07 من حديث: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سبحته قاعدا قط)

بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ فِي النَّافِلَةِ

21- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْمُطَّلِبِ ابْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ، عَنْ حَفْصَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا قَطُّ، حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا، وَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا.

22- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا، حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ.

الشيخ: النبي ﷺ في آخر حياته تنوَّعت صلاته، كما أخبرت عائشة وغيرها، لما ثقل ربما صلَّى قاعدًا، وركع قاعدًا، وربما صلَّى قاعدًا، فإذا بقي عليه نحو ثلاثين آية أو أكثر قام وقرأها ثم ركع، وربما جلس وقرأ وهو جالس، حتى إذا جاء الركوعُ قام وركع، كله فعله عليه الصلاة والسلام، والأمر واسع في التَّهجد في الليل، على حسب ما يسَّر الله له: إن جلس وصلَّى جالسًا فلا بأس، وإن قرأ ثم قام وركع فلا بأس، وإن قرأ بعض القراءة ثم قام وكمل القراءةَ ثم ركع كله واسع.

س: ................؟

ج: إذا دعت الحاجةُ لا بأس، المتنفِّل أمره واسع، أما المفترض فلا بدَّ أن يُصلي قائمًا، إلا أن يعجز، مثلما قال النبيُّ لعمران: صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبٍ، هذا في الفريضة.

س: ................؟

ج: نعم، في النَّافلة.

س: ................؟

ج: هذا هو: تارةً يقرأ ويركع وهو جالس، وتارةً يقرأ وهو جالس، ثم يقوم ويركع، وتارةً يقرأ بعض القراءة، ثم يقوم يتم، ثم يركع.

س: ................؟

ج: لا، مع العذر لا، الأجر كامل مع العذر، الأجر كامل في النافلة والفريضة.

س: ................؟

ج: مرض يشقّ معه القيام؛ لأنه قال: فإن لم تستطع.

23- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ. وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ.

24- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَا يُصَلِّيَانِ النَّافِلَةَ وَهُمَا مُحْتَبِيَانِ.

 

الشيخ: الجالس مُخير: يحتبي، أو يتربع، الأمر واسع، التَّربع أفضل إذا تيسر في وقت القيام، وإن احتبى أو افترش كله طيب، ما في بأس، الأمر واسع.

بَابُ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى

25- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي يُونُسَ -مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ- أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا، ثُمَّ قَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا، فَأَمْلَتْ عَلَيَّ: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ". قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

26- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ مُصْحَفًا لِحَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا، فَأَمْلَتْ عَلَيَّ: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ".

 

الشيخ: وهذا فيه التَّفسير من النبي ﷺ، بهذا فسَّرها للأمة: بأنها صلاة العصر، كما في يوم الأحزاب: شغلونا عن الصَّلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ الله أجوافَهم وقبورَهم نارًا، والصَّلاة الوسطى على أصحّ الأقوال هي صلاة العصر.

27- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنِ ابْنِ يَرْبُوعٍ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الظُّهْرِ.

 

الشيخ: هذا ضعيف، الصواب أنها صلاة العصر، كما نصَّ النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

28- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقُولَانِ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ.

قَالَ مَالِكٌ: وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.

 

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ

29- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ.

30- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟!.

31- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَلْ يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ: هَلْ تَفْعَلُ أَنْتَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِنِّي لَأُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّ ثِيَابِي لَعَلَى الْمِشْجَبِ.

 

الشيخ: المقصود إذا جعل طرفيه على عاتقيه مثلما في الحديث الصحيح، ومثلما قال النبيُّ لجابرٍ: إن كان واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيِّقًا فاتَّزر به، فإذا كان واسعًا جعل طرفيه على عاتقيه واتَّزر به، وجعل طرفيه على عاتقيه، أما إذا كان ما يستطيع يتَّزر به ويكفي؛ لهذا الحديث الصحيح: لا يُصلِّ أحدُكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء رواه الشيخان في "الصحيحين"، مع القُدرة يجعله على عاتقيه، أما مع العجز فيكفيه الإزار.

س: ...............؟

ج: نعم، والعاتقين ..... إذا تيسر على عاتقيه أكمل.

32- وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ كَانَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ.

33- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ ابْنِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كَانَ يُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ.

34- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبَيْنِ فَلْيُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ، فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ قَصِيرًا فَلْيَتَّزِرْ بِهِ.

قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَجْعَلَ الَّذِي يُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ عَلَى عَاتِقَيْهِ ثَوْبًا أَوْ عِمَامَةً.

 

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي صَلَاةِ الْمَرْأَةِ فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ

35- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ.

36- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَتْ: تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ إِذَا غَيَّبَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا.

37- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عبيداللَّهِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْخَوْلَانِيِّ -وَكَانَ فِي حَجْرِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّ مَيْمُونَةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ.

الشيخ: والمقصود السّتر، فإذا كان الدِّرعُ ساترًا، والخمار ساترًا فالحمد لله، ما هو بلازم الخمار، لكن إذا كان جلباب يُحيطها لا بأس، المهم الستر، إذا سترت رأسها وبدنها بالخمار والدِّرع كفى.

س: ................؟

ج: أيش عندك؟

الطالب: عن عبدالله بن الأسود.

الشيخ: حدَّثنا أيش؟

الطالب: وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عبداللَّهِ بْنِ الْأَسْوَدِ.

الشيخ: عندكم عبيدالله؟

الطالب: ...........

الشيخ: ضبطه وإلا ما ضبطه؟

الطالب: في الحاشية: عبيدالله.

الشيخ: صلِّحها، أيش عندك: عمران؟

الطالب: ...............

الشيخ: انظر "التقريب" حديث واحد توخَّى فيه رحمه الله، توخَّى فيه الصدق، وله شواهد.

س: ................؟

ج: أيش يقول؟

الطالب: يقول عمران بن حطان .....

الشيخ: لأنهم يُكفِّرون بالكذب، يُشددون في الكذب، هذا قصده، يُكفِّرون بالكبائر.

الطالب: ..............

الشيخ: المقصود روى في الصحيح، إذا لم يكن داعيةً، وعُرف بالصدق فلا بأس، ولم تكن الرِّواية فيما يُقوي بدعته.

38- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ امْرَأَةً اسْتَفْتَتْهُ فَقَالَتْ: إِنَّ الْمِنْطَقَ يَشُقُّ عَلَيَّ، أَفَأُصَلِّي فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا.

 

9- كِتَابُ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ

بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ

1- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي سَفَرِهِ إِلَى تَبُوكَ.

2- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ تَبُوكَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قَالَ: فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يَضْحَى النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ، فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ: هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟ فَقَالَا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا، حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَاسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا.

 

الشيخ: وهذا قد وقع، كله وقع، الآن عمرت تبوك بالجنان والمزارع العظيمة، وفيه الدَّلالة على جواز الجمع وإن كان نازلًا إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك، كان الرسولُ ﷺ يجمع إذا كان على ظهر سيرٍ في الطريق، إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمسُ أخَّر الظهر مع العصر جمعًا -جمع تأخيرٍ- وإذا ارتحل بعد أن تزيغ الشمسُ قدَّم العصر معها جمع تقديمٍ، وهكذا في المغرب والعشاء: إذا نزل واستقرَّ لم يجمع، كما فعل في منًى في حجة الوداع: صلَّى كل صلاةٍ في وقتها، ولا بأس بالجمع وإن كان نازلًا، كما جمع هناك في تبوك، فالأمر واسع، لكن الأفضل إذا كان مُستقرًّا ومُستريحًا عدم الجمع، وإذا كان على ظهر سيرٍ جمع؛ عملًا بالسنة كلها.

س: ...............؟

ج: لأنهم خالفوا الأمر، الرسول قال: لا يقربها أحدٌ حتى آتي.

س: ...............؟

ج: الواجب عليهم أن يُصلوا جميعًا، هذا الواجب، لكن قد يقع هذا: يتأخَّرون وهؤلاء قد صلّوا، الواجب على الجماعة إذا كانوا في محلٍّ واحدٍ أن يتواصوا بأن يُصلوا جميعًا، ولا يتخلف أحدٌ، ينتظر بعضُهم بعضًا حتى يُصلوا جميعًا.

س: ...............؟

ج: على كل حالٍ إذا جاء وهم يُصلون العشاء: إن صلَّى معهم بنية المغرب صحَّ، وإن صلّوا وحدهم، وهؤلاء وحدهم فلا بأس، لكن إن جاء وهم يُصلون العشاء ودخل معهم يجلس في الثالثة حتى يُسلم الإمامُ، ثم يُسلم معه، ثم يُصلون العشاء بعد ذلك؛ جمعًا بين المصلحتين، لأجل إدراك الجماعة، وإن صلّوا وحدهم المغرب، ثم صلوا العشاء مع إخوانهم الذين أدركوهم؛ حسن إن شاء الله.

س: ................؟

ج: الواجب التَّرتيب: المغرب ثم العشاء، يُصلون المغرب أولًا، ثم يُصلون العشاء.

س: ................؟

ج: الواجب عليهم أن يُصلوا مع الناس، إلا إذا كانوا مُسافرين.

س: ................؟

ج: على كل حالٍ الواجب عليهم أن يُصلوا مع الناس، إذا كانوا مُقيمين يُصلون مع الناس، أما إذا كان مسافرًا فإن شاء صلَّى مع الناس إذا كانوا جماعةً، أما الواحد لا، الواحد يلزمه أن يُصلي مع الناس حتى يتم، ما يجوز أن يتخلف إذا كان واحدًا؛ لأنَّ الجماعة واجبة، أما إن كانوا جماعةً فهم مُخيرون: إن شاءوا صلوا وحدهم قصرًا، وإن شاءوا صلوا مع الناس وأتموا إذا كانوا مُسافرين.

س: ................؟

ج: وإن انتظروا فلا بأس، صلوا المغرب، ثم صلوا العشاء، وإن صلوا معهم نافلةً -صلّوها معهم نافلةً العشاء- ثم صلوا المغرب وصلوا العشاء لا بأس، وإن صلّوا معهم المغرب وجلسوا في الثالثة، ثم سلَّموا مع الإمام، ثم صلوا العشاء فلا بأس إن شاء الله.

س: يُحمل السَّب هنا في الحديث على اللَّوم؟

ج: الله أعلم، على كل حالٍ ظاهره أنه أنكر عليهم، السَّب يعني: يزجرهم.

س: ................؟

ج: لا، العصر في وقتها، يُصلي معهم الجمعة، ويجعل العصر في وقتها.

س: ................؟

ج: الذي عليه الجمهور أنه لا يصحّ، لا بدَّ أن تستر قدميها.

س: ستر الكفين؟

ج: الكفان أوسع، سترها أولى، وإن بدت الأمر أوسع.

3- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.

4- حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ.

قَالَ مَالِكٌ: أُرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ.

 

الشيخ: هذا محتمل، وقال بعضُهم: إنه كان في أول الإسلام ثم نُسخ. وقال بعضُهم: لعلَّةٍ، إنه جمع بينهما لعلَّةٍ: لدحضٍ في الأسواق، وإلا لمرضٍ عامٍّ، لعلَّةٍ. والصواب أنه لا يجوز الجمع إلا لعلَّةٍ، هذا هو الذي استقرَّت عليه الشريعة: لا يجوز الجمعُ إلا لعلَّةٍ: مطر، أو مرض، أو سفر، نعم.

س: الحاجة؟

ج: لا، ما هي بعلَّةٍ.

س: ...............؟

ج: لا حرج إن شاء الله، معذورون لا حرج.

5- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَمَعَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ جَمَعَ مَعَهُمْ.

6- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ: هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، أَلَمْ تَرَ إِلَى صَلَاةِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ؟

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ يَوْمَهُ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ لَيْلَهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.

 

بَابُ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ

7- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، إِنَّا نَجِدُ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَصَلَاةَ الْحَضَرِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ؟! فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا ﷺ وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَلُ.

 

الشيخ: وهذا هو الواجب علينا: الاتباع، ما هو بلازمٍ أن يكون كلُّ حكمٍ في القرآن، جاء الرسولُ بالقرآن، وجاء بالوحي الثاني مثلما قال ﷺ: إني أُعطيتُ القرآنَ ومثله معه، والله جلَّ وعلا يقول: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى  ۝ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى  ۝ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى  ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1- 4]، فأعطاه اللهُ الكتابَ، أعطاه اللهُ الحكمةَ، وهي السنة، فما فعله أو أمر به فهو وحيٌ من الله جلَّ وعلا، وقد قصر في السَّفر، فنقصر كما قصر عليه الصلاة والسَّلام.

8- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّهَا قَالَتْ: فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ.

9- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ لِسَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: مَا أَشَدَّ مَا رَأَيْتَ أَبَاكَ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَنَحْنُ بِذَاتِ الْجَيْشِ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ بِالْعَقِيقِ.

 

الشيخ: وهذا لا بأس به، إذا أخَّر المغربَ مع العشاء في السَّفر، ولما جاء خبر مرض زوجته جدَّ في السير وأخَّر المغربَ مع العشاء فجمع بينهما بوقت العشاء، كما يُؤخر الظهر مع العصر ويجمع بينهما في وقت العصر، هذا فعله النبيُّ ﷺ، كان إذا جدَّ به السير جمع، إذا ارتحل قبل أن تغيب الشمسُ أخَّر المغربَ مع العشاء، وإذا ارتحل قبل أن تزول الشمس أخَّر الظهر مع العصر، وإذا ارتحل بعد الظهر -بعد الزوال- قدَّم العصر مع الظهر، وإذا ارتحل بعد الغروب قدَّم العشاء مع المغرب، هذا هو السُّنة.

س: حكم صلاة مَن أتمَّ في السَّفر؟

ج: لا حرج، لكن ترك الأفضل؛ ولهذا أتمَّ عثمانُ في سنواته الأخيرة، وأتم معه الصحابةُ رضي الله عنهم، وكانت عائشةُ تُتم بعض الأحيان في السفر تقول: "إنه لا يشقّ عليَّ". والأفضل هو اتِّباع السنة، وهو القصر.

بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلَاةِ

10- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصَّلَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ.

 

الشيخ: "يجب" تساهل في التعبير، يعني: يُشرع، "يجب" يعني: يُشرع فيه القصر، كان إذا خرج -فارق البلد- قصر، وهكذا كان النبيُّ ﷺ إذا خرج في أسفاره يقصر في ذي الحُليفة؛ لأنه قد غادر البلد حينئذٍ.

س: ................؟

ج: لا منافاة، سُمي: "قصرًا" لحال الخوف، إن خفتم، وقيل: صلاة السَّفر، كما جاء في الأحاديث أنها صدقة من الله، فُرضت ثنتين، ثم أُتمَّت في الحضر، والله سامح العباد في السفر في الزيادة سبحانه وتعالى.

11- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى رِيمٍ، فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.

قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ.

الشيخ: وأيش قال عليه؟

الطالب: (أنه ركب إلى ريمٍ) بكسر الراء، وإسكان التَّحتية، وميم، (فقصر الصلاةَ في مسيره ذلك) قال مالك: وذلك نحو من أربعة بُردٍ من المدينة.

الشيخ: يعني يومين.

الطالب: في تتمة: وَلِعَبْدِالرَّزَّاقِ، عَنْ مَالِكٍ: ثَلَاثُونَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ: وَأَرَاهَا وَهْمًا، بِخِلَافِ مَا فِي "الْمُوَطَّأ".

وَرَوَاهُ عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ: هِيَ ثَلَاثُونَ. فَيُحْتَمَلُ أَنَّ "رِيمٍ" مَوْضِعٌ مُتَّسِعٌ كَالْإِقْلِيمِ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ مَالِكٍ عِنْدَ آخِرِهِ، وَعُقَيْلٍ عِنْدَ أَوَّلِهِ، وَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ الْمَدِينَةِ:

فَكَمْ مِنْ حُرَّةٍ بَيْنَ الْمُنَقَّى *** إِلَى أُحُدٍ إِلَى جَنَبَاتِ رِيمٍ

الشيخ: نعم، نعم.

12- حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.

قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصُبِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ.

13- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ إِلَى خَيْبَرَ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ.

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ الْيَوْمَ التَّامَّ.

الشيخ: أيش قال المحشي عليه؟

الطالب: وَتَقْدِيرُ ذَلِكَ بِالسَّيْرِ الْحَثِيثِ نَحْو أَرْبَعَةِ بُرُدٍ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَعْنَاهُ فِي الصَّيْفِ وَجَدِّ السَّيْرِ.

الشيخ: فقط؟

الطالب: فقط أحسن الله إليك.

..............

الشيخ: يعني يومين، البريد: نصف يوم.

12- حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.

قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصُبِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ.

 

الشيخ: تُقدر بقريب بثمانين كيلو تقريبًا، ثمانين كيلو تقريبًا هي أربعة بُرُدٍ.

13- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ إِلَى خَيْبَرَ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ.

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ الْيَوْمَ التَّامَّ.

14- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.

15- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ، وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجدَّةَ.

قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ إِلَيَّ فِيهِ الصَّلَاةُ.

قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ، وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ.

 

الشيخ: وهذا هو السنة، كان النبيُّ ﷺ إذا غادر البلدَ قصر، ولا يزال يقصر حتى يدخل البلد، فإذا خرج منها إلى ذي الحُليفة قصر عليه الصلاة والسلام، وهكذا إذا جاء البلدَ يقصر حتى يدخل البلد، فلما قيل لعليٍّ وأرضاه وهو قادمٌ من سفرٍ، حاذى الكوفة، قال: "حتى ندخلها"، ما داموا خارج البلد فهم في السَّفر حتى يصلوا إليها.

س: .................؟

ج: لا، لا يقصر حتى يخرج؛ تأسيًا بالنبي ﷺ، يُعيد.

س: الذي يُسافر الآن والمطار خارج المدينة بمسافةٍ قريبةٍ؟

ج: إذا قصر فيه لا بأس، مثل: مطار الرياض، ومطار جدة الآن خارج البلد، إذا كان المطارُ خارج البلد لا بأس.

س: .................؟

ج: إذا كان خارج البناء لا، إذا وصل إليه يقصر ثم .....

س: .................؟

ج: إذا دخل البلد يُتمّ، ما دام خارج البلد، ما دام في المطار، إذا صلَّى في المطار يُصلي ثنتين إذا كان المطارُ خارج البلد.

س: .................؟

ج: ما هو بلازمٍ، إذا صلَّى في السَّفر انتهى، إذا دخل المدينةَ ما عليه شيء، إن صلَّى معهم فهي نافلة.

بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ يُجْمِعْ مُكْثًا

16- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: أُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسَافِرِ مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثًا، وَإِنْ حَبَسَنِي ذَلِكَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً.

17- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ لَيَالٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، إِلَّا أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ فَيُصَلِّيهَا بِصَلَاتِهِ.

 

الشيخ: والمعنى أنَّ المسافر ما لم يجمع إقامةً فهو مسافر، لا يدري متى يرتحل؛ ولهذا أقام لما حبسه الثَّلج ستة أشهرٍ وهو يقصر رضي الله عنه، فالحاصل أنَّ المسافر إذا أقام إقامةً لا يدري متى تنتهي يقصر، ولو أقام سنةً أو أكثر؛ لأنه ليس له علم بالنِّهاية، أما إذا حدد الإقامةَ فهذا محل إقامةٍ؛ حدد إقامةً بعشرة أيام، بعشرين يومًا، أقلّ، أكثر، هل يقصر أو لا يقصر؟ خلاف.

الجمهور على أنه إذا حدد إقامة أكثر من أربعة أيام لا يقصر؛ لإقامة النبي ﷺ في مكة من يوم الرابع إلى ثامن ذي الحجة، ثم خرج إلى منى، ثم انتقل إلى منى.

وظاهر كلام ابن عمر أنه إذا لم يجمع إقامةً، وأنه على سفرٍ إذا كان أقام لعارضٍ أنه يقصر، وهذا قول جماعةٍ من أهل العلم، فإذا أقام لعارضٍ ولو نوى إقامة عشرة أيام أو أكثر، لكنها إقامة عارضة، وسوف يرجع، فهو على سفره، يُعدُّ مُسافرًا؛ ولهذا أقام النبيُّ ﷺ عشرة أيام في مكة: في منى وعرفات، وقبل ذلك وهو يقصر عليه الصلاة والسلام من حين قدم في اليوم الرابع، إلى أن ارتحل في اليوم الرابع عشر، قال أنس: "أقمنا عشرة أيام في حجّة الوداع مع النبي ﷺ". يعني: في مكة، ومنى، وعرفات، ومُزدلفة.

بَابُ صَلَاةِ الْإِمَامِ إِذَا أَجْمَعَ مُكْثًا

18- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: مَنْ أَجْمَعَ إِقَامَة أَرْبَع لَيَالٍ وَهُوَ مُسَافِرٌ أَتَمَّ الصَّلَاةَ.

قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ.

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَلَاةِ الْأَسِيرِ، فَقَالَ: مِثْلُ صَلَاةِ الْمُقِيمِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا.

الشيخ: أيش قال الشَّارح على: "أحبّ إليَّ أربعة أيام"، كلام مالكٍ رحمه الله؟

الطالب: (قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ) مِنَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ، وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ رَفَعَهُ: يَمْكُثُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَكَّةَ لَا يَجُوزُ لِمُهَاجِرِيٍّ أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارَ إِقَامَةٍ، فَأَبَانَ ﷺ أَنَّ مَنْ نَوَى إِقَامَةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ لَيْسَ بِمُقِيمٍ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا نَوَى إِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ، وَدُونَهَا قَصَرَ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

(وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَلَاةِ الْأَسِيرِ فَقَالَ: مِثْلُ صَلَاةِ الْمُقِيمِ) فَيُتِمُّ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا) فَيَقْصُرُ.

الشيخ: فقط؟

الطالب: فقط أحسن الله إليك.

الشيخ: الزرقاني؟

الطالب: نعم.

س: ................؟

ج: إن صاروا مُستوطنين يجعل لهم الجمع، إذا كانوا مُستوطنين، أما إن كانوا ما هو بمستوطنين ما عليهم شيء إلا إذا حضروا مع الناس، وإن سمحوا لهم يخرجون ويُصلون مع الناس فلا بأس، أما إذا كانوا مُستوطنين صلَّى بهم جمعة، عندهم جمعة.

س: ................؟

ج: يجعل لهم إمامًا، ويجعلهم يُصلون جميعًا، ويُراقبون ويعتنون به، وإلا خطر، قد يخرجون، لا بدَّ من العناية معهم إذا كانوا مستوطنين.

س: ................؟

ج: إذا كانوا مستوطنين ..... الجمعة إذا تيسرت جماعة: ثلاثة فأكثر، يجمعون على الصحيح، وإذا كانوا مُسافرين -ما هم مستوطنين- ليس عليهم جمعة.

س: ................؟

ج: عندهم فتاوى، عند الدولة فتاوى في هذا.

س: المسافر إذا سُجن هل يقصر وإلا يتم؟

ج: الحكم حكم المسافرين: يقصر؛ لأنه ما عنده نيَّة إقامةٍ، ما يدري متى يُطلَق، وهو مسافر له القصر.

بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إِذَا كَانَ إِمَامًا أَوْ كَانَ وَرَاءَ إِمَامٍ

19- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَن مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ.

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ.

20- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ الْإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعًا، فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.

 

الشيخ: ..... لما أتم عثمانُ صلوا معه تمامًا، وهكذا لو صلَّى إمام تمامًا صلَّى معه أربعة، وإذا صلَّى الإمامُ ثنتين صلَّى ثنتين.

س: ...............؟

ج: له أن يؤمّ، وإذا سلَّم يُتمُّون.

س: ...............؟

ج: يُعلمهم قبل حتى ينتبهوا، وإن ما أعلمهم، إن سلَّم يقول: أتموا، وإن أعلمهم قبل أولى؛ حتى يكونوا على بينةٍ، إذا صلَّى بناسٍ مُقيمين.

21- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ صَفْوَانَ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقُمْنَا فَأَتْمَمْنَا.

 

بَابُ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ بِالنَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ

22- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي مَعَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فِي السَّفَرِ شَيْئًا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، إِلَّا مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ.

 

الشيخ: وهذا السنة، فإنه ﷺ كان في السَّفر يُصلي على الراحلة النَّافلة في الليل، ولا يُصلي إلا سنة الفجر، يدع رواتب الظهر والمغرب والعشاء، ما كان يُصلي معها شيئًا: الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والمغرب ثلاثًا، والعشاء ثنتين، وما كان يُصلي إلا سنة الفجر، والوتر في التَّهجد في الليل، هكذا كان النبيُّ ﷺ يفعل في السَّفر.

23- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأَبَا بَكْرِ ابْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ فِي السَّفَرِ.

قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مالكُ عَنِ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.

الشيخ: لا حرج في النَّافلة، يُصلي الضحى، ويتهجد في الليل، لكن الرَّواتب السنة تركها، إلا سنة الفجر، نعم.

24- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى ابْنَهُ عُبَيْدَاللَّهِ بْنَ عَبْدِاللَّهِ يَتَنَفَّلُ فِي السَّفَرِ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ.

الشيخ: إنما هو يدع الرَّواتب، ويقول: "لو كنتُ مُتنفِّلًا لأتممتُ الرَّواتب"، أما كونه يتنفل: يتهجد في الليل، أو يُصلي الضحى، أو سنة الوضوء، كل هذا لا بأس به في السَّفر والحضر.

25- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى خَيْبَرَ.

 

الشيخ: وهذا يدل على جواز الصلاة على الراحلة، المسافر يُصلي على راحلته، سواء كانت حمارًا أو بغلًا أو مطيَّةً يُصلي عليها إلى جهة سيره في النَّافلة، أما الفريضة فينزل ويُصلي على الأرض عليه الصلاة والسلام، كان ينزل ويُصلي على الأرض، أما في النَّافلة فلا بأس، وهكذا السَّيارة.

26- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ.

قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ دِينَارٍ: وَكَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.

 

الشيخ: يُستحبّ عند الإحرام أن يستقبل بها القبلة إذا تيسر في النافلة؛ لحديث أنسٍ: أن النبي كان يستقبل القبلةَ عند الإحرام. رواه أبو داود بإسنادٍ حسنٍ، وإن لم يستقبل فلا حرجَ.

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي السَّفَرِ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إِيمَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ وَجْهَهُ عَلَى شَيْءٍ.

 

بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى

27- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ -مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى عَامَ الْفَتْحِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ.

28- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ- أَنَّ أَبَا مُرَّةَ -مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: أُمُّ هَانِئ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ: فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ، قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَلِكَ ضُحًى.

الشيخ: وهذا احتجَّ به العلماء على أنَّ المرأة تُجير مثلما قال ﷺ: ذمَّة المسلمين واحدة، يُجير عليهم أدناهم، فإذا أجارت إنسانًا أُجير حتى يسلم أو يردّ إلى مأمنه، كالرجل إذا أجار رجلًا من أهل الحرب، فإنه ينظر في أمره، فإن أسلم فالحمد لله، وإلا يُردّ إلى مأمنه، كما قال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [التوبة:6].

29- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّهَا قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لأستحبها".

 

الشيخ: "وإني لأستحبها" كذلك؟ أو أُسبحها؟

الطالب: "لأستحبّها" عندي.

الشيخ: الذي في "الصحيح": "وإني لأُسبِّحها"، أيش قال المحشي؟

الطالب: كذلك (وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْفَوْقِيَّةِ، وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: كَذَا رِوَايَةُ يَحْيَى.

وَرَوَاهُ غَيْرُهُ: "لَأُسَبِّحُهَا" أَيْ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ، أَيْ: أَتَنَفَّلُ بِهَا.

قَالَ الْحَافِظُ: وَلِكُلٍّ وَجْهٌ، لَكِنَّ الثَّانِيَةَ تَقْتَضِي الْفِعْلَ، بِخِلَافِ الْأُولَى فَلَا تَسْتَلْزِمُهُ، وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ أَشْيَاءُ مُخْتَلِفَةٌ رَوَاهَا مُسْلِمٌ: فَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ: "لَا، إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ"، وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذَةَ عَنْهَا: "كَانَ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ".

فَفِي الْأَوَّلِ نَفْيُ رُؤْيَتِهَا لِذَلِكَ مُطْلَقًا، وَفِي الثَّانِي تَقْيِيدُ النَّفْيِ بِغَيْرِ الْمَجِيءِ مِنْ مَغِيبِهِ، وَفِي الثَّالِثِ الْإِثْبَاتُ مُطْلَقًا.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ: فَذَهَبَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ وَجَمَاعَةٌ إِلَى تَرْجِيحِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ عَنْهَا، يَعْنِي: حَدِيثَ مَالِكٍ هَذَا، دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، وَقَالُوا: إِنَّ عَدَمَ رُؤْيَتِهَا لِذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْوُقُوعِ، فَيُقَدّمُ مَنْ رَوَى عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْإِثْبَاتَ. انْتَهَى.

وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِالْبَرِّ: "حَدِيثُ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُنْكَرٌ" غَيْرُ صَحِيحٍ، مَرْدُودٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ مَعْنَاهُ كَصِحَّةِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ تَضْعِيفَهُ الْحَقِيقِيّ، فَسَقَطَ تَعَجُّبُ السُّيُوطِيُّ مِنْهُ.

الشيخ: المقصود من هذا أنَّ عائشةَ رضي الله عنها اختلفت الرِّوايات عنها: جاء عنها أنه كان يُصلي الضُّحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله، وجاء عنها أنه كان لا يُصليها إلا إذا قدم من مغيبه بدأ بالمسجد وصلَّاها ركعتين، وجاء عنها ما ذُكر هنا أنه لا يُسبِّحها، وإني لأُسبِّحها.

ولعلَّ السر في ذلك والله أعلم أنها نسيت: إما في الحديث الأول، أو في الحديث الأخير، فأثبتت في هذا وهذا، فيكون هذا كله ثابتًا عنها: كان يُصلي الضُّحى أربعًا، ما ثبت عنها يُقال به، وهكذا قولها: "إلا أن يجيء من مغيبه"، نسيت ما فعله من كونه يُصليها بعض الأحيان أربعًا.

وقد ثبت من حديث أم هانئ أنه صلَّاها ثمانيًا عام الفتح، وجاء عنها أيضًا عند ابن حبان وجماعة أنه دخل بيته فصلَّى ثماني ركعات. لكن في سنده ضعف.

وقد ثبت في "الصحيحين" أنه ﷺ أوصى أبا هريرة بصلاة الضحى، وفي "صحيح مسلم" أنه أوصى أبا الدَّرداء بصلاة الضحى، هي سنة مؤكدة صلاة الضحى، وأقلها ركعتان.

وفي الصحيح أنه ﷺ قال: يُصبح على سُلامى من الناس صدقة، كل تسبيحةٍ صدقة، وكل تهليلةٍ صدقة، وكل تحميدةٍ صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ثم قال: ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضُّحى، فهذا يدل على تأكُّدها وسُنيتها.

س: حديث "ذمّة المسلمين واحدة" يشمل حتى الصبي غير المميز في الإجارة؟

ج: لا، الظاهر أنَّ هذا الحكم يتعلق بالمكلَّفين.

س: ...............؟

ج: نعم، تُجيرهم، وينظر في أمرهم: إذا أسلموا فالحمد لله، وإلا يردّوا إلى مأمنهم؛ لقوله ﷺ: ذمة المسلمين واحدة؛ ولعموم قوله جلَّ وعلا: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة:6].

س: ...............؟

ج: ما في بأس إذا صلَّى بهم بعض الأحيان، النبي ﷺ زار بيت جدة أنسٍ وصلَّى بهم الضحى ركعتين جماعة، وزار عتبان ضُحًى وصلَّى بهم جماعةً.

س: ...............؟

ج: يعني قال: "زعم" تأتي بمعنى "قال"، مثل قول سيبويه: "زعم كذا" يعني: قال، وتأتي بمعنى الكذب: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ [النساء:60].

س: ...............؟

ج: ما يضرّ، قال ابن أمي. "زعم ابن أمي" يعني: قال ابن أمي. تعني عليًّا .

س: ...............؟

ج: عليٌّ نعم.

29- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّهَا قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لأستحبُّها، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ".

 

الشيخ: هذا كالجواب، كأنه قيل لها: كيف تستحبينها والنبي ما فعلها؟! قالت: إنَّ الرسول قد يترك العملَ وهو يُحب أن يعمله؛ مخافةَ أن يشقَّ على الناس عليه الصلاة والسلام. يرفق بالناس، قد يُحب العملَ، ولكن يتركه مخافة المشقّة على الناس، وهكذا يُقال في كونه ﷺ لم يُحافظ على سنة الضُّحى، لعله ترك المحافظةَ عليها خشية المشقّة على الناس، وكذلك لما دخل الكعبةَ وخرج منها كئيبًا قال: إني خشيتُ أن أكون قد شققتُ على أمَّتي.

المقصود أنه قد يترك العملَ مخافة المشقّة، يعني: النافلة، ولكن ثبت من قوله، وثبت من فعله عليه الصلاة والسلام، وثبت من قوله: أوصى أبا هريرة وأبا الدَّرداء، وحديث أبي ذرٍّ، وثبت من فعله في حديث أم هانئٍ عليه الصلاة والسلام، وثبت من فعله: إذا قدم من السَّفر صلَّى الضُّحى ركعتين في المسجد.

س: ...............؟

ج: السنة المداومة عليها، مثلما أوصى بها النبيُّ ﷺ، وهو تركها لئلا يشقَّ على أمته؛ لأنه لو داوم عليها لداوموا عليها وشقّوا على أنفسهم، كأنهم جعلوها فريضةً، المقصود أنَّ السنة تكون بالقول، وتكون بالفعل، وتكون بالتقرير، ما هو بلزومٍ .....

س: السنة في عدد الركعات ثنتان مطلقًا، أو أربعًا، أو ثمانيًا؟

ج: أقل شيءٍ ثنتان، وإن زاد زاد اللهُ له في الأجر، أقلّها ركعتان.

س: ...............؟

ج: الضُّحى، أو في الظهر، أو في الليل، كله واحد.

30- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ تَقُولُ: "لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَايَ مَا تَرَكْتُهُنَّ".

 

الشيخ: أيش قال المحشي عليه؟

الطالب: (مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ) بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ (رَكَعَاتٍ، ثُمَّ تَقُولُ: لَوْ نُشِرَ) بِضَمِّ النُّونِ: أُحْيِيَ (لِي أَبَوَايَ) أَبُو بَكْرٍ وَأُمُّ رُومَانَ (مَا تَرَكْتُهُنَّ) أَيِ: الثَّمَانِ رَكَعَاتٍ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِخَبَرٍ مَنْقُولٍ عَنِ النَّبِيِّ: كَخَبَرِ أُمِّ هَانِئٍ؛ وَلِذَا اقْتَصَرَتْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ الَّذِي كَانَ يُمْكِنُهَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَلَيْسَتْ صَلَاةُ الضُّحَى مِنَ الصَّلَوَاتِ الْمَحْصُورَةِ بِالْعَدَدِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا، وَلَكِنَّهَا مِنَ الرَّغَائبِ الَّتِي يَفْعَلُ الْإِنْسَانُ مِنْهَا مَا أَمْكَنَهُ. انْتَهَى.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ أَكْثَرَهَا ثَمَانٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مَا وَرَدَ مِنْ فِعْلِهِ ﷺ، وَمَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا اخْتِيَارٌ لَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْهُمُ: ابْنُ جَرِيرٍ، وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ: الْحَلِيمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَصَوَّبَهُ السُّيُوطِيُّ قَائِلًا: فَلَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى حَصْرِهَا فِي عَدَدٍ مَخْصُوصٍ.

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ: كَمْ أُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: كَمَا شِئْتَ.

وَأُخْرِجَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُصَلُّونَ الضُّحَى؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي أَرْبَعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُدُّ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ.

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي "الزُّهْدِ" عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ كان مِنْ أَشَدِّ الصَّحَابَةِ تَوَخِّيًا لِلْعِبَادَةِ، وَكَانَ يُصَلِّي عَامَّةَ الضُّحَى.

وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ" عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ غَالِبٍ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى مِئَةَ رَكْعَةٍ.

وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي "شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ": لَمْ أَرَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُ حَصَرَهَا فِي اثْنَتَيْ عَشرَةَ رَكْعَةً، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ: كَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ فَقَطْ، فَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ، ثُمَّ النَّوَوِيُّ. انْتَهَى.

وَفِي "فَتْحِ الْبَارِي" قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: أَفْضَلُهَا ثَمَان، وَأَكْثَرُهَا عَشرَةُ رَكَعَاتٍ. فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَكْثَرِ وَالْأَفْضَلِ.

الشيخ: والصَّواب في هذا أنه لا حدَّ لها: إن صلَّى ثمانيًا، أو أربعًا، أو ستًّا، أو ركعتين، أقلّها ركعتان، ولا حدَّ لأكثرها، لكن أكثر ما رُوي ثمان في "الصحيحين" من حديث أم هانئٍ، وإلا فالأمر واسع ما بين ارتفاع الشمس؛ ولهذا في حديث عمرو بن عبسة في "صحيح مسلم" قال: فإذا ارتفعت الشمسُ فصلِّ؛ فإنَّ الصلاةَ محضورة مشهودة حتى تقف الشمسُ، فأمره أن يُصلي، وأن الصلاة محضورة مشهودة إلى وقوف الشمس، كل الضُّحى محل صلاةٍ، صلى مئةً، أو عشرين، أو أكثر، أو خمسين، أو اثنتي عشرة، الحمد لله، الأمر واسع، كله محل صلاةٍ، وهكذا الظهر محل صلاةٍ، وهكذا الليل كله محل صلاةٍ، لو صلَّى آلافًا الحمد لله.

س: ..................؟

ج: محتمل أنها من ذوات الأسباب، ويحتمل أنَّ وقتها واسع، يمكن أن يُؤخر المغرب، ويمكن أن يتقدم قبل العصر، لكن مُقتضى الأدلة أنها من ذوات الأسباب؛ لأنَّ العصر قد يشقّ عليه التَّأخير إلى بعد المغرب، إذا وصل البلد قد لا يتيسر له أن يدخلها قبل العصر، هذا باختياره أمور قد يحكمها أسباب كثيرة، فالأقرب والله أعلم أنها من ذوات الأسباب، هذا الأقرب.

بَابُ جَامِعِ سُبْحَةِ الضُّحَى

31- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِطَعَامٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ لَكُمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.

 

الشيخ: وهذه سنة الضُّحى كان أوصى بها أبا هريرة وأبا الدَّرداء، يفعلها بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام، وهي سنة مُؤكدة، أقلها ركعتان.

س: .................؟

ج: ما له أصل هذا، هذا إنما هو تأسٍّ بالنبي ﷺ .....، لكن ذاك من باب المباحات، إذا صلَّى لا بأس، أما أن يُقال: سنة، لا، إنما هذا من الرسول؛ لأنه هو المشرع عليه الصلاة والسلام.

س: .................؟

ج: إن صلَّى بهم الضحى بما يرى أنه من باب إظهار الخير وتعليمهم الخير، الظاهر لا بأس، أما أن يُقال: سنة، لا، إذا كان يقصد التعليم والتَّوجيه.

س: يدل على الجماعة في الضُّحى؟

ج: لا بأس، إن صلَّى النافلة بعض الأحيان جماعة لا بأس، كما وقع هنا، وكما وقع في قصة عتبان، وقع عند أبي الدَّرداء مع سلمان، النافلة بعض الأحيان جماعة لا بأس.

س: هل ورد في الضُّحى أنه يقرأ سورةً مُعينةً؟

ج: ما أعلم فيه شيئًا.

32- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْهَاجِرَةِ فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ، فَقُمْتُ وَرَاءَهُ، فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمَّا جَاءَ يَرْفَا تَأَخَّرْتُ فَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ.

 

الشيخ: مثلما فعل النبيُّ مع ابن عباسٍ، لما صفَّ ابنُ عباسٍ عن يساره جعله عن يمينه، وكذلك جابر، المقصود أنَّ هذا هو السنة: الواحد يقف عن يمين الإمام في الفرض والنَّفل، فإذا كانوا اثنين فأكثر صفُّوا خلفه.

بَابُ التَّشْدِيدِ فِي أَنْ يَمُرَّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي

33- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ.

34- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ- عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ: مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي؟ فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي أَقَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً؟

 

الشيخ: وهذا يدل على تحريم المرور بين يدي المصلي، وأنَّ الواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن المصلِّي يدفعه ويرده، سواء كانت الصَّلاةُ نافلةً أو فريضةً، لا يدعه يمر بين يديه، يعني: قريبًا منه ثلاثة أذرع فأقلّ؛ لأنَّ النبي ﷺ لما صلَّى إلى الكعبة جعل الجدارَ عنه ثلاثة أذرع من قدمه، فإذا كان بين يديه حيث يتناوله ثلاثة أذرع فأقلّ، أو بينه وبين السُّترة يدفعه، لا يمر بينه وبين السُّترة، أما إن كان بعيدًا، أو من وراء السُّترة فلا حاجةَ إلى دفعه.

35- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يُخْسَفَ بِهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ.

 

الشيخ: كعب الأحبار معروف أنه تابعي، وقد يكون هذا مما قرأه من الكتب الماضية.

س: ................؟

ج: هذا في المدينة، حديث أبي سعيدٍ في المدينة، حديث النبي عامّ، يعمّ المدينة وغير المدينة، لكن مكة ذكر أهلُ العلم أنه لا يرد فيها؛ لأنه صعب الورود في هذا، الغالب أنَّ الاختلاط سوف يقع؛ لكثرة المصلين، وكثرة الطائفين، وكثرة المتجولين، فالأمر فيها واسع، في المسجد الحرام يصعب ردّ المارّ؛ ولهذا كان ابنُ الزبير يُصلي والطّواف أمامه.

س: اتِّخاذ السُّترة واجب أم سنَّة؟

ج: ظاهر الحديث أنه سنة مُؤكدة؛ لأنه جاء في بعض الرِّوايات أنه صلَّى إلى غير السُّترة عليه الصلاة والسلام.

س: لو مرَّت بين يديه في الحرم امرأة؟

ج: الصحيح أنها ما تقطع.

س: إذا ترك الإنسانُ السُّترةَ مُتعمِّدًا؟

ج: ترك السُّنة، ولا يأثم، لكن ينبغي له أن يُحافظ عليها؛ لأنَّ الرسول أمر بذلك وفعله عليه الصلاة والسلام، فإذا صلَّى في محلٍّ يخشى أن يمرّ بين يديه يتأكّد عليه أن يُصلي إلى جدارٍ أو عمودٍ أو كرسيٍّ مثلما قال ﷺ في الحديث الذي رواه أبو داود: إذا صلَّى أحدُكم فليُصلِّ إلى سترةٍ، وليدنُ منها، هذا هو السُّنة.

س: ما جاء أنَّ النبي ﷺ لم يصمد إلى السُّترة صمدًا؟

ج: هذا ضعيف، السنة أن يصمد إليها؛ لقوله ﷺ: إذا صلَّى أحدُكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا عمود أو غيره.

س: ................؟

ج: على كل حالٍ تجنبهم أحسن إذا تيسر في المسجد الحرام.

س: أحيانًا في الزِّحام النِّساء يُصلين أمام الرِّجال؟

ج: ما يضرّ إن شاء الله، لا يضرّهم.

س: ................؟

ج: هذا يرجع إلى ولاة الأمر هناك، إذا رأى جهة ..... هم الذين يتصرَّفون في هذا، إذا رأوا جهةً مُعينةً تكون للنِّساء لا بأس.

36- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ أَيْدِي النِّسَاءِ وَهُنَّ يُصَلِّينَ.

37- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدٍ، وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ.

 

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي

38- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي لِلنَّاسِ بِمِنًى، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ، فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ.

 

الشيخ: وهذا يدل على جواز ذلك بين المأمومين، أما أمام المصلِّي الإمام أو الفرد لا، حديث ابن عباسٍ فيه المرور بين يدي المأمومين، ولا يضرّ هذا.

39- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصُّفُوفِ، وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ.

قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا، إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَبَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ، وَلَمْ يَجِدِ الْمَرْءُ مَدْخَلًا إِلَى الْمَسْجِدِ إِلَّا بَيْنَ الصُّفُوفِ.

 

الشيخ: لا حرج في ذلك لما ذكر ابن عباس، لا حرج في هذا.

س: إذا انصرف الإمامُ تبقى سترةُ الإمام سترةً لمأمومه، تستمرّ الحال؟

ج: الظاهر أنها تبقى، ما يحتاج أن يدور سترةً.

س: ...............؟

ج: الذي يظهر لي أنه ما يتقدم، يُصلي في مكانه والحمد لله.

س: ...............؟

ج: إذا مرَّ بين يديه نعم.

س: إذا دخل في الصَّفِّ بعد انصراف الإمام، فهل يدعونه يمضي؟

ج: لا، لا يدعونه يمرّ بين أيديهم وهم يُصلون، يُتمون صلاتهم، أو يُصلون النَّافلة.

س: ...............؟

ج: ما أعرف لها أصلًا، وضع السترة من المصلي، ما هو من غير المصلِّي، لكن قد يُقال: إنه أمرٌ حسيٌّ لو وُضع زال المحذور، وإلا السُّترة تكون من المصلِّي نفسه، يقصد ذلك، لكن لو وضعها غيره قد يكون فيه خير إن شاء الله، لو وضع كرسيًّا أمامه، أو وضع غيره قد يكون في هذا خيرٌ إن شاء الله، فيه مصلحة التَّعاون على البر والتَّقوى.

س: ...............؟

ج: إذا تيسر لا بأس، سارية أو كرسي، المقصود ما يحصل به السُّترة.

40- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي.

 

الشيخ: بلاغات مالك ضعيفة، لكن لو صحَّ فالسنة مُقدمة، لو صحَّ عن عليٍّ فالسنة مُقدمة، فيُحمل أثر عليٍّ على أنه ما بلغته السُّنة، النبي ﷺ قال: يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب الأسود، فالسنة مُقدمة على كل أحدٍ، لكن لو صحَّ عن عليٍّ.

س: ................؟

ج: لا، ضعيف، جاء ضعيفًا عن أبي سعيدٍ.

س: ................؟

ج: إن صحَّ، لو صحَّ ما يكون له حكم الرفع، يكون اجتهادًا؛ لأنه اجتهاد له مجال.

س: ................؟

ج: لا، ضعيف، كلها ضعيفة، المعروف أنها ضعيفة، وإذا صحَّ منها شيء فهي عامَّة مخصوصة بحديث: يقطع الصلاةَ: المرأة والحمار والكلب الأسود، عامّ مخصوص لو صحَّ شيء.

س: الزرقاني في الحاشية يقول: (أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي) وَهَذَا الْبَلَاغُ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ مَوْقُوفًا.

الشيخ: هذا يصير من اجتهاده رضي الله عنه.

س: كلمة "يقطع الصلاة" هل يُبطل الصلاة أم ينقصها؟

ج: يُبطلها يعني.

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي.

 

الشيخ: هذا مثلما جاء عن عليٍّ، هذا سند جيد.

بَابُ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي فِي السَّفَرِ

41- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَسْتَتِرُ بِرَاحِلَتِهِ إِذَا صَلَّى.

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحَرَاءِ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ.

 

بَابُ مَسْحِ الْحَصْبَاءِ فِي الصَّلَاةِ

42- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ إِذَا أَهْوَى لِيَسْجُدَ مَسَحَ الْحَصْبَاءَ لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ مَسْحًا خَفِيفًا.

 

الشيخ: لا بأس بهذا ..... واحدة أو دع، إذا دعت الحاجةُ لا بأس.

س: ..............؟

ج: يحرص على الوصية بعدم العبث.

43- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَقُولُ: مَسْحُ الْحَصْبَاءِ مَسْحَةً وَاحِدَةً وَتَرْكُهَا خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ.

................

الشيخ: هذا الظاهر، ظاهر الحديث واحدة أو دع ..... قد تكون الحصباءُ أو غير الحصباء مُؤذيةً تمنع من الخشوع، فيكون حينئذٍ مسحها واحدة خيرًا من الترك؛ حتى يتيسر له الخشوع والتَّمكن من السُّجود.

س: ...............؟

ج: هذا بلاغٌ، ما هو بسندٍ صحيحٍ، يحيى بن سعيد بلغه.

 

بَابُ مَا جَاءَ فِي تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ

44- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، فَإِذَا جَاءُوهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ كَبَّرَ.

45- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ ابْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَامَتِ الصَّلَاةُ وَأَنَا أُكَلِّمُهُ فِي أَنْ يَفْرِضَ لِي، فَلَمْ أَزَلْ أُكَلِّمُهُ وَهُوَ يُسَوِّي الْحَصْبَاءَ بِنَعْلَيْهِ حَتَّى جَاءَهُ رِجَالٌ قَدْ كَانَ وَكَّلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الصُّفُوفَ قَدِ اسْتَوَتْ، فَقَالَ لِي: "اسْتَوِ فِي الصَّفِّ"، ثُمَّ كَبَّرَ.

 

الشيخ: وهذا مثلما أمر ﷺ، كان يأمر بتسوية الصُّفوف، وتسوية الصف الأول فالأول، هذا هو السنة، وأنَّ الإمام يعتني بالجماعة ويُلاحظهم حتى تستوي الصفوف، وإذا كانت الصفوفُ كثيرةً ووكَّل مَن يُلاحظهم كان هذا من السنة، فإنَّ هذا من العناية بالصلاة وإكمالها، مثلما فعل عمر وعثمان رضي الله عنهما.

س: ...............؟

ج: الظاهر أنَّ رجوعه إلى صفِّه أولى، مأمور أن يقوم بالمهمة، وبعد المهمة ينصرف، يرجع ويصفّ.

س: ...............؟

ج: المقصود ما يكون بينهم فُرجة، أما المحاكاة والإيذاء لا، لكن يكون يسدّ الخلل، الرسول قال: سدُّوا الخللَ، سدّوا الفُرَج، كون قدمه تلي قدم أخيه ما بينهما فرج من دون محاكاةٍ وأذى.

س: ...............؟

ج: يُلصق قدمه بقدم صاحبه، لا يكون بينهما فُرجة.

س: ...............؟

ج: لا، ما في حرج، ما دام أمر النبي بتسوية الصفوف، هذا مما يُعين على ذلك.

س: ...............؟

ج: لا تحاكه حتى ما يسحبها، خلِّها جنبه، ولا تحاكه، لا تُؤذيه، ولا يسحب قدمه، أما إذا كانت تُؤذيه، تحاكه: تُؤذيه.

س: .................؟

ج: يُنبه بعد الصلاة، يُنبه أنَّ هذا سنة، ولكن من غير أذى، بعض الناس يُؤذي في المحاكاة.

س: .................؟

ج: ينصحه ويقول له: لا تكن بيننا فرجة، قدمي مع قدمك، لا تكن بينهما فُرجة.

س: الإمام إذا لم يجد مَن يُسوي له الصفّ يشقّ الصفوف ولو طال الفصلُ بين الإقامة والتَّكبير؟

ج: يأمرهم مثلما أمر النبي وهم في الصفّ، يأمر ويكفي.

س: يعني ما يحتاج أن يشقَّ الصفوف؟

ج: ما هو بلازمٍ، النبي ما كان يأمر أحدًا يشقّ الصفوف، يأمرهم: سووا صفوفَكم، أتمّوا الصفَّ الأول فالأول، تراصُّوا. ويكفي والحمد لله.

س: .................؟

ج: ثبت عنه ﷺ أنه صلَّى إلى غير سترةٍ في بعض الأحيان، هذا يدل على عدم وجوبها، وأنها سنة مؤكدة، ولا سيما في المواضع التي يقل فيها المرور، أو يُؤمَن فيها المرور.

س: .................؟

ج: يكفي، إذا ما وجد شيئًا الخطّ يكفي، إذا ما تيسر شيء.

س: .................؟

ج: لا، ما يكفي، هذا غلط.

 

بَابُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ

46- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِالْكَرِيمِ ابْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ، وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ، يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ، وَالِاسْتِينَاءُ بِالسَّحُورِ.

47- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمِ ابْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ يَنْمِي ذَلِكَ.

 

الشيخ: هذا رواه البخاري رحمه الله، وهذه السنة: يضع يده اليمنى على كفِّه اليُسرى، أو الرسغ والسَّاعد وقت وقوفه في الصلاة، هذه الرِّواية على ذراعه اليسرى، ولا منافاةَ، فإنه إذا مدَّ يده هكذا صارت أطراف الأصابع على الذِّراع؛ جمعًا بين الرِّوايتين، وهذا يعمّ القيام الذي قبل الركوع، والذي بعد الركوع، كله يضع يده هكذا: الكفّ والأصابع على السَّاعد، والسَّاعد هو الذِّراع.

س: بعض الناس يرفع على ترقوته؟

ج: لا، على الصَّدر، السنة على الصَّدر.

س: ................؟

ج: هذا السنة صريحة، كان في حديث وائل يجعل الكفَّ على الرسغ والسَّاعد، وجاء في رواية سهل بن سعد: الذراع اليسرى .....، والجمع بين الأحاديث متعين، الجمع بينهما متعين.

س: ................؟

ج: ما فيها تخالف، ما في خلاف.

بَابُ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ

48- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ.

 

الشيخ: أيش قال الشَّارح؟

الطالب: أَيْ لَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ مِنَ الْقِيَامِ.

وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى عَشَرَةِ مَعَانٍ، نَظَمَهَا الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فَقَالَ:

وَلَفْظُ الْقُنُوتِ اعْدُدْ مَعَانِيهِ تَجِدْ مَزِيدًا عَلَى عَشْرِ مَعَانِي مَرْضِيَّه
دُعَاءُ خُشُوعٍ وَالْعِبَادَةُ طَاعَةٌ إِقَامَتُهَا إِقْرَارُهُ بِالْعُبُودِيَّه
سُكُوتُ صَلَاةٍ وَالْقِيَامُ وَطُولُهُ كَذَاكَ دَوَامُ الطَّاعَةِ الرَّابِحُ الْقُنْيَه

(مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ) بَلْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: لَمْ يدْخلْ فِي التَّرْجَمَةِ مَا فِيهِ قُنُوتٌ عَلَى مُعْتَقَدِهِ مِنَ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ، بَلْ أدخلَ فِعْل ابْن عُمَرَ مُخَالِفًا لِمُعْتَقَدِهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ: لَمْ يُذْكَرْ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى غَيْرُ ذَلِكَ، وَفِي أَكْثَرِ الْمُوَطَّآتِ بَعْدَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ، وَلَا فِي الْوَتْرِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ إِذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ. انْتَهَى.

وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ ﷺ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. رَوَاهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

وَثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ وَبَعْدَهُ.

وَحَكَى الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ مِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَأَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْبَرَاءُ.

وَمِنَ التَّابِعِينَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَحُمَيْدُ الطَّوِيلُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ، وَطَاوُوسٌ، وَغَيْرُهُمْ.

وَمِنَ الْأَئِمَّةِ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ.

وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَقْنُتُونَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ إِثْبَاتٌ وَنَفْيٌ قُدِّمَ الْإِثْبَاتُ عَلَى النَّفْيِ.

وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" سُئِلَ أَنَسٌ: أَقَنَتَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: أَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ؟ قَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا.

وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْقُنُوتِ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ. قُلْتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ. قُلْتُ: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ؟! فَقَالَ: كَذَبَ، إِنَّمَا قَنَتَ ﷺ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أَرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ، زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ، فَغَدَرُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ، فَقَنَتَ ﷺ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ.

وَفِي ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُنُوتِ فَقَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ.

وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَنَتُوا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَبَعْضهُمْ بَعْدَهُ.

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ جَعَلَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ -أَيْ دَائِمًا- عُثْمَانُ؛ لِكَيْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَمَجْمُوعُ مَا جَاءَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقُنُوتَ لِلْحَاجَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، لَا خِلَافَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا لِغَيْرِ الْحَاجَةِ فَالصَّحِيحُ عَنْهُ أَنَّهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِن الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ.

قَالَ: وَفِي "صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ" عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَا عَلَى قَوْمٍ. وَكَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ: "إِنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا" أَيْ: مُتَوَالِيًا.

وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ.

وَلِمُسْلِمٍ عَنِ الْبَرَاءِ نَحْوُهُ.

وَتَمَسَّكَ بِهِ الطَّحَاوِيُّ فِي تَرْكِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ، قَالَ: لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى نَسْخِهِ فِي الْمَغْرِبِ، فَيَكُونُ الصُّبْحُ كَذَلِكَ. انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.

وَعَارَضَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ ﷺ قَنَتَ فِي الصُّبْحِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا: هَلْ تَرَكَ فَنَتَمَسَّكُ بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ؟

الشيخ: المقصود أنَّ الصواب أنَّ القنوت إنما هو في النَّوازل والحاجات، هذا هو الذي قنت به النبيُّ ﷺ: إذا دعا لقومٍ، أو على قومٍ. كما جرى في قصة الذين اعتدوا على القُراء، وكان يدعو على قريشٍ قبل الفتح، كان يقنت في الصبح، ويقنت في غير الصبح، وثبت أنه قنت في الصبح، وفي الظهر، وفي العصر، وفي المغرب والعشاء، كلها في النَّوازل.

أما القنوت في الصبح دائمًا فالحديث ضعيف كما أوضح ابنُ القيم رحمه الله ذلك في "زاد المعاد".

والقنوت يُطلق على طول القيام، أما القنوت الذي فيه الدُّعاء على قومٍ أو لقومٍ، فهذا كان يفعله ﷺ عند الحاجة وقتًا مُعيَّنًا، ثم يترك، وأما قنوت الوتر فهذا باقٍ، مشروع، مثلما جاء في حديث الحسن.

س: ................؟

ج: الصواب أنه بعد الركوع، الثَّبت في الأحاديث الصَّحيحة أنه بعد الركوع.

س: ................؟

ج: الله أعلم.