بَابُ صَلَاةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْوِتْرِ
8- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا فَرَغَ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ.
الشيخ: وهذا هو الأفضل إذا فرغ من الوتر؛ تأسِّيًا بالنبي يضطجع على شقِّه الأيمن بعد الوقت قليلًا أو كثيرًا حسب التيسير؛ تأسِّيًا به ﷺ، وهكذا بعد سنة الفجر إذا كان في البيت، فصلَّاها في البيت، كان يُصليها النبيُّ في البيت ويضطجع بعدها على شقِّه الأيمن حتى يأتيه بلالٌ يُؤذنه بالصلاة.
وهذا يدل على أنَّ السنة أن يُسلم من كل ثنتين، هذا هو السنة، كما في حديث ابن عمر: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي الصبحَ صلَّى ركعةً واحدةً، أخرجه البخاري ومسلم في "الصحيحين"، وهذا هو الأكثر، وربما صلَّى خمسًا جميعًا ﷺ، وربما صلَّى ثلاثًا جميعًا، سردها جائز، لكن الأفضل ما كان يفعله غالبًا وأرشد إليه بالقول، وهو مثنى مثنى، يُسلم من كل ثنتين، هذا هو الأفضل في صلاة الليل، وفي صلاة النهار أيضًا؛ لما ثبت عن ابن عمر، عن النبي ﷺ أنه قال: صلاة الليل والنَّهار مثنى مثنى.
س: .............؟
ج: يعني يجلس ويسجد للسَّهو، هذا معناه، إذا قام الليل ونوى ثنتين وقام للثالثة يُنبه إن كان إمامًا، وإذا تنبه يجلس ويسجد للسَّهو، يقرأ التَّحيات ثم يسجد للسَّهو ويُسلم؛ لأنه كما لو قام في الفجر، أو في الجمعة.
س: .............؟
ج: الأمر واسع، القبلة أو غيرها.
9- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: "مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا".
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي.
الشيخ: وهذا يُبين أنه كان يُطيل ﷺ في تهجده في الليل: يُصلي أربعًا -يعني بتسليمتين- فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، يُطولها، يُطول في ركوعها وسجودها وقيامها عليه الصلاة والسلام، وهكذا الأربع الثانية؛ لأنها دون الأولى، لكن فيها حُسن وطول أيضًا، وهذا من رغبته فيما عند الله.
لما قيل له: يا رسول الله، كيف تفعل هذا وأنت مغفورٌ لك؟ قال: إني أُحبُّ أن أكون عبدًا شكورًا، كان يُطيل عليه الصلاة والسلام، وربما تتورم قدماه من شدة الطول عليه الصلاة والسلام، فقال: إني أُحبُّ أن أكون عبدًا شكورًا، ومع هذا حثّ الناس على التَّخفيف والتَّيسير وعدم التَّكلف، لكنه يسهل عليه عليه الصلاة والسلام ويقول: إني لستُ مثلكم.
ولما قيل له في ذلك أنه قال بعضُ الصحابة وأرادوا أن يُطولوا أكثر منه، قال عليه الصلاة والسلام: إني لأخشاكم الله وأتقاكم له، أما والله إني لأخشاكم الله وأتقاكم له، ولكني أُصلي وأنام، وأصوم وأُفطر، وأتزوج النِّساء، فمَن رغب عن سُنَّتي فليس مني.
س: .............؟
ج: حسب الطاقة له ولغيره، لكن لا يشقّ على نفسه، إنسان يُطول حسب التيسير، لا يشقّ على نفسه.
ولما رأى بعض الصَّحابيات قد جعلت حبلًا تتعلق به إذا تعبت قطعه وقال: ليُصلِّ أحدُكم نشاطَه، فالإنسان لا يتكلَّف، يُصلي نشاطه ويتَّقي الله ما استطاع، هكذا السنة.
أما قوله: "أربعًا"، ظنَّ بعضُ الناس أنَّ قوله: "أربعًا" أنها تسليمة واحدة، وليس الأمر كذلك، "أربعًا" يعني: بتسليمتين؛ لقولها رضي الله عنها: كان يُصلي ﷺ عشر ركعات، يُسلم من كل ثنتين، ثم يُوتر بواحدةٍ عليه الصلاة والسلام؛ ولقوله ﷺ: صلاة الليل مثنى مثنى.
س: .............؟
ج: أما إذا أوتر بثلاثٍ، أو أوتر بخمسٍ، فلا بأس، سردها.
س: .............؟
ج: محتمل، قال بعضهم بالكراهة، والقول بالبطلان قول قوي؛ لأنه خلاف السنة، والمشهور عند العلماء الكراهة -كراهة الأربع، كونه يُصلي أربعًا- بل السنة أن يُسلم من كل ثنتين في الليل والنَّهار.
س: .............؟
ج: لا بأس، إذا سرها أو صلَّى خمسًا سردها لا بأس، لكن كونه يُسلم من كل ثنتين أفضل.
س: ............؟
ج: بمعنى الأمر، نعم جاء في بعض الرِّوايات بالأمر: فليُصلِّ مثنى مثنى.
س: ............؟
ج: ضعيف بدون تسليمٍ، يعني: ضعيف.
س: ............؟
ج: محتمل، الأقرب والأولى للمُؤمن ألا يسرد أربعًا، ولا ستًّا، ولا ثمان، بل يُسلم من كل ثنتين؛ لأنه بين الكراهة وبين التَّحريم.
س: ............؟
ج: ينتظر ويُسلم معه، لو قام للثالثة في الفجر أو الجمعة يُنبه ويجلس حتى يُسلم معه.
10- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.
الشيخ: وهذا بعض الأحيان، وربما صلَّى ثلاث عشرة، والغالب إحدى عشرة، وربما صلَّى تسعًا، أو سبعًا، أو خمسًا، لكن الغالب إحدى عشرة، وربما صلَّى ثلاث عشرة عليه الصلاة والسلام.
11- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهِيَ خَالَتُهُ- قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.
الشيخ: هذه ثلاث عشرة مثلما روت عائشةُ، الليلة التي حضرها ابنُ عباسٍ عند ميمونة صلَّى ثلاث عشرة عليه الصلاة والسلام، يُسلم من كل ثنتين.
الشيخ: ويحتمل أنَّ الثنتين الأولى أنها ركعتي الاستفتاح، فيكون لا مخالفةَ بينها وبين رواية إحدى عشرة؛ إن حسبت ركعتي الاستفتاح صارت ثلاث عشرة، وإن لم تُحسب صار التَّهجد إحدى عشرة.
س: ...............؟
ج: حسب التيسير، الإنسان يُصلي حسب التيسير، إذا وجد قوةً أطال في السُّجود والركوع والقراءة، وإذا وجد ضعفًا خفَّف في الجميع، وإذا أطال في السُّجود زيادةً فلا بأس؛ للدُّعاء وكثرة الدُّعاء فلا حرج، لكن مع مُراعاة عدم المشقة.
س: ...............؟
ج: الأقرب أن تكون الصلاةُ مُعتدلةً، مُتقاربةً، إن طوَّل القيام طوَّل الركوع والسجود، وإن خفَّف خفَّف، كانت صلاةُ النبي مُعتدلةً، يقول البراء رضي الله عنه: "رمقتُ الصلاة مع النبي ﷺ فوجدتُ قيامه فركعته فاعتداله بعد الركوع فسجدته فجلسته بين السَّجدتين قريبًا من السواء".
س: ..............؟
ج: كلها مُتقاربة، ما خلا القيام والقعود، القيام أطول.
س: مسح النوم من الوجه باليدين؟
ج: إذا قام من النوم، مثلما فعل النبيُّ ﷺ، وهو يتلو الآيات: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [آل عمران:190].
س: ...............؟
ج: صلاته صحيحة، لكن يجب أن يكون عن يمينه، النبي ما أبطلها، أداره وجعله عن يمينه، دلَّ على أنها صحيحة، لكن السنة أن يقف عن يمينه.
وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَأَرْمُقَنَّ اللَّيْلَةَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ، أَوْ فُسْطَاطَهُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، طَوِيلَتَيْنِ، طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ أَوْتَرَ، فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً.
الشيخ: تكلَّم على عبدالله بن قيس بن مخرمة؟
الطالب: بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَالْمِيمِ الثَّانِيَةِ، ابْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ الْمُطَّلِبِيُّ، قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: إِنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ.
وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ شَاهِينَ فِي الصَّحَابَةِ.
وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ فِي كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ، رَوَى هُوَ عَنْ: أَبِيهِ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ، وَعَنْهُ: ابْنَاهُ: مُحَمَّدٌ وَالْمُطَّلِبُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ وَالِدُ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ السِّيرَةِ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ، وَعَمِلَ لِعَبْدِالْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَلَى الْعِرَاقِ، وَاسْتَقْضَاهُ الْحَجَّاجُ عَلَى الْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ.
الشيخ: انظر عبدالله بن قيس بن مخرمة في "التقريب".
الطالب: عبدالله بن قيس بن مخرمة بن المطلب المطلبي، يُقال: له رؤية. وهو من كبار التَّابعين، واستقضاه الحجاج على المدينة سنة ثلاثٍ وسبعين، ومات سنة ستٍّ وسبعين.
..........
بَابُ الْأَمْرِ بِالْوِتْرِ
13- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى.
14- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى "الْمُخْدَجِيَّ" سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُكَنَّى: أَبَا مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: إِنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ، فَقَالَ الْمُخْدَجِيُّ: فَرُحْتُ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ وَهُوَ رَائِحٌ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ، فَقَال عُبَادَةُ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ، لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ.
الشيخ: تكلَّم عليه؟
الطالب: بميم مضمومة، ومُعجمة ساكنة، وفتح الدال المهملة وكسرها، بعدها جيم، فتحتية، آخره منسوب إلى مُخْدَجِ بْنِ الْحَارِثِ، كَذَا فِي التَّرْتِيبِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ: لَقَبٌ، وَلَيْسَ بِنَسَبٍ فِي شَيْءٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ. قَالَ: وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقِيلَ: اسْمُهُ "رُفَيْعٌ".
الشيخ: الرِّواية بهذا السند ضعيفة؛ لأنَّ المخدجي هذا ضعيف، مجهول.
المعروف أنَّ الصلاة مَن لم يأتِ بها كفر، نسأل الله العافية، مَن أتى بها وحافظ عليها يُرجى له الجنة والسَّعادة، ومَن حفظها حفظ دينَه، ومَن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع؛ ولهذا في اللَّفظ الآخر عند مسلمٍ: بين الرجل وبين الكفر والشِّرك ترك الصلاة، لكن المقصود أنَّ الصلاة الأخرى تطوع، صلاة الليل تطوع؛ ولهذا قال ﷺ لما سأله الأعرابيُّ فأخبره بالصَّلوات الخمس، قال الأعرابي: يا رسول الله، هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، فدلَّ على أنَّ الصَّلوات الخمس فريضة، وأما صلاة الليل والنَّوافل الأخرى كالرَّواتب وصلاة الضحى كلها نوافل، أما صلاة العيد فهذه عند الجمهور فرض كفايةٍ، وقال آخرون: فرض عينٍ.
فالحاصل أنَّ الصلوات الخمس هي الفريضة، أما صلاة الليل والنَّوافل الأخرى فهي تطوع.
س: ..............؟
ج: نعم، المقصود أنَّ مَن لم يُصلِّ هذه الصَّلوات الخمس فهو كافر، أما النَّقص فقد يُجبر بالنَّوافل، قد يقع من الإنسان نقصٌ، لكن يُجبر بالنَّوافل؛ لجهله، أو لأسبابٍ أخرى.
15- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ. قَالَ سَعِيدٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ، فَقَالَ لِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ. فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَى وَاللَّهِ. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ.
الشيخ: يعني لا حاجةَ إلى نزوله، لو أوترت على البعير كفى، كما كان النبيُّ يفعل عليه الصلاة والسلام.
س: ..............؟
ج: كذلك في السيارة إذا تيسر له السُّجود سجد، وإلا أوتر، مثل المطية: السيارة، الطيارة، الباخرة، يفعل ما يستطيع.
س: ...............؟
ج: في الفريضة لا بدَّ أن يستقبل القبلة، وإلا ينزل، لا بدَّ إذا تيسر النزول يجب النزول؛ حتى يركع ويسجد، وإذا ما تيسر النزول بغير اختياره وجب أن يُصلي إلى القبلة، يستدير مع القبلة في الفريضة؛ لأنَّ النبي ما كان يُصلي الفريضة إلى الطريق، كان يُصلي النافلة، أما الفريضة فكان ينزل ﷺ ويُصليها على الأرض إلى القبلة.
س: ...............؟
ج: الأرجح أنها فريضة، صلاة العيد فريضة، النبي أمر بها، وحافظ عليها ﷺ.
س: ...............؟
ج: يُومئ إيماءً، إذا كان في الطائرة يُومئ إيماءً إذا ما تيسر له السجود، إذا ما كان عنده مكانٌ يسجد فيه يُومئ إيماءً إلى جهة القبلة وغيرها إن كان في النافلة، أما الفريضة فلا بدَّ أن يدور مع القبلة.
س: ...............؟
ج: يتَّقي الله ما استطاع، يجتهد، يسأل الذي حوله حتى يعرف القبلة، ثم يتوجه إليها، فإذا دارت الطائرة يدور معها، مثل المطيَّة إذا اضطرّ إليها.
الطالب: في المتن: عن أبي بكر ابن عمر، عن سعيد بن يسار؟
الشيخ: يحتمل أنه أبو بكر ابن عمرو بن حزم، أيش قال الشَّارح؟
الطالب: وَقَالَ: هُوَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
الشيخ: أبو بكر ابن عبدالرحمن؟
الطالب: نعم.
الشيخ: قال: هو أبو بكر؟
الطالب: (مَالِكٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ عُمَرَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاةِ "الْمُوَطَّأ"، وَمِنْهُمْ يَحْيَى عَلَى الصَّوَابِ، وَفَتح الْعَيْنَ وَزِيَادَةُ وَاوٍ وَهْمٌ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ، وَقَالَ: هُوَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، لَمْ يُوقَفْ لَهُ عَلَى اسْمٍ، الْقُرَشِيّ، الْعَدَوِيّ، الْمَدَنِيّ.
الشيخ: يكفي، يكفي، سمع عن جدِّه عمر.
16- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ فِرَاشَهُ أَوْتَرَ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُوتِرُ آخِرَ اللَّيْلِ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَأَمَّا أَنَا فَإِذَا جِئْتُ فِرَاشِي أَوْتَرْتُ.
الشيخ: من باب الحزم يُوتر أول الليل، يخاف ألا يقوم، مَن تيسر له القيام فهو أفضل آخر الليل، ومَن خاف أوتر أول الليل، كما قال ﷺ: مَن خاف ألا يقوم من آخر الليل فليُوتر أوله، ومَن طمع أن يقوم آخر الليل فليُوتر آخر الليل؛ فإنَّ صلاةَ آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل خرَّجه مسلم في "الصحيح".
17- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الْوِتْرِ: أَوَاجِبٌ هُوَ؟ فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ: "قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ". فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: "أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ".
الشيخ: الوتر سنة، نعم، سنة مُؤكدة.
س: .............؟
ج: إذا كان يخشى يُوتر أول الليل، مثلما أوصى النبيُّ أبا هريرة وأبا الدَّرداء، إذا كان يخشى النَّوم السنة الإيتار أول الليل، أما إذا كان الغالبُ عليه أنه يقوم فالأفضل آخر الليل، وإذا فاته صلَّى من الضُّحى ما تيسر.
18- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- كَانَتْ تَقُولُ: "مَنْ خَشِيَ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يُصْبِحَ فَلْيُوتِرْ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، وَمَنْ رَجَا أَنْ يَسْتَيْقِظَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُؤَخِّرْ وِتْرَهُ".
19- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ، وَالسَّمَاءُ مُغِيمَةٌ، فَخَشِيَ عَبْدُاللَّهِ الصُّبْحَ فَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ، ثُمَّ انْكَشَفَ الْغَيْمُ، فَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا فَشَفَعَ بِوَاحِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ رَكْعَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا خَشِيَ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ.
الشيخ: والصواب أنه لا حاجةَ إلى الشَّفع؛ لقوله ﷺ: لا وتران في ليلةٍ، ولكن يُصلي ما تيسر: ثنتين، ثنتين، عمل ابن عمر هذا اجتهاد، والسنة خلافه، أعد السَّند.
وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ وَالسَّمَاءُ مُغِيمَةٌ.
الشيخ: قف على هذا.
............
الطالب: ذكر في كتاب ..... كتاب "النفقات"، قال في كتاب "النفقات": قوله: عن أبي مسعودٍ البدري، فقلتُ: عن النبي ﷺ. القائل "فقلتُ" هو شعبة، بيَّنه الإسماعيلي في روايةٍ له من طريق علي بن الجعد عن شعبة، فذكره إلى أن قال: عن أبي موسى، فقال: قال شعبة: قال عن النبي ﷺ. قال: نعم.
وتقدم في كتاب "الإيمان" عن أبي موسى، عن النبي ﷺ بغير مُراجعةٍ، وذكر المتن مثله، وفي "المغازي" عن مسلم بن إبراهيم، عن عدي، عن عبدالله بن يزيد أنه سمع أبا مسعودٍ البدري، عن النبي ﷺ. وذكر المتن مُختصرًا، ليس فيه: وهو يحتسبها. وهذا مُقيد لمطلق ما جاء في أنَّ الإنفاقَ على الأهل صدقة: كحديث سعدٍ، رابع أحاديث الباب، حيث قال فيه: ومهما أنفقتَ فهو لك صدقة، والمراد بالاحتساب: القصد إلى طلب الأجر، والمراد بالصَّدقة: الثواب، وإطلاقها عليه مجاز، وقرينته الإجماع على جواز الإنفاق على الزوجة الهاشمية مثلًا، وهو من مجاز التَّشبيه، والمراد به أصل الثَّواب، لا في كميته، ولا كيفيته، ويُستفاد منه أنَّ الأجر لا يحصل بالعمل إلا مقرونًا بالنية؛ ولهذا أدخل البخاريُّ حديثَ أبي مسعودٍ المذكور في باب "ما جاء من الأعمال بالنية والحسبة"، وحذف المقدار من قوله: "إذا أنفق" لإرادة التَّعميم؛ ليشمل الكثير والقليل.
وقوله: "على أهله" يحتمل أن يشمل الزوجة والأقارب، ويحتمل أن يختصّ بالزوجة، ويُلحق به مَن عداها بطريق الأولى؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ إِذَا ثَبَتَ فِيمَا هُوَ وَاجِبٌ فَثُبُوتُهُ فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَوْلَى.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ: الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَهْلِ وَاجِبٌ، وَالَّذِي يُعْطِيهِ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ بِحَسَبِ قَصْدِهِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهَا وَاجِبَةً، وَبَيْنَ تَسْمِيَتِهَا "صَدَقَةً"، بَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ.
وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: النَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا الشَّارِعُ "صَدَقَةً" خَشْيَةَ أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ قِيَامَهُمْ بِالْوَاجِبِ لَا أَجْرَ لَهُمْ فِيهِ، وَقَدْ عَرَفُوا مَا فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الْأَجْرِ، فَعَرَّفَهُمْ أَنَّهَا لَهُمْ صَدَقَةٌ؛ حَتَّى لَا يُخْرِجُوهَا إِلَى غَيْرِ الْأَهْلِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَكْفُوهُمْ؛ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ قَبْلَ صَدَقَة التَّطَوُّع.
وَقَالَ ابنُ الْمُنِيرِ: تَسْمِيَةُ النَّفَقَةِ "صَدَقَةً" مِنْ جِنْسِ تَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ "نَحْلَةً"، فَلَمَّا كَانَ احْتِيَاجُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ كَاحْتِيَاجِهِ إِلَيْهَا فِي اللَّذَّةِ وَالتَّأْنِيسِ وَالتَّحْصِينِ وَطَلَبِ الْوَلَدِ؛ كَانَ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَجِبَ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ خَصَّ الرَّجُلَ بِالْفَضْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا، وَرَفَعَهُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ دَرَجَةً، فَمِنْ ثَمَّ جَازَ إِطْلَاقُ النِّحْلَةِ عَلَى الصَّدَاقِ، وَالصَّدَقَةِ عَلَى النَّفَقَةِ.
الشيخ: نعم، كلام طيب، المقصود أنَّ أداء الواجب فيه أجر كالصَّدقة، فإذا احتسبها صار الأجرُ أكمل وأعظم، والمؤمن إذا أدَّى النَّفقة على أهله وعلى أقاربه له أجر كما يُؤجر في الصَّدقة؛ لأنَّ أداء الواجب فيه أجر، فإطلاق "الصَّدقة" على نفقة الرجل يعني: في أنه واجب عليه، ويُثاب عليها، فإذا أدَّى نفقة زوجته ونفقة عبيده ونفقة بهائمه يُؤجر عليها، فإذا احتسبها مع ذلك وصار ينويها يطلب الثوابَ من الله ويعتني بهذا كان الأجرُ أكمل.
الطالب: ذكر في كتاب "الإيمان" سطرين للقُرطبي، يقول: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَفَادَ مَنْطُوقُهُ أَنَّ الْأَجْرَ فِي الْإِنْفَاقِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ مُبَاحَةً، وَأَفَادَ مَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْصِدِ الْقُرْبَةَ لَمْ يُؤْجَرْ، لَكِنْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنَ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّهَا مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى، وَأَطْلَقَ الصَّدَقَةَ عَلَى النَّفَقَةِ مَجَازًا، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَجْرُ وَالْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ عَنِ الْحَقِيقَةِ، الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ الْهَاشِمِيَّةِ.
الشيخ: الصواب أنه يُؤجر بأداء الواجب، وإذا احتسبها يطلب ما عند الله من الأجر يكون زيادةً، إذا استحضر الاحتسابَ عند النَّفقة على الزوجة والأولاد والبهائم صار مزيدًا في الأجر.
س: ..............؟
ج: ما هي مثل الزكاة ..... يُنفق عليها، بخلاف الزَّكاة .....
س: ..............؟
ج: لا، ما يلزم، لكن إذا استحضرها يكون أفضل وأكمل.
س: ..............؟
ج: بنو هاشم لا يُعطَون من الزكاة.
س: ..............؟
ج: لا، ما يصلح، التَّعبيد لله ما هو من الصِّفات: عبدالله، عبدالرحمن، ما يُقال: عبد علم الله، ولا عبد رحمة الله، لا، ما يصلح.
20- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ فِي الْوِتْرِ، حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ.
21- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يُوتِرُ بَعْدَ الْعَتَمَةِ بِوَاحِدَةٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَنَا، وَلَكِنْ أَدْنَى الْوِتْرِ ثَلَاثٌ.
الشيخ: وهذا كله لا بأس به، الإيتار بواحدةٍ أو بأكثر، أقلّ شيءٍ واحدة، هذا يكون ركعةً، فإذا أوتر بواحدةٍ بعد العشاء، أو في آخر الليل أجزأ، ولكن الأفضل أن يكون معها زيادة، يُوتر بثلاثٍ، أو بخمسٍ، أو بأكثر؛ لقوله ﷺ: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصُّبحَ صلَّى ركعةً واحدةً تُوتر له ما قد صلَّى، وفي حديث أبي أيوب أنه قال ﷺ: مَن أحبَّ أن يُوتر بواحدةٍ فليفعل، ومَن أحبَّ أن يُوتر بثلاثٍ فليفعل، ومَن أحبَّ أن يُوتر بخمسٍ فليفعل، فأقل شيءٍ واحدة، وإن أوتر بثلاثٍ أو بأكثر فهو كلما زاد فهو أفضل، والأفضل أن يُفردها: مثنى، مثنى، وتكون واحدةً مُفردةً، سواء في أول الليل، أو في وسط الليل، أو في آخر الليل، وإذا تيسر آخر الليل فهو أفضل؛ لما روى مسلم في "الصحيح" من حديث جابرٍ رضي الله عنه، عن النبي ﷺ أنه قال: مَن خاف ألا يقوم من آخر الليل فليُوتر أوله، ومَن طمع أن يقوم آخر الليل فليُوتر آخر الليل؛ فإنَّ صلاةَ آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل.
وقد أوصى النبيُّ ﷺ أبا الدَّرداء وأبا هريرة بالوتر قبل النوم، وكان سبب ذلك أنهم عندهم بعض المانع من القيام آخر الليل، فأوصاهم بالوتر أول الليل، الظاهر والله أعلم أنَّ ذلك هو دراسة الحديث والعناية بالحديث في أول الليل، فيخشون ألا يقوموا آخر الليل، فأوصاهم بالوتر أول الليل.
س: ..............؟
ج: الأمر واسع، سواء خمس، إذا أراد أن يُوتر بخمسٍ، أو بسبعٍ، أو بتسعٍ، لكن يكون مثنى مثنى، ولو سردها خمسًا جميعًا فلا حرج، قد ثبت عنه ﷺ أنه أوتر بخمسٍ جميعًا سردًا، أو بثلاثٍ جميعًا سردًا، فلا بأس، ولكن الأفضل ثنتان، ثنتان، يُسلم من كل ثنتين، ثم يُوتر بواحدةٍ، سواء في أول الليل، أو في وسط الليل، أو في آخر الليل، حسب التَّيسير.
س: ..............؟
ج: على ما نوى، يُصليها خمسًا إلا إذا أراد تغيير النية، ويجعلها ثنتين، ثنتين، فهو أفضل.
س: ..............؟
ج: إذا أراد أن يجعلها ثنتين بدل خمسٍ ما في بأس، رجوع إلى الأفضل.
س: ..............؟
ج: الأمر واسع، لكن كونه يُكمل نيَّته أفضل، وإلا فالأمر واسع؛ لأنها نافلة، الأمر فيها واسع، لكن لو استمرَّ على نيَّته يكون أفضل: الأعمال بالنيات، إذا استمرَّ على نيَّته أفضل، وإلا نافلة، لو قطعها بالكليَّة.
س: لو غيَّر النية يسجد للسَّهو؟
ج: لا، ما في سهو، السجود للسهو ما هو للعمد.
س: .............؟
ج: يجعلها ركعتين خفيفتين، ثم يُوتر بواحدةٍ.
22- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: "صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وِتْرُ صَلَاةِ النَّهَارِ".
قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَبَدَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ مَثْنَى، مَثْنَى، فَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ.
الشيخ: وهذا هو الصواب: إذا أوتر أول الليل ثم يسَّر اللهُ له وقام آخر الليل يُصلي مثنى، مثنى، ويكفي الوتر الأول، كافٍ، مثلما قال مالكٌ رحمه الله؛ لقوله ﷺ: لا وترانِ في ليلةٍ، فإذا أوتر بعد العشاء ثم يسَّر الله له القيام آخر الليل يُصلي ما تيسر: ثنتين، أربعًا، أكثر: ثنتين، ثنتين، يُسلم من كلِّ ثنتين، ويكفيه الوترُ الأول.
بَابُ الْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ
23- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِالْكَرِيمِ ابْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ لِخَادِمِهِ: انْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ. وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَذَهَبَ الْخَادِمُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: قَدِ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنَ الصُّبْحِ، فَقَامَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَأَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ.
الشيخ: وهذا ضعيف؛ لأنَّ عبدالكريم ابن أبي المخارق ضعيف لا يُحتج به، النبي ﷺ قال: أوتروا قبل أن تُصبحوا، وقال: مَن أدرك الصبحَ فلم يُوتر فلا وترَ له، إذا طلع الصبحُ انتهى الوتر، وإنما يُصلي من النَّهار ما يسر الله: مثنى، مثنى، كما قالت عائشةُ رضي الله عنها: "كان النبي ﷺ إذا شغله عن الوتر نومٌ أو مرضٌ صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة"، يعني: زاد واحدةً، يُصلي ثنتين، ثنتين، وإذا طلع الفجرُ يُصلي سنةَ الفجر، ويُصلي الفريضة، انتهى الوتر.
الشيخ: بلاغات مالك ضعيفة؛ لأنها مُنقطعة، مُعضلة، قد تكون مُعضلةً، وقد تكون مُنقطعةً، فهي ضعيفة، ثم أيضًا لو صحَّت عن بعض الصحابة فالسنة مُقدمة على اجتهاد الصَّحابي؛ فلا وترَ بعد الصبح، السنة صريحة في هذا، فإذا طلع الصبحُ فلا وترَ له، يُصلي سنةَ الفجر فقط، ثم الفريضة، ووقت الصلاة يكون في الضُّحى إذا أراد أن يعتاض عمَّا فاته يُصلي من الضُّحى، كما جاءت به السُّنة.
الشيخ: وهذا أيضًا ضعيف؛ لأنَّ عروة لم يسمع من ابن مسعودٍ، مُنقطع، ولو صحَّ لكان اجتهادًا منه ، والسنة تُخالفه، والواجب الأخذ بالسنة.
قاعدة: إذا ثبت الحديثُ لم يجز أن يُعارض باجتهاد الصَّحابي ولا غيره، بل يجب الأخذُ بالسنة، كما قال جلَّ وعلا: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، وقال جلَّ وعلا: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، فإذا ثبت الحديثُ فالصَّحابي قد يخفى عليه الحديثُ فيجتهد، فإذا جاءت السنةُ وجب الردُّ إليها.
س: ..............؟
ج: إلا ما ثبت سنده، الأصل فيها الضعف إلا ما وُجد مسندًا بسندٍ صحيحٍ.
س: ..............؟
ج: فيه كلام، قيل: سمعه منه. وقيل: لم يسمع منه؛ لأنَّ الزبير قُتل يوم الجمل .....، وابن مسعودٍ مات قبل ذلك سنة ثلاثٍ وثلاثين، انظر عروة بن الزبير في "التقريب".
الطالب: عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو عبدالله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وأحد علماء التابعين، عن: أبيه وأمه وخالته عائشة وعلي بن محمد بن مسلمة وأبي هريرة، وعنه: أولاده عثمان وعبدالله وهشام ويحيى ومحمد بن سليمان بن يسار وابن مُليكة وخلائق.
قال ابنُ سعدٍ: ثقة، كثير الحديث، فقيه، عالم، ثبت، مأمون.
وقال العجلي: لم يدخل نفسه في شيءٍ من الفتن.
وقال الزهري: كان يتألف الناس على حديثه.
قال عروة: ما ماتت عائشةُ حتى تركتها قبل ذلك بثلاث سنين.
الشيخ: يعني: أخذ ما عندها من الرِّواية.
الطالب: قال الزهري: عروة بحر لا تُكدره الدِّلاء. قال ابنُ شوذب: كان يقرأ كل ليلةٍ ربع القرآن، ومات وهو صائم، وُلد سنة تسعٍ وعشرين، أرَّخه مصعب. وقال ابنُ المديني: مات سنة اثنتين وتسعين. وقال خليفة: سنة ثلاثٍ. وقال ..... سنة أربعٍ. وقال يحيى بن بُكير: سنة خمسٍ. قلتُ: قال عروة عن أبيه: مرسل.
الشيخ: يكون مات أبوه وهو سبع، محتمل، حين مات ابن مسعودٍ وهو أربع، إذا كان وُلد سنة تسعٍ وعشرين.
26- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ يَؤُمُّ قَوْمًا، فَخَرَجَ يَوْمًا إِلَى الصُّبْحِ، فَأَقَامَ الْمُؤَذِّنُ صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَأَسْكَتَهُ عُبَادَةُ حَتَّى أَوْتَرَ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ.
الشيخ: وهذا ضعيف أيضًا؛ لأنَّ يحيى بن سعيد لم يُدرك عبادة، بينهم زمن طويل، عبادة بن الصامت مات سنة أربعٍ وثلاثين، ويحيى بن سعيدٍ بعده بمدةٍ، المقصود أنه ضعيف، ولو صحَّ مثلما تقدم، لو صحَّ المشروع تأخير القضاء إلى الضُّحى، ليس بعد طلوع الفجر الإيتار.
س: ..............؟
ج: هو نصّ كما جاء في الحديث، أقول: جاءت به السنة مُغنية عن الآثار، السّحر أفضل إذا تيسر.
س: ..............؟
ج: لا، الأذان الأخير، العمدة على ..... بعد طلوع الفجر هو الذي يمنع، أما الأذان الأول الذي في الليل هذا ما فيه بأس، ما يمنع شيئًا.
س: مرَّ قريبًا في البخاري عن عروة: ذكر أنَّ والده الزبير في وقعة اليرموك لما ضربه الرومُ على الضَّربة التي ضُربها يوم بدرٍ قال: كنتُ أُدخل بها أصابعي ألعب.
ج: صغير، يعني: قد لا يكون لا يضبط الرِّواية.
س: ..............؟
ج: قد يكون الله أعلم.
27- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: إِنِّي لَأُوتِرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الْإِقَامَةَ أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ. يَشُكُّ عَبْدُالرَّحْمَنِ: أَيَّ ذَلِكَ قال؟
قَالَ مالك: عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إِنِّي لَأُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ مَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ؛ حَتَّى يَضَعَ وِتْرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ.
الشيخ: هذا مثلما تقدم لا يتعمد، ولا يفعله، حتى لو ما تعمد لا يفعله بعد الفجر، بل يُؤخِّر إلى الضُّحى، كما قالت عائشةُ رضي الله عنها: "كان النبيُّ إذا شغله عن وتره نومٌ أو مرضٌ صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة"، وقال ﷺ: أوتروا قبل أن تُصْبِحوا، وقال: إذا خشي أحدُكم الصبحَ صلَّى ركعةً واحدةً تُوتر له ما قد صلَّى رواه الشَّيخان.
س: ..............؟
ج: هذا ضعيف، حديث: مَن كان له إمامٌ فقراءة الإمام له قراءة ضعيف، والواجب أن يقرأ المأمومُ الفاتحةَ، ثم يُنصت، وفي السرية يقرأ الفاتحةَ وما تيسر معها في الأولى والثانية، وفي الجهرية يقرأ الفاتحة؛ لقوله ﷺ: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها، فالمأموم يقرأها ثم يُنصت في الجهرية، وفي السرية يقرأها، ويقرأ ما تيسر معها، لكن لو نسيها، أو جهل، أو جاء والإمام راكع؛ أجزأته الركعة، كما في حديث أبي بكرة عند البخاري.
س: السند الأخير صحيح؟
ج: نعم، حدَّثنا أيش؟
الطالب: عن مالكٍ، عن عبدالرحمن بن القاسم أنه قال: سمعتُ عبدالله بن عامر بن ربيعة يقول: إني لأُوتر وأنا أسمع الإقامةَ أو بعد الفجر.
الشيخ: عبدالله بن عامر بن ربيعة تابعي، وقيل: صحابي صغير. المقصود مثل غيره ما يُحتج به إذا خالف السُّنة. أيش قال على عبدالله بن عامر بن ربيعة؟
الطالب: أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: (إِنِّي لَأُوتِرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الْإِقَامَةَ) لِلصُّبْحِ (أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ. يَشُكُّ عَبْدُالرَّحْمَنِ: أَيَّ ذَلِكَ قَالَ؟) وَإِنِ اتَّحَدَ الْمَعْنَى.
الشيخ: أيش قال عندك؟
الطالب: عبدالله بن عامر بن ربيعة ..... صحابي صغير .....
الشيخ: المقصود أنه صحابي صغير، ليس له رواية.
س: .............؟
ج: ثلاث تُصلي ..... مثل صلاته.
الطالب: في الحديث الذي قبل هذا الذي فيه قال: وحدَّثني عن مالكٍ أنه بلغه أنَّ عبدالله بن عباسٍ وعُبادة بن الصامت والقاسم بن محمد، وعبدالله بن عامر بن ربيعة قال فيه: العدوي مولاهم، العنزي، له رواية، وأبوه عامر صحابي مشهور.
الشيخ: نعم، ماشٍ.
س: إيراد الإمام مالك لهذا الحديث كأنه يرى جوازَه؟
ج: كأنه يميل إلى هذا نعم رحمه الله.
س: ..............؟
ج: مالك له أفراد ضعيفة، قال ..... يُقدم عمل أهل المدينة، يتساهل في هذا رحمه الله.
س: عبدالله بن عامر يقول الذَّهبي: له عن النبي ﷺ؟
ج: له عن النبي أيش؟
س: ................؟
ج: يعني له رواية، لكن المقصود أنه صحابي ..... مثلما تقدم، ابن خمس سنين، له رواية، تكون روايةً مُرسلةً، مثلما يروي كثيرٌ من الصحابة الصِّغار روايات مُرسلة.
س: ................؟
ج: يظن أنه لو فات الوتر، يعني: لو أوتر.
س: ..............؟
ج: الله يغفر له.
س: ..............؟
ج: ظاهر السياق وسكوته يظنّ أنه إذا فاته من الليل وأوتر بين الأذان وبين الفجر، ولكن السُّنة خلاف ذلك، ما من عالمٍ إلا وله أشياء اجتهد فيها، مالك وأحمد والشَّافعي وأبو حنيفة وغيرهم كل واحدٍ له أشياء خفي عليه فيها السنة رحمهم الله.
س: ..............؟
ج: إذا كان في الوقت بقية؛ لأنَّ المؤذن على الظنِّ، فإذا أوتر بواحدةٍ فلا بأس، أما إذا كان يعلم الصبحَ قد طلع الفجر .....، أما الأذان هنا على التَّقويم، على الظنّ، فإذا صلَّى الركعة الأمر بسيط.
بَابُ مَا جَاءَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
29- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ حَفْصَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ عَنِ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ.
30- وَحَدَّثَنِي مَالِك، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- قَالَتْ: "إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيُخَفِّفُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: أَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا؟".
31- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَ قَوْمٌ الْإِقَامَةَ، فَقَامُوا يُصَلُّونَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَصَلَاتَانِ مَعًا؟! أَصَلَاتَانِ مَعًا؟! وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ.
الشيخ: إذا أُقيمت الصَّلاة فلا صلاةَ: لا الراتبة، ولا غيرها، متى أُقِيمت الصَّلاة قطع صلاتَه واشتغل بالفريضة: إذا أُقيمت الصلاةُ فلا صلاةَ إلا المكتوبة، ولما مرَّ على إنسانٍ يُصلي ركعتين قال: أتُصلي الصبح أربعًا؟! المقصود أنه متى أُقيمت قطع الصَّلاة.
س: لو غلب على ظنِّه أن ينتهي من الراتبة قبل الفجر ريثما تنتهي الإقامةُ والإمام يعدل الصف، فله أن يُتمّ، وإلا يقطع فورًا؟
ج: لا، يقطعها، يقول النبيُّ ﷺ: إذا أُقيمت الصلاةُ فلا صلاةَ إلا المكتوبة، يقطعها إلا إذا كان في السُّجود الأخير انتهت الصلاة، إذا كان قد ركع الثانية، بعد الركوع الثاني انتهت الصَّلاة.
س: ................؟
ج: لا، ما يحتاج إلى تسليم، النية تكفي.
س: ................؟
ج: معناه النهي هنا: لا صلاةَ.
س: ................؟
ج: نعم، نعم، يقطعها.
س: ................؟
ج: المقصود التَّنفل.
س: ................؟
ج: لا، ما هو المقصود بهذا، المقصود النَّهي عن الصلاة بعد إقامة الصَّلاة.
32- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ، فَقَضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ.
33- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ ابْنُ عُمَرَ.
الشيخ: وهذا هو الأفضل، كما في حديث: مَن فاتته فيُصليهما بعد طلوع الشمس، هذا هو الأفضل، وإن قضاهما بعد الفريضة فلا بأس، سنة الفجر إذا أُقيمت الصَّلاةُ ولم يُصلهما، صلَّاهما بعد الفجر، أو بعد طلوع الشَّمس.
س: ...............؟
ج: نعم، عام، الحديث عام، بارك الله فيك.
س: يعني يقطعها؟
ج: عام للذي في البيت، والذي في المسجد.
س: إذا فاتته الرَّكعتان يُصليهما في المسجد أم في المنزل؟
ج: هو مُخيَّرٌ، إن صلَّاهما في المسجد فلا بأس، مرَّ النبيُّ ﷺ على إنسانٍ يُصلي ركعتين بعد الصلاة، فقال: أتُصلي الصبحَ أربعًا؟! قال: إنها سنة الفجر يا رسول الله. فسكت، دلَّ على جواز قضائها بعد الصَّلاة.
س: الإمام في قيام رمضان هل له أن يُنوع في صلاته؟ يعني: يُصلي يومًا إحدى عشرة ركعة، ويومًا تسع عشرة، وثلاث عشرة، وإلا يستمرّ على نظامٍ واحدٍ؟
ج: الأمر واسع، في النَّافلة الأمر واسع.
8- كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ
1- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً.
2- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا.
3- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ.
الشيخ: وهذا كله فيه الحثّ على حضور الجماعة، وأنها تفضل عن صلاة الفذِّ بسبعٍ وعشرين درجة، ما يدل على الجواز، هذا يدل على الفضل، وأنَّ الجماعة فيها فضلٌ عظيمٌ، واحتجَّ به العلماء على أنَّ صلاته صحيحة، لكنه يأثم وإن كانت صحيحةً، والواجب عليه أن يحضر الجماعة؛ ولهذا همَّ ﷺ أن يُحرق عليهم بيوتهم للتَّخلُّف.
س: ..............؟
ج: نعم، كلها صحيحة.
4- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ- عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، إِلَّا صَلَاةَ الْمَكْتُوبَةِ".
الشيخ: هذا موقوفٌ، ولكن رواه الشَّيخان مرفوعًا عن النبي ﷺ أنه قال: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة مرفوعًا، خرَّجه البخاري ومسلم في "الصحيحين"، كونه يتحرى في بيته النَّافلة هذا أفضل؛ ولهذا في الحديث الآخر -حديث ابن عمر في الصَّحيح- اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتَّخذوها قبورًا، والقبور لا يُصلَّى فيها، ولا عندها، ولا ينبغي تشبيه البيت بالقبور، إلا ما شُرعت له الجماعة: كالتراويح، وقيام رمضان، وصلاة الاستسقاء، هذه تُصلَّى جماعةً، والكسوف كذلك.
س: ..............؟
ج: لا بأس إذا استسقى في بيته، أو صلَّى الكسوف في بيته، لا يأثم، لكن السنة أن يُصلي مع الجماعة.
س: ..............؟
ج: نفي الكمال الواجب، فلا صلاةَ له إلا من عذرٍ.
س: ..............؟
ج: لا، واجبة ولو مع التَّفضيل؛ لأنها صحيحة في نفسها، له فضل، ولكن فضل الجماعة يزيد خمسًا وعشرين ضعفًا، أو سبعًا وعشرين ضعفًا، ومع هذا صلاته صحيحة، لكنه يأثم بالتَّأخر، بعضهم حمل هذا على المعذور، لكن الصواب لا، المعذور صلاته كاملة، لكن هذا يدل على أنَّ الله جلَّ وعلا فضَّل صلاةَ الجماعة بهذا الفضل العظيم، ومَن تأخَّر يجب أن يُعاقَب، يجب أن يُمنع.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ
5- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا أَوْ نَحْوَ هَذَا.
الشيخ: في "الصحيحين" من حديث ابن مسعودٍ: "لقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلوم النِّفاق أو مريضٌ".
6- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ -مَوْلَى أَبِي بَكْرِ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ- عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ إِذْ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ.
وَقَالَ: الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا.
الشيخ: هذا فيه الحثّ على إزالة الأذى عن الطريق، وينبغي للمؤمن أن تكون عنده دقَّة وعناية، إذا رأى في الطَّريق ما يُؤذي الناس أزاله، هذا أزال غُصنَ شوكٍ فغفر الله له، إذا رأى في الطريق حجرًا أو عودًا أو شوكةً أو حفرةً لاحظها، ولا سيما طلبة العلم، هم القُدوة، طلبة العلم هم القدوة، فإذا رأوا شيئًا في الطرق ينبغي أن يكونوا قُدوةً في إزالة الأذى من شوكٍ، أو حجرٍ، أو حُفرةٍ، أو غير ذلك؛ حتى لا يتأذَّى المسلمون بذلك.
(والشُّهداء خمسة) يعني من الشُّهداء، هناك شُهداء آخرون، (المطعون) مَن مات بالطَّاعون، (والمبطون) مَن مات بمرض البطن، (والغرق) الذي يموت بالغرق، (وصاحب الهدم) يموت بالهدم، ومن ذلك ما يقع في السيارات، الحوادث التي تقع في السيارات، مُلحق بالهدم، كونه يصدم، أو ينقلب، هذا يُرجا له الشَّهادة، من جنس صاحب الهدم.
س: السرطان أحسن الله إليك؟
ج: الله أعلم.
وفي هذا الحذر من التَّخلف عن الصَّلوات، الواجب المسارعة إليها.
ولو يعلم الناسُ ما في النِّداء والأذان والصفِّ الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا اقترعوا، فينبغي المسارعة إلى الصفِّ الأول، والتَّسابق إلى الصلاة؛ حتى يكون من أهل الصفِّ الأول، والمنافسة في الأذان، حتى ولو بدون مساعدة، يطلب ما عند الله من الأجر، كذلك المحافظة على الفجر والعشاء؛ حذرًا من مُشابهة المنافقين؛ لأنَّ ضُعفاء الإيمان والمتَّهم بالنِّفاق يتساهل في العشاء والفجر، العشاء عند أهله، أو عند جماعته، يُسَوِّفون ويلعبون، والفجر في النوم، أما المؤمن لا، يُسارع إلى ذلك، ويُبادر إلى ذلك.
وهكذا التَّهجير، يعني: المسابقة إلى الأوقات، لو يعلم الناسُ ما في التَّهجير لاستبقوا إليه، التَّهجير: التبكير إلى الأوقات الخمسة جميعًا.
س: ..............؟
ج: الذي يشقّ عليه الحضور.
س: ..............؟
ج: يُرجا له ذلك، جاء في بعض الرِّوايات: "الحريق" يُرجا أن يكون من الشُّهداء، لكن ما أتذكر الآن صحَّة حديث الحريق.
س: حديث: لا صلاةَ لجار المسجد إلا في المسجد؟
ج: هذا يُروى عن عليٍّ موقوفًا، لكن تُغني عنه الأحاديث الصَّحيحة.
س: ..............؟
ج: حديث: مَن سمع النِّداء فلم يأتِ فلا صلاةَ له إلا من عذرٍ، قيل لابن عباس: ما هو العذر؟ قال: خوفٌ أو مرضٌ.
وفي "صحيح مسلم": أن النبي ﷺ أتاه رجلٌ أعمى وقال: يا رسول الله، ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، فهل لي من رخصةٍ أن أُصلي في بيتي؟ قال: هل تسمع النِّداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب، وهو أعمى، فكيف بغير الأعمى؟
س: ...............؟
ج: إذا فاتته الفريضة يُصلي في البيت والحمد لله، لا تروح المسجد، إذا صلَّى الناسُ صلِّ في بيتك، لا تفضح نفسك.
س: ...............؟
ج: يُقدم مَن يراه المسؤول عن المسجد، الذي هو أحسن صوتًا، وأندى صوتًا، وأعلم بالأوقات، ينظر فيه المسؤول عن المسجد: إما الأوقاف، أو غيرها، وإذا كانوا جماعةً ينظرون في السَّفر، يدرسون وينظرون مَن هو أحسنهم ويُقدِّمونه.
7- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ سُلَيْمَانَ ابْنِ أَبِي حَثْمَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ سُلَيْمَانَ ابْنَ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ، وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ لَهَا: "لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ!"، فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: "لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً".
الشيخ: صدق ، والمقصود من هذا أنه لا ينبغي له السَّهر الذي يُفوت صلاة الفجر، يُصلي من الليل ما تيسر، ولكن لا يسهر، لا يتساهل، فإنَّ الفريضة أهم وأكبر وأعظم، فليأخذ من الليل ما تيسر، ولينم، مثلما قال ﷺ: ولكني أُصلي وأنام، وأصوم وأُفطر، فمَن رغب عن سنتي فليس مني، قد يجهل الإنسانُ، وقد يتساهل فيستمر في التعبد في الليل، ثم ينام عن الفجر، هذا بلاء عظيم، هذا منكر.
س: ...............؟
ج: هذا من اجتهاد عمر وعنايته ومناقبه .
س: السَّهر في المناسبات الذي يُفوت صلاة الفجر؟
ج: لا يجوز، لا في الأعراس، ولا في غيرها، يجب أن ينتهوا عن هذا السَّهر؛ لأنَّ هذا يضرهم ويُفوت عليهم صلاة الفجر، هذا مُنكر.
س: يُعدُّ سهر إثمٍ عليهم إذا فوَّت الفجر؟
ج: ما في شكٍّ، كل سهرٍ يُفضي إلى تفويت الفجر فهو .....
وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَرَأَى أَهْلَ الْمَسْجِدِ قَلِيلًا، فَاضْطَجَعَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ النَّاسَ أَنْ يَكْثُرُوا، فَأَتَاهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ: "مَنْ هُوَ؟" فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟" فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: "مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ، وَمَنْ شَهِدَ الصُّبْحَ فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةً".
بَابُ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ
8- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ: بُسْرُ بْنُ مِحْجَنٍ، عَنْ أَبِيهِ مِحْجَنٍ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأُذِّنَ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ، وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ لَمْ يُصَلِّ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ؟ أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟! فَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ.
الشيخ: وهذا هو المشروع: إذا جاء المسجد وقد صلَّى يُصلي معهم، ولا يقول: قد صلَّيتُ؛ لأنه أولًا حرم نفسه الأجر، ثانيًا قد يُتَّهم؛ ولهذا قال النبي ﷺ للرجلين اللذين لم يُصليا معه في منًى: ما منعكما أن تُصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا. قال: لا تفعلا، إذا صلَّيتُما في رحالكما ثم أدركتُم الإمامَ وهو يُصلي فصليا معه، فإنها لكما نافلة، وقال لأبي ذرٍّ عن الأُمراء الذين يُؤخِّرون الصَّلاة عن وقتها، قال: صلِّ الصلاةَ لوقتها، فإن أُقيمت وأنت في المسجد فصلِّ معه، ولا تقل: صليتُ فلا أُصلي، وفي اللفظ الآخر: فإن أدركتَها معهم فصلِّ معهم، فإنها لك نافلة، هذا هو المشروع للمؤمن متى حضر، صلَّى في المسجد، ثم جاء إلى مسجدٍ آخر لدرسٍ أو غيره ولم يُصلّ صلَّى معهم.
س: للوجوب؟
ج: الأصل أنها نافلة، والقول بالوجوب له وجه؛ للأمر.
س: ..............؟
ج: نعم من قوله: فإنها لك نافلة، يقتضي أنه للاستحباب.
س: ..............؟
ج: ظاهر العموم، يعمّ المسجد وغير المسجد، لو كان في السَّفر وجاء وهم يُصلون، وقد صلَّى، يُصلي معهم، عام، وفي منًى وهم في السَّفر، نعم.
س: قوله: "صليتُ مع أهلي" ألا يدل على أنَّ الصلاة في المسجد مع الجماعة فرض كفايةٍ؟
ج: لا، الناس في منًى محلات مُتباعدة، كلٌّ يُصلي في محلِّه، هي مُتباعدة.
س: يُصلي معهم حتى لو جاء وهم في التَّشهد الأخير؟
ج: ظاهر العموم، ولو، ظاهر العموم، ولو في الركعة الأخيرة، ولو في التَّشهد الأخير.
س: تجوز إمامة المتنفِّل؟
ج: نعم، يجوز أن يكون الإمامُ مُتنَفِّلًا، والجماعة مُفترضين، كما صلَّى معاذٌ بأصحابه وهو مُتنفل، وصلَّى النبي ﷺ بأصحابه وهو مُتنفِّل في بعض أنواع صلاة الخوف.
س: لو كان مُسافرًا، ثم أتى إلى السُّوق وأذّن بالصلاة، هل يُلزم بالصَّلاة؟
ج: لا، ما دخل المسجد، هذا في السوق، المقصود الذي دخل في المسجد، وإن صلَّى معهم لا بأس، المقصود هذا إذا دخل المسجد، أما إذا صلَّى معهم بقصد النَّافلة ما يُخالف.
س: ............؟
ج: الأظهر أنه يُصلي كما صلوا، لا يُشوش.
9- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي، ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ، أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ: نَعَمْ. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَيَّتَهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَوَذَلِكَ إِلَيْكَ؟! إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ.
الشيخ: قد صرَّح النبيُّ ﷺ أنَّ الأولى هي الفريضة، قال: فإنها لك نافلة، لكن خفي على ابن عمر، فإذا صلَّى في بيته ظنَّ أنَّ الصلاة فاتت، أو لمرضٍ، أو لعلَّةٍ من العلل صلَّى في بيته، ثم أدرك الصلاةَ مع الإمام، فصلاته الأولى هي الفريضة، والثانية نافلة، فإن كان تخلَّف لعذرٍ معذور، وإن كان تخلَّف لغير عذرٍ فهو آثم، وعليه التَّوبة.
س: ..............؟
ج: لا بأس به، ويُغني عنه حديث أبي ذرٍّ في الصحيح، يُغني عنه حديث ..... في منى.
س: إذا ائتمَّ المسافرُ بآخر لا يعلم هو مُسافر أو مُقيم، وجاء ولم يُدرك من الصلاة إلا ركعةً، هل يُصلي قصرًا أم أنه يُتمّ؟
ج: إذا أتم احتياطًا فلا بأس، إلا إذا نوى أنه يُصلي صلاةَ الإمام هذا، فيُصلي صلاة الإمام، سواء كانت تامّةً أو مقصورةً، إذا نوى صلاته، أما إذا ما يدري نواها أربعًا فهو أحوط له.
س: وإن صلَّاها ركعتين؟
ج: إذا كان مُسافِرًا.
س: هو ما يدري، ولم يبقَ إلا ركعة من الصَّلاة؟
ج: وهو في السفر وإلا في البلد؟
س: في السفر؟
ج: ..... أنه مسافر.
10- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي، ثُمَّ آتِي الْمَسْجِدَ فَأَجِدُ الْإِمَامَ يُصَلِّي، أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: نَعَمْ. فَقَالَ الرَّجُلُ: فَأَيُّهُمَا صَلَاتِي؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: أَوَأَنْتَ تَجْعَلُهُمَا؟! إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ.
الشيخ: وهذا أيضًا مثلما قال ابنُ عمر، خفيت على سعيدٍ السنة فقال ما قال كابن عمر، والصواب أنَّ صلاته هي الأولى، الفريضة هي الأولى.
س: ...............؟
ج: ما في مانع، إذا كان اشتبه عليه الأمر ما في بأس؛ مُراعاةً للسنة.
س: ...............؟
ج: إذا نوى صلاةَ الإمام لا بأس.
11- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَفِيفٍ السَّهْمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي، ثُمَّ آتِي الْمَسْجِدَ فَأَجِدُ الْإِمَامَ يُصَلِّي، أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: نَعَمْ، فَصَلِّ مَعَهُ، فَإِنَّ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ سَهْمَ جَمْعٍ، أَوْ: مِثْلَ سَهْمِ جَمْعٍ.
12- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوِ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَدْرَكَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ، فَلَا يَعُدْ لَهُمَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ مَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ، إِلَّا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا أَعَادَهَا كَانَتْ شَفْعًا.
الشيخ: وهذا ليس بشيءٍ، الصواب أنه يُصليها، قول ابن عمر هنا خفيت عليه السنة، وقول مالك كذلك، الصواب أنه إذا أدرك الصَّلاةَ مع الإمام يُصلي معه: مغرب، أو فجر، أو عشاء، أو غير ذلك؛ لأنَّ الرسول ﷺ عمَّم قال: لا تقل: صليتُ فلا أُصلي. صلِّ معهم، فإنها لك نافلة، وأمر ..... كذلك، المقصود أنه مَن صلَّى في بيته لعلَّةٍ من العلل، ثم جاء وأدرك الإمامَ في أي وقتٍ من الأوقات الخمسة يُصلي معه، ولا يقل: صليتُ فلا أُصلِّي.
س: لماذا لم يُنكِروا عليه الصَّلاة في البيت؟
ج: لعلهم عرفوا العلَّة التي تأخَّر من أجلها، أو الذي لم يُنكر لم يظهر له وجوب الجماعة، ولا يخفى أنَّ الإنكار في المسائل بالأدلة الشَّرعية، لا بآراء الناس، إذا جاءت الأدلة الشَّرعية وجب الأخذ بها مطلقًا، وإن خالفها مَن خالفها من الصَّحابة أو غير الصَّحابة، إذا جاء نهرُ الله بطل نهرُ معقل، إذا جاءت السنةُ فهي الحاكم على الناس، ولا يُعتبر خلاف مَن خالفها، هي الحاكم: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [الشورى:10].
س: ................؟
ج: نعم، لا يشفعها، مثلما صلَّى الإمام.
س: ................؟
ج: نعم.
بَابُ الْعَمَلِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
13- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ.
14- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: قُمْتُ وَرَاءَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، فَخَالَفَ عَبْدُاللَّهِ بِيَدِهِ فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ.
15- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ بِالْعَقِيقِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ فَنَهَاهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا نَهَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ.
الشيخ: أيش قال عليه؟
الطالب: (قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا نَهَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ) فَيُكْرَهُ أَنْ يُتَّخَذَ إِمَامًا رَاتِبًا، وَعِلَّتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ يَصِيرُ مُعَرَّضًا لِكَلَامِ النَّاسِ فِيهِ، فَيَأْثَمُونَ بِسَبَبِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَالِبًا مَنْ يُفَقِّهُهُ فِي الدِّينِ، فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِمَامَةِ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَتَقَدُّمٍ فِي أَهَمِّ أَمْرِ الدِّينِ، وَهِيَ مِمَّا يَلْزَمُ الْخُلَفَاءَ، وَيَقُومُ بِهِ الْأُمَرَاءُ، فَيُكْرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لَهَا مَنْ فِيهِ نَقْصٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ: هَذِهِ كِنَايَةٌ كَالتَّصْرِيحِ أَنَّهُ وَلَدُ زِنًى، فَكُرِهَ أَنْ يُنَصَّبَ إِمَامًا لِخَلْقِهِ مِنْ نُطْفَةٍ خَبِيثَةٍ، كَمَا يُعَابُ مَنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمّهُ حَائِضًا، أَوْ مِنْ سَكْرَان، وَلَا ذَنْبَ عَلَيْهِ هُوَ فِي ذَلِكَ.
قَالَ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَاعَاةِ نَسَبٍ فِي الْإِمَامَةِ، وَإِنَّمَا فِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاحِ فِي الدِّينِ.
الشيخ: هذا هو الصواب، هذا إن صحَّ عن عمر ليس بشيءٍ، لعلَّه أزاله لأمرٍ آخر، أما كونه لا يُعرف أبوه لا يضرّ، إذا استقام في دينه فالحمد لله، الرسول يقول: يؤمّ القومَ أقرأهم لكتاب الله... إلى آخره، فمَن استقام في الدِّين فهو جديرٌ بأن يؤمَّ، وإن لم يُعرف أبوه، وإن لم يُعرف نسبه، فلا عبرةَ بالأنساب، يقول الله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] ..... وإلا أسود وإلا أحمر، المهم تقوى الله، والاستقامة على دين الله، فمَن استقام على دين الله فهو جديرٌ بأن يكون إمامًا وقاضيًا وداعيةً، وغير ذلك بتقواه وإيمانه، أما نسبه فلا يتعلق به شيء.
وفَّق الله الجميع.
بَابُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُوَ جَالِسٌ
16- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَصَلَّى صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ.
17- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا.
الشيخ: وهذا هو السنة: إذا صلَّى الإمامُ الراتبُ جالسًا صلّوا خلفه جلوسًا، هذا هو الأفضل، وإن صلّوا قيامًا أجزأهم ذلك، كما يأتي في صلاته في آخر حياته: صلَّى جالسًا، وصلّوا خلفه قيامًا، وكان الصديقُ يُبلِّغ عنه عليه الصلاة والسلام، فدلَّ على صحَّتها قيامًا، ولكن الجلوس أفضل إذا صلَّى جالسًا.
س: الأمر ما هو للوجوب؟
ج: لا، لما أقرّهم على القيام دلَّ على أنه للاستحباب؛ لأنه أقرَّهم على الصلاة قيامًا.
س: ما يُقال في صلاة النبي في آخر حياته: أنهم استأنفوا الصلاةَ قيامًا؟
ج: لا، ولو، الأولى أنَّ هذا يدل على جواز القيام، أما قول مَن قال: "لأنه ابتدأها الصديقُ قائمًا، وجاء النبيُّ بعد ذلك" ليس بجيدٍ، والصواب أنَّ هذا يدل على الجواز، مَن صلَّى قائمًا خلف الجالس فلا بأس، وإن صلَّى قاعدًا فهو الأفضل.
س: ................؟
ج: لكن الجمع أولى من النَّسخ، الجمع –قاعدة- أولى من النَّسخ، الجمع بين الأحاديث أولى من النَّسخ.
س: ................؟
ج: نعم، الذي ما هو براتبٍ ما يُصلي قاعدًا بالناس، يُصلي بهم واحد سليم.
س: ولو كان هو الأقرأ؟
ج: ولو.
18- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ، فَأَتَى فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ كَمَا أَنْتَ. فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ جَالِسٌ، وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ.
الشيخ: يعني يُبلِّغهم؛ لأنَّ صوت النبي ضعيف في المرض، فالصديق يُبلِّغ، والصديق قائم، والنبي جالس.
س: .................؟
ج: هذا معروف من قصة أبي بكرة، حديث أبي بكرة، لا من هذا الحديث.
س: .................؟
ج: لا بأس، يُبلغ المبلغ، إذا بلَّغ رفعوا رؤوسهم، وخفضوا رؤوسهم؛ لأنه يُبلِّغ عن الإمام، إذا ما سمعوا الإمام أخذوا بالتَّبليغ في الركوع والسجود وغيرهما.
س: .................؟
ج: لا، يركع وهو جالس، يركع في الهواء وهو جالس.
بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْقَائِمِ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ
19- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَوْ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: صَلَاةُ أَحَدِكُمْ وَهُوَ قَاعِدٌ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ.
20- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَالَنَا وَبَاءٌ مِنْ وَعْكِهَا شَدِيدٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فِي سُبْحَتِهِمْ قُعُودًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَلَاةُ الْقَاعِدِ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاةِ الْقَائِمِ.
الشيخ: سُبحتهم أي: في نافلتهم، إذا صلَّى قاعدًا على النصف إذا كان يستطيع القيام، أما إذا كان لا يستطيع القيام فأجره كامل.
س: ................؟
ج: السُّبحة: النافلة، أما الفريضة فيلزمه أن يُصلي قائمًا، وإذا عجز فله مثل أجر القائم؛ لأنَّ العذر يجعله مثل الأصحاء، مَن صلَّى قاعدًا من أجل العجز له أجر القائم، يقول النبيُّ ﷺ: إذا مرض العبدُ أو سافر كتب اللهُ له ما كان يعمل وهو صحيحٌ مُقيمٌ رواه البخاري.
س: إذا كان يستطيع القيام بالاستناد؟
ج: لا يشقّ على نفسه، إن تيسر له القيام وإلا لا يشقّ على نفسه.