بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله و على آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: أيها المستمعون الكرام حديثي معكم اليوم فيما يتعلق بالحج والعمرة.
إن الله سبحانه فرض على عباده حج بيت الله الحرام في العمر مرة، وهكذا العمرة في أصح قولي العلماء تجب على المكلف مع الاستطاعة في العمر مرة، وما زاد على ذلك فهو تطوع، قال الله جل وعلا: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وجاء في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه لما ذكر لجبرائيل الإسلام وفسره له فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت وتعتمر الحديث رواه ابن خزيمة وغيره بإسناد جيد.
فهذا الحديث وما في معناه يدل على وجوب العمرة، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع، والعمرة كذلك تجب في العمرة مرة، وما زاد فهو تطوع، فمن أراد الحج أو العمرة شرع له أن يتجهز لذلك بالحلال وأن يجتنب الحرام، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، فينبغي للمسلم أن يتحرى لنفقة حجه الحلال، وهكذا العمرة.
فإذا وصل الميقات نوى الدخول في الحج إن كان في وقت الحج، وإن كان في وقت العمرة كرمضان وغيره نوى العمرة، وإن أراد أن يعتمر ويحج في عامه بدأ بالعمرة فينوي بقلبه الدخول في العمرة ويتجرد من المخيط –القميص- ويكشف رأسه، وكذلك يتجرد من السراويل والفانيلة وأشباه ذلك من المخيطات ويلبس إزارا ورداء، ثم يقول: اللهم لبيك عمرة، سواء كان من طريق المدينة أو من طريق نجد أو غير ذلك، متى وصل الميقات يقول هذا ينوي الدخول في العمرة، وهي الزيارة للبيت، ويقول بعد التجرد من المخيط ولبس الإزار والرداء: اللهم لبيك عمرة، ويكون هذا في الميقات قبل أن يتجاوز الميقات.
ويستحب له الغسل قبل الإحرام إذا تيسر ذلك، والتطيب إذا تيسر ذلك، فإن لم يغتسل ولم يتطيب فلا حرج عليه لأنها سنة، وإذا كان في أظفاره أو شاربه طول استحب له قص أظفاره -يعني قلم أظفاره- وقص شاربه، ونتف الإبط، وحلق العانة إذا تيسر ذلك، وإن فعل هذا في بيته أو في الطريق قبل ذلك كفى، ثم يشتغل بالتلبية يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، هذه تلبية النبي عليه الصلاة والسلام، يكررها حتى يأتي الكعبة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، يرفع بها صوته سواء كان في السيارة، أو في الطائرة، أو في أي مركوب، يكثر من ذلك في الطريق، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله ويسبح ويهلل ويكثر من الاستغفار في طريقه، لكن يكون الغالب الإكثار من التلبية التي سمعت لأنها فعل النبي ﷺ وتلبيته.
فإذا وصل إلى مكة وأتى المسجد الحرام قدم رجله اليمنى عند دخوله المسجد وقال: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، مثل سائر المساجد، ثم يستمر قاصدا الكعبة وهو يلبي، فإذا أتى الكعبة قصد الحجر الأسود فاستلمه وقطع التلبية عند شروعه في الطواف، فيستلم الحجر الأسود ويكبر ويقول: بسم الله والله أكبر، ويقبله إن تيسر ذلك، فإن لم يتيسر للزحام استقبله وكبر يقول: بسم الله والله أكبر، أو قال: الله أكبر، ثم شرع في الطواف، وإن تيسر له أن يقبل الحجر الأسود ويستلمه بيده اليمنى كان أفضل، ولا يزاحم بل هذا مع التيسير.
فإن لم يتيسر ذلك فإنه يستقبله ويقول: الله أكبر، ويمضي في طوافه، فيطوف سبعة أشواط للعمرة، يرمل في الأشواط الثلاثة الأول، والرمل الخبب والسرعة فيها مع تقارب الخطا، لأن الرسول خب في الثلاثة الأشواط الأول في قدومه عليه الصلاة والسلام في عمرة القضاء وغير ذلك، ثم يمشي في الأربعة الأخيرة ويضطبع عند الطواف، فيجعل رداءه تحت إبطه الأيمن وأطرافه على عاتقه الأيسر، هذا الاضطباع في الطواف الأول، يعني في طواف القدوم خاصة، ويرمل في الأشواط الثلاثة الأول، وهو الخبب والسرعة في الطواف إن تيسر ذلك، وإن كان زحاما كفاه المشي.
ثم يمشي في الأربعة الأخيرة، وكلما حاذى الحجر الأسود يقول: الله أكبر، ويشتغل في الطواف بالذكر والدعاء، وليس فيه شيء مخصوص، بل بأي ذكر وبأي دعاء، ولو قرأ القرآن كان ذلك حسنا، ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويدعو بما تيسر من الدعاء في طوافه، وإذا مر على الركن اليماني استلمه بيده، وقال: بسم الله والله أكبر، فإن كان زحاما مضى ولم يشر إليه لأن الرسول لم يشر إليه عليه الصلاة والسلام، ويقول بين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار في جميع الأشواط السبعة، كلما أتى بين الركنين قال: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام.
وكلما حاذى الحجر الأسود يشير إليه ويكبر إذا لم يتيسر استلامه وتقبيله، فإذا كمل الأشواط السبعة على ما ذكرنا فإنه يأتي مقام إبراهيم فيصلي ركعتين ويقال لهما ركعتا الطواف، وإن لم يتيسر في مقام إبراهيم للزحام صلى في أي مكان من المسجد، في بقية الرحبة، في الأروقة لا بأس بذلك، وإن صلاها في الحرم خارج المسجد فلا بأس أيضًا، الأمر في هذا فيه سعة بحمد الله.
ثم يخرج إلى الصفاء من بابه فيأتي الصفاء فيصعدها قاصدا السعي، ويقول عند صعودها: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] كما قرأها النبي ﷺ، ثم يصعد حتى يقابل الكعبة ويستقبلها ويرفع يديه ويذكر الله ويحمده ويكبر ويدعو ثلاث مرات كما فعله النبي ﷺ، يحمد الله ويكبره ويدعو، يذكر الله ثلاث مرات مع الدعاء، ومن ذلك يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ويدعو بما تيسر من الدعاء، ويكرر ذلك ثلاث مرات.
ثم ينزل ماشيا في طريقه إلى المروة، فإذا أتى بطن الوادي بين العلمين سعى شديدا -يعني هرول- في محل الوادي بين العلمين حتى يجاوزه، ثم يمشي حتى يأتي المروة، وهو في طريقه يذكر الله، ويدعو ويسبح ويهلل ويستغفر حتى يأتي المروة فيصعد عليها ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول مثل ما قال على الصفاء سواء بسواء، يذكر الله ويدعو ثلاث مرات وهو رافع يديه كما فعل على الصفا، ثم ينزل ويمشي في موضع المشي، ويسعى بين الوادي، يسعى في بطن الوادي بالهرولة حتى يجوزه كما فعل حين جاء من الصفا حتى يكمل سبعة أشواط، مجيئه من الصفا يعتبر شوطا، ورجوعه من المروة يعتبر شوطا ثانيا، وهكذا حتى يكمل السبعة، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة.
وبهذا تمت العمرة طوافا وسعيا، فيقصر حينئذ أو يحلق، هذا ختام العمرة يحلق رأسه كله أو يقصره بالمقراض، يقصر جميع الرأس هذا هو الواجب وهو الأرجح، وبهذا تمت عمرته بالطواف والسعي والتقصير أو الحلق، تمت عمرته الشرعية.
وإذا كان هذا في أشهر الحج بعد رمضان وهو يريد الحج، قد يكون متمتعا بهذه العمرة، يكون متمتعًا فيحج في وقت الحج.
فإذا جاء وقت الحج جاء يوم الثامن من التروية حينئذ يلبي بالحج، وهو يوم الثامن يلبي بالحج، يقول: اللهم لبيك حجا، بعد الاغتسال والطيب إذا تيسر ذلك، وبعد الإحرام كما تقدم مثلما فعل عند إحرامه بالعمرة عند الميقات، هكذا عند إحرامه بالحج، ومعلوم أنه بعد تقصيره في العمرة أو حلقه يحل، يلبس ثيابه ويتحلل ويأتي أهله، وقد تمت عمرته فحينئذ ما بقي عليه شيء، إنما هو كسائر الحلال، يعني يلبس المخيط، يتطيب، يغطي رأسه، يأتي النساء، قد تمت عمرته.
فإذا جاء يوم الثامن من التروية وهو وقت الإحرام بالحج والتوجه إلى منى وعرفات، حينئذ يستحب له الغسل والتطيب، وأن يخلع المخيط، ويكشف رأسه ويلبس الإزار والرداء، ثم يلبي بالحج يقول: اللهم لبيك حجا، من مكانه، من بيته، أو من منزله في مكة، أو في الحرم، أو في الحل لا بأس بذلك، يحرم من أي مكان بالحج، سواء كان من أهل مكة أو من الأفقيين، يلبي بالحج قائلا: لبيك حجا، أو اللهم لبيك حجا.
ثم يكثر من التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، ثم يتوجه إلى منى ولا يحتاج إلى وداع، يحرم من مكانه قاصدا منى لأن الرسول ﷺ أمر الصحابة الذين حلوا من العمرة أن يحرموا من مكانهم بالحج ولم يأمرهم بالوداع، فدل ذلك على أنه لا وداع على الحاج إذا أراد الخروج إلى منى، بل يحرم بالحج ويتوجه إلى منى من دون أن يدخل إلى مكة للطواف.
هذا هو المشروع الذي بينه النبي لأصحابه عليه الصلاة والسلام، فيتوجه إلى منى ملبيا وينزل بها يوم الثامن، ويصلي بها الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والمغرب ثلاثا، والعشاء ركعتين، والفجر ركعتين كما كان يفعل في الأسفار، لأن هذا سفر، فيصلي الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والمغرب ثلاثا، والعشاء ركعتين، ويصلي الفجر مع سنتها -سنة الفجر ركعتين.
هكذا فعل النبي ﷺ في حجة الوداع ﷺ، ويأتي بقية كمال الحج وأعماله في درس آخر إن شاء الله، يعني يأتي بيان توجه الحجاج من منى إلى عرفات، ومن عرفات إلى مزدلفة، ومن مزدلفة إلى منى مع أعمال الحج في منى، كل هذا يأتي في درس آخر إن شاء الله.
وأسأل الله أن يوفقنا والمسلمين جميعا لما فيه رضاه، وأن يمنحنا وسائر إخواننا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.