بسم الله الرحمن الرحيم، هذه محاضرة في أحكام النِّكاح، يُلقيها سماحة الشَّيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز في مدينة جبه عبر الهاتف، في الجامع الغربي، وذلك في ربيع الأول من عام 1418، فليتفضل مشكورًا.
الشيخ: التَّعاون بين الرِّجال والنساء إلى غير هذا من المصالح، قال الله : وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]، وقال سبحانه: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3].
وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء.
وهذا الحديث يدل على وجوب النِّكاح مع القُدرة، قال بعضُهم: يجب عند خوف الفتنة. والصواب أنه يجب مطلقًا لهذا الحديث العظيم، إذا استطاع الزوجُ المؤنة وجب عليه النِّكاح، ولا يجوز البقاء بغير نكاحٍ؛ لما في ذلك من الخطر العظيم؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج يعني: المؤنة فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء، عند العجز يُشرع له الصيام؛ لأنَّ ذلك يحدّ من الشَّهوة.
ويقول عليه الصلاة والسلام: تزوَّجوا الولود الودود؛ فإني مُكاثِرٌ بكم الأمم يوم القيامة، فهذا له شأنٌ عظيمٌ.
ولما قال بعضُ الناس: أما أنا فأصوم ولا أُفطر. والآخر قال: أما أنا فلا أتزوج النِّساء. وقال الآخر: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام. فقال عليه الصلاة والسلام: لكني أُصلي وأنام، وأصوم وأُفطر، وأتزوج النِّساء، فمَن رغب عن سُنتي فليس مني.
فالواجب على المسلمين التَّعاون في هذا الأمر، وعلى كل إنسانٍ يستطيع الباءة أن يتزوج، سواء كان شابًّا أو شيخًا، ما دام عنده شهوة، ويستطيع الزواج، يلزمه الزواج؛ لأنه أغضّ لبصره، وأحصن لفرجه.
وعليه أن يختار المرأةَ الطيبة؛ لقوله ﷺ: تُنكح المرأةُ لأربعٍ: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدِّين تربت يداك.
ويحرص على الودود الولود، ويعرف هذا من بيئتها -من بيئة المرأة- أنها ودود، وأنها ولود، يحرص على هذا؛ لأنَّ هذا أقرب إلى النَّجاح في النِّكاح وجمع الشَّمل، وشروط النِّكاح معروفة، أركانه ثلاثة:
الزوجان الخاليان من الموانع: يكون الزوجُ ليس فيه مانع، والزوجة ليس فيها مانع، لا من إحرامٍ، ولا من غيره.
والإيجاب والقبول: الإيجاب قول الولي: زوجتُك. والقبول قول الزوج: قبلتُ.
وله شروط أربعة:
أحدها: تعيين الزَّوجين، يكون الزوج معروفًا، والزوجة معروفة.
الثاني: رضاهما، رضا الزوجين.
الثالث: الولي، فوليها أبوها، ثم جدّها، ثم ابنها، ثم ابن ابنها وإن نزل، ثم أخوها الشَّقيق، ثم أخوها لأب، وهكذا كالميراث.
والرابع: الشَّهادة، شهادة عدلين على النكاح.
وينبغي للمؤمن أن يتحرى عند الزواج، لا يعجل حتى يتحرى المرأة الصالحة، من البيئة الصالحة؛ لأنَّ ذلك أقرب إلى النَّجاح والفائدة، وأكمل في حصول المقصود.
وينبغي الوليمة، وإعلان النكاح، الواجب إعلان النكاح، يجب إعلان النكاح حتى يعلم أنه زواج، وتُعرف الزوجة، ويُعرف الزوج؛ لأنَّ هذا خلاف السِّفاح، فإعلانه أمر واجب بالوليمة وغيرها من وجوه الإعلان؛ حتى يعلم الناسُ أنَّ فلانًا تزوج فلانة، تزوجت، ولا يتّهم هذا ولا هذا بشيءٍ من أمور الزنا.
والسُّنة الوليمة، النبي عليه السلام قال لعبدالرحمن بن عوف: أولم ولو بشاةٍ، الوليمة سنة؛ لما فيها من إعلان النكاح، ولو بشاةٍ يعني: ولو على الأقل شاة يُولم بها، أو شاتان، أو نحو ذلك حسب الحاجة.
والواجب أن يكون الزواجُ بطريقة واضحة، ليس فيها شبهة، يتحرى المرأة الصَّالحة، والنَّسب الصالح، ويُعلن النكاح بالوليمة وغيرها؛ حتى لا تكون هناك شبهة في هذا النكاح.
نسأل الله أن يُوفق الجميع لما يُرضيه، وأن يُعيذ الجميع من مُضلات الفتن، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، والثَّبات عليه، إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ.
الأسئلة:
س: بعض الناس بالغ في ولائم الزَّواج، حتى بلغ هذا الأمر إلى حدِّ نها الإسراف، وتُرمى بقايا الطعام في الزِّبالات، فما حكم ذلك؟ وما توجيهكم للناس حفظكم الله في هذا الأمر؟
ج: السنة الاقتصار وعدم التَّكلف في الوليمة، والإسراف لا يجوز، لكن يكون بقدر الحاجة، بقدر الناس المدعوين، وأما أن يصنع طعامًا كثيرًا لا حاجةَ إليه، فهذا من الإسراف، والله يقول جلَّ وعلا: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا [الأعراف:31]، فهو سبحانه لا يُحب السّرف، ولا يُحب المسرفين.
فالواجب على الزوج وعلى أهل الزوجة الاقتصاد في الولائم بقدر الحاجة؛ حتى لا تكون فتنة إضاعة أموالٍ بلا فائدةٍ.
س: ظاهرة تحدث أنَّ الزوج إذا خرج في صباح الزواج يسأله بعضُ الناس: هل أتى زوجته في هذه الليلة أم لا؟ ومنهم مَن يُحدث بما حدث بينه وبين زوجته من الأفعال، فما رأيكم في ذلك؟
ج: لا ينبغي هذا، ينبغي الكفّ عن هذا، بل يُدعا له، يقول: بارك الله لك، وعليك، وجمع بينكما في خيرٍ. أمَّا أن يسأل عمَّا جرى بينه وبين زوجته فلا.
س: وتحدثهم في ذلك؟
ج: ولكن يقول: بارك الله لك، وعليك، وجمع بينكما في خيرٍ. ويدعو له بالتَّوفيق وحُسن العاقبة، ما يُخالف.
س: وتحدث الزوج بما يحصل بينه وبين زوجته؟
ج: لا ينبغي هذا، لا يتحدث إلا إذا قال: إني طيب، وإني مبسوط والحمد لله. أما إني جامعتُها، وإني فعلتُ كذا. هذا عند الحاجة، إذا دعت الحاجةُ: لخصومةٍ، أو لنزاعٍ، أو من جهة المهر، أو شبهه، هذا شيءٌ آخر.
س: ما حكم إكراه البنت على النِّكاح في رجلٍ لا تُريده؟
ج: لا يجوز إكراهها، لا بدَّ من رضاها، يقول النبي ﷺ: والبكر يستأذنها أبوها، وإذنها سكوتها، ويقول ﷺ: لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكرُ حتى تُستأذن، قالوا: يا رسول الله، كيف إذنها؟ قال: أن تصمت، لا يجوز إجبارها، لا من أبيها، ولا من غيره، هذا هو الصواب، ولو كانت بكرًا ليس له إجبارها ما دامت بنت تسعٍ فأكثر، قد عقلت.
س: بعض الناس تزوج وقد أُكرهت زوجته عليه، ما حكم العقد الآن؟ هل يُعاد أم لا؟
ج: العقد غير صحيحٍ، فإذا رغبت فيه وتراضيا يُجدد العقد.
س: ولو بعد سنين؟
ج: ولو، إذا كانت مُكرهةً يُجدد العقد.
س: بعض الناس يقول: إنَّ الرجل إذا كانت عنده زوجتان أو أكثر، وأراد أن يُطلق إحداهما، لا بدَّ أن يُوكِّل في طلاقها، وإن لم يُوكل طلَّق كل زوجاته؟
ج: هذا جهل، إذا أراد أن يُطلق إحدى زوجتيه أو إحدى زوجاته عيَّنها، يقول: فلانة طالقة. فقط، ولا يحتاج وكيلًا، إذا عيَّنها كفى، تُطلق هي، وغيرها ما تُطلق، يُعينها: فلانة بنت فلان طالق. ولا يضرّ ذلك، ولو كان عنده ثلاث أخريات، ما يلزم الوكيل.
س: ما حكم تزويج مَن لا يُصلي الفجر إلا بعد طلوع الشَّمس؟
ج: مثل هذا لا يُزوج؛ لأنَّ ترك الصلاة عمدًا حتى يخرج وقتُها كفر وضلال، يقول النبي ﷺ: بين الرجل وبين الكفر والشِّرك ترك الصلاة، فمَن تعمَّد تركها حتى تطلع الشمس فقد تعمَّد تركها، وهكذا مَن ترك العصر حتى تغيب الشَّمس، لا يجوز تزويج مَن يتخلف عن الصلاة على المسلمة حتى يتوب إلى الله ويُحافظ على الصَّلوات.
س: ما رأيكم في رقص النِّساء في العُرس؟
ج: الرقص الذي بين النِّساء ما فيه شيء إذا كان ما فيه بدو عورات، ولا فيه مُنكر، هذا جائز بين النِّساء، والأصل الحلّ، ولا يحرم شيء إلا بالدليل، فرقص النِّساء بينهن أمرٌ معروف بينهن من قديم الزمان، إذا كانت ما تبدو عورتها، إنما الرأس ونحو ذلك من دون ظهور العورات فلا بأس.
س: زوج ترك الصَّلاة فترةً من الزمن، ثم عاد إليها، فهل يُجدد عقد النِّكاح أم لا؟
ج: لا، إذا تاب فهو على حاله، ما يحتاج تجديدًا، إذا تاب فالزوجة معه والحمد لله.
س: ما حكم مَن يفرض على الزوج من وليِّها وأمها مالًا لأنفسهم؟
ج: إذا التزم به قبل النكاح، إذا التزم لفلان كذا، ولفلان كذا، يُعطيه، لها مهرها، ولأبيها ما جعل له أو لأخيها، إذا تراضوا على هذا لا بأس.
س: بعض الناس يخصّون ليلة الاثنين والخميس والجمعة بالعُرس، ويكرهون الزَّواج ليلة الثلاثاء والأربعاء، فما حكم ذلك؟
ج: ما له أصل، هذا تشاؤم ما له أصل، الزَّواج في كل ليلةٍ، وفي كل النَّهار، ما في بأس، ما في حدٍّ محدود، الذي يتشاءم بليلة الثلاثاء أو غيرها هذا جاهل، مُنكر، يتزوج في أي وقتٍ أراد والحمد لله.
س: هل يكون هذا من الشِّرك: التَّشاؤم؟
ج: التَّشاؤم من الطيرة، من عمل الجاهلية، يجب عليه التوبة منه، قال النبي ﷺ: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، ولا نوء، ولا غول.
س: ما حكم رؤية المخطوبة؟
ج: سنة، والرسول أمر برؤيتها قبل العقد، ينظر إليها قبل؛ لأنَّ ذلك أقرب إلى أن يُؤدم بينهما، الرسول أمر بذلك عليه الصلاة والسلام إذا تيسر، أو يُرسل مَن يصفها له.
س: بعض أولياء الأمور يرفض أن يرى الخاطب ابنته، ويقول: إنَّ ابنتي ليست سلعةً؟
ج: لا، هذا جهل، هذا جهل، السنة أن يراها والحمد لله، لكن لا يخلو بها، يراها مع وجود أمها، أو أخيها، أو نحو ذلك، لا يخلو بها، أو يراها من بعيدٍ ولو ما درت.
س: ما معنى "العرق دسَّاس"؟ وما صحة هذا الحديث؟ وما معناه؟
ج: ما هو بصحيحٍ، ما هو بصحيحٍ.
س: ما حكم الضَّرب بالدُّف ليلة العُرس بالنسبة للنِّساء؟ هل هو سنة أم مباح؟
ج: سنة، سنة، ضرب الدُّف بين النِّساء سنة؛ لإعلان النكاح، إذا كنَّ وحدهن.
س: بعض الناس ..... بنته وهي صغيرة لتبدو كبيرة، وبعدما يكبر يكون الولدُ غير صالحٍ، ولا يُصلي الفجر، ويرتكب معاصٍ كبيرة، ما حكم تزويجه .....؟
ج: ينبغي ترك هذا؛ لأنَّ هذا خطر، قد يُفضي إلى أشياء ما هي بطيبة، وإذا زوج على طفلٍ صغيرٍ، الأولياء زوجوا، والد الطفل قبل لولده، وأبو البنت زوج، وحضر الشَّاهدان يكون نكاحًا، لكن ترك هذا أولى، والأطفال يُزوجهم آباؤهم: أبو الطفل يقبل لولده، وأبو الطفلة يُزوجها بحضور شاهدين، هذا لا بأس به، لكن تركه أولى وأحوط وأبعد عن الخطر.
س: يقول عليه الصلاة والسلام: إذا بلغت الحدودُ الوالي فلعن اللهُ الشَّافع والمشفع، السؤال: هل مراكز الهيئة والشُّرطة وأمثالها إذا وصلتها بعض القضايا هل يجوز لهم السّتر والعفو، وكذلك الشَّفاعة في ذلك، أم متى تحرم الشَّفاعة؟
ج: الأقرب أنها لا تجوز ما دامت وصلت الهيئة والشرطة؛ لأنهم نُواب السلطان، فلا يشفع في الحدود، أما التَّعزيرات فما فيها بأس، لكن الحدود: حد الزنا، حد السرقة، لا، أما التَّعزيرات أمرها واسع، أو القصاص أمره واسع.
س: بعض الناس يتساهل في موضوع الطلاق، فتجده في كل مناسبةٍ يقول: عليَّ طلاق. ويُكثر، ما نصيحتكم؟
ج: نصيحتي الترك، الحذر من هذا؛ لأنَّ هذا يُفضي إلى أن يُطلق ولا يدري، وتحرم عليه وهو ما يدري، ينبغي الحذر من هذا، ولا يُعود نفسه الطلاق إلا على بصيرةٍ.