخْذُ عَنْهُ، وصَنَّفُوا فِيهِ الوِحْدَانَ، أو لَا يُسَمَّى اخْتِصارًا، وفِيهِ المُبْهَمَاتُ، ولَا يُقْبَلُ المُبْهَمُ، ولَوْ أُبْهِمَ بِلَفْظِ التَّعْدِيلِ عَلَى الْأَصَّحِ.
فَإِنْ سُمِّيَ، وانْفَرَدَ واحِدٌ عَنْهُ فمَجْهُولُ الْعَيْنِ، أو اثْنَانِ فَصَاعِدًا، ولَمْ يُوَثَّقْ: فَمَجْهُولُ الحَالِ، وهُوَ الْمَسْتُورُ.
الشيخ: هذا الثامن من الأسانيد، وتقدم العشرة إما لكذب الراوي، أو تهمته بذلك، أو فحش غلطه، أو غفلته، أو فسقه، أو وهمه، أو مخالفته، أو جهالته، هذه جهالة قد يطعن في السند يعني في الحديث لجهالة بعض الرواة، والجهل قد يكون له أسباب، قد تكون تكثر نعوته، فيبتلى الراوي بغير ما اشتهر، يكون مجهول حينئذ حتى يدرس، وينظر فيه، ويتضح أمره، تارة يسمى الأعرج، وتارة يسمى الأعمش، وتارة يسمى كذا، وتارة يسمى كذا فيشتبه، وصنفوا فيه الموضح، التخفيف، ويقال: الموضح تخفيف من أوضح ... الكتب الموضحة للرواة، وألقابهم، وصفاتهم.
وقد يكون مقلًا فيطرد الأقران، كما صنفوا الوحدان، كما صنفوا ... يعني رواة الإمارة ما روى عنهم إلا واحد، فإن سمي قد يكون مجهولا، صنفوا في المبهمات فإذا سمي الراوي وانفرد واحد عنه هذا يقال له مجهول العين، إلا أن يوثق كما يأتي، فإن روى عنه اثنان فصاعدًا ولكن لم يوثق فهو مجهول الحال ...، لكن إذا سمي ولم يرو عنه إلا واحد فإنه يقال له مجهول العين إلا أن يوثق، فإذا وثق ... روى مثلًا عن أبي حاتم ووثقه، روى عنه أحمد ووثقه، روى مثلًا عن القطان ووثقه، روى مالك ووثقه؛ صار معروفًا.
ثمَّ الجَهالةُ بالرَّاوِي، وهِيَ السَّببُ الثَّامِنُ في الطَّعْنِ، وسَبَبُها أَمْرانِ:
أَحَدُهُما: أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ تَكْثُرُ نُعوتُهُ مِن اسمٍ، أو كُنْيَةٍ، أو لَقَبٍ، أو صِفَةٍ، أو حِرْفةٍ، أو نَسَبٍ، فيشتَهِرُ بشيءٍ مِنها، فيُذْكَرُ بِغَيْرِ مَا اشْتُهِرَ بِهِ لِغَرَضٍ مِن الأغْراضِ، فيُظنُّ أَنَّه آخرُ، فيَحْصُلُ الجهْلُ بحالِهِ.
وصنَّفُوا فِيهِ؛ أي: في هذا النَّوعِ المُوْضِحَ لأوهامِ الجمْعِ والتَّفريقِ؛ أَجادَ فيهِ الخَطيبُ، وسبَقَهُ إِليه عبدالغنيِّ بنُ سعيدٍ المِصْريُّ، وهو الأَزْدِيُّ ثم الصُّورِيُّ.
الشيخ: وهذا واقع؛ لأن الرواة يكون لهم نعوت كثيرة خراز، حداد، تاجر، زيات، أبو فلان، وأبو فلان، فيشتبه فصنفوا الموضح في الجمع والتفريق حتى يفهم ويعرف، يقال: فلان روى عن كذا، وروى عن فلان كذا، وسمع كذا، وفلان لقبه بكذا حتى يتضح أمره، وهذا واقع في كتب كثيرة، له اسم اشتهر بأنه مثلًا الأعرج، أو اشتهر بأنه أبو عبدالله، ثم يأتي واحد ويرويه بأبي محمد، أو يرويه بالأعمش، أو يرويه بالحداد فيشتبه، فإذا فتش عنه اتضح.
الشيخ: مثل هذا مثل محمد بن السائب الكلبي، وهو ضعيف لكن كثرت نوعته وأوصافه وصفاته فاشتبه على بعض الناس.وَ
الأمرُ الثَّاني: أَنَّ الرَّاويَ قد يكونُ مُقِلًا مِن الحديثِ، فلا يَكْثُرُ الأَخْذُ عَنْهُ:
وَقد صَنَّفوا فِيهِ الوُحْدانَ - وهو مَن لم يَرْوِ عنهُ إِلاَّ واحِدٌ، ولو سُمِّيَ - فمِمَّن جَمَعَهُ مُسلمٌ، والحسنُ بنُ سُفيانَ، وغيرُهما.
الشيخ: وهذا كذلك المقل يشتبه على الناس لقلة روايته فيخفى أمره على غالب الناس، وصنف فيه مسلم، وغيره في بيان صفاته، ورواياته، وثقته، وعدالته، أو عدم ذلك حتى يتضح أمره، وفي مسلم، وفي غيره أفراد من ذلك.
أَوْ لاَ يُسمَّى الرَّاوِي اختِصَارًا مِن الرَّاوي عنهُ؛ كقولِه: أَخْبَرَني فلانٌ، أو شيخٌ، أو رجلٌ، أو بعضُهم، أو ابنُ فلانٍ.
ويُستَدَلُّ على معرفَةِ اسمِ المُبْهَمِ بوُرودِه مِن طريقٍ أُخرى مسمّىً فيها.
وَصنَّفوا فيهِ المُبْهَمات.
الشيخ: وهذا واقع أيضًا، هذا يسمى اختصارًا، حدثني رجل، أو حدثني من أثق به، أو حدثني ابن عم لي، أو حدثني صهري، ثم يأتي من يلقب عنه حتى يوضح حال الرجل هل يعرف؟ هل هو ثقة أو ما هو ثقة؟
الشيخ: المبهم لا تقبل روايته، ولا يحتج به، رجلٌ، أو عن فلان، أو مولى فلان، أو شبه ذلك لا يحتج به؛ لأنها لا تعرف حاله، فكيف تعرف عدالته، فالذي لا تعرف عينه كيف تعرف عدلته، المبهمات لا يحتج بها، فإذا كان في السند رجل حدثني رجل، أو مولى بني فلان، أو مولى فلان ولم يسم ولم يعرف لا يحتج به؛ يكون الحديث ضعيفًا من هذا الطريق حتى يسمى، ويعرف أنه ثقة.
الشيخ: لا يقبل المبهم ولو عدل؛ لأنه قد يكون ثقة عند من عدله مقدوحًا عند غيره، فإذا قال أخبرني الثقة، أو من لا أتهم، ما يكون حديثه صحيحًا؛ لأنه قد يكون عنده ثقة، ولكن عند غيره مجروحًا، فإذا قال مثلًا الزهري: حدثني الثقة، وقال سفيان: حدثني الثقة، وقال أحمد: حدثني الثقة، أو من أثق به، لا يقبل حتى يصرح ويعرف أنه معدل.
ولهذه النُّكتةِ لم يُقْبَلِ المُرسلُ، ولو أَرسَلَهُ العدلُ جازِمًا بهِ لهذا الاحتمالِ بعينِه.
وقيلَ: يُقْبَلُ تمسُّكًا بالظَّاهِرِ، إِذ الجَرْحُ على خِلافِ الأصْلِ.
الشيخ: ولهذه العلة لا يقبل المرسل، وهو أن المرسل قد يكون أرسله عن تابعي آخر، فإذا قال مجاهد: قال رسول الله، أو قال سعيد بن جبير: قال رسول الله، أو قال أبو صالح السمان: قال رسول الله، ما يقبل لأن التابعي هذا قد يكون نقله عن تابعي آخر ما هو عن صحابي، والعلة موجودة، فلهذا لا يقبل، المراسيل ضعيفة حتى يصرح المرسل من روى عنه، هل روى عن صحابي، أو عن ثقة عن صحابي؟
الشيخ: والصواب الأول أنه لا يقبل حتى يبين، هذا هو الصواب لأن الواجب الاحتياط للدين، والحذر من التساهل في أمر الدين، فلا يجب على الناس شيء، أو يستحب لهم شيء، أو يحرم عليهم شيء إلا بالدليل لأن الله - جل وعلا - يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، ويقول: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ولا نعرف أنه من حكم الله، ولا أنه عن الرسول إلا من طريق الثقات.
وقيلَ: إِنْ كانَ القائلُ عالِمًا أَجْزأَ ذلك في حقِّ مَن يوافِقُهُ في مَذْهَبِهِ.
وهذا ليسَ مِن مباحِثِ علوم الحَديثِ، واللهُ المُوفِّقُ.
الشيخ: وقيل إنه يكون حجة بالنسبة إلى من يقلد ذلك الإمام، فإذا قال أحمد: حدثنا الثقة احتج به الحنابلة، وإذا قال مالك كذلك المالكية، والصواب خلاف ذلك، الصواب أنه لا يعتمد، لا عند أصحابه، ولا عند غيرهم، هذا هو الصواب.
الشيخ: وهذا هو الصواب، فإذا سمي الراوي وانفرد واحدًا عنه فإنه يسمى مجهول العين، لابدّ من اثنين، فإذا روى فلان؛ وكيع، أو غيره أحمد، أو غيره عن شخص، ولم يرو عنه غيره يسمى مجهول العين إلا إذا وثقه من رواه عنه وهو أهل لذلك، كأن يروي عن أحمد ويوثقه، يروي عن وكيع وويوثقه، يروي عن شعبة وويوثقه، أو يوثقه غيره -غير من روى عنه- زالت هذه الجهالة.
الشيخ: يعني إذا روى عنه اثنان ولم يوثق، فهذا يسمى مجهول الحال، ويسمى المستور، شخص روى عنه اثنان ولم يوثقاه، ولم يوثقه آخر؛ فهذا يسمى مجهول الحال، ويسمى المستور، فإن وثق زالت عنه الجهالة، صار معروف الحال إذا وثقه بعض الأئمة.
فهو مَجْهولُ الحالِ، وهُو المَسْتورُ، وقد قَبلَ روايتَهُ جماعةٌ بغيرِ قيدٍ، وردَّها الجُمهورُ.
والتَّحقيقُ أَنَّ روايةَ المستورِ، ونحوِهِ ممَّا فيهِ الاحتِمالُ لا يُطلَقُ القولُ بردِّها، ولا بِقَبولِها، بل هي موقوفةٌ إِلى اسْتِبانَةِ حالِه كما جَزَمَ بهِ إِمامُ الحَرمينِ.
ونحوُهُ قولُ ابنِ الصَّلاحِ فيمَن جُرِحَ بجَرْحٍ غيرِ مُفَسَّرٍ.
الشيخ: وهذا هو الصواب، المستور يكون موقوفًا، يجري على الشواهد، صار من باب الحسن لغيره، وإن لم يكن له شواهد فهو ضعيف إلا إن يوثق، إذا وثقه من يعتمد زالت عنه جهالة الحال، وهذا كثير في كتب الرجال في التقريب، والتهذيب.
ثُمَّ الْبِدْعَةُ: إِمَّا بِمُكَفِّرٍ، أو بِمُفَسِّقٍ.
فَالْأَوَّلُ: لَا يَقْبَلُ صَاحِبَهَا الْجُمْهُورُ.
والثاني: يقبل من لم يكن داعية إلى بدعته في الأصح، إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المختار، وبه صرح الجوزقاني شيخ النسائي.
الشيخ: هذا الطعن التاسع: البدعة، إذا كان الرجل مبتدعًا هذا من المطاعن في ورد روايته، والبدعة تختلف قد تكون مكفرة، وقد تكون مفسقة، وإذا كانت بدعته مكفرة لم يقبل؛ كالجهمية والمعتزلة لا تقبل رواياتهم ولا كرامة عند جمهور أهل العلم، أما المفسقة كبدعة الإرجاء، وتأويل بعض الصفات فهذه يقبل بما لا يكون مقويًا لبدعته، إذا روى - وهو معروف بالصدق والأمانة - تقبل روايته إلا في الشيء الذي يقوي بدعته فلا.
ثمَّ البِدْعَةُ، وهي السَّببُ التَّاسعُ مِن أَسبابِ الطَّعنِ في الرَّاوي، وهي إِمَّا أَنْ تَكونَ بمُكَفِّرٍ؛ كأَنْ يعتَقِدَ ما يستَلْزِمُ الكُفْرَ، أو بِمُفَسِّقٍ.
فالأوَّلُ: لا يَقْبَلُ صاحِبَها الجُمهورُ، وقيلَ: يُقْبَلُ مُطلقًا، وقيلَ: إِنْ كانَ لا يعتَقِدُ حِلَّ الكَذِبِ لنُصرَةِ مقالَتِه قُبِلَ.
الشيخ: والصواب الأول، لم يقبل مطلقًا ولا كرامة؛ لأن في قبوله ترويجًا لحاله، وقد يغتر به الناس فيقبلون منه ما ابتدعه فلا يقبل، ولو كان لا يستحل الكذب، كالخوارج لكن لا يقبل؛ لأجل في قبول روايته ترويجًا لحاله، وتمشية لحاله، وقد يغتر به الناس، وقد يقبلون منه بدعته.
س: عمران بن حطان؟
الشيخ: هذا ليس من الدعاة، وهو أهل صدق.
الشيخ: والمقصود من هذا المكفر يعني يقوم عليه الدليل، ما هو بمجرد التعصب، والتقليد له، المقصود من قام الدليل على كفره بأن أتى شيئًا يوجب تكفيره بالأدلة الشرعية هذا المقصود، أما متابعة الهوى، وكونه يكفر بهواه، أو لمخالفة في ... المهم أن تكون البدعة مكفرة من جهة الدليل.
الشيخ: نعم، وهذا إذا لم يكن بدعته مكفرة، مع ورعه وتقواه، مع الصدق والعدالة فلا بأس؛ لأنه يتأول يرى أنه مصيب، وأنه مجتهد.
والثاني: وهو مَن لا تَقْتَضي بدعَتُهُ التَّكفيرَ أَصلًا، وقد اختُلِفَ أَيضًا في قَبولِهِ ورَدِّهِ.
فقيلَ: يُرَدُّ مُطلَقًا -وهُو بَعيدٌ-.
وأَكثرُ مَا عُلِّلَ بهِ أَنَّ في الرِّوايةِ عنهُ تَرْويجًا لأمرِهِ، وتَنْويهًا بذِكْرِهِ.
وعلى هذا فيَنْبَغي أَنْ لا يُرْوى عنْ مُبْتَدعٍ شيءٌ يُشارِكُه فيهِ غيرُ مُبتدعٍ.
الشيخ: وهذا لا شك إذا كان المبتدع يشاركه غيره، فينبغي الرواية عن غيره من أهل السنة يترك، حتى ولو كان غير داعية هجرًا له، وتحذيرًا له من هذه البدعة إذا تيسر ذلك.
الشيخ: والقول هذا ضعيف.
وقيلَ: يُقْبَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ داعِيةً إِلى بِدعَتِهِ؛ لأنَّ تزيينَ بِدعَتِه قد يَحْمِلُهُ على تَحريفِ الرِّواياتِ، وتَسويَتِها على ما يقتَضيهِ مذهَبُه، وهذا في الأصَحِّ.
وأَغْرَبَ ابنُ حِبَّانَ، فادَّعى الاتِّفاقَ على قَبولِ غيرِ الدَّاعيةِ مِن غيرِ تفصيلِ.
نَعَمْ؛ الأكثرُ على قَبولِ غيرِ الدَّاعيةِ؛ إِلاَّ إنْ رَوى ما يُقَوِّي بِدْعَتَهُ، فيُرَدُّ على المذهَبِ المُخْتارِ، وبهِ صرَّحَ الحافِظُ أَبو إِسحاقَ إِبراهيمُ بنُ يعقوبَ الجُوْزَجانِيُّ شيخُ أَبي داودَ، والنَّسائِيِّ.
الشيخ: وهذا هو الصواب إذا كان لا تقوي بدعته، وهو معروف بالصدق والاستقامة لا بأس.
في كتابِه «معرفة الرِّجال»، فقالَ في وصْفِ الرُّواةِ: «ومِنهُم زائغٌ عن الحَقِّ - أَيْ: عنِ السُّنَّةِ - صادقُ اللَّهجَةِ، فليسَ فيهِ حيلةٌ؛ إِلاَّ أَنْ يُؤخَذَ مِن حديثِه ما لا يكونُ مُنْكرًا إِذا لم يُقَوِّ بهِ بدْعَتَهُ» اهـ.
وما قالَه متَّجِهٌ؛ لأنَّ العلَّةَ التي لها رُدَّ حديثُ الدَّاعيةِ وارِدةٌ فيما إِذا كانَ ظاهِرُ المرويِّ يُوافِقُ مذهَبَ المُبْتَدِع، ولو لم يكنْ داعيةً، واللهُ أَعلمُ.
ثم سُوءُ الْحِفْظِ: إِنْ كَانَ لَازِمًا فَهُوَ الشَّاذُّ عَلَى رَأْيٍ، أو طَارِئًا فَالْمُخْتَلِطُ، ومَتَى تُوبِعَ سَيْئُّ الْحِفْظِ بِمُعْتَبَرٍ، وكَذَا الْمَسْتُورُ، والْمُرْسِلُ، والْمُدلِّسُ: صَارَ حَدِيثُهُمْ حَسَنًا لَا لِذَاتِهِ، بَلْ بِالْمَجْمُوعِ.
الشيخ: هذا الطعن العاشر من الطعون في الحديث، فالحديث يرد إلى أحد أمرين: إما لسقط، وإما لطعن.
إما سقط في إسناده، وهو الانقطاع، أو الإعضال، أو كونه معلق، أو غير ذلك من أنواع السقط فيكون الحديث ضعيفًا لكونه منقطعًا، أو لكونه مرسلًا، أو لكونه معضلًا، أو لكونه معلقًا فهذا يقال له السقط، رد الحديث لسقط فيه، لانقطاع فيه.
والعلة الأخرى الطعن، رد الحديث لطعن فيه لا لسقط، فالسند تام لكن وجد طعن في السند بأنواع من الطعن - الطعون العشرة التي تقدمت - إما لكذب الراوي، أو تهمته بذلك، أو فحش غلطه، أو غفلته، أو فسقه، أو وهمه، أو مخالفته، أو جهالته، أو بدعته، أو سوء حفظه هذه عشرة.
ثم سوء الحفظ تارة يكون لازمًا، وتارة يكون طارئًا، فاللازم يسمى شاذا، يسمى ضعيفًا، إذا كان سوء الحفظ لازمًا له معروف بسوء الحفظ، فهو سيئ الحفظ، ضعيف الحفظ، قليل الرواية، حديث شاذ فيقال ضعيف، وبعضهم قد يستعمله وفيه لين، إذا خف سوء الحفظ بعض الشيء، وإن كان طارئًا، وهو الذي يكون صاحبه يطرأ عليه سوء الحفظ؛ إما لمرض، وإما لاحتراق كتبه كابن لهيعة، أو لتوليه القضاء كشريك القاضي، وأشباه ذلك، فسوء الحفظ قد يطرأ على الإنسان، إما لمرض، أو لكبر سن، أو لسوء توليه القضاء، أو لمصيبة أصابته كموت ولده، أو زوجته، أو احتراق كتبه، أو ما أشبه ذلك، ويسمى المختلِط، اختلط إذا ساء حفظه، سوء كثيرًا قيل اختلط، وإن كان ليس بكثير قيل ساء حفظه، ساء حفظه فقط، فإن اشتد سوء الحفظ قيل له اختلط، ولم تقبل روايته؛ لأنه حينئذ لا يضبط، صار لا يضبط، قد يلقن، وقد يقلب الحديث، ولهذا يكون حديثه ضعيفًا لاختلاطه.
ثمَّ سوءُ الحِفْظِ، وهو السَّببُ العاشِرُ مِن أَسبابِ الطَّعنِ، والمُرادُ بهِ: مَن لم يُرَجَّحْ جانِبُ إِصابتِه على جانِبِ خَطَئهِ، وهو على قسمينِ:
إِنْ كانَ لازِمًا للرَّاوي في جَميعِ حالاتِه، فهُو الشاذُّ؛ على رَأْيِ بعضِ أَهلِ الحَديثِ.
أَوْ كانَ سوءُ الحفظِ طارِئًا على الرَّاوي إِمَّا لكِبَرِهِ، أو لذَهابِ بصرِه، أو لاحتِراقِ كُتُبِه، أو عدمِها؛ بأَنْ كانَ يعْتَمِدُها، فرَجَعَ إِلى حفظِهِ، فساءَ، فهذا هو المُخْتَلِطُ.
والحُكْمُ فيهِ أَنَّ ما حَدَّثَ بهِ قبلَ الاختلاطِ إِذا تَميَّزَ قُبِلَ، وإِذا لم يَتَمَيَّزْ تُوُقِّفَ فيهِ.
الشيخ: هذا المختلط الحكم فيه أنه إذا تميز قبل ما كان قبل الاختلاط، ورد ما بعد الاختلاط، إذا تميز إذا عرف أنه حدث بهذا قبل الاختلاط قبل، وما بعد الاختلاط لم يقبل، مثل عطاء بن السائب جماعة ضبطوا أحاديثه قبل الاختلاط فقبل، كحماد بن زياد، وشعبة، وسفيان، وجماعة ضبطوا حديثه قبل الاختلاط فصارت روايته عنهم مقبولة، وجماعة آخرون لم يروا عنه قبل الاختلاط، ورووا عنه بعد الاختلاط، أو رووا عنه قبل الاختلاط، وبعد الاختلاط، ولم يميز أحاديثه التي قبل الاختلاط التي عندهم فإن روايتهم عنه ضعيفة؛ لأنهم رووا عنه بعد الاختلاط، أو رووا عنه قبله وبعده، ولم يتميز هذا من هذا فلا تقبل روايتهم، فالذين رووا عن عطاء قبل الاختلاط، وضبطوه تقبل كشعبة، وسفيان، وحماد بن زيد، وجماعة، والذين بعد الاختلاط لا تقبل روايتهم، أو التبس عليهم الأمر ما ميزوا، رووا عنه قبل وبعد لكن لم يميزوا، لم يفصلوا هذا عن هذا.
س: الرواية عن أبي لهيعة بعد الاختلاط، هل ترد مطلقًا؟
الشيخ: لم تتميز الأحاديث لم تتميز؛ فلهذا حكموا بضعفه إلا رواية العبادلة: عبدالله بن المبارك، عبدالله بن يزيد هي أحسنها، وإلا كلها ضعيفة، لأن أحاديثه لم تتميز.
س: يعني رواية العبادلة؟
الشيخ: أحسنها، ولكن ضعيفة، مع هذا ضعيفة، وهي يستشهد بها من باب الاستشهاد.
وكذا مَن اشتَبَهَ الأمرُ فيهِ.
الشيخ: كذلك من اشتبه الأمر فيه يكون حديثه ضعيفًا.
وإِنَّما يُعْرَفُ ذلك باعْتِبارِ الآخِذينَ عنهُ.
ومَتى تُوبِعَ السَّيِّءُ الحِفْظِ بِمُعْتَبَرٍ؛ كأَنْ يكونَ فوقَهُ أو مِثْلَه لا دُونَه.
الشيخ: هذا المعتبر، إذا توبع المعتبر مثله أو أحسن منه صار حديثه حسنًا، مثل لو روى ابن لهيعة حديثًا، وروى مثله كذلك شريك القاضي، أو غيره شريك روى حديثًا مثله، أو أحسن منه يكون حديثه من باب الحسن إذا كان له متابع مثله، أو أحسن منه هذا المعتبر.
الشيخ: هذا إذا توبع المرسل، أو المدلس، أو سيئ الحفظ بمثله، أو أحسن منه صار حديثهم حسنًا... من باب الحسن لغيره، جاء من طريقين، أو من ثلاثة طرق، أو أكثر، يكون من باب الحسن لغيره إذا كان رواته فيهم مدلس، أو فيهم مرسل، أو فيهم مستور، فهذا يكون حديثه من باب الحسن لغيره إذا كان الطريقان أو الطرق لم تخل من هؤلاء، إما من دلس الحديث، أو أرسله، أو كان مستورًا، والمستور عندهم من روى عنه اثنان فأكثر ولم يوثق يقال له مستور، وإلا مجهول الحال كما تقدم، إذا روى عنه اثنان ولم يوثق فهذا يقال له مستور، ويقال له مجهول الحال.
والمرسل الذي روى عن التابعين عن النبي ﷺ، المرسل ما رفعه إلى النبي ﷺ من دون رواية عن الصحابة؛ كأن يقول عطاء: قال رسول الله ﷺ، أو طاووس: قال رسول الله ﷺ، أو مجاهد: قال رسول الله ﷺ فهذا يسمى مرسلًا، ما رواه التابعي عن النبي ﷺ، فإذا روى آخر صار من باب الحسن، طريق أخرى عن تابعي آخر مرسل، هذا من باب الحسن لغيره.
س: .....؟
الشيخ: يعني يعتبر حديثه، بخلاف الساقط، الضعيف لا يعتبر، إذا كان معتبرا يعني مثله إما مدلس، وإلا مرسل، وإلا مستور، أما واحد مجهول العين روايته ما تقوي، ما تنفع.
س: .....؟
الشيخ: لا، إذا كان الثاني دون المقبول كان مجهول العين ما هو مقبول، مجهول العين، أو ممن اشتد غلطه، فحش غلطه، أو متهم بالكذب، أو كذاب ما ينفع. فالمعتبر المستور الحال، والمرسِل، والمدلس.
س: إذا جاء سنده فيه ضعف مثل روى الإمام أحمد عن ابن حوشب، ثم جاء الحديث صحيحا ...؟
الشيخ: العمدة على الصحيح، إذا جاء سنده صحيحًا العمدة على الصحيح، يكون الآخر شاهد يقوي، ولا يضر إذا جاء سنده صحيحًا؛ اكتفي بالسند الصحيح، والحمد لله .
س: .....؟
الشيخ: لا، يكون من باب الصحيح، إذا كان الحديث صحيحًا يكون صحيحًا، الحسن لغيره إذا كانت الطرق كلها ضعيفة، يكون الحسن لغيره.
الشيخ: يعني انتقل من درجة الضعف والتوقف إلى القبول، وكان حجة بسبب تعدد الطرق، وكون الراوي مستورًا، أو مرسلًا، أو مدلسًا، لا فاحش الغلط، ولا وضاعًا، ولا متهمًا بالكذب.
ومعَ ارْتِقائِهِ إِلى دَرَجَةِ القَبولِ؛ فهُو مُنْحَطٌّ عنْ رُتْبَةِ الحَسَنِ لذاتِه، ورُبَّما توقَّفَ بعضُهم عنْ إِطلاقِ اسمِ الحَسَنِ عليهِ.
وقد انْقَضى ما يتعلَّقُ بالمَتْنِ مِن حيثُ القَبولُ والرَّدُّ.
الشيخ: يعني انتهى بهذا، ما يتعلق بالخبر من حيث القبول والرد، لأن ببيان أسباب الرد وأسباب التضعيف انتهى الكلام على ما يتعلق برد الحديث لسقط فيه، أو طعن فيه، وبقي الكلام في أشياء أخرى.
س: أحسن الله إليكم توقف البعض في إطلاق اسم الحسن على هذا؟
الشيخ: بعض الناس لأجل الضعف في الطريقين.
ثُمَّ الْإِسْنَادُ: إِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى النَّبيِّ ﷺ، تَصْرِيحًا، أو حُكْمًا: مِنْ قَوْلِهِ، أو فِعْلِهِ، أو تَقْرِيرِهِ.
أَوْ إِلَى الصَّحَابِيِّ كَذَلِكَ، وهُوَ: مَنْ لَقِيَ النَّبيَّ ﷺ مُؤْمِنًا بِهِ، ومَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، ولَوْ تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ فِي الْأَصَحِّ.
الشيخ: يقول - رحمه الله -: ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي ﷺ من غير ذكر الصحابي، أو إلى الصحابي، وهو من لقي النبي ﷺ مؤمنًا به، ولو تخللت ردة في الأصح يسمى صحابي، ولو كان صغيرًا، لقي النبي ﷺ، وهو صغير، لقيه... كعبدالله بن أبي طلحة، وأشباهه، هذا يسمى صحابي، ولو ارتد، ثم رجع إلى الإسلام لا تزول الصحبة كما جرى لأسعد بن قيس، وآخرين، فهذا يسمى مرفوعًا إلى النبي ﷺ، تارة بواسطة الصحابي، وتارة أن يحذف السند كله، تارة يذكر الصحابي، وتارة يذكر التابعي مع الصحابي، وتارة يسوقه بلا إسناد.
الشيخ: التابعي من لقي الصحابي وهو مسلم، فهذا يقال له تابعي، كابن المسيب، وعطاء بن رباح، وطاووس، وغيرهم.
الشيخ: يقال للمنتهي إلى النبي ﷺ مرفوع، والمنتهى إلى الصحابي فقط يقال له الموقوف، والمنتهي إلى التابعي ومن دونه يقال له المقطوع، ويقال مرسل إذا كان نسبه إلى النبي ﷺ، وقال: مرسل كالتابعي إذا حذف الصحابي يسمى مرسلًا، وإذا كان من كلام التابعي فهو مقطوع.
وَيُقَالُ لِلأَخِيرَيْنِ: الْأَثَرُ.
الشيخ: ويسمى الخبر عن الصحابة، أو عن التابعيين الأثر، أو يقال لما يرفع إلى النبي ﷺ مرفوع، أحاديث، وما ينتهي إلى الصحابي فقط، أو إلى التابعي فقط يسمى الآثار، يعني الصحابة والتابعين غالبًا، وقد يطلق الأثر على الحديث عن النبي ﷺ، يقال فيه آثار عن النبي ﷺ، لكن في الغالب ما كان عن النبي ﷺ يقال أحاديث، وما كان عن السلف من الصحابة، والتابعين يقال آثار.
والفائدة في هذا أن تعرف أن الإسناد إذا انتهى إلى النبي ﷺ فقط؛ فهذا هو المرفوع، أما إذا قصر الراوي، وأوقفه على الصحابة قال عمر، قال الصديق، قال أبو هريرة، على أبي هريرة، قال ابن عباس، هذا يسمى الموقوف، وإذا انتهى إلى التابعين كما قال ابن المسيب على طاوس قال، هذا يسمى الأثر، وهكذا من دونهم يسمى أثرًا كأتباع التابعين فيه أثر عن فلان، أثر عن الأوزاعي، فيه أثر عن فلان، عن الثوري، عن ابن عيينة.
ثمَّ الإِسْنادُ، وهُو الطَّريقُ المُوصِلَةُ إِلى المتنِ.
والمَتْنُ: هُو غايَةُ ما يَنْتَهي إِليه الإِسنادُ مِن الكلامِ، وهُو إِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى النَّبِيِّ ﷺ، ويقتَضي لفظُهُ - إِمَّا تَصْريحًا، أو حُكْمًا - أَنَّ المنَقْولَ بذلك الإِسنادِ مِن قولِهِ ﷺ، أو مِن فِعْلِهِ، أو مِن تَقريرِهِ.
مثالُ المَرفوعِ مِن القولِ تَصريحًا: أَن يقولَ الصَّحابيُّ: سمعتُ النبيَّ ﷺ يقولُ: كذا، أَو: حدَّثَنا رسولُ اللهِ ﷺ بكَذا، أو يقولُ هو أو غيرُه: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ كذا، أَو عنْ رسولِ اللهِ ﷺ أَنَّه قالَ كذا، أو نحوَ ذلك.
ومِثالُ المَرفوعِ مِن الفِعْلِ تَصريحًا: أَن يقولَ الصَّحابيُّ: رأَيْتُ رسولَ اللهِ ﷺ فعَلَ كذا، أو يقولَ هُو أو غيرُه: كانَ رسولُ اللهِ ﷺ يفعَلُّ كذا.
ومِثالُ المَرفوعِ مِن التَّقريرِ تَصريحًا: أَنْ يقولَ الصَّحابيُّ: فعَلْتُ بحضرَةِ النبيِّ ﷺ كذا، أو يقولَ هو أو غيرُه: فعَلَ فُلانٌ بحَضْرَةِ النبيِّ ﷺ كذا، ولا يذكُرُ إِنكارَهُ لذلك.
الشيخ: هذه أنواع ما يروى عن النبي ﷺ من قوله، أو فعله، أو تقريره، فالسند ينتهي إلى النبي ﷺ بالقول، قال رسول الله ﷺ، مثل قول عمر سمعته يقول: إنما الأعمال بالنيات هذا من القول.
والفعل مثل قول الصحابة: رأيت النبي ﷺ يصلي كذا، يسوي الصفوف، يفعل كذا، يأخذ بيمينه، يأكل بثلاثة أصابع، هذا من فعله.
والتقرير كأن يقول فعلت كذا وكذا، أكلت كذا والنبي ﷺ ينظر، تناولت كذا والنبي ﷺ ينظر، فهذا من التقرير، إذا حكى عن النبي ﷺ أنه فعل شيئًا، وهو يشاهده، ولم ينكره ﷺ يسمى تقريرًا، يعني أقره على ما فعل، وهذا كثير في السنة القول، والفعل، والتقرير، وكلها بحكم المرفوع.
ومثالُ المرفوعِ مِن القولِ حُكْمًا لا تَصْريحًا: أَنْ يقولَ الصَّحابيُّ - الَّذي لم يأْخُذْ عَنِ الإِسرائيليَّاتِ - ما لا مجالَ للاجْتِهادِ فيهِ، ولا لهُ تعلُّقٌ ببيانِ لُغةٍ، أو شرحِ غريبٍ؛ كالإِخْبارِ عنِ الأمورِ الماضيةِ مِن بدْءِ الخَلْقِ، وأَخْبارِ الأنبياءِ، أو الآتيةِ: كالملاحمِ، والفِتَنِ، وأَحوالِ يومِ القيامةِ.
وكذا الإِخْبارُ عمَّا يحْصُلُ بفِعْلِهِ ثوابٌ مَخْصوصٌ، أو عِقابٌ مَخْصوصٌ.
وإِنَّما كانَ لهُ حُكْمُ المَرفوعِ؛ لأنَّ إِخبارَهُ بذلك يقتَضي مُخْبِرًا لهُ، وما لا مَجالَ للاجتِهادِ فيهِ يَقتَضي مُوقِفًا للقائلِ بهِ، ولا مُوقِفَ للصَّحابَةِ إِلاَّ النبيُّ ﷺ، أو بعضُ مَن يُخْبِرُ عَن الكُتبِ القديمةِ، فلهذا وقعَ الاحْتِرازُ عنِ القسمِ الثَّاني، وإِذا كانَ كذلك؛ فلهُ حُكْمُ ما لو قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ.
الشيخ: وهذا كثير، فإن المرفوع يكون صريحًا، ويكون حكمًا، فالصريح قال رسول الله ﷺ، سمعت رسول الله ﷺ، رأيت رسول الله ﷺ، والحكم أن يقول شيئًا لا يمكن أن يقوله من جهة رأيه، وليس ممن ينقل عن الكتب الماضية عن بني إسرائيل فيكون له حكم الرفع، لأن مثله لا يقال من جهة الرأي، فإذا قال الصحابي شيئًا لا يقال بالرأي، وليس ممن ينقل عن بني إسرائيل؛ يكون له حكم المرفوع، كقول ابن عباس: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت»، يعني أمرهم النبي عليه الصلاة، والسلام، ومثل: «كنا نعزل، والقرآن ينزل، فلو كان شيئًا لنهانا عنه القرآن»، وفي اللفظ الآخر: «بلغ ذلك النبي ﷺ، ولم ينهنا».
فلهذا وقعَ الاحْتِرازُ عنِ القسمِ الثَّاني، وإِذا كانَ كذلك؛ فلهُ حُكْمُ ما لو قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ؛ فهُو مَرْفوعٌ؛ سواءٌ كانَ ممَّا سمِعَهُ منهُ، أو عنهُ بواسِطةٍ.
ومِثالُ المَرفوعِ مِن الفِعْلِ حُكمًا: أَنْ يفعَلَ الصَّحابيُّ ما لا مَجالَ للاجْتِهادِ فيهِ فيُنَزَّلُ على أَنَّ ذلك عندَه عنِ النبيِّ ﷺ كما قالَ الشافعيُّ في صلاةِ عليٍّ في الكُسوفِ في كُلِّ ركعةٍ أَكثرَ مِن رُكوعَيْنِ.
الشيخ: وهذا كذلك يروى عن ابن عباس أنه صلى بالزلزلة في صلاة الكسوف، وحمله بعضهم على أنه في حكم المرفوع، وأنه لا مجال للاجتهاد في هذا؛ لأنها عبادة، فدل على أنه صلى بالزلزلة، هكذا قال بعض أهل العلم، وحمل ذلك على الرفع؛ لأنه فعل لا يحتمل الاجتهاد، والعبادة ما هي محل للاجتهاد، وقال آخرون: يحتمل أنه اجتهد ، وقاس الزلزلة على الكسوف أنه ليس مقطوع بأنه لا يحتمل، بل يحتمل لأن الرسول ﷺ قال في الخسوف: إن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلوا، وادعوا، وقال بعضهم: فعل ابن عباس، وما يروى عن على كذلك إنما هو لعلة.
الشيخ: مثل ما تقدم: كنا نعزل، والقرآن ينزل نعم.
لتوفُّرِ دَواعِيهِم على سُؤالِهِ عن أُمورِ دِينِهم؛ ولأنَّ ذلك الزَّمانَ زمانُ نُزولِ الوَحْيِ فلا يقعُ مِن الصَّحابةِ فِعْلُ شيءٍ، ويستمرُّونَ عليهِ إِلاَّ وهُو غيرُ ممنوعِ الفعلِ.
وقدِ استدلَّ جابِرٌ، وأَبو سعيدٍ الخُدريُّ - رضي الله عنهما - على جوازِ العَزْلِ بأَنَّهُم كانوا يفعَلونَه والقرآنُ ينزِلُ، ولو كانَ ممَّا يُنْهَى عنهُ لنَهى عنهُ القُرآنُ.
ويلتَحِقُ بقَولي حكمًا ما وردَ بصيغةِ الكنايةِ في موضعِ الصِّيَغِ الصَّريحةِ بالنِّسبةِ إِليه ﷺ؛ كقولِ التَّابعيِّ عنِ الصَّحابيِّ: يرفعُ الحَديثَ، أو: يرويهِ، أو: يَنْميهِ، أَو: روايةً، أَو: يبلُغُ بهِ، أَو: رواهُ.
وقد يَقْتَصِرونَ على القولِ معَ حَذْفِ القائلِ، ويُريدونَ بهِ النبيَّ ﷺ؛ كقولِ ابنِ سيرينَ عنْ أَبي هُريرةَ قالَ: قالَ: تُقاتِلونَ قَوْمًا الحديث.
الشيخ: يعني يكرر قال قال، إشارة إلى قال رسول الله ﷺ، وهكذا مثل ما تقدم عن فلان يرفعه، ينميه، يبلغ به إلى النبي ﷺ رواية، معناه الإشارة إلى أنه مرفوع، وهذا يعرف من تتبع الروايات عن الصحابة ، واصطلاحهم فأخذها أصحاب المصطلح، ونبهوا عليها، ومن هذا قول العراقي - رحمه الله - في الألفية:
وقولهم يرفعه يبلغ به | رواية ينميه رفع فانتبه |
س: .....؟
الشيخ: بعض أهل العلم يرى أنه أنواع، وأن الخسوف جاءت على أنواع ركوعين، وثلاثة ركوعات، وأربع، وخمس، يعني خمس قراءات خمس ركوعات، وأما السجود ما يتكرر سجدتين، وقال آخرون: الصواب ركوعان فقط، وقراءتان كما في الصحيحين في الحديث عن ابن عباس، وغيره، وعائشة، وبعضهم ما زاد على هذا فهو وهم من بعض الرواة، وليس بصحيح، وهذا رأي البخاري، وجماعة - رحمة الله - عليهم لأن الواقعة واحدة، الكسوف وقع في يوم مات فيه إبراهيم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم فقال النبي ﷺ: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا، وادعوا وقام وصلى ركعتين بقراءتين، وركعتين، وسجدتين، قالوا: فهذا يدل على أن الواقعة واحدة، وأصح ما روي قراءتان، وركوعان، وسجدتان في الصحيحين، أما ثلاث ركوعات، وأربع ركوعات فهذه في صحيح مسلم خاصة، وأما خمس ركوعات فهي عند أبي دواد، وجماعة، وقالوا: هذا وهم من بعض الرواة، وإنما الصواب قراءتان، وركوعان، وسجدتان، وهذا هو الأفضل والأحوط، وهو أخف على الناس، وأيسر أيضًا.
س: .....؟
الشيخ: محل نظر، الأظهر عدم الصلاة بها لعدم الدليل.
س: قراءة الزلزلة في صلاة الفجر؟
الشيخ: ما في بأس، جاء أنه قرأها في بعض الصلوات، وكررها في ركعتين عليه الصلاة والسلام، الزلزلة، لكن الأفضل غالبًا يطول فيها، قال أبو بكر : كان يقرأ بالفجر بالستين إلى المائة، الأفضل فيها التطويل يطول الأولى، ويقصر في الثانية، لكن يخفف بعض الأحيان حتى يعلم الناس أن هذا جائز، وهذا جائز، يكون أكثر التطويل، وفي بعض الأحيان يخفف لا يطول حتى يعلم الناس جواز هذا، وجواز هذا.
س: هل يقرأ بالزلزلة في الركعتين؟
الشيخ: في الركعتين نعم.
الطالب: في حاشية على قول الحافظ كقول ابن سيرين عن أبي هريرة يقول: هو في الصحيحين عن أبي هريرة لكن من غير رواية ابن سيرين عنه، فلعله سبق قلم من الحافظ - رحمه الله - أراد أن يكتب الأعرج، فكتب ابن سيرين.
الشيخ: هذا يحتاج إلى مراجعة.
وفي كلامِ الخَطيبِ أَنَّه اصْطِلاحٌ خاصٌّ بأَهلِ البَصرَةِ.
ومِن الصِّيَغِ المُحْتَمِلةِ: قولُ الصَّحابيِّ: مِن السُّنَّةِ كذا، فالأكثرُ على أَنَّ ذلك مرفوعٌ.
ونقلَ ابنُ عبدالبرِّ فيهِ الاتِّفاقَ؛ قالَ: وإِذا قالَها غيرُ الصَّحابيِّ فكذلك، ما لم يُضِفْها إِلى صاحِبِها كسُنَّةِ العُمَرينِ.
وفي نَقْلِ الاتِّفاقِ نَظَرٌ، فعَنِ الشَّافعيِّ في أَصلِ المسأَلةِ قولانِ.
وذَهَبَ إِلى أَنَّهُ غيرُ مرفوعٍ أَبو بكرٍ الصَّيرفيُّ مِن الشَّافعيَّةِ، وأَبو بكرٍ الرَّازيُّ مِن الحنفيَّةِ، وابنُ حزمٍ مِن أَهلِ الظَّاهِرِ، واحتَجُّوا بأَنَّ السُّنَّةَ تتردَّدُ بينَ النبيِّ ﷺ، وبينَ غيرِه.
الشيخ: والصواب أنه إذا قال الصحابي من السنة، فسنة النبي ﷺ، هذا هو الصواب، الذي نقل عن ابن عبدالبر بالإجماع، فإذا قال ابن عمر، أو ابن عباس، أو أبو هريرة، أو غيرهم: من السنة كذا، فالمراد سنة الرسول ﷺ؛ لأنهم إنما يحكون عن سنة النبي ﷺ لا عن سنة غيره.