الحديث السابع
عن أبي رُقية تميم بن أوس الدَّاري : أن النبيَّ ﷺ قال: الدِّين النَّصيحة، قلنا: لمَن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم. رواه مسلم.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فيقول المؤلفُ الحافظ النَّووي - رحمه الله -: الحديث السابع: عن أبي رُقية تميم بن أوس الدَّاري - أبو رُقية كُنيته - عن النبي ﷺ أنه قال: الدِّين النَّصيحة، قال الصحابةُ: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامَّتهم.
هذا حديث عظيم جامع، فيه بيان حقّ الله، وحقّ الكتاب، وحقّ الرسول، وحقّ الأئمة، وحقّ المسلمين، ما أبقى شيئًا، وقال في روايةٍ كررها ثلاثًا: الدين النَّصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، معناه: يعني معظم الدين وخلاصة الدين النَّصيحة، يعني: دين الإسلام والإيمان، يعني: خلاصة الإسلام والكلمات الجامعة فيه: الدين النصيحة؛ لأنها تجمع النَّصيحة لله بتوحيده والإخلاص له، والنصيحة للرسول باتِّباعه وتحكيم شريعته، والنصيحة للقرآن باتِّباعه وتعظيمه، والنصيحة لأئمة المسلمين بالسمع والطاعة، والأمر بالمعروف، وإعانتهم في الخير، والنصيحة للمسلمين بتوجيههم إلى الخير، وتعليمهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وعدم غشِّهم في المعاملة، إلى غير ذلك، فهو جامع.
وهذا يجب على المسلمين جميعًا؛ لأن المسلمين إخوة وشيء واحد، كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، وقال: مثل المؤمنين في توادهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمَّى، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشدُّ بعضه بعضًا وشبَّك بين أصابعه.
فالواجب على كل مسلمٍ أن ينصح لله في توحيده والإخلاص له، وطاعة أوامره، وترك نواهيه عن إخلاصٍ، وعن متابعةٍ، وعن صدقٍ، لا عن رياء، ولا عن سمعةٍ، ولا عن جفاءٍ، ولكن عن إيمانٍ وصدقٍ وإخلاصٍ لله؛ حتى يعبده وحده دون كلِّ ما سواه.
وهكذا مع الرسول ﷺ: ينصح في اتِّباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه، والانقياد لما جاء به، وعدم تقديم آراء الرجال على قوله وسنته.
المعنى: تكون أعماله خالصةً نقيةً سليمةً في توجيه العبادة لله، وفي متابعة الرسول ﷺ، لا يكون فيها شرك، ولا تكون فيها بدعة ولا تقصير، بل يكون ناصحًا لله ولرسوله في العبادة، إخلاصًا لله، ومتابعة الرسول ﷺ.
وهكذا للقرآن: باتِّباعه وتعظيمه وتحكيمه، والحذر مما يُخالفه، الناصح للقرآن هو الذي يحكمه ويعمل بما فيه ويتعقله ويتدبره، ويحذر مُخالفته: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29]، وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:155]، ويقول في الرسول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92]، ويقول - جلَّ وعلا -: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
فالنصيحة للرسول: اتباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه، وللقرآن: اتباعه وتعظيمه، والإيمان بأنه كلام الله منزل غير مخلوقٍ، وتحكيمه مع سنة الرسول ﷺ.
أما القسم الرابع وهو النَّصيحة لولاة الأمور من الأمراء والملوك: فهذا بالتَّعاون معهم في الخير، والسمع والطاعة لهم في المعروف؛ لأنهم إذا لم يُطاعوا اختلَّ الأمنُ، وفسد الأمر ومرج؛ ولهذا قال - جلَّ وعلا -: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، ويقول ﷺ: على المرء السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وفي أثرةٍ عليه، ما لم يُؤمر بمعصية الله.
وكان يخطب النبيُّ أصحابه ويقول: عليكم بالسمع والطاعة، والله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ [التغابن:16].
فالسمع والطاعة من أهم الواجبات؛ لما فيها من التَّعاون على الخير، وتثبيت الأمن، وردع المجرم عن جرمه، وهو يشمل السلطان وأُمراءه وكلَّ مَن له أمر عليك، فعليك السمع والطاعة في المعروف: كالزوجة تسمع لزوجها في المعروف، والولد لأبيه في المعروف، والعامَّة للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في المعروف؛ لأنهم سلطان بالنسبة إليهم، فالزوج له سلطة على زوجته، والوالد له سلطة على أولاده، ومن برِّهم له أن يُطيعوه في المعروف، والآمرون بالمعروف والنَّاهون عن المنكر لهم سلطان؛ لأن السلطان جعل لهم سلطانًا، وهكذا القُضاة الشرعيون لهم سلطان بالحكم الشَّرعي.
الخامس: النصح للعامَّة: ينصح لعامَّة المسلمين في كل شيءٍ بأمرهم بالصلاة، بأمرهم بسائر المعروف، بنهيهم عن المنكر، بإرشادهم ودعوتهم إلى الخير، بتعليم الجاهل، بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، بعدم غشِّهم في المعاملة، عدم خيانتهم، عدم الكذب عليهم، عدم غيبتهم، عدم النَّميمة، إلى غير هذا، ينصح لهم في كلِّ ما أمر الله به ورسوله، ويحذر أن يغشَّهم ويُؤذيهم ويضرّهم، فعليه أن يُعاملهم بالنصح، وأداء الأمانة، وبذل المعروف، وكفّ الأذى.
هذه النصيحة لعامَّة المسلمين؛ أن يُسدي إليهم المعروف، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويكفّ الأذى عنهم في أموالهم، وفي أبشارهم، وفي أعراضهم، يكون ناصحًا لهم في المال والعرض والدين والبدن، يحرص على جلب الخير إليهم، وعلى كفِّ الشرِّ عنهم؛ لأنَّ المؤمن أخو المؤمن، كما قال ﷺ: المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يكذبه، ولا يخذله، ويقول ﷺ: مَن غشَّنا فليس منا.
فالمسلمون يجب عليهم التَّعاون على البرِّ والتقوى، والتناصح، وأداء الأمانة، وعدم الغش، وعدم الكذب، وعدم الخيانة؛ لأنَّ المسلم أخو المسلم.
وبهذا تعلم عظم شأن هذا الحديث، وأنه حديث عظيم شامل. وفَّق الله الجميع.
س: الذي يُنصح هل يجب عليه التَّطبيق؟
ج: إذا كانت النَّصيحة موافقةً للشرع يجب على المنصوح أن يتَّقي الله ويقبل الحقَّ، وهكذا المأمور بالمعروف والمنهي عن المنكر يجب أن يتَّقي الله ويقبل ما نُصح به، إذا كان الناصحُ أقام عليه الدليل واتَّضح له الحقّ.
س: .............؟
ج: لا، النَّصيحة عامَّة حتى في أمور الدنيا: الغشّ في المعاملة وغير ذلك، نعم الرسول قال: «الدين النصيحة» عام، ويقول جرير البجلي : بايعتُ النبيَّ ﷺ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنُّصح لكل مسلمٍ.
س: ............؟
ج: لا، على المسلمين، الواجب على المسلمين، أما الكفَّار فتجب دعوتهم أولًا، دعوتهم إلى توحيد الله مع القُدرة، هذا من النصح لهم؛ أن تدعوهم إلى الله أولًا قبل ما يتعلق بالأمور الأخرى، تبدأ بالدَّعوة إلى الله.