بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام .....
ففي هذه الليلة المباركة يستضيف مكتبُ الأوقاف والدَّعوة والإرشاد في مدينة جبة سماحة الوالد شيخنا الشيخ: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز في جامع جبة الشَّمالي؛ ليُحدِّثهم وينصحهم فيما يراه نافعًا لهم في أمر دينهم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، فليتفضل مشكورًا مأجورًا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه ومَن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدِّين.
أما بعد: أيُّها الإخوة في الله، أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يُوفقنا وإياكم لما يُرضيه، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، والثَّبات عليه، وأن يجعلنا وإياكم من الهُداة المهتدين، كما أسأله سبحانه أن يجعل هذا اللِّقاء لقاءً مباركًا، وأن يُصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا، وأن يُعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من مُضلات الفتن، ونزغات الشيطان، إنه سميع قريب.
أيها الإخوة في الله، إنَّ الله إنما خلق الخلقَ ليُعبد وحده لا شريكَ له، وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام بهذا الأمر، وأمر به العباد فقال : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وقال جلَّ وعلا: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 21].
فالله سبحانه إنما خلق الخلق ليُعبد وحده لا شريكَ له، وهذه العبادة هي توحيده، وطاعته، والاستقامة على دينه بترك ما نهى عنه، وأداء ما أوجب، هذه هي العبادة التي خلق الناس لها، خُلقوا ليعبدوا الله بأداء حقِّه: بالإخلاص له، وتوحيده، وصرف العبادة له جلَّ وعلا، وترك الإشراك به، مع أداء الفرائض، وترك المحارم، والوقوف عند الحدود، هذه هي العبادة التي خلق الناس لها، وأمرهم الله بها، وبعث الرسلَ بها عليهم الصلاة والسلام، وهي الإسلام: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19]، وهي الإيمان، كما قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء: 136].
وقال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: الإيمان بضعٌ وسبعون شُعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شُعبة من شُعب الإيمان.
ولما سأله ﷺ جبرائيل، سأله عن الإسلام والإيمان، قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلًا، قال جبرائيل: صَدَقْتَ، ثم قال: أخبرني عن الإيمان، فقال ﷺ: الإيمان أن تُؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرِّه، هذا هو الإيمان.
فسَّر الإسلام بالأعمال الظَّاهرة؛ لأنها انقياد لله، وطاعة له جلَّ وعلا، وهي الشَّهادتان، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ.
وفسَّر الإيمان بالأعمال الباطنة المتعلقة بالقلوب، ويُطلق الإسلام ويُراد به الدِّين كله، ويُطلق الإيمان ويُراد به الدين كله، قوله : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19] يعني: والإيمان، يعني: توحيد الله وطاعته، وأداء حقِّه، وترك معصيته، والإيمان به، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرِّه. كله يُسمَّى: إيمانًا، وكله يُسمَّى: إسلامًا؛ ولهذا لما سأل جبرائيلُ النبيَّ ﷺ عن الإسلام فسَّر له الإسلام بأركانه الخمسة، قال عليه الصلاة والسلام: بُني الإسلامُ على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت، وفسَّر له الإيمان بالأمور الباطنة، بالأعمال القلبية، يعني: لا بدَّ من هذا وهذا، لا بدَّ من الإيمان الذي يتعلق بالقلوب، ولا بدَّ من الإسلام الذي يتعلق بالجوارح.
ولهذا في الحديث السَّابق يقول ﷺ: الإيمان بضعٌ وسبعون شُعبة، هذا يعمُّ الظاهر والباطن، يعمُّ أركان الإسلام الظاهرة، ويعمُّ أركان الإيمان الباطنة، ويعمُّ كل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه.
فالواجب على كل مسلمٍ وعلى كل مسلمةٍ، الواجب على كل مُكلَّفٍ أن يتَّقي الله، وأن يُراقب الله، وأن يأخذ بالإسلام كله، فيُؤدي ما أوجب الله، وينتهي عمَّا حرَّم الله، وأصل ذلك وأساسه شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، هاتان الشَّهادتان هما الأصل، وهما أول الواجب، وأعظم الواجب.
فعلى كل مُكلَّفٍ أن يُوحد الله، وأن يشهد أنه لا إله إلا الله، أي: لا معبودَ حقّ إلا الله. هذا معناها، معنى "لا إله إلا الله"، معناها: لا معبود حقّ إلا الله، كما قال سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62].
وفي حديث جبرائيل في بعض رواياته لما سأل عن الإسلام قال: تعبد الله ولا تُشرك به شيئًا، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت، فسَّر له شهادة أن لا إله إلا الله بأنَّ معناها أن تعبد الله ولا تُشرك به شيئًا.
هذا هو الواجب على جميع المكلَّفين: أن يعبدوا الله وحده في دُعائهم، وخوفهم، ورجائهم، وصلاتهم، وصومهم، وذبحهم، ونذرهم، وسائر عباداتهم، كلها لله وحده، هذا هو الدِّين الحقّ، قال سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، هذا هو دين الله، مع الشَّهادة بأنَّ محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله الله إلى جميع الثقلين: إلى الجنِّ والإنس، وهو خاتم الأنبياء، ليس بعده نبي عليه الصلاة والسلام.
لا بدَّ من الإيمان بهذا كله، بهاتين الشَّهادتين، ثم الإيمان بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وترك الإشراك بالله، وترك المعاصي، والوقوف عند حدود الله، هذا هو الدِّين كله، هذا هو الإسلام.
ثم إذا رزق اللهُ العبدَ الزيادة على ذلك بفعل المستحبَّات: التوسع في صلاة النافلة، الإكثار من صلاة النافلة، صوم النافلة، التَّسبيح، التَّهليل، التَّحميد، التَّكبير، الاستغفار، إلى غير هذا من وجوه الخير. فكل هذا مُكمل لهذا الدِّين، كله مكمل، كله فيه خير عظيم.
فالواجب على كل مسلمٍ -بل على كل مُكلَّفٍ من الرجال والنِّساء- أن يستقيم على دين الله، وأن يُؤدي ما أوجب الله، وأن يدع ما حرَّم الله، وأعظم ذلك الشِّرك، أعظم مُحرَّم وأكبر ذنبٍ الشِّرك بالله، وهو صرف العبادة لغير الله: كدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، أو بالأصنام، أو بالأشجار والأحجار، أو بالنجوم، كل هذا يُناقض لا إله إلا الله، كله شرك بالله، وهكذا دعاء الجنِّ، والاستغاثة بالجنِّ، يقول الله جلَّ وعلا: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، ويقول سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162- 163]، ويقول سبحانه: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 1- 2]، ويقول : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، ويقول سبحانه: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون: 117].
ويقول النبي ﷺ: الدعاء هو العبادة، ويقول ﷺ: لعن اللهُ مَن ذبح لغير الله.
فالواجب على جميع المكلفين من الرجال والنِّساء، من الجنِّ والإنس: أن يعبدوا الله وحده، وأن يُحققوا معنى" لا إله إلا الله"، وأنَّ معناها: لا معبود حقّ إلا الله، لا في الأرض، ولا في السَّماء، ما في معبود بحقٍّ إلا الله وحده، ويُحققوا معنى شهادة أنَّ محمدًا رسول الله، فيُؤمنوا بأنه رسول الله حقًّا إلى جميع الثَّقلين، وأنه خاتم الأنبياء، وأنَّ الواجب اتِّباعه وطاعته والاستقامة على دينه، فلا بدَّ من هذا وهذا: لا بدَّ من الإخلاص لله والعبادة له وحده، ولا بدَّ من الإيمان بأنَّ محمدًا رسول الله، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه رسول الله إلى جميع الثَّقلين: الجن والإنس.
ولا بدَّ مع هذا من أداء فرائض الله: من صلاةٍ، وصوم، وزكاة، وحجٍّ، وغير ذلك. ولا بدَّ من ترك محارم الله من سائر المعاصي: كالزنا، والسرقة، والنَّهب، والغصب، وشرب الخمور، وأكل الربا، والغيبة، والنَّميمة، وغير هذا من معاصي الله، فلا يتم الدِّين ولا يكمل إلا بترك المعاصي كلها، وأداء الواجبات كلها، مع الشَّهادتين، مع توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان بأنه المستحقّ للعبادة، لا إله غيره، ولا ربَّ سواه، مع الإيمان بأنَّ محمدًا رسول الله إلى جميع الثَّقلين، وأنه خاتم الأنبياء جميعًا، مع أداء ما أوجب الله، وترك ما حرَّم الله، والإيمان بكلِّ ما أخبر الله به ورسوله: من أمر الآخرة، والجنة، والنار، والحساب، والجزاء، والميزان، وغير هذا.
لا بدَّ من هذا كله، الإيمان بكل ما أخبر الله به في القرآن، أو أخبر به رسوله في الأحاديث الصَّحيحة، ثم العمل بأداء فرائض الله، وترك محارم الله، والوقوف عند حدود الله عن إخلاصٍ، عن صدقٍ، عن مُتابعةٍ للنبي ﷺ، يرجو ثوابَ الله، ويخشى عقاب الله، مع التَّحابِّ في الله، والتواصي بالحقِّ، والتعاون على البر والتَّقوى، كما قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2]، وقال تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 1-3].
لا بدَّ من الإيمان والعمل، ولا بدّ من التَّواصي بالحقِّ والتَّناصح، ولا بدَّ من الصبر في ذلك، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 71]، هذا المؤمن، هكذا المؤمنون والمؤمنات أولياء مُتحابون في الله، ليس بينهم شحناء، ولا غشّ، ولا عداوة، ولا خيانة، كل واحدٍ يُحب لأخيه الخير، ويكره له الشَّر، فإذا خان أخاه أو غشَّه أو كذب عليه أو ما أشبه ذلك صار نقصًا في إيمانه، وضعفًا في إيمانه.
ومن ذلك الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، هذا من واجبات الإيمان، من مُوجب الإيمان أن تأمر أخاك بالمعروف، وأن تنهاه عن المنكر، وإن كان أخاك لأبيك وأمك تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، هذا من حبِّه في الله، هذا من الولاية في الله: أن تأمره بالمعروف، وأن تنهاه عن المنكر، مع حبِّك له كل خيرٍ، مع ترك غشِّه، مع التَّعاون معه على البرِّ والتَّقوى، مع إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، مع طاعة الله ورسوله في كل شيءٍ.
هكذا الإيمان، هكذا التَّقوى، هكذا الدِّين: توحيد الله، وطاعة لله، وإيمان به وبرسوله عليه الصلاة والسلام، وإيمان بكلِّ ما أخبر الله به ورسوله، مع العمل بأداء فرائض الله، وترك محارم الله، والتواصي بحقِّ الله، والتناصح، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر حتى الموت، هكذا المؤمن حتى يموت، ليس لعملٍ أجلٌ إلا الموت.
هكذا يستقيم على دين الله، ويدع محارم الله، ويُحب في الله، ويُبغض في الله، وينصح لعباد الله، ويستمرّ ويستقيم حتى الموت، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت: 30- 31] يعني: تطلبون، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت: 32]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف: 13- 14].
هكذا تجب الاستقامة والثَّبات والاستمرار على الحقِّ حتى الموت، لا يتقلب مرة كذا، ومرة كذا، لا، يجب أن يستقيم على طاعة الله ورسوله، وترك معاصي الله، والتَّواصي بحقِّ الله، والتناصح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أبدًا، حتى يلقى ربَّه، فإذا زلَّت به القدم ووقع عليه ذنبٌ بادر بالتَّوبة إلى الله والنَّدم والإقلاع والصِّدق، والعزم ألا يعود في ذلك، هكذا المؤمن أبدًا، وهكذا المؤمنة.
نسأل الله أن يُوفقنا وإياكم لما يُرضيه، ونسأل الله أن يُصلح قلوبنا وقلوبكم، وأعمالنا وأعمالكم، ونسأل الله أن يمنحنا وإياكم الفقه في الدِّين، والتواصي بالحقِّ، والتواصي بالصبر، ونسأل الله أن ينصر دينه، ويُعلي كلمته، وأن يُصلح أحوال المسلمين في كل مكانٍ، وأن يمنحهم الفقه في الدِّين، وأن يُولي عليهم خيارهم، ويُصلح قادتهم.
كما نسأله سبحانه أن يُوفق ولاة أمرنا لكل خيرٍ، وأن يُعينهم على كل خيرٍ، وأن ينصر بهم الحقّ، وأن يُصلح لهم البطانة، وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهُداة المهتدين، إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ.
الأسئلة:
س: أنا مُدرس في إحدى القرى النَّائية، وقريب من بيتنا مسجد، أحيانًا تُقام فيه الجماعة، وأحيانًا أُصلي وحدي، ولي زملاء يُصلون في البيت، وهم أكثر من جماعة المسجد، وعندما أقول لهم: نُصلي في المسجد، يقولون: ليس فيه جماعة، وهو بعيد. فهل أُصلي في المسجد ولو صليتُ بعض الأوقات لوحدي، أم أُصلي معهم في البيت، مع أنَّ المسجد ..؟
ج: الواجب على الجميع الصلاة في المسجد، ما دام في أذان، يسمعون الأذان، الواجب عليهم أن يُصلوا في المسجد جميعًا، ولا يجوز لهم أن يُصلوا في البيت، يجب عليهم أن يذهبوا إلى المسجد ويُصلوا فيه، ولو أنَّ الجماعة قليلة، عليهم أن يذهبوا إلى المسجد ويُصلوا، يقول النبيُّ ﷺ لما سُئل عن هذا: هل تسمع النِّداء؟ قال: نعم. قال: أجب، وقال ﷺ: مَن سمع النِّداء فلم يأتِ فلا صلاةَ له إلا من عذرٍ، قال ابنُ عباسٍ لما سُئل عن العذر قال: خوفٌ أو مرضٌ. لا بدَّ من الإجابة، ولا يُطاوعهم، يروح المسجد وينصحهم، ويأمرهم وينهاهم حتى يُصلوا في المسجد جميعًا ما داموا يسمعون الأذان، ليس ببعيدٍ عليهم الذَّهاب إليه.
س: وإن لم يذهبوا معه؟
ج: ولو ما ذهبوا معه يذهب وحده، ويُنكر عليهم ويذهب هو، قال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71].
س: أسكن في بيتٍ يبعد عن والدي قليلًا، والسبب هو خلاف حصل بين زوجتي وأمي، وخرجت من المنزل درءًا للمشاكل، فزوجتي لا تُسلم على أمي إذا رأتها، ودائمًا تُلحُّ عليَّ أمي بالزواج حتى تخدمها، مع العلم أنهم محتاجون لوجودي في البيت؟
ج: عليه أن يُصلح بينها وبين أمه، عليه أن يُصلح بين الزوجة والأم، وكذلك والده يُساعده في هذا، لعلَّ الله يهدي الجميع، على الزوج وعلى والده ومَن تيسر من إخوانه أو أخواله أو أعمامه الإصلاح بين الوالدة وبين الزوجة؛ حتى يرجع إلى البيت، ويكون عند أبيه وأمه.
والزوجة يجب عليها أن تأخذ بخاطر أبيه وأمه، وأن تُعاملهما المعاملة الطيبة؛ حتى لا تُفرق الشَّمل، عليها أن تجتهد في الفعل الطيب، والعمل الطيب، والقول الطيب، حتى يجتمع الشَّمل، وحتى لا يحصل التَّفرق أو الطلاق، تُوصَى هي وتُنصح، والوالدة أيضًا تُوجه إلى الخير، لا تُشدد، عليها التَّسامح حتى تجتمع الأسرة جميعًا، الوالدة عليها أن تحتسب الأجر، ولا تُشدد في بعض الأمور، والزوجة عليها أن تسمع وتُطيع لزوجها، وتبقى مع أمه، يتعاونا على الخير، عليهما جميعًا أن يتعاونا على الخير، والشيطان يجب محاربة وساوسه ونزاغاته؛ لأنه هو الذي يدعو إلى الفُرقة، نسأل الله للجميع الهداية.
س: إذا أتيتُ إلى الجماعة وهم في التَّشهد الأخير، هل تُكتب صلاة الجماعة؟
ج: يقول النبي ﷺ: مَن أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصَّلاة، لا يُدركها إلا بركعةٍ، وعليه المبادرة والمسارعة إليها حتى يُدركها كلها، يقول ﷺ: مَن أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة، فعليه أن يُبادر ويجتهد حتى يأتي قبل إقامة الصلاة حتى يُدركها كلها.
س: ما حكم ختان المرأة؟
ج: سنة، سنة، وقال بعضُهم بالوجوب، ولكن سنة، إذا تيسر مَن يعرف الختان يختنها: امرأة أو رجل، الختان سنة، إذا تيسر العارفُ بالختان من رجلٍ أو امرأةٍ؛ لأنَّ بعض الناس قد يضرّها ولا يعرف، الختان قد يضرّها ضررًا كبيرًا، فإذا وجد امرأةً تُحسن الختان، أو رجلًا يُحسن الختان، فالسنة ختنها، كما قال ﷺ: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقصّ الشَّارب، وقلم الظفر، ونتف الآباط.
س: ما حكم مَن أُعطي صدقةً ليُوزعها على الفقراء والمحتاجين، وبقي مبلغ ثلاثين ألف ريال جعلها لتوسعةٍ في المسجد الجامع؟
ج: لا، ما يصلح، عليه أن يُوزعها في الفقراء والمساكين، ولا يجوز جعلها في حاجات المسجد، إذا كان جعلها في حاجات المسجد يغرمها، عليه أن يغرمها ويُوزعها للفقراء كما أُمِرَ أن يُوزعها على الفقراء، يغرمها إذا كان صرفها في المسجد -في حاجات المسجد.
س: نويتُ الحجَّ يوم عرفة، وأنا في منى، وقضيتُ يوم عرفة بعرفة، وأتممتُ باقي مناسك الحجِّ، ولم أقم بالهدي، فما رأيكم في ذلك؟
ج: إذا كان أحرم بالحجِّ وكمل مناسك الحجِّ يوم عرفة وأعمال الحجّ بعد ذلك ما عليه شيء، ما عليه هدي، هذا مُفرد، يُسمَّى: حجّ المفرد. إذا كان لبَّى بالحجِّ لوحده وهو في منى يوم عرفة، وذهب إلى عرفات، ووقف مع الناس، وكمل مناسك الحجّ ما عليه هدي، هذا يُسمى: حج مفرد. وعليه أن يطوف ويسعى يوم العيد أو بعده، يطوف ويسعى للحجِّ، لا بدَّ من هذا، وأما الطَّواف قبل الحجِّ ما هو بلازم، ما دام ما أحرم في منى وتوجه إلى عرفات، ثم طاف وسعى بعد الحج يوم العيد أو بعده، ورمى الجمار، وبات في منى ليلة إحدى عشر واثني عشر؛ هذا كمل حجّه، ولا عليه هديه، ما عليه هدي؛ لأنَّ عمل هذا يُسمى: حج مُفرد.
س: مَن أظهر مُنكرًا واطَّلع عليه بعضُ الناس، فهل يجوز ستر ذلك؟
ج: الواجب النَّصيحة والسَّتر: مَن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، ينصحه ويُوجهه إلى الخير حتى يدع المنكر، فإن لم يدعه يرفع أمره إلى الهيئة إذا أظهره، إلى الهيئة، أو إلى المحكمة، أو إلى الإمارة إذا أظهر المنكر: كترك الصلوات في الجماعة، أو التَّظاهر بشرب الخمر عند الناس، أو التدخين. أما إذا هداه الله وقبل النَّصيحة فالحمد لله، أما إذا لم يقبل ويتظاهر بالمنكر في الأسواق عند الناس أو في القهاوي هذا يُرفع أمره.
س: بلغتُ وعمري اثنتا عشرة سنة، ولم أصم سنتين، فهل يجب عليَّ القضاء فقط، أم أتصدق مع القضاء؟
ج: عليه أن يصوم ويُطعم، يقضي السَّنتين شهرين، ويُطعم عن كل يومٍ مسكينًا: نصف صاع تمرٍ، أو أرز، أو حنطة، مع القضاء: خمسة عشر صاعًا عن كل شهرٍ يُعطيها بعض الفقراء، وعليه قضاء الصيام الذي تركه، مع التوبة إلى الله والنَّدم وعدم العودة.
س: إذا أراد إنسانٌ شراء سيارةٍ، وجاء إلى شخصٍ آخر وطلب منه أن يشتري له سيارة ليست هي عنده، ثم يبيعها عليه؟
ج: ما في بأس، إذا شراها وصارت في ملكه يبيعها بالتَّقسيط، إذا قال له: اشترها وبعها عليَّ. ما يُخالف، إذا شراها وصارت في ملكه وحازها بعد ذلك يبيعها بالتَّقسيط، لا يبيع قبل، إذا حازها وشراها -أرض أو سيارة أو بيت أو غيره- بعد ذلك يبيع بالتَّقسيط أو بالنَّقد بعدما يحوزها؛ لقوله ﷺ: لا تبع ما ليس عندك.
س: مَن حضر إلى الجماعة في التَّشهد الأخير من صلاة الفجر، هل الأفضل أن يجلس معهم، أم أنه يُصلي سنةَ الفجر ثم يُصلي لوحده؟
ج: لا، يُصلي معهم، ثم يُصلي سنةَ الفجر، إذا جاء وهم في التَّشهد يدخل معهم؛ لعموم قول النبي ﷺ: ما أدركتُم فصلوا، وما فاتكم فأتمُّوا، ما دام جاء وهم جلوس يجب أن يتشهد معهم، ثم يقوم ويأتي بالصَّلاة، يقضيها، ويُصلي سنة الفجر بعد ذلك، أو بعد طلوع الشمس في بيته، سنة الفجر بعد الصلاة، أو بعد طلوع الشمس، ما في بأس.
لعلَّ هذا يكفي بارك الله فيك، وبلغ سلامنا للجماعة.
نسأل الله للجميع التَّوفيق وصلاح النية والعمل، في أمان الله.