بَابُ الْعَمَلِ فِي الْقِرَاءَةِ
28- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ.
29- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ التَّمَّارِ، عَنِ الْبَيَاضِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ.
الشيخ: يعني: إذا كانوا يُصلون أو يقرؤون لا يجهر بعضُهم على بعضٍ، كلٌّ يُناجي ربَّه، كان هذا -في بعض الرِّوايات- في رمضان، جماعة كانوا يُصلون جماعةً، وهذا يُصلي جماعةً، فقال: لا يجهر بعضُكم على بعضٍ، كلكم يُناجي ربَّه يعني: يخفض حتى لا يُشوش بعضُهم على بعضٍ، وهكذا في الصفِّ، في الصفوف لا يجهر، يخفض حتى لا يُشوش على المصلين والقُرَّاء.
س: ...............؟
ج: آية من القرآن فقط، آية مُستقلة، ما هي من الفاتحة، ولا من غيرها، إلا من سورة النَّمل، بعض آيةٍ من سورة النمل: "بسم الله الرحمن الرحيم" بعض آيةٍ من سورة النَّمل، وهي آية مُستقلة أمام كل سورةٍ، ليست من الفاتحة، ولا من غيرها، مُستقلة، إلا براءة؛ فلم تُكتب قدامها، ولكنها بعض آيةٍ من سورة النَّمل: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30].
س: ................؟
ج: هذا ما هو بلازمٍ، دوي النَّحل ما هو برفيعٍ.
س: ................؟
ج: مُستحبَّة، إن تركها ما عليه شيء.
س: القِسِيّ أو القَسْي؟
ج: الذي أعرف عنها أنها القَسّيّ: ثياب فيها خطوط حرير، فيها أمثال الأترج، وقد يكون ضبطها أحدهم بالكسر، ما ضبطها عندك: القسي؟
الطالب: نعم: عن لبس القَسِّيّ.
الشيخ: الذي أعرف أنها بفتح القاف، ضبطها بالكسر؟
الطالب: نعم، بفتح القاف، وتشديد السِّين، والياء المكسورة.
الشيخ: فقط؟
الطالب: نعم.
الشيخ: هذا المعروف: بفتح القاف.
س: ..............؟
ج: إذا كان يستمع له فلا بأس، يرفع صوته يُسمعهم، أما مع الصفِّ والناس قد لا يستمعون له، قد يشتغلون: يُصلون، أو ناس يقرؤون حوله، لا، يخفض، لا يجهر، يُراعي المصلحة، إن كان يستمع له فلا بأس، وإن كان لا يستمع له، حوله ناسٌ يقرؤون لا يجهر عليهم، أو يُصلون لا يجهر عليهم.
س: لبس البرانس؟
ج: لا بأس بها، ثياب مغربية لها رؤوس، لا بأس.
الشيخ: يعني: يُسرون بها، كانوا لا يجهرون بها.
31- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ ابْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَسْمَعُ قِرَاءَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عِنْدَ دَارِ أَبِي جَهْمٍ بِالْبَلَاطِ.
32- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَرَأَ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَقْضِي وَجَهَرَ.
الشيخ: هذا اجتهادٌ منه رضي الله عنه، والصواب أنَّ ما يقضيه هو آخر صلاته، النبي قال: فما فاتكم فأتمُّوا، فإن كان فاته ثلاثٌ جهر فيما يقضي في الأولى فيما يقضي، ثم أسرَّ في الثِّنتين، وإن كانت فاتته ثنتان يُسرُّ في الثِّنتين التي يقضيها: العشاء.
س: ..............؟
ج: السنة السِّر بها إلا إذا كان مع ناسٍ يخفى عليهم يُبين لهم، وإن جهر بعض الأحيان يُبين لهم لا بأس، لكن السنة يُسرُّ بها.
س: ..............؟
ج: إذا كان أبو هريرة يجهر بها، ويُخبر أنه أشبه الناس بصلاة النبي ﷺ، فهو محمولٌ على أنه بعض الأحيان للتَّعليم.
بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ
33- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ صَلَّى الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِيهَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا.
الشيخ: أيش قال المحشي؟ عروة ما أدرك الصِّديق، فيه انقطاعٌ، أيش قال المحشِّي؟
الطالب: مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنَّ أبا بكرٍ الصِّديق. هذا مُنقطع؛ لأنَّ عُروة وُلد في أوائل خلافة عثمان، لكنه ورد عن أنسٍ وغيره، فلعلَّ عروة حمله عن أنسٍ أو غيره: صلَّى الصبحَ فقرأ فيها بسورة البقرة في الرَّكعتين كلتيهما، فقيل له حين سلَّم: كادت الشمسُ أن تطلع! فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. كما في حديث أنسٍ.
وإنما طوَّل لعلمه برضا مَن خلفه، وأدخل مالكٌ هذا هنا للدلالة على أنَّ قراءة الصبح طويلة، وعلى هذا يصحّ استعمال الآثار بالتَّغليس والإسفار بالصبح؛ لأنه معلوم أنَّ أبا بكرٍ لم يدخل فيها إلا مُغلِّسًا، ثم طوَّل حتى أسفر.
على أنَّ حديث عائشة السَّابق: إن كان رسولُ الله ﷺ ليُصلي الصبح فينصرف النساءُ مُتلفِّعات بمروطهنَّ، ما يُعرفن من الغلس. يدل على التَّعجيل.
وكره مالكٌ أن يقسم المصلِّي سورةً بين الركعتين في الفريضة؛ لأنه لم يبلغه أنه ﷺ فعله. ذكره ابن عبدالبر، أو بلغه وحمله على بيان الجواز، وهذا أولى.
مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه. زيادة في الإسناد خالف فيها مالكٌ أصحابَ هشامٍ.
الشيخ: ما ذكر حديثَ أنسٍ الشَّارح؟
الطالب: لا، ما ذكره.
الشيخ: ما خرَّجه؟
الطالب: لا يا شيخ.
الشيخ: المقصود أنه ﷺ كان يُطيل في الصبح، وثبت في الحديث الصحيح أنه قرأ فيها في عام الفتح سورةَ "المؤمنون"، فلما وصل إلى قصَّة موسى أو عيسى أخذته سعلةٌ فركع، فالظاهر والله أعلم أنه كمَّلها في الركعة الثانية -سورة "المؤمنون"- وهذا من أطول ما ورد في قراءة الصبح، كان يُطول فيها عليه الصلاة والسلام، يقرأ فيها بعض الأحيان بـ"ق"، فالسنة فيها التَّطويل بطوال المفصل، لكن تكون بغلسٍ، الأفضل أن يكون بغلسٍ عند اختلاط ضياء الصبح بظُلمة الليل، هذا هو الأفضل.
س: هل يُتصور أن تُقرأ البقرة ولا تطلع الشمس؟
ج: يُتصور نعم قراءتها، يمكن أن يقرأها القارئ في نصف ساعةٍ قراءةً حسنةً، أو ثلثي ساعة ..... طويلة حوالي ساعة ونصف تقريبًا.
لكن إن كان ..... يحتاج إلى نظرٍ في رواية أنسٍ وصحة السَّند، وبكل حالٍ فالسنة مُراعاة قراءة النبي ﷺ في هذا من طوال المفصل من ..... اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر] والذَّاريات وأشباهها، وما يُشبه ذلك، مثلما قال ﷺ: فأيكم أمَّ الناس فليُخفف؛ فإنَّ فيهم الصَّغير والكبير والضَّعيف وذا الحاجة، ولا سيما عصرنا هذا.
س: ...............؟
ج: يبتدئ بالغلس، وينتهي بالغلس، لكن يكون ضياء الصبح واضحًا بيِّنًا؛ لقوله: أصبِحوا بالصبح، يكون واضحًا، الرسول كان ينفتل ﷺ حين يعرف الرجلُ جليسَه، ومسجد النبي ما فيه مصابيح، ما فيه سُرج، إذا عرف جليسَه دلَّ على أنَّ الصبح قد ظهر وتبين وانتشر.
س: .............؟
ج: لا، لا وجهَ له، لا حرجَ في ذلك: أن يقسم السُّورةَ في ركعتين لا حرجَ في ذلك، وحديث عبدالله بن السَّائب أنه قرأ "المؤمنون" ظاهره أنه قسمها في الرَّكعتين، وكذلك قسم الأعراف في المغرب، قسمها في الركعتين، فلا حرج في ذلك ولا كراهةَ.
س: .............؟
ج: الأفضل له مُراعاة التَّخفيف مهما أمكن، مع التَّأسي بالنبي ﷺ في ذلك.
س: .............؟
ج: لا، السنة أن يلزم السنة ويُلاحظها ويرفق مهما كان من الرِّفق، وهو أولى؛ لأنَّ الناس في غُربة الإسلام الآن.
س: ...............؟
ج: الطور قرأها في المغرب، ما هو في حجّة الوداع، في المدينة في السنة الثالثة من الهجرة بعد بدر، لما قدم جبير بن مطعم سمعه يقرأ بالطور في المغرب، وقرأ فيها بالمرسلات في آخر حياته، كما في رواية أم الفضل: أنها سمعت النبيَّ يقرأ بالمرسلات.
س: ...............؟
ج: هذا في الفجر، قرأ بالطور في الفجر، ..... في المغرب ..... قرأ بالطور.
س: ...............؟
ج: هذا قد يُبنى على روايةٍ، يُقال عن أنسٍ، رواية أنه قرأ بالبقرة هذا يرد على ما حُكي عن أنسٍ أنَّ الصديق قرأ البقرة، الصديق أولى الناس بأن يتبع النبيَّ ﷺ ويُلاحظ سيرته عليه السلام، فهو أتبع الناس له، وأصدق الناس إيمانًا، وأكملهم إيمانًا بعد الأنبياء رضي الله عنه.
س: ...............؟
ج: قد يكون، لكن الأقرب أنه ما يفعله، الأقرب أنه ما يفعله.
س: ...............؟
ج: اجتهاد، من باب الاجتهاد رضي الله عن الجميع وأرضاهم.
ينبغي للإمام أن يُلاحظ قول النبي ﷺ: أيها الناس، إنَّ منكم مُنَفِّرين يكون على باله، قول النبي يُقدَّم على كل أحدٍ: على الصديق، وعلى عمر، وعلى غيرهما، ينبغي للإمام أن يُلاحظ قوله ﷺ: إنَّ منكم مُنَفِّرين، القول أبلغ من الفعل، مع مُراعاة السنة في فعله ﷺ وتحري فعله، لكن الأشياء التي قد يكون فعلها نادرًا وقليلًا لا تكون همَّته .....، يكون الإمامُ يتحرى الشيء الذي فيه الرِّفق بالناس، ومحبَّتهم للسنة، ومحبَّتهم للعبادة، ورغبتهم في العبادة؛ حتى لا يكون من المنفِّرين.
س: ..............؟
ج: الأمر في هذا واسع، الله يقول: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20]، الأمر واسع.
الشيخ: يعني: يُبَكِّر.
الشيخ: أيش قال على الفُرافصة؟ تكلم المحشي عليه؟
الطالب: أن الفُرافصة -بضم الفاء، ثم راء، فألف، ففاء ثانية، فصاد مُهملة- ابن عُمير -بضم العين- الحنفي، نسبة إلى حنيفة، قبيلة من العرب، المدني، وثَّقه العجلي وابن حبان، روى عن: عمر وعثمان والزبير، وعنه: يحيى وربيعة والقاسم وعبدالله ابن أبي بكر، وقد وافق اسمه اسم والد زوجة عثمان التي كانت عنده حين قُتِل، واسمها: نائلة -بنون فألف فياء مهموزة- بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة، الكلبية، كما ذكره عمر بن شيبة.
الشيخ: يكفي.
الطالب: عمر بن شبّة أو ابن شيبة؟
الشيخ: شبّة، عمر بن شبّة.
الطالب: كما ذكره عمر بن شبّة، فهذا غير هذا الرَّاوي؛ لأنَّ اسم أبيه عُمير، ونسبته الحنفي افتراقًا، كما بيَّنه في "تعجيل المنفعة"، قال: ما أخذتُ سورةَ يوسف إلا من قراءة عثمان بن عفان إيَّاها في الصبح، من كثرة ما كان يُردِّدها.
الشيخ: نعم.
الطالب: أي: يُكررها، يحتمل أنَّ ذلك لحديث: ائذن له، وبشِّره بالجنَّة على بلوى تُصيبه، وسورة يوسف فيها البلوى. قاله أبو عبدالملك.
قال أبو عمر: لا أشكُّ أنَّ أبا بكر وعمر وعثمان كانوا يعرفون من حرص مَن خلفهم ما يحملهم على التَّطويل أحيانًا، وفي ذلك استحباب طول القراءة بالصبح، وقد استحبَّه مالك وجماعة، وذلك في الشِّتاء أكثر منه في الصيف، وأما اليوم فواجب التَّخفيف؛ لقوله ﷺ: مَن أمَّ الناس فليُخفف؛ فإنَّ فيهم الضَّعيف والسَّقيم والكبير وذا الحاجة، ومَن صلَّى لنفسه فليُطول ما شاء، وقال لمعاذٍ: أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟! اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق]، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس]، ونحو ذلك. وقال عمرُ لبعض مَن طوَّل من الأئمة: "لا تُبَغِّضوا اللهَ إلى عباده".
الشيخ: يعني بالتَّطويل.
الطالب: وإذا أمر بالتَّخفيف في الزمن الأول، فما ظنُّك باليوم؟!
الشيخ: الله المستعان.
الطالب: وحدَّثني عن مالكٍ، عن يحيى بن سعيد، وربيعة ابن أبي عبدالرحمن، عن القاسم بن محمد: أنَّ الفُرافصة بن عُمير الحنفي قال: ما أخذتُ سورةَ يوسف إلا من قراءة عثمان بن عفان إيَّاها في الصبح، من كثرة ما كان يُردِّدها لنا.
الشيخ: مثلما قال ابنُ عبدالبر: لعلهم عرفوا أنَّ مَن وراءهم يُحبون هذا التَّطويل، ورغبتهم فيه؛ لقوة الإيمان، وقوة الرغبة في سماع القرآن، بخلاف ما صار بعد ذلك، والله المستعان، يعني: أحسن ما حُمِلَ عليه أنهم رأوا مَن حولهم لا يتأثَّرون بهذا التَّطويل.
36- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ بِالْعَشْرِ السُّوَرِ الْأُوَلِ مِنَ الْمُفَصَّلِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ
37- عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ -مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ- أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ عَلَى يَدِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلَهَا، قَالَ أُبَيٌّ: فَجَعَلْتُ أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، السُّورَةَ الَّتِي وَعَدْتَنِي. قَالَ: كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: فَقَرَأْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة] حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هِيَ هَذِهِ السُّورَةُ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ.
38- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ.
الشيخ: وهذه السُّورة هي أعظم ..... كما جاء في البخاري رحمه الله: هي أعظم سور القرآن وأفضلها: سورة الفاتحة، وهي أم القرآن، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، وهي ركنٌ في كل ركعةٍ في حقِّ الإمام والمنفرد، وفي حقِّ المأموم خلاف: الجمهور على أنها لا تجب عليه، والأقرب أنها تجب عليه، لكن إذا فاته القيامُ وأدرك الركوعَ أجزأ للعُذر، أو إن كان جاهلًا أو ناسيًا أجزأه، وأما في حقِّ الإمام والمنفرد فإنها ركنٌ لا بدَّ منها؛ لقوله ﷺ: لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وقال ﷺ: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها.
س: ................؟
ج: هذا في سنده نظر عند مالك، لكنه ثابت في الصَّحيح.
بَابُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يُجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ
39- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ -مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ- يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ، هِيَ خِدَاجٌ، هِيَ خِدَاجٌ، غَيْرُ تَمَامٍ.
قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ. قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اقْرَؤُوا: يَقُولُ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي. وَيَقُولُ الْعَبْدُ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، يَقُولُ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. وَيَقُولُ الْعَبْدُ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، يَقُولُ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي. يَقُولُ الْعَبْدُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. يَقُولُ الْعَبْدُ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
الشيخ: هذا من فضل الله جلَّ وعلا، والحديث أخرجه مسلم في "الصحيح" عن أبي هريرة، وهو يدل على وجوب قراءتها على المأموم، قراءتها في نفسه، ويدل على هذا الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وغيرهما بإسنادٍ جيدٍ: يقول ﷺ: لعلكم تقرؤُون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها، وهذا يعمل في السّر والجهر، عليه أن يقرأ في السّر والجهر، لكن في السّر يقرأ زيادةً على الفاتحة، وفي الجهر يقتصر على الفاتحة، ويُنصت للإمام.
وفيه أنَّ الله قسمها بينه وبين عبده نصفين، هذا من فضله جلَّ وعلا ورحمته، فإذا قال العبدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال الله: أثنى عليَّ عبدي يعني: كرر الثَّناء، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قال الله: مجَّدني عبدي، فإنَّ التَّمجيد تكرار الثَّناء، تعداد الثَّناء أكثر من مرتين تمجيد، فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، إِيَّاكَ نَعْبُدُ حقّ الله، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ طلب العبد، يطلب من ربِّه العون، فإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، يقول الله: هذا لعبدي يعني: طلب سؤال، ضراعة إلى الله، والله يُعطيه ما سأل، وعده أن يُعطيه الهداية، هذا من فضله جلَّ وعلا، فينبغي للعبد الصِّدق في هذا، والخضوع لله، والرغبة التَّامة. والصراط المستقيم هو دين الله.
س: ...............؟
ج: ضعيف، حديث ضعيف: مَن كان له إمامٌ فقراءته له قراءة ضعيف.
40- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ.
41- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَنْ رَبِيعَةَ ابْنِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ.
42- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ: أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.
الشيخ: وهذا هو الحقّ: أن يقرأ فيما لا يجهر فيه؛ لأنه أمر بالإنصات، والنبي ﷺ نهى أن يُنازع القرآن فيما جهر فيه، أما فيما أسرَّ يقرأ الفاتحةَ، ويقرأ ما تيسر معها المأموم، ولكن الواجبَ الفاتحة، أما فيما جهر فليس له أن يقرأ بالزيادة، يقرأ الفاتحة فقط ويُنصت.
س: ..............؟
ج: ولو ما وجد فصلًا يقرأ بها ثم يُنصت، يقرأ الفاتحةَ ثم يُنصت، ولو ما سكت الإمامُ.
س: ..............؟
ج: إذا قرأ لا بأس، إذا كان الإمامُ ما ركع -يعني- إن سكت فلا بأس، وإن قرأ زيادةً فلا بأس، ما يضرّ، ما دام الإمامُ ما ركع.
س: ..............؟
ج: الأمر واسع، فيما يظهر الأمر واسع في هذا، كان الصِّديقُ رضي الله عنه يقرأ في الثالثة في المغرب بعد الفاتحة: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]، فالمقصود أنَّ هذا الأمر فيه واسع.
س: لو أعاد الفاتحة؟
ج: لو أعادها ما يضرّ، الأمر في هذا واسع إن شاء الله.
س: ..............؟
ج: ما ورد فيها شيء صحيح، السَّكتة بعد الفاتحة ما ورد فيها شيء صحيح، السكتة سكتتان: ثابتة سكتة بعد التكبير، يقرأ فيها دعاءَ الاستفتاح، والسَّكتة الأخيرة سكتة لطيفة قبل الركوع، إذا فرغ من القراءة سكت سكتةً لطيفةً، أما بعد الفاتحة ما ورد فيها شيء ثابت، فإن سكت فلا بأس، وإن قرأ فلا بأس.
س: ..............؟
ج: ما يضرّ، قرأ الفاتحةَ قبله أو معه إذا كان ما سكت، أما إذا كان فيه سكوت يقرأها في حال السُّكوت.
س: ..............؟
ج: تبطل الركعة التي تركها منها، وتقوم الثانية مقامها، ويأتي بركعةٍ أخرى، أما المأموم لا، تسقط عنه.
س: ..............؟
ج: إذا تنبَّه يأتي بها، يقوم ويأتي بركعةٍ ويسجد للسَّهو، وإذا لم يتنبَّه إلا بعد طول الفصل يُعيد، وليس عليهم الإعادة هم.
س: ..............؟
ج: إذا كان يعتقد ذلك، إذا كان يعتقد أنها ما هي بواجبة لا حرجَ عليه؛ لأنَّ الجمهور يرونها غير واجبةٍ على المأموم، فإذا كان تركها عن اعتقادٍ فلا بأس، أما الذي يعتقد أنها واجبة عليه، ويعلم أنها واجبة عليه ثم يتركها ما تصحّ.
س: ..............؟
ج: هذا ظاهر كلامهم، جابر وجماعة يرون هذا.
بَابُ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ
43- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ: هَلْ يَقْرَأُ أَحَدٌ خَلْفَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ.
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ.
قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ يَقْرَأَ الرَّجُلُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ، وَيَتْرُك الْقِرَاءَةَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ.
44- وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: هَلْ قَرَأَ مَعِي مِنْكُمْ أَحَدٌ آنِفًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ، أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنِّي أَقُولُ: مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟!، فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
الشيخ: وهذا عام، يُستثنى منه الفاتحة؛ لقوله ﷺ: لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب؛ ولقوله ﷺ لما سُئل عن الفاتحة أمر بقراءتها.
فالحاصل أنَّ قراءةَ الإمام فيما جهر فيه لا شكَّ أنها تمنع القراءةَ إلا في الفاتحة، يجب الإنصات؛ لأنَّ الله يقول: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف:204]، هذا الأصل، فلما أمرهم بأن يقرؤوا بفاتحة الكتاب دلَّ على أنها مُستثناة من هذا العموم؛ لقوله ﷺ: لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، هذا عامٌّ، ثم قال: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أخرجه الإمامُ أحمد والترمذي وابن حبان بأسانيد صحيحةٍ عن عُبادة .
س: ..............؟
ج: يقرأ ما يُخالف إن كان ما يسمع، مثل السّرية بالنسبة إليه.
بَابُ مَا جَاءَ بالتَّأْمِينِ خَلْفَ الْإِمَامِ
حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ: أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: آمِينَ.
45- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ -مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ- عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فَقُولُوا: آمِينَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
الشيخ: وهذا يُبين لنا أنَّ قوله: إذا أمَّن لا مفهومَ له، وأنَّ المقصود -يعني- إذا قال: وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا: "آمين"، ولو ما أمَّن؛ ولهذا قال: إذا قال: وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا: آمين، لكن الغالب أنه يُؤمن؛ لأنَّ المقصود في الإمام أنه يتبع السنة، فالمقصود من قوله: إذا أمَّن ليس بشرطٍ، وليس له مفهوم، فلو أنَّ الإمام ما سمعوا صوته، أو غفل ولم يُؤمن، أو صوته ضعيف؛ فإنَّ المأموم إذا قال الإمام: وَلَا الضَّالِّينَ، يقول: "آمين"، ولو ما سمع الإمام يقول: "آمين"؛ ولهذا قال: إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا: آمين؛ فإنه مَن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه.
وفي هذا من الفوائد: الدلالة على نصح الملائكة، ومحبَّتهم للخير، وحرصهم على نفع بني آدم، يحضرون مجالس الذكر، ويُؤمنون على الدُّعاء -على دعاء المسلمين- اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] يُؤمِّنون أنَّ الله يقبل هذا الدُّعاء، هذا من نُصحهم العظيم، فهكذا ذكر الله عنهم هذا النُّصح والخير العظيم، فيقول في سورة غافر: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ [غافر:7]، ذكره الله عن حملة العرش، كل هذا من نُصحهم ومحبَّتهم للخير عليهم الصلاة والسلام.
س: .............؟
ج: واضح، يعني: أمَّن ووافقه تأمينه، معناه: الحرص على أنه يقول عند قوله: وَلَا الضَّالِّينَ ..... يحرص أن يكون كذلك حتى يتَّفق التَّأمينان.
س: .............؟
ج: المعروف عند العلماء: سنة، وأنَّ الأمر هنا للسُّنية، والقول بالوجوب قول قوي؛ لأنَّ الرسول أمر فقال: إذا قال: وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا: آمين، ظاهر الأمر الوجوب، لكن الذي أعرف عن أهل العلم أنه للسُّنية.
س: .............؟
ج: إذا قال: وَلَا الضَّالِّينَ فقولوا: آمين مثلما قال ﷺ، ولا يحتاج أن ينظر ولا يتسمَّع.
46- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ، وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
47- وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ -مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ- عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
س: .............؟
ج: ظاهر السياق، ظاهر الحديث.
الشيخ: الشَّارح تكلم في شيءٍ عن السُّنية والوجوب فيما يتعلق: فأمِّنوا؟ بحث عن الوجوب والسّنية أو ما بحث؟
الطالب: قال: قَالَ: إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِمَامَ يُؤَمِّنُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْجُمْهُورُ، وَتُعُقِّبَ بأَنَّهَا قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِـ"إِذَا" يُشْعِرُ بِتَحْقِيقِ الْوُقُوعِ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ -وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ- لَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ. وَعَنْهُ: لَا يُؤَمِّنُ مُطْلَقًا.
وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ، وَهِيَ عِلَّةٌ لَا تَقْدَحُ، فَابْنُ شِهَابٍ إِمَامُ التَّفَرُّدِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ أَيْضًا.
وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَونَ الْإِمَامِ لَا يُؤَمِّنُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّهُ دَاعٍ، فَنَاسَبَ أَنْ يَخْتَصَّ الْمَأْمُومُ بِالتَّأْمِينِ، وَهَذَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلِهِمْ: لَا قِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَهَا فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: كَمَا اشْتَرَكَا فِي الْقِرَاءَةِ، يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِكَا فِي التَّأْمِينِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ قَوْلَهُ: إِذَا أَمَّنَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: دَعَا، وَتَسْمِيَةُ الدَّاعِي "مُؤَمِّنًا" سَائِغَةٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89]، وَكَانَ مُوسَى دَاعِيًا، وَهَارُونُ مُؤَمِّنًا. رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.
وَرُدَّ بِعَدَمِ الْمُلَازَمَةِ؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُؤَمِّنِ "دَاعِيًا" عَكْسُهُ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ. وَالْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ فَكَوْنُ هَارُونَ دَاعِيًا تَغْلِيبٌ.
وَقِيلَ: مَعْنَى أَمَّنَ بَلَغَ مَوْضِعَ التَّأْمِينِ، كَمَا يُقَالُ: أَنْجَدَ، بَلَغَ نَجْدًا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهَا.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا بَعِيدٌ لُغَةً وَشَرْعًا.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا مَجَازٌ، فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يُرَجِّحُهُ عُمِلَ بِهِ. اهـ.
وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ التَّالِي: إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ يَقْتَضِي حَمْلَ "أَمَّنَ" عَلَى الْمَجَازِ، فَأَمِّنُوا أَيْ: قُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ، وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَيُونُسَ فِي مُسْلِمٍ –كِلَاهُمَا- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْقَوْلِ وَالزَّمَانِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ "الصَّحِيحَيْنِ" الْمَذْكُورَةُ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: الْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ فِي الْإِخْلَاصِ وَالْخُشُوعِ. كَابْنِ حِبَّانَ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: يُرِيدُ مُوَافَقَةَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْإِخْلَاصِ بِغَيْرِ إِعْجَابٍ. وَكَذَا جَنَحَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ فَقَالَ: وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ، أَوْ فِي إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، أَوْ فِي الدُّعَاءِ بِالطَّاعَةِ خَاصَّةً، أَوِ الْمُرَادُ بِتَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ: اسْتِغْفَارُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الْحِكْمَةُ فِي إِيثَارِ الْمُوَافَقَةِ فِي الْقَوْلِ وَالزَّمَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَمِّنُ عَلَى يَقَظَةٍ لِلْإِتْيَانِ بِالْوَظِيفَةِ فِي مَحَلِّهَا؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا غَفْلَةَ عِنْدَهُمْ، فَمَنْ وَافَقَهُمْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا.
ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ جَمِيعُهُمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ، وَقِيلَ: الْحَفَظَةُ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: الَّذِينَ يَتَعَاقَبُونَ مِنْهُمْ. إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَنْ يَشْهَدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِمَّنْ فِي الْأَرْضِ، أَوْ فِي السَّمَاءِ؛ لِلْحَدِيثِ الْآتِي: وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَوَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ.
وَرَوَى عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: صُفُوفُ أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَى صُفُوفِ أَهْلِ السَّمَاءِ، فَإِذَا وَافَقَ "آمِينَ" فِي الْأَرْضِ "آمِينَ" فِي السَّمَاءِ غُفِرَ لِلْعَبْدِ.
وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلَى. ذَكَرَهُ الْحَافِظُ.
الشيخ: ما تعرَّض للوجوب؟
الطالب: تعرَّض له أحسن الله عملك، يقول: فيه حُجَّة ظاهرة على أنَّ الإمام لا يُؤَمِّن، وهو الحامل على صرف قوله: إذا أمَّن عن ظاهره؛ فإنَّ الأحاديث يُفسر بعضُها بعضًا، والأمر للنَّدب عند الجمهور، وحكى ابنُ بزيز عن بعض العلماء وجوبه على المأموم؛ لظاهر الأمر، قال: وأوجبه الظَّاهرية على كل مسلمٍ. ورد من حديث المسيء صلاته؛ حيث اقتصر له ﷺ على الفرائض، ولم يذكر له التَّأمين ولا غيره، فدلَّ على أنه استحباب، واستدلَّ به القُرطبي على تعيين قراءة الفاتحة للإمام، أي: لا اختصاصَ في التَّأمين.
الشيخ: لا، لا، ذكر الجمهور على الاستحباب، استحباب التَّأمين، والظَّاهرية يُوجبونه؛ لظاهر الأمر .....، وحُجَّة الجمهور حديث المسيء: أنَّ رسول الله ﷺ لم يذكر له التَّأمين.
على كل حالٍ ظاهر الأوامر على القاعدة الوجوب، لكن ينبغي للمُؤمن أن يحرص، ولو قلنا بالاستحباب ينبغي للمُؤمن أن يحرص على فعل السُّنة وعدم التَّفريط فيها، ولو قلنا بعدم الوجوب، وقول الظَّاهرية في هذا قول قوي، والمسيء إنما بيَّن له ﷺ الذي أساء فيه وهو يُصلي وحده، ما هو يُصلي مع الإمام، يُصلي وحده، بيَّن له ما أساء فيه من الأمور الظَّاهرة.
س: .............؟
ج: كل ما جاء فيه الأوامر ينبغي للمُؤمن ألا يُفرط فيه؛ لأنَّ الأصل للوجوب، ينبغي للمؤمن فيما جاءت فيه الأوامر ألا يتساهل، وإن كنا نتوقف في الوجوب، لكن بكل حالٍ ينبغي للمؤمن ألا يكون القولُ بعدم الوجوب داعيًا له للتَّساهُل.
الشيخ: وهذا يعمّ الجلسة بين السَّجدتين، وجلسة التَّشهد، هذا الإطلاق.
س: ..............؟
ج: وقد ..... جاء صريحًا من رواية وائل بن حُجر عند أحمد بإسنادٍ جيدٍ حسنٍ: كان إذا جلس بين السَّجدتين فعل كما يفعل في التَّشهد: يُشير بأصبعه السَّباحة اليمنى، ويضع يده اليسرى على فخذه اليُسرى.
س: إذا سجد للسَّهو بعد التَّحيَّات؟
ج: على حالها، على حالها.
س: ..............؟
ج: لا، جيد، هذا من رواية عاصم بن .....، عن أبيه، عن وائل بن حُجر.
الشيخ: وهذا السُّنة: إذا جلس للتَّشهد لا يتربع، يتورَّك في الأخير، وفي التَّشهد الأول يفرش رجلَه اليسرى، وينصب اليُمنى، هذا إن كان يستطيع، أما إن كان عاجزًا فيفعل ما يستطيع: يتربَّع، أو يجلس القُرفصاء، على أية حالةٍ؛ لقوله ﷺ في حديث عمران: فإن لم تستطع فقاعدًا، ولم يُفصل له القعود، على حسب طاقته، لكن إذا كان مع القُدرة يفترش في التَّشهد الأول، وبين السَّجدتين، ويتورك في التَّشهد الأخير، هذا هو الأفضل.
س: .............؟
ج: عند الدُّعاء يُشير بالسباحة في جلسته دائمًا حتى يُسلم، لكن الحركة عند الدُّعاء، كما في الحديث الصَّحيح: كان يُحرِّكها إذا دعا.
50- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ: أَنَّهُ رَأَى عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَرْجِعُ فِي سَجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةَ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا أَفْعَلُ هَذَا مِنْ أَجْلِ أَنِّي أَشْتَكِي.
الشيخ: أيش قال المحشِّي؟
الطالب: (أَنَّهُ رَأَى عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَرْجِعُ فِي سَجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ) فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ (ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ) ابْنُ عُمَرَ: (إِنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةَ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا أَفْعَلُ هَذَا مِنْ أَجْلِ أَنِّي أَشْتَكِي) فَلَا أَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ لِلْعُذْرِ.
الشيخ: نعم، ما وضح، ما اتَّضح لي؛ لأنَّ القيام على صدور قدميه على أصابعه، إذا أراد أن يقوم يقوم على صدور قدميه.
..............
51- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلَاةِ إِذَا جَلَسَ. قَالَ: فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ، فَنَهَانِي عَبْدُاللَّهِ وَقَالَ: إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى، وَتَثْنِيَ رِجْلَكَ الْيُسْرَى. فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ! فَقَالَ: إِنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي.
الشيخ: نعم، مثلما أخبرت عائشة: كان النبيُّ لما كان يُصلي جالسًا في صلاة الليل كان يُصلي مُتربِّعًا في محلِّ قيامه، السنة في محلِّ الجلوس يفرش وينصب، لكن إذا عجز، أو كان جلوسه في محلِّ القيام للتَّهجد صلَّى مُتربِّعًا.
س: .............؟
ج: "تفعل ذلك" يعني: يتربع ابن عمر، كان يجلس مُتربعًا؛ لأنه ما تحمله رجلاه، ما يفترش، فابن عمر -عبدالله بن عبدالله- تأسَّى بأبيه فجلس مُتربِّعًا، فنهاه أبوه، قال له: افترش؛ لأنَّك شاب تستطيع.
52- وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَرَاهُمُ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ: فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَجَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ، وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ. ثُمَّ قَالَ: أَرَانِي هَذَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
الشيخ: بركة، وهذا يُوضح أنَّ الجلوس يختلف، وقد بيَّنه في أحاديث، بيَّنت جلوس التَّشهد الأخير، التَّشهد الأخير، وبين الجلوس في التَّشهد الأول، وبين السَّجدتين.
س: ..............؟
ج: يُروى عنه.
بَابُ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ
53- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ، يَقُولُ: "قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ".
54- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَشَهَّدُ فَيَقُولُ: "بِسْمِ اللَّهِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، شَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ"، يَقُولُ هَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَيَدْعُو إِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ بِمَا بَدَا لَهُ، فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَشَهَّدَ كَذَلِكَ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّشَهُّدَ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ، فَإِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ قَالَ: "السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ" عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ عَنْ يَسَارِهِ رَدَّ عَلَيْهِ.
الشيخ: وهذا يدل على أنَّ لفظ "الزاكيات" لا بأس به في التَّحيات، ولكن لم يُصرح بالسماع، لم يُصرح عمر وابنه بسماعها من النبي ﷺ، لكن هذا الإعلام من عمر على المنبر يُشعر أنه سمع ذلك من النبي ﷺ.
وهكذا ما روى مسلمٌ من طريق ابن عباسٍ: "التَّحيات المباركات، الصَّلوات .." كل هذا لا بأسَ به، لكن أصحّ ما جاء في هذا حديث ابن مسعودٍ في "الصحيحين": "التَّحيات لله، والصَّلوات والطَّيبات"، ما فيه ذكر "الزَّاكيات"، ولا "المباركات"، هو أصحّ ما جاء في هذا، وإذا زاد "الزاكيات، والمباركات" فلا حرجَ، وأما تقديم الشَّهادة على "السلام عليك أيها النبي" كما فعل ابنُ عمر: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"؛ فهذا يدل على الجواز، ولكن رواية ابن مسعودٍ أضبط في هذا، فيها تقديم "السلام عليك أيها النبي" على الشَّهادة، "السلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين" على الشَّهادة.
فالعمل برواية ابن مسعودٍ أضبط وأولى؛ لأنه رحمه الله اعتنى بهذا، وأخبر أنه علَّمه النبيُّ، كفُّه بين كفَّيه، علَّمه التَّشهد، كما جاء في "الصحيحين" تعليمًا خاصًّا.
وأما السلام فقد ثبت عنه ﷺ أنه سلَّم تسليمتين، فما رواه الثِّقات زيادة على ما ذكر ابنُ عمر أولى؛ ولهذا الرَّاجح أنَّ الواجب تسليمتان.
وذهب الجمهور إلى أنَّ تسليمةً واحدةً تكفي؛ لحديث ابن عمر هذا وما جاء في معناه، ولكن قاعدة: "زيادة الثقة مقبولة"، وقد ثبت من طرقٍ كثيرةٍ التَّسليمتان؛ ولهذا صحح جمعٌ من أهل العلم وجوب التَّسليمتين، وركنية التَّسليمتين.
س: ..............؟
ج: هذا ذكر أنه من فعل ابن عمر، ويُروى من فعل جابر، ولكن ما أعرف فيه شيئًا صحيحًا عن النبي ﷺ أنه تكلم بذلك، والمحفوظ في حديث ابن مسعودٍ: "التَّحيات"، أولها "التحيات"، وحديث ابن مسعودٍ أصحّ، وهو أثبت، وفي حديث ابن عباسٍ كذلك ما في ذكر التَّسمية والتَّحيات والمباركات.
س: ..............؟
ج: ..... لكن الدعاء يكون في الأخير، الدعاء يكون بالتَّعوذ من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، التَّوسع في الدعاء يكون في الأخير، واختلفوا في الصَّلاة على النبي ﷺ: هل يأتي بها في الأول؟ الأكثرون ذكروها في الآخر، ولكن لا بأس أن يأتي بها في الأول؛ لأنَّ الأحاديث عامَّة، لما سألوا عن الصَّلاة قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ، ولم يخصّ بها الأخير، فإذا أتى بها في الأول فهو أفضل، وإن تركها فلا بأس؛ لأنه ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يقوم إذا قال: أشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، فدلَّ على أنها لا تجب في الأول، إنما تجب في الأخير.
س: .............؟
ج: ما في بأس، يُتابع الإمام، هذه مُتابعة للإمام، وإلا التَّشهدان اثنان: التشهد الأول والثاني، لكن إذا .....
س: .............؟
ج: ما في مانع، إذا فاته بعضُ الشيء لا بأس مع الإمام، يُتابع إمامه، وإذا فاتته ركعةٌ وجلس مع الإمام في الركعة الثانية، وأتى بالتَّشهد مُتابعةً للإمام فلا بأس، لكن يلزمه تشهدان: الأول والثاني، فإذا فات مع الإمام أتى به مع الإمام؛ لأنه إذا ما أدرك إلا واحدةً صار تشهده مع الإمام بعد الأولى في حقِّه أجزأه ..... عن التَّشهد الأول.
س: .............؟
ج: محتمل أنَّ ابن عمر .....، لكن الأحاديث الصَّحيحة في الصلاة على النبي ﷺ كثيرة، كلها دالَّة: حديث كعب بن عُجرة، وحديث أبي مسعودٍ الأنصاري، وحديث أبي حميدٍ، وغيرهم، كلها دالَّة على شرعية الصلاة على النبي ﷺ، والخلاف في وجوبها فقط على أقوالٍ ثلاثة: الركنية، والوجوب، والاستحباب.
والأحوط للمُؤمن أن يأتي بها في التَّشهد الأخير، وهي إما واجبة، وإما ركن، ولا ينبغي له تركها، أما في الأول فالأمر واسع، إن أتى بها فهو أفضل، وإن تركها فلا بأس في الأول.
س: .............؟
ج: إن دعا فلا بأس؛ مُتابعةً للإمام، وإن كرر الصَّلاة على النبي أو التَّشهد فلا بأس، المسبوق –يعني- إن كرر فلا بأس، وإن دعا مُتابعةً للإمام فلا بأس.
س: .............؟
ج: لا شكَّ؛ للعموم، هذا هو الأفضل، التَّشهد الأول هو الأفضل؛ لأنَّ الرسول علم، ما قال: قولوا في التَّشهد الأخير. قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ، ولم يقل لهم في التَّشهد الأخير، أطلق. وفي حديث: كيف نُصلي عليك إذا صلينا عليك في صلاتنا؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ، فلما لم يُقيد دلَّ على أنه لا بأس أن يُقال في التَّشهد الأول، بل هو المشروع، إنما الخلاف في الوجوب.
س: .............؟
ج: لا مانع من الصلاة والدُّعاء متابعةً؛ لأنَّ التشهد في الصلاة تشهُّدان، وما زاد فهو مُتابعةً للإمام في حقِّ المسبوق.
س: ............؟
ج: لا أعلم مانعًا في مُتابعته؛ للعموم: إنما جُعل الإمامُ ليُتَّبع، فالإمام يُتَّبع فيما أتى به؛ لئلا يُخالف المأمومُ الإمامَ.
س: ............؟
ج: سنده جيد، سنده صحيح، لكنه موقوف، ما رفعه للنبيِّ ﷺ، لكن ظاهره كونه على المنبر يقتضي أنه ثابتٌ عن النبي ﷺ، مثل هذا ما يجترئ عليه عمر من كيسه، يظهر أنه مما سمعه من النبيِّ ﷺ؛ لأنه خطب به الناس على المنبر، وكان يأمرهم بذلك، وفيه "الزاكيات".
س: ............؟
ج: ما هو بمشروعٍ.
س: ............؟
ج: المعروف في الأحاديث الصَّحيحة الدُّعاء في التَّشهد الأخير، كان يدعو في التَّشهد الأخير عليه الصَّلاة والسلام.
55- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ- أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ إِذَا تَشَهَّدَتِ: "التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ، الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ".
56- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ- كَانَتْ تَقُولُ إِذَا تَشَهَّدَتِ: "التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ، الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُاللَّهِ وَرَسُولُهُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ".
وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ وَنَافِعًا -مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ- عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ: أَيَتَشَهَّدُ مَعَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وِتْرًا؟ فَقَالَا: لِيَتَشَهَّدْ مَعَهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.
الشيخ: يعني: مُتابعةً للإمام: إنما جُعل الإمامُ ليُؤتم به؛ متابعةً للإمام.
س: ..............؟
ج: في روايةٍ أخرى مضبوط في هذه الرِّواية، لكن هذا يُروى عن بعض السَّلف -ابن مسعودٍ أيضًا- السلام على النبي بدل عليك، قال: "السلام على النبي"، والصواب أنه يُؤتى به بعد وفاته وفي حياته: السلام عليك ..... من باب الاستحضار؛ ولهذا علَّمهم النبيُّ هذا، ولم يقل لهم: إذا غبتُم قولوا: السلام على النبي. يأتون بهذا في المدينة، وفي غزواتهم، وفي أي مكانٍ وهو غائبٌ عنهم: "السلام عليك أيها النبي"، هذا من باب الاستحضار، ما هو من باب دعائه، هذا دعاء له، سلام عليه، يترحَّمون عليه ..... يدعون له بالرحمة والبركة والسَّلامة، فيُؤتى به في غيبته، وفي حضوره، وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام: "السلام عليك أيها النبي"، مثلما علَّم النبيُّ ابنَ مسعودٍ.
بَابُ مَا يَفْعَلُ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ
57- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ مَلِيحِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ السَّعْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فَإِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ.
قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ: إِنَّ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، وَلَا يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ، وَذَلِكَ خَطَأٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ إِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ.
الشيخ: وهذا هو الواجب: إذا رفع أو سبق فليرجع حتى يكون بعد الإمام، وليُحافظ، وليعتني فلا يَسبق، ولا يُسبق: لا بالخفض، ولا بالرفع، بل يكون تابعًا، فلو قدر أنه سها وركع قبل إمامه يرفع، ثم يركع بعده، يرفع ثم يعود ويركع بعده، وهكذا في السُّجود، وهكذا لو سبقه بالركوع أو بالسجود يرفع، ثم يسجد بعده، ويركع بعده؛ حتى يكون قد أتى بالأمر المشروع.
الشيخ: لكن هذا الذي سها إن كان مسبوقًا يسجد للسَّهو، وإذا كان مع الإمام لا يسجد، يتحمله الإمام، لكن إذا كان مسبوقًا وسها يسجد بعد قضاء ما عليه.
س: .............؟
ج: يسجد ويلحقه.
س: .............؟
ج: يقضي ثم يسجد للسَّهو، وإن سجد مع الإمام فلا بأس إذا أمكنه، لكن لو رفع قام يقضي ثم سجد إمامُه كمَّل صلاته وسجد بعد ذلك.
س: .............؟
ج: محتمل أن يكون حكمُه حكمَ المسبوق، يسجد بعد قضاء ما عليه؛ لأنَّ المسبوقَ يسجد ..... مع الإمام سهوًا، ولسهوه معه .....، وهذا ما هو بمسبوقٍ، لكن صار في حكم المسبوق، فلو سجد احتياطًا يكون حسنًا إن شاء الله.
س: .............؟
ج: إذا كان من أول الصلاة لا، يتحمّله أوله، أما إذا كان مسبوقًا بركعةٍ أو أكثر يسجد للسَّهو بعد قضاء ما عليه، بعد التَّكميل يعني.
هذه قاعدة: المسبوق يسجد لسلامه -يسجد للسَّهو يعني- لسلامه مع إمامه سهوًا، هذه واحدة، ولسهوه معه ثنتان، ولسهوه فيما انفرد به، يسجد في هذه المواضع الثلاثة، المسبوق –يعني- خاصَّةً: إذا سها مع إمامه سجد إذا قضى ما عليه، سلَّم عليه سهوًا ثم انتبه يقضي ويسجد للسَّهو، سها فيما انفرد به كذلك يسجد للسَّهو.
الشيخ: وهذا يدل على أنه إذا سلَّم عن سهوٍ الإمام ثم نبّه يُكمل صلاته، ثم إذا فرغ منها وسلَّم يسجد للسَّهو، الأفضل أن يكون سجوده بعد السلام كما فعل النبيُّ ﷺ.
س: ..............؟
ج: طول، في يديه طول.
س: ..............؟
ج: لُقِّب بهذا مثلما يُقال: الأعرج والأعمش، إذا عُرف بهذا، ما هو على سبيل العيب، على سبيل التَّعريف.
س: إذا سبَّح المأمومُ بالإمام حال قيامه إلى خامسةٍ؟
ج: يلزمه الجلوس، ولو أنه قد ركع يلزمه العودة، ويجلس يتشهد ويُكمل صلاته.
س: وإن لم يرجع الإمام؟
ج: لا يُتابعونه، ينتظرون حتى يجلس، ثم يُسلِّمون معه.
س: ..............؟
ج: هذا حديث عمران بن حصين، والمحفوظ أنه صلَّى من غير إقامةٍ، من حديث عمران بن حُصين عند مسلمٍ، المعروف كما ذكر في حديث ذي اليدين: صلَّى البقية بدون إقامةٍ.
59- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ -مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ- أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ جَالِسٌ.
60- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ سُلَيْمَانَ ابْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ إِحْدَى صَلَاتَيِ النَّهَارِ: الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، فَسَلَّمَ مِن اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا قَصُرَتِ الصَّلَاةُ، وَمَا نَسِيتُ! فَقَالَ ذُو الشِّمَالَيْنِ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا بَقِيَ مِنَ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَلَّمَ.
61- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ سَهْوٍ كَانَ نُقْصَانًا مِنَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ سُجُودَهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَكُلُّ سَهْوٍ كَانَ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ سُجُودَهُ بَعْدَ السَّلَامِ.
الشيخ: هذا قول جماعةٍ من أهل العلم، والأقرب في مثل هذا التَّقيد بالواقع: السجود كله قبل السلام، إلا في حالين هما:
إذا غلب على ظنِّه -كما في حديث ابن مسعود- يتحرى الصواب ويُتم عليه، ويكون سجودُه بعد السلام.
والحال الثانية: إذا سلَّم عن نقص ركعةٍ أو أكثر، كما في حديث ذي اليدين، وسجد بعد السلام أفضل.
والبقية ما عدا الحالتين يكون قبل السلام، هذا هو الأفضل، وإذا سجد قبل السلام أو بعد السلام في جميع الأحوال أجزأ؛ لأنَّ هذا ورد عن النبيِّ هذا وهذا، لكن الأفضل السُّجود قبل السلام إلا في حالتين:
إحداهما: إذا بنى على غالب ظنِّه؛ لحديث ابن مسعودٍ.
والثاني: إذا سلَّم عن نقص ركعةٍ أو أكثر؛ لحديث ذي اليدين، فإنه يسجد بعد السلام.
وما سواهما يكون قبل السَّلام.
س: ..............؟
ج: يجلسون حتى.
س: ..............؟
ج: يُتابعونه، الذين ما عندهم خبر يُتابعونه، والذين عندهم يقين يجلسون حتى يُسلم، ثم يُسلمون معه.
س: ..............؟
ج: إذا قضى ما عليه يسجد للسَّهو، إذا قضى ما عليه المسبوق سجد للسَّهو.
س: ..............؟
ج: لا، يُسلم فورًا، ما في تشهد.
س: ..............؟
ج: نعم، كلام ..... حديث ذي اليدين ثابت في "الصحيحين"، ما فيه إشكال.
س: ..............؟
ج: يبني على اليقين، إن كان شكُّه في أثناء الصَّلاة يبني على اليقين، أما الشَّك بعد الصلاة ما له أثر، لا يُلتفت إليه، لو سلَّم على أنها تامَّة، ثم جاءته شكوك وأوهام ما يعمل بها، يتركها، ولا يلتفت إليها.
س: .............؟
ج: ذو اليدين نعم.
س: إذا سبَّحوا بالإمام ثم اختلف لم يدرِ ما يفعل، هل يجوز للمأموم أن يقول: اركع، أو اسجد؟
ج: إذا كان اشتبه عليه الأمرُ يُنبهونه بآيةٍ: إن كان سجودًا: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، وإن كان ركوعًا: واركع، ولو تكلم بكلامٍ مثلما تكلم النبيُّ ﷺ لا بأس لأجل السَّهو.
س: في مثل حالة ذي اليدين: المسبوق إذا قام يقضي هل يرجع مع الإمام إذا استأنف؟
ج: إن كان كمَّل فلا بأس، أجزأه، وإن قام الإمامُ قبل أن يقضي انضمَّ إليه.
س: ..............؟
ج: ..... سجد للسَّهو، وإن كان ما عمل معه شيئًا ما يحتاج إلى شيءٍ، إن كان بنى على اليقين، وجلس في التَّشهد الأول مثلًا، ثم ذكر بعد أنه ما أخطأ، يسجد للسَّهو؛ لأنه عمل .....
س: ..............؟
ج: ..... ثم اتَّضح له الأمرُ، ما صار شيء.
س: ..............؟
ج: لا، لا، يُسلم عن سجود السَّهو، إذا كان سجود السَّهو بعد السلام يُسلم من هذا ومن هذا عليه الصَّلاة والسلام.
س: الحالتان اللتان يجوز فيهما السجود بعد السلام، ما هما؟
ج: إحداهما: إذا بنى على غالب ظنِّه، وكمَّل الصلاةَ على غالب ظنِّه؛ يسجد للسَّهو بعد السلام، كما في حديث ابن مسعودٍ: فليتحرَّ الصواب وليُتم عليه، ثم ليُسلم، ثم ليسجد سجدتين. والثانية: إذا سلَّم عن نقصٍ: سلَّم من ثلاثٍ، أو من ثنتين، ثم نُبِّه، ثم كمَّل، يُكمل الصلاة ويُسلم ثم يسجد للسَّهو بعد ذلك، مثل قصة ذي اليدين.
س: ..............؟
ج: إذا طال الفصلُ يُعيد.
س: ...............؟
ج: ما يصحّ، لا بدَّ أن يُسلم الثاني، ما يجوز له أن يترك السلام الثاني، سجود السهو إذا سجد بعد السلام كصلاةٍ مُستقلَّةٍ يُسلم منها، الرسول سلَّم وقال: صلوا كما رأيتُموني أُصلي، لكن إذا كان جاهلًا نرجو أن يعفو الله عنه؛ لأنه منفصل عن الصَّلاة.
س: إذا سلَّم الإمامُ عن نقصٍ ثم خرج السّرعان؟
ج: يُعلمون، يُعيدونها.
س: ولو بعد فترةٍ؟
ج: ولو بعد سنةٍ.
س: ...............؟
ج: يقول العلماء: يسقط عنه سجود السَّهو، إذا أحدث أو طال الفصلُ سقط.
بَابُ إِتْمَامِ الْمُصَلِّي مَا ذَكَرَ إِذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ
62- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى: أَثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيُصَلِّي رَكْعَةً، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى خَامِسَةً شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ.
الشيخ: وهذا الحديث وصله مسلم عن أبي سعيدٍ الخدري ، فقال ﷺ: إذا شكَّ أحدُكم في صلاته فلم يدرِ كم صلَّى: ثلاثًا أم أربعًا؟ فليطرح الشَّك، وليبنِ على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يُسلم، فإن كان صلَّى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلَّى تمامًا كانتا ترغيمًا للشيطان، وهذا هو الواجب عند الشَّك، إذا شكَّ وهو يُصلي: هل صلَّى ثنتين أو ثلاثًا في المغرب أو الرباعية؟ جعلها ثنتين، وهكذا لو شكَّ هل صلَّى ثلاثًا أم أربعًا؟ جعلها ثلاثًا، وبنى على اليقين، ثم كمل، ثم سجد سجدتين قبل أن يُسلم.
س: .............؟
ج: نعم جعلها شفعًا، جعل الصَّلاةَ شفعًا.
الشيخ: وهذا معنى حديث ابن مسعودٍ: البناء على غالب الظنِّ: فليتحرَّ الصواب فليُتم عليه، ثم ليُسلم، ثم يسجد سجدتين بعد السلام؛ لأنَّ الشَّاكَّ له حالان:
حالة يكون فيها مُتردِّدًا، ليس عنده ظنٌّ غالبٌ، هذا يبني على اليقين، فإذا شكَّ هل هما ثنتان أو ثلاث؟ جعلها ثنتين، ولو شكَّ هل ثلاث أم أربع؟ جعلها ثلاثًا، ثم كمل، ثم سجد سجدتين قبل أن يُسلم.
الحال الثاني: يكون عنده غلبة ظنٍّ، يغلب على ظنِّه أنه صلَّى ثلاثًا، يبني على هذا، ويأتي بالرابعة، يُسلم ثم يسجد للسَّهو بعد السلام، السجود بعد السلام، وهذا معنى حديث ابن مسعودٍ، كما في رواية البخاري: فليتحرَّ الصواب فليتم عليه، ثم ليُسلم، ثم يسجد سجدتين.
64- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَفِيفِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكَعْبَ الْأَحْبَارِ عَنِ الَّذِي يَشُكُّ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى: أَثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَكِلَاهُمَا قَالَ: لِيُصَلِّ رَكْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ ليَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ.
وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنِ النِّسْيَانِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: "لِيَتَوَخَّ أَحَدُكُمُ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّهِ".
بَابُ مَنْ قَامَ بَعْدَ الْإِتْمَامِ أَوْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
65- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ سَلَّمَ.
66- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَقَامَ بَعْدَ إِتْمَامِهِ الْأَرْبَع فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَتَمَّ: إِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَجْلِسُ وَلَا يَسْجُدُ، وَلَوْ سَجَدَ إِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ لَمْ أَرَ أَنْ يَسْجُدَ الْأُخْرَى، ثُمَّ إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ.
الشيخ: وهذا هو الواجب: إذا ترك التَّشهد الأول ناسيًا فإنه يُكمل صلاته ويسجد سجدتين قبل أن يُسلم -سجدتي السَّهو- وهكذا لو ترك تسبيحَ الركوع أو تسبيح السُّجود ناسيًا، أو "ربِّ اغفر لي" بين السَّجدتين ناسيًا، الحكم واحد في الواجبات: يسجد سجدتين قبل أن يُسلم ويكفي هذا والحمد لله.
أما إذا زاد بأن قام إلى رابعةٍ في المغرب، أو إلى ثالثةٍ في الفجر، أو الجمعة، أو إلى خامسةٍ في الرباعية، ثم تذكر، أو نُبِّه يرجع متى نُبِّه ولو بعد القراءة، ولو بعد الركوع، يرجع ويجلس ولو بعد السجدة الأولى، لا يسجد للثانية، يجلس إذا تشهد يقرأ التَّحيات، فإذا كمَّل التَّشهد كله كان مُخيَّرًا: إن شاء سجد قبل السلام كما جاء في حديث عبدالله ابن بحينة وغيره، وإن شاء سجد بعد السلام؛ لأنها زيادة زادها في الصَّلاة، فأشبه بمَن سلَّم من صلاته عن نقصٍ، كما في قصة ذي اليدين.
فمن أهل العلم مَن قال: الزيادة لها حكم ما جرى في قصة النبي ﷺ لما سلَّم عن نقصٍ، فيكون بعد السلام.
ومنهم مَن رأى السجود قبل السلام إلا في حالتين، وهذا أظهر، جميع السجود يكون قبل السلام؛ لأنه من تمامها إلا في حالتين:
إحداهما: إذا سلَّم عن نقص ركعةٍ أو أكثر؛ لقصة ذي اليدين في حديث أبي هريرة وعمران: لما سلَّم النبيُّ ﷺ عن ثنتين في حديث ذي اليدين، وفي حديث عمران عن ثلاثٍ، فإنه كمَّل وسلَّم ثم سجد للسَّهو بعد ذلك، هذا هو الأفضل: يكون السجودُ بعد السلام.
والحال الثانية: إذا بنى على غالب ظنِّه وتوخَّى وبنى على غالب ظنِّه، فإنه يُكمل ويُسلم، ثم يسجد سجدتين بعد السلام، هذا هو الأفضل، ومتى سجدهما قبل السلام أجزأته.
س: ..............؟
ج: هذا ما نبّه إلا بعدما سلّم: أفلا كنتم نبَّهتُموني حديث ابن مسعودٍ، ظنوا أنَّ الصلاةَ زيد فيها؛ فلهذا لم يُنبِّهوه، وقال: أما إنه لو حدث في الصلاة شيءٌ لأنبأتُكم به، فإذا نسيتُ فذكِّروني، فإنما أنا بشرٌ، فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد؛ لأنه ما نُبِّه إلا بعد السلام، يسجد سجدتين بعد السلام، لا حيلةَ في ذلك.
س: ..............؟
ج: مَن قام يرجع، سواء قرأ أو ركع، يجب عليه في مسألة الزِّيادة، أما التَّشهد لا، إذا قام يُكمل صلاته ويسجد للسَّهو سجدتين قبل أن يُسلم، أما إذا نُبِّه في حال القيام يرجع، يجلس حتى يأتي بالتشهد الأول، أما إذا نُبِّه بعدما استتمَّ قائمًا فالأفضل له أن يستمرَّ حتى يُكمل، ثم يسجد سجدتين قبل أن يُسلم كما فعله النبيُّ ﷺ، فإن رجع فلا حرج، إن رجع وجلس فلا حرجَ عليه.
س: ..............؟
ج: إذا كان يعلم الحكم، أما إذا كان جاهلًا ما يضرّ، إذا كان يعلم الحكم قول وجيه؛ لأنه يلزمه الإتمام حينئذٍ، لما شرع في القراءة يلزمه أن يستمرَّ، سقط الرجوع؛ لأنَّ الرسول لم يرجع، بعدما قام لم يرجع، استمرَّ حتى كمل وسجد للسَّهو عليه الصلاة والسلام، أما لو رجع جاهلًا بالحكم لا يضرّ.
س: ..............؟
ج: سجدتان بعد السلام، لكن الأفضل قبل التَّسليم إلا في حالتين:
حالة إذا سلَّم عن نقص ركعةٍ أو أكثر: يكون بعد السلام أفضل.
والحال الثانية: إذا بنى على غالب ظنِّه، وكمَّل الصلاة، ثم سلَّم، يسجد سجدتين بعد ذلك، إذا بنى على غالب ظنِّه كما في حديث ابن مسعودٍ.
س: ..............؟
ج: بعد السلام أفضل.
س: ..............؟
ج: إن تنبّه يسجد مع الإمام، وإن قام كمَّل وسجد بعد تمامه، وأما إن سجد الإمامُ قبل أن يقوم تابعه وكفاه، ثم يتم ما عليه، أما لو قام ثم سجد الإمامُ يكمل؛ لأنه انفرد، يُكمل ما عليه ويسجد للسَّهو بعد كماله.
س: ..............؟
ج: نعم، نعم، يقول العلماء: يسجد المسبوق لسلامه مع إمامه سهوًا، ولسهوه معه، وفيما انفرد به.
س: ..............؟
ج: يُسلم، إذا سلَّم من الصلاة ثم سجد يُسلم بعد السُّجود أيضًا، بعد سجود السَّهو يُسلم، النبي سلَّم عليه الصلاة والسلام.